بحار الأنوار

العلامة المجلسي ج 10


[ 1 ]

الف بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي ” قدس الله سره ” الجزء العاشر مؤسسة الوفاء بيروت – لبنان كافة الحقوق محفوظة ومسجلة الطبعة الثانية المصححة 1403 ه‍. 1983 م موسسة الوفاء – بيروت – لبنان – صرب: 1457 – هاتف: 386868


[ 1 ]

بسم الله الرحمن الرحيم * (أبواب احتجاجات) * * (أمير المؤمنين صلوات الله عليه وما صدر عنه من جوامع العلوم) * * (باب 1) * * (احتجاجه صلوات الله عليه على اليهود في أنواع كثيرة من العلوم) * * (ومسائل شتى) * 1 – ل: علي بن أحمد بن موسى، عن أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، عن بكر ابن عبد الله بن حبيب، عن عبد الرحيم بن علي بن سعيد الجبلي الصيدناني، وعبد الله بن الصلت – واللفظ له – عن الحسن بن نصر الخزاز، عن عمرو بن طلحة، عن أسباط بن نصر، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس قال: قدم يهوديان أخوان من رؤساء اليهود إلى المدينة، فقالا: يا قوم إن نبيا حدثنا عنه أنه قد ظهر بتهامة نبي يسفه أحلام اليهود، ويطعن في دينهم، ونحن نخاف أن يزيلنا عما كان عليه آباؤنا، فأيكم هذا النبي ؟ فإن يكن الذي بشر به داود آمنا به واتبعناه، وإن لم يكن يورد الكلام على ائتلافه ويقول الشعر ويقهرنا بلسانه جاهدناه بأنفسنا وأموالنا، فأيكم هذا النبي فقال المهاجرون والانصار: إن نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله) قد قبض. فقالا: الحمد لله فأيكم وصيه ؟ فما بعث الله عزوجل نبيا إلى قوم إلا وله وصي يؤدي عنه من بعده ويحكي عنه ما أمره ربه، فأومأ المهاجرون والانصار إلى أبي بكر، فقالوا: هذا (هو خ ل) وصيه.


[ 2 ]

فقالا لابي بكر: إنا نلقى عليك من المسائل ما يلقى على الاوصياء، ونسألك عما تسأل الاوصياء عنه. فقال لهما أبو بكر: ألقيا ما شئتما اخبر كما بجوابه إن شاء الله تعالى. فقال أحدهما: ما أنا وأنت عند الله عزوجل ؟ وما نفس في نفس ليس بينهما رحم ولا قرابة ؟ وما قبر سار بصاحبه ؟ ومن أين تطلع الشمس ؟ وفي أين تغرب (تغيب خ ل) ؟ وأين طلعت الشمس ثم لم تطلع فيه بعد ذلك ؟ وأين تكون الجنة ؟ وأين تكون النار ؟ وربك يحمل أو يحمل ؟ وأين يكون وجه ربك ؟ وما اثنان شاهدان، واثنان غائبان، واثنان متباغضان ؟ وما الواحد ؟ وما الاثنان ؟ وما الثلاثة ؟ وما الاربعة ؟ وما الخمسة ؟ وما الستة ؟ وما السبعة ؟ وما الثمانية ؟ وما التسعة ؟ وما العشرة ؟ وما الاحد عشر ؟ وما الاثنا عشر ؟ وما العشرون ؟ وما الثلاثون ؟ وما الاربعون ؟ وما الخمسون ؟ وما الستون ؟ وما السبعون ؟ وما الثمانون ؟ وما التسعون ؟ وما المائة ؟. قال: فبقي أبو بكر لا يرد جوابا، وتخوفنا أن يرتد القوم عن الاسلام، فأتيت منزل علي بن أبى طالب (عليه السلام) فقلت له: يا علي إن رؤساء اليهود قد قدموا المدينة و ألقوا على أبي بكر مسائل فبقي أبو بكر لا يرد جوابا، فتبسم علي (عليه السلام) ضاحكا ثم قال: هو اليوم الذي وعدني رسول الله (صلى الله عليه وآله) به، فأقبل يمشي أمامي، وما أخطأت مشيته من مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا حتى قعد في الموضع الذي كان يقعد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم التفت إلى اليهوديين فقال (عليه السلام): يا يهوديان ادنوا مني وألقيا علي ما ألقيتماه على الشيخ. فقال اليهوديان: ومن أنت ؟ فقال لهما: أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب أخو النبي (صلى الله عليه وآله)، وزوج ابنته فاطمة، وأبو الحسن والحسين، ووصيه في حالاته كلها، وصاحب كل منقبة وعز، وموضع سر النبي (صلى الله عليه وآله). فقال له أحد اليهوديين: ما أنا وأنت عند الله ؟ وقال (عليه السلام): أنا مؤمن منذ عرفت نفسي، وأنت كافر منذ عرفت نفسك، فما أدري ما يحدث الله فيك يا يهودي بعد ذلك. فقال اليهودي: فما نفس في نفس ليس بينهما رحم ولا قرابة ؟ قال (عليه السلام): ذاك يونس (عليه السلام) في بطن الحوت.


[ 3 ]

قال له: فما قبر سار بصاحبه ؟ قال: يونس حين طاف به الحوت في سبعة أبحر. قال له: فالشمس من أين تطلع ؟ قال: من قرني الشيطان. قال: فأين تغرب (تغيب خ ل) ؟ قال: في عين حامئة، قال لي حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تصلى في إقبالها ولا في إدبارها حتى تصير مقدار رمح أور محين. قال: فأين طلعت الشمس ثم لم تطلع في ذلك الموضع ؟ قال: في البحر حين فلقه الله لقوم موسى (عليه السلام). قال له: فربك يحمل أو يحمل ؟ قال: إن ربي عزوجل يحمل كل شئ بقدرته ولا يحمله شئ. قال: فكيف قوله عزوجل: ” ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ” ؟ قال: يا يهودي ألم تعلم أن لله ما في السماوات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى ؟ فكل شئ على الثرى، والثرى على القدرة، والقدرة به تحمل كل شئ. قال: فأين تكون الجنة ؟ وأين تكون النار ؟ قال: أما الجنة ففي السماء، و أما النار ففي الارض. قال: فأين يكون وجه ربك ؟ فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) لي: يا ابن عباس ائتني بنار وحطب، فأتيته بنار وحطب فأضرمها، ثم قال: يا يهودي أين يكون وجه هذه النار ؟ قال: لا أقف لها على وجه. قال: فان ربي عزوجل عن هذا المثل وله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله. فقال له: ما اثنان شاهدان ؟ قال: السماوات والارض لا يغيبان ساعة. قال: فما اثنان غائبان ؟ قال: الموت والحياة لا يوقف عليهما. قال: فما اثنان متباغضان ؟ قال: الليل والنهار. قال: فما الواحد ؟ قال: الله عزوجل: قال: فما الاثنان ؟ قال: آدم وحواء. قال: فما الثلاثة ؟ قال: كذبت النصارى على الله عزوجل قالوا: ثالث ثلاثة، والله لم يتخذ صاحبة ولا ولدا. قال: فما الاربعة ؟ قال: القرآن والزبور والتوراة والانجيل. قال: فما الخمسة ؟ قال: خمس صلوات مفترضات. قال: فما الستة ؟ قال: خلق الله السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام.


[ 4 ]

قال: فما السبعة ؟ قال: سبعة أبواب النار متطابقات. قال: فما الثمانية ؟ قال: ثمانية أبواب الجنة. قال: فما التسعة ؟ قال تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون. قال: فما العشرة ؟ قال: عشرة أيام العشر. قال: فما الاحد عشر ؟ قال: قول يوسف لابيه: ” يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين “. قال: فما الاثنا عشر ؟ قال: شهور السنة. قال: فما العشرون ؟ قال: بيع يوسف بعشرين درهما. قال: فما الثلاثون ؟ قال: ثلاثون يوما شهر رمضان صيامه فرض واجب على كل مؤمن إلا من كان مريضا أو على سفر. قال: فما الاربعون ؟ قال: كان ميقات موسى (عليه السلام) ثلاثون ليلة فأتمها الله عزو جل بعشر، فتم ميقات ربه أربعين ليلة. قال: فما الخمسون ؟ قال: لبث نوح (عليه السلام) في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما. قال: فما الستون ؟ قال: قول الله عزوجل في كفارة الظهار: ” فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ” إذا لم يقدر على صيام شهرين متتابعين. قال: فما السبعون: قال: اختار موسى من قومه سبعين رجلا لميقات ربه عزوجل. قال: فما الثمانون ؟ قال: فرية بالجزيرة يقال لها ثمانون، منها قعد نوح (عليه السلام) في السفينة واستوت على الجودي وأغرق الله القوم. قال: فما التسعون ؟ قال: الفلك المشحون، اتخذ نوح (عليه السلام) فيه تعسين بيتا للبهائم. قال: فما المائة ؟ قال: كان أجل داود (عليه السلام) ستين سنة فوهب له آدم (عليه السلام) أربعين سنة من عمره، فلما حضرت آدم الوفاة جحد فجحدت ذريته. فقال له: يا شاب صف لي محمدا كأني أنظر إليه حتى اومن به الساعة، فبكى أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قال: يا يهودي هيجت أحزاني، كان حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلت الجبين، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، سهل الخدين، أقنى الانف، دقيق المسربة، كث اللحية، براق الثنايا، كأن عنقه إبريق فضة، كان له شعيرات من


[ 5 ]

لبته إلى سرته ملفوفة كأنها قضيب كافور لم يكن في بدنه شعيرات غيرها، لم يكن بالطويل الذاهب ولا بالقصير النزر، كان إذا مشى مع الناس غمرهم نوره، وكان إذا مشى كأنه ينقلع من صخر أو ينحدر من صبب، كان مدور الكعبين، لطيف القدمين، دقيق الخصر، (1) عمامته السحاب، وسيفه ذو الفقار، وبغلته دلدل، وحماره اليعفور، وناقته العضباء، وفرسه لزاز، وقضيبه الممشوق، كان عليه الصلاة والسلام أشفق الناس على الناس، وأرأف الناس بالناس، كان بين كتفيه خاتم النبوة مكتوب على الخاتم سطران: أما أول سطر: فلا إله إلا الله، وأما الثاني: فمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذه صفته يا يهودي. فقال اليهوديان: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله – (صلى الله عليه وآله) – وأنك وصي محمد حقا. فأسلما وحسن إسلامهما ولزما أمير المؤمنين (عليه السلام) فكانا معه حتى كان من أمر الجمل ما كان، فخرجا معه إلى البصرة فقتل أحدهما في وقعة الجمل، وبقي الآخر حتى خرج معه إلى صفين فقتل بصفين. (2) بيان: قوله (عليه السلام): (والقدرة تحمل كل شئ) أي ليست القدره شيئا غير الذات بها تحمل الذات الاشياء، بل معنى حمل القدرة أن الذات سبب لوجود كل شئ و بقائه، قوله (عليه السلام): (الموت والحياة لا يوقف عليهما) أي على وقت حدوثهما وزوالهما. قوله: (متطابقات) أي مغلقات على أهلها، أو موافقات بعضها لبعض. قوله: (أيام العشر) أي عشر ذي الحجة، أو العشرة بدل الهدي كما سيأتي. (3). أقول: تفسير سائر أجزاء الخبر مفرق في الابواب المناسبة لها.


(1) قال الجزرى في النهاية: في صفته (عليه السلام): كان صلت الجبين أي واسعة. وكان ذا مسربة – بضم الراء -: ما دق من شعر الصدر سائلا إلى الجوف. وفي حديث آخر: كان دقيق المسربة وكث اللحية، الكثاثة في اللحية أن تكون غير دقيقة ولا طويلة وفيها كثافة. النزر: القليل التافه. الصبب: ما انحدر من الارض أو الطريق. الخصر: وسط الانسان فوق الورك. وقد تقدم تفسير بعض ألفاظ الخبر آنفا. (2) الخصال 2: 146 – 148. (3) أو تلك عشرة كاملة كما سيأتي.

[ 6 ]

2 – ل: أبي، عن سعد، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن أبيه، عن جعفر بن يحيى، عن أبيه رفعه إلى بعض الصادقين من آل محمد (صلى الله عليه وآله) قال: جاء رجلان من يهود خيبر ومعهما التوراة منشورة يريدان النبي (صلى الله عليه وآله) فوجداه قد قبض، فأتيا أبا بكر فقالا إنا قد جئنا نريد النبي لنسأله عن مسألة فوجدناه قد قبض. فقال: وما مسألتكما ؟ قالا: أخبرنا عن الواحد، والاثنين، والثلاثة، والاربعة، والخمسة والستة، والسبعة، والثمانية، والتسعة، والعشرة، والعشرين، والثلاثين، و الاربعين، والخمسين، والستين، والسبعين، والثمانين، والتسعين، والمائة. فقال لهما أبو بكر: ما عندي في هذا شئ ! ايتيا علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال: فأتياه فقصا عليه القصة من أولها ومعهما التوراة منشورة، فقال لهما أمير المؤمنين (عليه السلام): إن أنا أخبرتكما بما تجدانه عند كما تسلمان ؟ قالا: نعم. قال: أما الواحد: فهو الله وحده لا شريك له. وأما الاثنان: فهو قول الله عزوجل: ” لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد ؟. وأما الثلاثة والاربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية فهن: قول الله عز وجل في كتابه في أصحاب الكهف: ” سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم “. وأما التسعة: فهو قول الله عزوجل في كتابه: ” وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون “. وأما العشرة: فقول الله عزوجل: ” تلك عشرة كاملة “. وأما العشرون: فقول الله عزوجل في كتابه: ” إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين “. وأما الثلاثون والاربعون: فقول الله عزوجل في كتابه ” وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة “. وأما الخمسون: فقول الله عزوجل: ” في يوم كل مقداره خمسين ألف سنة “.


[ 7 ]

وأما الستون: فقول الله عزوجل في كتابه: ” فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا “. وأما السبعون: فقول الله عزوجل في كتابه: ” واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا “. وأما الثمانون: فقول الله عزوجل في كتابه: ” والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة “. وأما التسعون: فقول الله عزوجل في كتابه: ” إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة “. وأما المائة: فقول الله عزوجل في كتابه: ” الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة “. قال: فأسلم اليهوديان على يدي أمير المؤمنين (عليه السلام). (1) 3 – ل: أبي، عن سعد، عن محمد العطار، عن الاشعري، عن أبي عبد الله الرازي، عن أبي الحسن عيسى بن محمد بن عيسى بن عبد الله المحمدي من ولد محمد بن الحنفية، عن محمد بن جابر، عن عطاء، عن طاوس قال: أتى قوم من اليهود عمربن الخطاب وهو يومئذ وال على الناس، فقالوا له: أنت والي هذا الامر بعد نبيكم، وقد أتيناك نسألك عن أشياء إن أنت أخبر تنابها آمنا وصدقنا واتبعناك. فقال عمر: سلوا عما بدالكم. قالوا: أخبرنا عن أقفال السماوات السبع ومفاتيحها، وأخبرنا عن قبر سار بصاحبه، وأخبرنا عمن أنذر قومه ليس من الجن ولامن الانس، وأخبرنا عن موضع طلعت فيه الشمس ولم تعد إليه، وأخبرنا عن خمسة لم يخلقوا في الارحام، وعن واحد، واثنين، وثلاثة، وأربعة، وخمسة، وستة، وسبعة، وعن ثمانية، وتسعة، وعشرة، وحاد يعشر، وثاني عشر. قال: فأطرق عمر ساعة ثم فتح عينيه ثم قال: سألتم عمربن الخطاب عما ليس


(1) الخصال 2: 148 و 149.

[ 8 ]

له به علم، ولكن ابن عم رسول الله يخبركم بما سألتموني عنه، فأرسل إليه فدعاه فلما أتاه قال له: يا أبا الحسن إن معشر اليهود سألوني عن أشياء لم اجبهم فيها بشئ، وقد ضمنوا لي إن أخبرتهم أن يؤمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله). فقال لهم علي (عليه السلام): يا معشر اليهود أعرضوا علي مسائلكم. فقالوا له متل ما قالوا لعمر. فقال لهم علي (عليه السلام): أتريدون أن تسألوا عن شئ سوى هذا ؟ قالوا: لا يا أبا شبر وشبير. فقال لهم علي (عليه السلام): أما أقفال السماوات: فاشرك بالله. ومفاتيحها: قول لا إله إلا الله. وأما القبر الذي سار بصاحبه: فالحوت سار بيونس في بطنه البحار السبعة. وأما الذي أنذر قومه ليس من الجن ولا من الانس: فتلك نملة سليمان بن داود عليهما السلام. وأما الموضع الذي طلعت فيه الشمس فلم تعد إليه: فذاك البحر الذي أنجى الله عزوجل فيه موسى (عليه السلام) وغرق فيه فرعون وأصحابه. وأما الخمسة الذين لم يخلقوا في الارحام: فآدم وحواء وعصا موسى وناقة صالح وكبش إبراهيم (عليه السلام). وأما الواحد: فالله الواحد لا شريك له. وأما الاثنان: فآدم وحواء. وأما الثلاثة: فجبرئيل وميكائيل وإسرافيل. وأما الاربعة: فالتوراة والانجيل والزبور والفرقان. وأما الخمس فخمس صلوات مفروضات على النبي صلى الله عليه وآله. وأما الستة: فقول الله عزوجل: ” ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام “. وأما السبعة: فقول الله عزوجل: ” وبنينا فوقكم سبعا شدادا “. وأما الثمانية: فقول الله عزوجل: ” ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية “.


[ 9 ]

وأما التسعة: فالآيات المنزلات على موسى بن عمران (عليه السلام). وأما العشر: فقول الله عزوجل: ” وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر “. وأما الحادي عشر: فقول يوسف لابيه عليهما السلام: إني رأيت أحد عشر كوكبا. وأما الاثنا عشر: فقول الله عزوجل لموسى (عليه السلام): ” اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنثا عشرة عينا “. قال: فأقبل اليهود يقولون: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وأنك ابن عم رسول الله – (صلى الله عليه وآله) – ثم أقبلوا على عمر فقالوا: نشهد أن هذا أخو رسول الله، وأنه أحق بهذا المقام منك، وأسلم من كان معهم وحسن إسلامهم. (1) 4 – ن، ل: أبي، عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين الثقفي، عن صالح بن عقبة، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: لما هلك أبو بكر واستخلف عمر رجع عمر إلى المسجد فقعد فدخل عليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني رجل من اليهود وأنا علامتهم وقد أردت أن أسألك عن مسائل إن أجبتني فيها أسلمت. قال: ماهي ؟ قال: ثلاث، وثلاث، وواحدة، فإن شئت سألتك وإن كان في القوم أحد أعلم منك أرشدني إليه. قال: عليك بذلك الشاب – يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام) – فأتى عليا (عليه السلام) فسأله فقال له: لم قلت: ثلاثا وثلاثا وواحدة ؟ الا قلت سبعا ؟ قال: إني إذا لجاهل، إن لم تجبني في الثلاث اكتفيت. قال: فإن أجبتك تسلم ؟ قال: نعم. قال: سل. قال: أسألك عن أول حجر وضع على وجه الارض، وأول عين نبعت، وأول شجرة نبتت. قال: يا يهودي أنتم تقولون: إن أول حجر وضع على وجه الارض الحجر الذي في البيت المقدس وكذبتم، هو الحجر الذي نزل به آدم (عليه السلام) من الجنة. قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى.


(1) الخصال 2: 65.

[ 10 ]

قال: وأنتم تقولون: إن أول عين نبعت على وجه الارض العين التي ببيت المقدس وكذبتم، هي عين الحياة التي غسل فيها يوشع بن نون السمكة، (1) وهي العين التي شرب منها الخضر، وليس يشرب منها أحد إلا حي (حيي خ ل) قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى. قال: وأنتم تقولون: إن أول شجرة نبتت على وجه الارض الزيتون وكذبتم، هي العجوة (2) التي نزل بها آدم (عليه السلام) من الجنة معه. قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى (عليه السلام). قال: والثلاث الاخرى: كم لهذه الامة من إمام من إمام هدى لا يضرهم من خذلهم ؟ قال: اثنا عشر إماما. قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى. قال: فأين يسكن نبيكم من الجنة ؟ قال: في أعلاها درجة وأشرفها مكانا في جنات عدن. قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى. ثم قال: فمن ينزل معه في منزله ؟ قال: اثنا عشر إماما. قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى (عليه السلام). ثم قال: السابعة فاسلم: كم يعيش وصيه بعده ؟ قال: ثلاثين سنة. قال: ثم مه يموت أو يقتل ؟ قال: يقتل يضرب على قرنه وتخضب لحيته. قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى (عليه السلام) قال الصدوق رحمه الله في ل: وقد أخرجت هذا الحديث من طرق في كتاب الاوائل. (3) ك: حدثنا أبي وابن الوليد معا، عن سعد مثله. (4) ج: عن صالح بن عقبة مثله. (5)


(1) في الاحتجاج: غسل فيها النون موسى. (2) العجوة: التمر المحشى وتمر بالمدينة. (3) عيون الاخبار: 31 الخصال 2: 77. (4) في كمال الدين: وأول عين نبعت على وجه الارض، وأول شجرة نبتت على وجه الارض (5) كمال الدين: 175. وفيه ما يخالف العيون والخصال بما لا يضر بالمعنى. (5) الاحتجاج: 120. (*)

[ 11 ]

5 – ن: الحسين بن محمد الاشناني الرازي العدل ببلخ قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال: حدثنا داود بن سليمان الفراء قال: حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: إن يهوديا سأل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: اخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه الله. فقال علي (عليه السلام): أما مالا يعلمه الله فهو قولكم يا معشر اليهود: إن عزيرا ابن الله، والله تعالى لا يعلم له ولدا، وأما قولك، ما ليس لله فليس الله شريك، وأما قولك: ما ليس عند الله تعالى فليس عند الله ظلم للعباد. فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله – (صلى الله عليه وآله) -. (1) ن: بالاسانيد الثلاثة عن الرضا (عليه السلام) مثله. (2) صح: عنه (عليه السلام) مثله. (3) 6 – ما: شيخ الطائفة، عن أبي محمد الفحام السر مرائي، (4) عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن عبيدالله المنصوري، عن علي بن محمد العسكري، عن آبائه (عليهم السلام) أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: أخبرني عما ليس لله، و عما ليس عند الله، وعما لا يعلمه الله. فقال: أما مالا يعلمه الله فلا يعلم أن له ولدا تكذيبا لكم حيث قلتم: عزير ابن الله. وأما قولك: (ما ليس لله) فليس له شريك. (5) وأما قولك: (ما ليس عند الله)


(1) لم نجده في العيون والظاهر أن (ن) مصحف (يد) والحديث يوجد في التوحيد: 385. (2) عيون الاخبار: 210. (3) صحيفة الرضا: 38. (4) هكذا في الكتاب قال الفيروز آبادى في القاموس: ساء من رأى: بلدة، لما شرع في بنائه المعتصم ثقل ذلك على عسكره، فلما انتقل بهم إليها سر كل منهم برؤيتها فلزمها هذا الاسم والنسبة سرمرى وسامرى وسرى. (5) في المصدر: فليس لله شريك.

[ 12 ]

فليس عند الله ظلم العباد (1). فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأشهد أنك الحق ومن أهل الحق وقلت الحق، وأسلم على يده. (2) 7 – ع: حدثنا علي بن أحمد بن محمد رضى الله عنه قال: حدثنا محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد بإسناده رفعه قال: أتى علي بن أبي طالب (عليه السلام) يهودي فقال: يا أمير المؤمنين إني أسألك عن أشياء إن أنت أخبرتني بها أسلمت. قال: علي (عليه السلام): سلني يا يهودي عما بدالك، فإنك لا تصيب أحدا أعلم منا أهل البيت. فقال له اليهودي: أخبرني عن قرار هذه الارض على ما هو ؟ وعن شبه الولد أعمامه وأخواله ؟ ومن أي النطفتين يكون الشعر واللحم والعظم والعصب ؟ ولم سميت السماء سماء ؟ ولم سميت الدنيا دنيا ؟ ولم سميت الآخرة آخرة ؟ ولم سمي آدم آدم ؟ ولم سميت حواء حواء ؟ ولم سمي الدرهم درهما ؟ ولم سمي الدنيار دينارا ؟ ولم قيل للفرس: أجد ؟ ولم قيل للبغل: عد ؟ ولم قيل للحمار: حر ؟. فقال (عليه السلام): أما قرار هذه الارض لا يكون إلا على عاتق ملك، وقدما ذلك الملك على صخرة، والصخرة على قرن ثور، والثور قوائمه على ظهر الحوت في اليم الاسفل، واليم على الظلمة، والظلمة على العقيم، والعقيم على الثرى، وما يعلم تحت الثرى إلا الله عزوجل. (3) وأما شبه الولد أعمامه وأخواله فإذا سبق نطفة الرجل نطفة المرأة إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أعمامه، ومن نطفة الرجل يكون العظم والعصب، وإذا سبق نطفة المرأة نطفة الرجل إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أخواله، ومن نطفتها يكون الشعر و


(1) في المصدر: فليس عند الله ظلم للعباد. (2) أمالى الطوسى: 173. (3) قدوردت روايات من طريق العامة والخاصه تتضمن ما في الحديث من قرار الارض على عاتق ملك اه‍ وهى من متشابهات الاخبار التى لم نطلع على حقائقها والمراد منها، وقد تصدى بعض لتأويلها وتطبيقها على معادن لم نعلم صحتها فاللازم ارجاع علمها إلى الله والى العامين بالاسرار.

[ 13 ]

الجلد واللحم لانها صفراء رقيقة، وسميت السماء سماء لانها وسم الماء – يعني معدن الماء – وإنما سميت الدنيا دنيا لانها أدنى من كل شئ، وسميت الآخرة آخرة لان فيها الجزاء والثواب، وسمي آدم آدم لانه خلق من أديم الارض. وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث جبرئيل (عليه السلام) وأمره أن يأتيه من أديم الارض بأربع طينات: طينة بيضاء، وطينة حمراء، وطينة غبراء، وطينة سوداء، وذلك من سهلها وحزنها، ثم أمره أن يأتيه بأربع مياه: ماء عذب، وماء ملح، وماء مر، وماء منتن، ثم أمره أن يفرغ الماء في الطين وأدمه الله بيده فلم يفضل شئ من الطين يحتاج إلى الماء، ولا من الماء شئ يحتاج إلى الطين، فجعل الماء العذب في حلقه، وجعل الماء المالح في عينه، وجعل الماء المر في اذنيه، وجعل الماء المنتن في أنفه. وإنما سميت حواء حواء لانها خلقت من الحيوان وإنما قيل للفرس أجد، لان أول من ركب الخيل قابيل يوم قتل أخاه هابيل، وأنشأ يقول: أجد اليوم وما * ترك الناس دما فقيل للفرس أجد لذلك، وإنما قيل للبغل: عد لان أول من ركب البغل آدم (عليه السلام) وذلك لانه كان له ابن يقال له: معد، وكان عشوقا للدواب، وكان يسوق بآدم (عليه السلام)، فإذا تقاعس البغل (1) نادى: يا معد سقها، فألفت البغلة (2) اسم معد، فترك الناس معد وقالوا: عد، وإنما قيل للحمار حر لان أول من ركب الحمار حواء، وذلك أنه كان لها حمارة وكانت تركبها لزيارة قبر ولدها هابيل، وكانت تقول في مسيرها: واحراه، فإذا قالت هذه الكلمات سارت الحمارة، وإذا أمسكت تقاعست، فترك الناس ذلك وقالوا: حر، وإنما سمي الدرهم درهما لانه دار هم من جمعه ولم ينفقه في طاعة الله أورثه النار، وإنما سمي الدينار دينارا لانه دار النار من جمعه ولم ينفقه في طاعة الله تعالى أورثه النار. فقال اليهودي: صدقت يا أمير المؤمنين، إنا لنجد جميع ما وصف في التوراة،


(1) تقاعس الفرس وغيره، لم ينقد لقائده. (2) في نسخة: فالقبت البغلة، وفي هامش المصدر: (فابقيت خ ل).

[ 14 ]

فأسلم على يده ولازمه حتى قتل يوم صفين (1) بيان: قوله (عليه السلام): (لانه وسم الماء) يدل على أن السماء مشتق من السمة التي أصلها الوسم وهو بمعنى العلامة، وإنما عبر عنها بالمعدن لان معدن كل شئ علامة له. قال الفيروز آبادي: اسم الشئ بالضم والكسر وسمه وسماه مثلثتين: علامته. (3) قوله (عليه السلام): (لانه أدنى من كل شئ) أي أقرب إلينا، أو أسفل، أو أخس. قوله: (لان فيها الجزاء) أي والجزاء متأخر عن العمل. وقال الجوهري: وربما سمي وجه الارض أديما، وقال: الادم: الالفة و الاتفاق، يقال: أدم الله بينهما أي أصلح وألف. قوله: (أجد اليوم) كأنه من الاجادة أي أجد السعي لان الناس لا يتركون الدم بل يطلبونه مني إن ظفروا بي، أو من الوجدان أي أجد الناس اليوم لا يتركون الدم، أو بتشديد الدال من الجد والسعي فيرجع إلى الاول، ويمكن أن يكون في الاصل مكان (وما) قوله: (دما) أي أجد اليوم أخذت لنفسي دما وانتقمت من عدوي فيكون (ترك الناس دما) كلام الامام (عليه السلام). ثم إن القول للفرس الظاهر أنه يقال له ذلك عند زجره، قال الفيروز آبادي: إجد بكسرتين ساكنة الدال زجر للابل، وقال: عدعد زجر للبغل. (3) قوله (عليه السلام): (لانه دارهم) لعه كان أصله هكذا فصار بكثرة الاستعمال درهما. 7 – مع: محمد بن القاسم المفسر، عن يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسين بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه قال: كذبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا: سحر مبين تقوله، (4) فقال الله: ” ألم ذلك الكتاب ” أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلنه (5) عليك هو بالحروف المقطعة التي منها: ألف


(1) علل الشرائع: 12، الحديث الاول من الكتاب. (2) القاموس: فصل السين من الواو. (3) القاموس: فصل الهمزة والعين من الدال. (4) في نسخة: يقول. وفي اخرى: يقوله. (5) في نسخة انزلته.

[ 15 ]

لام، ميم، وهو بلغتكم وحروف هجائكم ” فأتوا بمثله إن كنتم صادقين ” واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم، ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله: ” قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ” ثم قال الله: ” ألم ” هو القرآن الذي افتتح بألم، هو ذلك الكتاب الذي أخبرت موسى فمن بعده من الانبياء، (1) فأخبروا بني إسرائيل أني سأنزله عليك يا محمد كتابا عزيزا (2) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ” لا ريب فيه ” لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل يقرؤه هو وامتهم على سائر أحوالهم ” هدى ” بيان من الضلالة ” للمتقين ” الذين يتقون الموبقات، ويتقون تسليط السفه على أنفسهم حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم رضى ربهم. قال: وقال الصادق (عليه السلام): ثم الالف حرف من حروف قولك: (الله) دل بالالف على قولك: الله، ودل باللام على قولك: الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين، ودل بالميم على انه المجيد المحمود في كل افعاله، وجعل هذا القول حجة على اليهود، وذلك ان الله لما بعث موسى بن عمران (عليه السلام) ثم من بعده من الانبياء (عليهم السلام) إلى بني اسرائيل لم يكن فيهم قوم (3) الا اخذوا عليهم اليهود العهود والمواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الامي المبعوث بمكة الذي يهاجر إلى المدينة، ياتي بكتاب بالحروف المقطعة (4) افتتاح بعض سوره يحفظه امته فيقرؤونه قياما وقعودا ومشاة وعلى كل الاحوال، يسهل الله عزوحل حفظه عليهم، ويقرنون بمحمد (صلى الله عليه وآله) اخاه ووصيه علي بن ابي طالب (عليه السلام) الاخذ عنه علومه التي علمها، والمتقلد عنه لامانته التي قلدها، ومذلل كل من عاند محمدا (صلى الله عليه وآله) بسيفه الباتر، ومفحم كل من حاوله وخاصمه بدليله القاهر، يقاتل عباد الله على تنزيل كتاب الله حتى يقودهم


(1) في نسخة: ومن بعده من الانبياء. (2) في نسخة كتابا عربيا. (3) في نسخة من الكتاب والمصدر: لم يكن فيهم احد. (4) في المصدر: من الحروف المقطعة.

[ 16 ]

إلى قبوله طائعين وكارهين، ثم إذا صار محمد (صلى الله عليه وآله) إلى رضوان الله عزوجل، وارتد كثير ممن كان اعطاه ظاهر الايمان وحرفوا تأويلاته وغيروا معانيه ووضعوها على خلاف وجوهها قاتلهم بعد على تأويله حتى يكون ابليس الغاوي لهم هو الخاسر الذليل المطرود المغلول. قال: فلما بعث الله محمدا واظهره بمكة ثم سيسره (هاجر خ ل) منها إلى المدينة واظهره بها ثم انزل عليه الكتاب وجعل افتتاح سورته الكبرى بألم يعني (الم ذلك الكتاب) وهو ذلك الكتاب الذي اخبرت انبيائي السالفين اني سأنزله عليك يا محمد (لاريب فيه) فقد ظهر كما اخبرهم به انبياؤهم ان محمدا ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل، يقرؤه هو وامته على سائر احوالهم، ثم اليهود يحرفونه عن جهته، ويتأولونه على غير وجهه، ويتعاطون التوصل إلى علم ما قد طواه الله عنهم من حال اجل (آجال خ ل) هذه الامة، وكم مدة ملكه (ملكهم خ ل) فجاء إلى رسول الله منهم جماعة فولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) مخاطبتهم، (1) فقال قائلهم: ان كان ما يقول محمد (صلى الله عليه وآله) حقا لقد (فقد خ ل) علمناكم قدر ملك امته، هو احدى وسبعون سنة: الالف واحد، واللام ثلاثون، والميم اربعون. فقال علي (عليه السلام): فما تصنعون بألمص وقد انزلت عليه ؟ قالوا: هذه إحدى و ستون ومائة سنة، قال: فماذا تصنعون (بألر) وقد انزلت عليه ؟ فقالوا: هذه أكثر هذه مائتان وإحدى وثلاثون سنة. فقال علي (عليه السلام): فما تصنعون بما انزل إليه (المر) ؟ قالوا: (2) هذه مائتان وإحدى وسبعون سنة. فقال علي (عليه السلام): فواحدة من هذه له أو جميعها له ؟ فاختلط كلامهم فبعضهم قال: له واحدة منها، وبعضهم قال: بل يجمع له كلها، وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة، ثم يرجع الملك إلينا – يعني إلى اليهود -. فقال علي (عليه السلام): أكتاب من كتب الله نطق بهذا، أم آراؤكم دلتكم عليه ؟ فقال


(1) في المصدر: فخاطبهم. (2) في هامش النسخة المقروءة على المصنف: فماذا تصنعون بألمر وقد انزلت عليه ؟ قالوا: هذه اكثر هذه اه‍ م.

[ 17 ]

بعضهم: كتاب الله نطق به، وقال آخرون منهم: بل آراؤنا دلت عليه. فقال علي (عليه السلام): فأتوا بالكتاب من عند الله ينطق بما تقولون، فعجزوا عن ايراد ذلك، وقال للاخرين: فدلونا على صواب هذا الرأي، فقالوا: صواب رأينا دليله ان هذا حساب الجمل. فقال (عليه السلام): كيف دل على ما تقولون وليس في هذه الحروف ما اقترحتم بلا بيان ؟ (1) أرأيتم ان قيل لكم: ان هذه الحروف ليست دالة على هذه المدة لملك امة محمد (صلى الله عليه وآله)، ولكنها دالة على ان كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب، أو أن عند كل واحد منكم دينا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير، (2) أو أن لعلى كل واحد منكم (3) دينا عدد ماله مثل عدد هذا الحساب ؟ قالوا: يا أبا الحسن ليس شئ مما ذكرته منصوصا عليه في ألم وألمص وألرا وألمر. فقال علي (عليه السلام): ولا شئ مما ذكرتموه منصوص عليه في ألم وألمص وألر وألمر، فان بطل قولنا لما قلتم بطل قولكم لما قلنا. فقال خطيبهم ومنطيقهم: لاتفرح يا علي بأن عجزنا عن اقامة حجة فيما نقوله على دعوانا، فأي حجة لك في دعواك، إلا أن تجعل عجزنا حجتك ؟ فإذا مالنا حجة فيما نقول ولا لكم حجة فيما تقولون. قال علي (عليه السلام): لا سواء، إن لنا حجة هي المعجزة الباهرة، ثم نادى جمال اليهود: يا ايتها الجمال اشهدي لمحمد ولوصيه، فتبادر الجمال: (4) صدقت صدقت يا وصي محمد وكذب هؤلاء اليهود. فقال علي (عليه السلام): هؤلاء جنس من الشهود، (5) يا ثياب اليهود التي عليهم اشهدي لمحمد ولوصيه، فنطقت ثيابهم كلها: صدقت صدقت يا علي نشهد أن محمدا رسول الله حقا، وانك يا علي وصيه حقا، لم يثبت محمدا قدم في مكرمة إلا وطئت على


(1) في نسخة: وليس في هذه الحروف دلالة على ما اقترحتموه. (2) في المصدر هكذا: أو ان عدد ذلك لكل واحد منكم ومنا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير، وهو لا يخلو عن تصحيف. (3) في النسخة المقروءة على المصنف: أو أن لعلي على كل واحد منكم اه‍. (4) في نسخة: فنادت الجمال. (5) في نسخة: هؤلاء خير من اليهود. والمصدر خال عنه.

[ 18 ]

موضع قدمه بمثل مكرمته، فانتما شقيقان من اشرف انوار الله (1) فميزتما اثنين، و أنتما في الفضائل شريكان الا انه لانبي بعد محمد (صلى الله عليه وآله)، فعند ذلك خرست اليهود، وآمن بعض النظارة منهم برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وغلب الشقاء على اليهود وسائر النظارة الاخرين، فذلك ما قال الله تعالى: (لا ريب فيه) انه كما قال محمد ووصي محمد عن قول محمد (صلى الله عليه وآله) عن قول رب العالمين، ثم قال: (هدى) بيان وشفاء (للمتقين) من شيعة محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام)، انهم اتقوا انواع الكفر فتركوها، واتقوا الذنوب الموبقات فرفضوها، واتقوا اظهار اسرار الله واسرار ازكياء عباده الاوصياء بعد محمد (صلى الله عليه وآله) فكتموها، واتقوا ستر العلوم (2) عن اهلها المستحقين لها ومنهم (فيهم خ ل) نشروها. (3) 9 – يد: القطان والدقاق معا عن ابن زكريا، عن ابن حبيب، عن محمد بن عبيد الله، عن علي بن الحكم، عن عبد الرحمن بن اسود، عن جعفر بن محمد، عن ابيه (عليه السلام) قال: كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) صديقان يهوديان قد آمنا بموسى رسول الله (عليه السلام) وأتيا محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمعا منه، وقد كانا قرآ التوراة وصحف ابراهيم (عليه السلام)، وعلما علم الكتب الاولى، فلما قبض الله تبارك وتعالى رسوله أقبلا يسألان عن صاحب الامر بعده وقالا: انه لم يمت نبي قط الا وله خليفة يقوم بالامر في امته من بعده، قريب القرابة إليه من اهل بيته، عظيم الخطر (4) جليل الشأن. فقال احدهما لصاحبه: هل تعرف صاحب الامر من بعد هذا النبي ؟ قال الاخر لا أعلمه الا بالصفة التي أجدها في التوراة: هو الاصلع المصفر (5) فانه كان أقرب القوم من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما دخلا المدينة وسألا عن الخليفة ارشد إلى ابي بكر


(1) في نسخة: من اشراف انوار الله. وفي المصدر من اشراق (اشرف خ ل) انوار الله. (2) في نسخة: واتقوا اسرار العلوم. (3) معاني الاخبار: 12 و 13 (4) في نسخة: عظيم القدر. (5) في نسخة: هو الاصلع المصفر.

[ 19 ]

فلما نظرا إليه قالا: ليس هذا صاحبنا، ثم قالا له: ما قرابتك من رسول الله ؟ قال: اني رجل من عشيرته، وهو زوج ابنتي عائشة. قالا: هل غير هذا ؟ قال: لا. قالا: ليست هذه بقرابة، فأخبرنا اين ربك ؟ قال فوق سبع سماوات. قال: هل غير هذا ؟ قال: لا. قالا: دلنا على من هو اعلم منك، فانك انت لست بالرجل الذي نجد في التوراة انه وصي هذا النبي وخليفته. قال فتغيظ من قولهما وهم بهما، ثم ارشدهما إلى عمر – وذلك انه عرف من عمر انهما إن استقبلاه بشئ بطش بهما فلما أتياه قالا: ما قرابتك من هذا النبي ؟ قال: أنا من عشيرته وهو زوج ابنتي حفصة قالا: هل غير هذا ؟ قالا: ليست هذه بقرابة وليست هذه الصفة التي نجدها في التوراة ثم قالا له قأين ربك ؟ قال: فوق سبع سماوات، قالا: هل غير هذا ؟ قال: لا قالا: دلنا على من هو أعلم منك، فارشد هما إلى علي (عليه السلام)، فلما جاآه فنظرا إليه قال أحدهما لصاحبه: إنه الرجل الذي صفته في التوراة أنه وصي هذا النبي و خليفته وزوج ابنته، وأبو السبطين، والقائم بالحق من بعده ثم قالا لعلي (عليه السلام) أيها الرجل ما قرابتك من رسول ؟ قال هو أخي، وأنا وارثه ووصيه وأول من آمن به، وأنا زوج ابنته قالا: هذه القرابة الفاخرة والمنزلة القريبة وهذه الصفة التي نجدها في التوراة فأين ربك (1) عزوجل ؟ قال لهما علي (عليه السلام): أن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيكما موسى (عليه السلام)، وإن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) قالا: أنبئنا بالذي كان على عهد نبينا موسى (عليه السلام) قال علي (عليه السلام): أقبل أربعة أملاك: ملك من المشرق، وملك من المغرب، وملك من السماء وملك من الارض، فقال صاحب المشرق، لصاحب المغرب: من أين أقبلت ؟ قال: أقبلت من عند ربي، و قال صاحب المغرب لصاحب المشرق: من أين أقبلت ؟ قال: أقبلت من عند ربي، وقال النازل من السماء للخارج من الارض: من أين أقبلت ؟ قال: أقبلت من عند


(1) في المصدر ثم قالاله: فاين ربك

[ 20 ]

ربي، وقال الخارج من الارض للنازل من السماء: من أين اقبلت ؟ قال أقبلت من عند ربي، فهذا ماكان على عهد نبيكما موسى (عليه السلام) وأما ماكان على عهد نبينا (صلى الله عليه وآله) فذلك قوله في محكم كتابه: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) الآية قال اليهوديان: فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الذي أنت أهله ؟ فوالذي أنزل التوراة على موسى (عليه السلام) إنك لانت الخليفة حقا نجد صفتك في كتبنا، ونقرؤه في كنائسنا، وأنك لانت أحق بهذا الامر وأولى به ممن قد غلبك عليه فقال علي (عليه السلام): قد ما وأخرا وحسابهما على الله عزوجل يوقفان و يسألان (1) بيان: المصفر كمعظم: الجائع، واصفر: افتقر وفي بعض النسخ بالغين المعجمة وعلى التقادير لعله كناية عن المغصوبية والمظلومية قوله: (قدما) أي من أخره الله عن رتبة الامامة (وأخرا) أي عن الا مامة من جعله الله أهلا لها 10 – ك: محمد بن الفضيل، عن زكريا بن يحيى، عن عبد الله بن مسلم، عن إبراهيم بن يحيى الاسلمي، (2) عن عمار بن جوبن، (3) عن أبي الطفيل عامر بن واثلة (4) قال: شهدنا الصلاة على أبي بكر ثم اجتمعنا إلى عمر بن الخطاب فبايعناه و أقمنا أياما نختلف إلى المسجد إليه حتى سموه أمير المؤمنين، فبينا نحن جلوس عنده يوما إذ جاء يهودي من يهود المدينة وهو يزعم أنه من ولد هارون أخي موسى (عليه السلام)


(1) التوحيد: 171 – 173. (2) في الاسناد اختصار والتفصيل على ما في المصدز هكذا: أخبرنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر بنيسابور قال: حدثنا أبويحيى زكريا بن الحارث البزاز قال حدثنا عبد الله بن مسلم الدمشقي، قال: حدثنا ابراهيم بن بحيى الاسلمي المدنى الدمشقي. (3) هكذا في الكتاب ومصدره، والصحيح عمارة بن جوين الذى ترجمه ابن حجر في التقريب ص 378 بما حاصله: عمارة بن جوين بجيم مصغر أبو هارون العبدى مشهور بكنيته شيعي من الرابعة مات سنة اربع وثلاثين قلت: يعنى بعد المائة (4) هو عامرين واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثى أبو الطفيل، ولد عام احد ورأى النبي (صلى الله عليه وآله) وعمر إلى أن مات سية عشر ومائة وهو آخر من مات من الصحابة

[ 21 ]

حتى وقف على عمر فقال له: اليهودي يا أمير المؤمنين أيكم اعلم بعلم نبيكم وكتاب ربكم حتى اسأله عما اريد ؟ فأشار عمر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له اليهودي: أكذلك أنت يا على ؟ قال (عليه السلام): نعم سل عما تريد قال: إني اسألك عن ثلاث، وعن ثلاث، وواحدة فقال له علي (عليه السلام): لم لا تقول: إني أسألك عن سبع ؟ قال له اليهودي: أسألك عن ثلاث فإن أصبت فيهن سألتك عن الثلاث الا خرى، فإن أصبت سألتك عن الواحدة وإن أخطأت في الثلاث الاولى لم أسألك عن شئ فقال له علي (عليه السلام): وما يدريك إذا سألتني فأجبتك أصبت أم أخطأت ؟ فضرب بيده إلى كمه فاستخرج كتابا عتيقا فقال: هذا ورثته عن آبائي وأجدادي إملاء موسى ابن عمران وخط هارون، وفيه هذه الخصال التي اريد أن أسألك عنها فقال له علي (عليه السلام) إن عليك (2) إن أجبتك فيهن بالصواب أن تسلم ؟ فقال اليهودي: والله إن أجبتني فيهن بالصواب لاسلمن الساعة على يديك قال له علي (عليه السلام): سل قال: أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الارض، وأخبرني عن أول شجرة نبتت على وجه الارض، وأخبرني عن أول عين نبعت على وجه الارض فقال له علي (عليه السلام): يا يهودي أما أول حجر وضع على وجه الارض فإن اليهود يزعمون أنها صخر بيت المقدس وكذبوا، ولكنه الحجر الاسود نزل به آدم (عليه السلام) من الجنة (2) فوضعه في ركن البيت والناس يتمسحون به ويقبلونه ويجددون العهد والميثاق فيما بينهم و بين الله عزوجل قال اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت قال له علي (عليه السلام): وأما أول شجرة نبتت على وجه الارض فإن اليهود يزعمون أنها الزيتونة وكذبوا ولكنها النخلة من العجوة نزل بها آدم (عليه السلام) معه من الجنة، فأصل النخل كله من العجوة قال له اليهودي اشهد بالله لقد صدقت قال له علي (عليه السلام) وأما أول عين نبعت على وجه الارض فإن اليهود يز عمون


(1) في الصدر: إن لى عليك (2) في المصدر: نزل به آدم معه من الجنة

[ 22 ]

أنها العين التي نبعت تحت صخرة بيت المقدس وكذبوا، ولكنها عين الحياة (1) التي نسي عندها صاحب موسى السمكة المالحة، فلما أصابها ماء العين عاشت وسربت فاتبعها موسى وصاحبه فلقيا الخضر. قال له اليهودي: اشهد بالله لقد صدقت. قال له علي (عليه السلام) سل (2) قال: أخبرني عن هذه الامة كم لها بعد نبيها من إمام عادل ؟ وإخبرني عن منزل محمد أين هو من الجنة ؟ ومن يسكن معه في منزله ؟ قال له علي (عليه السلام): يا يهودي يكون لهذه الامة بعد نبيها اثنا عشر إماما عدلا لا يضرهم خلاف من خالف عليهم (3) قال له اليهودي أشهد (4) لقد صدقت. قال له علي (عليه السلام): وأما منزل محمد (صلى الله عليه وآله) من الجنة في جنة عدن، وهي وسط الجنان وأقربها إلى عرش الرحمن جل جلاله قال له اشهد بالله لقد صدقت قال له علي (عليه السلام) والذين يسكنون معه في الجنة هؤلاء الاثنا عشر إماما (5) قال له اليهودي: اشهد بالله لقد صدقت قال له علي (عليه السلام): سل (6) قال: أخبرني عن وصى محمد (صلى الله عليه وآله) من أهله (7) كم يعيش من بعده ؟ وهل يموت موتا أو يقتل قتلا ؟ فقال له علي (عليه السلام): يا يهودي يعيش بعده ثلاثين سنة ويخضب منه هذه من هذا – وأشار إلى رأسه – قال: فوثب إليه اليهودي فقال: أشهد أن لاإله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنك وصي رسول الله (8) 11 – نى: ابن عقدة عن محمد الفضل، (9) عن ابراهيم بن مهزم عن خاقان ابن سليمان، (10) عن إبراهيم بن أبي يحيى المدني، (11) عن أبي هارون العبدي (12)


(1) في المصدر: ولكنها عين الحيوان (2) في المصدر: سل عن الثلاث الاخر (3) في المصدر: من خالفهم (4) في المصدر: اشهد بالله (5) في المصدر: هؤلاء الائمة الاثنا عشر (6) في المصدر: سل عن الواحدة (7) في المصدر في اهله. (8) كمال الدين: 172 (9) في المصدر: حدثنا محمد بن الفضل بن الفضل بن إبراهيم بن قيس بن رمانة الاشعري من كتابه (10) وصفه في المصدر بالخزاز (11) لعله ابراهيم بن محمد بن أبى يحيى الا سلمى أبو إسحاق المدنى المتوفى سنة 184، أو 191 المترجم في التقريب ص 26 (12) هو عمارة بن جوين المتقدم ذكره

[ 23 ]

عن عمربن أبي سلمة ربيب رسول الله (صلى الله عليه واله) (1) وعن أبي الطفيل قالا: شهدنا الصلاة على أبي بكر، وساقا الحديث إلى آخره (2) ك: ماجيلويه، عن محمد بن الهيثم، (3) عن البرقي، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن حيان السراج، عن داود بن سليمان، عن ابي الطفيل مثله (4) 12 – ك: أبي وابن الوليد معا، عن سعد ومحمد العطار وأحمد بن إدريس جميعا عن البرقي وابن يزيد وابن هاشم جميعا، عن ابن فضال، عن أيمن بن محرز عن محمد ابن سماعة، عن إبراهيم بن أبي يحيى المدني، (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (6) وقد أوردنا اخبر بهذين السندين في باب نص أمير المؤمنين (عليه السلام) على الاثني عشر صلوات الله عليهم، وقد أوردنا هناك خبرا آخر قريبا مما أوردنا ههنا. 13 – نى: ابن عقدة عن حميد بن زياد، عن جعفر بن إسماعيل، عن ابن أبي نجران، عن إسماعيل بن علي البصري، عن أبي أيوب المؤدب، عن أبيه – وكان مؤدبا


(1) هو عمربن أبى سلمة بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمربن مخزوم القرشى المخزومى ربيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، امه ام سلمة المخزومية ام المؤمنين، يكنى أبا حفص ولد في السنة الثانية بأرض الحبشة، وقيل: إنه كان يوم قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن تسع سنين، وشهد مع على رضى الله عنه الجمل، واستعمله على رضى الله عنه على فارس و البحرين، وتوفى بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان سنة ثلاث وثمانين، قاله ابن عبدالبرفى الاستيعاب قلت: روى السيد الرضى رحمة الله تعالى عليه في نهج البلاغة أن عليا (عليه السلام) عزله عن البحرين وولى النعمان بن عجلان الزرقى مكانه، وكتب له معه: أما بعد فاني قد وليت النعمان بن الزرقى على البحرين، ونزعت يدك بلا ذم لك ولا تشريب عليك فلقد أحسنت الولاية وأديت الامانة، فاقبل غير ظنين ولا ملوم ولامتهم ولا مأثوم فلقد اردت المسير إلى ظلمة أهل الشام، وأجببت أن تشهد معى فانك ممن أستظهر به على جهاد العدوو اقامة عمود الدين ان شاء الله (2) غيبة النعماني: 51، وفيه زيادة واختلاف في الالفاظ (3) في المصدر: محمد بن أبى القاسم ولعله الصحيح (4) كمال الدين: 174 (5) في المصدر: يحيى بن ابراهيم المدنى (6) كمال الدين: 173.

[ 24 ]

لبعض ولد جعفر بن محمد (عليمها السلام) – قال: لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل المدينة رجل من ولد داود على دين اليهودية فرأى السكك خالية، فقال لبعض أهل المدينة: ما حالكم ؟ فقيل له: توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال الداودي: أما إنه توفي اليوم الذي هو في كتابنا ثم قال: فأين الناس ؟ فقيل له: في المسجد، فأتى المسجد فإذا أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن عوف و أبو عبيدة بن الجراج والناس قد غص المسجد بهم فقال: أوسعوا حتى أدخل، وأرشدوني إلى الذي خلفه نبيكم، فأرشدوه إلى أبي بكر فقال له: إنني من ولد داود على دين اليهودية، وقد جئت لا سأل عن أربعة أحرف، فإن خبرت بها أسلمت، فقالوا له: انتظر قيلا، وأقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من بعض ابواب المسجد. فقالوا له: عليك بالفتي فقام إليه فلما دنا منه قال له: أنت علي بن أبي طالب ؟ فقال له علي (عليه السلام): أنت فلان بن داود ؟ قال: نعم، فأخذ على يده وجاء به إلى أبي بكر فقال له اليهودي: إني سألت هؤلاء عن أربعة أحرف فأرشدوني اليك لاسألك قال: اسأل قال: ما أول حرف كلم الله تعالى به نبيكم لما اسري به ورجع من عند ربه ؟ وخبرني عن الملك الذي زحم نبيكم ولم يسلم عليه، وخبرني عن الاربعة الذين كشف عنهم مالك طبقا من النار وكلموا نبيكم، وخبرني عن منبر نبيكم أي موضع هي من الجنة ؟ قال علي (عليه السلام): أول ما كلم الله به نبينا (صلى الله عليه وآله) قول الله تعالى: (آمن الرسول بما انزل إليه من ربه) ؟ قال: ليس هذا أردت قال فقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (والمؤمنون كل آمن بالله) قال: ليس هذا أردت قال: اترك الامر مستورا. قال لتخبرني أو لست أنت هو ؟ قال: أما إذ أبيت فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما رجع من عند ربه والحجب ترفع له قبل أن يصير إلى موضع جبرئيل (عليه السلام) ناداه ملك: يا أحمد قال: لبيك قال: إن الله تعالى يقرء عليك السلام ويقول لك: اقرء على


[ 25 ]

السيد الولي (1) فقال الملك: علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال اليهودي: صدقت والله إني لاجد ذلك في كتاب أبي فقال علي (عليه السلام): وأما الملك الذي زخم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فملك الموت جاء من عند جبار من أهل الدنيا، قد تكلم بكلام عظيم فغضب لله، فزحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يعرفه فقال جبرئيل (عليه السلام): يا ملك الموت هذا رسول الله أحمد حبيب الله (صلى الله عليه وآله)، فرجع إليه فلصق به واعتذر، وقال: يا رسول الله إني أتيت ملكا جبارا قد تكلم بكلام عظيم فغضبت لله ولم أعرفك، فعذره، وأما الاربعة الذين كشف عنهم مالك طبقا من النار فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآله مر بمالك ولم يضحك قط (2) فقال جبرئيل (عليه السلام) يا مالك هذا نبي الرحمة، (3) فتبسم في وجهه، (4) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مره يكشف طبقا من النار (5) فكشف طبقا فإذا قابيل ونمرود وفرعون وهامان فقالوا: يا محمد اسأل ربك أن يردنا إلى دار الدنيا حتى نعمل صالحا، فغضب جبرئيل وقال بريشة من ريش جناحه فرد عليهم طبق النار، وأما منبر رسول الله فإن مسكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنة عدن هي جنة (6) خلقها الله تعالى بيده ومعه فيها اثنا عشر وصيا، وفوقه (7) قبة يقال لها الرضوان، وفوق قبة الرضوان منزل يقال لها الوسيلة، وليس في الجنة منزل يشبهه، هو منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال اليهودي: صدقت والله إنه لفي كتاب أبي داود يتوارثونه واحد بعد واحد حتى صار إلي، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنه الذي بشر


(1) في هامش المصدر: اقره على السيد الولى منا السلام فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من السيد الولى ؟ فقال اه‍ (2) في هامش المصدر: منذ خلق خ ص. (3) زاد في هامش المصدر: محمد خ ص. (4) في هامش المصدر: ولم يتبسم لاحد غيره خ ص. (5) في هامش المصدر: مره أن يكشف لاحد طبقا خ ص. (6) في هامش المصدر: وهى جنة خ. (7) في هامش المصدر: فوقها خ ص.

[ 26 ]

به موسى (عليه السلام) وأشهد أنك عالم هذه الامة ووصي رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال: فعلمه أمير المؤمنين شرائع الدين. (1) 14 – يل، فض: بالاسناد يرفعه إلى أنس بن مالك قال: دخل يهودي في خلافة أبي بكر وقال: اريد خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاؤوا به إلى أبي بكر فقال له اليهود: أنت خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال: نعم أما تنظرني في مقامه ومحرابه ؟ ! فقال له: إن كنت كما تقول يا أبا بكر اريد أن أسألك عن أشياء (2) قال: اسأل عما بدالك وما تريد فقال اليهودي: أخبرني عماليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه الله فقال عند ذلك أبو بكر: هذه مسائل الزنادقة يا يهودي، فعند ذلك هم المسلمون بقتله، وكان فيمن حضر ابن عباس رضي الله عنه فزعق بالناس وقال: يا أبا بكر امهل في قتله قال له: أما سمعت (3) ما قد تكلم به ؟ فقال ابن عباس: فإن كان جوابه عندكم وإلا فأخر جوه حيث شاء من الارض قال: فأخرجوه وهو يقول: لعن الله قوما جلسوا في غير مراتبهم (4) يريدون قتل النفس التي قدحرم الله بغير علم. قال: فخرج وهو يقول: أيها الناس ذهب الاسلام حتى لا يجيبون، (5) اين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ وأين خليفة رسول الله ؟ قال: فتبعه ابن عباس وقال له: اذهب (5) إلى عيبة علم النبوة إلى منزل علي ابن أبي طالب (عليه السلام) قال فعند ذلك أقبل أبو بكر والمسلمون في طلب اليهودي فلحقوه في بعض الطريق فأخذوه وجاؤوا به إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)


(1) غيبة النعماني: 53 (2) في الفضائل: اسألك عن أشياء إن كنت تجيب سألتك (3) في الفضائل: قال فعندها هم المسلمون بقتل اليهودي وكان ممن حضر ذلك ابن عباس فزعق بالناس وقال: يا ابا بكر ما انصفتم الرجل، فقال: أما سمعت اه‍. (4) في الفضائل: لعن الله قوما جلسوا في مقام النبي (صلى الله عليه وآله) بغير مراتبهم. (5) في المصدر: ذهب الاسلام حتى لا تجيبوا عن مسألة واحدة (6) في المصدر: ويلك اذهب

[ 27 ]

فأستأذنوا عليه ثم دخلوا عليه وقد ازدحم الناس، قوم يبكون، وقوم يضحكون. قال: فقال أبو بكر: يا أبا الحسن إن هذا اليهودي سألني عن مسألة من مسائل الزنادقة. فقال الامام (عليه السلام): ما تقول يا يهودي ؟ فقال اليهودي: أسأل وتفعل بي مثل ما فعل بي هؤلاء. قال: وأي شئ أرادوا يفعلون بك ؟ (1) قال: أرادوا أن يذهبوا بدمي فقال الامام (عليه السلام): دع هذا واسأل عما شئت. فقال: سؤالي لا يعلمه إلا نبي أو وصي نبي. قال: اسأل عما بدالك. (2) فقال اليهودي: أجبني عما ليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه الله. فقال له علي (عليه السلام): على شرط يا أخا اليهود. قال: وما الشرط ؟ قال: تقول معي قولا عدلا مخلصا: (3) لا إله إلا الله، محمد رسول الله. فقال: نعم يا مولاي. (4) فقال (عليه السلام): يا أخا اليهود أما قولك: ما ليس لله فليس لله صاحبة ولاولد. قال: صدقت يا مولاي. وأما قولك: ما ليس عند الله فليس عند الله الظلم. قال: صدقت يا مولاي. وأما قولك: ما ليس يعلمه الله فإن الله لا يعلم أن له شريكا ولا وزيرا وهو على كل شئ قدير. (5) فعند ذلك قال: مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) رسول الله، وأنك خليفته حقا ووصيه ووارث علمه، فجزاك الله عن الاسلام خيرا. قال: فضج الناس عند ذلك. فقال أبو بكر: يا كاشف الكربات يا علي أنت فارج الهم.


(1) في المصدر: أي شئ أرادوا ان يفعلوا بك ؟. (2) في المصدر: سل عما تريد. فقال اليهودي: انبئنى. وفى الفضائل: فعند ذلك قال اليهودي: اخبرني. (3) في الفضائل: مخلصا بالرضا. (4) زاد في الفضائل: كيف ما أقول. (5) في الفضائل: وهو قادر على ما يريد وفى الروضة: وهو القادر على ما يشاء ويريد

[ 28 ]

قال: فعند ذلك خرج أبو بكر ورقى المنبر وقال: أقيلوني أقيلوني أقيلوني، لست بخير كم وعلي فيكم. قال: فخرج إليه عمر وقال: أمسك يا أبا بكر عن هذا الكلام فقد ارتضيناك لا نفسنا، ثم أنزله عن المنبر فاخبر بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) بيان: الزعق الصياح * (باب 2) * * (آخر في احتجاجه صلوات الله عليه على بعض اليهود بذكر) * * (معجزات النبي (صلى الله عليه وآله)) * 1 – ج: روي عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليه السلام) أن يهوديا من يهود الشام وأحبارهم كان قد قرأ التوراة والانجيل والزبور وصحف الانبياء (عليهم السلام) وعرف دلائلهم جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفيهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وابن عباس وأبو معبد الجهني، (2) فقال: يا امة محمد ما تركتم لنبي درجة ولا لمرسل فضيلة إلا نحلتموها نبيكم، فهل تجيبوني عما أسألكم عنه ؟ فكاع القوم عنه. فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): نعم ما أعطى الله عزوجل نبيا درجة ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد (صلى الله عليه وآله) وزاد محمد (صلى الله عليه وآله) على الانبياء أضعافا مضاعفة. فقال له اليهودي: فهل أنت مجيبني ؟ قال له: نعم، سأذكر لك اليوم من فضائل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يقر الله به أعين المؤمنين، ويكون فيه أزالة لشك الشاكين في فضائله إنه عليه الصلاة والسلام كان إذا ذكر لنفسه فضيلة قال: ولافخر، وأنا أذكر لك فضائله غير مزر بالانبياء ولا منتقص لهم، ولكن شكر الله عزوجل على ما أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله) مثل ما أعطاهم، وما زاده الله وما فضله عليهم


(1) الفضائل: 178، الروضة: 137 وفيهما اختلافات لفظية يسيرة (2) في المصدر: أبو سعيد الجهني، والظاهر أنه مصحف، وهو عبد الله بن حكيم الجهنى، قال ابن الاثير في اسد الغابة 3: 145 عبد الله بن حكيم الجهنى أدرك النبي (صلى الله عليه وآله) ولا يعرف له سماع قاله البخاري، وقال أبو حاتم الرازي انما هو عبد الله بن حكيم أبو معبد الجهنى

[ 29 ]

فقال له اليهودي: إني أسألك فأعد له جوابا فقال له على (عليه السلام): هات. قال له اليهودي: هذا آدم (عليه السلام) أسجد الله له ملائكته، فهل فعل بمحمد شيئا من هذا ؟ فقال له علي (عليه السلام): لقد كان ذلك، ولئن أسجد الله لآدم ملائكته فإن سجودهم لم يكن سجود طاعة إنم عبدوا آدم (1) من دون الله عزوجل، ولكن اعترفوا (اعترافا خ ل) لآدم بالفضيلة ورحمة من الله له، ومحمد صلى الله عليه وآله اعطي ما هو افضل من هذا، إن الله تعالى صلى عليه في جبروته، والملائكة باجمعها، وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهودي قال له اليهودي: فإن آدم تاب الله عليه من بعد خطيئته قال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) نزل فيه ما هو اكبر من هذا من غير ذنب أتى، قال الله عز وجل: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) إن محمدا غير مواف القيامة بوزر ولا مطلوب فيها بذنب قال له اليهودي: فإن هذا إدريس (عليه السلام) رفعه الله عز وجل مكانا عليا وأطعمه من تحف الجنة بعد وفاته قال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، محمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل من هذا إن الله جل ثناؤه قال فيه: (ورفعنا لك ذكرك) فكفى بهذا من الله رفعة، ولئن اطعم إدريس من تحف الجنة بعد وفاته فإن محمدا (صلى الله عليه وآله) اطعم في الدنيا في حياته بينما يتضور جوعا (2) فأتاه جبرئيل بجام من الجنة فيه تحفة، فهلل الجام وهللت التحفة في يده وسبحا وكبرا وحمدا، فناولها أهل بيته ففعل الجام مثل ذلك، فهم أن يناولها بعض أصحابه فتناولها جبرئيل (عليه السلام) فقال له: كلها فإنها تحفة من الجنة أتحفك الله بها، وإنها لا تصلح إلا لنبي أو وصي نبي، فأكل (صلى الله عليه وآله) وأكلنا معه (منه خ ل) وإني لا جد حلاوتها ساعتي هذه. فقال له اليهودي: فهذا نوح (عليه السلام) صبر في ذات الله عزوجل وأعذار قومه إذ كذب. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) صبر في ذات الله وأعذر قومه إذ كذب


(1) في المصدر: وانهم عبدوا آدم. (2) أي يتلوى من وجع الجوع

[ 30 ]

وشرد وحصب بالحصى وعلاه أبو لهب بسلا شاة، (1) فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جابيل (2) ملك الجبال: أن شق الجبال، وانته إلى أمر محمد (صلى الله عليه وآله)، فاتاه فقال له: إني قد امرت لك بالطاعة، فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال (3) فأهلكتهم بها. قال عليه الصلاة والسلام: إنما بعثت رحمة رب اهد امتي فإنهم لا يعلمون ويحك يا يهودي إن نوحا لما شاهد غرق قومه رق عليهم رقة القرابة وأظهر عليهم شفقة، فقال: (رب إن ابني من أهلي) فقال الله تبارك وتعالى اسمه: (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) إراد جل ذكره إن يسليه بذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) لما علنت من قومه المعاندة (4) شهر عليهم سيف النقمة ولم تدركه فيهم رقة القرابة، ولم ينظر إليهم بعين مقة قال له اليهودي فإن نوحا دعا ربه فهطلت له السماء بماء منهمر (5) قال له (عليه السلام) لقد كان كذلك وكانت دعوته دعوة غضب ومحمد (صلى الله عليه وآله) هطلت له السماء بماء منهمر رحمة، إنه (عليه السلام) (6) لما هاجر إلى المدينة أتاه اهلها في يوم جمعة، فقالوا له: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) احتبس القطر، واصفر العود، وتهافت الورق، (7) فرفع يده المباركة حتى رئي بياض إبطيه، وما ترى في السماء سحابة، فمابرح حتى سقاهم الله، حتى أن الشاب المعجب بشبابه لتهمه نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر من شدة السيل، فدام اسبوعا، فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يارسول الله لقد تهدمت الجدر، واحتبس الركب والسفر، فضحك عليه الصلاة والسلام وقال: هذه سرعة ملالة ابن آدم ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم في اصول الشيح ومراتع البقع) فرئي حوالي المدينة


(1) في المصدر بسلاناقة وشاة. (2) في نسخة: إلى حامل. وفى اخرى: إلى جاجائيل. وفى ثالثة. حبابيل (3) في نسخة: وان امرت أطبقت عليهم الجبال. (4) في المصدر: لما غلبت عليه من قومه المعاندة. (5) انهمر الماء: انسكب وسال. (6) في المصدر: وذلك انه (عليه السلام). (7) أي تساقط وتتابع

[ 31 ]

المطر يقطر قطرا، وما يقع في المدينة قطرة لكرامته على الله عزوجل قال له اليهودي: فإن هذا هود (عليه السلام) قد انتصر الله له من أعدئه بالريح، فهل فعل بمحمد (صلى الله عليه وآله) شيئا من هذا ؟ قال (عليه السلام) لقد كان كذلك محمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل من هذا إن الله عزوجل ذكره قدانتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق إذ أرسل عليهم ريحا تذر والحصى، وجنودا لم يروها فزاد الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وآله على هود بثمانية آلاف ملك وفضله على هود بأن ريح عاد ريح سخط، وريح محمد (صلى الله عليه وآله) ريح رحمة، قال الله تبارك وتعالى: (يا إيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاء تكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) قال له اليهودي: فإن هذا صالح إخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة قال علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، ومحمد عليه وآله السلام اعطي ما هو أفضل من ذلك إن ناقة صالح لم تكلم صالحا ولم تناطقه ولم تشهد له بالنبوة ومحمد (صلى الله عليه وآله) بينما نحن معه في بعض غزواته إذا هو ببعير قددنا ثم رغا (1) فأنطقه الله عزوجل فقال: يارسول الله إن فلانا استعملني حتى كبرت ويريد نحري، فأنا أستعيذ بك منه، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى صاحبه فاستوهبه منه فوهبه له وخلاه، ولقد كنا معه فإذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها وقد استسلم للقطع لما زور عليه من الشهود، فنطقت له الناقة فقالت: يا رسول الله إن فلانا مني برئ، وإن الشهود يشهدون عليه بالزور، وإن سارقي فلان اليهودي. قال له اليهودي: فإن هذا إبراهيم قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى، وأحاطت دلالته بعلم الايمان به قال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، واعطي محمد (صلى الله عليه وآله) افضل من ذلك قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى وأحاطت دلالته (دلائله خ ل) بعلم الايمان به، وتيقظ إبراهيم وهو ابن خمسة عشرة سنة، ومحمد (صلى الله عليه وآله) كان ابن سبع سنين قدم تجار من النصارى فنزلوا بتجرتهم بين الصفا والمروة، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته ونعته وخبر مبعثه وآياته (صلى الله عليه وآله).


(1) رغا البعير: صوت وضج

[ 32 ]

فقالوا له: يا غلام ما اسمك ؟ قال: محمد قالوا: ما اسم أبيك ؟ قال: عبد الله قالوا ما اسم هذه ؟ – وأشاروا بأيديهم إلى الارض – قال: الارض. قالوا: فما اسم هذه ؟ – وأشاروا بأيديهم إلى السماء – قال: السماء قالوا: فمن ربهما ؟ قال: الله، ثم انتهرهم وقال: أتشككونني في الله عزوجل ؟ ويحك يا يهودي لقد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله عزوجل مع كفر قومه إذ هو بينهم يستقسمون بالا زلام ويعبدون الاوثان، وهو يقول: لا إله إلا الله. قال اليهودي: فإن إبراهيم (عليه السلام) حجب عن نمرود بحجب ثلاثة فقال علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) حجب عمن أراد قتله بحجب خمس، فثلاثة بثلاثة واثنان فضل، قال الله عزوجل وهو يصف أمر محمد (صلى الله عليه وآله) فقال: (وجعلنا من بين أيديهم سدا) فهذا الحجاب الاول (ومن خلفهم سدا) فهذا الحجاب الثاني (فإغشيناهم فهم لا يبصرون) فهذا الحجاب الثالث، ثم قال: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) فهذا الحجاب الرابع، ثم قال: (فهى إلى الا ذقان فهم مقمحون) فهذه حجب خمسة قال له اليهودي: فإن إبراهيم (عليه السلام) قد بهت الذي كفر ببرهان نبوته قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) أتاه مكذب بالبعث بعد الموت وهو ابي بن خلف الجمحي معه غظم نخرففر كه (1) ثم قال: يا محمد (من يحيي العظام وهى رميم) فأنطق الله محمدا (صلى الله عليه وآله) بمحكم آياته وبهته ببرهان نبوته، فقال: (يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) فانصرف مبهوتا قال له اليهودي: فان هذا إبراهيم جذ (2) أصنام قومه غضبا لله عزوجل. قال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك ومحمد (صلى الله عليه وآله) قد نكس عن الكعبة ثلاث مائة و ستين صنما، ونفاها من جزيرة العرب، وأذل من عبدها بالسيف قال له اليهودي: فان هذا إبراهيم (عليه السلام) قدأ ضجع ولده وتله (3) للجبين فقال


(1) نخر العظم: بلى وتفتت، فهو ناخر ونخر فرك الشئ: حكه حتى تفتت. (2) جذه: كسره فانكسر (3) تله أي صرعه

[ 33 ]

له على (عليهم السلام) لقد كان كذلك ولقد اعطي إبراهيم (عليه السلام) بعد الاضجاع (الاضطجاع خ ل) الفداء ومحمد (صلى الله عليه وآله) اصيب بأفجع منه فجيعة إنه وقف عليه وآله الصلاة والسلام على عمه حمزة أسد الله، وأسد رسوله، وناصر دينه، وقد فرق بين روحه وجسدة، فلم يبين عليه حرقة، ولم يفض عليه عبرة، ولم ينظر إلى موضعه من قلبه وقلوب أهل بيته ليرضي الله عزوجل بصبره ويستسلم لامره في جميع الفعال، وقال (صلى الله عليه وآله): لولا أن تحزن صفية لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير، ولولا أن يكون سنة بعدي لفعلت ذلك. قال له اليهودي: فإن أبراهيم (عليه السلام) قد أسلمه قومه إلى الحريق فصبر فجعل الله عزوجل النار عليه بردا وسلاما فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك ؟ قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك ومحمد (صلى الله عليه وآله) لما نزل بخيبر سمته الخيبرية فستر الله السم (1) في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله، فالسم يحرق إذا استقر في الجوف، كما أن النار تحرق، فهذا من قدرته لا تنكره. قال له اليهودي: فإن هذا يعقوب (عليه السلام) أعظم في الخير نصيبه، إذ جعل الاسباط من سلالة صلبه، ومريم ابنة عمران من بناته قال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، و محمد (صلى الله عليه وآله) أعظم في الخير نصيبا منه إذ جعل فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء العالمين من بناته والحسن والحسين من حفدته. قال له اليهودي: فإن يعقوب (عليه السلام) قد صبر على فراق ولده حتى كاد يحرض (2) من الحزن قال علي (عليه السلام) لقد كان كذلك وكان حزن يعقوب حزنا بعده تلاق ومحمد (صلى الله عليه وآله) قبض ولده إبراهيم قرة عينه في حياة منه، وخصه بالاختبار ليعظم له الادخار، فقال (صلى الله عليه وآله): تحزن النفس، ويجزع القلب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ولا نقول ما يسخط الرب في كل ذلك يؤثر الرضا عن الله عز ذكره والاستسلام له في جميع الفعال.


(1) في المصدر: فصير الله السم (2) حرض: كان مضنى مرضا فاسدا

[ 34 ]

فقال اليهودي: فإن هذا يوسف (عليه السلام) قاسى مرارة الفرقة، وحبس في السجن توقيا للمعصية، فالقي في الجب وحيدا. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، محمد (صلى الله عليه وآله) قاسى مرارة الغربة وفارق الاهل والا ولاد والمال مهاجرا من حرم الله تعالى وأمنه فلما رأى الله عزوجل كأبته واستشعاره الحزن (1) أراه تبارك وتعالى اسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف (عليه السلام) في تأويلها، وأبان للعالمين صدق تحقيقها، فقال: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم و مقصرين لا تخافون) ولئن كان يوسف (عليه السلام) حبس في السجن فلقد حبس رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه في الشعب ثلاثة سنين، وقطع منه أقار به وذووا الرحم، و ألجؤوه إلى أضيق المضيق، فلقد كادهم الله عز ذكره له كيدا مستبينا، إذ بعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه، ولئن كان يوسف (عليه السلام) القي في الجب فلقد حبس محمد (صلى الله عليه وآله) نفسه مخافة عدوه في الغار حتى قال لصاحبه: (لا تحزن إن الله معنا) ومدحه الله بذلك في كتابه. فقال له اليهودي: فهذا موسى بن عمران (عليه السلام) آتاه الله التوراة التي فيها حكم (2) قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل منه، أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله) سورة البقرة والمائدة بالانجيل، وطواسين وطه ونصف المفصل و الحواميم بالتوراة، وأعطى نصف المفصل والتسابيح بالزبور، وأعطى سورة بني إسرائيل وبراءة بصحف إبراهيم (عليه السلام) وصحف موسى (عليه السلام)، وزاد الله عز ذكره محمدا (صلى الله عليه وآله) السبع الطوال، وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم وأعطى الكتاب والحكمة. قال له اليهودي: فإن موسى (عليه السلام) ناجاه الله عزوجل على طورسيناء. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ولقد أوحى الله عزوجل إلى محمد (صلى الله عليه وآله) عند سدرة المنتهى، فمقامه في السماء محمود، وعند منتهى العرش مذكور. قال له اليهودي فلقد ألقى الله على موسى (عليه السلام) محبة منه. قال له علي (عليه السلام)


(1) الكأبة: الغم وسوء الحال والانكسار من الحزن. استشعر الخوف أي جعله شعار قلبه. (2) في المصدر: فيها حكمه.

[ 35 ]

لقد كان كذلك، ولقد أعطى الله محمدا (صلى الله عليه وآله) ما هو أفضل منه، لقد ألقى الله عزوجل عليه محبة منه، فمن هذا الذي يشركه في هذا الاسم إذتم من الله عزوجل به الشهادة فلاتتم الشهادة إلا أن يقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ينادى به على المنابر، فلا يرفع صوت بذكر الله عزوجل إلا رفع بذكر محمد (صلى الله عليه وآله) معه. قال له اليهودي: لقد أوحى الله إلى ام موسى لفضل منزلة موسى (عليه السلام) عند الله عزوجل. قال علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ولقد لطف الله جل ثناؤه لام محمد (صلى الله عليه وآله) بأن أوصل إليها اسمه حتى قالت: إشهد والعالمون أن محمدا (صلى الله عليه وآله) منتظر، وشهد الملائكة على الانبياء أنهم أثبتوه في الاسفار، (1) وبلطف من الله عزوجل ساقه إليها ووصل إليها اسمه لفضل منزلته عنده حتى رأت في المنام أنه قيل لها: إنما في بطنك سيد فإذا ولدته فسميه محمدا (صلى الله عليه وآله)، فاشتق الله له اسما من أسمائه، فالله محمود وهذا محمد (صلى الله عليه وآله) قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد أرسله إلى فرعون وأراه الآية الكبرى. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) أرسله إلى فراعنة شتى، مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، وأبي البختري، والنضر بن الحارث وابي بن خلف، ومنبه وبنيه ابني الحجاج، وإلى الخمسة المستهزئين: الوليدبن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والا سودبن عبد يغوث الزهري، و الاسود بن المطلب، والحارث بن الطلاطلة (2) فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتى تبين لهم أنه الحق قال له اليهودي: لقد انتقهم الله لموسى (عليه السلام) من فرعون. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمد (صلى الله عليه وآله) من الفراعنة، فأما المستهزؤون فقد قال الله تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين) فقتل الله كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد، فإما الوليد المغيرة فمر بنبل لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطريق فأصابه شظية منه فانقطع أكحله حتى أدماه فمات وهو يقول: قتلني رب محمد – (صلى الله عليه وآله) -.


(1) الاسفار جمع السفر بالكسر فالسكون: التوراة. (2) في المصدر: والحارث بن أبى الطلالة.

[ 36 ]

وأما العاص بن وائل فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده (1) تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة فمات وهو يقول: قتلني رب محمد – (صلى الله عليه وآله) -. وأما الاسود بن عبديغوث فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة فاستظل بشجرة فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنع عني هذا فقال: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلا نفسك فقتله وهو يقول: قتلني رب محمد وأما الا سودبن المطلب فإن النبي (صلى الله عليه وآله) دعا عليه أن يعمي الله بصره وأن يثكله ولده فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع فأتاه جبرئيل بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي وبقى حتى أثكله الله عزوجل ولده. وأما الحارث بن الطلاطلة (1) فإنه خرج من بينه في السموم (2) فتحول حبشيا فرجع إلى أهله فقال: أنا الحارث فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: قتلني رب محمد – (صلى الله عليه وآله) -. وروي أن الاسود بن الحارث أكل حوتا مالحا فأصابه العطش فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه فمات وهو يقول: قتلني رب محمد كل ذلك في ساعة واحدة، وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالواله: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك، فدخل النبي (صلى الله عليه وآله) في منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم فأتاه جبرئيل (عليه السلام) عن الله ساعته فقال له: يا محمد السلام يقرء عليك السلام وهو يقول: (اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) يعني أظهر أمرك لاهل مكة و ادعهم إلى الا يمان قال: يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني ؟ قال له: (إنا كفيناك المستهزئين) قال: يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي قال قد كفيتهم، فأظهر أمره عند ذلك،


(1) أي فتد حرج. (2) في المصدر: وأما الحارث بن أبى الطلالة. (3) السموم: الريح الحارة.

[ 37 ]

وأما بقيتهم من الفراعنة (1) فقتلوا يوم بدر بالسيف، وهزم الله الجمع وولوا الدبر. قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد اعطي العصا فكانت تتحول ثعبانا. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو افضل من هذا، إن رجلا كان يطالب أبا جهل بن هشام بدين ثمن جزور قد اشتراه، فاشتغل عنه و جلس يشرب، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه فقال له بعض المستهزئين: من تطلب ؟ قال: عمرو بن هشام – يعني أبا جهل – لي عليه دين، قال: فأدلك على من يستخرج الحقوق ؟ قال: نعم، فدله على النبي (صلى الله عليه وآله) وكان أبو جهل يقول: ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر به وأرده، فاتى الرجل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: يا محمد بلغني أن بينك و بين عمر وبن هشام حسن، (2) وأنا أستشفع بك إليه، فقام معه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأتى بابه، فقال له: قم يا أبا جهل فأد إلى الرجل حقه، وإنما كناه أبا جهل (3) ذلك اليوم، فقام مسرعا حتى أدى إليه حقه، فلما رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه: فعلت ذلك فرقا من محمد، قال: ويحكم أعذروني، إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا بأيديهم حراب تتلالؤ، وعن يساره ثعبانان تصطك أسنانهما وتلمع النيران من أبصارهما، لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني ويقضمني الثعبانان، هذا أكبر مما اعطي، (4) ثعبان بثعبان موسى (عليه السلام)، وزاد الله محمدا (صلى الله عليه وآله) ثعبانا وثمانية أملاك معهم الحراب، ولقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) يؤذي قريشا بالدعاء، فقام يوما فسفه أحلامهم، وعاب دينهم، وشتم أصنامهم، وضلل آباءهم فاغتموا من ذلك غما شديدا، فقال أبو جهل: والله للموت خير لنا من الحياة، فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمدا فيقتل به ؟ فقالواله: لا، قال: فأنا أقتله، فإن شاءت بنو عبد المطلب قتلوني به، وإلا تركوني، قالوا: إنك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به.


(1) في المصدر: وأما بقية الفراعنة. (2) في هامش الكتاب: خشن ظ. وفي المصدر: حسن صداقة. (3) في المصدر: وانما كناه بابى جهل اه‍. (4) في المصدر: مما اعطى موسى.

[ 38 ]

قال: إنه كثير السجود حول الكعبة فإذا جاء وسجد أخذت حجرا فشد خته به، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فطاف بالبيت اسبوعا، ثم صلى وأطال السجود، فأخذ أبو جهل حجرا فأتاه من قبل رأسه، فلما أن قرب منه أقبل فحل من قبل رسول الله فاغرا فاه نحوه، فلما أن رآه أبو جهل فزع منه وارتعدت يده، وطرح الحجر فشدخ رجله فرجع مدمى متغير اللون يفيض عرقا فقال له أصحابه: ما رأينا كاليوم، (1) قال:: ويحكم أعذروني فإنه من عنده فحل فاغرا فاه فكاد يبتلعني فرميت بالحجر فشدخت رجلي. قال له اليهودي: فإن موسى (عليه السلام) قد اعطي اليد البيضاء، فهل فعل بمحمد شئ من هذا ؟ قال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل من هذا إن نورا كان يضئ عن يمينه حيثما جلس، وعن يساره أينما جلس، وكان يراه الناس كلهم قال له اليهودي: فإن موسى (عليه السلام) قد ضرب له في البحر طريق، فهل فعل بمحمد شئ من هذا ؟ فقال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل من هذا خرجنا معه إلى حنين فإذا نحن بواد يشخب، (2) فقد رناه فإذا هو أربع عشرة قامة، فقالوا: يا رسول الله العدو من ورائنا والوادي أمامنا، كما قال أصحاب موسى: إنا لمدركون، فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: (اللهم إنك جعلت لكل مرسل دلالة فأرني قدرتك) وركب (صلى الله عليه وآله) فعبرت الخيل لاتندى (3) حوافرها، والابل لاتندى أخفانها، فرجعنا فكان فتحنا فتحا قال له اليهودي: فإن موسى (عليه السلام) قد اعطي الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) لما نزل الحديبية وحاصره أهل مكة قد اعطي ما هو أفضل من ذلك، وذلك أن أصحابه شكوا إليه الظماء وأصابهم ذلك حتى التفت خواصر الخيل، فذكروا له (صلى الله عليه وآله) ذلك فدعا بركوة يمانية ثم نصب


(1) في المصدر: ما رايناك كاليوم (2) أي يسيل. (3) أي لاتبتل (*)

[ 39 ]

يده المباركة فيها فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل (1) رواء، وملانا كل مزادة (2) وسقاء، ولقد كنا معه بالحديبية وإذا ثم قليب (3) جافة، فأخرج (صلى الله عليه وآله) سهما من كنانته فناوله البراء بن عازب فقال له: اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فأغرسه فيها ففعل ذلك فتفجرت منه اثنتا عشرة عينا من تحت السهم، ولقد كان يوم الميضأة (4) عبرة وعلامة للمنكرين لنبوته كحجر موسى حيث دعا بالميضأة فنصب يده فيها ففاضت بالماء وارتفع حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل، وشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم وحملوا ما أرادوا. قال له اليهودي: فإن موسى (عليه السلام) قد اعطي المن والسلوى، فهل اعطي محمد (صلى الله عليه وآله) نظير هذا ؟ (5) قال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل من هذا إن الله عزوجل أحل له الغنائم ولامته ولم تحل لا حد قبله، فهذا أفضل من المن والسلوى، ثم زاده أن جعل النية له ولامته عملا صالحا، (6) ولم يجعل لا حد من الا مم ذلك قبله فإذاهم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشرة. قال له اليهودي: فإن موسى (عليه السلام) قد ظلل عليه الغمام. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، وقد فعل ذلك لموسى (عليه السلام) في التيه، واعطي محمد (صلى الله عليه واله) افضل من هذا، ان الغمامة كانت تظلله من يوم ولد الى يوم قبض في حضره واسفاره، فهذا افضل مما اعطي موسى (عليه السلام). قال له اليهودي: فهذا داود قد ألان الله عزوجل له الحديد (7) فعمل منه الدروع. قال له (عليه السلام) لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل منه إنه لين


(1) صدر عن الماء: رجع عنه (2) المزادة: ما يوضع فيه الزاد (3) القليب: البئر وقيل: البئر القديمة (4) الميضأة والميضاءة: الموضع يتوضأ فيه المطهرة يتوضأ منها (5) في نسخة: فهل فعل بمحمد (صلى الله عليه وآله) هذا ؟ (6) في المصدر: ثم زاده أن جعل النية له ولامته بلا عمل عملا صالحا (7) في المصدر: قدلين الله له الحديد

[ 40 ]

الله عزوجل له الصم الصخور الصلاب وجعلها غارا، ولقد غارت الصخرة تحت يده ببيت المقدس لينة حتى صارت كهيئة العجين، قد رأينا ذلك والتمسناه تحت رايته قال له اليهودي: فإن هذا داود بكى على خطيئته حتى سارت الجبال معه لخوفه. قال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو افضل من هذا، إنه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره وجوفه أزيز كأزيز المرجل على الا ثافي من شدة البكاء وقد أمنه الله عزوجل من عقابه، فأراد أن يتخشع لربه ببكائه، ويكون إماما لمن اقتدى به ولقد قام عليه وآله السلام عشر سنين على أصراف أصابعة حتى تورمت قدماه واصفر وجهه، يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك فقال الله عزوجل (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) بل لتسعد به، ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: يا رسول الله أليس الله عزوجل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال: بلى أفلا أكون عبدأ شكورا ؟ ولئن سارت الجبال وسبحت معه لقد عمل محمد (صلى الله عليه وآله) ما هو أفضل من هذا إذكنا معه على جبل حراء إذ تحرك الجبل فقال له: قر فليس عليك إلا نبي وصديق شهيد، فقر الجبل مجيبا لامره ومنتهيا إلى طاعته، ولقد مررنا معه بجبل وإذا الدموع تخرج من بعضه فقال له النبي صلى الله عليه وآله: ما يبكيك يا جبل فقال: يارسول الله كان المسيح مربي وهو يخوف الناس بنار (1) وقودها الناس والحجارة فأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة، قال له: لا تخف تلك حجارة الكبريت، فقر الجبل وسكن وهدأ، وأجاب لقوله (صلى الله عليه وآله) قال له اليهودي: فإن هذا سليمان، اعطي ملكا لا ينبغي لاحد من بعده فقال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل من هذا، إنه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الارض قبله وهو ميكائيل ؟ فقال له: يا محمد عش ملكا منعما، وهذه مفاتيح خزائن الارض معك، وتسير معك جبالها ذهبا وفضة، لا ينقص لك فيما ادخر لكفي الآخرة شئ، فأومأ إلى جبرئيل (عليه السلام) وكان خليله من الملائكة – فأشار إليه: أن تواضع فقال: بل أعيش نبيا عبدا، آكل يوما ولا آكل


(1) في المصدر: وهو يخوف الناس من نار اه‍

[ 41 ]

يومين، وألحق بإخواني من الانبياء من قبلي فراده الله تعالى الكوثر، وأعطاه الشفاعة، وذلك أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة، ووعده المقام المحمود، فإذا كان يوم القيامة أقعده الله تعالى على العرش فهذا أفضل مما اعطي سليمان ابن داود (عليه السلام) قال له اليهودي: فإن هذا سليمان قد سخرت له الرياح فسارت به في بلاده غدو ها شهر ورواحها شهر فقال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل من هذا إنه اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقل من ثلث ليلة حتى انتهى إلى ساق العرش فدنا بالعلم فتدلى، فدلي له من الجنة رفرف أخضر و غشى النور بصره فرأى عظمة ربه عزوجل بفؤاده ولم يرها بعينه فكان كقاب قوسين بينها وبينه أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة قوله تعالى: ((لله ما في السموات وما في الارض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير) وكانت الآية قد عرضت على الانبياء من لدن آدم (عليه السلام) الى أن بعث الله تبارك اسمه محمد (صلى الله عليه وآله) وعرضت على الامم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها، وقبلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعرضها على امته فقبلوها، فلما رأى الله تبارك وتعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها، فلما أن صار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه فقال: (آمن الرسول بما انزل إليه من ربه) فأجاب (صلى الله عليه وآله) مجيبا عنه وعن امته فقال جل ذكره: لهم الجنة والمغفرة علي إن فعلوا ذلك فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أمال إذا فعلت بنا ذلك (فغفر انك ربنا وإليك المصير) يعني المرجع في الآخرة قال: فأجابه الله جل ثناؤه: وقد فعلت ذلك بك وبا متك ثم قال عزوجل: أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الامم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها امتك فحق علي أن أرفعها عن أمتك. فقال:


[ 42 ]

(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت) من خير (وعليها ما اكتسبت) من شر فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لما سمع ذلك: أما إذ فعلت ذلك بي وبامتي فزدني قال سل. قال: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) قال الله عزوجل: لست أو اخذ امتك بالنسيان والخطا لكرامتك علي، وكانت الامم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب، وقد رفعت ذلك عن امتك، وكانت الامم السالفة إذا أخطؤوا اخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه وقد رفعت ذلك عن امتك لكرامتك علي فقال النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم إذ أعطيتني ذلك فزدني فقال الله تعالى له: سل قال: (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) يعني بالاصر الشدائد التي كانت على من كان قبلنا فأجابه الله إلى ذلك فقال تبارك اسمه: قد رفعت عن امتك الاصار التي كانت على الامم السالفة كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع من الارض معلومة اخترتها لهم وإن بعدت وقد جعلت الارض كلها لا متك، مسجدا وطهورا، فهذه من الآصار التي كانت على الامم قبلك فرفعتها عن امتك، وكانت الامم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوها من أجسادهم، وقد جعلت الماء لامتك طهورا، فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك، وكانت الامم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا فأكلته فرجع مسرورا، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبورا (1) وقد جعلت قربان امتك في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا، وقد رفعت ذلك عن امتك وهي من الآصار التي كانت على من كان قبلك، وكانت الامم السالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار، وهي من الشدائد التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك و فرضت عليهم صلواتهم في أطراف الليل والنها وفي أوقات نشاطهم، وكانت الامم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك وجعلتها خمسا في خمسة أوقات وهي إحدى وخمسون ركعة، و


(1) ثبره: خيبه

[ 43 ]

جعلت لهم أجر خمسين صلاة وكانت الامم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك وجعلت الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة، وكانت الامم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثم لم يعملها لم تكتب له وإن عملها كتبت له حسنة، وإن امتك إذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له عشرا وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك، و كانت امم السالفة إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه وإن عملها كتبت عليه سيئة، وإن امتك إذا هم أحدهم بسية ثم لم يعملها كتبت له حسنة، وهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعت ذلك عن امتك، وكانت الامم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم وجعلت توبتهم من الذنوب أن حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم، وقد رفعت ذلك عن امتك وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم، وجعلت عليهم ستورا كثيفة، وقبلت توبتهم بلا عقوبة، ولا اعاقبهم بأن احرم عليهم أحب الطعام إليهم، وكانت الامم السالفة يتوب أحدهم من الذنب الواحد (1) مائة سة أو ثمانين سنة أو خمسين سنة ثم لا أقبل توبته دون أن اعاقبه في الدنيا بعقوبة وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن امتك وإن الرجل من امتك ليذنب عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مائة سنة ثم يتوب ويندم طرفة العين فأغفر له ذلك كله. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) اللهم إذ أعطيتني ذلك كله فزدني قال سل قال: (ربنا (ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) فقال تبارك اسمه: قد فعلت ذلك بامتك، وقد رفعت عنهم عظم بلا يا الامم، وذلك حكمي في جميع الامم أن لا اكلف خلقا فوق طاقتهم فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا) قال الله عزوجل: قد فعلت ذلك بتائبي (بناجي خ ل) امتك ثم قال: (فانصرنا على القوم الكافرين) قال الله عز اسمه: إن امتك في الارض كالشامة البيضاء في الثور الاسود، هم القادرون وهم القاهرون، يستخدمون ولا يستخدمون لكرامتك


(1) في المصدر: يتوب احدهم إلى الله من الذنب الواحد.

[ 44 ]

علي وحق علي أن اظهر دينك على الاديان حتى لا يبقي في شرق الارض وغربها دين إلادينك، أو يؤدون ألى أهل دينك الجزية قال له اليهودي: فإن هذا سليمان (عليه السلام) سخرت له الشياطين، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل قال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، ولقد اعطي محمد (صلى الله عليه وآله) أفضل من هذا، أن الشياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها، وقد سخرت لنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) الشياطين بالايمان فأقبل إليه الجن التسعة من أشرافهم من جن نصيبين واليمن من بني عمرو بن عامر (1) من الا حجة منهم: شضاة، ومضاة، (2) و الهملكان، والمرزبان، والمازمان، ونضاة، وهاصب، وهاضب (3) وعمرو، وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) وهم التسعة (يستمعون القرآن) فأقبل إليه الجن والنبي (صلى الله عليه وآله) ببطن النخل فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفا منهم فبايعوه على الصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد ونصح المسلمين، فاعتذروا بأنهم قالوا على الله شططا وهذا أفضل مما اعطي سليمان سبحان من سخرها لنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) بعد أن كانت تتمرد وتزعم أن لله ولدا، فلقد شمل مبعثة من الجن والانس مالا يحصى. قال له اليهودي: فهذا يحيى بن زكريا يقال: إنه اوتي الحكم صبيا والحلم والفهم، وإنه كان يبكي من غير ذنب، وكان يواصل الصوم قال له علي (عليه السلام) لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل من هذا إن يجيى بن زكريا كان في عصر لاأوثان فيه ولا جاهلية، ومحمد (صلى الله عليه وآله) اوتي الحكم و الفهم صبيا بين عبدة الاوثان وحزب الشيطان ولم يرغب لهم في صنم قط، ولم ينشط لاعيادهم، ولم يرمنه كذب قط (صلى الله عليه وآله)، وكان أمينا صدوقا حليما، وكان يواصل صوم


(1) في المصدر: فاقبل إليه من الجن التسعة من أشرافهم، واحد من جن نصيبين والثمان من بنى عمرو بن عامر (2) في هامش المصدر: شصاة ومصاة خ ل (3) في المصدر: وهاضب وهضب

[ 45 ]

الاسبوع والاقل واكثر، فيقال في ذلك فيقول: إني لست كأحدكم، إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني، وكان يبكي (صلى الله عليه وآله) حتى يبتل مصلاه خشية من الله عز وجل من غير جرم. قال له اليهودي: فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون أنه تكلم في المهد صبيا. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) سقط من بطن امه واضعا يده اليسرى على الارض، ورافعا يده اليمنى إلى السماء يحرك شفتيه بالتوحيد، ويدامن فيه نور رأى أهل مكة منه قصور بصرى من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها، والقصور البيض من إصطخر وما يليها، ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي (صلى الله عليه وآله) حتى فزعت الجن والانس والشياطين وقالوا: حدث في الارض حدث، ولقد رئيت الملائة ليلة ولد تصعد وتنزل وتسبح وتقدس، وتضطرب النجوم وتتساقط علامة لميلاده، ولقد هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الا عاجيب في تلك الليلة، وكان له مقعد في السماء الثالثة، والشياطين يسترقون السمع فلما رأوا الا عاجيب أرادوا أن يستر قواالسمع فإذا هموا قد حجبوا من السماوات كلها و رموا بالشهب دلالة لنبوته (صلى الله عليه وآله) قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه قد أبرأ الا كمه والابرص بإذن الله عزوجل فقال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه واله) اعطي ما هو أفضل من ذلك أبرأ ذا العاهة من عاهته، فبينما هو جالس (صلى الله عليه وآله) إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا: يا رسول الله إنه قد صار من البلاء، كهيئة الفرخ لاريش عليه فأتاه (عليه السلام) فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء، فقال: قاكنت تدعو في صحتك دعاء ؟ قال: نعم، كنت أقول: يا رب أيما عقوبة معاقبي بها في الآخرة فعجلها لي في الدنيا. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): الا قلت: (اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ؟ فقالها فكأنما نشط من عقال (1) وقال صحيحا وخرج معنا. ولقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطع من الجذام فشكا إليه (صلى الله عليه وآله) فأخذ قدحا من ماء


(1) أي اطلق من عقال.

[ 46 ]

فتفل فيه ثم قال: امسح به جسدك ففعل فبرئ لم يوجد فيه شئ ولقد أتى أعرابي أبرص (1) فتفل من فيه عليه فما قام من عنده إلا صحيحا ولئن زعمت أن عيسى (عليه السلام) أبرأ ذوي العاهات من عاهاتهم فإن محمدا (صلى الله عليه وآله) بينما هو في بعض أصحابه إذا هو بامرأة فقالت: يارسول الله إن ابني قد أشرف على حياض الموت، كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وقمنا معه فلما أتيناه قال له: جانب يا عدوالله ولي الله فأنا رسول الله، فجانبه الشيطان فقام صحيحا وهو معنا في عسكرنا، ولئن زعمت أن عيسى (عليه السلام) أبرأ العميان فإن محمدأ (صلى الله عليه وآله) قد فعل ما هو أكثر من ذلك، (2) إن قتادة بن ربعي كان رجلا صبيحا فلما أن كان يوم احد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته فأخذها بيده، ثم أتى بها النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إن امر أتي الآن تبغضني، فأخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يده ثم وضعها مكانها فلم تكن تعرف إلا بفضل حسنها وفضل ضوئها على العين الاخرى ولقد جرح عبد الله بن عتيك وبانت يده يوم ابن أبي الحقيق فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله ليلا فمسح عليه يده، (3) فلم تكن تعرف من اليد الاخرى ولقد أصاب محمد بن مسلمة يوم كعب بن الا شرف مثل ذلك في عينه ويده، فمسحه رسول الله فلم تستبينا. ولقد إصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه فمسحها فما عرفت من الاخرى فهذه كلها دلالة لنبوته (صلى الله عليه وآله) قال له اليهودي: فإن عيسى بن مريم يزعمون أنه قد أحيى الموتى بإذن الله تعالى. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) سبحت في يده تسع حصيات تسمع نغماتها في جمودها ولاروح فيها لتمام حجة نبوته ولقد كلمته الموتى من بعد موتهم واستغاثوه مما خافوا من تبعته ولقد صلى بأصحابه ذات يوم فقال: ماههنا


(1) في المصدر: ولقد اتى النبي (صلى الله عليه وآله) باعربى ابرص (2) في المصدر: قد فعل أكبر من ذلك. (3) في المصدر: وبانت يده يوم حنين فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فمسح عليه يده

[ 47 ]

من بني النجار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي ؟ وكان شهيدا. ولئن زعمت أن عيسى (عليه السلام) كلم الموتى فلقد كان لمحمد (صلى الله عليه وآله) ما هو أعجب من هذا، إن النبي (صلى الله عليه وآله) لما نزل بالطائف وحاصر أهلها بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية (مطبوخة خ ل) بسم فنطق الذراع منها فقالت: يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة، فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله عزوجل على المنكرين لنبوته، فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشي، ولقد كان (صلى الله عليه وآله) يدعو بالشجرة فتجيبه، وتكلمه البهيمة، وتكلمه السباع وتشهد له بالنبوة وتحذرهم عصيانه، فهذا أكثر مما اعطي عيسى (عليه السلام). قال له اليهودي: إن عيسى يزعمون أنه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) فعل ما هو أكثر من هذا، إن عيسى (عليه السلام) أنبأ قومه بما كان من وراء حائط، ومحمد (صلى الله عليه وآله) أنبأ عن مؤتة وهو عنها غائب، ووصف حربهم ومن استشهد منهم، وبينه وبينهم مسيرة شهر. وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شئ فيقول (صلى الله عليه وآله): تقول أو أقول ؟ فيقول: بل قل يا رسول الله فيقول: جئتني في كذا وكذا حتى يفرغ من حاجته. ولقد كان (صلى الله عليه وآله) يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتي لا يترك من أسرارهم شيئا، منها ماكان بين صفوان بن امية وبين عمير بن وهب إذا أتاه عمير فقال: جئت في فكاك ابني فقال له: كذبت بل قلت لصفوان وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر: والله للموت خير لنا من البقاء (1) مع ما صنع محمد (صلى الله عليه وآله) بنا، وهل حياة بعد أهل القليب ؟ فقلت أنت: لولا عيالي ودين علي لارحتك من محمد فقال صفوان: علي أن أقضي دينك وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن من خير أو شر. فقلت أنت: فاكتمها علي وجهزني حتى أذهب فأقتله، فجئت لتقتلني فقال: صدقت يا رسول الله، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. وأشباه هذا مما لا يحصى.


(1) في المصدر: وقلتم: والله للموت أهون علينا من البقاء.

[ 48 ]

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه خلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله عز وجل فقال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) قد فعل ما هو شبيه بهذا أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا، ثم قال (صلى الله عليه وآله) للحجر: انفلق فانفلق ثلاث فلق، نسمع لكل فلقة منها تسبيحا لا يسمع للاخرى. ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته ولكل غصن منها تسبيح وتهليل و تقديس، ثم قال لها: انشقي فانشقت نصفين، ثم قال لها: التزقي فالتزقت، ثم قال لها: اشهدي لي بالنبوة فشهدت، ثم قال لها: ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت، وكان موضعها بجنب الجزارين بمكة. قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه كان سياحا. فقال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) كانت سياحته في الجهاد، واستنفر في عشر سنين مالا يحصى من حاضر وباد، وأفنى فئاما عن العرب من منعوت بالسيف، لا يداري بالكلام ولا ينام إلا عن دم، ولا يسافر إلا وهو متجهز لقتال عدوه. قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه كان زاهدا. قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) أزهد الا نبياء عليهم السلام كان له ثلاث عشرة زوجة سوى من يطيف به من الاماء ما رفعت له مائدة قط وعليها طعام، وما أكل خبز بر قط، ولاشبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط، توفي ودرعه مر هونة عند يهودي بأربعة دراهم، ما ترك صفراء ولا بيضاء مع ما وطئ له من البلاد ومكن له من غنائم العباد، ولقد كان يقسم في اليوم الواحد ثلاث مائة ألف وأربعمائة ألف، ويأتيه السائل بالعشي فيقول: و الذي بعث محمدا بالحق ما أمسى في آل محمد صاع من شعير ولاصاع من بر ولا درهم ولا دينار. قال له اليهودي: فإني أشهد أن لاإله إلا الله، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله وأشهد أنه ما أعطى الله نبيا درجة ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد (صلى الله عليه وآله)، وزاد محمدا (صلى الله عليه وآله) على الانبياء صلوات الله عليهم أضعاف درجة.


[ 49 ]

فقال ابن عباس لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): أشهد يا أبا الحسن أنك من الراسخين في العلم فقال: ويحك ومالي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه الله تعالى في عظمته جلت فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) (1) ايضاح: المقة بكسر الميم: المحبة والتهافت: التساقط والشيح بالكسر: نبت تنبت بالبادية قوله صلوات الله عليه: (ومراتع البقع) البقع بالضم جمع الابقع وهو ما خالطا بياضه لون آخر، ولعل المراد الغراب الابقع فإنه يفر من الناس و يرتع في البوادي ويحتمل أن يكون في الاصل البقيع أو لفظ آخر، والظاهر أن فيه تصحيفا قوله: (بحجب ثلاثة) لعل المراد البطن والرحم والمشيمة حيث أخفى حمله عن نمرود، أوفي الغار بثلاثة حجب، أو أحدها عند الحمل والثاني في الغار والثالث في النار والمقمح: الغاض بصره بعد رفع رأسه، واختلف في تفسير الآية فقيل: إنه مثل ضربه الله تعالى للمشركين في إعراضهم عن الحق فمثلهم كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه لا يمكنه أن يبسطهما إلى خير، ورجل طامع برأسه لا يبصر موطئ قدميه: وقيل: إن المعني بذلك ناس من قريش هموا بقتل النبي (صلى الله عليه وآله) فصاروا هكذا وهذا الخبر يدل على الاخير والسبع الطوال على المشهور من البقبرة إلى الاعراف، و السابعة سورة يونس أو الا نفال وبرأة جميعا، لانهما سورة واحدة عند بعض والمراد هنا ما يبقى بعد إسقاط البقرة والمائدة وبراءة وقوله: (والقرآن العظيم) اريد به بقية القرآن، أو المراد به الفاتحة أيضا وقوله: (واعطي الكتاب) إشارة إلى البقية قوله: (عليه السلام): (في هذا الاسم) يحتمل أن يكون المعنى أن اسمه (صلى الله عليه وآله) يدل على أن الله تعالى ألقى محبته على العباد لدلالته على كونه محمودا في السماء والارض، أو يكون المراد بالاسم الذكر، فكثيرا ما يطلق عليه مجازا، أو أن قوله: (إذتم) في قوة البدل


(1) الاحتجاج: 111 – 120 وفيه: من استعظمه الله عزوجل في عظمته فقال جلت عظمته: (وانك لعلى خلق عظيم).

[ 50 ]

من الاسم، والحاصل أنه من الذي يشر كه في أن لايتم الشهادة لله بالوحدانية إلا بذكر اسمه والشهادة له بالنبوة ؟ كل هذا إذا قرئ (من) بالفتح، وبمكن أن يقرء بالكسر فيوجه بأحد الوجهين الا خيرين والنبل: السهام العربية ويقال: رشت السهم: إذا ألزقت عليه الريش والشظية: الفلقه من العصا ونحوها والا كحل: عرق في اليد يفصد قوله: (وروي) الظاهر أنه كلام الطبرسي رحمه الله أدخله بين الخبر قوله: أن يبعجوا بفتح العين أي أن يشقوا والشدخ: كسر الشي الاجوف أي شدخت رأسه به ويقال: فغر فاه، أي فتحه قوله: (وحتى التفت خواصر الخيل) أي جنبتاها من شدة العطش قوله (عليه السلام): (وجعلها غارا) يدل على أنه (صلى الله عليه وآله) ليلة الغار أحدث الغار ودخل فيه ولم يكن ثمة غار، وأما صخرة بيت المقدس فكان ليلة المعراج وأما قوله: (قدرأينا ذلك والتمسناه تحت رايته) أي رأينا تحت رايته عليه الصلاة والسلام أمثال ذلك كثيرا والمراد بالراية العلامة أي رأى بعض الصحابة ذلك تحت علامته في بيت المقدس، ويلوح لي أن فيه تصحيفا، وكان في الاصل (وجعلها هارا) فيكون إشارة إلى ما سيأتي في أبواب معجزاته (صلى الله عليه وآله) أن في غزوة الا حزاب بلغوا إلى أرض صلبة لا تعمل فيها المعاول، فصب (صلى الله عليه وآله) عليها ماء فصارت هائرة متساقطة فقوله: (قدرأينا ذلك) إشارة إلى هذا وقال الجزري: فيه: (إنه كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء) أي خنين من الجوف بالخاء المعجمة وهو صوت البكاء، وقيل: هوأن يجيش جوفه ويغلي بالبكاء انتهى (1) والمرجل كمذبر: القدر والا ثافي: الاحجار يوضع عليها القدر والرفرف: ثياب خضر يتخذ منها المحابس وتبسط، وكسر الخباء، وجوانب الدرع وما تدلى منها، وما تدلى من أغصان الايكة (2) وفضول المحابس والفرش وكل ما


(1) النهاية: باب الهمزة مع الزاى (2) في المصدر: وما تهدل من اغصان الايكة

[ 51 ]

فضل فثنى والفراش، ذكرها الفيروز آبادي. (1) قوله (عليه السلام): (فكان فيما أوحى إليه) لعل المعنى أنه كانت تلك الآية فيما أوحى الله إليه قبل تلك الليلة ليتأتى تبليغها امته وقبولهم لها، فيكون ذكرها لبيان سبب ما أوحى إليه (صلى الله عليه وآله) في هذا الوقت، ويحتمل أن يكون التبليغ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) من ذلك المكان في تلك الليلة قبل الوصول إلى ساق العرش، ويحتمل أن يكون التبليغ بعد النزول ويكون قوله: (فلما رأى الله تعالى منهم القبول) أي علم الله منهم أنهم سيقبلونها. والاول أظهر. والثبور: الهلاك والخسران. قوله (عليه السلام): من الا حجة جمع حجيج بمعنى مقيم الحجة على مذهبه، وفي بعض النسخ: من الاجنحة، أي الرؤساء، أو اسم قبيلة منهم. قوله (عليه السلام): (وشي) أي بعد ما كان مشويا مطبوخا. ومؤتة بضم الميم وسكون الهمزة وفتح التاء: اسم موضع قتل فيها جعفر بن أبى طالب، وسيأتي قصته وكيف أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) عن شهادته و غيرها، والفئام بالكسر مهموزا: الجماعة الكثيرة كما ذكره اللغويون، وقد فسرفي بعض أخبارنا بمائة ألف. قوله (عليه السلام): (مع ما وطئ له من البلاد) على بناء المجهول من باب التفعيل، أي مهد وذلل ويسر له فتحها والاستيلاء عليها، من قولهم: فراش وطئ أي لا يؤذي جنب النائم. قوله (عليه السلام): (جلت) معترضة ثنائية، أي جلت عظمته عن البيان، والاظهر أنه كان في الاصل (حيث قال) (2) فصحف، وكذا الاظهر أن قوله: (نفس) تصحيف نعت أو وصف.


(1) القاموس المحيط: فصل الراء من الفاء. (2) قد عرفت صحيحه من المصدر.

[ 52 ]

* (باب 3) * * (احتجاجاته صلوات الله عليه على النصارى) * 1 – ج: روي أنه وفد وفد من بلاد الروم إلى المدينة على عهد أبي بكر وفيهم راهب من رهبان النصارى، فأتى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه بختي موقر ذهبا و فضة، وكان أبو بكر حاضرا وعنده جماعة من المهاجرين والانصار فدخل عليهم و حياهم ورحب بهم وتصفح وجوههم (1) ثم قال: أيكم خليفة رسول الله – (صلى الله عليه وآله) – نبيكم وأمين دينكم ؟ فاومئ إلى أبي بكر فأقبل عليه بوجهه ثم قال: أيها الشيخ ما اسمك ؟ قال: اسمي عتيق قال: ثم ماذا ؟ قال: صديق قال: ثم ماذا ؟ قال: ما أعرف لنفسي اسما غيره، قال: لست بصاحبي فقال له: وما حاجتك ؟ قال: أنا من بلاد الروم جئت منها ببختي موقرا ذهبا وفضة لاسأل أمين هذه الامة عن مسألة، إن أجابني عنها أسلمت، وبما أمرني أطعت، وهذا المال بينكم فرقت، وإن عجز عنها رجعت إلى الوراء بما معي ولم أسلم فقال له أبو بكر: سل عما بدالك فقال الراهب: والله لا أفتح الكلام ما لم تؤمني من سطوتك وسطوة أصحابك فقال أبو بكر: أنت آمن وليس عليك بأس قل ما شئت فقال الراهب: أخبرني عن شئ ليس لله، ولا من عند الله ولا يعلمه الله فارتعش أبو بكر ولم يحر جوابا فلما كان بعد هنيئة قال لبعض أصحابه: ايتني بأبي حفص فجاء به فجلس عنده ثم قال: أيها الراهب اسأله، فأقبل الراهب بوجهه إلى عمر وقال له مثل ما قال لابي بكر فلم يحر جوابا ثم اتي بعثمان فجرى بين الراهب وبين عثمان ما جرى بينه وبين أبي بكر وعمر فلم يحر جوابا فقال الراهب: أشياخ كرام ذووا رتاج لاسلام، (2) ثم نهض ليخرج فقال أبو بكر: يا عدوالله لولا العهد لخضبت الارض بدمك.


(1) حياهم: قال لم: حياكم الله أي أطال عمركم: رحب بهم: دعاهم إلى الرحب وقال لهم: مرحبا تصفح وجوههم أي تأمل وجوههم ليتعرف أمرهم (2) في المصدر: ذووافجاج لاسلام.

[ 53 ]

فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه وأتى علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو جالس في صحن داره مع الحسن والحسين (عليهما السلام) وقص عليه القصة، فقال علي (عليه السلام) فخرج ومعه الحسن والحسين (عليهما السلام) حتى أتى المسجد، فلما رأى القوم عليا (عليه السلام) كبروا الله وحمدوا الله وقاموا إليه بأجمعهم، فدخل علي (عليه السلام) وجلس، فقال أبو بكر: أيها الراهب سائله (1) فإنه صاحبك وبغيتك. فأقبل الراهب بوجهه إلى علي (عليه السلام) ثم قال: يا فتى ما اسمك ؟ فقال: اسمي عند اليهود إليا، وعند النصارى إيليا، وعند والدي علي، وعند امي حيدرة. فقال: ما محلك من نبيكم ؟ قال: أخي وصهري وابن عمي. (2) قال الراهب: أنت صاحبي ورب عيسى، أخبرني عن شئ ليس لله، ولا من عند الله، ولا يعلمه الله. قال علي (عليه السلام): على الخبير سقطت، أما قولك: ما ليس لله فإن الله تعالى أحد ليس له صاحبة ولا ولد. وأما قولك: ولا من عند الله فليس من عند الله ظلم لاحد. وأما قولك: لا يعلمه الله لا يعلم له شريكا في الملك. فقام الراهب وقطع زناره وأخذ رأسه وقبل ما بين عينيه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله، وأشهد أنك الخليفة وأمين هذه الامة، ومعدن الدين والحكمة، ومنبع عين الحجة لقد قرأت اسمك في التوراة إليا، وفي الا نجيل إيليا وفي القرآن عليا وفي الكتب السالفة حيدرة، ووجدتك بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وصيا، وللامارة وليا، وأنت أحق بهذا المجلس من غيرك، فأخبرني ما شأنك وشأن القوم ؟ فأجابه بشئ، فقام الراهب وسلم المال إليه بأجمعه، فما برح علي (عليه السلام) من مكانه حتى فرقه في مساكين أهل المدينة ومحاويجهم، وانصرف الراهب إلى قومه مسلما. (3) بيان: قوله: (ذووا رتاج) قال الجوهري: ارتج على القارئ – على ما لم يسم فاعله –


(1) في المصدر: أيها الراهب سله. (2) في المصدر: وابن عمى لحا. قوله: لحا من لحت القرابة بيننا: لصقت، يقال: ابن عمى لحا أي لاصق النسب، ونصبه على الحال لان ما قبله معرفة. (3) الاحتجاج: 108

[ 54 ]

إذا لم يقدر على القراءة كأنه اطبق عليه كما يرتج الباب، من الرج ولا تقل: ارتج عليه بالتشديد ورتج الرجل في منطقه بالكسر: إذا استغلق عليه الكلام والرتاج الباب العظيم انتهى. أقول: يحتمل أن يكون مراده أنهم صاحب باب علوم الاسلام وعندهم مفاتيحه على سبيل التهكم، وأن يكون المعنى أنه يرتج عليهم الكلام في المسائل التي يسأل عنهم في الاسلام، أو يسدون باب الاسلام فلايد خله أحد لجهلهم ولعله أظهر 2 – ما: المفيد، عن علي بن خالد، عن العباس بن الوليد، عن محمد بن عمر الكندي، عن عبد الكريم بن إسحاق الرازي، عن بندار، عن سعيد بن خالد، عن إسماعيل بن أبي إدريس، (1) عن عبد الرحمن بن قيس البصري قال حدثنا ذازان (2) عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه قال: لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) وتقلد أبو بكر الامر قدم المدينة جماعة من النصارى يتقدمهم جاثليق لهم، له سمت ومعرفة بالكلام و وجوهه، وحفظ التوراة والانجيل وما فيهما فقصدوا أبا بكر فقال له الجاثليق: إنا وجدنا في الانجيل رسولا يخرج بعد عيسى وقد بلغنا خروج محمد بن عبد الله يذكر أنه ذلك الرسول ففزعنا إلى ملكنا (3) فجمع وجوه قومنا، وأنفذنا في التماس الحق فيما اتصل بنا، وقد فاتنا نبيكم محمد، وفيما قرأناه من كتبنا أن الانبياء لا يخرجون من الدنيا إلا بعد إقامة أوصياء لهم يخلفونهم في اممهم يقتبس منهم الضياء فيما اشكل فأنت أيها الأمير وصيه لنسألك عما نحتاج إليه ؟ فقال عمر: هذا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجثا الجاثليق لركبتيه وقال له: خبرنا


(1) في المصدر عبد الكريم بن اسحاق الرازي قال: حدثنا محمد بن داود عن سعيد بن خالد عن إسماعيل بن أبى اويس (2) هكذا في النسخ والصحيح: زاذان بتقديم الزاى على الذال، والرجل مترجم في رجال الشيخ في باب أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكناه أبا عمرة الفارسى، وعده العلامة في الخلاصة من خواص أمير المؤمنين من مضر إلا أنه ابدل عمرة بعمرو أو عمر على اختلاف النسخ، وترجمه ابن حجر في التقريب: 161 فقال: زاذان أبو عمر الكندى البزاز، ويكنى أبو عبد الله أيضا صدوق يرسل، وفيه شيعية من ثمانية، مات سنة اثنتين وثمانين (3) في المصدر: ففرغنا إلى ملكنا أي فقصدناه

[ 55 ]

أيها الخليفة عن فضلكم علينا في الدين فإنا جئنا نسأل عن ذلك فقال أبو بكر: نحن مؤمنون وأنتم كفار، والمؤمن خير من الكافر، والايمان خيرمن الكفر. فقال الجاثليق: هذه دعوى يحتاج إلى حجة، فخبرني أنت مؤمن عند الله أم عند نفسك ؟ فقال أبو بكر أنا مؤمن عند نفسي ولا علم لي بما عند الله فقال الجاثليق: فهل أنا كافر عندك على مثل ما أنت مؤمن أم أنا كافر عند الله ؟ فقال: أنت عندي كافر، ولاعلم لي بحالك عند الله. فقال الجاثليق: فما أراك إلا شاكا في نفسك وفي، ولست على يقين من دينك فخبرني ألك عند الله منزلة في الجنة بما أنت عليه من الدين تعرفها ؟ فقال: لي منزلة من الجنة أعرفها بالوعد، ولا أعلم هل أصل إليها أم لا. فقال له: فترجولي منزلة من الجنة ؟ قال: أجل أرجو. ذلك فقال الجاثليق: فما أراك إلا راجيا لي وخائفا على نفسك، فما فضلك في العلم ؟ ثم قال له: أخبرني هل احتويت على جميع علم النبي المبعوث إليك ؟ قال: لا، ولكني أعلم منه ما قضى لي علمه. (2) قال: فكيف صرت خليفة للنبي وأنت لا تحيط علما بما يحتاج إليه أمته من علمه ؟ وكيف قد مك قومك على ذلك ؟ فقال له عمر: كف أيها النصراني عن هذا العتب وإلا أبحنادمك ! فقال الجاثليق ما هذا عدل على من جاء مستر شدا طالبا. قال سلمان رحمة الله عليه: فكأنما البسنا جلباب المذلة فنهضت حتى أتيت عليا (عليه السلام) فأخبرته الخبر فأقبل – بأبي وامي – حتى جلس والنصراني يقول: دلوني على من أسأله عما أحتاج. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): سل يا نصراني، فوالذني فلق الحبة وبرئ النسمة لا تسألني عما مضى ولاما يكون إلا أخبرتك به عن نبي الهدى محمد (صلى الله عليه وآله). فقال النصراني: أسألك عما سألت عنه هذا الشيخ، خبرني أمؤمن أنت عند الله أم عند نفسك ؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا مؤمن عند الله كما أنا مؤمن في عقيدتي.


(1) في المصدر: فترجو أن تكون لى منزلة في الجنة. (2) في نسخة: ولكني أعلم منه ما أفضى إلى علمه.

[ 56 ]

فقال الجاثليق: الله أكبر هذا كلام وثيق بدينه متحقق فيه بصحة يقينه، فخبرني الآن عن منزلتك في الجنة ماهي ؟ فقال (عليه السلام) منزلتي مع النبي الامي في الفردوس الاعلى لاأرتاب بذلك ولا أشك في الوعد به من ربي قال النصراني: فبما ذاعرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها ؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكتاب المنزل وصدق النبي المرسل قال فبما علمت صدق نبيك ؟ قال بالآيات الباهرات والمعجزات البينات قال الجاثليق: هذا طريق الحجة لمن أراد الاحتجاج، خبرني عن الله تعالى أين هو اليوم ؟ فقال (عليه السلام) يا نصراني إن الله تعالى يجل عن الاين، ويتعالى عن المكان كان فيما لم يزل ولامكان وهو اليوم على ذلك، لم يتغير من حال إلى حال فقال: أجل أحسنت أيها العالم وأؤجزت في الجواب، فخبرني عن الله تعالى أمدرك بالحواس عندك فيسألك المسترشد في طلبه استعمال الحواس (1) أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن الامر كذلك ؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار، أو تدركه الحواس، أو يقاس بالناس، والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول الدالة ذوي الاعتبار بما هو منها مشهود ومعقول قال الجاثليق: صدقت هذاو الله هوالحق الذي قد ضل عنه التائهون في الجهالات، فخبرني الآن عما قاله نبيكم في المسيح وأنه مخلوق من أين أثبت له الخلق ونفى عنه الالهية، وأوجب فيه النقص، وقد عرفت ما يعتقد فيه كثير من المتدينين ؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أثبت له الخلق بالتقدير الذي لزمه والتصوير والتغير من حال إلى حال، والزيادة التي لم ينفك منها والنقصان، ولم أنف عنه النبوة ولا أخرجته من العصمة والكمال والتأييد، وقد جاءنا عن الله تعالى بأنه مثل آدم خلقه من تراب ثم قال له: كن فيكون فقال له الجاثليق: هذا ما لا يطعن فيه الآن عير أن الحجاج مما يشترك فيه الحجة على الخلق والمحجوج منهم فبم نبت أيها العالم من الرعية الناقصة عندي ؟ (2)


(1) في المصدر: فيسألك المسترشد في طلبه استعمال الحواس وهو الاظهر (2) في المصدر: من الرعية الناقصة عنك

[ 57 ]

قال: بما أخبرتك به من علمي بما كان وما يكون. قال الجاثليق: فهلم شيئا من ذكر ذلك أتحقق به دعواك. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): خرجت أيها النصراني من مستقرك مستفزا لمن قصدت بسؤالك له مضمرا خلاف ما أظهرت من الطلب والاسترشاد، فأريت في منامك مقامي وحدثت فيه بكلامي وحذرت فيه من خلافي، وامرت فيه باتباعي. قال: صدقت والله الذي بعث المسيح، وما اطلع على ما أخبرتني به إلا الله تعالى، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنك وصي رسول الله وأحق الناس بمقامه. وأسلم الذين كانوا معه كإ سلامه، وقالوا: نرجع إلى صاحبنا فنخبره بما وجدنا عليه هذا الامر وندعوه إلى الحق. فقال له عمر: الحمد لله الذي هداك أيها الرجل إلى الحق، وهدى من معك إليه غير أنه يجب أن تعلم أن علم النبوة في أهل بيت صاحبها، والامر بعده لمن خاطبت أولا برضى الامة واصطلاحها عليه وتخبر صاحبك بذلك وتدعوه إلى طاعة الخليفة. فقال: عرفت ما قلت أيها الرجل وأنا على يقين من أمري فيما أسررت و أعلنت. وانصرف الناس وتقدم عمر أن لا يذكر ذلك المقام بعد، وتوعد على من ذكره بالعقاب، وقال: أم والله لولا أنني أخاف أن يقول الناس: قتل مسلما لقتلت هذا الشيخ ومن معه، فإنني أظن أنهم شياطين أرادوا الا فساد على هذه الامة وإيقاع الفرقة بينها !. فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: يا سلمان أترى كيف يظهر الله الحجة لاوليائه وما يزيد بذلك قومنا عنا إلا نفورا ؟ (1) بيان قوله: (مستفزا) أي كان غرضك من خروجك إزعاج المسؤول ومباهتته ومغالبته وتشكيكه في دينه لاقبول الحق منه، قال في القاموس: استفزه: استخفه، و أخرجه من داره، وأزعجه، أفززته: أفزعته. (2)


(1) أمالى الطوسى: 137. (2) القاموس المحيط: فصل الفاء من باب الزاى.

[ 58 ]

3 – يل، فض: بالا سنادير فعه إلى أنس بن مالك أنه قال: وفد الاسقف النجراني على عمربن الخطاب لاجل أدائه الجزية فدعاه عمر إلى الاسلام، فقال له الا سقف: أنتم تقولون: إن لله جنة عرضها السماوات والارض فأين تكون النار ؟ قال: فسكت عمر ولم يرد جوابا قال: فقال له الجماعة الحاضرون: أجبه يا أمير المؤمنين حتى لا يطعن في الاسلام قال: فأطرق خجلا من الجماعة الحاضرين ساعة لايرد جوابا، فإذا بباب المسجد رجل قد سده بمنكبيه فتأملوه وإذا به عيبة (1) علم النبوة علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد دخل، قال فضج الناس عند رؤيته. قال: فقال عمربن الخطاب والجماعة على أقدامهم وقال: يا مولاي أين كنت عن هذا الاسقف الذي قد علانا منه الكلام ؟ أخبره يا مولاي بالعجل إنه يريد الاسلام فأنت البدر التمام (2) ومصباح الظلام، وابن عم رسول الانام (3) فقال الامام (عليه السلام): ما تقول يا اسقف ؟ قال: يافتى أنتم تقولون: إن الجنة عرضها السماوات والارض، فأين تكون النار ؟ قال له الامام (عليه السلام): إذا جاء الليل أين يكون النهار ؟ فقال له الاسقف: من أنت يافتى ؟ دعني حتى أسأل هذا الفظ الغليظ أنبئني يا عمر عن أرض طلعت عليها الشمس ساعة ولم تطلع مرة اخرى قال: عمر اعفني عن هذا، واسأل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم قال: أخبره يا أبا الحسن فقال علي (عليه السلام): هي أرض البحر الذي فلقه الله تعالى لموسى حتى عبر هو وجنوده فوقعت الشمس عليها تلك الساعة ولم تطلع عليها قبل ولا بعد وانطبق البحر على فرعون وجنوده فقال الاسقف: صدقت يافتى قومه وسيد عشيرته أخبرني عن شئ هو في أهل


(1) العيبة: ما تجعل فيه الثياب كالصندوق (2) في الروضة: أخبره يا مولانا بالعجل قبل ان يرتدوا عن الاسلام فانك بدر التمام (3) في الروضة هنا زيادة وهى هذه: ومعدن الايمان وخير الانام فعند ذلك جلس (عليه السلام) وقال: ما تقول اه‍

[ 59 ]

الدنيا، تأخذ الناس منه مهما أخذوا فلا ينقص بل يزداد. (1) قال (عليه السلام) هو القرآن والعلوم. فقال: صدقت أخبرني عن أول رسول أرسله الله تعالى لامن الجن ولامن الانس فقال (صلى الله عليه واله): ذلك الغراب الذي بعثه الله تعالى لما قتل قابيل أخاه هابيل، فبقي متحيرا لا يعلم مايصنع به فعند ذلك بعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه كيف يواري سوأة أخيه. قال: صدقت يافتى، فقد بقي لي مسألة واحدة اريد أن يخبرني عنها هذا – و أومأ بيده إلى عمر – فقال له: يا عمر أخبرني أين هو الله ؟ قال: فغضب عند ذلك عمر وأمسك ولم يرد جوابا. قال فالتفت الامام علي (عليه السلام) وقال: لا تغضب يا أبا حفص حتى لا يقول: إنك قد عجزت فقال: فأخبره أنت يا أبا الحسن، فعند ذلك قال الامام (عليه السلام): كنت يوما عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذأ قبل إليه ملك فسلم عليه فرد (عليه السلام)، فقال له: أين كنت ؟ قال: عند ربي فوق سبع سماوات. قال: ثم أقبل ملك آخر فقال: أين كنت ؟ قال: عند ربي في تخوم الارض السابعة السفلى، ثم أقبل ملك آخر ثالث فقال له: أين كنت ؟ قال: عند ربي في مطلع الشمس، ثم جاء ملك آخر فقال: أين كنت ؟ قال: كنت عند ربي في مغرب الشمس، لان الله لا يخلو منه مكان، ولا هو في شئ ولا على شئ ولامن شئ وسع كرسيه السماوات والارض ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، لا يعزب (2) عنه مثقال ذرة في الارض ولافي السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، يعلم ما في السماوات وما في الارض، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا قال: فلما سمع الاسقف قوله قال له: مد يدك فاني أشهد أن لا إله إلا الله


(1) في الروضة: فلا ينقص شيئأ ولا يزيد شيئا (2) أي لايضيب ولا يخفى عنه

[ 60 ]

وأن محمدا رسول، وأنك خليفة الله في أرضه ووصي رسوله، وأن هذا الجالس الغليظ الكفل (1) المحبنطئ ليس هو لهذا بأهل، وإنما أنت أهله، فتبسم الامام (عليه السلام) (2) بيان: المحبنطئ غيظا 4 – من كتاب إرشاد القلوب للديلمي بحذف الاسناد قال: لما جلس عمر في الخلافة جرى بين رجل من أصحابه يقال له الحارث بن سنان الازدي وبين رجل من الانصار كلام ومنازعة فلم ينتصف له عمر فلحق الحارث بن سنان بقيصر وارتد عن الاسلام ونسي القرآن كله إلا قول الله عزوجل: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) فسمع قيصر هذا الكلام قال: سأكتب إلى ملك العرب بمسائل، فإن أخبرني بتفسيرها أطلقت من عندي من الاسارى، وإن لم يخبرني بتفسير مسائلي عمدت إلى الا سارى فعرضت عليهم النصرانية فمن قبل منهم استعبدته، ومن لم يقبل قتلته وكتب إلى عمربن الخطاب بمسائل: أحدها سؤاله تفسير الفاتحة، وعن الماء الذي ليس من الارض ولا من السماء، وعما يتنفس ولاروح فيه، وعن عصا موسى (عليه السلام) مم كانت ؟ وما اسمها ؟ وما طولها ؟ وعن جارية بكر لاخوين في الدنيا وفي الآخرة لواحد فلما وردت هذه المسائل على عمر لم يعرف تفسيرها ففزع في ذلك إلى علي (عليه السلام) فكتب إلى قيصر: من علي بن أبي طالب صهر محمد (صلى الله عليه وآله)، ووارث علمه، و أقرب الخلق إليه، ووزيره، ومن حقت اله الولاية، وامر الخلق من أعدائه بالبرإة، قرة عين رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وزوج ابنته، وأبو ولده إلى قيصر ملك الروم: أما بعد فإني أحمد الله الذي لاإله هو، عالم الخفيات، ومنزل البركات، من يهدي الله فلامضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، ورد كتابك واقرأنيه عمربن الخطاب، فأما سؤالك عن اسم الله تعالى فإنه اسم فيه شفاء من كل داء، وعون على


(1) الكفل: من يلقى نفسه وثقله على الناس (2) الفضائل: 202، والفظ منه الروضة: 145 وفيه اختلافات يسيرة لفظية

[ 61 ]

كل دواء، وأما الرحمن فهو عون لكل من آمن به، وهواسم لم يسم به غير الرحمن (1) تبارك وتعالى وأما الرحيم فرحم من عصى وتاب وآهن وعمل صالحا وأما قوله: (الحمد لله رب العالمين) فذلك ثناء منا على ربنا تبارك وتعالى بما أنعم علينا وأما قوله: (مالك يوم الدين) فإنه يملك نواصي الخلق يوم القيامة، وكل من كان في الدنيا شاكا أو جبارا أدخله النار، ولا يمتنع من عذاب الله شاك ولاجبار، وكل من كان في الدنيا طائعا مديما محافظا إياه أدخله الجنة برحمته (2) وأما قوله: (إياك نعبد) فإنا نعبد الله ولا نشرك به شيئا وأما قوله: (وإياك نستعين) فإنا نستعين بالله عزوجل على الشيطان الرجيم لا يضلنا كما أضلكم وأما قوله: (اهدنا الصراط المستقيم) فذلك الطريق الواضح، من عمل في الدنيا عملا صالحا فإنه يسلك على الصراط إلى الجنة وأما قوله (صراط الذين انعمت عليهم) فتلك النعمة التي أنعمها الله عزوجل على من كان قبلنا من النبيين والصديقين، فنسأل الله ربنا أن ينعم علينا كما أنعم عليهم وأما قوله: (غير المغضوب عليهم) فاولئك اليهود بد لوانعمة الله كفرا فغضب عليهم فجعل منهم القردة والخنازير، فنسأل الله تعالى أن لا يغضب علينا كما غضب عليهم وأما قوله: (ولا الضالين) فأنت وأمثالك يا عابد الصليب الخبيث ضللتم من بعد عيسى بن مريم (عليه السلام) فنسأل الله ربنا أن لا يضلنا كما ضللتم وأما سؤالك عن الماء الذي ليس من الارض ولا من السماء فذلك الذي بعثته بلقيس إلى سليمان بن داود (عليه السلام) وهو عرق الخيل إذا جرت في الحرب وأما سؤالك عما يتنفس ولاروح له فذلك الصبح إذا تنفس وأما سؤالك عن عصى موسى (عليه السلام) مما كنت ؟ وما طولها ؟ وما اسمها ؟ وما هي ؟ فإنها كانت يقال لها: البرنية الرايدة (3) وكان إذا كان فيها الروح زادت،


(1) في المصدر: وأما سؤالك عن الرحمن فهو عون لكل من آمن به وهو اسم لم يتسم به غير الرحمن (2) في المصدر: طائعا مدنيا محا خطاياه وأدخله برحمته (3) في المصدر: يقال لها البرنية وتفسير البرنية: الزائدة

[ 62 ]

وإذا خرجت منها الروح نقصت، وكان من عوسج، وكانت عشرة أذرع، وكانت من الجنة أنزلها جبرائيل (عليه السلام) (1) وأما سؤالك عن جارية تكون في الدنيا لاخوين وفي الآخرة لواحد، فتلك النخلة في الدنياهي لمؤمن مثلى ولكافر مثلك، ونحن من ولد آدم (عليه السلام) وفي الآخرة للمسلم دون الكافر المشرك، وهي في الجنة ليست في النار، وذلك قوله عزوجل: (فيها فاكهة ونخل ورمان) ثم طوى الكتاب وأنفذه، فلما قرأه قيصر عمد إلى الاسارى فأطلقهم وأسلم ودعا أهل مملكته إلى الاسلام والايمان بمحمد (صلى الله عليه وآله)، فاجتمعت عليه النصارى وهموا بقتله فجاء بهم (2) فقال: يا قوم إني أردت أن اجر بكم، وإنما أظهرت منه ما أظهرت للنظر كيف تكونون، (3) فقد حمدت الآن أمر كم عند الاختبار فاسكنوا (4) وأطمأنوا، فقالوا كذلك الظن بك، وكتم قيصر أسلامه حتى مات وهو يقول لخواص أسحابه ومن يثق به: إن عيسى، عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، محمد (صلى الله عليه وآله) نبي بعد عيسى بشر أصحابه بمحمد (صلى الله عليه وآله) ويقول: من أدركه منكم فليقرأه مني السلام، فإنه أخي وعبد الله ورسوله، ومات قيصر على القول مسلما، فلما مات وتولى بعده هر قل أخبروه بذلك قال: اكتموا هذا وأنكروه ولا تقروا (5) فإنه إن ظهر طمع ملك العرب، وفي ذلك فسادنا و هلاكنا فمن كان من خواص قيصر وخدمه وأهله على هذا الرأي كتموه، وهر قل أظهر النصرانية وقوي أمره والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله (6) 5 – ومن الكتاب المذكور بحذف الاسناد قال: سهل بن حنيف الانصاري أقبلنا مع خالد بن الوليد فانتهينا إلى دير فيه ديراني فيما بين الشام والعراق، فأشرف


(1) في المصدر: أنزلها جبرئيل على شعيب (2) في المصدر: فأجابهم (3) في المصدر: وإنما أظهرت ما اظهرت لانظر كيف تكونون (4) في المصدر: فسكتوا (5) في المصدر: ولا تقروا به فانه إن يظهر طمع ملك العرب (6) ارشاد القلوب 2: 175

[ 63 ]

علينا وقال: من أنتم ؟ قلنا: نحن المسلمون امة محمد (صلى الله عليه وآله)، فنزل إلينا فقال: أين صاحبكم ؟ فأتينا به إلى خالد بن الوليد فسلم على خالد فرد (عليه السلام)، قال: وإذا هو شيخ كبير فقال له خالد: كم أتى عليك ؟ قال: مائتا سنة وثلاثون سنة قال: منذكم سكنت ديرك هذا ؟ قال: سكته منذ نحو من ستين سنة قال: هل لقيت أحدا لقي عيسى ؟ قال: نعم لقيت رجلين قال: وما قالا لك ؟ قال: قال لي أحدهما: إن عيسى عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم أمته، وإن عيسى مخلوق غير خالق فقبلت منه وصدقته، وقال لي الآخر: إن عيسى هو ربه فكذبته ولعنته فقال خالد: إن هذا لعجب كيف يختلفان وقد لقيا عيسى ؟ قال الديراني: اتبع هذا هواه وزين له الشيطان سوء عمله، واتبع ذلك الحق وهداه الله عزوجل قال: هل قرأت الانجيل ؟ قال: نعم قال: فالتوراة ؟ قال: نعم قال: فآمنت بموسى ؟ قال نعم قال فهل لك في الاسلام أن تشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتؤمن به ؟ قال: آمنت قبل أن تؤمن به، وإن كنت لم أسمعه ولم أره قال: فأنت الساعة تؤمن بمحمد (صلى الله عليه وآله) وبما جاء به ؟ قال: وكيف لا اومن به وقد قرأته في التوراة و الانجيل وبشرني به موسى وعيسى قال: فما مقامك في هذا الدير ؟ قال: فأين أذهب وأنا شيخ كبير ولم يكن لي عمر أنهض به (1) وبلغني مجيئكم فكنت أنتظر أن ألقيكم والقي ليكم إسلامي (2) واخبر كم أني على ملتكم، فما فعل نبيكم ؟ قالوا: توفي (صلى الله عليه وآله) قال: فأنت وصيه ؟ قال: لا ولكن من عشيرته وممن صحبه. قال: فمن بعثك إلى ههنا ؟ وصيه ؟ قال: لا ولكن خليفته، قال غير وصيه ؟ قال: نعم قال: فوصيه حي ؟ قال: نعم قال: فكيف ذلك ؟ قال: اجتمع الناس على هذا الرجل وهو رجل من غير عشيرته ومن صالحي الصحابة قال: وما أراك إلا أعجب من الرجلين


(1) في المصدر: ولم يكن لى من انهض به (2) في المصدر: وألقى إليكم سلامى

[ 64 ]

اللذين اختلفا في عيسى ولقد لقياه وسمعابه، وهوذا أنتم قد خالفتم نبيكم وفعلتم مثل ما فعل ذلك الرجل قال: فالتفت خالد إلى من يليه وقال: هو والله ذاك اتبعنا هوانا والله، وجعلنا رجلا مكان رجل، ولولا ماكان بيني وبين علي من الخشونة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) مامالات عليه أحدا (1) فقال له الاشتر النخعي مالك بن الحارث: ولم كان ذلك بينك وبين علي ؟ وما كان ؟ قال خالد: نافسته في الشجاعة ونافسني فيها، وكان له من السوابق والقرابة ما لم يكن لي، فداخلني حمية قريش فكان ذلك ولقد عاتبتني في ذلك ام سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وهي الي ناصحة فلم أقبل منها ثم عطف على الديراني فقال: هلم حديثك وما تخبر به قال: اخبرك أني كنت من أهل دين كان جديدا فخلق حتى لم يبق منهم من أهل الحق إلا الرجلان أوالثلائة، ويخلق دينكم حتى لا يبقى منه إلا الرجلان أو الثلاثة، واعلموا أنه بموت نبيكم قدتر كتم من الاسلام درجة، وستتر كون بموت وسي نبيكم من الاسلام درجة اخرى (2) حتى إذا لم يبق أحد رأى نبيكم، (3) وسيخلق دينكم حتى تفسد صلاتكم وحجكم وغزوكم وصومكم، وترتفع الامانة والزكاة منكم، ولن تزال فيكم بقية ما بقي كتاب ربكم عزوجل فيكم، وما بقي فيكم أحد من أهل بيت نبيكم، فإذا ارتفع هذان منكم لم يبق من دينكم إلا الشهادتان: شهادة التوحيد وشهادة أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فعند ذلك تقوم قيامتكم وقيامتة غير كم، ويأتيكم ماتو عدون، ولم تقم الساعة إلا عليكم (4) لانكم آخر الامم بكم تختم الدنيا وعليكم تقوم الساعة فقال له خالد: قد أخبرنا بذلك نبينا فأخبرنا بأعجب شئ رأيته منذ سكنت


(1) في المصدر: ما واليت عليه أحدا (2) في نسخة وستتركون بموت وصيكم ووصى نبيكم من الاسلام درجة اخرى (3) في المصدر: وفى نسخة أضاف: أو صحبه (4) في المصدر: ولمن تقوم الساعة إلا عليكم

[ 65 ]

ديرك هذا وقبل أن تسكنه قال لقد رأيت مالا احصي (1) من العجائب وأقبلت ما لااحصي من الخلق (2) قال: فحد ثنا بعض ما تذكره قال: نعم كنت أخرج بين الليالي إلى غدير كان في سفح الجبل أتوضؤ منه وأتزود من الماء ما أصعد به معي إلى ديري، وكنت أستريح إلى النزول فيه بين العشائين فأنا عنده ذات ليلة فإذا أنا برجل قد اقبل فسلم فرددت (عليه السلام) فقال: هل مربك قوم معهم غنم وراعي أو حسستهم ؟ (3) قلت: لا قال: إن قوما من العرب مروا بغنم فيها مملوك لي يرعاها فاستاقوا (4) وذهبوا بالعبد قلت: ومن أنت ؟ قال: أنا رجل من بني إسرائيل (5) قال فما دينك ؟ قلت: أنت فما دينك ؟ قال: ديني اليهودية قلت: وأنا ديني النصرانية فأعرضت عنه بوجهي قال لي: مالك فإنكم أنتم ركبتم الخطاء ودخلتم فيه وتركتم الصواب، ولم يزل يحاورني فقلت له هل لك أن نرفع أيدينا ونبتهل فأينا كان على الباطل دعونا الله أن ينزل عليه نارا تحرقه من السماء ؟ فرفعنا أيدينا فما استتم الكلام حتى نظرت إليه يلتهت نارا وما تحته من الارض، فلم ألبث أن أقبل رجل فسلم فرددت (عليه السلام) فقال: هل رأيت رجلا من صفته كيت وكيت ؟ قلت نعم وحدثته قال: كذبت، و لكنك قتلت أخي يا عدو الله وكان مسلما فجعل يسبني فجعلت أرده عن نفسي بالحجارة، وأقبل يشتمني ويشتم المسيح ومن هو على دين المسيح فبينا هو كذلك إذا نظرت إليه يحترق، وقد أخذته النار التي أخذت أخاه، ثم هوت به النار في الارض، فبينما أنا كذلك قائما أتعجب إذ أقبل رجل ثالث فسلم فرددت (عليه السلام)


(1) في نسخة: مالا يحصى (2) في نسخة: ولقيت مالايحصى (احصى خ ل) من الخلق، وفى المصدر: وأفنيت مالا احصى من الخلق، ولعله مصحف (3) في المصدر: هل مربك قوم معهم غنم وراع أحسستهم ؟ (4) استاق الماشية: حثها على السير من خلف عكس قادها وفى النسخة المقروءة على المصنف: فاستاقوها وفي اخرى: فاشتاقوا. (5) اضاف في المصدر: فمن أنت قلت: أنا رجل من بنى اسرائيل (*)

[ 66 ]

فقال: هل رأيت رجلين من حالهما وصفتهما كيت وكيت ؟ قلت: نعم وكرهت أن اخبره كما أخبرت أخاه فيقاتلني فقلت: هلم اريك أخويك، فانتهيت به إلى موضعهما فنظر إلى الارض يخرج منها الدخان فقال: ما هذه ؟ فأخبرته فقال: والله لئن أجابني أخواي بتصديقك لاتبعتك في دينك، ولئن كان غير ذلك لاقتلنك أو تقتلني فصاح به: يا دانيال أحق ما يقول هذا الرجل ؟ قال: نعم يا هارون فصدقه فقال: أشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته وعبده ورسوله قلت: الحمدلله الذي هداك قال فإني أو اخيك في الله، (1) وإن لي أهلا وولدا وغنيمة، ولولاهم لسحت معك في الارض ولكن مفارقتي عليهم شديدة، (2) وأرجو أن أكون في القيامة بهم مأجورا، ولعلي أنطلق فآتي بهم فأكون بالقرب معك، فانطلق فغاب عني ليلا (ليالي خ ل) ثم أتاني فهتف بي ليلة من الليالي، فإذا هو قد جاء و معه أهله وغنمه فضرب له خيمة ههنا بالقرب مني فلم أزل أنزل إليه في آناء الليل و أتعاهده والاقيه وكان أخ صدق في الله، (3) فقال لي ذات ليلة: يا هذا إني قرأت في التوراة، (4) فإذا هو صفة محمد النبي الامي فقلت: وأنا قرأت صفته في التوراة والانجيل فآمنت به، وعلمته به من الانجيل، وأخبرته بصفته في الانحيل، فآمنا أنا وهو وأحببناه و تمنينا لقاءه قال: فمكث كذلك زمانا وكان من أفضل ما رأيت، وكنت أستأنس إليه، وكان من فضله أنه يخرج بغنمه يرعاها فينزل بالمكان المجدب فيصير ما حوله أخضر من البقل، وكان إذا جاء المطر جمع غنمه فيصير حوله وحوله غنمه وخيمته مثل الاكليل من أثر المطر ولا يصيب خيمته ولاغنمه منه، فإذا كان الصيف كان على رأسه أينما توجه سحابة وكان بين الفضل، كثير الصوم والصلاة


(1) في المصدر: فانى اجبتك في الله (2) في المصدر: ولكن محنتي بقيامي عليهم شديدة (3) في المصدر: فلم ازل انزل إليه في اناء الليل والاقيه واقعد عنده وكان لى أخا صدق في الله (4) في المصدر: إنى قرأت في التوراة شيئا

[ 67 ]

قال: فحضرته الوفاة فدعيت إليه فقلت له: ماكان سبب مرضك ولم أعلم به ؟ قال: إني ذكرت خطيئة كنت قارفتها في حداثتي فغشي علي ثم أفقت ثم ذكرت خطيئة اخرى فغشي علي وأورثني ذلك مرضا فلست أدري ما حالى، ثم قال لي: فإن لقيت محمدا (صلى الله عليه وآله) نبي الرحمة فاقرأه مني السلام، وإن لم تلقه ولقيت وصيه فاقرأه مني السلام وهي حاجتي إليك ووصيتي. قال الديراني: وإني مودعكم إلى وصي محمد (صلى الله عليه وآله) مني ومن صاحبي السلام قال سهل بن حنيف: فلما رجعنا إلى المدينة لقيت عليا (عليه السلام) فأخبرته خبر الديراني وخبر خالد وما أودعنا إليه الديراني من السلام منه ومن صاحبه قال: فسمعته يقول: وعليهما وعلى من مثلهما السلام، وعليك يا سهل بن حنيف السلام، وما رأيته اكترث بما أخبرته من خالد بن الوليد وما قال، وما رد علي فيه شيئا غير أنه قال: يا سهل بن حنيف: إن الله تبارك وتعالى بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) فلم يبق في الارض شئ إلا علم أنه رسول الله إلا شقي الثقلين وعصاتهما قال سهل: وما في الارض من شئ فاخره إلا شقي الثقلين وعصاتهما، قال سهل: فعبرنا زمانا (1) ونسيت ذلك، فلما كان من أمر علي (عليه السلام) ما كان توجهنا معه فلما رجعنا من صفين نزلنا أرضا قفرا ليس بها ماء فشكونا ذلك إلى علي (عليه السلام) فانطلق يمشي على قدميه حتى انتهينا إلى موضع كان يعرفه (2) فقال: احفروا ههنا فحفرنا فإذا بصخرة صماء عظيمة قال: اقلعوها، قال: فجهدنا أن نقلعها فما استطعنا قال: فتبسم أمير المؤمنين صلوات الله عليه من عجزنا عنها، ثم أهوى إليها بيديه جميعا، كأنما كانت في يده كرة، فإذا تحتها عين بيضاء كأنها من شدة بياضها اللجين المجلو فقال دونكم فاشربوا واسقوا وتزودوا ثم آذنوني بها. قال ففعلنا ثم أتيناه فأقبل يمشي إليها بغير رداء ولا حذاء، فتناول الصخرة بيده، ثم دحى بها في فم العين


(1) في المصدر: وما في الارض من شئ ذى حسرة الا أشقى الثقلين وعصاتهما، قال سهل: فعمرنا زمانا اه‍ (2) في المصدر: كانه يعرفه

[ 68 ]

فألقمها إياها، ثم حثا بيده التراب عليها، (1) وكان ذلك بعين الديراني، وكانت بالقرب منها ومنا، يرانا ويسمع كلامنا قال: فنزل فقال أين صاحبكم ؟ فانطلقنا به إلى على (عليه السلام) فقال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، و أنك وصي محمد (صلى الله عليه وآله)، ولقد كنت أرسلت بالسلام عني وعن صاحب لي مات كان أوصاني بذلك مع جيش لكم (2) منذ كذا وكذا من السنين قال سهل: فقلت يا أمير المؤمنين: هذا الديراني الذي كنت أبلغتك عنه (3)


(1) وأورد شيخنا الاكبر المفيد في الارشاد: 178 وروده (عليه السلام) بصفين وما جرى من قلع الصخرة وإسلام الراهب وشهادته، وقال: ذلك ما رواه اهل السير واشتهر الخبر به في العامة والخاصة حتى نظمه الشعراء وخطب به البلغاء ورواه الفهماء والعلماء، وشهرته تغنى عن تكلف ايراد الاسناد له، ثم قال: وفى ذلك يقول اسماعيل بن الحميرى رحمه الله في قصيدته البائية المذهبة: ولقد سرى فيما يسير بليلة * بعد العشاء بكربلا في موكب حتى أتى متبتلا في قائم * ألقى قواعده بقاع مجدب يأتيه ليس بحيث يلقى عامرا * غير الوحوش وغير أصلع أشيب فدنا فصاح به فأشرف ماثلا * كالنسر فوق شظية من مرقب هل قرب قائمك الذى بواته * ماء يصاب ؟ فقال مامن مشرب إلا بغاية فرسخين ومن لنا * بالماء بين نقى وقى سبسب فثنى الاعنة نحو وعث فاجتلى * ملساء تلمع كاللجين المذهب قال اقلبوها انكم ان تقلبوا * ترووا ولا تروون إن لم تقلب فاعصو صبوا في قلعها فتمنعت * منهم تمنع صعبة لم تركب حتى إذا اعيتهم أهوى لها * كفا متى ترد المغالب تغلب فكأنها كرة بكف جزور * عبل الذراع دحى بها في ملعب فسقاهم من تحتها متسلسلا * عذبا يزيد على الالذ الاعذب حتى إذا شربوا جميعا ردها * ومضى فخلت مكانها لم يقرب وزاد فيها ابن ميمون قوله: وأبان راهبها سريرة معجز * فيها وآمن بالوصى المنجب ومضى شهيدا صادقا في نصره * أكرم به من راهب مترهب اعني ابن فاطمة الوصي ومن يقل * في فضله وفعاله لا يكذب رجلا كلا طرفيه من سام وما * حام له باب ولا باب أب من لايفر ولا يرى في معرك * الا وصارمه الخضيب المضرب (2) في المصدر: كان لكم (3) في المصدر: بلغتك عنه

[ 69 ]

وعن صاحيه السلام قال وذكر الحديث يوم مر رنا مع خالد فقال له علي (عليه السلام): وكيف علمت أني وصي رسول الله ؟ قال: أخبرني أبي وكان قدا تي عليه من العمر مثل ما اتي علي، عن أبيه، عن جده عمن قاتل مع يوشع بن نون وصي موسى، حين توجه فقاتل الجبارين بعد موسى بأربعين سنة أنه مر بهذا المكان وأصحابه عطشوا، (1) فشكوا إليه العطش، فقال: أما إن بقربكم عينا نزلت من الجنة استخرجها آدم فقال إليها يوشع بن نون فنزع عنها الصخرة، ثم شرب وشرب أصحابه وسقوا (2) ثم قلب الصخرة وقال لاصحابه: لا يقلبها إلا نبي أو وصي نبي، قال: فتخلف نفر من أصحاب يوشع بعد ما مضى فجهدوا الجهد على أن يجدوا موضعها فلم يجدوه وأنما بني هذا الدير على هذه العين وعلى بركتها وطليتها فعلمت حين استخرجتها أنك وصي رسول الله أحمد الذي كنت أطلب، وقد أحببت الجهاد معك قال: فحمله على فرس وأعطاه سلاحا وخرج مع الناس، وكان ممن استشهد يوم النهر (3) قال: وفرح أصحاب علي بحديث الديراني فرحا شديدا قال: وتخلف قوم بعد ما رحل العسكر وطلبوا العين فلم يدروا أين موضعها، فلحقوا بالناس وقال صعصعة بن صوحان: وأنا رأيت الديراني يوم نزل إلينا حين قلب علي الصخرة عن العين وشرب منها الناس، وسمعت حديثه لعلي (عليه السلام)، وحدثني ذلك اليوم سهل بن حنيف بهذا الحديث حين مر وامع خالد (4) بيان: المنافسة: المغالبة في الشئ النفيس


(1) في نسخة: وأن اصحابه عطشوا اه‍ وفى المصدر: وانه واصحابه به عطشوا اه‍ (2) في المصدر: واستقوا (3) في المصدر: فكان ممن استشهد يوم النهروان (4) ارشاد القوب 2: 176 – 182

[ 70 ]

* (باب 4) * * (احتجاجه صلوات الله عليه على الطبيب اليونانى وما ظهر منه (عليه السلام)) * * (من المعجزات الباهرات) * 1 – م، ج بالاسناد إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام)، عن زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) قاعدا ذات يوم فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين (1) للفلسفة والطب، فقال له: يا أبا الحسن بلغني خبر صاحبك وأن به جنونا وجئت لاعالجه فلحقته وقد مضى لسبيله وفاتني ما أردت من ذلك، وقد قيل لي: إنك ابن عمه وصهره، وأرى بك صفارا قد علاك، وساقين دقيقين ما أراهما يقلانك، (2) فأما الصفار فعندي دواؤه وأما الساقان الدقيقان فلاحيلة لي لتغليظهما، والوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلله ولا تكثره وفيما تحمله على ظهرك وتحتضنه (3) بصدرك أن تقللهما ولا تكثرهما، فإن ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما، (4) وأما الصفار فدواؤه عندي وهو هذا، وأخرج دواء وقال هذا لا يؤذيك ولا يخيبك، ولكنه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا ثم يزيل صفارك فقال له علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد ذكرت نفع هذا الدواء لصفاري، فهل عرفت شيئا يزيد فيه ويضره ؟ فقال الرجل: بلى حبة من هذا، وأشار إلى دواء معه وقال: إن تناوله الانسان وبه صفار أماته من ساعته وإن كان لاصفار به صار به صفار حتى يموت في يومه فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): فأرني هذا الضار، فأعطاه إياه فقال له: كم قدر هذا ؟ قال له: قدر مثقالين سم ناقع قدر حبة منه يقتل رجلا فتناوله علي (عليه السلام) فقمحه وعرق عرقا خفيفا، وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه: الآن اؤخذ بابن


(1) في نسخة: المذعنين (2) قل الشئ: حمله (3) أي تضمه إلى صدرك (4) أي انكسارهما

[ 71 ]

أبي طالب ويقال: قتله ولا يقبل مني قولي: إنه هو (لهوخ) الجاني على نفسه فتبسم علي (عليه السلام) وقال: يا عبد الله أصح ماكنت بدنا الآن لم يضرني ما زعمت أنه سم فغمض عينيك، فغمض ثم قال: افتح عينيك ففتح ونظر إلى وجه علي (عليه السلام) فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة فارتعد الرجل لما رأه، وتبسم علي (عليه السلام) وقال: أين الصفار الذي زعمت أنه بي ؟ فقال: والله لكأنك لست من رأيت من قبل، كنت مصفرا فأنت الآن مورد قال علي (عليه السلام): فزال عني الصفار بسمك الذي تزعم أنه قاتلي، وأما ساقاي هاتان – ومد رجليه وكشف عن ساقيه – فإنك زعمت أني أحتاج إلى أن أرفق ببدني في حمل ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان، وأنا اريك (أدلك خ ل) أن طب الله عزوجل خلاف طبك، وضرب بيديه إلى اسطوانة خشب عظيمة (1) على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه، وفوقه حجرتان: إحداهما فوق الاخرى، وحركها واحتملها فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان، فغشي على اليوناني فقال أمير المؤمنين عليه السلام صبوا عليه ماء، فصبوا عليه ماء فأفاق وهو يقول: والله ما رأيت كاليوم عجبا فقال له علي (عليه السلام): هذه قوة الساقين الدقيقتين واحتمالها في طبك هذا يا يوناني فقال اليوناني: أمثلك كان محمد ؟ فقال علي (عليه السلام): وهل علمي الأمن علمه ؟ وعقلي إلامن عقله ؟ وقوتي إلا من قوته ؟ لقد أتاه ثقفي كان أطب العرب فقال له: إن كان بك جنون داويتك فقال له محمد صلى الله عليه واله وسلم: أتحب أن اريك آية تعلم بها غناي عن طبك، وحاجتك إلى طبي قال: نعم قال: اي آية تريد ؟ قال: تدعو ذلك العذق (2) وأشار إلى نخلة سحوق فدعاها فانقلع أصلها (3) من الارض وهي تخد الارض (4) حتى وقف بين يديه فقال له: أكفاك ؟ قال: لا قال فتريد ماذا ؟ قال: تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت منه وتستقر في مقرها الذي انقلعت منه، فأمرها فرجعت واستقرت في مقرها


(1) في نسخة: غليظة (2) العذق من النخل هو كالعنقود من العنب (3) في نسخة: اصولها (4) في النسخة المقروءة على المصنف: وجعل تخدفى الارض وخد الارض: شقها.

[ 72 ]

فقال اليوناني لا مير المؤمنين (عليه السلام) هذا الذي تذكره عن محمد (صلى الله عليه وآله) غائب عني، وأنا أقتصر منك على أقل من ذلك: أنا أتباعد عنك فادعني وأنا لا أختار الا جابة، فإن جئت بي إليك فهي آية فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا أنما يكون آية لك وحدك لانك تعلم من نفسك أنك لم ترده وإني أزلت اختيارك من غير أن باشرت مني شيئا، أو ممن أمرته بأن يباشرك، أو ممن قصد إلى إجبارك وإن لم آمره إلا ما يكون من قدرة الله تعالى القاهرة، وأنت يا يوناني يمكنك أن تدعي ويمكن غيرك أن يقول: إني واطاتك على ذلك، فاقترح إن كنت مقترحا ما هو آية لجميع العالمين قال له اليوناني: إذا جعلت الاقتراح إلي فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة وتفرقها وتباعد ما بينها ثم تجمعها وتعيدها كما كانت فقال علي (عليه السلام): هذه آية وأنت رسولي إليها – يعني إلى النخلة – فقل لها: إن وصي محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمر أجزاءك أن تتفرق وتتباعد فذهب فقال لها، فتفاصلت وتهافتت وتنثرت وتصاغرت (1) أجزاؤها حتى لم يرلها عين ولا أثر، حتى كأن لم يكن هناك نخلة قط، فارتعدت فرائص اليوناني فقال: يا وصي محمد قد أعطيتني اقتراحي الاول فأعطني الآخر فأمرها أن تجتمع وتعود كما كانت فقال: أنت رسولي إليها بعد (2) فقل لها: يا أجزاء النخلة إن وصي محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يامرك أن تجتمعي وكما كنت تعودي، (3) فنادى اليوناني فقال ذلك فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور، (4) ثم جعلت تجتمع جزء جزء منها حتى تصور لها القضبان والا وراق واصول السعف وشما ريخ الاعذاق، (5) ثم تألفت وتجمعت و استطالت وعرضت واستقر أصلها في مقرها، وتمكن عليها ساقها، وتركب على


(1) في التفسير: وتهافتت وتفرقت وتصاغرت (2) في المصدر: انت رسولي إليها فعد فقل اه‍ (3) في المصدر: يامرك ان تجتمعي كما كنت وتعودى اه‍. (4) في التفسير المطبوع: المبثوث (المنثور ؟ خ ل) (5) في نسخة: والاصول والسعف والشماريخ والاعذاق

[ 73 ]

الساق قضبانها، وعلى القضبان أوراقها، في أمكنتها أعذاقها، وكانت في الابتداء شماريخها متجردة (1) لبعدها من أوان الرطب والبسر والخلال فقال اليوناني: واخرى احب ان تخرج شما ريخها خلالها وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة وتراطيب وبلوغ ليؤكل وتطعمني ومن حضرك منها فقال علي (عليه السلام) أنت رسولي إليها بذلك فمرها به فقال لها اليوناني: يأمرك أمير المؤمنين (عليه السلام) بكذا وكذا فأخلت (2) وأبسرت واصفرت واحمرت وترطبت وثقلت أعذاقها برطبها فقال اليوناني: واخرى احبها يقرب من يدي أعذاقها، أو تطول يدي لتنالها، (3) وأحب شئ إلي أن تنزل إلي إحداها، وتطول يدي إلى الاخرى التي هي اختها فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) مد اليد التي تريد أن تنالها (4) وقل: (يا مقرب البعيد قرب يدي منها) واقبض الاخرى التي تريد أن تنزل العذق إليها وقل: (يا مسهل العسير سهل لي تناول ما يبعد عني منها) ففعل ذلك وقاله فطالت يمناه فوصلت إلى العذق وانحطت الا عذاق الاخرى فسقطت على الارض وقد طالت عراجينها، ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إنك إن أكلت منها ولم تؤمن بمن أظهر لك عجائبها عجل الله عزوجل (5) من العقوبة التي يبتليك بها ما يعتبر بها عقلاء خلقه وجهالهم فقال اليوناني: إني إن كفرت بعد ما رأيت فقد بلغت في العنادو تناهيت في التعرض للهلاك، أشهد أنك من خاصة الله، صادق في جميع أقاويلك عن الله فأمرني بما تشاء أطعك قال علي (عليه السلام): آمرك أن تقر لله بالوحد انية، وتشهد له بالجود والحكمة وتنزهه عن العبث والفساد، وعن ظلم الا ماء والعباد وتشهد أن محمد الذي أنا وصيه


(1) في الاحتجاج: شماريخها متفردة وفى التفسير: مجردة (2) في المصدر: فقال لها اليوناني: ما امره أمير المؤمنين (عليه السلام) فاخلت (3) في الاحتجاج: واخرى احبها ان تقرب من بين يدى اعذاقها، أو تطول يدى لتناولها (4) في المصدر: تريد ان تناولها (5) في المصدر: عجل الله عزوجل إليك

[ 74 ]

سيد الانام، وأفضل برية في دار السلام (1) وتشهد أن عليا الذي أراك ما أراك وأولاك من النعم ما أولاك خير خلق الله بعد محمد رسول الله، وأحق خلق الله بمقام محمد (صلى الله عليه وآله) بعده، والقيام بشرائعه وأحكامه، وتشهد أن أولياءه أولياء الله، وأن اعداءه أعداء الله، وأن المؤمنين المشاركين لك فيما كلفتك المساعدين لك على ما به أمرتك خير امة محمد (صلى الله عليه وآله)، وصفوة شيعة علي (عليه السلام) وآمرك أن تواسي إخوانك المطابقين لك على تصديق محمد (صلى الله عليه وآله) وتصديقي و الانقياد له ولي مما رزقك الله وفضلك على من فضلك به منهم تسد فاقتهم، وتجبر كسرهم وخلتهم، (2) ومن كان منهم في درجتك في الايمان ساويته في مالك بنفسك، ومن كان منهم فاضلا عليك في دينك آثرته بمالك على نفسك حتى يعلم الله منك أن دينه آثر عندك من مالك، وأن أولياءه أكرم إليك من أهلك وعيالك، وآمرك أن تصون دينك وعلمنا الذي أودعناك وأسرارنا التي حملناك، فلاتبد علومنا لمن يقابلها بالعناد، ويقابلك من أجلها بالشتم واللعن والتناول من العرض والبدن ولا تفش سرنا إلى من يشنع علينا عند الجاهلين بأحوالنا، ويعرض أولياءنا لبوادر الجهال، وآمرك أن تستعمل التقية في دينك فإن الله عزوجل يقول: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة) وقد أذنت لك في تفضيل أعدائنا علينا إن ألجأك الخوف إليه وفي إظهار البراءة منا إن حملك الوجل إليه، وفي ترك الصلوات المكتوبات إذا خشيت على حشاشتك الآفات والعاهات، فإن تفضيلك أعداءنا علينا عند خوفك لا ينفعهم ولا يضرنا، وإن إظهارك براءتك مناعند تقيتك لا يقدح فينا ولا ينقصنا، ولئن تبرأ منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك لتبقى على نفسك روحها التي بها قوامها، ومالها الذي به قيامها، وجاهها الذي به تماسكها، وتصون من عرف بذلك وعرفت به من أوليائناو إخواننا وأخواتنا من بعد ذلك بشهور وسنين إلى أن تنفرج تلك الكربة وتزول به تلك الغمة، فإن ذلك أفضل


(1) في الاحتجاج: وافضل رتبة في دار السلام وفى التفسير: وافضل رتبة من اهل دار السلام (2) أي فقرهم

[ 75 ]

من أن تتعرض للهلاك، وتنقطع به عن عمل في الدين وصلاح إخوانك المؤمنين، وإياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك ودماء إخوانك، معرض لنعمك ونعمهم للزوال، مذل لهم (1) في أيدي أعداء دين الله، وقد أمرك الله بإعزازهم (2) فإنك إن خالفت وصيتي كان ضررك على نفسك وإخوانك أشد من ضرر المناصب لنا (3) الكافر بنا. (4) بيان: (قوله: ولا يخيبك) في نسخ التفسير: (ولايخيسك) من خاس بالعهد، أي نقض، كناية عن عدم النفع. وقال الجوهري: قمحت السويق وغيره بالكسر: إذا استففته وقال: القصف: الكسر، والتقصف: التكسر. وقال: السحوق من النخل: الطويلة. وقال: الحشاشة: بقية الروح في المريض. وقال: شاط فلان أي ذهب دمه هدرا، وأشاطه بدمه وأشاط دمه أي عرضه للقتل * (باب 5) * * (أسؤلة الشامي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مسجد الكوفة) * 1 ن، ع: محمد بن عمربن علي بن عبد الله البصري، عن محمد بن عبد الله بن أحمد ابن جبلة، عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرضا عن آبائه، عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالكوفة في الجامع إذ قام (5) إليه رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين إني أسألك عن أشياء فقال: سل تفقها ولا تسأل تعنتا، فأحدق الناس بأبصارهم فقال: أخبرني عن أول ما خلق الله تبارك وتعالى. فقال: خلق النور. قال: فمم


(1) في المصدر: مذل لك ولهم (2) في التقسير: وقد أمرك الله باعزاز دينه وإعزازهم. (3) في التفسير: الناصب لنا. (4) تفسير العسكري: 67 – 70. الاحتجاج: 122 – 125 (5) في نسخة: إذا قام

[ 76 ]

خلق السماوات ؟ قال: من بخار الماء قال: فمم خلق الارض ؟ قال: من زبد الماء قال: فمم خلقت الجبال ؟ قال: من الامواج قال: فلم سميت مكة ام القرى ؟ قال لان الارض دحيت من تحتها وسأله عن سماء الدنيا مما هي ؟ قال: من موج مكفوف وسأله عن طول الشمس و القمر وعرضهما قال: تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ وسأله كم طول الكواكب و عرضه ؟ قال: اثنا عشر فرسخا في اثني عشر فرسخا وسأله عن ألوان السموات السبع و أسمائها فقال له: اسم السماء الدنيا: رفيع وهي من ماء ودخان، واسم السماء الثانية: قيدرا، (1) وهي على لون النحاس، والسماء الثالثة اسمها: الماروم (2) وهي على لون الشبه، والسماء الرابعة اسمها: ارفلون وهي على لون الفضة، والسماء الخامسة اسمها هيعون وهي على لون الذهب، والسماء السادسة اسمها: عروس، وهي ياقوتة خضراء، والسماء السابعة اسمها: عجماء وهي درة بيضاء وسأله عن الثور ما باله غاض طرفه ولا يرفع رأسه إلى السماء ؟ قال: حياء من الله عزوجل، لما عبد قوم موسى العجل نكس رأسه (3) وسأله عن المد والجزر ماهما ؟ قال: ملك موكل بالبحار يقال له رومان فإذا وضع قدميه في البحر فاض وإذا أخرجهما غاض وسأله عن اسم أبي الجن. فقال: شومان الذي خلق من مارج من نار. وسأله هل بعث الله نبيا إلى الجن ؟ فقال: نعم بعث إليهم نبيا يقال له يوسف فدعاهم إلى الله فقتلوه. وسأله عن اسم ابليس ماكان في السماء ؟ فقال: كان اسمه الحارث. وسأله لم سمي آدم آدم ؟ قال: لانه خلق من أديم الارض وسأله لم صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين ؟ فقال: من قبل السنبلة، كان


(1) في المصدر: فيدوم (2) في العلل: اسمها المادون وفى هامش العيون أضاف الهاروم (3) في عيون الاخبار هنا زيادة وهى هذه: وسأله عمن جمع بين الاختين فقال: يعقوب بن إسحاق جمع بين حبار وراحيل فحرم بعد ذلك، ففيه انزل: (وأن تجمعوا بين الاختين)

[ 77 ]

عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حواء فأكلت منها حبة، وأطعمت آدم حبتين، فمن أجل ذلك ورث الذكر مثل حظ الانثيين. وسأله عمن خلق الله من الانبياء مختونا. فقال: خلق الله آدم مختونا، وولد شيث مختونا، وإدريس، ونوح، (1) وإبراهيم، وداود، وسليمان، ولوط، إسماعيل، و موسى وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين. وسأله كم كان عمر آدم ؟ فقال: تسعمائة سنة وثلاثين سنة. وسأله عن أول من قال الشعر فقال: آدم. قال: وما كان شعره ؟ قال: لما انزل إلى الارض من السماء فرأى تربتها وسعتها وهواها وقتل قابيل هابيل قال آدم (عليه السلام): تغيرت البلاد ومن عليها * فوجه الارض مغبر قبيح تغير كل ذي لون وطعم * وقل بشاشة الوجه المليح (2) فأجابه إبليس: تنح عن البلاد و ؟ ساكنيها * ففي الفردوس ضاق بك الفسيح (3) وكنت بها وزوجك في قرار * وقلبك من أذى الدنيا مريح فلم تنفك من كيدى ومكري * إلى أن فاتك الثمن الربيح (4) فلولا رحمة الجبار أضحى * بكفك من جنان الخلدريح (5)


(1) زاد في العيون: وسام بن نوح. (2) اضاف في العيون: أرى طول الحياة على غما * وهل انا من حياتي مستزيح ومالى لاأجود بسكب دمع * وهابيل تضمنه الضريح قتل قابيل هابيلا أخاه * فواحز نا لقد فقد المليح (3) في العيون: فبى في الخلد ضاق بك الفسيح (4) في العيون هنا زيادة وهى هذه: وبدل أهلها أثلا وخمطا * بجنات وأبواب منيح (5) في العيون هنا زيادة وهى هذه: وسأله عن بكاء آدم على الجنة وكم كان دموعه التى جرت من عينه ؟ قال: بكاء آدم مائة سنة، وخرج من عينه اليمنى مثل دجلة، ومن الاخرى مثل الفرات. (*)

[ 78 ]

وسأله كم حج آدم (عليه السلام) من حجة ؟ فقال له: سبعين حجة (1) ماشيا على قدميه وأول حجة حجها كان معه الصرد يدله على مواضع الماء، وخرج معه من الجنة، وقد نهي عن أكل الصرد والخطاف وسأله ما باله لا يمشي على الارض ؟ قال: لانه ناح على بيت المقدس فطاف حوله أربعين عاما يبكي عليه، ولم يزل يبكي مع آدم (عليه السلام) فمن هناك سكن البيوت ومعه تسع آيات (2) من كتاب الله عزوجل مما كان آدم يقرؤها في الجنة وهي معه إلى يوم القيامة: ثلاث آيات من أول الكهف، وثلاث آيات من سبحان (3) وهي (و إذا قرأت القرآن) وثلاث آيات من يس: (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) وسأله عن أول من كفر وأنشأ الكفر فقال: إبليس لعنه الله وسأله عن اسم نوح ماكان ؟ فقال: كان اسمه السكن، وإنما سمي نوحا لانه ناح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وسأله عن سفينة نوح (عليه السلام) ماكان عرضها وطولها فقال: كان طولها ثمانمائة ذراع، وعرضها خمسمائة ذراع، وارتفاعها في السماء ثمانون ذراعا ثم جلس الرجل وقال إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أول شجرة غرست في الارض فقال: العوسجة ومنها عصا موسى (عليه السلام) وسأله عن أول شجرة نبتت في الارض فقال: هي الدبا وهو القرع وسأله عن أول من حج من أهل السماء فقال له: جبرئيل (عليه السلام)


(1) في نسخة: سبعمائة حجة (2) في العيون: ونزل آدم ومعه تسع آيات (3) في العيون: من سبحان الذى اسرى (4) كذا في المصدر، وفي هامش العيون: أمام الطوفان بدل (أيام) ويأتي في الباب الاتى عن المناقب أنه سأله عن اول بقمة علت على الماء في أيام طوفان، فقال (عليه السلام): ذاك موضع الكعبة لانها كانت ربوة

[ 79 ]

وسأله عن أول بقعة بسطت من الارض أيام الطوفان فقال له: موضع الكعبة وكان زبرجدة خضراء وسأله عن أكرم واد على وجه الارض. فقال له: واد يقال له سرنديب، سقط فيه آدم (عليه السلام) من السماء وسأله عن شر واد على وجه الارض فقال له: واد باليمن يقال له برهوت، وهو من أودية جهنم وسأله عن سجن سار بصاحبه فقال: الحوت سار بيونس بن متى (عليه السلام) وسأله عن ستة لم يركضوا في رحم فقال: آدم، وحواء وكبش إبراهيم، وعصا موسى، وناقة صالح، والخفاش الذي عمله عيسى بن مريم وطار بإذن الله عزوجل وسأله عن شئ مكذوب عليه ليس من الجن ولا من الانس فقال الذئب الذي كذب عليه إخوة يوسف (عليه السلام). وسأله عن شئ أوحى الله عزوجل إليه ليس من الجن ولا من الانس. فقال: أوحى الله عز وجل إلى النحل. (1) وسأله عن موضع طلعت عليه الشمس ساعة من النهار ولا تطلع عليه أبدا. قال: ذلك البحر حين فلقه الله عز وجل لموسى (عليه السلام)، فأصابت أرضه الشمس، واطبق عليه الماء فلن تصيبه الشمس. (2) وسأله عن شئ شرب وهو حي، وأكل وهو ميت فقال: تلك عصا موسى وسأله عن نذير أنذر قومه ليس من الجن ولا من الانس. فقال: هي النملة وسأله عن أول من امر بالختان. قال: إبراهيم. وسأله عن أول من خفض من النساء فقال: هاجر ام إسماعيل خفضتها سارة لتخرج من يمينها وسأله عن أول امرأة جرت ذيلها. فقال: هاجر لما هربت من سارة. وسأله عن أول من جرذيله من الرجال. فقال: قارون. وسأله عن أول من لبس النعلين. فقال إبراهيم (عليه السلام). وسأله عن أكرم الناس نسبا. فقال: صديق الله يوسف بن يعقوب إسرئيل الله، ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله


(1) في العيون هنا زيادة هي هذه: وسأله عن أطهر موضع على وجه الارض لا يحل الصلاة فيه فقال له ظهر الكعبة (2) في العيون: فلن تصيبه الشمس بعد ذا ابدا

[ 80 ]

وسأله عن ستة من الا نبياء لهم اسمان فقال: يوشع بن نون وهو ذوالكفل، ويعقوب وهو إسرائيل، (1) والخضر وهو تاليا، (2) ويونس وهو ذوالنون، وعيسى وهو المسيح ومحمد وهو أحمد صلوات الله عليهم وسأله عن شئ تنفس ليس له لحم ولادم فقال: ذاك الصبح إذا تنفس وسأله عن خمسة من الانبياء تكلموا بالعربية فقال: هود، وشعيت، وصالح، وإسماعيل، ومحمد صلى الله عليه وعليهم ثم جلس وقام رجل آخر فسأله وتعنته فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن قول الله عزوجل: (يوم يفر المرء من أخيه وامه وأبيه وصاحبته وبنيه) من هم ؟ فقال: قابيل يفر من هاببل، والذى يفر من امه موسى والذي يفر من أبيه إبراهيم، (3) والذي يفر من صاحبته لوط، والذي يفر من ابنه نوح يفر من ابنه كنعان. وسأله عن أول من مات فجاءة فقال: داود (عليه السلام) مات على منبره يوم الاربعاء. وسأله عن أربعة لا يشبعن من أربعة فقال: أرض من مطر، وانثى من ذكر، وعين من نظر، وعالم من علم. وسأله عن أول من وضع سكك الدنانير والدراهم فقال: نمرود بن كنعان بعد نوح. وسأله عن أول من عمل عمل قوم لوط. فقال: إبليس فإنه أمكن من نفسه. وسأله عن معنى هدير الحمام الراعبية فقال: تدعو على أهل المعازف والقينات و المزامير والعيدان وسأله عن كنية البراق فقال: يكنى أبا هزال (4) وسأله لم سمي تبع تبعا ؟ قال: لانه كان غلاما كاتبا فكان يكتب لملك كان قبله فكان إذا كتب كتب: بسم الله الذي خلق صبحا وريحا فقال الملك: اكتب وابدء باسم ملك الرعد، فقال: لا أبدء


(1) في العيون إسرائيل الله (2) في نسخة وفى العلل جعليا، وفى العيون: حلقيا. حليفا خ ل. (3) في العيون زيادة وهى هذه: يعنى الاب المربى لا الوالد (4) في نسخة وفى العبود: ابا هلال.

[ 81 ]

إلا باسم إلهي، ثم اعطف على حاجتك، فشكر الله عزوجل له ذلك، وأعطاه ملك ذلك الملك فتابعه الناس على ذلك فسمي تبعا. وسأله ما بال الماعز مفرقعة (1) الذنب، بادية الحياء والعورة ؟ فقال: لان الماعز عصت نوحا لما أدخلها السفينة فدفعها فكسر ذنبها، والنعجة مستورة الحياء والعورة لان النعجة بادرت بالدخول إلى السفينة فمسح نوح (عليه السلام) يده على حياها وذنبها فاستوت الالية (2) وسأله عن كلام أهل الجنة فقال: كلام أهل الجنة بالعربية. وسأله عن كلام أهل النار فقال: بالمجوسية. ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (3) النوم على أربعة أصناف: الانبياء تنام على أقفيتها مستلقية وأعينها لا تنام متوقعة لوحي ربها، والمؤمن ينام على يمينه مستقبل القبلة، والملوك وأبناؤها تنام على شمالها ليستمرؤوا ما يأكلون، وإبليس و إخوانه وكل مجنون وذي عاهة تنام على وجهه منبطحا (4) ثم قام إليه رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن يوم الاربعاء وتطيرنا منه وثقله وأي أربعاء هو ؟ قال: آخر أربعاء في الشهر وهو المحاق وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، ويوم الاربعاء القي إبراهيم في النار، ويوم الاربعاء وضعوه في المنجنيق، ويوم الاربعاء غرق الله عزوجل فرعون، ويوم الاربعاء جعل الله عاليها سافلها، (5) ويوم الاربعاء أرسل الله عزوجل الريح على قوم عاد، ويوم الاربعاء أصبحت كالصريم ويوم الاربعاء سلط الله على نمرود البقة، ويوم الاربعاء طلب فرعون موسى (عليه السلام) ليقتله، ويوم الاربعاء خر عليهم السقف من فوقهم، ويوم الاربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان، ويوم الاربعاء خرب بيت المقدس ويوم الاربعاء احرق مسجد سليمان بن داود بإصطخر من كورة فارس، ويوم الاربعاء قتل يحيى بن زكريا، ويوم الاربعاء


(1) في نسخة: معرقبة. وفى اخرى: مرفوعة (2) في العيون: فاستترت الالية. (3) في العيون: وسأله عن النوم على كم وجه هو ؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) اه‍. (4) في العيون: تنامون على وجوههم منبطحين. (5) في العيون: ويوم الاربعاء جعل الله عزوجل قرية لوط عاليها سافلها.

[ 82 ]

أظل قوم فرعون أول العذاب، ويوم الاربعاء خسف الله بقارون، ويوم الاربعاء ابتلي أيوب بذهاب ماله وولده، (1) ويوم الاربعاء ادخل يوسف السجن، ويوم الاربعاء قال الله عزوجل: (إنا دمرناهم وقومهم أجمعين) ويوم الاربعاء أخذتهم الصيحة، ويوم الاربعاء عقرت الناقة، ويوم الاربعاء امطر عليهم حجارة من سجيل، ويوم الاربعاء شج وجه النبي (صلى الله عليه وآله) وكسرت رباعيته، ويوم الاربعاء أخذت العماليق التابوت وسأله عن الايام وما يجوز فيها من العمل فقال أمير المؤمنين: يوم السبت يوم مكر وخديعة ويوم الاحد يوم غرس وبناء ويوم الاثنين يوم سفر وطلب، ويوم الثلثاء يوم حرب ودم، (2) ويوم الاربعاء يوم شؤم فيه يتطير الناس ويوم الخميس يوم الدخول على الامراء وقضاء الحوائج ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح (3) بيان: قوله: (بشاشة الوجه المليح) لعل رفع المليح للقطع بالمدح، ويمكن أن يقرء بشاشة بالنصب على التمييز، وفي بعض النسخ بعده: ومالي لاأجود بسكب دمع * وهابيل تضمنه الضريح قتل قابيل هابيلا أخاه * فواحزنا لقد المليح قوله: (ما باله لا يمشي) أي الخطاف وقال الجوهري: العوسج: ضرب من الشوك، الواحدة عوسجة وقال الفيروز آبادي: رعبت الحمامة رفعت هديلها و شددته (4) قوله: (مفرقعة الذنب) قال الفيروز آبادي: فرقع فلانا: لوى عنقه، والافرنقاع عن الشئ: الانكشاف عنه والتنحي (5) أقول: وفي بعض النسح: معرقبة الذنب أي مقطوعة، مجازا من قولهم: عرقبه فقطع عرقوبه، وفي بعضها: مرفوعة الذنب وهو أظهر، والحياء بالمد: الفرج من


(1) في العيون: بذهاب اهله وماله وولده (2) في العيون: ويوم الاثنين يوم حرب ودم، ويوم الثلثاء يوم سفر وطلب (3) عيون الاخبار: 133 – 137 علل الشرائع: 197 – 199 (4) القاموس المحيط: فصل الراء من ابواب الباء (5) القاموس المحيط: فصل الفاء من ابواب العين

[ 83 ]

ذوات الخف والظلف والسباع وقد يقصر، وبطحه كمنعه: ألقاه على وجه فانبطح أقول: سيأتي تفسير أجزاء الخبر في مواضعها إن شاء الله تعالى. * (باب 6) * * (نوادر احتجاجاته صلوات الله عليه وبعض ما صدر عنه من جوامع العلوم) * 1 – ج: عن الاصبغ قال: سأل ابن الكواء أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أخبرني عن بصير بالليل بصير بالنهار، وعن أعمى بالليل أعمي بالنهار وعن بصير بالليل أعمى بالنهار، وعن أعمى بالليل بصير بالنهار. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ويلك سل عما يعنيك ولا تسأل عما لا يعنيك، ويلك أما بصير بالليل بصير بالنهار فهو رجل آمن بالرسل والاوصياء الذين مضوا، وبالكتب والنبيين، وآمن بالله وبنبيه محمد (صلى الله عليه وآله)، وأقر لي بالولاية فأبصر في ليله ونهاره وأما الاعمى بالليل أعمى بالنهار فرجل جحد الا نبياء والاوصياء والكتب التي مضت، وأدرك النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يؤمن به، ولم يقر بولايتي، فجحد الله عز وجل و نبيه (صلى الله عليه وآله) فعمي بالليل وعمي بالنهار وأما بصير بالليل أعمى بالنهار فرجل آمن بالانبياء والكتب وجحد النبي (صلى الله عليه وآله) وولايتي، وأنكرني حقي فأبصر بالليل وعمي بالنهار وأما أعمى بالليل بصير بالنهار فرجل جحد الانبياء الذين مضوا والاوصياء و الكتب وأدرك النبي (صلى الله عليه وآله) فآمن بالله ورسوله محمد (صلى الله عليه وآله) وآمن بإمامتي وقبل ولايتي فعمي بالليل وأبصر بالنهار، ويلك يا ابن الكواء فنحن بنو أبي طالب بنا فتح الله الاسلام وبنا يختمه. قال الاصبغ: فلما نزل أمير المؤمنين (عليه السلام) من المنبر تبعته فقلت: سيدي يا أمير المؤمنين قويت قلبي بما بينت فقال لي: يا أصبغ من شك في ولايتي فقد شك في إيمانه، ومن أقر بولايتي فقد أقر بولاية الله عزوجل، وولايتي متصلة بولاية الله كهاتين – وجمع بين أصابعه – (1) يا أصبغ من أقر بولايتي فقد فاز، ومن أنكر ولايتي


(1) في المصدر: وجمع بين اصبعيه

[ 84 ]

فقد خاب وخسر وهوى في النار، ومن دخل النار لبث فيها أحقابا (1) 2 – قب: كتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن خصال فكان فيما سأله: أخبرني عن لا شئ فتحير، فقال عمرو بن العاص: وجه فرسا فأرها إلى معسكر علي ليباع، فإذا قيل للذي هو معه: بكم ؟ فيقول: بلاشئ فعسى أن تخرج المسالة فجاء الرجل إلى عسكر علي إذ مر به علي (عليه السلام) ومعه قنبر فقال: يا قنبر ساومه فقال: بكم الفرس ؟ قال: بلاشئ، قال: يا قنبر خذمنه، قال: أعطني لا شئ فأخرجه إلى الصبحراء وأراه السراب، فقال: ذاك لا شئ قال: اذهب فخبره، قال: وكيف قلت ؟ أما سمعت يقول الله تعالى: (يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا). (2) 3 – الاصبغ كتب ملك الروم إلى معاوية: إن أجبتني عن هذه المسائل حملت إليك الخراج، وإلا حملت أنت فلم يدر معاوية، فأرسلها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأجاب عنها فقال: أول ما اهتز على وجه الارض النخلة، وأول شئ صيح عليها (3) واد باليمن وهو أول واد فار فيه الماء، والقوس أمان لاهل الأرض كلها عند الغرق مادام يرى في السماء، والمجرة أبواب فتحها الله على قوم ثم أغلقها فلم يفتحها. قال: فكتب بها معاوية إلى ملك الروم فقال: والله ما خرج هذا إلا من كنز نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) فخرج إليه الخراج (4) 4 – الرضا (عليه السلام)، عن آبائه عليهم السلام سئل أمير المومنين (عليه السلام) عن المد والجزر ماهما ؟ فقال (عليه السلام): ملك مو كل بالبحار يقال له رومان فإذا وضع قدمه في البحر فاض وإذا أخرجها غاض (5) 5 – وسأله (عليه السلام) ابن الكواء: كم بين السماء والارض ؟ فقال: دعوة مستجابة، قال وما طعم الماء ؟ قال: طعم الحياة وكم بين المشرق والمشرق والمغرب ؟ فقال (عليه السلام): مسيرة يوم للشمس.


(1) الاحتجاج: 121. (2) مناقب آل أبى طالب: 510. (3) في نسخة: ضج عليها، وفى اخرى: فتح عليها، وفى المصدر: صح عليها، ولعله مصحف ضج، يؤيده ما يأتي تحت رقم 8 (4 و 5) مناقب آل ابى طالب 1: 510.

[ 85 ]

وما أخوان ولدا في يوم وماتا في يوم، وعمر أحدهما خمسون ومائة سنة، و عمر الآخر خمسون سنة ؟ فقال: عزير وعزره أخوه، لان عزيرا أماته الله تعالى مائة عام ثم بعثه. وعن بقعة ما طلعت عليها الشمس إلا لحظة واحدة. فقال: ذلك البحر الذي فلقه الله لبني إسرائيل. وعن إنسان يأكل ويشرب ولا يتغوط ؟ قال (عليه السلام): ذلك الجنين. وعن شئ شرب وهو حي وأكل وهو ميت ؟ قال (عليه السلام): ذاك عصا موسى (عليه السلام) شربت وهي في شجرتها غضة، (1) وأكلت لما لقفت (2) حبال السحرة وعصيهم. وعن بقعة علت على الماء في أيام طوفان فقال (عليه السلام): ذلك موضع الكعبة لانها كانت ربوة. وعن مكذوب عليه ليس من الجن ولا من الانس فقال: ذاك الذئب إذ كذب عليه إخوة يوسف (عليه السلام). وعمن اوحي إليه ليس من الجن ولا من الانس فقال (عليه السلام) وأوحى ربك إلى النحل. وعن أطهر بقعة من الارض لا تجوز الصلاة عليها فقال (عليه السلام) ذلك ظهر الكعبة. وعن رسول ليس من الجن والانس والملائكة والشياطين فقال (عليه السلام): الهدهد (اذهب بكتابي هذا) وعن مبعوث ليس من الجن والانس والملائكة والشياطين فقال (عليه السلام): ذلك الغراب (فبعث الله غرابا) وعن نفس في نفس ليس بينهما قرابة ولا رحم فقال (عليه السلام): ذاك يونس النبي (عليه السلام) في بطن الحوت ومتى القيامة ؟ قال (عليه السلام): عند حضور المنية وبلوغ الاجل. وما عصا موسى (عليه السلام) ؟ فقال (عليه السلام): كان يقال لها الاربية، (3) وكانت من عوسج


(1) غض النبات وغيره: نضر وطرأ فهو غض. (2) لقف الشئ: تناوله بسرعة. وفى المصدر: التقف وهو بمعناه. (3) لعله من الارب: الحاجة، لانه كان له (عليه السلام) فيها مآرب، وتقدم عن ارشاد القلوب أنها كانت يقال لها البرنية الزائدة وكان إذا كان فيها الروح زادت، وإذا خرجت منها الروح نقصت، وكانت من عوسج، وكانت عشرة اذرع

[ 86 ]

طولها سبعة أذرع بذراع موسى (عليه السلام)، وكانت من الجنة أنزلها جبرئيل (عليه السلام) على شعيب (عليه السلام) (1) 6 – ابن عباس أن أخوين يهوديين سألا أمير المؤمنين (عليه السلام) عن واحد لا ثاني له وعن ثان لا ثالث له إلى مائة متصلة نجدها في التوراة والا نجيل وهي في القرآن تتلونه فتبسبم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: أما الواحد: فالله ربنا الواحد القهار لا شريك له وأما الاثنان: فآدم وحواء لا نهما أول اثنين. وأما الثلاثة: فجبرئيل و ميكائيل وإسرافيل، لانهم رأس الملائكة على الوحي وأما الاربعة: فالتوراة و الانجيل والزبور والفرقان. وأما الخمسة: فالصلاة أنزلها الله على نبينا وعلى امته، ولم ينزلها على نبي كان قبله ولا على امة كانت قبلنا وأنتم تجدونه في التوراة وأما الستة: فخلق الله السماوات والارض في ستة أيام. وأما السبعة فسبع سماوات طباقا. وأما الثمانية: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية وأما التسعة: فآيات موسى التسع. وأما العشرة: فتلك عشرة كاملة. وأما الاحد عشر: فقول يوسف (عليه السلام) لابيه: إني رأيت أحد عشر كوكبا و أما الاثنا عشر فالسنة اثنا عشر شهرا وأما الثلاثة عشر: قول يوسف (عليه السلام) لابيه: والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين، فالاحد عشر إخوته، والشمس أبوه، والقمر امه. وأما الاربعة عشر: فأربعة عشر قنديلا من النور معلقة بين السماء السابعة، ولحجب تسرج بنور الله إلى يوم القيامة. وأما الخمسة عشر: فانزلت الكتب جملة منسوخة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا بخمسة عشر ليلة مضت من شهر رمضان. وأما الستة عشر: فستة عشر صفا من الملائكة حافين من حول العرش. وأما السبعة عشر: فسبعة عشر اسما من أسماء الله مكتوبة بين الجنة والنار، لولا ذلك لزفرت زفرة أحرقت من في السماوات والارض


(1) مناقب آل أبى طالب 1: 510.

[ 87 ]

وأما الثمانية عشر: فثمانية عشر حجابا من نور معلقة بين العرش والكرسي، لولا ذلك لذابت الصم الشوامخ، واحترقت السماوات والارض وما بينهما من نور العرش. وأما التسعة عشر: فتسعة عشر ملكا خزنة جهنم. وأما العشرون فانزل الزبور على داود (عليه السلام) في عشرين يوما خلون من شهر رمضان وأما الاحد والعشرون فألان الله لداود فيها الحديد وأما في اثنين وعشرين: فاستوت سفينة نوح (عليه السلام). وأما ثلاثة وعشرون: (1) ففيه ميلاد عيسى (عليه السلام)، ونزول المائدة على بني إسرائيل وأما في أربع وعشرين: فرد الله على يعقوب بصره. وأما خمسة وعشرون: فكلم الله موسى تكليما بوادي المقدس، كلمه خمسة وعشرين يوما. وأما ستة وعشرون: فمقام إبراهيم (عليه السلام) في النار، وأقام فيها حيث صارت بردا وسلاما. وأما سبعة وعشرون: فرفع الله إدريس مكانا عليا وهو ابن سبع وعشرين سنة. وأما ثمانية وعشرون: فمكث يونس في بطن الحوت وأما الثلاثون: (فواعدنا موسى ثلاثين ليلة). وأما الاربعون: تمام ميعاده (وأتممناها بعشر) وأما الخمسون: خمسين ألف سنة وأما الستون: كفارة الافطار (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) وأما السبعون: سبعون رجلا لميقاتنا، وأما الثمانون: فاجلدوهم ثمانين جلدة) وأما التسعون: فتسع وتسعون نعجة وأما المائة فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة. فلما سمعا ذلك أسلما فقتل أحدهما في الجمل: والآخر في صفين (2) 7 – وقال (عليه السلام) في جواب سائل: وأما الزوجان اللذان لابد لاحدهما من صاحبه ولا حياة لهما فالشمس والقمر. وأما النور الذي ليس من الشمس ولا من القمر


(1) في المصدر: واما الثلاثة والعشرون (2) مناقب آل أبى طالب 1: 511 و 512

[ 88 ]

ولا من النجوم ولا المصابيح فهو عمود أرسله الله تعالى لموسى (عليه السلام) في التيه. وأما الساعة التي ليس من الليل ولامن النهار فهي الساعة التي قبل طلوع الشمس وأما الابن الذي أكبر من الذي أبيه وله ابن أكبر منه فهو عزير بعثه الله وله أربعون سنة ولابنه مائة وعشرين سنين وما لا قبلة له فالكعبة. وما لا أب له فالمسيح ومالا عشيرة له فآدم (1) 8 – كتاب الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي: رفعه إلى الاصبغ بن نباتة قال: كتب صاحب الروم إلى معاوية يسأله عن عشر خصال، فارتطم (2) كما يرتطم الحمار في الطين، فبعث راكبا إلى علي (عليه السلام) وهو في الرحبة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين قال علي (عليه السلام) أما أنك لست من رعيتي ؟ قال: نعم أنا من أهل الشام، بعثني إليك معاوية لا سألك عن عشر خصال كتب إليه بها صاحب الروم فقال: إن إجبتني فيها حملت إليك الخراج وإلا حملت إلي أنت خراجك فلم يحسن معاوية أن يجيبه فبعثني إليك أسألك. قال علي (عليه السلام): وما هي ؟ قال: ما أول شئ اهتز على وجه الارض ؟ وأول شئ ضج على الارض ؟ وكم بين الحق والباطل ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وكم بين الارض والسماء ؟ وأين تأوى أرواح المسلمين ؟ وأين تأوى أرواح المشركين ؟ و هذه القوس ماهي ؟ وهذه المجرة ماهي ؟ والخنثى كيف يقسم لها الميراث ؟ فقال له علي (عليه السلام) أما أول شئ اهتز على الارض فهي النخلة، ومثلها مثل ابن آدم إذا قطع رأسه هلك، وإذا قطع رأس النخلة إنما هي جذع ملقى وأول شئ ضج على الارض واد باليمن، وهو أول واد فار منه الماء وبين الحق والباطل أربع أصابع، بين أن تقول: رأت عيني، وسمعت ما لم يسمع وبين السماء والارض مد البصر ودعوة المظلوم وبين المشرق والمغرب يوم طراد للشمس


(1) مناقب آل أبى طالب 1: 512 (2) ارتطم: سقط في الواحل. أوفى الرطمة وهى الامر الذى لا تعرف كيف تثدبر فيه.

[ 89 ]

وتأوى أرواح المسلمين عينا في الجنة تسمى سلمى. وتأوى أرواح المشركين في جب النار تسمى برهوت. وهذه القوس أمان الارض كلها من الغرق إذا رأو ذلك في السماء وأما هذه المجرة فأبواب السماء فتحها الله على قوم نوح ثم أغلقها فلم يفتحها. واما الخنثى فإنه يبول فإن خرج بوله من ذكره فسنته سنة الرجل، وإن خرج من غير ذلك فسنته سنة المرأة. فكتب بها معاوية إلى صاحب الروم فحمل إليه خراجه وقال: ما خرج هذا إلا من كتب نبوة، هذا فيما أنزل الله من الانجيل على عيسى بن مريم 8 – وعن شيخ من فزارة أن عليا (عليه السلام) قال: إن مما صنع الله لكم أن عدو كم يكتب إليكم في معالم دينهم. بيان: الطراد من الايام: الطويل، ولعل المراد به هنا التام * (باب 7) * * (ما علمه صلوات الله عليه من أربعمائة باب مما يصلح) * * (للمسلم في دينه ودنياه) * 1 – ل: أبي، عن سعد، عن اليقطيني عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد عن أبي بصير، ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: حدثني أبي، عن جدي عن آبائه (عليهم السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمؤمن في دينه ودنياه. قال (عليه السلام) إن الحجامة تصحح البدن، وتشد العقل. (1) والطيب في الشارب من أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) (2) وكرامة الكاتبين. والسواك من مرضاة الله عزوجل، وسنة النبي (صلى الله عليه وآله)، ومطيبة للفم.


(1) في تحف العقول هنا زيادة وهى هكذا: أخذ الشارب من النظافة وهو من السنة. (2) في نسخة: من أخلاق النبيين.

[ 90 ]

والدهن يلين البشرة، ويزيد في الدماغ، ويسهل مجاري الماء، ويذهب القشف، (1) ويسفر اللون وغسل الرأس يذهب بالدرن وينفي القذا (2) والمضمضة والاستنشاق سنة وطهور للفم والانف والسعوط مصحة للرأس، وتنقية للبدن و سائر أوجاع الرأس والنورة نشرة وطهور للجسد (3) استجادة الحذاء وقاية للبدن وعون على الطهور والصلاة تقليم الاظفار يمنع الداء الاعظم، ويدر الرزق ويورده نتف الا بط ينفي الرائحة المنكرة، وهو طهور وسنة مما أمر به الطيب (عليه السلام) غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في الرزق وإماطة للغمر (4) عن الثياب، ويجلو البصر. (5) قيام الليل مصحة لبدن، ومرضاة للرب عزوجل، وتعرض للرحمة وتمسك بأخلاق النبيين أكل التفاح نضوح للمعدة مضغ اللبان يشد الاضراس، وينفي البلغم، ويذهب بريح الفم الجلوس في المسجد بعد طلوح الفجر إلى طلوع الشمس أسرع في طلب الرزق من الضرب في الارض أكل السفرجل قوة للقلب الضعيف، ويطيب المعدة، ويذكي الفؤاد، ويشجع الجبان، ويحسن الولد. أحد وعشرون زبيبة حمراء في كل يوم على الريق تدفع جميع الا مراض إلا مرض الموت يستحب للمسلم أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان، يقول الله تبارك وتعالى: (احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) والرفث ؟ المجامعة. لا تختموا بغير الفضة فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما طهرت يدفيها خاتم حديد


(1) القشف: قذارة الجلد. (2) في التحف: غسل الرأس بالخطمى يذهب بالدرن والاقذار (3) في نسخة: وطهور للبدن في التحف: النورة مشدة للبدن، وظهور للجسد (4) غمر الثوب: علق بها وسم اللحم (5) في التحف هنا زيادة وهى هذه: غسل الاعياد طهور لمن طلب الحوائج بين يدى الله عزوجل و اتباع السنة

[ 91 ]

ومن نقش على خاتمه اسم الله عزوجل فليحوله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضأ. (1) إذا نظر أحدكم في المرآة فليقل: الحمد لله الذي خلقني فأحسن خلقي، و صورني فأحسن صورتي، وزان مني ماشان من غيري، وأكرمني بالاسلام ليتزين أحدكم لاخيه المسلم إذا أتاه كما يتزين للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن الهئة. صوم ثلاثة أيام من كل شهر أربعاء بين خميسين وصوم شعبان يذهب بوسواس الصدر وبلابل القلب. والاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير. غسل الثياب يذهب بالهم والحزن وهو طهور للصلاة لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم، ومن شاب شيبته في الاسلام كان له نورا يوم القيامة. لا ينام المسلم وهو جنب، ولا ينام إلا على طهور، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد، فإن روح المؤمن ترفع إلى الله تبارك وتعالى فيقبلها ويبارك عليها، فإن كان أجلها قد حضر جعلها في كنوز رحمته (2) وإن لم يكن أجلها قد حضر بعث بها مع امنائه من ملائكته فيرد ونها في جسدها لا يتفل المؤمن في القبلة فإن فعل ذلك ناسيا فليستغفر الله عزوجل منه. لا ينفخ الرجل في موضع سجوده ولا ينفخ في طعامه ولا في شرابه ولافي تعويذه لاينام الرجل على المحجة (3) ولا يبولن من سطح في الهواء، ولا يبولن في ماء جار فإن فعل ذلك فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه فإن للماء أهلا وللهواء أهلا. لاينام الرجل على وجهه، ومن رأيتموه نائما على وجهه فأنبهوه ولا تدعوه. و لا يقومن أحد كم في الصلاة متكاسلا ولا ناعسا، ولا يفكرن في نفسه فإنه بين يدي ربه عزوجل، وإنما للعبد من صلاته ما أقبل عليه منها بقلبه كلوا ما يسقط من الخوان فإنه شفاء من كل داء بإذن الله عزوجل لمن


(1) المتوضأ: الموضع يتوضأ فيه، ويكنى به عن المراحيض، وهو المراد هنا. (2) في التحف: فيجعلها في سورة حسنة (3) أي وسط الطريق وفى التحف: لا يتغوطن أحد كم على المحجة ولا يبل على سطح في الهواء.

[ 92 ]

أراد أن يستشفي به إذا أكل أحدكم طعاما فمص أصابعه التي أكل بها قال الله عز وجل: بارك الله فيك ألبسوا ثياب القطن فإنها لباس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو لباسنا، ولم يكن يلبس الشعر والصوف إلامن علة. (1) وقال: إن الله عزوجل جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده. صلوا أرحامكم ولو بالسلام، يقول الله تبارك وتعالى: واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا. لا تقطعوا نهاركم بكذا وكذا (2) وفعلنا كذا وكذا، فإن معكم حفظة يحفظون علينا وعليكم اذكروا الله في كل مكان فإنه معكم. صلوا على محمد وآل محمد فإن الله عزوجل يقبل دعاءكم عند ذكر محمد ودعائكم له وحفظكم إياه (صلى الله عليه وآله) أقروا والحار حتى يبرد، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرب إليه طعام حار فقال: أقروه حتى يبرد ويمكن أكله، ما كان الله عزوجل ليطعمنا النار والبركة في البارد إذا بال أحدكم فلا يطمحن ببوله (في الهواء خ ل) ولا يستقبل ببوله الريح. علمو اصبيانكم ما ينفعهم الله به لا يغلب عليهم المرجئة برأيها كفوا ألسنتكم و سلموا تسليما تغنموا أدوا الا مانة إلى من ائتمنكم ولو إلى قتلة أولا دالا نبياء (عليهم السلام). أكثر واذكر الله عزوجل إذا دخلتم الاسواق وعند اشتغال الناس (3) فإنه كفارة للذنوب وزيادة في الحسنات، ولا تكتبوا في الغافلين. ليس للعبد أن يخرج في سفر إذا حضر شهر رمضان لقول الله عزوجل: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ليس في شرب المسكر (4) والمسح على الخفين تقية. إياكم والغلو فينا، قولوا إنا عبيد مربوبون، وقولوا في فضلنا ما شئتم من أحبنا فليعمل بعملنا وليستعن بالورع فإنه أفضل ما يستعان به في أمر الدنيا والآخرة لا تجالسوا لنا عائبا


(1) في نسخة والمصدر: ولم نكن نلبس الشعر والصوف الامن علة. (2) في التحف: بكيت وكيت (3) في التحف: وعند اشتغال الناس بالتجارات (4) في نسخة: شرب الخمر

[ 93 ]

ولا تمتد حوا بنا عند عدو نا معلنين بإظهار حبنا فتذلوا أنفسكم (1) عند سلطانكم. ألزموا الصدق فإنه منجاة وارغبوا فيما عند الله عزوجل، واطلبوا طاعته واصبروا عليها، فما أقبح بالمؤمن أن يدخل الجنة وهو مهتوك السر لاتعنونا (2) في الطلب والشفاعة لكم يوم القيامة فيما قد متم لا تفضحوا أنفسكم عند عدو كم في القيامة ولا تكذبوا أنفسكم عندهم في منزلتكم عند الله بالحقير من الدنيا تمسكوا بما أمر كم الله به فما بين أحد كم وبين أن يغتبط ويرى ما يحب إلا أن يحضره رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما عند الله خير وأبقى له، وتأتيه البشارة من الله عزوجل فتقر عينه ويحب لقاء الله. لا تحقروا ضعفاء إخوانكم فإنه من احتقر مؤمنا لم يجمع (3) الله عزو جل يينهما في الجنة إلا أن يتوب لا يكلف المؤمن أخاه الطلب إليه إذا علم حاجته توازروا وتعاطفوا وتباذلوا ولا تكونوا بمنزلة المنافق الذي يصف مالا يفعل تزوجوا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كثيرا ما كان يقول: من كان يحب أن يتبع سنتي فليتزوج، فإن من سنتي التزويج، واطلبوا الولد فإني اكاثر بكم الامم غدا، وتوقوا على أولاد كم لبن البغي من النساء والمجنونة فإن اللبن يعدي تنز هوا عن أكل الطير الذي ليست له قانصة ولا صيصية ولا حوصلة، (4) واتقوا كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير. ولا تأكلوا الطحال فإنه بيت الدم الفاسد. لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون. اتقوا الغدد من اللحم فإنه يحرك عرق الجذام لا تقيسوا الدين فإن من الدين ما لا ينقاس، (5) وسيأتي أقوام يقيسون وهم


(1) في نسخة فتذللوا انفسكم. (2) لعله من التعنية أي لا تؤذونا وتكلفنا ما يشاق علينا وفى تحف العقول: لا تعيونا أي لا تتعبونا وهو الاظهر (3) في التحف: من احتقر مؤمنا حقره الله ولم يجمع بينها يوم القيامة الا أن يتوب (4) القانصة للطير: كالمعدة للانسان والصيصية: الشوكة التى في رجل الطائر فهى بمنزلة الابهام من بنى آدم وأضاف في التحف: والاكابرة (5) في نسخة: مالا يقاس: وفى التحف: فانه لا يقاس

[ 94 ]

أعداء الدين، وأول من قاس إبليس. لا تتخذوا الملسن (1) فإنه حذاء فرعون وهو أول من حذا الملسن (2) خالفوا أصحاب المكسر وكلوا التمر فإن فيه شفاء من الادواء. اتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه قال: من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر. أكثروا الا ستغفار تجلبوا الرزق وقد مو اما استطعتم من عمل الخير تجدوه عذا. إياكم والجدال فإنه يورث الشك من كانت له إلى ربه عزوجل حاجة فليطلبها في ثلاث ساعات: ساعة: في يوم الجمعة، وساعة تزول الشمس حين تهب الرياح وتفتح أبواب السماء وتنزل الرحمة و يصوت الطير، وساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر فإن ملكين يناديان: هل من تائب يتاب عليه ؟ هل من سائل يعطى ؟ هل من مستغفر فيغفر له ؟ هل من طالب حاجة فتقضى له ؟ فأجيبوا داعي الله واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإنه أسرع في طلب الزق من الضرب في الارض، وهي الساعة التي يقسم الله فيها الرزق بين عباده انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح، الله فإن أحب الاعمال إلى الله عزوجل انتظار، الفرج، وما دام عليه (3) العبد المؤمن تو كلوا على الله عزوجل عند ركعتي الفجر إذا صليتموها ففيها تعطوا الرغائب لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم، ولا يصلين أحد كم وبين يديه سيف فإن القبلة أمن أتموا (4) برسول الله صلى الله عليه وآله حجكم إذ اخرجتم إلى بيت الله، فإن تركه جفاء وبذلك امرتم، وبالقبور التي ألزمكم الله عزوجل حقها وزيارتها واطلبوا الرزق عندها


(1) في نسخة: لا تتخذوا الملس: قلت قال الجزرى في النهاية: وفيه أن نعله كانت ملسنة أي كانت دقيقة على اللسان. وقيل: هي التى جعل لها لسان، ولسانها الهنة الناتية في مقدمها (2) في نسخة: وهو اول من حذا الملس (3) في التحف: ما داوم عليه المؤمن (4) في نسخة وفى التحف: الموا أي نزلوا به.

[ 95 ]

ولا تستصغروا قليل الآ ثام فإن الصغير يحصى ويرجع الكبير، وأطيلوا السجود فما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجدا لانه امر بالسجود فعصى وهذا امر بالسجود فأطاع فنجا. أكثروا ذكر الموت، ويوم خروجكم من القبور، و قيامكم بين يدي الله عزوجل تهون عليكم المصائب. إذا اشتكا أحدكم عينيه فليقرأ آية الكرسي واليضمر في نفسه أنها تبرء فإنها يعافى أن شاء الله. توقوا الذنوب فما من بلية ولا نقص رزق إلا بذنب حتى الخدش والكبوة (1) والمصيبة قال الله عزوجل: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) أكثروا ذكر الله عزوجل: على الطعام ولا تطغوا فيه (2) فإنها نعمة من نعم الله ورزق من رزقه يجب عليكم فيه شكره وحمده أحسنوا صحبة النعم قبل فراقها فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها. من رضي عن الله (3) عزوجل باليسير من الرزق رضي الله عنه (4) بالقيليل من العمل. إياكم والتفريط فتقع الحسرة حين لا تنفع الحسرة (5) إذا لقيتم عدو كم في الحرب فأقلوا الكلام، وأكثروا ذكر الله عزوجل، ولا تولوهم الادبار فتسخطوا الله ربكم وتستوجبوا غضبه. وإذا رأيتم من إخوانكم في الحرب الرجل المجروح أو من قد نكل أو من قد طمع عدو كم فيه فاقنوه (6) بأنفسكم. اصطنعوا المعروف بما قدرتم على اصطناعة فإنه يقي مصارع السوء ومن أراد منكم أن يعلم كيف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة منه عند الذنوب، كذلك منزلته


(1) الكبوة: الانكباب على الوجه وفى التحف: النكبة أي الجراحة والمصيبة وما يصيب الانسان من حوادث السوء. (2) في التحف: ولا تلفظوا فيه أي لا تنطقوا في الطعام يغيرذ كر الله، أولا ترموا مافى فيكم في الطعام. (3) في نسخة وفى التحف: رضى من الله (4) في نسخة وفي التحف: رضى الله منه (5) في التحف: اياكم والتفريط فانه يورث الحسرة حين لا تنفع الحسرة. (6) أي احفظوه وفي نسخة: فقوه (*)

[ 96 ]

عند الله تبارك وتعالى. أفضل ما يتخذه الرجل في منزله لعياله الشاة، فمن كانت في منزله شاة قد ست عليه الملائكة في كل يوم مرة، ومن كانت عنده شاتان قد ست عليه الملائكة مر تين في كل يوم، كذلك في الثلاث تقول: بورك فيعكم إذا ضعف المسلم فليأ كل اللحم واللبن فإن الله عزوجل جعل القوة فيهما إذا أردتم الحج فتقد موافي شرى الحوائج ببعض ما يقويكم على السفر فإن الله عزوجل يقول: (ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عدة) وإذا جلس أحد كم في الشمس فليستد برها بظهره فإنه تظهر الداء الدفين إذا خرجتم حجاجا إلى بيت الله عزوجل فأكثروا النظر إلى بيت الله فإن لله تعالى مائة وعشرين رحمة عند بيته الحرام: منها ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين أقروا عند الملتزم بما حفظتم من ذنوبكم وما لم تحفظوا فقولوا: وما حفظته علينا حفظتك ونسيناه فاغفره لنا فإنه من أقر بذنبه في ذلك الموضع وعده وذكره واستغفرالله منه كان حقا على الله عزوجل أن يغفره له. تقدموا بالدعاء قبل نزول البلاء تفتح (1) لكم أبواب السماء في خمس مواقيت: عند نزول الغيث، وعند الزحف، (2) وعند الاذان، وعند قراءة القرآن، ومع زوال الشمس وعند طلوع الفجر من غسل منكم ميتا فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه. (3) لاتجمروا الاكفان (4) ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا الكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم. مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم فإن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله لما قبض


(1) في التحف: فانه تفتح أبواب السماء في ستة مواقف (2) الزحف: الجيش الكثير يزحف إلى العدو (3) في التحف: من مس جسد ميت بعد ما يبرد لزمه الغسل، من غسل مؤمنا فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه ولا يمسه بعد ذلك فيجب عليه الغسل قلت: لعل المراد بعد الكفن وقبل الغسل. (4) أي لا تبخروها بالطيب

[ 97 ]

أبوها صلى الله عليه وآله ساعدتها جميع بنات بني هاشم، فقالت: دعوا التعداد وعليكم بالدعاء (1) زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم وليطلب الرجل حاجته عند قبر أبيه وامه بعد ما يدعو. لهما المسلم مرآة أخيه فإذا رأيتم من أخيكم هفوة فلا تكونوا عليه و كونواله كنفسه وأرشدوه (2) وانصحوه وترفقوا به وإياكم والخلاف فتمزقوا. وعليكم بالقصد (3) تزلفوا وترجروا (وترجوا خ ل) من سافر منكم بدابة فليبدء حين ينزل بعلفها وسقيها لا تضربوا الدواب على وجوهها (4) فإنها تسبح ربها ومن ضل منكم في سفرأو خاف على نفسه فليناد: (يا صالح أغثني) فإن في إخوانكم من الجن جنيا يسمى صالحا يسيح في البلاد لمكانكم محتسبا نفسه لكم، فإذا سمع الصوت أجاب وأرشد الضال منكم، وحبس عليه دابته من خاف منكم الاسد على نفسه أوغمنه فليخط عليها خطة وليقل: (اللهم رب دانيال والجب ورب كل أسد مستأسد احفظني واحفظ غنمي) ومن خاف منكم العقرب فليقرء هذه الآيات: (سلام على نوح في العالمين * إنا كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين) من خاف منكم الغرق فليقرء: (بسم الله مجربها ومرسها إن ربي لغفور رحيم، بسم الله الملك الحق، ما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشر كون) عقواعن أولادكم يوم السابع وتصدقوا إذا حلقتموهم بزنة شعورهم فضة على مسلم، (5) وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله بالحسن والحسين عليهما السلام وسائر ولده.


(1) في التحف: فان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله لما قبض أبوها اشعرها بنات هاشم فقالت: اتركوا الحداد وعليكم بالدعاء قلت: التعداد عد مناقب الميت ووصفه والحداد بالكسر: ترك المرأة الزينة ولبسها السواد لموت زوجها، ولعله هنا من حد الامر: عرفه (2) في التحف: فلا تكونوا عليه إلبا وارشدوه. الالب القوم تجمعهم عداوة واحد، أي لا تجتمعوا على عداوته (2) في نسخة: والصدق وفى التحف: اياكم والخلاف فانه مروق، وعليكم بالقصد تراء فوا وتراحموا قلت: ولعل مافى الخصال من قوله: فتمزقوا مصحف فتمرقوا (4) في التحف: على حر وجوهها أي مابدا من الوجنة (5) في التحف: فانه واجب على كل مسلم

[ 98 ]

إذا ناولتم السائل الشئ فاسألوه أن يدعو لكم فإنه يجاب فيكم ولا يجاب في نفسه لانهم يكذبون وليرد الذي يناوله يده إلى فيه فيقبلها فإن الله عزوجل يأخذها قبل أن تقع في يد السائل، كما قال الله عزوجل: (ألم تعلوا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذا الصدقات) تصدقوا بالليل فإن الصدقة بالليل تطفئ غضب الرب جل جلاله احسبوا كلامكم (1) من أعماكم. يقل كلامكم إلا في خير. أنفقوا مما رزقكم الله عزوجل فإن المنفق بمنزلة المجاهد في سبيل الله، فمن أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة (2) من كان على يقين فشك فليمض على يتينه فان الشك لا ينقض اليقين (3) لا تشهدوا قول الزور ولا تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر فإن العبد لا يدري متى يؤخذ إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد. (4) ولا يضعن أحدكم إحدى رجليه على الاخرى ويربع فإنها جلسة يبغضها الله ويمقت صاحبها عشاء الانبياء بعد العتمة لا تدعو ا العشاء فإن ترك العشاء خراب البدن الحمى قائد الموت وسجن الله في الارض يحبس فيه من يشاء من عباده، وهي تحت الذنوب كما يتحات الوبر من سنام البعير ليس من داء إلا وهو من داخل الجوف إلا الجراحة والحمى فإنهما يردان على الجسد ورودا اكسروا حر الحمى بالبنفسج والماء البارد، فإن حرها من فيح جهنم (5) لا يتداوى المسلم حتى يغلب مرضه صحته الدعاء يرد القضاء المبرم فاتخذوه عدة الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا.


(1) في نسخة: احتبسوا (2) في الخصال: فمن بالخلف جاد وسخت نفسه بالنفقة قلت: والخلف بفتحتين: العوض والبدل (3) في التحف: من كان على يقين فأصابه ما يشك فليمض على يقينه فان الشك لا يدفع اليقين ولا ينقضه (4) في التحف: هنا زيادة وهى هذه: وليأكل على الارض (5) الفيح: شدة الحر.

[ 99 ]

إياكم والكسل فإنه من كسل لم يؤد حق الله عزوجل. تنظفوا بالماء من المنتن الريح الذي يتأذى به تعهدوا أنفسكم فإن الله عزوجل يبغض من عباده القاذورة الذي يتأنف به (1) من جلس إليه لا يعبث الرجل في صلاته بلحيته ولا بما يشغله عن صلاته. بادروا بعمل الخير قبل أن تشغلوا عنه بغيره المؤمن نفسه منه في تعب، والناس منه في راحة ليكن جل كلامكم ذكر الله عزوجل احذروا الذنوب فإن العبد ليذنب فيحبس عنه الرزق داووا مرضاكم بالصدقة حصنوا أموالكم بالزكاة. الصلاة قربان كل تقي. الحج جهاد كل ضعيف جهاد المرأة حسن التبعل الفقر هو الموت الاكبر، قلة العيال أحد اليسارين التقدير نصف العيش. الهم نصف الهرم ما عال امرؤ اقتصد، وما عطب امرؤ استشار. لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين. لكل شئ ثمرة وثمرة المعروف تعجيله. من أيقن بالخلف جاد بالعطية. من ضرب يديه على فخذيه عند مصيبة حبط أجره أفضل أعمال المرء انتظار فرج الله عزوجل من أحزن والديه فقد عقهما استنزلوا الرزق بالصدقة ادفعوا أمواج البلاء عنكم بالدعاء قبل ورود البلاء فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة للبلاء أسرع إلى المؤمن من انحدار السيل من أعلى التلعة (2) إلى أسفلها ومن ركض البراذين سلوا الله العافية من جهد البلاء فإن جهد البلاء ذهاب الدين. السعيد من وعظ بغيره فاتعظ روضوا أنفسكم على الاخلاق الحسنة فإن العبد المسلم يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم ومن شرب الخمر وهو يعلم أنها حرام سقاه الله من طينة خبال (3) وإن كان مغفورا له لانذر في معصية، ولا يمين في قطيعة. الداعي


(1) أي يترفع ويتنزه عنه وفى التحف يتأفف به أي يقال: اف من كرب أو ضجر. (2) التلعة: ما علامن الارض (3) قال الجزرى في النهاية: جاء تفسيره في الحديث أن الخبال عصارة أهل النار، والخبال في الاصل: الفساد ويكون في الافعال والا بدان والعقول قلت: وقد جاء تفسيره بأنه صديد أهل النار وما يخرج من فروج الزناة

[ 100 ]

بلاعمل كالرامي بلا وتر لتطيب المرأة المسلمة لزوجها المقتول دون ماله شهيد المغبون غير محمود ولا مأجور. لا يمين لولد مع والده، ولا للمرأة مع زوجها لاصمت يوما إلى الليل إلا بذكر الله عزوجل. لا تعرب بعد الهجرة لاهجرة بعد الفنح. تعر ضوالتجارة فإن فيها غنى لكم عما في أيدي الناس فإن الله يحب المحترف الامين (1) ليس عمل أحب إلى الله عزوجل من الصلاء فلا يشغلنكم عن أوقاتها شئ من امور الدنيا، فإن الله عزوجل ذم أقواما فقال: (الذين هم عن صلوتهم ساهون) يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها اعلموا أن صالحي عدو كم يرائي بعضهم بعضا، ولكن الله عزوجل لا يوفقهم ولا يقبل إلاما كان له خالصا البر لايبلى والذنب لا ينسى والله الجليل مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. المؤمن لا يغش أخاه (2) ولا يخونه ولا يخذله ولا يقول له: أنامنك برئ اطلب لاخيك عذرا، فإن لم تجد له عذرا فالتمس له عذرا (3) مزاوله قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤجل واستعينوا بالله واصبروا إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. لا تعاجلوا الامر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولن عليكم الامد فتقسو قلوبكم (4) ارحموا ضعفاء كم واطلبوا الرحمة من الله عزوجل بالرحمة لهم إياكم وغيبة المسلم، فإن المسلم لا يغتاب أخاه وقد نهى الله عزوجل عن ذلك فقال تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) لا يجمع المسلم يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عزوجل يتشبه بأهل الكفر – يعني المجوس – ليجلس أحد كم على طعامه جلسة العبد، وليأكل على الارض ولا يشرب قائما (5) إذا أصاب


(1) في التحف: تعرضوا لما عند الله عزوجل فان فيه غنى عما في أيدى الناس الله يحب المحترف الامين (2) في التحف: المؤمن لا يعير اخاه (3) في التحف: أقبل عذر أخيك فان لم يكن له عذر فالتمس له عذارا. (4) في نسخة: فتعسو قلوبكم أي تغلظ وتصلب. (5) في التحف: لا يشرب احدكم قائما فانه يورث الداء الذى لا دواء له إلا أن يعافى الله

[ 101 ]

أحد كم الدابة وهو في صلاته فليد فنها ويتفل عليها، أو يصيرها في ثوبه حتى ينصرف الالتفات الفاحش يقطع الصلاة، وينبغي لمن يفعل ذلك أن يبتدئ الصلاة باأذان والاقامة والتكبير من قرأ قل هو الله أحد قبل أن تطلع الشمس إحدى عشر مرة ومثلها إنا أنزلناه ومثلها آية الكرسي منع ماله مما يخاف من قرأ قل هو الله أحد قبل أن تطلع الشمس لم يصبه في ذلك اليوم ذنب وإن جهد إبليس استعيذوا بالله من ضلع الدين (1) و غلبة الرجال من تخلف عناهلك (2) تشمير الثياب طهور لها، قال الله تبارك وتعالى: (وثيابك فطهر) يعني فشمر. لعق العسل شفاء من كل داء قال الله تبارك وتعالى: (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) وهو مع قراءة القرآن مضغ اللبان يذيب البلغم ابدؤوا بالملح في أول طعامكم، (3) فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الترياق المجرب، من ابتدأ طعامه بالملح ذهب عنه سبعون داء وما لا يعلمه إلا الله عزوجل. صبوا على المحموم الماء البارد في الصيف فإنه يسكن حرها صوموا ثلاثة أيام في كل شهر فهي تعدل صوم الدهر. ونحن نصوم خميسين بينهما الاربعاء لان الله عزوجل خلق جهنم يوم الاربعاء. إذا إراد أحدكم حاجة فليبكر في طلبها يوم الخميس، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (اللهم بارك لامتي في بكورها يوم الخميس) وليقرء إذا خرج من بيته الآيات من آل عمران (4) وآية الكرسي وإنا أنزلناه وام الكتاب، فإن فيها قضاء حوائج الدنيا والآخرة عليكم بالصفيق من الثياب (5)


(1) أي من اعوجاج الدين واليل إلى خلافه وفى التحف: من غلبة الدين (2) في التحف: مثل أهل البيت سفينة نوح من تخلف عنها هلك (3) في التحف زيادة وهى هذه: واختوابه (4) في التحف: زيادة أن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار) إلى قوله: (إنك لاتخلف الميعاد) (5) الصفين من الثياب: ماكان نسجه كثيفا

[ 102 ]

فإنه من رق ثوبه رق دينه لا يقومن أحدكم بين يدي الرب جل جلاله وعليه ثوب يشف (1) توبوا إلى الله عزوجل وادخلوا في محبته فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين والمؤمن تواب. (2) إذا قال المؤمن لاخيه: اف انقطع ما بينهما، فإذا قال له: أنت كافر كفر أحدهما، وإذا اتهمه انماث الاسلام في قلبه كما يماث الملح في الماء (3) باب التوبة مفتوح لمن أرادها فتوبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم. وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم. فما زالت نعمة ولا نضارة عيش إلا بذنوب اجترحوا إن الله ليس بظلام للعبيد، ولو أنهم استقبلوا ذلك بالدعاء والانابة لما تنزل، ولو أنهم إذا نزلت بهم النقم وزالت عنهم النعم فزعوا إلى الله عزوجل بصدق من نياتهم ولم يهنوا ولم يسرفوا لا صلح الله لهم كل فاسد، ولرد عليهم كل صالح. (4) إذا ضاق المسلم فلا يشكون ربه عزوجل، وليشك إلى ربه الذي بيده مقاليد الامور وتدبيرها. في كل امرئ واحدة من ثلاث: الطيرة، والكبر، والتمني، إذا تطير أحد كم فليمض على طيرته وليذكر الله عزوجل، وإذا خشي الكبر فليأكل مع خادمه وليحلب الشاة، وإذا تمنى فليسأل الله عزوجل وليبتهل الله (5) ولا تنازعه نفسه إلى الاثم. خالطوا الناس بما يعرفون، ودعوهم مما ينكرون، ولا تحملوهم على أنفسكم وعلينا. إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل، أو عبد قد امتحن الله قلبه للايمان. إذا وسوس الشيطان إلى أحدكم فليتعوذ بالله وليقل: آمنت بالله وبرسوله مخلصا له الدين إذا كسا الله عزوجل مؤمنا ثوبا جديدا فليتوض وليصل ركعتين يقرء فيهما ام الكتاب وآية الكرسي وقل هو الله أحد وإنا أنزلناه في ليلة


(1) أي يرى فيظهر ما وراءه وفى التحف: ثوب يصفه. (2) في التحف: والمؤمن منيب تواب (3) انماث الشئ في الماء: تحللت فيه أجزاؤه (4) في التحف: ورد عليهم كل ضائع (5) في الخصال: وليبتهل إليه.

[ 103 ]

والقدر، ثم ليحمد الله الذي ستر عورته، وزينه في الناس، وليكثر من قول: لاحول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإنه لا يعصى الله فيه وله بكل سلك فيه ملك يقدس له ويستغفرله ويترحم عليه. اطرحوا سوء الظن بينكم فإن الله عزوجل نهى عن ذلك. أنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعي عترتي على الحوض، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا، وليعمل بعملنا، فإن لكل أهل بيت نجيب ولنا شفاعة، ولاهل مود تناشفاعة فتنا فسوا في لقائنا على الحوض فإنا نذود عنه أعداءنا، ونسقي منه أحباءنا وأولياءنا، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا خوضنا مترع فيه مثعبان (1) ينصبان من الجنة: أحدهما من تسنيم والآخر من معين، على حافيته الزعفران وحصاه اللؤلؤ والياقوت، وهو الكوثر. إن الامور إلى الله عزوجل ليست إلى العباد، ولو كانت إلى العباد ما كانوا ليختاروا علينا أحدا، ولكن الله يختص برحمة من يشاء، فاحمدوا الله على ما اختصكم به من بادئ النعم – أعني طيب الولادة – كل عين يوم القيامة باكية، وكل عين يوم القيامة ساهرة إلا عين من اختصه الله بكرامته، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمد (عليهم السلام). شيعتنا بمنزلة النحل، لو يعلم الناس ما في أجوافها لاكلوها. لا تعجلوا الرجل عند طعامه حتى يفرغ، ولا عند غائطه حتى يأتي على حاجته إذا انتبه أحدكم من نومه فليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم الحي القيوم وهو على كل شئ قدير، سبحان رب النبيين وإله المرسلين، رب السماوات السبع وما فيهن، ورب الارضين السبع وما فيهن، ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين فإذا جلس من نومه فليقل قبل أن يقوم: حسبي الله حسبي الرب من العباد، حسبي الذي هو حسبي منذ كنت، حسبي الله و نعم الوكيل. إذا قام أحدكم من الليل فلينظر إلى أكناف السماء وليقرء: (إن في خلق السموات والارض) إلى قوله: (إنك لاتخلف الميعاد) الاطلاع في بئر زمزم يذهب الداء


(1) المثعب: مسيل الماء. منه رحمه الله. وفى نسخة: مثقبان

[ 104 ]

فاشربوا من مائها مما يلي الركن الذي فيه الحجر الا سود، فإن تحت الحجر أربعة أنهار من الجنة: (1) الفرات، والنيل، وسيحان، وجيحان، وهما نهران لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم ولا ينفذ في الفئ أمر الله عزوجل، فإن مات في ذلك كان معينا لعدونا في حبس حقوقنا، والاشاطة بدمائنا، وميتته ميتة جاهلية ذكرنا أهل البيت شفاء من العلل (2) والاسقام ووسواس الريب، وجهتنا رضى الرب عزوجل والآخذ بأمرنا معنا غدا في حظيرة القدس (3) والمنتظر لامرنا كالمتشخط بدمه في سبيل الله من شهدنا في حربنا أو سمع واعيتنا (4) فلم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار نحن باب الغوث إذا بغوا (5) وضاقت المذاهب، نحن باب حطة وهو باب السلام من دخله نجا ومن تخلف عنه هوى، بنا يفتح الله وبنا يختم الله، وبنا يمحو ما ما يشاء، وبنا يثبت، وبنا يدفع الله الزمان الكلب، (6) وبنا ينزل الغيث، فلا يغر نكم بالله الغرور ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه الله عزوجل، ولو قد قام قائمنا لانزلت السماء قطرها، ولا خرجت الارض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام، لا تضع قدميها إلا على النبات، وعلى رأسها زينتها، (7) لا يهيجها سبع ولا تخافه ولو تعلمون مالكم في مقامكم بين عدو كم وصبر كم على ما تسمعون من الاذى لقرت أعينكم، ولو فقدتموني لرأيتم من بعدي امورا يتمني أحدكم الموت مما يرى


(1) في التحف: مما يلى الركن الذي فيه حجر الاسود. أربعة انهار من الجنة (2) في نسخة: من الوعك. وفى التحف: من الوغل والاسقام ووسواس الذنب. (3) في التحف: وحبنا رضى الرب والاخذ بأمرنا وطريقنا ومذهبنا معنا غدا في حظيرة الفردوس. (4) الواعية: الصوت. الصراخ (5) في التحف: نحن باب الجنة إذا بعثوا وضاقت المذاهب، ونحن باب الحطة وهو السلم (6) أي شديد ضيق جدب دهر كلب: ملح على اهله بما يسوؤهم. (7) في التحف: وعلى رأسها زنبيلها

[ 105 ]

من أهل الجحود والعدوان من الاثرة والاستخفاف بحق الله تعالى ذكره والخوف على نفسه، فإذا كان ذلك فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وعليكم بالصبر والصلاة والتقية. اعلموا أن الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلون فلا تزولوا عن الحق و ولاية أهل الحق فإن من استبدل بناهلك وفاتته الدنيا وخرج منها. (1) إذا دخل أحدكم منزله فليسلم على أهله يقول: السلام عليكم، فإن لم يكن له أهل فليقل: السلام علينا من ربنا، وليقرء قل هو الله أحد حين يدخل منزله، فإنه ينفي الفقر. علموا صبيانكم الصلاة، وخذوهم بها إذا بلغوا ثمان سنين: تنز هوا عن قرب الكلاب، فمن أصاب الكلب وهو رطب (2) فليغسله، وإن كان جافا فلينضح ثوبه بالماء. إذا سمعتم من حديثنا مالا تعرفون فردوه إلينا وقفوا عنده وسلموا حتى يتبين لكم الحق، ولا تكونوا مذائيع عجلى، إلينا يرجع الغالي، وبنا يلحق المقصر الذي يقصر بحقنا، من تمسك بنالحق، ومن سلك غير طريقنا غرق، (3) لمحبينا أفواج من رحمة الله، ولمبغضينا أفواج من غضب الله وطريقنا القصد، وفي أمرنا الرشد. لا يكون السهو في خمس: في الوتر، والجمعة، والركعتين الاوليين من كل صلاة، وفي الصبح، وفي المغرب. (4) ولا يقرء العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتى يتطهر. أعطوا كل سورة حظها من الركوع والسجود إذا كنتم في الصلاة. لا يصلي الرجل في قميص متوشحابه، (5) فإنه من أفعال قوم لوط يجزي للرجل


(1) في المطبوع بتبريز: خرج منها بحسرة وفى التحف: وخرج منها آثما. (2) في نسخة: فهو رطب. (3) في التحف: من تمسك بنالحق، ومن تخلف عنامحق، من اتبع امرنا لحق، من سلك غير طريقتنا سحق. (4) في التحف: الوتر، والركعتين الاوليين من كل صلاة مفروضة التى تكون فيهما القراءة، و الصبح والمغرب، وكل ثنائية مفروضة وان كانت سفرا. (5) وشح بثوبه: أدخله تحت ابطه فالقاه على منكبه.

[ 106 ]

الصلاة في ثوب واحد يعقد طرفيه على عنقه، وفي القميص الضيق يزره عليه. (1) لا يسجد الرجل على صورة ولا على بساط فيه صورة، ويجوز له أن تكون الصورة تحت قدمه أو يطرح عليه ما يواريها ولا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه وهو يصلي، ويجوز أن يكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف ويجعلها إلى (في خ ل) ظهره. لا يسجد الرجل على كدس (2) حنطة ولا شعير ولا على لون مما يؤكل ولا يسجد على الخبز لا يتوضأ الرجل حتى سيمي يقول قبل أن يمس الماء: بسم الله وبالله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. فإذا فرغ من طهوره قال: أشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدأن محمدا – (صلى الله عليه وآله) – عبده ورسوله فعندها يستحق المغفرة من أتى الصلاة عارفا بحقها غفر له لا يصلي الرجل نافلة في وقت فريضة إلا من عذر، ولكن يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء، قال الله تبارك وتعالى: (الذين هم على صلوتهم دائمون) يعني الذين يقضون ما فاتهم من الليل بالنهار، وما فاتهم من النهار بالليل. لا تقضى النافلة في وقت فريضة ابدء بالفريضة ابدء بالفريضة ثم صل ما بدالك. الصلاة في الحرمين تعدل ألف صلاة ونفقة درهم في الحج تعدل ألف درهم ليخشع الرجل في صلاته فإنه من خشع قلبه لله عزوجل خشعت جوارحه فلا يعبث بشئ. القنوت في صلاة الجمعة قبل الركوع الثانية، (3) ويقرء في الاولى الحمد و الجمعة، وفي الثانية الحمد والمنافقين اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوارحكم، (4) ثم قوموا فإن ذلك من فعلنا إذا قام أحد كم في الصلاة فليرجع يده حذاء صدره (5) وإذا كان أحد كم بين يدي الله


(1) أي يشد أزراره. (2) الكدس بالضم فالسكون: الحب المحصود المجموع (3) في التحف هكذا: القنوت في كل صلاة ثنائية قبل الركوع في الركعة الثانية إلا الجمعة فان فيه قنوتين: احداهما قبل الركوع في الركعة الاولى، والاخر بعده في الركعة الثانية. (4) في التحف: اجلسوا بعد السجدتين حتى تسكن جوار حكم (5) في التحف هكذا: إذا افتتح احدكم الصلاة فليرفع يديه يحذاء صدره

[ 107 ]

جل جلاله فليتحرى بصدره (1) وليقم صلبه ولا ينحني. إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء ولينصب في الدعاء. فقال عبد الله بن سبا: يا أمير المؤمنين أليس الله في كل مكان ؟ قال: بلى. قال: فلم يرفع العبد يديه إلى السماء ؟ قال: أما تقرء: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) فمن أين يطلب الرزق إلا من موضعه ؟ وموضع الرزق وما وعد الله عزوجل السماء. لا ينفتل العبد من صلاته حتى يسأل الله الجنة، ويستجير به من النار، ويسأله أن يزوجه من الحور العين إذا قام أحد كم إلى الصلاة فليصل صلاة مودع لا يقطع الصلاة التبسم ويقطعها القهقهة. إذا خالط النوم القلب وجب الوضوء. إذا غلبتك عينك وأنت في الصلاة فاقطع الصلاة ونم، فإنك لا تدري تدعو لك أو على نفسك. من أحبنا بقلبه وأعاننا بلسانه وقاتل معنا أعداءنا بيده فهو معنا في الجنة في درجتنا، ومن أحبنا بقلبه وأعاننا بلسانه ولم يقاتل معنا أعداءنا فهو أسفل من ذلك بدرجة، ومن أحبنا بقلبه ولم يعنا بلسانه ولا بيده فهو في الجنة، ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ويده فهو مع عدو نا في النار، ومن أبغضنا بقلبه ولم يعن علينا بلسانه ولا بيده فهو في النار، ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه فهو في النار إن أهل الجنة لينظرون إلى منازل شيعتنا كما ينظر الانسان إلى الكواكب في السماء إذا قرأتم من المسبحات الاخيرة فقولوا: (سبحان الله الا على) وإذا قرأتم: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) فصلوا عليه في الصلاة كنتم أو في غيرها. ليس في البدن شئ أقل شكرا من العين فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر الله عزوجل. وإذا قرأتم (والتين) فقولوا في آخرها: ونحن على ذلك من الشاهدين وإذا قرأتم قوله: (آمنا بالله) فقولوا: (آمنا بالله) حتى تبلغوا إلى قوله:


(1) في نسخة: فلينحر بصدره. من نحر المصلى في الصلاة: انتصب ونهد صدره. وفى التحف فليتجور وليقم صلبه

[ 108 ]

(مسلمون) إذا قال العبد في التشهد في الاخيرتين (1) وهو جالس: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لاريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) ثم أحدث حدثا فقدتمت صلاته. ما عبد الله بشئ أفضل من المشي إلى بيته (2) اطلبوا الخير في أخفاف الابل وأعناقها صادرة وواردة إنما سمي السقاية (3) لان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بزبيب اتي به من الطائف أن ينبذ ويطرح في حوض زمزم لان ماءهامر فأراد أن يكسر مرارته فلا تشربوه إذا عتق (4) إذا تعرى الرجل نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا. ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين قوم. (5) من أكل شيئا من المؤذيات بريحها فلا يقربن المسجد. ليرفع الرجل الساجد مؤخره في الفريضة إذا سجد. إذا أراد أحدكم الغسل فليبدء بذراعيه فليغسلهما إذا صليت (6) فأسمع نفسك القراءة والتكبير والتسبيح إذا انفتلت من الصلاة فانفتل عن يمينك (7) تزود من الدنيا فإن خير ما تزودت منها التقوى فقدت من بني إسرائيل امتان: (8) واحدة في المبحر، واخرى في البر، فلا تأكلوا إلا ما عرفتم. من كتم وجعا أصابه ثلاثه أيام من الناس وشكا إلى الله كان حقا على الله أن يعافيه منه أبعد ما كان العبد من الله إذا كان همه بطنه وفرجه. لا يخرج الرجل في سفر يخاف فيه على دينه وصلاته اعطي السمع (9) أربعة: النبي (صلى الله عليه وآله)، والجنة،


(1) في التحف: في التشهد الاخير من الصلاة المكتوبة (2) في التحف: ما عبد الله عزوجل بشئ هو أشد من المشى إلى الصلاة (3) في التحف: انما سمى نبيذا لسقاية. (4) أي إذا قدم ومضى عليه زمان وفى نسخة: إذا عبق (5) في نسخة: ويجلس في مجلس بين قوم (6) في التحف: إذا صليت وحده (7) أي إذا انصرفت عنها فانصرف عن يمينك (8) في نسخة: اثنتان. (9) أي يصغى ويجيب في أربعة

[ 109 ]

والنار، وحور العين، فإذا فرغ العبد من صلاته فليصل على النبي (صلى الله عليه وآله) ويسأل الله الجنة، ويستجير بالله من النار، ويسأله أن يزوجه من الحور العين، فإنه من صلى على النبي (صلى الله عليه وآله) رفعت دعوته، ومن سأل الجنة قالت الجنة: يا رب أعط عبدك ما سأل. ومن استجار من النار قالت النار: يا رب أجر عبدك مما استجارك، ومن سأل الحور العين قلن الحور: يا رب أعط عبدك ما سأل الغناء نوح إبليس على الجنة إذا أراد أحدكم النوم فليضع يده اليمنى تحت خده الايمن وليقل: (بسم الله، وضعت جنبي لله على ملة إبراهيم ودين محمد (صلى الله عليه وآله) و ولاية من افترض الله طاعته، ما شاء الله كان وما لم يشألم يكن) فمن قال ذلك عند منامه حفظ من اللص والمغير والهدم واستغفرت له الملائكة. من قرأ قل هو الله أحد حين يأخذ مضجعه وكل الله عز وجل به خمسين ألف ملك يحرسونه ليلته إذا أراد أحدكم النوم فلا يضعن جنبه على الارض حتى يقول: (اعيذ نفسي و ديني وأهلي ومالي (1) وخواتيم عملي وما رزقني ربي وخولني بعزة الله وعظمة الله و جبروت الله وسلطان الله ورحمة الله ورأفة الله وغفران الله وقوة الله وقدرة الله وجلال الله وبصنع الله وأركان الله، وبجمع الله وبرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبقدرة الله على ما يشاء من شر السامة و الهامة، ومن شر الجن والانس، ومن شر ما يدب في الارض (2) وما يخرج منها، وما ينزل من السماء (3) وما يعرج فيها، ومن شركل دابة ربي آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم، وهو على كل شئ قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعوذ بها الحسن والحسين (عليهما السلام)، وبذلك أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله). ونحن الخزان لدين الله، ونحن مصابيح العلم، إذا مضى منا علم بدا علم، لا يضل من اتبعنا، ولا يهتدي من أنكرنا، ولا ينجو من أعان علينا عدونا، ولا يعان


(1) اضاف في التحف: وولدى (2) في التحف: ماذرأ في الارض (3) في نسخة: ومن شرما ينزل من السماء

[ 110 ]

من أسلمنا، فلا تتخلفوا عنا لطمع دنيا وحطام زائل عنكم وأنتم تزولون عنه، فإن من آثر الدنيا على الآخرة وأختارها علينا عظمت حسرته غدا، وذلك قول الله عزوجل (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين) اغسلوا صبيانكم من الغمر، (1) فإن الشياطين تشم الغمر فيفزع الصبي في رقاده، ويتأذى به الكابتان لكم أول نظرة إلى المرأة فلا تتبعوها بنظرة اخرى، واحذروا الفتنة مدمن الخمر يلقى الله عزوجل حين يلقاه كعابد وثن فقال حجربن عدي: يا أمير المؤمنين ما المدمن ؟ قال: الذي إذا وجدها شربها. من شرب المسكر لم تقبل صلاته أربعين يوما وليلة. من قال لسلم قولا يريد به انتقاص مروته حبسه الله عزوجل في طينة خبال حتى يأتي مما قال بمخرج لا ينام الرجل مع الرجل (ولا المرأة مع المرأة في ثوب واحد (2)) فمن فعل ذلك وجب عليه الادب وهو التعزير كلوا الدباء (3) فإنه يزيد في الدماغ وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعجبه الدباء كلوا الاترج قبل الطعام وبعده فإن آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين يفعلون ذلك الكمثرى يجلوا لقلب ويسكن أوجاع الجوف. إذا قام الرجل إلى الصلاة أقبل إبليس ينظر إليه حسدا لما يرى من رحمة الله التي تغشاه شر الأمور محدثاتها، (4) وخير الامور ماكان لله عزوجل رضى من عبد الدنيا و آثرها على الآخرة استوخم العاقبة (5) اتخذوا الماء طيبا. من رضي من الله عزوجل بما قسم له استراح بدنه. خسر من ذهب حياته وعمره فيما يباعده من الله عزوجل لويعلم المصلي ما يغشاه من


(1) في النهاية: وفيه: من بات وفي يده غمر والغمر بالتحريك: الدسم والزهومة من اللحم كالوضر من السمن. (2) النسخ خالية عنه عدا المطبوع والتحف (3) الدباء: القرع. (4) محدثات الامور جمع المحدثة بالفتح وهى ما لم يكن معروفا في الكتاب والسنة ولا الاجماع. (5) استوخم: وجده وخيما. أمر وخيم العاقبه: ثقيل مضر ردئ

[ 111 ]

جلال الله ما سره أن يرفع رأسه من سجوده (1) إياكم وتسويف العمل، بادروا به إذا أمكنكم. وما كان لكم من رزق فسيأتيكم على ضعفكم، وما كان عليكم فلن تقدروا أن تدفعوه بحيلة. مروا بالمعرف، وانهوا عن المنكر، واصبروا على ما أصابكم. سراج المؤمن معرفة حقنا. أشد العمى من عمي عن فضلنا ونا صبنا العداوة بلا ذنب سبق إليه منا، إلا أنا دعوناه إلى الحق، ودعاه من سوانا إلى الفتنة والدنيا فأتاهم (2) ونصب البراءة منا والعداوة لنا. لنا راية الحق من استظل بها كنته، (3) ومن سبق إليها فاز، ومن تخلف عنها هلك، ومن فارقها هوى، ومن تمسك بهانجا. أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة. والله لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق. إذا لقيتم إخوانكم فتصافحوا وأظهروا لهم البشاشة والبشر تتفر قوا وما عليكم من الاوزار قد ذهبت إذا عطس أحدكم فسمتوه (4) قولوا: يرحكم الله، ويقول الله تبارك وتعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها) صافح عدوك وإن كره فإنه مما أمر الله عزوجل به عباده يقول: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقها إلا الذين صبروا و ما يلقها إلا ذو حظ عظيم) ما تكافي عدوك بشئ أشد على من أن تطيع الله فيه، و حسبك أن ترى عدوك يعمل بمعاصي الله عزوجل. الدنيا دول فاطلب حظك منها بأجمل الطلب حتى تأتيك دولتك. المؤمن يقظان مترقب خائف ينتظر إحدى الحسنيين، ويخاف البلاء حذرا


(1) في التحف: لويعلم المصلى ما يغشاه من رحمة الله ما انفتل ولا سره أن يرفع رأسه من السجدة (2) في المطبوع: فأثرهما. وفى الخصال: فأتاهما. (3) كنته أي سترته في كنه وغطته وصانته من الشمس وفى نسخة: كفته. ولعله مصحف كنفته أي صانته وحفظته (4) في نسخة: فشمتوه. التسميت والتشميت: الدعاء للعاطس بقوله: يرحمك الله

[ 112 ]

من ذنوبه، راجى رحمة الله عزوجل، لا يعري المؤمن من خوفه ورجائه، يخاف مما قدم ولا يسهو عن طلب ما وعده الله، ولا يأمن مما خوفه الله عزوجل أنتم عمار الارض الذين استخلفكم الله عزوجل فيها لينظر كيف تعملون، فراقبوه فيما يرى منكم. عليكم بالمحجة العظمى فاسلكوها، لا يستبدل بكم غير كم من كمل عقله حسن عمله ونظره لدينه سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين، فإنكم لن تنالوها إلا بالتقوى من صدى بالا ثم أعشى (1) عن ذكر الله عزوجل من ترك الاخذ عن أمر الله بطاعته قيض الله (2) له شيطانا فهو له قرين ما بال من خالفكم أشد بصيرة في ضلالتهم وأبذل لما في أيديهم منكم ؟ ما ذاك إلا أنكم ركنتم إلى الدنيا فرضيتم بالضيم، و شححتم على الحطام، (3) وفرطتم فيما فيه عز كم وسعادتكم وقوتكم على من بغي عليكم، لا من ربكم تستحيون فيما أمركم به، ولا لانفسكم تنظرون، وأنتم في كل يوم تضامون، ولا تنتبهون من رقدتكم، ولا ينقضي فتوركم، أما ترون إلى بلادكم و (إلى خ ل) دينكم كل يوم يبلى وأنتم في غفلة الدنيا ؟ يقول الله عزوجل: (ولا تر كنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله أولياء ثم لا تنصرون) سموا أولادكم، فإن لم تدروا أذكر هم أم انثى فسموهم بالا سماء التي تكون للذكر والا نثى، فإن أسقاطكم إذا لقو كم في القيامة ولم تسموهم يقول السقط لا بيه: الا سميتني وقد سمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) محسنا قبل أن يولد. إياكم وشرب الماء من قيام على أرجلكم فإنه يورث الداء الذي لا دواء له، أو يعافي الله عزوجل إذا ركبتم الدواب فذكروا الله عزوجل وقولوا: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) إذ اخرج أحدكم في سفر فليقل: (اللهم أنت الصاحب في السفر، والحامل على الظهر، والخليفة في الاهل


(1) أي أعرض عنه (2) قيض له أي قدر وهيأ له، ماخوذ من المقايضة وهى المعاوضة، ثم استعمل في الاستيلاء (3) الضيم: الظلم شححتم أي حرصتم.

[ 113 ]

والمال والولد) وإذا نزلتم منزلا فقولوا: (اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين) إذا اشتريتم ما تحتاجون إليه من السوق فقولوا حين تدخلون الاسواق: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم إني أعوذ بك من صفقة خاسرة، ويمين فاجرة، وأعوذ بك من بوار الايم) (1) المنتظر وقت الصلاة بعد الصلاة من زوار الله عز وجل، وحق على الله تعالى أن يكرم زائره وأن يعطيه ما سأل. الحاج والمعتمر وفد الله وحق على الله تعالى أن يكرم وفده ويحبوه بالمغفرة (2) من سقى صبيا مسكرا وهو لا يعقل حبسه الله تعالى في طينة الخبال حتى يأتي مما صنع بمخرج. الصدقة جنة عظيمة من النار للمؤمن، ووقاية للكافر (من أن يتلف). (3) من أتلف ماله يعجل له الخلف ودفع عنه البلايا وماله في الآخرة من نصيب. باللسان كب أهل النار في النار، وباللسان اعطي أهل النور النور، فاحفظوا ألسنتكم واشغلوها بذكر الله عزوجل. أخبث الاعمال ما ورث الضلال، وخير ما اكتسب أعمال البر. إياكم وعمل الصور فتسألوا عنها يوم القيامة. إذا اخذت منك قذاة فقل: أماط الله عنك ما تكره. إذا قال لك أخوك وقد خرجت من الحمام: (طاب حمامك وحميمك) فقل: (أنعم الله بالك). إذا قال لك أخوك: (حياك الله بالسلام) فقل أنت (فحياك الله بالسلام، وأحلك دار المقام) لاتبل على المحجة، ولا تتغوط عليها السؤال بعد المدح، فامدحوا الله ثم سلوا الحوائج، أثنوا على الله عزوجل وامدحوه قبل طلب الحوائج، يا صاحب الدعاء لا تسأل ما لا يكون ولا يحل. إذا هنأتم الرجل عن مولود ذكر فقولوا: (بارك الله لك في هبته، وبلغه أشده، ورزقك بره) إذا قدم أخوك من مكة فقبل بين عينيه وفاه الذي قبل به الحجر الاسود


(1) في التحف: وأعوذ بك من بواء الاثم. (2) الوفد جمع الوافد وهم القوم يجتمعون فيردون البلاد. يحبوه أي يعطوه بلاجزاء. (3) هكذا في المطبوع، والنسخ خالية عنه. وفي التحف: وقاية للكافر من تلف المال ويعجل له الخلف ويدفع السقم عن بدنه وماله في الاخرة من نصيب.

[ 114 ]

الذي قبله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والعين التي نظربها إلى بيت الله عزوجل، وقبل موضع سجوده ووجهه، وإذا هنأتموه فقولوا: (قبل الله نسكك، ورحم سعيك، (1) وأخلف عليك نفقتك، ولا جعله آخر عهدك ببيته الحرام) احذروا السفلة فإن السفلة من لا يخاف الله عزوجل فيهم قتلة الا نبياء، وفيهم أعداؤنا. إن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الارض فاختارنا واختار لنا شعية ينصروننا و يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، اولئك منا وإلينا ما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهينا عنه فيموت حتى يبتلي ببلية تمحص بها ذنوبه (2) إما في ماله، وإما في ولده، وإما في نفسه حتى يلقى الله عز وجل وماله ذنب، و إنه ليبقى عليه الشئ من ذنوبه فيشدد به عليه عند موته (3) الميت من شيعتنا صديق شهيد، صدق بأمرنا، وأحب فينا، وأبغض فينا يريد بذلك الله عزوجل، مؤمن بالله وبرسوله، (4) قال الله عزوجل: (والذين آمنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم) افترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة. من أذاع سرنا أذاقه الله بأس الحديد اختتنوا أولادكم يوم السابع، لا يمنعكم حر ولا برد فإنه طهور للجسد، وإن الارض لتضج إلى الله تعالى من بول الاغلف السكر أربع سكرات: سكر الشراب، وسكر المال، وسكر النوم، و سكر الملك. إذا أراد أحدكم النوم فليضع يده اليمنى تحت خده الايمن فإنه لا يدري أينتبه من رقدته أم لا


(1) في التحف: وشكر سعيك. (2) يقارف الذنب: داناه. محص الله عن فلان ذنوبه أي نقصها وطهرء منها. (3) في التحف: فيشدد عليه عند الموت فيمحص ذنوبه. (4) في التحف: يريد بذلك وجه الله مؤمنا بالله ورسوله.

[ 115 ]

احب للمؤمن أن يطلي في كل خمسة عشر يوما من النورة. أقلوا من أكل الحيتان فإنها تذيب البدن وتكثر البلغم وتغلظ النفس حسوا للبن (1) شفاء من كل داء إلا الموت. كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ للمعدة، وفي كل حبة من الرما إذا استقرت في المعدة حياة للقلب وإنارة للنفس، وتمرض وسواس الشيطان أربعين ليلة نعم الادام الخل يكسر المرة ويحيي القلب. كلوا الهندباء فما من صباح إلا وعليه قطرة من قطر الجنة. اشربوا ماء السماء فإنه يطهر البدن ويدفع الاسقام، قال الله تبارك وتعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهر كم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام) مامن داء إلا وفي الحبة السوداء منه شفاء إلا السام. لحوم البقرداء، وألبانها دواء، وأسمانها شفاء. ما تأكل الحامل من شئ ولا تتداوى به أفضل من الرطب، قال الله عزوجل لمريم (عليها السلام): (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي وأشربي وقري عينا) حنكوا أولادكم بالتمر فهكذا فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحسن والحسين إذا أراد أحدكم أن يأتي زوجته فلا يعجلها فإن للنساء حوائج. (2) إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليأت أهله فإن عند أهله مثل ما رأى، ولا يجعلن للشيطان إلى قلبه سبيلا، وليصرف بصره عنها، فإن لم تكن له زوجة فليصل ركعتين ويحمد الله كثيرا، ويصلى على النبي وآله، ثم ليسأل الله من فضله فإنه يبيح له برأفته ما يغنيه (3) إذا أتى أحدكم زوجته فليقل الكلام، فإن الكلام عند ذلك يورث الخرس. لا ينظرن أحدكم إلى باطن فرج امرأته لعله يرى ما يكره ويورث العمى. إذا أراد أحدكم مجامعة زوجته فليقل: (اللهم إني استحللت فرجها بأمرك،


(1) الحسو: الشرب شيئا بعد شئ. (2) في التحف: إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلا يعاجلنها وليمكث يكن منها مثل الذى يكون منه. (3) في نسخة ينفتح له من رأفته

[ 116 ]

وقبلتها بأمانتك، فإن قضيت لي منها ولدا فاجعله ذكرا سويا، ولا تجعل للشيطان فيه نصيبا ولا شركا) الحقنة من الاربع، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن أفضل (1) ما تداويتم به الحقنة، وهي تعظم البطن، وتنقى داء الجوف، وتقوي البدن استسعطوا بالبنفسج (2) وعليكم بالحجامة. إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فليتوق أول الا هلة وأنصاف الشهور، فإن الشيطان يطلب الولد في هذين الوقتين، والشياطين يطلبون الشرك فيهما فيجيؤون و يحبلون. توقوا الحجامة والنورة يوم الاربعاء، (3) فإن يوم الاربعاء يوم نحس مستمر، وفيه خلقت جهنم. وفي الجمعة ساعة لايحتجم فيها أحد إلا مات. (4) ف: مرسلا مثله بتغيير ما. وإنما اعتمدنا على ما في الخصال لانه كان أصح سندا ونسخة، وفيه: قال (عليه السلام): إذا أراد أحدكم الخلاء فليقل: (بسم الله اللهم امط عني الاذى وأعذني من الشيطان الرجيم) وليقل إذا جلس: (اللهم كما أطعمتنيه طيبا وسوغتنيه فاكفنيه) فإذا نظر بعد فراغه إلى حدثه فليقل (اللهم ارزقني الحلال، وجنبني الحرام) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما من عبد إلا وقد وكل الله به ملكا يلوي عنقه إذا أحدث حتى ينظر إليه، فعند ذلك ينبغي له أن يسأل الله الحلال، فإن الملك يقول: يا ابن آدم هذا ما حرصت عليه، انظر من أين أخذته وإلى ما ذا صار. (5) أقول: ورأيت رسالة قديمة قال فيها: حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، ومحمد بن عيسى اليقطيني، عن القاسم بن


(1) في التحف: الحقنة من الاربعة التى قال رسول الله فيها ما قال وأفضل اه‍. (2) في نسخة: استعسطوا بالبنفسج. وفى التحف: استعسطوا بالبنفسج فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لويعلم الناس مافى البنفسج لحسوه حسوا. (3) في التحف: توقوا الحجامة يوم الاربعاء ويوم الجمعة. (4) الخصال 2: 155 – 171 (5) تحف العقول: 100 – 125.

[ 117 ]

يحيى، وحدث أيضا عن أبيه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن القاسم بن يحيى بن حسن بن راشد، عن جده، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام) قال: حدثنا أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) وساق الحديث نحوه باختلافات يسيرة أشرنا إلى بعضها وجعلنا عليها علامة ليعلم أنها مأخوذة من الكتاب القديم ولا يشتبه بما في نسخ الخصال. ثم اعلم أن أصل هذا الخبر في غاية الوثاقة والاعتبار على طريقة القدماء، وإن لم يكن صحيحا بزعم المتأخرين، واعتمد عليه الكليني رحمه الله، وذكر أكثر أجزائه متفرقة في أبواب الكافي، وكذا غيره من أكابر المحدثين. وشرح أجزاء الخبر مذكور في المواضع المناسبة لها فلا نعيدها ههنا مخافة التكرار. * (باب 8) * * (ما تفضل صلوات الله عليه به على الناس بقوله: سلونى قبل أن تفقدوني) * * (وفيه بعض جوامع العلوم ونوادرها) * 1 – يد، لى: الدقاق، والقطان، والسناني جميعا، عن أحمد بن زكريا القطان، عن محمد بن العباس، عن محمد بن أبي السري، (1) عن أحمد بن عبد الله بن يونس، عن سعد بن طريف الكناني، عن الا صبغ بن نباتة قال: لما جلس علي (عليه السلام) في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لابسا بردة رسول الله، متنعلا نعل رسول الله، متقلدا سيف رسول الله، فصعد المنبر فجلس عليه متمكنا ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال: يا معاشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني،


(1) هو محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم العسقلاني المعروف بابن أبى السرى المترجم في التقريب: 468 بقوله: صدوق عارف، له اوهام كثيرة، من العاشرة، مات سنة 38 أي بعد المائتين

[ 118 ]

هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا ما زقني رسول الله (صلى الله عليه وآله) زقا زقا، سلوني فإن عندي علم الاولين والآخرين، أما والله لوثنيت لي وسادة فجلست عليها لافتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الا نجيل بإ نجيلهم حتى ينطق الا نجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في. وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه ؟ ولولا آية في كتاب الله عزوجل لا خبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن أية آية في ليل انزلت أوفي نهار انزلت، مكيها ومدنيها، سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لا خبرتكم. فقام إليه رجل يقال له ذعلب، (1) وكان ذرب اللسان، (2) بليغا في الخطب، شجاع القلب فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لاخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟ فقال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربالم أره. قال: فكيف رأيته ؟ صفه لنا قال (عليه السلام): ويلك لم تره العيون بمشاهدة الابصار، ولكن رأنه القلوب بحقائق الايما، ويلك يا ذغلب إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بقيام قيام انتصاب، ولا بجيئة (3) ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ


(1) بكسر الذال وسكون العين، عده المامقانى من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: الظاهر حسن حاله قلت: الظاهر من قوله في الحديث: (لاخجلنه اليوم) ومن خطابه (عليه السلام) بويلك خلافه. (2) لسان ذرب: فصيح فاحش (3) في التوحيد: ولا بمجئ

[ 119 ]

رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، (1) قائل لا بلفظ، هو في الاشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شئ ولا يقال شئ فوقه، أمام كل شئ ولا يقال له أمام، داخل في الاشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ من شئ خارج. فخر ذعلب مغشيا عليه فقال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لاعدت إلى مثلها. ثم قال (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الاشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي ؟ فقال: بلى يا أشعث قد أنزل الله تعالى عليهم كتابا وبعث إليهم نبيا، (2) وكان لهم ملك سكرذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها، فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه فقالوا: أيها الملك دنست علينا ديننا فأهلكته، فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد. فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم، فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أن الله عزوجل لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم و امنا حواء ؟ قالوا: صدقت أيها الملك. قال: أفليس قد زوج بنيه بناته وبناته ومن بنيه ؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدورهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب، والمنافقون أشد حالا منهم. فقال الاشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب والله لاعدت إلى مثلها أبدا ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكيا على عكازة (3) فلم يزل يتخطي الناس حتى دنامنه فقال: يا أمير المؤمنين دلني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار. فقال له: اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على أهل دين الله عزوجل، و بفقير صابر. فإذاكتم العالم علمه وبخل الغني ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور،


(1) المجسة: موضع اللمس. أي مدرك لا بالحواس (2) في التوحيد: وبعث إليهم رسولا. (3) في التوحيد: على عصاه

[ 120 ]

وعندها يعرف العارفون الله، (1) إن الدار قد رجعت إلى بدئها – أي إلى الكفر بعد الايمان – (2) أيها السائل فلا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى، أيها الناس إنما الناس ثلاثة: زاهد، وراغب، وصابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه ولا يحزن على شئ منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام. قال: يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان ؟ قال: ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه، وينظر إلى ما خالفه فيتبرء منه وإن كان حبيبا قريبا. (3) قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين. ثم غاب الرجل فلم نره فطلبه الناس فلم يجدوه، فتبسم علي (عليه السلام) على المنبر ثم قال: مالكم هذا أخي الخضر (عليه السلام) ثم قال (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني، فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه (صلى الله عليه وآله)، ثم قال للحسن (عليه السلام): يا حسن قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي فيقولون: الحسن لا يحسن شيئا. قال الحسن (عليه السلام): يا أبه كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى ؟ قال له: بأبي وامي اوادي نفسي عنك وأسمع وأرى ولا تراني. (4) فصعد الحسن (عليه السلام) المنبر فحمد الله بمحامد بليغة شريفة، وصلى على النبي وآله صلاة موجزة، ثم قال: أيها الناس سمعت جدي رسول الله – (صلى الله عليه وآله) – يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وهل تدخل المدينة إلا من بابها ثم نزلت فوثب إليه علي (عليه السلام) فتحمله وضمه إلى صدره. ثم قال للحسين (عليه السلام): يا بني قم فاصعد فتكلم


(1) في التوحيد: العارفون بالله (2) في الاحتجاج: وكادت الارض أن ترجع إلى الكفر بعد الايمان (3) في الاحتجاج: وان كان حميما قريبا وفى الاحتجاج: ينظر إلى ولى الله فيتولاه، وإلى عدوالله فيتبرء وان كان حميما قريبا (4) في التوحيد: وأنت لا تراني.

[ 121 ]

بكلام لا يجهلك قريش من بعدي فيقولون: إن الحسين بن علي (عليه السلام) لا يبصر شيئا، وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك. فصعد الحسين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه وآله صلاة موجزة، ثم قال: معاشر الناس سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: إن عليا – (عليه السلام) – مدينة هدى فمن دخلها نجا، ومن تخلف عنها هلك. فوثب إليه علي (عليه السلام) فضمه إلى صدره و قبله، ثم قال: معاشر الناس اشهدوا أنهما فرخا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووديعته التي استودعنيها. وأنا أستودعكموها معاشر الناس ورسول الله سائلكم عنهما (1) ختص: علي بن محمد الشعراني، عن الحسن بن علي بن شعيب، عن عيسى بن محمد العلوي، عن محمد بن العباس مثله (2) ج: مرسلا إلى قوله: أخي الخضر (عليه السلام)، وأسقط سؤال ذعلب. (3) بيان: السفط معرب معروف. ويقال: زق الطائر فرخه يزقه أي أطعمه بفيه. وثني الوسادة: جعل بعضها على بعض لترتفع فيجلس عليها كما يصنع للاكابر و الملوك. وههنا كناية عن التمكن في الامر والاستيلاء على الحكم وأما إفتاء أهل الكتاب بكتبهم فيحتمل أن يكون المراد به بيان أنه في كتابهم هكذا لا الحكم بالعمل به، أو اريد به الافتاء فيما وافق شرع الا سلام وإلزام الحجة عليهم فيما ينكرونه من اصول دين الاسلام وفروعه. قوله (عليه السلام): (والمنافقون أشد حالا منهم) تعريض بالسائل لانه كان منهم. والعكاز: عصا ذات زج. والبدء: الاول. 2 – ج: عن الاصبغ بن نباتة قال: خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين جوانحي علما جما. فقام إليه ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا ؟ قال: الرياح.


(1) التوحيد: 319 – 323 الامالى: 205 – 208 المجلس الخامس والخمسون (2) الاختصاص: مخطوط. (3) الاحتجاج: 137، وأورد سؤال ذعلب مجملا في ص 110 الا انه قال: روى أهل السير أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)

[ 122 ]

قال: فما الحاملات وقرا ؟ قال: السحاب. قال: فما الجاريات يسرا ؟ قال: السفن قال فما المقسمات أمرا ؟ قال: الملائكة قال: يا أمير المؤمنين وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا. قال: ثكلتك امك يا ابن الكواء كتاب الله يصدق بعضه بعضا، ولا ينقض بعضه بعضا، فسل عما بدالك قال: يا أمير المؤمنين سمعته يقول: (رب المشارق والمغارب) وقال في آية اخرى: (رب المشرقين ورب المغربين) وقال في آية اخرى: (رب المشرق و المغرب) قال: ثكلتك امك يا ابن الكواء هذا المشرق وهذا المغرب. وأما قوله: (رب المشرقين ورب المغربين) فإن مشرق الشتاء على حدة، ومشرق الصيف على حدة، أما تعرف ذلك من قرب الشمس وبعدها ؟ وأما قوله: (رب المشارق والمغارب) فإن لها ثلاث مائة وستين برجا تطلع كل يوم من برج وتغيب في آخر ولاتعود إليه إلا من قابل في ذلك اليوم قال: يا أمير المؤمنين كم بين موضع قدمك إلى عرش ربك ؟ قال: ثكلتك امك يا ابن الكواء سل متعلما ولا تسأل متعنتا، من موضع قدمي إلى عرش ربي أن يقول قائل مخلصا: لا إله إلا الله قال: يا أمير المؤمنين فما ثواب من قال: لا إله إلا الله ؟ قال عليه السلام: من قال مخلصا: لاإله إلا الله طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الاسود من الرق الابيض، فإذا قال ثانية: لا إله إلا الله مخلصا خرقت أبواب السماوات وصفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها لبعض: اخشعوا لعظمة الله، فإذا قال ثالثة: لا إله إلا الله مخلصا لم تنهنه دون العرش، فيقول الجليل: اسكني فوعزتي وجلالي لاغفرن لقائلك بما كان فيه، ثم تلاهذه الآية (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) يعني إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله وكلامه. قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قوس قزح قال: ثكلتك امك يا ابن الكواء لا ثقل: قوس قزح فإن قزح (1) اسم شيطان، ولكن قل: قوس الله، إذا بدت يبدو الخصب والريف. قال: أخبرني يا أمير المؤمنين عن المجرة التي تكون في السماء، قال: هي شرج


(1) في المصدر: فان قزحا اسم شيطان.

[ 123 ]

السماء وأمان لاهل الارض من الغرق، ومنه أغرق الله قوم نوح بماء منهمر. قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر. قال (عليه السلام): الله أكبر الله أكبر رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء، أما سمعت الله تعالى يقول: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) ؟ قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال: عن أي أصحاب رسول الله تسألني ؟ قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أبي ذر الغفاري. قال (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذالهجة (1) أصدق من أبي ذر. قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن سلمان الفارسي قال: بخ بخ، سلمان منا أهل البيت، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم، علم علم الاول وعلم الآخر. قال: يا أمير المؤمنين فأخبرني عن حذيفة بن اليمان. قال: ذاك امرؤ علم أسماء المنافقين، إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عارفا عالما. قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن عمار بن ياسر. قال: ذاك امرؤ حرم الله لحمه ودمه على النار وأن تمس شيئا منهما. قال: يا أمير المؤمنين فأخبرني عن نفسك قال: كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكت ابتديت. (2) قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله عزوجل: (هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا) الآية. قال: كفرة أهل الكتاب: اليهود والنصارى، وقد كانوا على الحق فابتد عوا في أديانهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ثم نزل عن المنبر وضرب بيده على منكب ابن الكواء ثم قال: يا ابن الكواء وما أهل النهروان منهم ببعيد. فقال: يا أمير المؤمنين ما اريد غيرك ولا أسأل سواك. قال: فرأينا ابن الكواء يوم النهروان فقيل له: ثكلتك امك، بالامس كنت تسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) عما سألته وأنت اليوم تقاتله ! فرأينا رجلا حمل عليه فطعنه فقتله. (3)


(1) هكذا في النسخ، وفى المصدر: ولا أقلت الغبراء على ذى لهجة أصدق من أبى ذر. (2) أراد (عليه السلام) إذا سالت النبي (صلى الله عليه وآله) أعطاني، وإذا سكت ابتدأنى. (3) الاحتجاج: 138

[ 124 ]

توضيح: قوله (عليه السلام): (أن يقول قائل مخلصا: لا إله إلا الله) لعل المعنى أن القائل إذا قال ذلك يصل إلى العرش في أقرب من طرف العين. (1) والحاصل أن السؤال عن قدر المسافة لا ينفعكم، بل ينبغي أن تسألوا عما يصل إلى العرش ويقبله الله تعالى من الاعمال. وقال الجزري: فيه: (فمانهنهها شئ دون العرش) أي ما منعها وكفها عن الوصول إليه. (2) والريف بالكسر: أرض فيها زرع وخصب والسعة في المأكل والمشرب. قوله: (هي شرج السماء) بالجيم قال الفيروز آبادي: الشرج محركة: العرى. ومنفسح الوادي ومجرة السماء وفرج المرأة. وانشقاق في القوس والشرج: الفرقة ومسيل ماء من الحرة إلى السهل وشد الخريطة انتهى (3) أو قل: لعله شبه باخريطة التي تجعل في رأس الكيس يشد بها، أو بمسيل الماء لشباهته به ظاهرا، أو لكونه منه أغرق الله قوم نوح (عليه السلام) وسيأتي شرح أجزاء الخبر في مواضعها 3 – وروى هذا الخبر إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات بأسانيده عن أبي عمرو الكندي وابن جريح وغير هما وزاد فيه قال: فما معنى السماء ذات الحبك ؟ قال: ذات الخلق الحسن. قال: فكم بين المشرق والمغرب ؟ قال مسيرة يوم للشمس تطلع من مطلعها فتأتي مغربها، من حدثك غيرذلك كذبك فسأله من الذين بدلوا نعمة الله كفرا. فقال: دعهم لغيهم هم قريش. قال: فما ذوا القرنين ؟ قال: رجل بعثه الله إلى قومه فكذبوه وضربوه على قرنه فمات، ثم أحياء الله فبعثه إلى قومه فكذ بوه وضربوه على قرنه فمات، ثم أحياه الله، فهوذو القرنين ثم قال: وفيكم مثله وقال: أي خلق الله أشد ؟ قال إن أشد خلق الله عشرة: الجبال الرواسي،


(1) أو أن عرشه وعلمه محيط بالخلق، فليس ببعيد حتى يسأل عن مسافته (2) النهاية: باب النون مع الهاء. (3) القاموس: فصل الشين من أبواب الجيم (*).

[ 125 ]

والحديد تنحت به الجبال، والنار تأكل الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والارض يحمل الماء، والريح تقل السحاب، والانسان يغلب الريح يتقيها بيديه ويذهب لحاجته، والسكر يغلب الانسان، والنوم يغلت السكر، والهم يغلب النوم، فأشد خلق ربك الهم. (1) 4 – ج: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن علي صلوات الله عليه قال: سلوني عن كتاب الله، فوالله ما نزلت آية في كتاب الله في ليل ولانهار ولا مسير ولا مقام إلا وقد أقرأني إياها (2) رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلمني تأويلها، فقام ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين فما كان ينزل عليه من القرآن وأنت غائب عنه ؟ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه حتى أقدم عليه فيقرأنيه ويقول لي: يا علي أنزل الله علي بعدك كذاوكذا، وتأويله كذاوكذا فيعلمني تأويله و تنزيله (3) 5 – ج: وجاء في الآثار أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يخطب فقال في خطبته: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة فقام إليه رجل (4) فقال: أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ؟ فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام): والله لقد حدثني خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما سألت عنه، وأن على كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزك، (5) وأن في بيتك سخلا (6) يقتل ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، آية ذلك مصداق ما خبرتك به (7) ولولا أن الذي سألت يعسر برهانه لا خبرتك به، ولكن


(1) الغارات: مخطوط ولم نظفر بنسخته. (2) في المصدر: ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ونهار ولا مسير ولا مقام إلا وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله). (3) الاحتجاج: 139 (4) هو سعد بن ابى وقاص، وسخله عمربن سعد. (5) استفزه: استخفه واستدعاه. جعله يضطرب أزعجه. (6) السخل: الضعيف. السخل من القوم: رذيلهم ولد الشاة (7) في المصدر: وآية ذلك مصداق ما أخبرتك به. (*)

[ 126 ]

آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك (1) وسخلك الملعون واكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبو، (2) فلما كان من أمر الحسين (عليه السلام) ماكان تولى قتله، وكان الامر كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (3) 6 – من إرشاد القلوب بحذف الاسناد روي أن قوما حضروا عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يخطب بالكوفة ويقول: سلوني قبل أن تفقندوني، فأنا لا اسأل عن شئ دون العرش إلا أجبت فيه، لا يقولها بعدي إلا مدع أو كذاب مفتر فقام إليه رجل من جنب مجلسه، وفي عنقه كتاب كالمصحف، وهو رجل آدم ظرب طوال جعد الشعر، كأنه من يهود العرب، فقال رافعا صوته لعلى (عليه السلام): يا أيها المدعي لما لا يعلم و المتقدم لما لا يفهم أنا سائلك فأجب. قال: فوثب إليه أصحابه وشيعته من كل ناحية وهموا به، فنهرهم (4) علي (عليه السلام) وقال: دعوه ولا تعجلوه، فإن العجل والطيش (5) لا يقوم به حجج الله، ولا بإعجال السائل تظهر براهين الله تعالى. ثم التفت إلى السائل فقال: سل بكل لسانك ومبلغ علمك اجبك إن شاء الله تعالى بعلم لا تختلج فيه الشكوك، ولا تهيجه دنس ريب الزيغ، (6) ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال الرجل: كم بين المشرق والمغرب ؟ قال علي (عليه السلام): مسافة الهواء. قال الرجا: وما مسافة الهواء ؟ قال (عليه السلام): دوران الفلك، قال الرجل: وما دوران ألفلك ؟ قال (عليه السلام): مسير يوم للشمس قال: صدقت فمتى القيامة ؟ قال (عليه السلام): عند حضور المنية وبلوغ الاجل قال الرجل: صدقت فكم


(1) في المصدر: ولكن آية ذلك ما نبأتك به من لعنك (2) حبا الصبى: زحف على يديه وبطنه. (3) الاحتجاج: 139 (4) أي زجرهم. (5) في المصدر: فان العجلة والبطش والطيش لا يقوم به حجج الله (6) في المصدر: ولا يهيجنه دنس ريب الزيغ وفى نسخة: مريب للزيغ

[ 127 ]

عمر الدنيا ؟ قال (عليه السلام): يقال: سبعة آلاف ثم لا تحديد. (1) قال الرجل: صدقت فأين بكة من مكة ؟ قال علي (عليه السلام): مكة أكناف الحرم، وبكة موضع البيت. قال الرجل: صدقت فلم سميت مكة ؟ قال (عليه السلام): لان الله تعالى مك الارض من تحتها (2) قال: فلم سميت بكة ؟ قال علي (عليه السلام): لانها بكت رقاب الجبارين وأعناق المذنبين. قال: صدقت. قال: فأين كان الله قبل أن يخلق عرشه ؟ فقال (عليه السلام): سبحان من لا تدرك كنه صفته حملة العرش على قرب ربواتهم من كرسي كرامته، ولا الملائكه المقربون من أنوار سبحات جلاله، ويحك لا يقال: الله أين، ولافيم، ولا أي، ولاكيف. (3) قال الرجل: صدقت، فكم مقدار ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الارض والسماء ؟ قال علي (عليه السلام): أتحسن أن تحسب ؟ قال الرجل: نعم. قال للرجل لعلك لا تحسن أن تحسب. قال الرجل: بلى إني أحسن أن أحسب. قال علي (عليه السلام): أرأيت أن صب خردل في الارض حتى يسد الهواء وما بين الارض والسماء ثم أذن لك على ضعفك أن تنقله حبة حبة من مقدار المشرق إلى المغرب ومد في عمرك واعطيت القوة على ذلك حتى نقلته وأحصيته لكان ذلك أيسر من إحصاء عدد أعوام ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الله الارض والسماء، و إنما وصفت لك عشر (4) عشر العشير من جزء من مائة ألف جزء، وأستغفر الله عن (من خ) التقليل والتحديد. فحرك الرجل رأسه وأنشأ يقول:


(1) قوله: (يقال) ايعاز إلى عدم ارتضائه بذلك، ويمكن أيضا أن يكون السائل سأل عن ابتداء خلقة آدم (عليه السلام) إلى زمانه لا ابتداء تكون الارض ووجودها. هذا بالنسية إلى الابتداء، واما الانتهاء فقال: لا تحديد، أي لا نهاية، ولعله بالنسبة إلى نوع الدنيا لاأرضنا هذه بالخصوص. (2) في نسخة: مد الارض من تحتها. (3) في المصدر: ولا الملائكة من زاخررشحات جلاله، ويحك لا يقال: الله اين ولابم ولافيم ولا اين ولا كيف. (4) في نسخة: وانما وصفت لك منتقص عشر. وفى المصدر: وانما وصفت منقصة عشر عشر لعشر من جزء ا ه‍.

[ 128 ]

أنت أهل العلم يا هادي الهدى (1) * تجلو من الشك الغياهيبا حزت أقاصي العلوم فما (2) * تبصر أن غولبت مغلوبا لا تنثني عن كل اشكولة * تبدي إذا حلت أعاجيبا لله در العلم من صاحب * يطلب إنسانا ومطلوبا. (3) ايضاح: قال الجوهري: رجل ظرب مثال عتل: القصير اللحيم. أقول: المراد هنا اللحيم الغليظ. وقد رويناه بتغييرما في كتاب السماء والعالم في باب العوالم. 7 – نهج: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، فلانا بطرق السماء أعلم مني بطرق الارض، قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها، و تذهب بأحلام قومها. (4) بيان: قال ابن عبد البرقي الاستيعاب (5) وغيره: أجمع الناس كلهم على أنه لم يقل أحد من الصحابة ولا أحد من العلماء هذا الكلام. وقال ابن ميثم: كني بشغر رجلها عن خلو تلك الفتنة من مدبر. (6) قال الجوهري بلدة شاغرة برجلها: إذا لم تمنع من غارة أحد. وشغر البلد أي خلا من الناس. وقال ابن الاثير: شغر الكلب رفع إحدى رجليه ليبول وقيل: الشغر: البعد. وقيل الاتساع، ومنه حديث علي (عليه السلام): قبل أن تشغر برجلها فتنة. انتهى. (7)


(1) في نسخة: انت أصل العلم. وفى المصدر: أنت أصيل العلم يا ذا الهدى. وفى نسخة: يا صاحب الهدى. (2) في المصدر: حزت أقاصى كل علم فما. (3) ارشاد القلوب 2: 186 و 187. (4) نهج البلاغة: القسم الاول 387. (5) قال ابن عبد البر في الاستيعاب 3: 39: حدثنا قاسم، حدثنا عبد الوارث، حدثنا احمد بن زهير حدثنا مسلم بن ابراهيم، حدثنا شعبة عن أبى اسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن علقمة، عن عبد الله قال، كنا نتحدث أن أقضى اهل المدينة على بن أبى طالب، قال: احمد بن زهير: وأخبرنا ابراهيم بن بشار قال: حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: ما كان أحد من الناس يقول: سلونى غير على بن ابي طالب. (6) وقال بعض الشراح: الجملة كناية عن كثرة مداخل الفساد فيها. (7) باب الشين مع الغين.

[ 129 ]

وقوله (عليه السلام): (تطأ في خطامها) قال ابن ميثم: استعارة بوصف الناقة التي ارسلت خطامها وخلت عن القائد في طريقها فهي تخبط وتعثر وتطأ من لقيت من الناس على غير نظام من حالها. وتذهب بأحلام قومها، قال بعض الشارحين: أي يتحير أهل زمانها فلا يهتدون إلى طريق التخلص عنها: ويحتمل أن يريد أنهم يأتون إليها سراعا رغبة ورهبة من غير معرفة بكونها فتنة. با * (ب 9) * * (مناظرات الحسن والحسين صلوات الله عليهما واحتجاجاتهما) * 1 – ل: أبي، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، (1) عن محمد بن قيس، (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرهبة والناس عليه متراكمون فمن بين مستفت ومن بين مستعد إذ قام إليه رجل فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته: فنظر إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بعينيه هاتيك العظيمتين ثم قال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته من أنت ؟ فقال: أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك. قال: ما أنت من رعيتي ولا من أهل بلادي، ولو سلمت علي يوما واحدا ما خفيت علي. فقال: الامان يا أمير المؤمنين. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): هل أحدثت في مصري هذا حدثا منذ دخلته ؟ قال: لا. قال: فلعلك من رجال الحرب


(1) بضم الحاء مصغرا هو عاصم بن حميد الحناط الخنفى أبو الفضل مولى كوفى ثقة عين صدوق، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب، قاله النجاشي. وقال الكشى: مولى بنى حنيفة، مات بالكوفة. قلت: يروى عنه عدة من الاصحاب منهم: محمد بن عبد الحميد والسندى ابن محمد وعبد الرحمن بن ابى نجران وصفوان بن يحيى والنضر بن سعيد واحمد بن محمد بن ابى نصر ويونس بن عبد الرحمن والنضر بن سويد ومحمد بن الوليد ويحيى بن ابراهيم بن ابى البلاد وعبد الله بن جبلة والحسن بن على الوشاء وعلى بن الحكم وابن محبوب في جماعة كثيرين. وقال ابن حجر في التقريب ص 244: عاصم بن حميد الكوفى الحناط بمهملة ونون صدوق من السابعة. (2) هو محمد بن قيس البجلى أبو عبد الله الكوفى الثقة، روى عن ابى جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، له كتاب قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام)، روى عنه عاصم بن حميد الحناط ويوسف بن عقيل وعبيد ابنه.

[ 130 ]

قال: نعم. قال: إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس. قال: أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلا لك أسألك عن شئ بعث فيه ابن الاصفر وقال له: إن كنت أحق بهدا الامر والخليفة بعد محمد – (صلى الله عليه وآله) – فأجبني عما أسألك فإنك إذا فعلت ذلك اتبعتك وبعثت إليك بالجائزة، فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه ذلك، فبعثني إليك لاسألك عنها. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): قاتل الله ابن آكلة الاكباد ما أضله وأعماه ومن معه ! والله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوج بها، حكم الله بيني وبين هذه الامة، قطعوا رحمي، وأضاعوا أيامي، ودفعوا حقي، وصغرو اعظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي، علي بالحسن والحسين ومحمد، (1) فاحضروا، فقال: يا شامي هذان ابنا رسول الله وهذا ابني، فاسأل أيهم أحببت، فقال: أسأل ذا الوفرة يعني الحسن (عليه السلام) وكان صبيا، فقال له الحسن (عليه السلام). سلني عما بدالك. فقال الشامي: كم بين الحق والباطل ؟ وكم بين السماء والارض ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وما قوس قزح ؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين ؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين ؟ وما المؤنث ؟ (2) وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض. فقال الحسن بن علي عليهما السلام: بين الحق والباطل أربع أصابع، فما رأيته بعينك فهو الحق وقد تسمع باذنيك باطلا كثيرا. قال الشامي: صدقت. قال: وبين السماء والارض دعوة المظلوم ومد البصر، فمن قال لك غير هذا فكذبه. قال: صدقت يا ابن رسول الله. قال: وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس، تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وحين تغيب في مغربها. (3) قال الشامي: صدقت، فما قوس قزح ؟ قال: ويحك لا تقل: قوس قزح، فإن قزح اسم شيطان، وهو قوس الله وعلامة الخصب و أمان لاهل الارض من الغرق. وأما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها برهوت، وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها سلمى، وأما المؤنث فهو


(1) في الاحتجاج: يا قنبر على بالحسن والحسين ومحمد. (2) أي الذى يشبه المرأة في لينه وتكسر أعضائه. (3) في الاحتجاج: وتنظر إليها حين تغيب في مغربها.

[ 131 ]

الذي لا يدرى أذكر هو أو انثى، فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم، وإن كانت انثى حاضت وبداثديها، وإلا قيل له: بل على الحائط فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر، وإن انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة. وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض: فأشد شئ خلقه الله عزوجل الحجر، وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر، وأشد من الحديد النار تذيب الحديد، وأشد من النار الماء يطفئ النار، وأشد من الماء السحاب يحمل الماء، وأشد من السحاب الريح يحمل السحاب، وأشد من الريح الملك الذي يرسلها، وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك، وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت، وأشد من الموت أمر الله رب العالمين الذي يميت الموت. فقال الشامي: أشهد أنك ابن رسول الله حقا، وأن عليا أولى بالامر من معاوية، ثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية فبعثها معاوية إلى ابن الاصفر فكتب إليه ابن الاصفر: يا معاوية لم تكلمني بغير كلامك، وتحبيبني بغير جوابك ؟ اقسم بالمسيح ما هذا جوابك، وما هو إلا من معدن النبوة وموضع الرسالة، وأما أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك. (1) ضه، ج: مرسلا مثله. (2) بيان: سيأتي مثله بزيادة وتغيير في كتاب الفتن. قوله: (بعث فيه ابن الاصفر) أي ملك الروم، وإنما سمي الروم بنو الاصفر لان أبا هم الاول كان أصفر اللون، وهو روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم، كذا ذكره الجزري. (3) قوله (عليه السلام): (قطعوا رحمي) أي لم يراعوا الرحم التي بيني وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو بيني وبينهم، فالمراد به القريش والاول أظهر. قوله (عليه السلام): (وأضاعوا أيامي) أي ما صدر مني من الغزوات وغيرها ممد أيد


(1) الخصال 2: 56. (2) الاحتجاج: ص 143. (3) النهاية: باب الصاد مع الفاء.

[ 132 ]

الله به الدين ونصر به المسلمين، وما أظهر الله ورسوله من مناقبي، فكثيرا ما يطلق الايام ويراد بها الوقايع المشهورة الواقعة فيها، وقال المفسرون في قوله تعالى: (و ذكرهم بأيام الله) أي نعمه. وسيأتى في بعض الروايات: (وأصغوا إنائي) أي أما لوه لينصب ما فيه. والوفرة: الشعر المجتمع على الرأس، أو ما سال على الاذنين منه، أو ما جاوز شحمة الاذن. قوله: (وكان صبيا) أي حدث السن، فإنه (عليه السلام) كان في زمن خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) متجاوزا عن الثلاثين. قوله (عليه السلام) (فمن قال غير هذا فكذبه) أي لا يعلم أكثر الناس ولا يصلحهم أن يعلموا بغير هذا الوجه، فلا ينافي ما ورد من تحديده في بعض الاخبار لبعض المصالح وسيأتي في كتاب السماء والعالم، وسيأتي تفصيل أجزاء الخبر في مواضعها. 2 – فس: الحسين بن عبد الله السكيني، عن أبي سعيد البجلي، (1) عن عبد الملك بن هارون، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: لما بلغ ملك الروم أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعاوية واخبر أن رجلين قدخر جا يطلبان الملك فسأل من أين خرجا ؟ فقيل له: رجل بالكوفة ورجل بالشام، فأمر الملك وزراءه فقال: تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي، فاتي برجلين من تجار الشام، ورجلين من تجار مكة فسألهم من صفتهما، فوصفوهما له، ثم قال لخزان بيوت خزائنه: أخرجوا إلي الاصنام فأخرجوها فنظر إليها فقال: الشامي ضال، والكوفي هاد. ثم كتب إلى معاوية: أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك، وكتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك فأسمع منهما، ثم أنظر في الانجيل كتابنا ثم اخبركما من أحق بهذا الامر، وخشي على ملكه. فبعث معاوية يزيد ابنه، وبعث أمير المؤمنين (عليه السلام) الحسن (عليه السلام) ابنه، فلما دخل يزيد على الملك أخذ بيده فقبلها ثم قبل رأسه، ثم دخل عليه الحسن بن علي صلوات الله عليهما فقال: الحمدلله الذي لم يجعلني يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا، ولا عابد الشمس والقمر، ولا الصنم والبقر، وجعلني حنيفا مسلما ولم يجعلني من المشركين، تبارك الله


(1) لعله ثابت بن ابى ثابت عبد الله البجلى الكوفى المترجم في أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام من رجال الشيخ.

[ 133 ]

رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين، ثم جلس لا يرفع بصره، فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين أخرجهما ثم فرق بينهما ثم بعث إلى يزيد فأحضره، ثم أخرج من خزائنه ثلاثمائة وثلاث عشر صندوقا (1) فيها تماثيل الانبياء وقد زينت بزينة كل نبي مرسل، فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه، ثم عرض عليه صنما صنما فلا يعرف منهما شيئا ولا يجيب منها بشئ، ثم سأله عن أرزاق الخلائق، وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع ؟ وعن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا ؟ فلم يعرف من ذلك شيئا: ثم دعا الحسن بن علي (عليهما السلام) فقال: إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي بعلم أنك تعلم ما لا يعلم، ويعلم أبوك ما لا يعلم أبوه، فقدو صف أبوك وأبوه فنظرت في الانجيل فرأيت فيه محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) والوزير عليا، ونظرت في الاوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمد. فقال له الحسن (عليه السلام): سلني عما بدا لك مما تجده في الانجيل، وعما في التوراة، وعما في القرآن اخبرك به إن شاء الله تعالى، فدعا الملك بالاصنام، فأول صنم عرض عليه في صفة القمر فقال الحسن (عليه السلام): فهذه صفة آدم أبو البشر، ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس فقال الحسن (عليه السلام): هذه صفة حواء ام البشر، ثم عرض عليه آخر في صفة حسنة فقال: هذه صفة شيث بن آدم وكان أول من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة وأربعين عاما: (2) ثم عرض عليه صنم آخر فقال: هذه صفة نوح صاحب السفينة، وكان عمره ألفا وأربعمائة سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما: ثم عرض عليه صنم آخر فقال: هذه صفة إبراهيم عريض الصدر، طويل الجبهة، ثم اخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب، ثم اخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة إسماعيل، ثم اخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ثم اخرج صنم آخر فقال: هذه صفة موسى بن عمران، وكان عمره مائتين وأربعين سنة، وكان بينه وبين إبراهيم خمسمائة عام، ثم اخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة داود صاحب الحرب، ثم اخرج إليه صنم آخر فقال:


(1) في نسخة: مائة وثلاثة عشر صندوقا. (2) في نسخة: وأربعين يوما.

[ 134 ]

هذه صفة شعيب، ثم زكريا ثم يحيى ثم عيسى بن مريم روح الله وكلمته وكان عمره في الدنيا ثلاثة وثلاثون سنة، ثم رفعه الله إلى السماء، ويهبط إلى الارض بدمشق، وهو الذي يقتل الدجال، ثم عرض عليه صنم صنم فيخبر باسم نبي نبي، ثم عرض عليه الاوصياء والوزراء فكان يخبرهم باسم وصي وصي ووزير وزير، ثم عرض عليه أصنام بصفة الملوك فقال الحسن (عليه السلام): هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في القرآن، فلعلها من صفة الملوك. فقال الملك: أشهد عليكم يا أهل بيت محمد أنكم قد اعطيتم على الاولين والآخرين وعلم التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وألواح موسى، ثم عرض عليه صنم يلوح فلما نظر إليه (1) بكى بكاء شديدا فقال له الملك: ما يبكيك ؟ فقال: هذه صفة جدي محمد (صلى الله عليه وآله) كث اللحية، عريض الصدر، طويل العنق، عريض الجبهة، أقنى الانف، أفلج الاسنان، (2) حسن الوجه، قطط الشعر، طيب الريح، حسن الكلام، فصيح اللسان، كان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، بلغ عمره ثلاثا وستين سنة، ولم يخلف بعده إلا خاتم مكتوب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وكان يتختم في يمينه، وخلف سيفه ذو الفقار، وقضيبه، وجبة صوف وكساء صوف كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخطه حتى لحق بالله. فقال الملك: إنا نجد في الانجيل أنه يكون له ما يتصدق على سبطيه، فهل كان ذلك ؟ فقال له الحسن (عليه السلام): قد كان ذلك، فقال الملك: فبقي لكم ذلك ؟ فقال: لا، فقال الملك: لهذه أول فتنة هذه الامة عليها، ثم على ملك نبيكم واختيارهم على ذرية نبيهم، (3) منكم القائم بالحق، الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر. قال: ثم سأل الملك الحسن (عليه السلام): عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم، فقال الحسن (عليه السلام): أول هذا آدم، ثم حواء، ثم كبش


(1) في المصدر: فلما رآه الحسن (عليه السلام). (2) في نسخة وفى المصدر: أبلج الاسنان. وهو من أبلج الصبح: أضاء وأشرق. (3) في المصدر وفى نسخة مصححة: أول فتنة هذه الامة غلبهما أباكما وهما الاول والثانى على ملك نبيكم واختيار هذه الامة على ذرية نبيكم.

[ 135 ]

إبراهيم، ثم ناقة صالح (1) ثم إبليس الملعون ثم الحية، ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن. ثم سأله عن أرزاق الخلائق فقال الحسن (عليه السلام): أرزاق الخلائق في السماء الرابعة، تنزل بقدر، وتبسط بقدر، ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين يكونون إذا ماتوا ؟ قال: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة الجمعة، وهو عرش الله الادنى، منها يبسط الله الارض، وإليه يطويها، ومنها المحشر، (2) ومنها استوى ربنا إلى السماء، (3) والملائكة. ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع ؟ قال: تجتمع في وادي حضرموت (4) وراء مدينة اليمن، ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس، فيحشر أهل الجنة عن يمين الصخرة، ويزلف المتقين، (5) ويصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الارضين السابعة، وفيها الفلق والسجين، فيعرف الخلائق من عند الصخرة، فمن وجبت له الجنة دخلها، ومن وجبت له النار دخلها، وذلك قوله: (فريق في الجنة وفريق في السعير). فلما أخبر الحسن (عليه السلام) بصفة ما عرض عليه من الاصنام وتفسير ما سأله التفت الملك إلى يزيد بن معاوية وقال: أشعرت أن ذلك علم لا يعلمه إلا نبي مرسل، أو وصي موازر قد أكرمه الله بموازرة نبيه، أو عترة نبي معطفي ؟ وغيره المعادي فقد طبع الله على قلبه، وآثر دنياه على آخرته أو هواه على دينه، وهو من الظالمين. قال: فسكت يزيد وخمد، قال: فأحسن الملك جائزة الحسن (عليه السلام) وأكرمه وقال له: ادع ربك حتى يرزقني دين نبيك، فإن حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك، وأظنه شقاء مرديا (6) وعذابا أليما. قال: فرجع يزيد إلى معاوية وكتب إليه الملك: أنه يقال: من


(1) في نسخة: ناقة الله. (2) في نسخة: وإليه المحشر. (3) في المصدر: ومنها استوى ربنا إلى السماء، أي استولى على السماء والملائكة. (4) في نسخة: في وادى برهوت. (5) في المصدر: ويزلف الميعاد. (6) في نسخة: سما مرديا.

[ 136 ]

آتاه الله العلم (1) بعد نبيكم وحكم بالتوراة وما فيها والانجيل وما فيه والزبور وما فيه والفرقان وما فيه فالحق والخلافة له، وكتب إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام): أن الحق والخلافة لك، وبيت النبوة فيك وفي ولدك، فقاتل من قاتلك يعذبه الله بيدك، ثم يخلده الله نار جهنم، فإن من قاتلك نجده في الانجيل أن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وعليه لعنة أهل السماوات والارضين. (2) بيان: كث الشئ: أي كثف. والقنافي الانف طوله ودقة أرنبته (3) مع حدب في وسطه. والفلج بالتحريك: فرجة ما بين الثنايا والرباعيات. ويقال: جعد قطط أي شديدة الجعودة. ويقال: سرولته أي ألبسته السراويل فتسرول. قوله: ما يتصدق على سبطيه يعني فدكا. واستواء الرب من صخرة بيت المقدس إلى السماء كناية عن عروج الملائكة بأمره تعالى من ذلك الموضع إلى السماء لتسويتها. وسيأتي تفسير سائر أجزاء الخبر. 3 – د: كتب الحسن البصري (4) إلى الحسن بن علي عليهما السلام: أما بعد فأنتم أهل بيت النبوة، ومعدن الحكمة، وأن الله جعلكم الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يلجئ إليكم اللاجئ، ويعتصم بحبلكم الغالي، من اقتدى بكم اهتدى ونجا، ومن تخلف عنكم هلك وغوى، وإني كتبت إليك عند الحيرة واختلاف الامة في القدر، فتفضي إلينا ما أفضاه الله إليكم (5) أهل البيت فنأخذ به.


(1) في المصدر: أنه من آتاه الله العلم. (2) تفسير القمى: 595 – 599. وللخبر صدر وذيل تركهما. (3) الارنبة: طرف الانف. (4) هو الحسن بن أبى الحسن البصري واسم أبيه يسار وكان من فضلاء العامة والثقاة عندهم إلا انهم قالوا: كان يرسل كثيرا ويدلس ويروى عن جماعة لم يسمع منهم ويقول: حدثنا. وقال ابن أبى الحديد: وممن قيل عنه انه كان يبغض عليا ويذمه الحسن البصري روى عنه حماد بن سلمة أنه قال: لو كان على يأكل الحشف في المدينة لكان خيرا له مما دخل فيه. قلت: وقد وردت روايات كثيرة من طرقنا الخاصة على ذمه منها الخبر المذكور في المتن وما يأتي في الباب الاتى وقد ذكر الكشى في رجاله عن الفضل بن شاذان أنه كان يلقى أهل كل فرق بما يهوون، ويتضع للرياسة و كان رئيس القدرية. مات سنة 110 عن 89 سنة. (5) أفضى إليه: أعلمه به. وفى نسخة: فتقضى إلينا ما أقضاه الله إليكم. وهو مصحف. (*)

[ 137 ]

فكتب إليه الحسن بن علي (عليهما السلام): أما بعد فإنا أهل بيت كما ذكرت عند الله وعند أوليائه، فأما عندك وعند أصحابك فلو كنا كما ذكرت ما تقدمتمونا ولا استبدلتم بنا غيرنا، ولعمري لقد ضرب الله مثلكم في كتابه حيث يقول: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) هذا لاوليائك فيما سألوا ولكم فيما استبدلتم، ولولا ما اريد من الاحتجاج عليك وعلى أصحابك ما كتبت إليك بشئ مما نحن عليه، ولئن وصل كتابي إليك لتجدن الحجة عليك وعلى أصحابك مؤكدة، حيث يقول الله عزوجل: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) فاتبع ما كتبت إليك في القدر فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر، ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر، إن الله عزوجل لا يطاع بإكراه، ولا يعصى بغلبة، ولا يهمل العباد من الملكة، ولكنه المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم، فإن ائتمروا بالطاعة لن يكون عنها صادا مثبطا، وان ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها ولا كلفهم إياها جبرا، بل تمكينه إياهم وإعذاره إليهم طرقهم ومكنهم فجعل لهم السبيل إلى أخذ ما أمرهم به وترك مانهاهم عنه، ووضع التكليف عن أهل النقصان والزمانة والسلام. (1) 4 – ف: جوابه (عليه السلام) عن مسائل سأله عنها ملك الروم حين وفد إليه ويزيد بن معاوية في خبر طويل اختصرنا منه موضع الحاجة، سأله عن المجرة، وعن سبعة أشياء خلقها الله


(1) العدد القوية لم يطبع إلى الان، ومخطوطه ليس موجودا عندنا. وذكر نحوه ابن شعبة في تحف العقول: ص 231 مع اختصار واختلاف في الالفاظ، وفيه: والقادر على ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييرا ونهاهم تحذيرا، فان ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صادا، و ان انتهوا إلى معصية فشاء أن يمن عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل فليس هو الذى حملهم عليها جبرا ولا الزموها كرها، بل من عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم لا جبلا لهم على ما أمرهم فيكونوا كالملائكة، ولا جبرا لهم على ما نهاهم، ولله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم اجمعين، والسلام على من اتبع الهدى. وذكر نحوه الكراجكى في كنز الفوائد ص 170، راجعهما، وقد تقدمنا قبلا تفسير الحديث.

[ 138 ]

لم تخلق في رحم، فضحك الحسين (عليه السلام) فقال له: ما أضحكك ؟ قال: لانك سألتني عن أشياء ماهي من منتهى العلم إلا كالقذى في عرض البحر، أما المجرة فهي قوس الله، وسبعة أشياء لم تخلق في رحم فأولها آدم، ثم حواء، والغراب، وكبش إبراهيم، وناقة الله، وعصا موسى، والطير الذي خلقه عيسى بن مريم. ثم سأله عن أرزاق الخلائق، فقال: أرزاق العباد في السماء الرابعة ينزلها الله بقدر ويبسطها بقدر. ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تجتمع ؟ قال: تجتمع تحت صخرة بيت المقدس ليلة الجمعة، وهو عرش الله الادنى، منها بسط الارض، وإليها يطويها، ومنها استوى إلى السماء، وأما أرواح الكفار فتجتمع في دار الدنيا في حضرموت وراء مدينة اليمن، ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب بينهما (معهما ظ) ريحان، فيحشر ان الناس إلى تلك الصخرة في بيت المقدس فتحبس في يمين الصخرة، وتزلف الجنة للمتقين، وجهنم في يسار الصخرة في تخوم الارضين، وفيها الفلق وسجين، (1) فتفرق الخلائق من عند الصخرة في بيت المقدس، فمن وجبت له الجنة دخلها من عند الصخرة، ومن وجبت له النار دخلها من عند الصخرة. أقول: الظاهر أن هذا الخبر مختصر من الخبر السابق، وإنما اشتبه اسم أحد السبطين بالآخر صلوات الله عليهما وإن أمكن صدوره منهما جميعا. 5 – ما: جماعة، (2) عن أبي المفضل، عن ابن عقدة، عن محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الاشعري، عن علي بن حسان، (3) عن عبد الرحمن بن كثير، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: لما أجمع الحسن بن علي (عليهما السلام)


(1) في نسخة: (وسجيل) وهما بمعنى واحد قال الفيروز آبادى في القاموس: السجين كسكين موضع فيه كتاب الفجار، وواد في جهنم. أو حجر في الارض السابعة انتهى. وجاء في الحديث أن الفلق صدع في النار. وفى حديث آخر: جب في جهنم. وقد تقدم قبلا. (2) قد ذكرنا في مقدمتنا على الكتاب ص 63 أن العدة أو الجماعة عن أبى المفضل هم: الحسين بن عبيدالله الغضائري، وأحمد بن عبدون المعروف بابن حاشر، وأبو طالب بن عرفة، و أبو الحسن الصقال (الصفار) وأبو علي الحسن بن اسماعيل بن اشناس وغيرهم. (3) وصفه في المصدر بالواسطى.

[ 139 ]

على صلح معاوية خرج حتى لقيه فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا فصعد المنبر وأمر الحسن (عليه السلام) أن يقول أسفل منه بدرجة، ثم تكلم معاوية فقال: أيها الناس هذا الحسن بن علي وابن فاطمة رآنا للخلافة أهلا ولم يرنفسه لها أهلا، وقد أتانا ليبايع طوعا، ثم قال: قم يا حسن، فقام الحسن (عليه السلام) فخطب فقال: الحمدلله المستحمد بالآلاء وتتابع النعماء، وصارف الشدائد (1) والبلاء عند الفهماء وغير الفهماء المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه، وعلوه عن لحوق الاوهام ببقائه، المرتفع عن كنه طيات المخلوقين (2) من أن تحيط بمكنون غيبه رويات عقول الرائين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده في ربوبيته ووجوده ووحدانيته، صمد الا شريك له، فردا لا ظهير له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اصطفاه وانتجبه وارتضاه، وبعثه داعيا إلى الحق سراجا منيرا، وللعباد مما يخافون نذيرا، ولما يأملون بشيرا، فنصح للامة، وصدع بالرسالة، وأبان لهم درجات العمالة، شهادة عليها امات واحشر، وبها في الآجلة اقرب وأحبر. وأقول: معشر الخلائق فاسمعوا، ولكم أفئدة وأسماع فعوا، إنا أهل بيت أكرمنا الله بالاسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا والرجس هو الشك، فلا نشك في الله الحق ودينه أبدا، وطهرنا من كل أفن وغية مخلصين إلى آدم نعمة منه، لم يفترق الناس قط فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما، فأدت الامور وأفضت الدهور إلى أن بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) للنبوة، واختاره للرسالة، وأنزل عليه كتابا، ثم أمره بالدعاء إلى الله عزوجل فكان أبي (عليه السلام) أول من استجاب لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وآله)، وأول من آمن وصدق الله ورسوله، وقد قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) فرسول الله الذي على بينة من ربه، وأبي الذي يتلوه وهو شاهد منه، وقد قال له رسوله (صلى الله عليه وآله)


(1) في نسخه: وصارف (صوارف ظ) الشدائد. (2) في المصدر وكذا في نسخة: عن كنه ظنانة المخلوقين.

[ 140 ]

حين أمره أن يسير إلى مكة والموسم ببراءة: (سربها يا علي فإني امرت أن لا يسير بها إلا أنا أو رجل مني وأنت هو) (1) فعلي من رسول الله، ورسول الله منه، وقال له النبي حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب ومولاه زيد بن حارثة في ابنة حمزة: (أما أنت يا علي فمني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن من بعدي) فصدق أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سابقا ووقاه بنفسه. ثم لم يزل رسول الله في كل موطن يقدمه، ولكل شديد يرسله (2) ثقة منه به وطمأنينة إليه، لعلمه بنصيحة الله ورسوله، (3) وأنه أقرب المقربين من الله ورسوله، وقد قال الله عزوجل: (السابقون السابقون اولئك المقربون) فكان أبي سابق السابقين إلى الله تعالى وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله) وأقرب الاقربين، وقد قال الله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة) فأبي كان أولهم إسلاما وإيمانا، وأولهم إلى الله ورسوله هجرة ولحوقا، وأولهم على وجده (4) ووسعه نفقة، قال سبحانه: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) فالناس من جميع الامم يستغفرون له بسبقه إياهم إلى الايمان بنبيه (صلى الله عليه وآله)، وذلك أنه لم يسبقه إلى الايمان به أحد، وقد قال الله تعالى: (والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم بإحسان) فهو سابق جميع السابقين، فكما أن الله عزوجل فضل السابقين على المتخلفين والمتأخرين فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين وقد قال الله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله) فهو المجاهد في سبيل الله حقا، وفيه نزلت هذه الآية، وكان ممن استجاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عمه حمزة وجعفر ابن عمه، فقتلا شهيدين رضي


(1) في المصدر: وأنت هو يا على. (2) في نسخة: ولكل شديدة يرصده. (3) في المصدر: لعلمه بنصيحته لله ورسوله. (4) الوجد بالضم والكسر: الغنى القدرة.

[ 141 ]

الله عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجعل الله تعالى حمزة سيد الشهداء من بينهم، وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم وذلك لمكانهما من رسول الله (صلى الله عليه واله) ومنزلتهما وقرابتهما منه، وصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه، وكذلك جعل الله تعالى لنساء النبي (صلى الله عليه وآله) للمحسنة منهن أجرين، وللمسيئة منهن وزرين ضعفين لمكانهن من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجعل الصلاة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بألف صلاة في سائر المساجد إلا مسجد الحرام مسجد خليله إبراهيم (عليه السلام) بمكة، وذلك لمكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ربه، وفرض الله عزوجل الصلاة على نبيه (صلى الله عليه وآله) على كافة المؤمنين، فقالوا: يا رسول الله كيف الصلاة عليك ؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد فحق على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) فريضة واجبة وأحل الله تعالى خمس الغنيمة لرسوله (صلى الله عليه وآله) وأوجبها له في كتابه، وأوجب لنا من ذلك ما أوجب له، وحرم عليه الصدقة وحرمها علينا معه، فأدخلنا وله الحمد فيما أدخل فيه نبيه (صلى الله عليه وآله)، وأخرجنا ونزهنا مما أخرجه منه ونز هه عنه كرامة أكرمنا الله عزوجل بها، وفضيلة فضلنا بها على سائر العباد، فقال الله تعالى لمحمد صلى الله ليه وآله حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه: (فقل تعالوا ندع أبناء نا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فأخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الانفس معه أبي، ومن البنين أناو أخي، (1) ومن النساء امي فاطمة من الناس جميعا فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ونحن منه وهومنا، وقد قال الله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم تطهيرا) فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله أنا وأخي وامي وأبي فجللنا ونفسه في كساء لام سلمة خيبري، وذلك في حجرتها وفي يومها فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، وهؤلاء أهلي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت ام سلمة رضي الله عنها: أدخل معهم يا رسول الله ؟ قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يرحمك الله أنت على خيرو إلى خير أرضاني عنك ! ولكنها خاصة لي ولهم


(1) في المصدر: ومن البنين اياى وأخى.

[ 142 ]

ثم مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك بقية عمره حتى قبضه الله إليه، يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر فيقول: (الصلاة يرحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسد الابواب الشارعة في مسجده غير بابنا، فكلموه في ذلك فقال: أما إني لم أسد أبوابكم ولم أفتح باب علي من تلقاء نفسي، ولكني أتبع ما يوحى إلي، وإن الله أمر بسدها وفتح بابه، فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويولد فيه الا ولا دغير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) تكرمة من الله تبارك وتعالى لنا، وفضلا اختصنا به على جميعا الناس، وهذا باب أبي قرين باب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجده، ومنزلنا بين منازل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك أن الله أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يبني مسجده فبنى فيه عشرة أبيات تسعة لبنيه وأزواجه، وعاشرها وهو متوسطها لابي، وها هو بسبيل مقيم، والبيت هو المسجد المطهر وهو الذي قال الله تعالى: (أهل البيت) فنحن أهل البيت، ونحن الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا. أيها الناس إني لو قمت حولا فحولا أذكر الذي أعطانا الله عزوجل وخصنا به من الفضل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله لم احصه. وأنا ابن النبي النذير البشير والسراج المنير، الذي جعله الله رحمة للعالمين، وأبي علي (عليه السلام) ولي المؤمنين، وشبيه هارون. وإن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا، ولم أر نفسي لها أهلا، فكذب معاوية وأيم الله لانا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وآله غير أنا لمنزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين (1) منذ قبض رسول الله، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا، ونزل على رقابنا، وحمل الناس على أكتافنا، ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفئ والغنائم، ومنع امنا فاطمة عليها السلام إرثها من أبيها، إنا لا نسمي أحدا ولكن اقسم بالله قسما تأليا لو أن الناس سمعوا قول الله ورسوله لاعطتهم السماء قطرها، والارض بركتها، ولما اختلف في هذه الامة سيفان، ولاكلوها خضراء خضرة


(1) اضطهده: قهره وجار عليه. أذاه واضطره بسبب المذهب أو الدين.

[ 143 ]

إلى يوم القيامة، وإذا ما طمعت يا معاوية فيها، ولكنها لما اخرجت سالفا من معدنها وزحزحت عن قواعدها تنازعتها قريش بينها وترامتها كترامي الكرة حتى طمعت فيها أنت يا معاوية وأصحابك من بعدك. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما ولت امة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلالم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا) وقد تركت بنو إسرائيل وكانوا أصحاب موسى (عليه السلام) هارون أخاه وخليفته ووزيره، وعكفوا على العجل و أطاعوا فيه سامريهم، وهم يعلمون أنه خليفة موسى (عليه السلام)، وقد سمعت هذه الامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك لابي: (إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وقد رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نصبه لهم بغدير خم، وسمعوه ونادى له بالولاية ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب وقد خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذرا من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به، وهو يدعو هم لما لم يجد عليهم أعوانا ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم، وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث أصحابه فلم يغث ولم ينصر، ولو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم، وقد جعل في سعة كما جعل النبي (صلى الله عليه وآله) في سعة، وقد خذلتني الامة وبايعتك يا ابن حرب، ولو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك، وقد جعل الله عزوجل هارون في سعة حين استضعفوه قومه وعادوه، كذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الامة وبايعت غيرنا ولم نجد عليه أعوانا، وإنما هي السنن والامثال ينبع بعضها بعضا. أيها الناس إنكم لو التمستم بين المشرق والمغرب رجلا جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبو وصي رسول الله لم تجدوا غيري وغير أخي، فاتقوا الله ولا تضلوا بعد البيان، و كيف بكم وأنى ذلك منكم ؟ ألا وإني قد بايعت هذا وأشار بيده إلى معاوية وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. أيها الناس إنه لا يعاب أحد بترك حقه، وإنما يعاب أن يأخذ ما ليس له، وكل صواب نافع، وكل خطاء ضار لاهله، وقد كانت القضية ففهمها سليمان فنفعت سليمان ولم تضر داود عليهما السلام، فأما القرابة فقد نفعت المشرك


[ 144 ]

وهي والله للمؤمن أنفع، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمه أبي طالب وهو في الموت: قل: (لا إله إلا الله) أشفع لك بها يوم القيامة، ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له ويعد إلا ما يكون منه على يقين، وليس ذلك لاحد من الناس كلهم غير شيخنا – أعني أبا طالب – (1) يقول الله عزوجل: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار اولئك أعتدنا لهم عذابا أليما). أيها الناس اسمعوا وعوا واتقوا الله وراجعوا وهيهات منكم الرجعة إلى الحق وقد صار عكم النكوص وخامركم الطغيان (2) والجحود، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون، والسلام على من اتبع الهدى. قال: فقال معاوية: والله ما نزل الحسن حتى أظلمت علي الارض، وهممت أن أبطش به، (3) ثم علمت أن الاغضاء (4) أقرب إلى العافية. (5) بيان: الطية بالكسر: النية والقصد. والافن بالتحريك: ضعف الرأي. و بالفتح: النقص. والغية: الزنا. والتألي على التفعل: الحكم بالجزم، والحلف على الشئ. وزحزحته عن كذا أي باعدته عنه. قوله (عليه السلام): (وقد كانت القضية) لعل المراد بيان أن الاوصياء والانبياء وعترتهم عليهم السلام ليسوا كسائر الخلق في أحوالهم كما أن عدم إصابة داود (عليه السلام) القضية لمصلحة لم يضره، ومن سائر الخلق الخطاء


(1) ذلك الزام عليهم لانهم كانوا قائلين بكفره، وإلا فالشيعة الا مامية شيد الله بنيانهم على أن أبا طالب رضى الله عنه كان مؤمنا بالنبي (صلى الله عليه وآله) يكتم ايمانه، وكان يحميه بنفسه وولده وماله، ويدافع عنه، ويؤثره على نفسه وأهله، ويستدلون على ذلك بسيرته وبما يو عز إليه في أشعاره من الايمان بالله وباليوم الاخر وبالنبى (صلى الله عليه وآله)، وبما ورد في صحاح الاخبار ومسانيدها من أئمة أهل البيت عليهم أفضل التحيات والسلام وغيرهم في ذلك، ووافق الشيعة في ذلك الزيدية وعدة من أهل السنة، وصنف في ذلك جماعة منهم: السيوطي صنف (بغية الطالب في ايمان ابى طالب) والسيد أحمد زينى دحلان صنف (اسنى المطالب في نجاة أبى طالب) ولا صحابنا في ذلك قديما وحديثا أكثر من اربعين كتابا، ولعلنا نشير إلى ذلك ونبذة من أشعارة في محله إن شاء الله. (2) خامر القلب: داخل. وخامر الشئ الاخر: خالطه. خامره الداء: دخل جوفه. (3) بطش به: فتك به وأخذ بصولة وشدة. (4) أغضى على الامر: سكت وصبر. (5) امالي ابن الشيخ: 10 – 14.

[ 145 ]

ضار. وقضية أبي طالب (عليه السلام) لعلها إلزام على العامة القائلين بكونه كافرا، وأما التوبة فقد مضى القول فيها. والنكوص: الاحجام عن الشئ. ونكص: رجع. والمخامرة: المخالطة. أقول: سيأتي سائر احتجاجاتهما صلوات الله عليهما في أبواب تاريخهما، و كتاب الفتن، وإنما أوردنا ههنا قليلا منها. * (باب 10) * * (مناظرات على بن الحسين عليهما السلام واحتجاجاته) * 1 – ج: عن أبي حمزة الثمالي قال: دخل قاض من قضاة الكوفة على علي بن الحسين عليهما السلام فقال له: جعلني الله فداك أخبرني عن قول الله عزوجل: (وجعلنا بينه وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) قال له: ما يقول الناس فيها قبلكم بالعراق ؟ قال: يقولون: إنها مكة. فقال: وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكة ؟ قال: فما هو ؟ قال: إنما عنى الرجال. قال: وأين ذلك في كتاب الله ؟ فقال: أو ما تسمع إلى قوله تعالى: (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله) وقال: (وتلك القرى أهلكناهم) وقال: (اسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) فليسأل القرية (1) أو الرجال أو العير، قال: وتلا (عليه السلام) آيات في هذا المعنى، قال: جعلت فداك فمن هم ؟ قال (عليه السلام): نحن هم، وقوله: (2) (سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) قال: آمنين من الزيغ. (3) بيان: هذا أحد بطون الآية الكريمة، فالمراد بالقرى التي باركنا فيها الائمة عليهم السلام إما بتأويل أهل القرى، أو كني عنهم بها لانهم مجمع العلوم، كما قال النبي (صلى الله عليه وآله) (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وبالقرى الظاهرة سفراؤهم وخواص. أصحابهم الذين


(1) في نسخة: فيسأل وفى المصدر: أفيسأل. (2) في المصدر: فقال: أو ما تسمع إلى قوله اه‍. (3) الاحتجاج: ص 171.

[ 146 ]

يوصلون علومهم إلى من دونهم كما صرح به في بعض الاخبار، وروي في بعضها أن سير الشيعة آمنين في زمن القائم عجل الله فرجه. 2 – ج: وروي أن زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام مر على الحسن البصري وهو يعظ الناس بمنى فوقف عليه ثم قال: امسك أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم، أترضاها لنفسك فيما بينك وبين الله للموت إذا نزل بك غدا ؟ قال: لا، قال: أفتحدث نفسك بالتحول والانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها ؟ قال: فأطرق مليا ثم قال: إني أقول ذلك بلا حقيقة، قال: أفترجو نبيا بعد محمد يكون لك معه سابقة ؟ قال: لا. قال أفترجو دارا غير الدار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها ؟ قال: لا، قال: أفرأيت أحدا به مسكة عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا ؟ إنك على حال لا ترضاها، ولا تحدث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة، ولا ترجو نبيا بعد محمد، ولا دارا غير الدار التي أنت فيها فترد إليها فتعمل فيها، وأنت تعظ الناس ! وفي رواية اخرى: فلم تشغل الناس عن الفعل و أنت تعظ الناس ؟ قال: فلما ولى (عليه السلام) قال الحسن: منهذا ؟ قالوا: علي بن الحسين عليهما السلام، قال: أهل بيت علم. فما رئي الحسن بعد ذلك يعظ الناس. (1) 3 – أقول: وروى السيد المرتضى رحمه الله في كتاب الفصول عن الشيخ (2) بإسناده قال: سأل رجل علي بن الحسين عليهما السلام فقال له: أخبرني يا ابن رسول الله بماذا فضلتم الناس جميعا وسدتموهم ؟ فقال له (2): أنا اخبرك بذلك، اعلم أن الناس كلهم لا يخلون من أن يكونوا أحد ثلاثة: إما رجل أسلم على يد جدنا رسول الله فهو مولانا ونحن ساداته وإلينا يرجع بالولاء، أو رجل قاتلنا فقتلناه فمضى إلى النار، أو رجل أخذنا منه الجزية عن يد وهو صاغر، ولا رابع للقوم، فأي فضل لم نحزه وشرف لم نحصله بذلك ؟. (3)


(1) الاحتجاج: ص 171. وهو خال عن قوله: (وفى رواية) إلى قوله: (تعظ الناس). (2) أي الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان قدس سره. (3) الفصول المختارة: ص 6.

[ 147 ]

* (باب 11) * * (نادر في احتجاج أهل زمانه على المخالفين) * 1 – كنز الكراجكى: قال الشعبي: (1) كنت بواسط وكان يوم أضحى فحضرت صلاة العيد مع الحجاج فخطب خطبة بليغة، فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته فوجدته جالسا مستوفزا، قال: يا شعبي هذا يوم أضحى وقد أردت أن اضحي فيه برجل من أهل العراق، وأحببت أن تستمع قوله، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به، فقلت: أيها الامير أو ترى أن تستن (2) بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتضحي بما أمر أن يضحى به وتفعل مثل فعله وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره ؟ فقال: يا شعبي إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه، لكذبه على الله وعلى رسوله وإدخال الشبهة في الاسلام، قلت: أفيرى الامير أن يعفيني من ذلك ؟ قال: لابد منه، ثم أمر بنطع فبسط، وبالسياف فاحضر، وقال: احضر والشيخ، فأتوا به فإذا هو يحيى بن يعمر (3) فاغتممت غما شديدا، وقلت في نفسي: وأي شئ بقوله يحيى مما يوجب قتله.


(1) بفتح الشين وسكون العين نسبة إلى شعب: بطن من حمير، وهو شعب بن عمر وبن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميع بن حمير، وعدادهم في همدان، والرجل هو أبو عمر وعامر بن شراحيل الشعبى من أهل الكوفة من كبار التابعين وفقهائهم، روى عن خمس ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، مولده سنة عشرين، وقيل: سنة إحدى وثلاثين، ومات سنة تسع ومائة، وقيل: سنة خمس، وقيل: سنة أربع ومائة. ترجمه الشيخ في رجال أمير المؤمنين (عليه السلام)، وترجمه العامة في كتبهم وبالغوا في الاطراء عليه، قال ابن حجر في التقريب ص 247: ثقة مشهور فقيه فاضل من الثالثة، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين. (2) في المصدر: لو أن تستن اه‍. (3) قال ابن حجر في التقريب ص 556: يحيى بن يعمر بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة البصري نزيل مرو وقاضيها ثقة فصيح، وكان يرسل، من الثالثة، مات قبل المائة وقيل بعدها.

[ 148 ]

فقال له الحجاج: أنت تزعم أنك زعيم العراق ؟ قال يحيى: أنا فقيه من فقهاء العراق، قال: فمن أي فقهك ؟ زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله ! قال ما أنا زاعم ذلك، بل قائله بحق، قال: وبأي حق قلته ؟ قال: بكتاب الله عزوجل، فنظر إلي الحجاج وقال: اسمع ما يقول، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه، أتعرف أنت في كتاب الله عزوجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فجعلت افكر في ذلك، فلم أجد في القرآن شيئا يدل على ذلك، وفكر الحجاج مليا ثم قال ليحيى: لعلك تريد قول الله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناء كم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) وأن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن و الحسين ؟ قال الشعبي: فكأنما اهدي إلى قلبي سرورا وقلت في نفسي: قد خلص يحيى، وكان الحجاج حافظا للقرآن، فقال له يحيى: والله إنها لحجة في ذلك بليغة، ولكن ليس منها أحتج لما قلت، فاصفر وجه الحجاج وأطرق مليا ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال له: إن أنت جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة ألف درهم وإن لم تأت بها فأنا في حل من دمك، قال: نعم. قال الشعبي: فغمني قوله، وقلت: أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه ؟ فإن جاءه بعد هذا بشئ لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل به حجته لئلا يقال أنه قد علم ما قد جهله هو، فقال يحيى للحجاج: قول الله تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان) من عنى بذلك ؟ قال الحجاج: إبراهيم (عليه السلام)، قال: فداود وسليمان من ذريته ؟ قال: نعم، قال يحيى: ومن نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟ فقرأ الحجاج (وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين) قال يحيى: ومن ؟ قال: (وزكريا ويحيى وعيسى) قال يحيى: ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم (عليه السلام) ولا أب له ؟ قال: من امه مريم عليها السلام، قال يحيى: فمن أقرب: مريم من إبراهيم (عليه السلام) أم فاطمة من محمد (صلى الله عليه وآله) ؟ وعيسى من إبراهيم، والحسن والحسين عليهما السلام من رسول الله


[ 149 ]

(صلى الله عليه وآله) ؟ قال الشعبي: فكأنما ألقمه حجرا، (1) فقال: أطلقوه قبحه الله، وادفعوا إليه عشرة ألف درهم لا بارك الله له فيها. ثم أقبل علي فقال: قد كان رأيك صوابا ولكنا أبيناه، ودعا بجزور فنحره وقام فدعا بالطعام فأكل وأكلنا معه، وما تكلم بكلمة حتى انصرفنا ولم يزل مما احتج به يحيى بن يعمر واجما. (2) بيان: قال الجوهري: استوفز في قعدته: إذا قعد قعودا منتصبا غير مطمئن. وفي القاموس: وجم كوعد وجما ووجوما: سكت على غيظ. والشئ: كرهه. (3) * (باب 12) * * (مناظرات محمد بن على الباقرو احتجاجاته (عليه السلام)) * 1 – فس: حدثني أبي، عن إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن عبد الله الثقفي قال أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام من المدينة إلى الشام، وكان ينزله معه، فكان يقعد مع الناس في مجالسهم، فبينا هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك فقال: ما لهؤلاء القوم ؟ ألهم عيد اليوم ؟ قالوا لا يا ابن رسول الله، ولكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم فيخرجونه ويسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم، قال أبو جعفر: وله علم ؟ فقالوا: من أعلم الناس، قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى (عليه السلام)، قال: فهلم أن نذهب إليه، (4) فقالوا: ذلك إليك يا ابن رسول الله، قال فقنع أبو جعفر رأسه بثوبه ومضى هو وأصحابه فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل، قال: فقعد أبو جعفر وسط النصارى هو وأصحابه، فأخرج النصارى بساطا ثم وضعوا الوسائد، ثم دخلوا فأخرجوا ثم ربطوا عينيه فقلب عينيه (5) كأنهما عينا أفعي، ثم قصد نحو أبي جعفر (عليه السلام) (6) فقال له


(1) مثل يضرب لمن تكلم فاجيب بمسكتة. (2) كنز الفوائد: ص 167. (3) القاموس المحيط: فصل الواو من الميم. (4) في المصدر: فهلم نذهب إليه. (5) في نسخة: وربطوا عينه فقليب عينيه اه‍. (6) في نسخة: ثم قصد قصد أبى جعفر (عليه السلام).

[ 150 ]

أسنا أنت أو من الامة المرحومة ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): من الامة المرحومة، قال: أفمن علمائهم أنت أو من جهالهم ؟ قال: لست من جهالهم، قال النصراني أسألك أو تسألني ؟ قال أبو جعفر (عليه السلام): سلني (1) فقال: يا معشر النصارى رجل من امة محمد يقول: سلني ! إن هذا لعالم بالمسائل. ثم قال: يا عبد الله أخبرني عن ساعة ماهي من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي ؟ قال أبو جعفر (عليه السلام): ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، قال النصراني: فإذا لم يكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): من ساعات الجنة وفيها تفيق مرضانا، فقال النصراني: أصبت، فأسألك أو تسألني ؟ قال أبو جعفر (عليه السلام): سلني، قال: يا معاشر النصارى إن هذا لملي بالمسائل أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون أعطني مثله في الدنيا، فقال أبو جعفر (عليه السلام): هو هذا الجنين في بطن امه يأكل مما تأكل امه ولا يتغوط، قال النصراني: أصبت، ألم تقل: ما أنا من علمائهم ؟ قال أبو جعفر (عليه السلام): إنما قلت لك: ما أنا من جهالهم، قال النصراني: فأسألك أو تسألني ؟ (2) قال: يا معشر النصارى والله لاسألنه يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل، فقال: اسأل، قال: أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت بابنين جميعا، حملتمها في ساعة واحدة (3) وما تا في ساعة واحدة، ودفنا في ساعة واحدة في قبر واحد، فعاش أحدهما خمسين ومائة سنة، وعاش الآخر خمسين سنة، من هما ؟ قال أبو جعفر (عليه السلام). هما عزير وعزره، كان حمل امهما ما وصفت، (4) ووضعتهما على ما وصفت، وعاش عزره وعزير، فعاش عزره وعزير ثلاثين سنة، (5) ثم أمات الله عزيرا مائة سنة و


(1) في نسخة: تسألني. (2) في المصدر هنا زيادة وهى هكذا: قال أبو جعفر (عليه السلام): سلنى. (3) في المصدر هنا زيادة وهى هكذا: وولدتهما في ساعة واحدة. (4) في المصدر: كان حمل امهما على ما وصفت. (5) في نسخة: فعاش عزره مع عزير ثلاثين سنة.

[ 151 ]

بقي عزره يحيا، (1) ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزره عشرين سنة. قال النصراني يا معشر النصارى ما رأيت أحدا قط أعلم من هذا الرجل، لا تسألوني عن حرف و هذا بالشام، ردوني، (2) فردوه إلى كهفه ورجع النصارى مع أبي جعفر (عليه السلام). (3) بيان: قوله: (وربطوا عينيه) أي قد كانوا ربطوهما قبل أن يخرجوه، فلما حلوا الرباط قلبهما ونظر إليهم، ويحتمل أن يكونوا ربطوا جفني عينيه العلياوين إلى فوق ليتمكن من النظر من كثرة الكبر. (4) ويقال: رطمه: إذا أدخله في أمر لا يخرج منه فارتطم. والوحل: الطين. 2 – ير: محمد بن الحسين، عن البزنطي، عن عبد الكريم، عن محمد بن مسلم قال دخلت أنا وأبو جعفر (عليه السلام) مسجد الحرام فإذا طاوس اليماني (5) يقول لاصحابه: تدرون متى قتل نصف الناس ؟ فسمعه أبو جعفر (عليه السلام) يقول: نصف الناس، قال: إنما هو ربع الناس، إنما هو آدم، وحواء، وقابيل، وهابيل، قال: صدقت يا ابن رسول الله، قال: أتدري ما صنع بالقاتل ؟ قال: لا، قال محمد بن مسلم: قلت في نفسي هذه والله مسألة قال: فغدوت إليه في منزله فلبس ثيابه واسرج له قال: فبدأني بالحديث قبل أن أسأله فقال: يا محمد بن مسلم إن بالهند أو بتلقاء الهند رجل يلبس المسوح مغلولة يده إلى عنقه، موكل به عشرة رهط، تفني الناس ولا يفنون، كلما ذهب واحد جعل مكانه آخر يدور مع الشمس حيث ما دارت، يعذب بحر الشمس وزمهرير البرد حتى تقوم الساعة


(1) في نسخة: وبقى عزره حيا. وفى المصدر هكذا: ووضعتهما على ما وصفت، وعاش عزره و عزير ثلاثين سنة، ثم أمات الله عزيرا مائة سنة وبقى عزره حيا. (2) في نسخة: ردوني إلى كهفي. (3) تفسير القمى 89. وأخرجه الكليني بالاسناد في كتاب الروضة: ص 122. (4) أو ربطوا حاجبيه. (5) هو طاوس بن كيسان اليماني أبو عبد الرحمن الحميرى مولاهم الفارسى، يقال: اسمه ذكوان، وطاوس لقب، كان من فقهاء العامة وفضلائهم، أورده الشيخ في رجاله في أصحاب الامام السجاد (عليه السلام)، وترجمه ابن حجر في التقريب ص 241 وقال: ثقة فقيه فاضل من الثالثة، مات سنة 106 وقيل: بعد ذلك.

[ 152 ]

قال: وقلت: ومن ذا جعلني الله فداك ؟ قال: ذاك قابيل. (1) 3 – يج: روي عن الصادق (عليه السلام) أن عبد الملك بن مروان كتب إلى عامله بالمدينة في رواية هشام بن عبد الملك -: أن وجه إلي محمد بن علي، فخرج أبي و أخرجني معه فمضينا حتى أتينا مدين شعيب، فإذا نحن بدير عظيم وعلى بابه أقوام عليهم ثياب صوف خشنة، فألبسني والدي ولبس ثيابا خشنة، فأخذ بيدي حتى جئنا وجلسنا عند القوم فدخلنا مع القوم الدير، فرأينا شيخا قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فنظر إلينا فقال لابي: أنت منا أم من هذه الامة المرحومة ؟ قال: لابل من هذه الامة المرحومة، قال: عن علمائها أو من جهالها ؟ قال أبي: من علمائها، قال: أسألك عن مسألة ؟ قال: سل، (2) قال: أخبرني عن أهل الجنة إذا دخلوها وأكلوا من نعيمها (3) هل ينقص من ذلك شئ ؟ قال: لا، قال الشيخ: ما نظيره ؟ قال أبي: أليس التوراة والانجيل والزبور والفرقان يؤخذ منها ولا ينقص منها شئ ؟ قال: أنت من علمائها. ثم قال: أهل الجنة هل يحتاجون إلى البول والغائط ؟ قال أبي: لا، قال وما نظير ذلك ؟ قال أبي: أليس الجنين في بطن امه يأكل ويشرب ولا يبول ولا يتغوط ؟ (4) قال: صدقت. قال: وسأل عن مسائل فأجاب أبي. (5) ثم قال الشيخ: أخبرني عن توأمين ولدا في ساعة، وماتا في ساعة، (6) عاش أحدهما مائة وخمسين سنة، وعاش الآخر خمسين سنة، من كانا ؟ وكيف قصتهما ؟ قال أبي: هما عزير وعزره، أكرم الله تعالى عزيرا بالنبوة عشرين سنة، وأماته مائة سنة، ثم أحياه فعاش بعده ثلاثين سنة، وماتا في ساعة واحدة، فخر الشيخ مغشيا عليه، فقال: فقام أبي وخرجنا من الدير، فخرج إلينا جماعة من الدير وقالوا: يدعوك


(1) بصائر الدرجات: 147، وأخرج نحوه الطبرسي في الاحتجاج ص 177 والراوندي في قصصه، وتأتى صورة مفصلة منه عن المناقب تحت رقم 6. (2) في المصدر: سل ما شئت. (3) في نسخة: واكلوا من نعمتها. (4) في المصدر: أو قال: يتغذى ولا يبول ولا يتغوط. (5) في المصدر: وسأل عن مسائل كثيرة فأجاب أبى عنها. (6) في المصدر: ولدا في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة.

[ 153 ]

شيخنا فقال أبي: مالي بشيخكم من حاجة، فإن كان له عندنا حاجة فليقصدنا، فرجعوا ثم جاؤوا به واجلس بين يدي أبي فقال: ما اسمك ؟ قال (عليه السلام): محمد، قال: أنت محمد النبي ؟ قال لا أنا ابن بنته ؟ قال: ما اسم امك ؟ قال: امي فاطمة، قال: من كان أبوك ؟ قال: اسمه علي، قال: أنت ابن إليا بالعبرانية وعلي بالعربية ؟ قال: نعم، قال: ابن شبر أو شبير ؟ قال: إني ابن شبير، قال الشيخ: أشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن جدك محمدا – (صلى الله عليه وآله) – رسول الله. ثم ارتحلنا حتى أتينا عبد الملك، فنزل من سريره واستقبل أبي وقال: عرضت لي مسألة لم يعرفها العلماء فأخبرني إذا قتلت هذه الامة إمامها المفروض طاعته عليهم أي عبرة يريهم الله في ذلك اليوم ؟ قال أبي: إذا كان كذلك لا يرفعون حجرا إلا ويرون تحته دما عبيطا، فقبل عبد الملك رأس أبي وقال: صدقت، إن في يوم قتل فيه أبوك علي بن أبي طالب (عليه السلام) (1) كان على باب أبي مروان حجر عظيم فأمر أن يرفعوه فرأينا تحته دما عبيطا يغلي، وكان لي أيضا حوض كبير في بستاني وكان حافته حجارة سوداء فأمرت أن ترفع ويوضع مكانها حجارة بيض، وكان في ذلك اليوم قتل الحسين (عليه السلام) فرأيت دما عبيطا يغلي تحتها أتقيم عندنا ولك من الكرامة ما تشاء أم ترجع ؟ قال أبي: بل أرجع إلى قبر جدي، فأذن له بالانصراف، فبعث قبل خروجنا بريدا يأمر أهل كل منزل أن لا يطعمونا شيئا ولا يمكنونا من النزول في بلد حتى نموت جوعا، فكلما بلغنا منزلا طردونا وفنى زادنا حتى أتينا مدين شعيب، وقد اغلق بابه فصعد أبي جبلا هناك مطلا على البلد أو مكانا مر تفعا عليه فقرأ: (2) (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أربكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط * ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوافي الارض مفسدين بقيت الله خير لكم إن كنتم


(1) في المصدر: ان في يوم قتل فيه ابوك الحسين (على بن ابى طالب) (عليه السلام). ولعل الصحيح: وعلى بن ابى طالب (عليه السلام) (2) في المصدر: مطلا على البلد فقرأ اه‍. قلت أطل عليه أي أشرف.

[ 154 ]

مؤمنين) ثم رفع صوته وقال: والله أنا بقية الله، فأخبروا الشيخ بقدومنا وأحوالنا فحملوه إلى أبي وكان لهم معهم من الطعام كثير فأحسن ضيافتنا، فأمر الوالي بتقييد الشيخ فقيدوه ليحملوه إلى عبد الملك لانه خالف أمره، قال الصادق (عليه السلام): فاغتممت لذلك وبكيت، فقال والدي: ولا بأس من عبد الملك بالشيخ ولا يصل إليه فإنه يتوفى أول منزل ينزله، وارتحلنا حتى رجعنا إلى المدينة بجهد (1) 4 – كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت جالسا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أقبل رجل فسلم فقال: من أنت يا عبد الله ؟ فقلت: رجل من أهل الكوفة، فقلت: فما حاجتك ؟ فقال لي: أتعرف أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) ؟ قلت: نعم، قال: فما حاجتك إليه ؟ فقال: هيأت له أربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حق أخذته، وما كان من باطل تركته، قال أبو حمزة: فقلت: هل تعرف ما بين الحق والباطل ؟ فقال: نعم، فقلت له: فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل ؟ فقال لي: يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون، إذا رأيت أبا جعفر (عليه السلام) فأخبرني، فما انقطع كلامه (2) حتى أقبل أبو جعفر (عليه السلام) وحوله أهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج، فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريبا منه قال أبو حمزة: فجلست بحيث أسمع الكلام وحوله عالم من الناس، فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت إلى الرجل فقال له: من أنت ؟ فقال: أنا قتادة بن دعامة البصري، (3) فقال له أبو جعفر (عليه السلام): أنت فقيه أهل البصرة ؟ قال: نعم، فقال له أبو جعفر


(1) الخرائج: ص 197، وفيه: بجهد عظيم وقد أخرج الكليني حديث وروده الشام على عبد الملك واحتجاجه معه، وما وقع بينه وبين أهل مدين في اصول الكافي في باب مولده (عليه السلام). (2) في المصدر: فما انقطع كلامي معه (3) بكسر الدال هو أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيزبن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن على بن بكر بن وائل السدوسى البصري التابعي، من عظماء العامة وأجلاء علمائهم وحفاظهم، له ترجمة في تراجم العامة مشفوعا بالاطراء والتبجيل، قال النووي في تهذيب الاسماء 2 ص 56: ولد أعمى، سمع أنس بن مالك وعبد الله بن =

[ 155 ]

(عليه السلام): ويحك يا قتادة إن الله تعالى خلق خلقا من خلقه، فجعلهم حججا على خلقه، وهم أوتاد في أرضه، قوام بأمره، نجباء في علمه، أصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه. قال: فسكت قتادة طويلا ثم قال: أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضظرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قد امك ! فقال أبو جعفر (عليه السلام): أتدري أين أنت ؟ بين يدي (1) بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الطلاة وإيتاء الزكاة، فأنت ثم، ونحن اولئك، فقال قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك، والله ماهي بيوت حجارة ولا طين قال قتادة: فأخبرني عن الجبن، فتبسم أبو جعفر (عليه السلام) وقال: رجعت مسائلك إلى هذا ؟ قال: ضلت عني فقال: لا بأس به، فقال: إنه ربما جعلت فيه أنفحة الميت، قال: ليس بها بأس إن الانفحة ليست لها عروق ولا فيها دم ولالها عظم، إنما تخرج من بين فرث ودم، ثم قال: وإنما الا نفحة بمنزلة دجاجة ميتة خرجت منها بيضة، فهل تأكل تلك البيضة ؟ فقال القتادة: لا ولا آمر بأكلها، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): ولم ؟ قال: لانها من الميتة، قال له: فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها ؟ قال: نعم، قال: فما حرم عليك البيضة وأحل لك الدجاجة ؟ ثم قال: فكذلك الانفحة مثل البيضة، فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدى المصلين ولا تسأل عنه إلا أن يأتيك من يخبرك عنه (2)


= سرجس وأبا الطفيل وابن المسيب وأبا عثمان النهدي والحسن وابن سيرين وعكرمة وزرارة بن أو في والشعبى وخلائق غيرهم من التابعين، روى عنه جماعة من التابعين منهم: سليمان التيمى وحميد الطويل والاعمش وأيوب، وخلائق من تابعي التابعين منهم: مطر الوراق وجرير بن حازم وشعبة والاوزاعي وغيرهم، وأجمعوا على جلالته وحفظه واتقانه وفضله ثم ذكر كلام أعلام السنة في توثيقه وحفظه وإكباره ومعرفته بالتفسير وفقهه وغيره، وقال: توفى سنة سبع عشرة، وقيل: ثمان عشرة ومائة وهو ابن ست وخمسين، وقيل: سنة خمس وخمسين (1) في المصدر: أتدرى أين أنت ؟ أنت بين يدى (2) الفروع: ج 2 ص 154

[ 156 ]

5 – شى: عن محمد بن هاشم، عمن أخبره، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال له الابرش الكلبي: بلغني أنك قلت في قول الله (يوم تبدل الارض) إنها تبدل خبزة، فقال أبو جعفر (عليه السلام) صدقوا، تبدل الارض خبزة نقيه في الموقف يأكلون منها، فضحك الابرش، وقال: أما لهم شغل بماهم فيه عن أكل الخبز ؟ ! فقال: ويحك في أي المنزلتين هم أشد شغلا وأسوأ حالا، إذا هم في الموقف أو في النار يعذبون ؟ فقال: لا في النار، فقال: ويحك وإن الله يقول: لآكلون من شجر من زقوم * فمالؤن منها البطون * فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم) قال: فسكت وفي خبر آخر عنه فقال: وهم في النار لا يشغلون عن أكل الضريع وشرب الحميم وهم في العذاب، كيف يشغلون عنه في الحساب ؟. (1) 6 – قب: سأل طاوس اليماني الباقر (عليه السلام): متى هلك ثلث الناس ؟ فقال (عليه السلام) يا أبا عبد الرحمن لم يمت ثلث الناس قط، يا شيخ أردت أن تقول: متى هلك ربع الناس ؟ وذلك يوم قتل قابيل هابيل، كانوا أربعة: آدم، وحواء، وهابيل، وقابيل، فهلك ربعهم، قال: فأيهما كان أبا الناس ؟ القاتل أو المقتول ؟ قال: لا واحد منهما، أبوهم شيث. وسأله عن شئ قليله حلال وكثيرة حرام في القرآن، قال: نهر طالوت إلا من اغترف غرفة بيده وعن صلاة مفروضة بغير وضوء، وصوم لا يحجز عن أكل وشرب فقال (عليه السلام): الصلاة على النبي، والصوم قوله تعالى: (إني نذرت للرحمن صوما) وعن شئ يزيد وينقص، فقال (عليه السلام): القمر، وعن شئ يزيد ولا ينقص فقال: البحر، وعن شئ ينقص ولا يزيد فقال: العمر، وعن طائر طار مرة ولم يطر قبلها ولابعدها، قال (عليه السلام): طور سيناء قوله تعالى: (وإذ نتقنا الجبل (2) فوقهم كأنه ظلة) وعن قوم شهدوا بالحق وهم كاذبون، قال (عليه السلام): المنافقون حين قالوا: نشهد إنك لرسول الله (3)


(1) تفسير العياشي: مخطوط وأخرجه أيضا عنه وعن المحاسن في كتاب المعاد في باب صفة المحشر راجع ج 7: 109، وتقدم احتجاجه (عليه السلام) في ذلك هناك مع نافع مولى عمر وسالم مولى هشام بن عبد الملك وغيره راجع ص 100 و 105 و 110 (2) أي قلعناه ورفعناه فوق رؤوسهم والنتق: النفض الشديد. (3) مناقب ابن شهر آشوب ج 2: 288

[ 157 ]

7 – محمد بن المنكدر: (1) رأيت الباقر (عليه السلام) وهو متكئ على غلامين أسودين، فسلمت عليه فرد علي على بهر، وقد تصبب عرقا فقلت: أصلحك الله لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال في طلب الدنيا ؟ فخلى الغلامين من يده وتساند وقال: لو جاءني أنا في طاعة من طاعات الله أكف بها نفسي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف الله لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله فقلت: رحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني. (2) 8 – وكان عبد الله بن نافع بن الازرق (3) يقول: لو عرفت أن بين قطريها أحدا تبلغني إليه الابل يخصمني بأن عليا (عليه السلام) قتل أهل النهروان وهو غير ظالم لرحلتها إليه، قيل له: إيت ولده محمد الباقر (عليه السلام)، فأتاه فسأله فقال (عليه السلام) بعد كلام: الحمد لله الذي أكرمنا بنبوته، واختصنا بولايته، يا معشر أولاد المهاجرين والانصار من كان عنده منقبة في أمير المؤمنين (عليه السلام) فليقم وليحدث، فقاموا ونشروا من مناقبه،


(1) هو محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير – بالتصغير – التيمى المدنى من علماء العامة وفضلائهم ترجمه ابن حجر في التقريب: ص 272 وقال: ثقة فاضل من الثالثة، مات سنة ثلاثين أو بعده، وأورده العلامة في القسم الثاني من الخلاصة والكشى في رجاله ونصا على أنه من رجال العامة. وحكى عن جامع الاصول انه مات سنة احدى وثلاثين مائة وقيل: سنة احدى وأربعين مائة وله نيف و سبعون سنة. (2) مناقب ابن شهر اشوب ج 2: 288 وقد اخرجه الكليني ايضا في الفروع من الكافي في باب ما يجب من الاقتداء بالائمة في التعرض للرزق باسناده عن على بن ابراهيم، عن أبيه، و محمد بن اسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن ابى عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن ابى عبد الله (عليه السلام) قال: ان محمد بن المنكدر كان يقول: ماكنت أرى أن على بن الحسين يدع خلفا أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن على، فاردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأى شئ وعظك ؟ قال: خرجت إلى بعض نواحى المدينة في ساعة حارة فلقينى، أبو جعفر محمد بن على (عليه السلام) وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله شيخ من أشياخ القريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ! اما لاعظنه، فدنوت فسلمت عليه فرد على السلام بنهر وهو يتصاب عرقا فقلت: اصلحك الله شيخ من اشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ! ؟ ارأيت لو جاء أجلك وانت على هذه الحال ماكنت تصنع ؟ فقال: لو جاءني الموت وانا على هذه الحال جاءني وانا في طاعة الله عزوجل إه‍. قلت: نهر السائل: زجره وبهر بالباء: انقطع نفسه من السعي الشديد. (3) لعله هو عبد الله بن نافع مولى ابن عمر المدنى المترجم في التقريب: ص 293 بقوله: ضعيف من السابعة، مات سنة 54 أي بعد المائة.

[ 158 ]

فلما انتهوا إلى قوله: (لاعطين الراية) الخبر سأله أبو جعفر (عليه السلام) عن صحته فقال: هو حق لاشك فيه ولكن عليا أحدث الكفر بعد فقال أبو جعفر (عليه السلام): أخبرني عن الله أحب علي بن أبيطالب (عليه السلام) يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان، أم لم يعلم ؟ إن قلت: لاكفرت فقال: قد علم، قال: فأحبه على أن يعمل بطاعته، أم على أن يعمل بمعصيته ؟ قال: على أن يعمل بطاعته، فقال أبو جعفر (عليه السلام): قم مخصوما، فقام وهو يقول: (حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود) الله يعلم حيث يجعل رسالته (1) 9 – وفي حديث نافع بن الازرق (2) أنه سأل الباقر (عليه السلام) عن مسائل منها قوله تعالى: (واسئل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) من الذي يسأله محمد، وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة ؟ قال فقرأ أبو جعفر (عليه السلام) (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) ثم ذكر اجتماعه بالمرسلين والصلاة بهم (3) 10 – وتكلم بعض رؤساء الكيسانية مع الباقر (عليه السلام) في حياة محمد بن الحنفية قال له: ويحك ما هذه الحماقة ؟ أنتم أعلم به أم نحن ؟ قد حدثني أبي علي بن الحسين عليهما السلام أنه شهد موته وغسله وكفنه والصلاة عليه وإنزاله في قبره، فقال: شبه على أبيك كما شبه عيسى بن مريم على اليهود، فقال له الباقر (عليه السلام): أفنجعل هذه الحجة قضاء بيننا وبينك ؟ قال: نعم، قال: أرأيت اليهود الذين شبه عيسى (عليه السلام) عليهم كانوا أولياءه أو أعداءه قال: بل كانوا أعداءه، قال: فكان أبي عدو محمد بن الحنفية فشبه له ؟ قال: لا، وانقطع ورجع عما كان عليه. (4) 11 – وجاءه رجل من أهل الشام وسأله عن بدء خلق البيت، فقال (عليه السلام): إن الله تعالى لما قال للملائكة: (إني جاعل في الارض خليفة) فردوا عليه بقولهم: (أتجعل فيها) وساق الكلام إلى قوله تعالى: (وما كنتم تكتمون) فعلموا أنهم وقعوا في الخطيئة


(1) مناقب شهر اشوب ج 2: 289 (2) هو المترجم في التقريب: ص 520 بقوله: نافع أبو عبد الله المدنى مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه مشهور من الثالثة، مات سنة 117 أو بعد ذلك قلت: يأتي في الخبر 13 توصيفه بمولى عمربن الخطاب (3) مناقب ابن اشوب ج 2: 289. (4) مناقب ابن شهر آشوب ج 2: 289 (*)

[ 159 ]

فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أشواط، يسترضون ربهم عزوجل فرضي عنهم، و قال لهم: اهبطوا إلى الارض فابنوا لي بيتا يعوذ به من أذنب من عبادي ويطوف حوله كما طفتم أنتم حول عرشئ فأرضي عنه كما رضيت عنكم فبنوا هذا البيت، فقال له الرجل: صدقت يا أبا جعفر، فما بدؤ هذا الحجر ؟ قال: إن الله تعالى لما أخذ ميثاق بني آدم أجرى نهرا أحلى من العسل وألين من الزبد، ثم أمر القلم استمد من ذلك وكتب إقرارهم وما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر فهذا الاستلام الذي ترى إنما هو بيعة على إقرارهم، وكان أبي إذا استلم الركن قال: (اللهم أمانتي أديتها، وميثاقي تعاهدته ليشهد لي عندك بالوفاء) فقال الرجل: صدقت يا أبا جعفر، ثم قام فلما ولى قال الباقر (عليه السلام) لابنه الصادق (عليه السلام): اردده علي، فتبعه إلى الصفا فلم يره، فقال الباقر (عليه السلام): أراه الخضر (عليه السلام) (1) 12 – كش: محمد بن قولويه، عن محمد بن بندار القمي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن عباد بن بشير، عن ثويربن (2) أبي فاختة قال: خرجت حاجا فصحبني عمربن ذر القاضي (3) وابن قيس الماصر (4) والصلت بن بهرام (5) وكانوا إذا


(1) مناقب ابن شهر اشوب ج 2: 290 289 (2) بالتصغير هو ثويربن ابى فاختة أبو جهم الكوفى الشيعي واسم ابى فاختة سعيد بن علاقة يروى عن ابيه، و ؟ ؟ مولى ام هاني بنت أبى طالب، ترجمه اصحابنا في تراجمهم، وقال ابن حجر في التقريب ص 74: ضعيف رمى بالرفض من الرابعة (3) ترجمه ابن حجر في التقريب ص 328 فقال: عمربن ذربن عبد الله بن زرارة الهمداني – بالسكون – المرهبى أبو ذر الكوفى ثقة رمى بالارجاء من السادسة، مات سنة ثلاث وخمسين (أي بعد المائة) وقيل: غير ذلك. (4) ترجمه ابن حجر في التقريب ص 386 بقوله: عمر بن قيس بن الماصر. بكسر المهملة وتخفيف الراء – ابو الصباح – بمهملة وموحدة شديدة – الكوفى مولى ثقيف صدوق، ربما وهم ورمى بالارجاء من السادسة (5) ترجمه بن حجر في لسان الميزان 3: 194 فقال: الصلت بن بهرام عن ابى وائل وزيدبن وهب، وعنه مروان بن معاوية وابن عيينة، قال احمد: كوفى ثقة وقال ابن عيينة: كان اصدق اهل الكوفة وقال ابن ابى حثيمة: عن يحيى ثقة وقال ابو حاتم: لاعيب له الا الارجاء، وكذا تكلم فيه ابو زرعة للازجاء وقال البخاري: صدوق في الحديث كان يذكر بالارجاء ثم ذكر توثيقه عن ابن حبان واسحاق بن راهويه وابن معين وعمار و ابن سعد وعن الازدي: إذا روى عنه الثقات استقام حديثه، وإذا روى عنه الضعفاء خلطوا ولا بأس به وعن الواقدي انه مات سنة 147

[ 160 ]

نزلوا منزلا قالوا: انظر الآن فقدحر رنا أربعة آلاف مسألة نسألة نسأل أبا جعفر (عليه السلام) منها عن ثلاثين كل يوم، وقد قلدناك ذلك، قال ثوير: فغمني ذلك حتى إذا دخلنا المدينة فافترقنا فنزلت أنا على أبي جعفر فقلت له: جعلت فداك إن ابن ذر وابن قيس الماصر والصلت صحبوني وكنت أسمعهم يقولون: قدحر رنا أربعة آلاف مسألة نسأل أبا جعفر (عليه السلام) عنها فغمني ذلك فقال أبو جعفر (عليه السلام): ما يغمك من ذلك ؟ فإذا جاؤوا فأذن لهم فلما كان من غددخل مولى لابي جعفر (عليه السلام) فقال: جعلت فداك إن بالباب ابن ذر ومعه قوم، فقال لى أبو جعفر (عليه السلام): يا ثوير قم فأذن لهم، فقمت فأدخلتهم، فلما دخلوا سلموا وقعدوا ولم يتكلموا، فلما طال ذلك أقبل أبو جعفر (عليه السلام) يستفتيهم الا حاديث وأقبلوا لا يتكلمون، فلما رأى ذلك أبو جعفر (عليه السلام) قال لجارية له يقال لهاسرحة: هاتي الخوان فلما جاءت به فوضعته قال أبو جعفر (عليه السلام) الحمد لله الذي جعل لكل شئ حدا ينتهي إليه حتى أن لهذا الخوان حدا ينتهي إليه، فقال ابن ذر: وما حده ؟ قال: إذا وضع ذكر اسم الله، وإذا رفع حمدالله، قال: ثم أكلوا ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): اسقيني فجاءته بكوز من أدم فلما صار في يده قال: الحمدالله الذي جعل لكل شئ حدا ينتهي إليه حتى أن لهذا الكوز حدا ينتهي إليه، فقال ابن ذر: وما حده ؟ قال: يذكر اسم الله عليه إذا شرب، ويحمد الله عليه إذا فرغ، ولا يشرب من عند عروته، ولامن كسر إن كان فيه قال: فلما فرغوا أقبل عليهم يستفتيهم الاحاديث فلا يتكلمون، فلما رأى ذلك أبو جعفر (عليه السلام) قال: يا ابن ذر ألا تحدثنا ببعض ما سقط إليكم من حديثنا ؟ قال: بلى يا ابن رسول الله، قال: إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من آخر: كتاب الله، وأهل بيتي، إن تمسكتم بهما لن تضلوا. فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا ابن ذر إذا لقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ما خلفتني في الثقلين ؟ فماذا تقول ؟ قال: فبكى ابن ذرحتى رأيت دموعة تسيل على لحيته، ثم قال: أما الأكبر فمز قناه، وأما الاصغر فقتلناه، فقال أبو جعفر (عليه السلام): إذا تصدقه يا ابن ذر لا والله لاتزول قدم يوم القيامة حتى يسأل عن ثلاث:


[ 161 ]

عن عمره فيما أفناه، عن ماله أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت. قال: فقاموا وخرجوا، فقال أبو جعفر (عليه السلام) لمولى: اتبعهم فانظر ما يقولون، قال: فتبعهم ثم رجع فقال: جعلت فداك قد سمعتهم يقولون لابن ذر: ما على هذا خرجنا معك فقال: ويلكم اسكتوا ما أقول إن رجلا يزعم أن الله يسألني عن ولايته، وكيف أسأل رجلا يعلم حد الخوان وحد الكوز ؟ (1) 13 – فس: أبي، عن ابن محبوب، عن الثمالي، عن أبي الربيع قال: حججت مع أبي جعفر (عليه السلام) في السنة التي حج فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع بن الازرق مولى عمربن الخطاب فنظر نافع إلى أبي جعفر في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس، فقال لهشام: يا أمير المؤمنين من هذا الذي يتكافأ عليه الناس ؟ فقال: هذا نبي أهل الكوفة ! هذا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين فقال نافع: لآتينه ولاسألنه (2) عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن وصي نبي، فقال هشام: فاذهب إليه فسله فلعلك أن تخجله فجاء نافع فاتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفر (عليه السلام) فقال: يا محمد بن علي إني قد قرأت التوراة والانجيل والزبور والفرقان، وقد عرفت حلالها وحرامها قد جئت أسألك عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي، أو وصي نبي، أو ابن وصي نبي فرفع إليه أبو جعفر (عليه السلام) رأسه فقال: سل. فقال: أخبرني كم بين عيسى ومحمد من سنة ؟ قال: اخبرك بقولي أم بقولك ؟ (3) قال: أخبرني بالقولين جميعا، قال: أما بقولي فخمسمائة سنة، وأما بقولك فستمائة سنة. قال: فأخبرني عن قول الله تعالى: (واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) من الذي (4) سأل محمد (صلى الله عليه وآله) وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة ؟ قال: فتلا أبو جعفر (عليه السلام) هذه الآية: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد


رجال الكشى: 143 و 144 في نسخة: فلاسألنه (3) في نسخة: أو بقولك (4) في نسخة: من ذا الذى

[ 162 ]

الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا) فكان من الآيات التي أراها الله محمدا (صلى الله عليه وآله) حين أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله الاولين والآخرين من النبيين و المرسلين، ثم أمر جبرئيل (عليه السلام) فأذن شفعا وأقام شفعا ثم قال في إقامته: حي على خير العمل، ثم تقدم محمد (صلى الله عليه وآله) فصلى بالقوم، فأنزل الله تعالى عليه (واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): علام تشهدون ؟ وما كنتم تعبدون ؟ قالوا: نشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله، اخذت على ذلك مواثيقنا وعهودنا، قال نافع: صدقت يا ابن رسول الله يا أبا جعفر، أنتم والله أوصياء رسول الله وخلفاؤه في التوراة، و أسماؤكم في الا نجيل وفي الزبور وفي القرآن، وأنتم أحق بالامر من غيركم. (1) 14 – أقول: وروى السيد المرتضى رحمه الله في كتاب الفصول عن الشيخ رحمه الله عن أحمد بن محمد بن الوليد، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن بكيربن أعين قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال له: يا أبا جعفر: ما تقول في امرأة تركت زوجها وإخوتها لامها واختها لابيها ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) للزوج النصف ثلاثة أسهم من ستة أسهم، وللاخوة من الام الثلث سهمان من ستة، و للاخت من الاب ما بقي وهو السدس سهم من ستة. فقال له الرجل: فإن فرائض زيد و فرائض العامة والقضاة على غير ذلك يا أبا جعفر، يقولون: للاخت من الاب ثلاثة أسهم من ستة إلى ثمانية، فقال له أبو جعفر، (عليه السلام): ولم قالوا ذلك ؟ قال: لان الله تعالى يقول: (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك) فقال أبو جعفر (عليه السلام): فإن كان الاخت أخا ؟ قال: ليس له إلا السدس، فقال أبو جعفر (عليه السلام): فمالكم نقصتم الاخ إن كنتم تحتجون للاخت بأن الله تعالى قد سمى لها النصف فإن الله تعالى قد سمى للاخ أيضا الكل، والكل أكثر من النصف، قال الله تعالى:


(1) تفسير القمى: ص 610. الزخرف (2) وقد ذكر بعد ذلك في نسخة حديثا تقدم في باب مناظرات الامام السجاد (عليه السلام) تحت رقم 3، والظاهر انه اشتباه من الناسخ

[ 163 ]

فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) فلا تعطون الذي جعل الله له الجميع في فرائضكم شيئا، وتعطونه السدس في موضع، وتعطون الذي جعل الله تعالى له النصف تاما ؟ ! فقال الرجل: وكيف نعطي الاخت أصلحك الله النصف ولا نعطي الاخ شيئا ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: تقولون في ام وزوج وإخوة لام واخت لاب فتعطون الزوج النصف ثلاثة أسهم من ستة تعول إلى تسعة، والام السدس، والاخوة من الام الثلث والاخت من الاب النصف ثلاثة يرتفع من ستة إلى تسعة، فقال: كذلك يقولون، فقال: إن كانت الاخت أخا لاب ؟ قال: ليس له شئ، فقال الرجل لابي جعفر (عليه السلام): فما تقول أنت رحمك الله ؟ قال: فليس للاخوة من الاب والام ولا للاخوة من الام و لا للاخوة من الاب مع الام شئ. (1) * (باب 13) * * (احتجاجات الصادق صلوات الله عليه على الزنادقة) * * (والمخالفين ومناظراته معهم) * 1 – مع: المظفر العلوي، عن ابن العياشي، عن أبيه، عن أحمد بن أحمد، عن سليمان بن الخصيب قال: حدثني الثقة قال: حدثنا أبو جمعة رحمة بن صدقة، قال: أتى رجل من بني امية وكان زنديقا جعفر بن محمد (عليهما السلام) فقال: قول الله عزوجل في كتابه (ألمص) أي شئ أراد بهذا ؟ وأي شئ فيه من الحلال والحرام ؟ وأي شئ فيه مما ينتفع به الناس ؟ قال: فاغتاظ من ذلك جعفر بن محمد (عليها السلام) فقال: أمسك ويحك، الالف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، كم معك ؟ فقال الرجل: أحد وثلاثون ومائة، فقال له جعفر بن محمد (عليهما السلام): إذا انقضت سنة إحدى وثلاثين ومائة انقضى ملك أصحابك، قال: فنظرنا فلما انقضت سنة إحدى وثلاثين ومائة يوم عاشوراء دخل المسودة (2) الكوفة وذهب ملكهم (3)


(1) الفصول المختارة: ص 122. (2) أي أصحاب الدعوة العباسية، سمى بها لانهم كانوا يلبسون ثيابا سودا (3) معاني الاخبار: ص 13.

[ 164 ]

بيان: هذا الخبر لا يستقيم إذا حمل على مدة ملكهم لعنهم الله، لانه كان ألف شهر، ولا على تاريخ الهجرة مع بعد ابتنائه عليه لتأخر حدوث هذا التاريخ عن زمن الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولا على تاريخ عام الفيل لانه يزيد على أحد وستين ومائة، مع أن أكثر نسخ الكتاب أحد وثلاثون ومائة، وهو لا يوافق عدد الحروف وقد اشكل علي حل هذا الخبر زمانا حتى عثرت على اختلاف ترتيب الاباجاد في كتاب عيون الحساب، فوجدت فيه أن ترتيب، أبجد عند المغاربة هكذا: أبجد، هوز، حطي، كلمن، صعفض، قرست، ثخذ، ظغش، فالصاد المهملة عندهم ستون، و الضاد المعجمة تسعون، والسين المهملة ثلاثمائة، والظاء المعجمة ثمان مائة، والغين المعجمة تسعمائة، والشين المعجمة ألف، فحينئذ يستقيم ما في أكثر النسخ من عدد المجموع، ولعل الاشتباه في قوله: والصاد تسعون من النساخ لظنهم أنه مبني على المشهور، وحينئذ يستقيم إذا بني على البعثة، أو على نزول الآية كما لا يخفى على المتأمل، والله يعلم 2 ج: من سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسائل كثيرة: أن قال: كيف يعبد الله الخلق ولم يروه ؟ قال (عليه السلام): رأته القلوب بنور الايمان، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان، وأبصرته الابصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف، ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها، واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته، قال: أليس هو قادرا أن يظهر لهم حتى يروه ويعرفوه فيعبد على يقين ؟ قال: ليس للمحال جواب، قال: فمن أين أثبت أنبياء ورسلا ؟ (2) قال (عليه السلام): إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما لم يجزأن يشاهده خلقه ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم و


(1) في نسخة: للمحيل وفى اخرى: للمحل. (2) أي من اين أثبت وجوب إرسال الانبياء والرسل أخرجه الكليني قدس سره في كتاب الكافي في باب الاضطرار إلى الحجة باسناده عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمر الفقيمى عن هشام بن الحكم، عن أبى عبد الله (عليه السلام) من قوله: (فمن أين أثبت) إلى قوله: (وجوب عدالته) (*).

[ 165 ]

يباشروه ويحاجتهم ويحاجوة ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أن له معبرين وهم الانبياء وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين (1) بالحكمة، مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤدين من عند الحكيم العليم بالحكمة (2) والدلائل والبراهين والشواهد: من إحياء الموتى، وإبراء الاكمه والابرص، فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته. ثم قال (عليه السلام) بعد ذلك: نحن نزعم أن الارض لا تخلو من حجة، ولا تكون الحجة إلا من عقب الانبياء، ما بعث الله نبيا قط من غير نسل الانبياء، وذلك أن الله تعالى شرع لبني آدم طريقا منيرا، وأخرج من آدم نسلا طاهرا طيباء، أخرج منه الانبياء والرسل، هم صفوة الله، وخلص الجوهر، طهروا في الاصلاب، وحفظوا في الارحام، لم يصبهم سفاح الجاهلية ولا شاب أنسابهم، (3) لان الله عزوجل جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفا منه فمن كان خازن علم الله وأمين غيبه ومستودع سره وحجته على خلقه وترجمانه ولسانه لا يكون إلا بهذه الصفة، فالحجة لا يكون إلا من نسلهم يقوم مقام النبي في الخلق بالعلم الذي عنده وورثه عن الرسول، إن جحده الناس سكت، وكان بقاء ما عليه الناس قليلا مما في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه، قد أقاموا بينهم الرأي والقياس، إن هم أقروا به (4) وأطاعوه وأخذوا عنه ظهر العدل، وذهب الاختلاف والتشاجر، واستوى الامر، وأبان الدين، وغلب على الشك اليقين، ولا يكاد أن يقر الناس به أو يحقوا له (5) بعد فقد الرسول، وما مضى رسول و


(1) في نسخة: مؤديين بالحكمة (2) في المصدر: مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة (3) شاب: خلط وفى نسخة: وإلا شاب أنسابهم. (4) في المصدر: وانهم ان أقروا به اه‍ (5) في نسخة: أو يخفوا له. وفي المصدر: ولا يكاد أن يقر الناس به ولا يطيعوا له، أو يحفظوا (يخفوا) له.

[ 166 ]

لانبي قط لم يختلف امته من بعده، وإنما كان علة اختلافهم خلافهم على الحجة وتركهم إياه قال: فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة ؟ قال: قد يقتدى به ويخرج عنه الشئ بعد الشئ مما فيه منفعة الخلق وصلاحهم، فإن أحدثوا في دين الله شيئا أعلمهم، وإن زادوا فيه أخبرهم، وإن نقصوا منه شيئا أفادهم ثم قال الزنديق: من أي شئ خلق الاشياء ؟ (1) قال (عليه السلام): لامن شئ، (2) فقال: فكيف يجئ من لا شئ شئ ؟ قال (عليه السلام): إن الاشياء لا تخلو أن تكون (3) خلقت من شئ أو من غير شئ فإن كانت خلقت من شئ كان معه فإن ذلك الشئ قديم، والقديم لا يكون حديثا ولا يفنى ولا يتغير، ولا يخلو ذلك الشئ من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا، فمن أين جاءت هذه الالوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى ؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشئ الذي انشئت منه الاشياء حيا ؟ اومن أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشئ ميتا ؟ ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا، لان الحي لا يجئ منه ميت وهو لم يزل حيا، ولايجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل بما هوبه من الموت، لان الميت لا قدرة له ولا بقاء قال: فمن أين قالوا أن الاشياء أزلية ؟ قال: هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الاشياء فكذبوا الرسل ومقالتهم والانبياء وما أنبؤوا عنه، وسموا كتبهم أساطير الاولين، ووضعوا لانفسهم دينا بآرائهم واستحسانهم، إن الاشياء تدل على حدوثها من دوران الفلك بما فيه وهي سبعة أفلاك، وتحرك الارض ومن عليها، وانقلاب الازمنة واختلاف الوقت والحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان وموت وبلى واضطرار النفس إلى الاقرار بأن لها صانعا ومدبرا، أما ترى الحلو يصير حامضا والعذب مرا، و الجديد باليا، وكل إلى تغير وفناء ؟ قال: فلم يزل صانع العالم عالما بالاحداث التي أحدثها أن يحدثها ؟ قال: لم يزل يعلم فخلق ما علم


(1) في المصدر: من أي شئ خلق الله الاشياء ؟. (2) في نسخة: من لا شئ. (3) في المصدر: لا تخلو إما أن تكون اه‍.

[ 167 ]

قال: أمختلف هو أم مؤتلف ؟ قال: لا يليق به الاختلاف ولا الايتلاف، إنما يختلف المتجزئ، ويأتلف المتبعض، فلا يقال له: مؤتلف ولا مختلف قال: فكيف هو الله الواحد ؟ قال: واحد في ذاته، فلا واحد كواحد، لان ما سواه من الواحد متجزئ، وهو تبارك وتعالى واحد لامتجزئ (1) ولا يقع عليه العد. قال: فلاي علة خلق الحلق وهو غير محتاج إليهم، ولا مضطر إلى خلقهم، ولا يليق به العبث بنا ؟ (2) قال: خلقهم لاظهار حكمته، وإنفاذ علمه، وإمضاء تدبيره. قال: وكيف لا يقتصر على هذه الدار فيجعلها دار ثوابه ومحتبس عقابه ؟ قال: إن هذه الدار دار ابتلاء، ومتجر الثواب، ومكتسب الرحمة، ملئت آفات، وطبقت شهوات ليختبر فيها عبيده بالطاعة، فلا يكون دار عمل دار جزاء قال: أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا وقد كان ولا عدوله ؟ فخلق كمازعمت إبليس فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته، ويأمرهم بمعصيته، وجعل له من القوة كما زعمت يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم (3) فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم ويلبس عليهم دينهم، فيزيلهم عن معرفته حتى أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته و عبدوا سواه، فلم سلط عدوه على عبيده وجعل له السبيل إلى إغوائهم ؟ قال: إن هذا العدو الذي ذكرت لا يضره عداوته، ولا ينفعه ولايته، عداوته لا تنقص من ملكه شيئا، وولايته لا تزيد فيه شيئا، وإنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر وينفع، إن هم بملك أخذه، أو بسلطان قهره فأما إبليس فعبد خلقه ليعبده و يوحده، وقد علم حين خلقه ما هو وإلى ما يصير إليه، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم فامتنع من ذلك حسدا وشقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك و أخرجه عن صفوف الملائكة، وأنزله إلارض ملعونا مدحورا، فصار عدو آدم وولده


(1) في المصدر: وهو تبارك وتعالى واحد لا يتجزء (2) في المصدر: ولا يليق به التعبث بنا. (3) في المصدر: ما يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم.

[ 168 ]

بذلك السبب، وماله من السلطنة على ولده إلا الوسوسة والدعاء إلى غير السبيل، وقد أقر مع معصيته لربه بربوبيته. قال: أفيصلح السجود لغير الله ؟ قال: لا قال: فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ؟ قال: إن من سجد بأمر الله فقد سجد لله، فكان سجوده لله إذا كان عن أمر الله. قال: فمن أين أصل الكهانة ؟ ومن أين يخبر الناس بما يحدث ؟ قال: إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم فيخبرهم بأشياء تحدث وذلك في وجوه شتى: من فراسة العين، وذكاء القلب، ووسوسة النفس، وفطنة الروح مع قذف في قلبه، لان ما يحدث في الارض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤديه إلى الكاهن ويخبره بما يحدث في المنازل وألاطراف، وأما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك وهي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الارض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء ولبس على أهل الارض (1) ما جاءهم عن الله لاثبات الحجة ونفي الشبه، وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها ثم يهبط بها إلى الارض فيقذفها إلى الكاهن، فإذا قد زاد من كلمات عنده فيختلط الحق بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهوما أداه إليه شيطانه مما سمعه، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة، واليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبار اللناس مما يتحدثون به وما يحدثونه، والشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق، وقاتل قتل، وغائب غاب، وهم بمنزلة الناس أيضا صدوق وكذوب فقال: كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة، وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود من البناء ما يعجز عنه ولد آدم ؟ قال غلظوا لسليمان


(1) في المصدر: لئلا يقع في الارض سبب تشاكل الوحى من خبر السماء فيلبس على أهل الارض.

[ 169 ]

كما سخروا، وهم خلق رقيق غذاؤهم التنسم، والدليل على ذلك صعودهم (1) إلى السماء لاستراق السمع، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلا بسلم أو سبب (2) قال: فأخبرني عن السحر ما أصله ؟ وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه وما يفعل ؟ قال إن السحر على وجوه شتى: وجه منها بمنزلة الطب كما أن الاطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علم السحرا حتالوا لكل صحة آفة، ولكل عافية عاهة، ولكل معنى حيلة. ونوع منه آخر خطفة وسرعة ومخاريق وخفة. (3) ونوع منه ما يأخذ أولياؤ الشياطين عنهم. قال: فمن أين علم الشياطين السحر ؟ قال: من حيث عرف الاطباء الطب، بعضه تجربة، وبعضه علاج. قال: فما تقول في الملكين: هاروت وماروت وما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر ؟ قال: إنهما موضع ابتلاء وموقف فتنة، تسبيحهما: اليوم لو فعل الانسان كذا وكذا لكان كذا، ولو يعالج بكذا وكذا لصار كذا، أصناف سحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم: إنما نحن فتنة فلانأخذوا عنا ما يضر كم ولا ينفعكم. قال: أفيقدر الساحر أن يجعل الانسان بسحره في صورة الكلب والحمار أو غير ذلك ؟ قال: هو أعجز من ذلك وأضعف من أن يغير خلق الله، إن من أبطل ما ركبه الله وصوره وغيره فهو شريك لله في خلقه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهموم والآفة والامراض، ولنفى البياض عن رأسه والفقر عن ساحته، وإن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، ويجلب العداوة على المتصافيين، (4) ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور، ويكشف الستور، والنمام أشر من وطئ على الارض بقدم، فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب،


(1) في المصدر: غذاؤهم النسيم، والدليل على كل ذلك ا ه‍ (2) فيه بيان إمكان الصعود إلى سائر الكرات بالاسباب، كما أن ذلك يستفاد أيضا من قوله تعالى: (يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السموات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان) (3) الخطفة: الاختلاس والاستلاب بسرعة. والخفة: ضد الثقل في العمل وغيره. (4) تصافى القوم: اخلص الود بعضهم لبعض. (*)

[ 170 ]

إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء، فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فابرئ. قال: فما بال ولد آدم فيهم شريف ووضيع ؟ قال: الشريف: المطيع، والوضيع: العاصي، قال: أليس فيهم فاضل ومفضول ؟ قال: إنما يتفاضلون بالتقوى. قال: فتقول: إن ولد آدم كلهم سواء في الاصل لا يتفاضلون إلا بالتقوى ؟ قال: نعم إني وجدت أصل الخلق التراب، والاب آدم، والام حواء، خلقهم إله واحد وهم عبيده، إن الله عزوجل اختار من ولد آدم اناسا طهر ميلادهم، وطيب أبدانهم، وحفظهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، أخرج منهم الانبياء والرسل، فهم أزكى فروع آدم فعل ذلك لا لامر استحقوه من الله عزوجل، ولكن علم الله منهم حين ذرأهم أنهم يطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئا، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة والمنزلة الرفيعة عنده، وهؤلاء الذين لهم الشرف والفضل والحسب، وسائر الناس سواء، الأمن اتقى الله أكرمه (1) ومن أطاعه أحبه، ومن أحبه لم يعذبه بالنار قال: فأخبرني عن الله عزوجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا ؟ قال (عليه السلام): لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب، لان الطاعة إذا ما كانت فعلهم، ولم تكن جنة ولانار، ولكن خلق فأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته، واحتج عليهم برسله وقطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون و يعصون ويستوجبون بطاعتهم له الثواب وبمعصيتهم إياه العقاب. قال: فالعمل الصالح من العبد هو فعله ؟ والعمل الشر من العبد هو فعله ؟ قال: العمل الصالح العبد يفعله والله به أمره، والعمل الشر العبد يفعله والله عنه نهاه. قال: أليس فعله بالالة التي ركبها فيه ؟ قال: نعم ولكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر بها على الشر الذي نهاه عنه. قال: فإلى العبد من الامر شئ ؟ قال: مانهاه الله عن شئ إلا وقد علم أنه يطيق


(1) في نسخة: وسائر الناس سواء إلا من اتقى الله، فان من اتقى الله أكرمه اه‍.

[ 171 ]

تركه، ولا أمره بشئ إلا وقد علم أنه يستطيع فعله، لانه ليس من صفته الجور والعبث والظلم وتكليف العباد مالا يطيقون. قال: فمن خلقه الله كافرا يستطيع الايمان وله عليه بتركه الايمان حجة ؟ قال (عليه السلام): إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين، (1) أمرهم ونهاهم، والكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد، ولم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا، إنه إنما كفر من بعدان بلغ وقتا لزمته الحجة من الله تعالى، فعرض عليه الحق فجحده، فبإنكار الحق صار كافرا. قال: فيجوز أن يقدر على العبد الشر ويأمره بالخير وهو لايستطيع الخير أن يعمله ويعذبه عليه ؟ قال: إنه لا يليق بعدل الله ورأفته أن يقدر على العبد الشر ويريده منه، ثم يأمره بما يعلم أنه لايستطيع أخذه والانتزاع (2) عما لا يقدر على تركه، ثم يعذبه على تركه أمره الذي علم أنه لايستطيع أخذه. قال: فبماذا استحق الذين أغناهم وأوسع عليهم من رزقه الغنى والسعة ؟ وبماذا استحق الفقراء التقتير والضيق ؟ قال: اختبر الاغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم، والفقراء إنما منعهم لينظر كيف صبرهم، (3) ووجه آخر أنه عجل لقوم في حياتهم، ولقوم آخر ليوم حاجتهم إليه، ووجه آخر أنه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم، ولو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا وفسد التدبير وصار أهلها إلى الفناء، ولكن جعل بعضهم لبعض عونا، وجعل أسباب أرزاقهم في ضروب الاعمال وأنواع الصناعات، وذلك أدوم في البقاء وأصح في التدبير، ثم اختبر الاغنياء باستعطاف الفقراء (4) كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لايعاب تدبيره. قال: فبما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الاوجاع والامراض بلا ذنب عمله


(1) أي كانوا في أصل خلقتهم وطبيعتهم الاولى منقادين لما يأمر وينهى، حيث لم تكن نفوسهم متصفة لما يستدعى الخلاف والطغيان، بل كانوا على فطرة الله التى فطر الناس عليها. (2) في نسخة، والنزع. وفى اخرى: الانزاع. (3) في المصدر: والفقراء بما منعهم لينظر كيف صبرهم. (4) في المصدر: ثم اختبر الاغنياء بالاستعطاف على الفقراء.

[ 172 ]

ولاجرم سلف منه ؟ قال: إن المرض على وجوه شتى: مرض بلوى، ومرض العقوبة، ومرض جعل عليه الفناء (1) وأنت تزعم أن ذلك من أغذية رديئة، وأشربة وبيئة، (2) أو من علة كانت بامه، وتزعم أن من أحسن السياسة لبدنه وأجمل النظر في أحوال نفسه وعرف الضار مما يأكل من النافع لم يمرض، وتميل في قولك إلى من يزعم أنه لا يكون المرض والموت إلا من المطعم والمشرب، قد مات أرسطاطا ليس معلم الاطباء، وأفلاطون رئيس الحكماء، وجالينوس شاخ (3) ودق بصره، وما دفع الموت حين نزل بساحته، ولم يألوا حفظ نفسهم والنظر لما يوافقها، كم من مريض قد زاده المعالج سقما ! وكم من طبيب عالم وبصير بالا دواء والادوية ماهر مات، وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا ! فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته وحضور أجله، ولاهذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة وتأخر الاجل. ثم قال (عليه السلام): إن أكثر الاطباء قالوا: إن علم الطب لم يعرفه الانبياء، فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الانبياء الذين كانوا حجج الله على خلقه، وامناءه في أرضه، وخزان علمه وورثة حكمته، والا دلاء عليه، والدعاة إلى طاعته ؟ ثم إني وجدت أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الانبياء (4) ويكذب الكتب المنزلة عليهم من الله تبارك وتعالى، فهذا الذي أزهدني في طلبه وحامليه. قال فكيف تزهد في (5) قوم وأنت مؤد بهم وكبيرهم ؟ قال: إني لما رأيت الرجل منهم الماهر في طبه إذا سألته لم يقف على حدود نفسه، وتأليف بدنه وتركيب أعضائه، ومجرى الاغذية في جوارحه ومخرج نفسه، وحركة لسانه، ومستقر كلامه، ونور


(1) في المصدر: ومرض جعل علة للفناء. (2) أي ما كثر فيه الوباء. والوباء: كل مرض عام. وفى الحديث دلالة أن جرثوم الوباء وميكروبه يكون في المياه، كما أن ذلك يستفاد من الامام السجاد زين العابدين (عليه السلام) في الدعا 27 من الصحيفة في دعائه على المخالفين حيث قال: وامزج مياههم بالوباء، وأطعمتهم بالادواء. (3) شاخ: صار شيخا. والشيخ: من استبانت فيه السن وظهر عليه الشيب. (4) أي تجنبها وعدل عنها. (5) أي فكيف ترغب عنهم وتتركهم ؟.

[ 173 ]

بصره، وانتشار ذكره، واختلاف شهواته، وانسكاب عبراته، ومجمع سمعه، وموضع عقله، ومسكن روحه، ومخرج عطسته، وهيج غمومه، وأسباب سروره، وعلة ما حدث فيه من بكم وصمم وغير ذلك لم يكن عندهم في ذلك أكثر من أقاويل استحسنوها وعلل فيما بينهم جوزوها. قال: فأخبرني عن الله عزوجل أله شريك في ملكه، أو مضاد له في تدبيره ؟ قال: لا، قال: فما هذا الفساد الموجود في هذا العالم من سباع ضارية، وهوام مخوفة، وخلق كثير مشوهة، (1) ودود وبعوض وحيات وعقارب، وزعمت أنه لا يخلق شيئا إلا لعلة لانه لا يعبث ؟ (2) قال: ألست تزعم أن العقارب تنفع من وجع المثانة والحصاة، ولمن يبول في الفراش، وأن أفضل الترياق ما عولج من لحوم الافاعي، وأن لحومها إذا أكلها المجذوم لشبت نفعه، (3) وتزعم أن الدود الاحمر الذي بصاب تحت الارض نافع للاكلة ؟ قال: نعم، قال (عليه السلام): فأما البعوض والبق فبعض سببه أنه جعل أرزاق الطير، وأهان بها جبارا تمرد على الله وتجبر وأنكر ربوبيته، فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه قدرته وعظمته وهي البعوض فدخلت في منخره حتي وصلت إلى دماغه فقتلته. واعلم أنا لو وقفنا على كل شئ خلقه الله لم خلقه ولاي شئ أنشأه لكنا قد ساويناه في علمه، وعلمنا كل ما يعلم واستغنينا عنه وكنا وهو في العلم سواء. قال: فأخبرني هل يعاب شئ من خلق الله وتدبيره ؟ قال: لا، قال: فإن الله خلق خلقه غرلا، أذلك منه حكمة أم عبث ؟ (4) قال: بل حكمة منه ؟ قال: غيرتم


(1) شوه الوجه: قبح. (2) هذا من الابحاث العميقة التي كانت متداولة بين الحكماء الاقدمين من أن الشرور كيف تصدر عن الحكيم ؟ فبعضهم أجابوا عنها بأجوبة، وبعضهم كالثنوية ذهبوا إلى تعدد خالق الخيرات والشرور، وما أجاب عنها الامام (عليه السلام) من الاجوبة المتينة التى تنحل به عقد الاشكال. (3) في نسخة: إذا أكلها المجذوم بشبت نفعه والشبت: نبات كالتمرة يقال له (رز الدجاج) وفى نسخة: بسبب ينفعه. وفى المصدر: بشب (نشيت خ ل) نفعه. والشب: ملح معدني قابض، لونه أببض ومنه أزرق وهو أشبه بالزاج شب الليل: نبات. (4) هذه المسألة أيضا من ملحقات المسألة السالفة، وحاصله أنا نجد في العالم أشياء وجودها تزعم لغوا فايجادها ينافى الحكمة.

[ 174 ]

خلق الله وجعلتم فعلكم في قطع القلفة أصوب مما خلق الله لها وعبتم الاقلف، (1) والله خلقه، ومدحتم الختان وهو فعلكم، أم تقولون: إن ذلك من الله كان خطأ غير حكمة ؟ ! قال (عليه السلام): ذلك من الله حكمة وصواب غير أنه سن ذلك وأوجبه على خلقه، كما أن المولود إذا خرج من بطن امه وجدنا سرته متصلة بسرة امه كذلك خلقها الحكيم، فأمر العباد بقطعها وفي تركها فساد بين للمولود والام، وكذلك أظفار الانسان أمر إذا طالت أن تقلم، وكان قادرا يوم دبر خلقة الانسان أن يخلقها خلقة لاتطول، وكذلك الشعر من الشارب والرأس يطول فيجز، وكذلك الثيران (2) خلقها فحولة وإخصاؤها أوفق، ليس في ذلك عيب (3) في تقدير الله تعالى. قال: ألست تقول: يقول الله: (ادعوني أستجب لكم) وقد نرى المضطر يدعوه فلا يستجاب له، والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره. (4) قال (عليه السلام): ويحك ما يدعوه أحد إلا استجاب له، أما الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه، وأما المحق فإنه إذا دعاه استجاب له وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه، وادخر له (5) ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه، وإن لم يكن الامر الذي سأل العبد خيرة له إن أعطاه أمسك عنه، والمؤمن العارف بالله ربما عز عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطاء، وقد يسأل العبد ربه إهلاك من لم ينقطع مدته، ويسأل المطروقتا، ولعله أوان لا يصلح فيه المطر لانه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه، وأشباه ذلك كثيرة، فافهم هذا. قال: فأخبرني أيها الحكيم ما بال السماء لا ينزل منها إلى الارض أحد، ولا يصعد من الارض إليها بشر، ولا طريق إليها ولا مسلك ؟ فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها وينزل لكان ذلك أثبت في الربوبية، وأنفى للشك، وأقوى لليقين وأجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبرا، إليه يصعد الصاعد، ومن عنده يهبط الهابط !


(1) في المصدر: (الاغلف) وهما بمعنى واحد، وهو الذى لم يختتن. والقلفة: هي الجليدة التى يقطعها الخاتن. (2) جمع الثور: الذكر من البقر. (3) في نسخة: وليس في ذلك عبث. (4) في نسخة: والمطيع يستنصره على عدوه فلا ينصره. (5) في نسخة: أو ادخر له اه‍

[ 175 ]

قال (عليه السلام): إن كل ما ترى في الارض من التدبير إنما هو ينزل من السماء و منها ما يظهر، أما ترى الشمس منها تطلع، وهي نور النهار، وفيها قوام الدنيا، ولو حبست حار من عليها وهلك ؟ والقمر منها يطلع، وهو نور الليل، وبه يعلم عدد السنين والحساب والشهور والايام، ولو حبس لحار من عليها وفسد التدبير ؟ وفي السماء النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ومن السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شئ من الزرع والنبات والانعام، وكل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا، والريح لو حبست أياما لفسدت الاشياء جميعا وتغيرت، ثم الغيم والرعد والبرق و الصواعق كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك مدبرا يدبر كل شئ ومن عنده ينزل، وقد كلم الله موسى عليه السلام وناجاه، ورفع الله عيسى بن مريم، والملائكة تنزل من عنده غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك، وفيما تراه بعينك كفاية أن تفهم وتعقل. قال: فلو أن الله رد إلينا من الاموات في كل مائة عام (1) لنسأله عمن مضى منا إلى ما صاروا وكيف حالهم وماذا لقوا بعد الموت وأي شئ صنع بهم ليعمل الناس على اليقين اضمحل الشك وذهب الغل عن القلوب قال: إن هذه مقالة من أنكر الرسل وكذبهم، ولم يصدق بمابه من عند الله إذا أخبروا (2) وقالوا: إن الله أخبر في كتابه عزوجل على لسان الانبياء حال من مات منا، أفيكون أحد أصدق من الله قولا ومن رسله ؟ وقد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير، منهم أصحاب الكهف (3) أماتهم الله ثلاث مائة عام وتسعة ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم وليريهم قدرته وليعلموا أن البعث حق، وأمات الله ارميا (4) النبي الذي نظر إلى


(1) في المصدر: في كل مائة عام واحدا. (2) في نسخ: ولم يصدق بما به من عند الله أخبروا. وفى نسخة: ولم يصدق بما جاء من عند الله إذا أخبروا. وفى المصدر: ولم يصدق بما جاؤوا به من عند الله إذا أخبروا. (3) يأتي أسماؤهم وقصتهم في كتاب قصص الانبياء. (4) قال الطبرسي قدس سره في البيان في تفسير قوله تعالى: (أو كالذى مر على قرية): وهو عزير، عن قتادة وعكرمة والسدى وهو المروى عن أبى عبد الله (عليه السلام)، وقيل: هو ارميا عن وهب، وهو المروى عن ابى جعفر (عليه السلام)، وقيل: هو الخضر، عن ابن اسحاق إه‍. و يأتي تحقيق دلك في كتاب قصص الانبياء.

[ 176 ]

خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مائة عام ثم أحياه ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم وكيف تلبس اللحم وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل، فلما استوى قاعدا قال: أعلم أن الله على كل شئ قدير، وأحيا الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم فأماتهم الله دهرا طويلا حتى بليت عظامهم وتقطعت أوصالهم وصاروا ترابا، فبعث الله تعالى في وقت أحب أن يري خلقه قدرته نبيا يقال له: حزقيل (1) فدعاهم فاجتمعت أبدانهم ورجعت فيها أرواحهم، وقاموا كهيئة يوم ما توا لا يفتقدون من أعدادهم رجلا فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا، وأن الله أمات قوما خرجوا مع موسى حين توجه إلى الله فقالوا: أرنا الله جهرة، فأماتهم الله ثم أحياهم. قال: فأخبرني عمن قال بتناسخ الارواح من أي شئ قالوا ذلك ؟ وبأي حجة قاموا على مذاهبهم ؟ قال: إن أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدين (2) وزينوا لانفسهم الضلالات، وأمر جواأنفسهم في الشهوات، وزعموا أن السماء خاوية (3) ما فيها شئ مما يوصف، وأن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين بحجة من روى أن الله عزوجل خلق آدم على صورته، (4) وأنه لاجنة ولانار ولابعث ولا نشور، والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه وولوجه في قالب آخر، إن كان محسنا في القالب الاول اعيد في قالب أفضل منه حسنا في أغلى درجة الدنيا (5) وإن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا أوهوام مشوهة الخلقة، وليس عليهم صوم ولا صلاة ولا شئ من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليه معرفته، وكل شئ من شهوات الدنيا مباح لهم من فروج النساء وغير ذلك من نكاح الاخوات والبنات والخالات وذوات البعولة، وكذلك الميتة والخمرو الدم، فاستقبح مقالتهم كل الفرق ولعنهم كل الامم،


(1) بكسر الحاء المهملة ثم الزاى المعجمة، تأتى قصته في كتاب قصص الانبياء. (2) في نسخة: مناهج الدين. (3) خوى البيت: سقط وتهدم. فرغ وخلا. (4) تقدم بطلان هذه الحجة المزعومة وأن المتمسكين بها حذفوا صدر الحديث ليوافق مزعمتهم. راجع المجلد الثالث: ص 11 – 14. (5) في المصدر: في أعلى درجة من الدنيا.

[ 177 ]

فلما سألوا الحجة زاغوا وحادوا، فكذب مقالتهم التوراة، ولعنهم الفرقان، وزعموا مع ذلك أن إلههم ينتقل من قالب إلى قالب، وأن الارواح الازلية هي التي كانت في آدم، ثم هلم جرا تجري إلى يومنا هذا (1) في واحد بعد آخر، فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل على أن أحدهما خالق صاحبه ؟ وقالوا: إن الملائكة من ولد آدم، (2) كل من صار في أعلى درجة دينهم خرج من منزلة الامتحان و التصفية فهو ملك، فطورا تخالهم (3) نصارى في أشياء، وطورا دهرية يقولون: إن الاشياء على غير الحقيقة، قد كان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحمان، لان الدواب عندهم كلها من ولد آدم حولوا من صورهم، فلا يجوز أكل لحوم القرابات. (4) قال: ومن زعم أن الله لم يزل ومعه طينة موذية (5) فلم يستطع التفصي منها إلا بامتزاجه بها ودخوله فيها، فمن تلك الطينة خلق الاشياء قال: سبحان الله وتعالى ما أعجز إلها يوصف بالقدرة لايستطيع التفصي من الطينة ؟ إن كانت الطينة حية أزلية فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبرا العالم من أنفسهما، فإن كان ذلك كذلك فمن أين جاء الموت والفناء ؟ وإن كانت الطينة ميتة فلابقاء للميت مع الازلي القديم، والميت لا يجئ منه حي، هذه مقالة الديصانية أشد الزنادقة قولا وأهملهم (6) مثلا، نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم وحبروها لهم بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت ولا حجة توجب إثبات ما ادعوا، كل ذلك خلافا على الله وعلى رسله وتكذيبا بما جاؤوا به عن الله، فأما من زعم أن الابدان ظلمة والارواح نور وأن النور لا يعمل الشر والظلمة لاتعمل الخير فلاتجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصية، ولا ركوب حرمة ولا إتيان


(1) في نسخ هكذا: ثم هلم جرا إلى يومنا هذا. وفى نسخة: ثم هي هلم جرا تجرى اه‍. (2) في نسخة: إن الملائكة من صلب آدم. (3) في نسخة: تختالهم. وفى هامش المصدر حكى عن نسخة: اختالهم. (4) قد أخرج المصنف قوله: (عمن قال بتناسخ الارواح) إلى هنا في باب ابطال التناسح، وله هناك بيان للحديث وابطال للتناسخ راجع ج 4 ص 320 – 322. (5) في هامش المصدر: مؤدية خ ل. (6) في المصدر: وأمهنهم مثلا. أي أضعفهم وأحقرهم.

[ 178 ]

فاحشة، وأن ذلك على الظلمة غير مستنكر، (1) لان ذلك فعلها، ولاله أن يدعو ربا ولا يتضرع إليه، لان النور رب، والرب لا يتضرع إلى نفسه ولا يستعيذ بغيره، ولا لاحد من أهل هذه المقالة أن يقول: أحسنت أو أسأت، لان الاساءة من فعل الظلمة وذلك فعلها، والاحسان من النور ولا يقول النور لنفسه: أحسنت يا محسن، وليس هناك ثالث فكانت الظلمة على قياس قولهم أحكم فعلا وأتقن تدبيرا وأعز أركانا من النور، لان الابدان محكمة، فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة ؟ وكل شئ يرى ظاهرا من الزهر والاشجار والثمار والطير والدوات يجب أن يكون إلها، ثم حبست النور في حبسها والدولة لها. وأما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور فدعوى، وينبغي على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل لانه أسير، وليس له سلطان فلافعل له ولا تدبير، وإن كان له مع الظلمة تدبير فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز، فإن لم يكن كذلك وكان أسير الظلمة فإنه يظهر في هذا العالم إحسان وخير مع فساد وشر فهذا يدل على أن الظلمة تحسن الخير وتفعله كما تحسن الشر وتفعله، فإن قالوا محال ذلك فلانور يثبت ولا ظلمة وبطلت دعواهم ورجع الامر إلى أن الله واحد وما سواه باطل، فهذه مقالة ماني الزنديق وأصحابه، وأما من قال: النور والظلمة بينهما حكم، فلابد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم، لانه لا يحتاج إلى الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم، وهذه مقالة المدقونية، (2) والحكاية عنهم تطول.


(1) في المصدر: وان ذلك عن الظلمة غير مستنكر. (2) في نسخة: وهذه مقالة المرقوبية وفى هامش المصدر: المانوية خ ل المتقرنية والظاهر أن الجميع مصحف، والصحيح: المرقيونية، أصحاب مرقيون وهم قبل الديصانية، وهم طائفة من النصارى أقرب من المنانية والديصانية، زعمت المرقيونية أن الاصلين القديمين النور والظلمة، وأن ههنا كونا ثالثا مزجها و خالطها، وقالت بتنزيه الله عزوجل عن الشرورو أن خلق جميع الاشياء كلها لا يخلو عن ضرر، وهو مجل عن ذلك، واختلفوا في الكون الثالث، فقالت طائفة منم: هو الحياة وهو عيسى وزعمت طائفة ان عيسى رسول ذلك الكون الثالث وهو الصانع للاشياء بأمره وقدرته الا انهم أجمعوا على ان العالم محدث وأن الصنعة بينة فيه لا يشكون في ذلك، وزعمت ان من جانب الزهومات و المسكر وصلى لله دهره وصام ابدا افلت من حبائل الشيطان، وللمرقونية كتاب يختصون به، يكتبون =

[ 179 ]

قال: فما قصة ماني ؟ قال: متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية، (1) فأخطأ الملتين ولم يصب مذهبا واحدا منهما، وزعم أن العالم دبر من إلهين: نور وظلمة، وأن النور في حصار من الظلمة على ما حكينا منه، فكذبته النصارى وقبلته المجوس. (2) قال: فأخبرني عن المجوس أبعث الله إليهم نبيا ؟ فإني أجدلهم كتبا محكمة و مواعظ بليغة وأمثالا شافية يقرون بالثواب والعقاب ولهم شرائع يعملون بها. قال: مامن امة إلا خلافيها نذير وقد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله فأنكروه وجحدوا لكتابه. قال: ومن هو فإن الناس يزعمون أنه خالد بن سنان ؟ قال (عليه السلام): إن خالدا كان غريبا بدويا (3) ما كان نبيا وإنما ذلك شئ يقوله الناس قال: أفزردشت ؟ قال: إن زردشت أتاهم بزمزمة (4) وادعى النبوة فآمن منهم قوم وجحده قوم فأخرجوه فأكلته السباع في برية من الارض. قال: فأخبرني عن المجوس كانوا أقرب إلى الصواب في دهرهم أم العرب ؟ قال: العرب في الجاهلية كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس وذلك أن المجوس


= به ديانتهم، ولمرقيون كتاب انجيل سماه. قاله ابن النديم في الفهرست: 474، وترجمهم الشهرستاني في ملله 2: 91 وقال: اثبتوا قديمين اصلين متضادين: احدهما النور، والاخر الظلمة واثبتوا أصلا ثالثا هو المعدل الجامع وهو سبب المزاج، فان المتنافرين المتضادين لا يمتزجان الا بجامع، وقالوا: الجامع دون النور في الرتبة، وفوق الظلمة، وحصل من الاجتماع والامتزاج هذا العالم اه‍. (1) أي خلطها بالنصرانية (2) أخرجه المصنف من قوله: (من زعم أن الله لم يزل معه طينة موذية) إلى هنا في كتاب التوحيد في باب التوحيد ونفى الشريك، وذكر هناك توضيحا وتحقيقا، فيه بيان لفرق الثنوية و مقالتهم وبطلانه. راجع ج 3 ص 209 – 211. (3) هكذا في النسخ، وفى هامش المطبوع: عربا بدويا وفى المصدر: عربيا بدويا. (4) قال الفيروز آبادى: الزمزمة: تراطن المجوس عندا كلهم وهم صموت لا يستعملون اللسان ولا الشفة في كلامهم لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها فيفهم بعضها عن بعض. وفى النهاية: في حديث قباب بن اشيم: والذى بعثك ما تحرك به لساني ولا تزمزمت به شفتاى. الزمزمة: صوت خفى لا يكاد يفهم ومنه حديث عمر: كتب إلى بعض عماله في أمر المجوس وانههم عن الزمزمة وهى كلام يقولونه عند اكلهم بصوت خفى.

[ 180 ]

كفرت بكل الانبياء وجحدت كتبها وأنكرت براهينها ولم تأخذ بشئ من سننها و آثارها، (1) وأن كيخسرو ملك المجوس في الدهر الاول قتل ثلاثمائة نبي، وكانت المجوس لا تغتسل من الجنابة والعرب كانت تغتسل والاغتسال من خالص شرائع الحنيفية وكانت المجوس لاتختتن وهومن سنن الانبياء، وأن أول من فعل ذلك إبراهيم خليل الله وكانت المجوس لا تغتسل موتاهم ولا تكفنها وكانت العرب تفعل ذلك، وكانت المجوس ترمي الموتى في الصحارى والنواويس (2) والعرب تواريها في قبورها وتلحدلها وكذلك السنة على الرسل إن أول من حفر له قبر آدم أبو البشر والحد له لحد، وكانت المجوس تأتي الامهات وتنكح البنات والاخوات وحرمت ذلك العرب، وأنكرت المجوس بيت الله الحرام وسمته بيت الشيطان والعرب كانت تحجه وتعظمه ويقول: بيت ربنا، وتقر بالتوراة والانجيل وتسأل أهل الكتاب (3) وتأخذ عنهم، وكانت العرب في كل الاسباب أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس. قال: فإنهم احتجوا بإتيان الاخوات أنها سنة من آدم قال: فما حجتهم في إتيان البنات والامهات وقد حرم ذلك آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الانبياء عليهم السلام وكل ما جاء عن الله عزوجل. قال: فلم حرم الله تعالى الخمر ولالذة أفضل منها ؟ قال: حرمها لانها ام الخبائث أو ليس كل شئ (4) يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه ولا يعرف ربه ولا يترك معصية إلا ركبها ولا حرمة إلا انتهكها ولارحما ماسة إلا قطعها ولا فاحشة إلا أتاها، والسكران زمامه بيد الشيطان إن أمره أن يسجد للاوثان سجد وينقاد حيث ما قاده. قال: فلم حرم الدم المسفوح ؟ قال: لانه يورث القساوة، ويسلب الفؤاد رحمته، ويعفن البدن، ويغير اللون، وأكثر ما يصيب الانسان الجذام يكون من أكل الدم. قال: فأكل الغدد ؟ قال: يورث الجذام. قال: فالميتة لم حرمها ؟ قال: (صلوات


(1) في المصدر: وجحدت كتبهم وأنكرت براهينهم ولم يأخذ بشئ من سننهم وآثارهم. (2) جمع الناووس والناؤوس: مقبرة النصارى. ويطلق على حجر منقور تجعل فيه جثة الميت. (3) في نسخة: أهل الكتب. (4) في المصدر: لانها ام الخبائث واس كل شر ا ه‍.

[ 181 ]

الله عليه) فرقا بينها وبين ما يذكر عليه اسم الله (1) والميتة قد جمد فيها الدم وتراجع إلى بدنها فلحمها تقيل غير مرئ لانها يؤكل لحمها بدمها. قال: فالسمك ميتة ؟ قال: إن السمك ذكاته إخراجه حيا من الماء ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه وذلك أنه ليس له دم وكذلك الجراد. قال: فلم حرم الزنا ؟ قال: لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الانساب لاتعلم المرأة في الزنا من أحبلها ولا المولود يعلم من أبوه ولا أرحام موصولة ولاقرابة معروفة. قال: فلم حرم اللواط ؟ قال: من أجل أنه لو كان إتيان الغلام حلالا لاستغنى الرجال عن النساء، وكان فيه قطع النسل وتعطيل الفروج وكان في إجازة ذلك فساد كثير. قال: فلم حرم إتيان البهيمة ؟ قال (عليه السلام): كره أن يضيع الرجل ماءه ويأتي غير شكله ولو أباح ذلك لربط كل رجل أتانا (2) يركب ظهرها ويغشى فرجها فكان يكون في ذلك فساد كثير فأباح ظهورها وحرم عليهم فروجها وخلق للرجال النساء ليأنسوا بهن ويسكنوا إليهن ويكن موضع شهواتهم وامهات أولادهم. قال: فما علة الغسل من الجنابة وإن ما أتى حلال وليس في الحلال تدنيس ؟ قال (عليه السلام): إن الجنابة بمنزلة الحيض، وذلك أن النطفة دم لا تستحكم، ولايكون الجماع إلا بحركة شديدة وشهوة غالبة، وإذا فرغ تنفس البدن ووجد الرجل من نفسه رائحة كريهة فوجب الغسل لذلك، وغسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن الله تعالى عليها عبيده ليختبرهم بها. قال: أيها الحكيم فما تقول فيمن زعم أن هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة ؟ قال: يحتاجون إلى دليل أن هذا العالم الاكبر والعالم الاصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك (3) وتدور حيث دارت متعبة لاتفتر، وسائرة


(1) في المصدر: قال: فرقا بينها وبين ما يذكى ويذكر اسم الله عليه. (2) الاتان: الحمارة. (3) سبح في الماء وبالماء. عام وانبسط فيه، ويستعار لمر النجوم وجرى الفرس وما شاكل.

[ 182 ]

لا تقف. ثم قال: وإن كل نجم منها موكل مدبر (1) فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين، فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال. إلى حال. قال: فمن قال: بالطبائع ؟ (2) قال: من لم يملك البقاء ولاصرف الحوادث وغيرته الايام والليالي لايرد الهرم ولا يدفع الاجل ما تصنع به ؟ (3) قال: فأخبرني عمن زعم أن الخلق لم يزل يتناسلون ويتوالدون، ويذهب قرن ويجئ قرن، تفنيهم الامراض والاعراض وصنوف الآفات، يخبرك الآخر عن الاول وينبئك الخلف عن السلف والقرون عن القرون أنهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر والنبات، في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة الناس بصير بتأليف الكلام ويصنف كتابا قد حبره بفطنته، وحسنه بحكمته، قد جعله حاجزا بين الناس، يأمرهم بالخير ويحثهم عليه، وينهاهم عن السوء والفساد ويزجرهم عنه، لئلايتها وشوا (4) ولا يقتل بعضهم بعضا. قال (عليه السلام): ويحك إن من خرج من بطن امه أمس ويرحل عن الدنيا غدا لاعلم له بما كان قبله ولا ما يكون بعده، ثم إنه لا يخلو الانسان من أن يكون خلق نفسه، أو خلقه غيره، أولم يزل موجودا، فما ليس بشئ لا يقدر على أن يخلق شيئا وهو ليس بشئ، وكذلك ما لم يكن فيكون شيئا يسأل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه، ولو كان الانسان أزليا لم تحدث فيه الحوادث، لان الازلي لا تغيره الايام ولا يأتي عليه الفناء، مع أنالم نجد بناء من غيربان، ولا أثرا من غير مؤثر، ولا تأليفا من غير مؤلف، فمن زعم أن أباه خلقه قيل: فمن خلق أباه ؟ ولو أن الاب هو الذي خلق ابنه لخلقه على شهوته، وصوره على محبته، ولملك حياته، ولجارفيه حكمه، مرض


(1) في المصدر: وإن لكل نجم منها موكل مدبر. (2) أي من قال: بان الموجودات حصلت من الطبائع الاربع وهى الحرارة والبرودة و الرطوبة واليبوسة، ولم يعتقد بوجود صانع ما وراءها. (3) في المصدر هكذا: قال: القدرية فذلك قول من لم يملك البقاء ولاصرف الحوادث وغيرته الايام والليالي لايرد الهرم ولا يدفع الاجل ما يدرى مايصنع به. قلت: فيه اضطراب ظاهر. (4) هاش القوم: اختلطوا واضطربوا ووقعت بينهم الفتنة. تهاوشوا: اختلطوا. وفى المصدر: تهارشوا، من تهارشت الكلاب أي يتقاتلون ويتواثبون.

[ 183 ]

فلم ينفعه، ومات فعجز عن رده، (1) إن من استطاع أن يخلق خلقا وينفخ فيه روحا حتى يمشي على رجليه سويا يقدر أن يدفع عنه الفساد. قال: فما تقول في علم النجوم ؟ قال: هو علم قلت منافعه وكثرت مضراته لانه لا يدفع به المقدور، ولا يتقى به المحذور، إن أخبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء، وإن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله، وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه، و المنجم يضاد الله في علمه بزعمه أنه يرد قضاء الله عن خلقه. (2) قال: فالرسول أفضل أم الملك المرسل إليه ؟ قال: بل الرسول أفضل. قال: فما علة الملائكة الموكلين بعباده يكتبون عليهم ولهم، والله عالم السر وما هو أخفى ؟ قال: استعبدهم بذلك وجعلهم شهودا على خلقه، ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة، وعن معصيته أشد انقباضا، وكم من عبديهم بمعصية فيذكر مكانها فارعوى (3) وكف، فيقول: ربي يراني وحفظتي علي بذلك تشهد، وأن الله برأفته ولطفه أيضا وكلهم بعباده يذبون عنه مردة الشياطين، وهوام الارض، و آفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجئ أمر الله عزوجل. قال: فخلق الخلق للرحمة أم للعذاب ؟ قال: خلقهم للرحمة وكان في علمه قبل خلقه إياهم أن قوما منهم يصيرون إلى عذابه بأعمالهم الرديئة وجحدهم به ؟. قال: يعذب من أنكر فاستوجب عذابه بإنكاره، فبم يعذب من وحده وعرفه ؟ قال: يعذب المنكر لالهيته عذاب الابد، ويعذب المقربه عذابا عقوبة (4) لمعصيته إياه فيما فرض عليه، ثم يخرج ولا يظلم ربك أحدا. قال: فبين الكفر والايمان منزلة ؟ (5) قال: لا. قال: فما الايمان وما الكفر ؟


(1) في المصدر: ولكنه إن مرض فلم ينفعه، وإن مات فعجز عن رده. (2) وقد تقدم احتجاجه (عليه السلام) على بطلان أن الكواكب مؤثرات في العالم وأنها فاعلة مختارة في حديث الاهليلجية راجع ج 3 ص 171 – 180. (3) ارعوى من المعصية أي كف عنه ورجع. (4) في نسخة: ويعذب المقربه عذاب عقوبة. (5) قد زعم واصل بن عطاء الغزال شيخ المتزلة أن بين الكفر والايمان منزلة وهى الفسق، فصاحب الكبيرة لا يكون مؤمنا مطلقا، ولا كافرا مطلقا، بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن =

[ 184 ]

قال: الايمان أن يصدق الله فيما غاب عنه من عظمة الله لتصديقه بما شاهد من ذلك وعاين، والكفر الجحود. قال: فما الشرك وما الشك ؟ قال: الشرك أن يضم إلى الواحد الذي ليس كمثله شئ آخر، والشك ما لم يعتقد قلبه شيئا. قال: أفيكون العالم جاهلا ؟ قال: عالم بما يعلم، وجاهل بما يجهل. قال: فما السعادة وما الشقاوة ؟ قال السعادة سبب خير تمسك به السعيد فيجره إلى النجاة، والشقاوة سبب خذلان تمسك به الشقي فجره إلى الهلكة، وكل بعلم الله تعالى. (1) قال: أخبرني عن السراج إذا انطفأ اين يذهب نوره ؟ قال: يذهب فلا يعود. قال: فما أنكرت أن يكون الانسان مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدا إذا انطفأ ؟ قال: لم تصب القياس، إن النار في الاجسام كامنة (2) والاجسام قائمة بأعيانها، كالحجر والحديد، فإذا ضرب


= ولا كافر، وذلك أن الايمان عبارة عن خصال خير إذا اجتمعت سمى المرء مؤمنا وهو اسم مدح و الفاسق لم يستجمع خصال الخير ولا استحق اسم المدح لا يسمى مؤمنا، وليس هو بكافر مطلق أيضا، لان الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه لاوجه لانكارها، لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة فهو من اهل النار خالدا فيها، إذ ليس في الاخرة الا الفريقان: فريق في الجنة وفريق في السعير، لكنه يخفف عنه العذاب وتكون دركته فوق دركة الكفار. وأكثر الامة على خلافه يقولون: ان صاحب الكبيرة من امة الاسلام مؤمن لاعتقاده بالرسل وبما جاؤوا به، ولكنه فاسق بكبيرته، وفسقه لا ينفى عنه الايمان والاسلام. (1) اشارة إلى بطلان مزعمة أن السعادة والشقاوة ذاتيتان والعبد مجبول عليهما وليستافى حيطته ومقدرته، وأن السعادة سبب خير تمسك به العبد باختياره وارادته فيجره إلى النجاة والسعادة، والشقاوة سبب خذلان تمسك به باختياره وارادته فيجره إلى الشقاوة والهلكة، والله تعالى عالم بان العبد ايهما يختار ويريد. (2) لعله ايعاز إلى أن الاجسام بطبيعتها حاملة وحاوية على الكهرباء، وبتولد الضوء من دلك جسم إلى آخر أو ضربه به، وقد ثبت في علم الطبيعي أن الاجسام بأسرها محتوية على سيالين كهربائيين مختلفى النوع يسمى أحدهما موجبا والاخر سالبا، فقبل دلك الجسمين أو ضربمها يكون كل منهما محتويا في جميع نقطه على مقدارين متساويين من الكهربائية الموجبة والسالبة، ونتيجة الدلك أو الضرب انتقال جزء من السيال المنفى الموجود في أحدهما إلى الاخر الوارث لا نعدام التعادل الموجود بينهما، ويظهر عند ذلك خواص الكهرباء من الضوء وغيره.

[ 185 ]

أحدهما بالآخر سطعت من بينهما نار يقتبس منهما سراج له الضوء، فالنار ثابتة في أجسامها والضوء ذاهب، والروح جسم رقيق قد البس قالبا كثيفا، وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت، إن الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف وركب فيه ضروبا مختلفة من عروق وعصب وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك هو يحييه بعد موته ويعيده بعد فنائه. قال: فأين الروح ؟ قال: في بطن الارض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث. قال: فمن صلب أين روحه ؟ قال: في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الارض. قال: فأخبرني عن الروح أغير الدم ؟ قال: نعم الروح على ما وصفت لك مادته من الدم، ومن الدم رطوبة الجسم، وصفاء اللون، وحسن الصوت، وكثرة الضحك، فإذا جمد الدم فارق الروح البدن. قال: فهل يوصف بخفة وثقل ووزن ؟ قال: الروح بمنزلة الريح في الزق (1) إذا نفخت فيه امتلاالزق منها فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه ولا ينقصها خروجها منه، كذلك الروح ليس لها ثقل ولاوزن. قال: فأخبرني ماجوهر الريح ؟ قال: الريح هواء إذا تحرك سمي ريحا، فإذا سكن سمي هواء، وبه قوام الدنيا، (2) ولو كفت الريح ثلاثة أيام لفسد كل شئ على وجه الارض ونتن، وذلك أن الريح بمنزلة المروحة تذب وتدفع الفساد عن كل شئ و تطيبه، فهي بمنزلة الروح إذا خرج عن البدن نتن البدن وتغير، تبارك الله أحسن الخالقين. قال: أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق ؟ قال: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الاشياء وتفنى فلاحس ولا محسوس، ثم اعيدت الاشياء كما بدأها مدبرها، وذلك أربعمائة سنة تسبت (3) فيها الخلق وذلك بين النفختين. قال: وأنى له بالبعث والبدن قدبلى، والاعضاء قد تفرقت، فعضو ببلدة


(1) زق الحداد: كيره وما ينفخ فيه. (2) اشارة إلى أن الهواء سبب للحياة الحيوانية والنباتية بما فيه من الا وكسيجين (3) سبت: استراح. سبت الرجل: حار.

[ 186 ]

يأكلها سباعها، وعضو باخرى تمزقه هوامها، وعضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط ؟ (1) قال: إن الذي أنشأه من غير شئ وصوره على غير مثال كان سبق إليه قادر أن يعيده كما بدأه. قال: أوضح لي ذلك. قال: إن الروح مقيمة في مكانها: روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح المسئ في ضيق وظلمة، والبدن يصير ترابا منه خلق، (2) وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها مما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الارض، ويعلم عدد الاشياء ووزنها، وأن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين البعث مطرت الارض مطر النشور فتربو الارض ثم تمخض مخض (3) السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض فيجتمع تراب كل قالب فينقل (4) بإذن القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها وتلج الروح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا. قال: أخبرني عن الناس يحشرون يوم القيامة عراة ؟ قال: بل يحشرون في أكفانهم. قال: أنى لهم بالاكفان وقد بليت ؟ قال: إن الذي أحيا أبدانهم جدد أكفانهم. قال: فمن مات بلا كفن ؟ قال: يستر الله عورته بما شاء من عنده. قال: فيعرضون صفوفا ؟ (5) قال: نعم هم يومئذ عشرون ومائة ألف صف في عرض الارض. قال: أو ليس توزن الاعمال ؟ (6) قال (عليه السلام): لا، إن الاعمال


(1) اشارة إلى شبهة الاكل والمأكول ودفعها، وكيفية حشر الاموات. (2) في المصدر: كما منه خلق. (3) مخض الشئ: حركه شديدا. (4) في المصدر: فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه، فينتقل ا ه‍ (5) في المصدر: أفيعرضون صفوفا ؟. (6) أخرجه المصنف قدس سره إلى قوله: (فمن رجح عمله) في كتاب العدل والمعاد في باب الميزان، وذكر هناك الاخبار الواردة في الميزان وما قيل في معناه راجع ج 7 ص 242 – 253.

[ 187 ]

ليست بأجسام، وإنما هي صفة ما عملوا، وإنما يحتاج إلى وزن الشئ من جهل عدد الاشياء ولا يعرف ثقلها وخفتها، وإن الله لا يخفى عليه شئ. قال: فما الميزان ؟ (1) قال: العدل. قال: فما معناه في كتابه: (فمن ثقلت موازينه) ؟ قال: فمن رجح عمله. قال: فأخبرني أو ليس في النار مقنع أن يعذب خلقه بها دون الحيات والعقارب ؟ قال: إنما يعذب بها قوما زعموا أنها ليست من خلقه، إنما شريكه الذي يخلقه، فيسلط الله تعالى عليهم العقارب والحيات في النار ليذيقهم بها وبال ما كانوا عليه فجحدوا أن يكون صنعه. قال: فمن أين قالوا: إن أهل الجنة يأتي الرجل منهم إلى ثمرة يتناولها، فإذا أكلها عادت كهيئتها ؟ قال: نعم ذلك على قياس السراج يأتي القابس فيقتبس منه فلا ينقص من ضوئه شئ وقد امتلات الدنيا منه سرجا. قال: أليسوا يأكلون ويشربون وتزعم أنه لا تكون لهم الحاجة ؟ قال: بلى لان غذاءهم رقيق لاثفل له، بل يخرج من أجسادهم بالعرق. قال: فكيف تكون الحوراء في كل ما أتاها زوجها عذراء ؟ قال: لانها خلقت من الطيب لا تعتريها عاهة، ولا تخالط جسمها آفة، ولا يجري في ثقبها شئ، ولا يدنسها حيض، فالرحم ملتزقة، (2) إذ ليس فيه لسوى الاحليل مجرى. قال: فهي تلبس سبعين حلة ويرى زوجها مخ ساقها من وراء حللها وبدنها ؟ قال: نعم كما يرى أحدكم الدراهم إذا القيت في ماء صاف قدره قيد رمح. قال: فكيف ينعم أهل الجنة بما فيها من النعيم وما منهم أحد إلا وقد افتقد ابنه أو أباه أو حميمه أو امه ؟ فإذا افتقدوهم في الجنة لم يشكوا في مصيرهم إلى النار، فما يصنع بالنعيم من يعلم أن حميمه في النار يعذب ؟ قال (عليه السلام): إن أهل العلم قالوا:


(1) في المصدر: فما معنى الميزان ؟. (2) في المصدر: فالرحم ملتزقة ملدم.

[ 188 ]

إنهم ينسون ذكرهم، وقال بعضهم: انتظروا قدومهم ورجوا أن يكونوا بين الجنة و النار في أصحاب الاعراف. قال: فأخبرني عن الشمس أين تغيب ؟ قال: ان بعض العلماء قالوا: إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك إلى بطن السماء صاعدة أبدا إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها – يعني أنها تغيب في عين حامئة ثم تخرق الارض راجعة إلى موضع مطلعها – فتحير تحت العرش (1) حتى يؤذن لها بالطلوع، ويسلب نورها كل يوم ويتجلل نورا آخر. قال: فالكرسي أكبر أم العرش ؟ قال: كل شئ خلقه الله تعالى في جوف الكرسي خلا عرشه فإنه أعظم من أن يحيط به الكرسي. قال: فخلق النهار قبل الليل ؟ قال: نعم خلق النهار قبل الليل، والشمس قبل القمر، والارض قبل السماء، ووضع الارض قبل الحوت، والحوت في الماء، والماء في صخرة مجوفة، والصخرة على عاتق ملك، والملك على الثرى، والثرى على الريح العقيم، والريح على الهواء، والهواء تمسكه القدرة، وليس تحت الريح العقيم إلا الهواء والظلمات ولا وراء ذلك سعة ولا ضيق ولا شئ يتوهم، ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات والارض، والكرسي أكبر من كل شئ خلق، (2) ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي. بيان: هذا الخبر وإن كان مرسلا لكن أكثر أجزائه أوردها الكليني والصدوق متفرقة في المواضع المناسبة لها، وسياقه شاهد صدق على حقيته. (3)


(1) في نسخة: تحت الارض. (2) في المصدر: والكرسي أكبر كل شئ خلقه الله. (3) وللحديث قطعات اخرى لم يخرجها الطبرسي وأخرجها الكليني باسناد سبق ذكره في كتاب الكافي في باب حدوث العالم وباب اطلاق القول بانه شئ، وباب آخر من صفات الذات، وباب الارادة انها من صفات الفعل. راجع الاصول ج 1 ص 80 و 83 و 108 و 110. وأخرجها الصدوق بأسانيده في كتاب التوحيد في باب انه تبارك وتعالى شئ، وفى باب صفات الذات و الافعال، وفى باب معنى رضاه وسخطه، وفى باب الرد على الزنادقة راجع التوحيد ص 92 و 134 و 160 و 248.

[ 189 ]

قوله (عليه السلام): (إثبات العيان) أي كإثبات العيان والمشادة. قوله (عليه السلام): (وأبصرته) الاسناد مجازي، أو المراد بالابصار البصائر. قوله (عليه السلام): (ليس للمحال جواب) أي أي ما فرضت من ظهوره تعالى للابصار محال، ومن أتى بالمحال ليس له جواب، وفي بعض النسخ: (ليس للمحيل جواب) أي لمن أتى بالمحال، وفي بعضها (للمحل) أي لا يمكن الجواب عن تلك المسألة على وجه يوافق فهمك، لانك سألت عن قدرة الله على المحال، فإن أجبت بأنه محال توهمت أن ذلك من نقص القدرة. قوله (عليه السلام): (والقديم لا يكون حديثا) أي ما يكون وجوده أزليا لا يكون محدثا معلولا، فيكون واجب الوجود بذاته فلا يعتريه التغير والفناء، وقد نسب إلى بعض الحكماء أنه قال: المبدع الاول هو مبدع الصور فقط دون الهيولى، فإنها لم تزل مع المبدع، فأنكر عليه سائر الحكماء وقالوا: إن الهيولى لو كانت أزلية قديمة لما قبلت الصور، ولما تغيرت من حال إلى حال، ولما قبلت فعل غيرها، إذا لازلي لا يتغير. قوله (عليه السلام): (فمن أين جاءت هذه الالوان المختلفة) (1) لعل هذا الكلام مبني على ما زعموا من أن كل حادث لابدله من منشأ ومبدء يشاكله ويناسبه في الذات والصفات، فألزمه (عليه السلام) ما يعتقده، أو المراد أن الاحتياج إلى المادة إن كان لعجز الصانع تعالى عن إحداث شئ لم يكن فلابد من وجود الاشياء بصفاتها في المادة حتى يخرجها منها، وهذا محال لاستلزامه كون المادة ذات حقائق متبائنة، واتصافها بصفات متضادة، وإن قلتم: إنها مشتملة على بعضها فقد حكمتم بإحداث بعضها من غير مادة فليكن الجميع كذلك، وإن قلتم: إن جوهر المادة يتبدل جوهرا آخرو أعراضها أعراضا آخر فقد حكمتم بفناء ما هو أزلي وهذا محال كما مر، وبحدوث شئ آخر من غير شئ وهذا مستلزم للمطلوب.


(1) لعل حاصل كلامه (عليه السلام) أن المادة الاولية التى قلتم بوجودها ازلا معه تعالى لابد أن تكون واحدة، وإلا لدل تعددها واختلافها في الالوان والصفات على تركيبها وحدوثها، ولو كانت واحدة يلزمكم أن تقولوا: إن الجواهر الكثيرة والالوان المختلفة وجدت لامن شئ وهو كر على ما فررتم منه.

[ 190 ]

وأما ما ذكره (عليه السلام) في الحياة والموت فيرجع إلى ما ذكرنا، وملخصه أنه لا يخلو إما أن تكون مادة الكل حيا بذاته أو ميتا بذاته، أو تكون الاشياء من أصلين: أحدهما حي بذاته، والآخر ميت بذاته، وهذا أيضا يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون كل شئ مأخوذا من كل من الحي والميت، والثاني أن يكون الحي مأخوذا من الحي و الميت ماخوذا من الميت، فأبطل (عليه السلام) الاول بأنه لو حصل الميت بذاته عن الحي بذاته يلزم زوال الحياة الازلية عن هذا الجزء من المادة وقد مر امتناعه، أو تبدل الحقيقة التي يحكم العقل بديهة بامتناعه ولو قيل بإعدام الحي وإنشاء الميت فيلزم المفسدة الاولى مع الاقرار بالمدعى وهو حدوث الشئ لامن شئ وبهذا يبطل الثاني وكذا الثالث، لان الجزء الحي من المادة يجري فيه ما سبق إذا حصل منه ميت وأشار إليه بقوله: (لان الحئ لا يجئ منه ميت) وأشار إلى الرابع بقوله: (ولا يجوز أن يكون الميت قديما) وبه يبطل الثاني والثالث أيضا، وتقريره أن الازلي لابد أن يكون واجب الوجود بذاته كاملا بذاته، لشهادة العقول بأن الاحتياج والنقص من شواهد الامكان المحوج إلى المؤثر والموجد فلا يكون الازلي ميتا. قوله (عليه السلام): (واضطرار النفس) عطف على دوران الفلك. قوله: (أمختلف هو أم مؤتلف) أي أهو مركب من أجزاء مختلفة الحقيقة، أم من أجزاء متفقة الحقيقة، فأجاب (عليه السلام) بنفيهما. قوله (عليه السلام): (فلا يكون دار عمل دار جزاء) أي لا يصلح كون دار العمل دار جزاء، لان الاختيار والتكليف يقتضي كون دار العمل مشوبا بالراحة والآلام والصحة والاسقام، ولا تكون ذات نعم خالصة ليصلح لكونها محل جزاء للمطيعين، ولايكون عقوباتها خالصة وإلا لزم الالجاء وينافي التكليف فلا يصلح كونها دار عقاب للعاصين والكافرين. قوله (عليه السلام): (أنه بمنزلة الطب) أي أن الله تعالى كما جعل لبعض الادوية المضرة تأثيرا في البدن ثم جعل في بعض الادوية ما يدفع ضرر تلك الادوية فكذلك جعل لبعض


[ 191 ]

الا عمال تأثيرا في أبدان الخلق وعقولهم، فهذا هو السحر، وأجرى على لسان الانيياء و الاوصياء آيات وأدعية وأسماء وأعمالا تدفع ضرر ذلك عنهم، فالمراد بقوله: (فجاء الطبيب) أي العالم بما يدفع السحر بالآيات والادعية، ويحتمل أن يكون بعض أنواع السحر يدفع بعمل الطب أيضا. قوله (عليه السلام): (إن المرض على وجوه شتى) لعله (عليه السلام) جعل مرض الاطفال من القسم الاول، لانه ابتلاء للابوين لينظر كيف صبرهم وشكرهم، والحاصل أنه (عليه السلام) أبطل ما توهمه السائل وبنى عليه كلامه من أن المرض لا يكون إلا عقوبة لذنب. قوله (عليه السلام): (وأشربة وبية) أي مورثة للوباء وهو الطاعون، وأصله الهمز. قوله: (شاخ) أي صار شيخا، ودق بصره أي ضعف، أي ضعف، أو على بناء المجهول أي عمى قوله (عليه السلام): (ولم يألوا) أي ولم يقصروا. قوله (عليه السلام): (غرلا) هو جميع الاغرل بمعنى الاقلف: الذي لم يختتن. ويقال: مرجت الدابة أمرجها بالضم مرجا: إذا أرسلتها ترعى، وقال قوم: فعل قوم: فعل وأفعل فيه بمعنى. قوله عليه السلام: (أكثر من معرفة من تجب عليه معرفته) أي الطبيعة التي يقولون إنها الصانع، أو الدهر، ويحتمل أن يكون هذا بيان مذاهب جماعة منهم يقولون بالصانع وأنه حل في الاجسام كما يدل عليه ما ذكره آخرا. قوله (عليه السلام): (على غير الحقيقة) أي بغير صانع ومدبر، لان ما جعلوه صانعا فهو ليس بصانع حقيقة، وأما شباهتهم بالنصارى فمن جهة قولهم بالحلول، وإن الارواح بعد كمالها تتصل بالاجرام الفلكية. قوله: (لم يزل ومعه طينة موذية) قال صاحب الملل والنحل: الديصانية أصحاب ديصان أثبتوا أصلين: نورا وظلاما، فالنور يفعل الخير قصدا واختيارا، والظلام يفعل الشر طبعا واضطرارا، فما كان من خير ونفع وطيب وحسن فمن النور، وما كان من شروضر ونتن وقبح فمن الظلام، (1)


(1) في المصدر هنا زيادة تركها المصنف اختصارا، وهى هكذا: وزعموا أن النور حى عالم قادر حساس دراك، ومنه يكون الحركة والحياة، والظلام ميت جاهل عاجز جماد جراد لافعل لها =

[ 192 ]

واختلفوا في المزاج والخلاص فزعم بعضهم أن النور داخل الظلمة والظلمة تلقاه بخشونة وغلظ فتأذى بها وأحب أن يرققها ويلينها ثم يتخلص منها، وليس ذلك لاختلاف جسمها، (1) ولكن كما أن المنشار جنسه حديد وصفيحته لينة وأسنانه خشنة فاللين في النور، والخشونة في الظلمة، وهما جنس واحد فتلطف للنور بلينة حتى يدخل تلك الفرح، (2) فما أمكنه إبتلك الخشونة، فلا يتصور الوصول إلى كمال ووجود إلا بلين وخشونة. وقال بعضهم: بل الظلام احتال حتى تشبث بالنور من أسفل صفيحته فاجتهد النور حتى يتخلص منه ويدفعها عن نفسه فاعتمد عليه فلحج (3) فيه، وذلك بمنزلة الانسان الذي يريد الخروج من وحل وقع فيه فيعتمد على رجله ليخرج فيزداد ولوجا فيه، (4) فاحتاج النور إلى زمان ليعالج التخلص منه والتفرد بعالمه. وقال بعضهم: إن النور إنما دخل الظلام اختيارا ليصلحها ويستخرج منها أجزاء صالحة لعالمه، فلما دخل تشبث به زمانا فصار يفعل الجور والقبيح اضطرارا لااختيارا، ولو انفرد في عالمه ماكان يحصل منه إلا الخير المحض والحسن البحت، وفرق بين الفعل الضروري وبين الفعل الاختياري انتهى. (5)


= ولا تمييز، وزعموا أن الشر يقع منه طباعا وخرقا، وزعموا أن النور جنس واحد، وكذلك الظلام جنس واحد، وأن إدراك النور إدراك متفق، وأن سمعه وبصره وسائر حواسه شئ واحد، فسمعه هو بصره، وبصره هو حواسه، وانما قيل: سميع بصير لاختلاف التركيب، لا لانهما في نفسيهما شيئان مختلفان. وزعموا أن اللون هو الطعم، وهو الرائحة وهو المجسة، وإنما وجده لونا لان الظلمة خالطته ضربا من المخالطة، ووجده طعما لانها خالطته بخلاف ذلك الضرب، وكذلك تقول في لون الظلمة وطعمها ورائحتها ومجستها، وزعموا أن النور بياض كله (وأن الظلمة سواد كلها) لم يزل يلقى الظلمة بأسفل صفحته منه، وأن الظلمة لم تزل تلقاه بأعلى صفحته منها. (1) في المصدر: وليس ذلك لاختلاف جنسهما. (2) في نسخة: حتى يدخل فيما بين تلك الفرج. (3) لحج إليه: لجا. لحج السيف: نشب في الغمد فلا يخرج. بالمكان: لزمه. وفى نسخة: فولج فيه. وفى المصدر المطبوع بالقاهرة: فلجج فيه. (4) وفى المصدر المطبوع بالقاهرة: فيزداد لجوجا فيه. (5) الملل والنحل 2: 89 – 91 ط القاهرة، وص 124 ط ايران.

[ 193 ]

وقد مرمنا القول في بيان اختلاف مذاهبهم وتطبيق الخبر عليها في كتاب التوحيد. (1) قوله (عليه السلام): (أتاهم بزمزمة) الزمزمة: الصوت البعيد له دوي، والمراد أنه أتاهم بكلام غير مفهوم بعيد عن الاذهان مبائن للحق. قوله (عليه السلام): (فرقا بينهما) لما كانت الميتة نوعين: إحداهما ما اخل فيها بأصل الذبح، والثانية ما اخل فيها بشرائط الذبح فأشار (عليه السلام) إلى الثانية بقوله: (فرقا بينها) والحاصل أن الحكمة فيه غرض يتعلق بأديان الناس لا بأبدانهم، وأشار إلى الاولى بقوله: (والميتة قد جمد فيها الدم) وتنفس البدن كناية عن العرق. قوله (عليه السلام): (إن من خرج من بطن امه أمس) حاصله أن الانبياء يخبرون الناس بما كان وما يكون، فلو كان كما زعمه السائل أنى لهم علم ذلك ؟. قوله: (فما ليس بشئ لا يقدر على أن يخلق شيئا وهو ليس بشئ) هذا إبطال للشق الاول و هو أن يكون خلق نفسه، وهو مبني على ما يحكم به العقل من تقدم العلة على المعلول بالوجود، ولما كان الشق الثاني متضمنا لما هو المطلوب وهو كون الصانع سوى هذه الممكنات الحادثة، ولما هو غير المطلوب وهو كون صانعه مثله في الحدوث أبطل هذا بقوله: (وكذلك ما لم يكن فيكون) أي لا يمكن أن يكون صانعه شيئا لم يكن فوجد، وهو بحيث إذا سئل لا يعلم كيف ابتدأ نفسه، لان الممكن الذي اكتسب الوجود من غيره وهو في معرض الزوال لا يتأتى منه إيجاد غيره. ويحتمل أن يكون ضمير (ابتداؤه) راجعا إلى المعلول، أي كيف يكون إنسان موجدا لانسان آخر مع أنه إذا سئل لا يعلم كيف كان ابتداء خلق هذا الآخر، ويحتمل أن يكون على الوجه الاول دليلا آخر على إبطال الشق الاول، أي لا يكون الانسان موجدا لنفسه وإلا لكان يعلم ابتداء خلقه. وقوله: (مع أنالم نجد) دليل آخر على إبطال ما سبق، مبنيا على ما يحكم به العقل من أن التركيب والتأليف يوجب الاحتياج إلى المؤثر. ثم قال: فلو قيل: إن خالق الابن هو الاب ننقل الكلام إلى الاب حتى


(1) راجع ج 3: 211 – 219.

[ 194 ]

ينتهي إلى صانع غير مؤلف ولا مركب لا يحتاج إلى صانع آخر، وإنما خص الاب لانه أقرب الممكنات إليه، ثم أبطل كون الاب خالقا بوجه آخر وهو أنه لو كان خالقا لابنه لخلقه على ما يريده ويشتهيه ولملك حياته وبقاءه إلى آخر ما ذكره (عليه السلام). قوله: (يعذب المنكر لالهيته) منكر كل من اصول الدين داخل في ذلك. قوله (عليه السلام): (إن النار في الاجسام كامنة) ظاهره يدل على مذهب الكمون والبروز، ويمكن أن يكون المراد أنها جزؤ للمركبات، أو لما كان من ملاقات الاجسام يحصل النار حكم بكمونها فيها مجازا، وحاصل ما ذكره (عليه السلام) من الفرق أن ما يعدم عند انطفاء السراج هو الضوء، وأما جسم النار فهو يستحيل هواء ولا ينعدم، والروح ليس بعرض مثل الضوء حتى ينعدم بتغير محله ولا يعود، بل هو جسم باق بعد انفصاله عن البدن حتى يعود إليه، ثم أزال (عليه السلام) استبعاده إعادة البدن وإعادة الروح إليه بقوله: (إن الذي خلق في الرحم). قوله (عليه السلام): (فتربو الارص) أي ترتفع، وظاهر الخبر انعدام الصور ثم عودها بعد فنائها وبقاء مواد الابدان. قوله (عليه السلام): (لا ينكر من نفسه شيئا) أي يعرف أجزاء بدنه كما كان لم يتغير شئ منها. قوله (عليه السلام): (قيد رمح) بالكسر أي قدره. قوله: (وقال بعضهم: انتظروا) لعل في هذا التبهيم مصلحة، وأحدهما قول المعصوم، والآخر قول غيره، ويحتمل أن يكون بعضهم ينسون وبعضهم ينتظرون، وكل معصوم ذكر حال بعضهم. قوله (عليه السلام): (ثم تخرق الارض) أي تذهب تحتها. قوله: (ولاوراء ذلك سعة ولاضيق) أي سوى السماوات، أي ليس بين تلك الفضاء المظلم وبين السماء شئ، والله يعلم. 3 – يد: الدقاق، عن أبي القاسم العلوي، عن البرمكي، عن الحسين بن الحسن عن إبراهيم بن هاشم القمي، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله (عليه السلام) (1) فكان من قول أبي عبد الله (عليه السلام) له: لا يخلو


(1) قد أخرج المصنف مواضع من الحديث عن التوحيد والاحتجاج في كتاب التوحيد وفصل في تفسيره وشرح معضلاته، فمن شاء التفصيل فليراجع هناك.

[ 195 ]

قولك: إنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويا والآخر ضعيفا، فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه وينفرد بالتدبير ؟ وإن زعمت أن أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول، للعجز الظاهر في الثاني، وإن قلت إنهما اثنان لم يخلو (1) من أن يكونا متفقين من كل جهة، أو مفترقين من كل جهة، فلما رأينا الخلق منتظما والفلك جاريا (2) واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر دل صحة الامر والتدبير وائتلاف الامر على أن المدبر واحد، ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فلابد من فرجة بينهما (3) حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما فليزمك ثلاثة، وإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين حتى يكون بينهما فرجتان فيكون خمسة، ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية في الكثرة. قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه ؟ (4) قال أبو عبد الله (عليه السلام): وجود الافاعيل التي دلت على أن صانعا صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا وإن كنت لم ترالباني ولم تشاهده ؟ قال: فما هو ؟ قال هو شئ بخلاف الاشياء، ارجع بقولي: شئ إلى إثبات معنى وأنه شئ بحقيقة الشيئية، غير أنه لاجسم ولا صورة، ولا يحس ولا يجس، ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الاوهام، ولا تنقصه الدهور، ولا يغيره الزمان. (5) قال السائل فتقول: إنه سميع بصير ؟ قال: هو سميع بصير، سميع بغير


(1) في نسخة وفى الكافي: لم يخل (2) في الكافي هنا زيادة وهى هذه: والتدبير واحدا. (3) في الكافي: ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فرجة بينهما ؟ (4) أي ما قلت دليل على وحدته فما الدليل على وجوده. (5) أخرجه الكليني إلى هنا في الاصول من الكافي في باب حدوث العالم باسناده عن على بن إبراهيم. وأخرج قوله: فتقول: (انه سميع بصير) إلى قوله: (ولا اختلاف المعنى) بالاسناد تارة في باب آخر من صفات الذات، واخرى إلى قوله: (فعال لما يشاء) في باب اطلاق القول بانه شئ، وأخرج بعده إلى قوله: (العاجزين المحتاجين) في باب الارادة انها من صفات الفعل، مع اختلاف في ألفاظه أو عزنا إلى بعضه.

[ 196 ]

جارحة، وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه، ويبصر بنفسه، ليس قولي: إنه يسمع بنفسه ويبصر بنفسه (1) أنه شئ والنفس شئ آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا، وإفهاما لك إذ كنت سائلا، وأقول: يسمع بكله، (2) لا أن الكل منه له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى. قال السائل: فما هو ؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): هو الرب، وهو المعبود، وهو الله، وليس قولي: (الله) إثبات هذه الحروف: ألف، لام، لاه ولكني أرجع إلى معنى هو شئ خالق الاشياء وصانعها، وقعت عليه هذه الحروف، وهو المعنى الذي يسمى به الله والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه، وهو المعبود عزوجل قال السائل: فإنالم نجد موهوما إلا مخلوقا. قال أبو عبد الله (عليه السلام): لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنامرتفعا، لانا نكلف أن نعتقد غير موهوم، ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك فما تحده الحواس (3) وتمثله فهو مخلوق، ولابد من إثبات صانع للاشياء خارج من الجهتين المذمومتين: إحداهما النفي إذ كان النفي هو الابطال والعدم، والجهة الثانية التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، (4) فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين، والاضطرار منهم إليه ثبت (5) أنهم مصنوعون، وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا، وتنقلهم من صغر إلى كبر وسواد إلى بياض وقوة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها.


(1) في الكافي: ليس قولى: انه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه اه‍ (2) في الكافي: فأقول: انه سميع بكله. (3) في نسخة: مدرك مما تحده الحواس. وفى المصدر: مدرك بها تحده الحواس. وفى هامشه: مدرك فما تجده الحواس خ ل وفى الكافي: مدرك به تحده الحواس. (4) في الكافي: والجهة الثانية التشبيه، إذ كان التشبيه هو صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف. (5) في هامش التوحيد: يثبت خ ل.

[ 197 ]

قال السائل: فقد حددته إذ أثبت وجوده، قال أبو عبد الله (عليه السلام): لم احدده ولكن أثبته، إذ لم يكن بين الاثبات والنفي منزلة. قال السائل: فله إنية ومائية ؟ قال: نعم لا يثبت الشئ إلا بإنية ومائية. (1) قال السائل: فله كيفية ؟ (2) قال: لا، لان الكيفية جهة الصفة والاحاطة،


(1) قال المصنف في مرآة العقول 1: 60 قوله: (فله إنية ومائية) أي وجود منتزع وحقيقة ينتزع منها الوجود ؟ فأجاب وقال: نعم لا يثبت الشئ أي لا يكون موجودا الابانية ومائية، أي مع وجود حقيقة ينتزع الوجود منها. وقال بعض المحققين: وينبغى أن يعلم ان الوجود يطلق على المنتزع المخلوط بالحقيقة العينية عينا وعلى مصحح الانتزاع، والمنتزع غير الحقيقة في كل موجود والمصحح في الاول تعالى حقيقة العينية وإن دلنا عليه غيره، والمصحح في غيره تعالى مغاير للحقيقة والمهية، فالمعنى الاول مشترك بين الموجودات كلها، والمعنى الثاني في الواجب عين الحقيقة الواجبة، والمراد هنا المعنى الاول لاشعار السؤال بالمغايرة وكذا الجواب، لقوله: (لا يثبت الشئ إلا بانية ومائية) حيث جعل الكل مشتركا فيه، والمشترك فيه انية مغايرة للمائية. وقال بعضهم: قوله: (فله انية ومائية) أي إذا ثبت ان هذا المفهوم العام المشترك المتصور في الذهن خارج عن وجوده الخاص وذاته فاذن له انية مخصوصة ومائية غير مطلق الوجود هو بها هو، فقال (عليه السلام): نعم لا يوجد الشئ الا بنحو خاص من الوجود والمائية، لا بمجرد الامر الاعم. واعلم ان للماهية معنيين: احدهما ما بازاء الوجود كما يقال: وجود الممكن زائد على ماهيته، والماهية بهذا المعنى مما يعرضه العموم والاشتراك، فليست له تعالى ماهية بهذا المعنى، وثاينهما ما به الشئ هو هو، وهذا يصح له. (2) سأل ذلك لما رأى في الشاهد كل ماله انية ومائية فله كيفية، فأجاب بنفى الكيفية عنه تعالى بانها صفة كمالية متقررة زائدة على ذات ما اتصف بها، والبارئ جل شانه مستغن بذاته عن كمال زائد، ووصف الكيفية بالاحاطة لانها مما تغشى الذات الموصوفة بها كالبياض للجسم، والنور للارض، والعلم للنفس، والظاهر أنه سأل عن الكيفيات الجسمانية، أو عن مطلق الصفات الزائدة، ولما نفى عليه السلام جهة الكيفية والصفة الزائدة عنه وعلم أن ههنا مزلة الاقدام قال: لابد من الخروج من جهة التعطيل وهو نفى الصفات بالكلية والوقوع في طرف سلوب هذه الاوصاف الالهية ونقائضها، ومن جهة التشبيه وهو جعل صفاتها كصفات المخلوقين، لان من نفى عنه معاني الصفات فقد أنكر وجود ذاته وعلمه وقدرته وارادته وسمعه وبصره، ورفع ربوبيته وكونه ربا ومبدعاصا نعاقيوما الها خالقا رازقا، ومن شبهه بغيره بأن زعم ان وجوده كوجود غيره وعلمه كعلمهم وقدرته كقدرتهم فقد أثبته بصفة المخلوقين الذين لا يستحقون الربوبية، ولكن لابدان يثبت له علم لا يماثل شيئا من العلوم، وهكذا في سائر الصفات الوجودية، وهذا هو المراد بقوله: له كيفية لا يستحقها غيره، والا فليس شئ من صفاته من مقولة الكيف التى هي من الاجناس، حتى يلزم أن تكون صفته التى هي عين ذاته مركبة من جنس وفصل، فتكون ذاته مركبة كما قيل. وقال بعض المحققين في قوله: (لان الكيفية جهة الصفة والاحاطة): أي الكيفية حال الشئ باعتبار الاتصاف بالصفة والانحفاظ والتحصيل بها، لان الاتصاف فعلية من القوة، فهو بين الفعلية بالصفة الموجودة أو بعدمها، وهو في ذاته بين بين خال من الفعليتين، ففعلية وجوده وتحصله محفوظة بالكيفية، ولا بدله من مهية اخرى، فإذا هو مؤتلف مصنوع تعالى عن ذلك. قاله المصنف في مرآة العقول.

[ 198 ]

ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه، لان من نفاه أنكره ودفع ربوبيته وأبطله، ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية، ولكن لابد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره (1) لا يشارك فيها ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره. قال السائل: فيعاني الاشياء بنفسه ؟ (2) قال أبو عبد الله (عليه السلام): هو أجل من أن يعاني الاشياء (3) بمباشرة ومعالجة، لان ذلك صفة المخلوق الذي لاتجئ الاشياء إليه (4) إلا بالمباشرة والمعالجة، وهو تعالى نافذ الارادة والمشية، فعال لما يشاء. قال السائل: فله رضى وسخط ؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): نعم، وليس ذلك على ما يوجد في المخلوقين، وذلك أن الرضى والسخط دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، (5) وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شئ مما خلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، وإنما خلق الاشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا. قال السائل: فقوله: (الرحمن على العرش استوى) ؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): بذلك وصف نفسه، وكذلك هو مستول عى العرش، بائن من خلقه، من غير أن يكون العرش حاملا له، ولا أن يكون العرش حاويا له، ولا أن العرش محتاز له، ولكنا نقول: هو حامل العرش، وممسك العرش، ونقول من ذلك ما قال: (وسع كرسيه السموات والارض) فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش أو الكرسي


(1) الضمير في لا يستحقها راجعة إلى الذات، وفى الكافي: ولابد من اثبات أن له كيفية لا يستحقها غيره. (2) عانى الشئ: قاساه وعالجه. وفى نسخة من الكتاب والمصدر: فيعاين الاشياء بنفسه. (3) في نسخة من الكتاب والمصدر: هو أجل من أن يعاين الاشياء بمباشرة ومعالجة. (4) في المصدر والكافي: لاتجئ الاشياء له. (5) في الكافي: وذلك أن الرضا حال تدخل عليه فتنقله من حال، لان المخلوق أجوف معتمل مركب، للاشياء فيه مدخل، وخالقنا لامدخل للاشياء فيه لانه واحد واحدى الذات واحدى المعنى، فرضاه ثوابه وسخطه عقابه، من غير شئ يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال، لان ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين.

[ 199 ]

جاويا له، وأن يكون عز وجل محتاجا إلى مكان أو إلى شئ مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه. قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الارض ؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عزوجل أمرأ ولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لانه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن والاخبار عن الرسول (صلى الله عليه وآله) حين قال: (ارفعوا أيديكم إلى الله عزوجل) وهذا يجمع عليه فرق الامة كلها. قال السائل: فمن أين أثبت أنبياء ورسلا ؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عناوعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما (1) لم يجزأن يشاهده خلقه ولا يلامسوه، ولا يباشرهم ولا يباشروه، ويحاجهم ويحاجوه (2) فثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم: فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أن له معبرين وهم الانبياء وصفوته من خلقه، حكماء مؤد بين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيدين من عند الحكيم (3) العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد: من إحياء الموتى، وإبراء الاكمه والابرص، فلاتخلو أرض الله (4) من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته. (5) أقول: في بعض نسخ التوحيد بعد قوله: (فرق الامة كلها) زيادة: قال السائل


(1) في الكافي: حكيما متعاليا. (2) حكى في هامش المصدر عن نسخة: ولا يحاجهم ولا يحاجوه. (3) في المصدر: مؤيدين من عند الله الحكيم. (4) في الكافي: غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شئ من احوالهم، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والانبياء من الدلائل والبرهان، لكيلا تخلو أرض الله من حجة ا ه‍. (5) التوحيد: ص 248 – 253.

[ 200 ]

فتقول: إنه ينزل إلى السماء الدنيا ؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): نقول ذلك لان الروايات قد صحت به والاخبار. قال السائل: وإذا نزل أنيس قدحال عن العرش، وحؤوله عن العرش انتقال ؟ (1) قال أبو عبد الله (عليه السلام): ليس ذلك على ما يوجد من المخلوق الذي ينتقل باختلاف الحال عليه والملالة والسأمة، وناقل ينقله ويحوله من حال إلى، بل هو تبارك وتعالى لا يحدث عليه الحال، ولا يجري عليه الحدوث، فلا يكون نزوله كنزول المخلوق الذي متى تنحى عن مكان خلامنه المكان الاولى، ولكنه ينزل إلى سماء الدنيا بغير معاناة ولا حركة فيكون هو كما في السماء السابعة على العرش كذلك هو في سماء الدنيا، إنما يكشف عن عظمته ويري أولياءه نفسه حيث شاء، ويكشف ما شاء من قدرته، ومنظره في القرب والبعد سواء. (2) أقول: وفي تلك النسخة التي فيها تلك الزيادة زيادة اخرى بعد تمام الخبر وهى هذه: قال مصنف هذا الكتاب قوله (عليه السلام): (إنه على العرش) ليس بمعنى التمكن فيه، ولكنه بمعنى التعالي عليه بالقدرة، يقال: فلان على خير، واستعانه على عمل كذا وكذا، ليس بمعنى التمكن فيه والاستقرار عليه، (3) ولكن ذلك بمعنى التمكن منه والقدرة عليه. وقوله: (في النزول) ليس بمعنى الانتقال وقطع المسافاة، ولكنه على معنى إنزال الامر منه إلى سماء الدنيا، لان العرش هو المكان الذي ينتهى إليه بأعمال العباد من السدرة المنتهى إليه، وقد يجعل الله عزوجل (4) السماء الدنيا في الثلث الاخير من الليل وفي ليالي الجمعة مسافة الاعمال في ارتفاعها أقرب منها في سائر الاوقات إلتى العرش.


(1) في المصدر: وحؤوله عن العرش صفة حدثت ؟ (2) التوحيد: ص 254. (3) في المصدر: والاستواء عليه. (4) في المصدر: وقد جعل الله.

[ 201 ]

وقوله: (يري أولياءه نفسه) فإنه يعني بإظهار بدائع فطرته، (1) فقد جرت العادة بأن يقال للسلطان إذا أظهر قوة وقدرة وخيلا ورجلا: قد أظهر نفسه، وعلى ذلك دل الكلام (2) ومجاز اللفظ. انتهى. (3) أقول: قد مضى تفاسير أجزاء الخبر في كتاب التوحيد، (4) وهذا الخبر جزء من الخبر السابق أيضا فلا تغفل. 4 – من كتاب الغرر للسيد المرتضى رضي الله عنه: قيل: إن الجعد بن درهم (5) جعل في قارورة ماء وترابا فاستحال دودا وهو اما فقال لاصحابه: أنا خلقت ذلك، لاني كنت سبب كونه، فبلغ ذلك جعفر بن محمد عليهما السلام فقال: ليقل: كم هي ؟ وكم الذكران منه والاناث إن كان خلقه ؟ وكم وزن كل واحد منهن ؟ وليأمر الذي سعى إلى هذا الوجه أن يرجع إلى غيره، فانقطع وهرب. 5 – قب: يونس في حديثه قال: سأل ابن أبي العوجاء أبا عبد الله (عليه السلام): لما اختلفت منيات الناس فمات بعضهم بالبطن وبعضهم بالسل ؟ فقال (عليه السلام): لو كانت العلة واحدة أمن الناس حتى تجئ تلك العلة بعينها، فأحب الله أن لا يؤمن على حال.


(1) والدليل على ان الرؤية ليست بمعناه الحقيقي قوله (عليه السلام) بعد ذلك: (وكان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه). (2) في المصدر: وذلك على مستعار الكلام ومجاز اللفظ. (3) التوحيد: ص 254. (4) راجع ج 3 ص 30 و 230 – 240 و 258 وج 4 ص 66 و 69. (5) ترجمه ابن حجر في لسان الميزان 2: 105 قال: الجعد بن درهم عداده في التابعين، مبتدع ضال، زعم أن الله لم يتخذ ابراهيم خليلا ولم يكلم موسى، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر والقصة مشهورة، وللجعد أخبار كثيرة في الزندقة: منها انه جعل في قارورة ترابا وماء فاستحال دودا وهواما، فقال: انا خلقت هذا لانى كنت سبب كونه، فبلغ ذلك جعفر بن محمد فقال: ليقل: كم هو ؟ وكم الذكران منه والاناث إن خلقه، وليأمر الذى يسعى إلى هذا أن يرجع إلى غيره، فبلغه ذلك فرجع.

[ 202 ]

قال: ولم يميل القلب إلى الخضرة أكثر مما يميل إلى غيرها ؟ قال: من قبل أن الله تعالى خلق القلب أخضر، ومن شأن الشئ أن يميل إلى شكله. ويروى أنه لما جاء إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال له: ما اسمك ؟ فلم يجبه، وأقبل (عليه السلام) على غيره، فانكفأ راجعا إلى أصحابه، فقالوا: ما وراءك ؟ قال: شر ابتدأني، فسألني عن اسمي، فإن كنت قلت: عبد الكريم فيقول: من هذا الكريم الذي أنت عبده ؟ فإما اقر بمليك، وإما أظهر مني ما أكتم، فقالوا: انصرف عنه، فلما انصرف قال (عليه السلام): وأقيل ابن أبي العوجاء إلى أصحابه محجوجا قد ظهر عليه ذلة الغلبة فقال من قال منهم: إن هذه للحجة الدامغة، صدق وإن لم يكن خير يرجى ولاشر يتقى فالناس شرع سواء، وإن يكن منقلب إلى ثواب وعقاب فقد هلكنا، فقال ابن أبي العوجاء لاصحابه: أو ليس بابن الذي نكل بالخلق، (1) وأمر بالحلق، وشوه عوراتهم، وفرق أموالهم، وحرم نساءهم ؟. (2) بيان: لعل الخضرة في القلب كناية عن كونه مأمورا بالعلم والحكمة ومحلا لازهار المعرفة، وقد مر في كتاب التوحيد أن الخضرة صورة ومثال للمعرفة. 6 – فس: روي أنه لما سأل رجل من الزنادقة أبا جعفر الاحول فقال: أخبرني عن قول الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) وقال تعالى في آخر السورة: (ولن تستطيعوا أن تعلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل) فبين القولين فرق، فقال أبو جعفر الاحول: فلم يكن في ذلك عندي جواب، فقدمت المدينة فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسألته عن الآيتين فقال: أما قوله: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) فإنما عنى في النفقة، وقوله: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) فإنما عنى في المودة، فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة، فرجع أبو جعفر الاحول إلى الرجل فأخبره، فقال: هذا حملته من الحجاز. (3)


(1) نكل به: صنع به صنيعا يحذر غيره إذا رآه. (2) مناقب آل أبى طالب: ص 332. (3) تفسير القمى: ص 143 سورة النساء.

[ 203 ]

7 – كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لابي حنيفة: (1) يا أبا حنيفة ما تقول في بيت سقط على قوم وبقي منهم صبيان: أحدهما حر، والآخر مملوك لصاحبه فلم يعرف الحر من المملوك ؟ فقال أبو حنيفة: يعتق نصف هذا، ويعتق نصف هذا، ويقسم المال بينهما، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ليس كذلك ولكنه


(1) هو النعمان بن ثابت بن زوطى امام أهل السنة وفقيههم وعظيمهم، قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 13: 323 – 423 النعمان بن ثابت ابو حنيفة التيمى امام أصحاب الرأى، وفقيه أهل العراق، هو من أهل الكوفة، نقله أبو جعفر المنصور إلى بغداد فاقام بها حتى مات، ودفن بالجانب الشرقي منها في مقبرة الخيزران، ثم حكى بطريقه عن عمر بن حماد بن ابى حنيفة انه قال: ابو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى، فأما زوطى فانه من أهل كابل، وولد ثابت على الاسلام، و كان زوطى مملوكا لبنى تيم الله بن ثعلبة فاعتق، فولاؤه لبنى تيم الله ثم لبنى قفل، وكان أبو حنيفة خزازا ودكانه معروف في دار عمر وبن حريث. وحكى بطريقه عن أبى جعفر انه قال: كان أبو حنيفة اسمه عتيك بن زوطرة، فسمى نفسه نعمان وأباه ثابتا، ثم فصل في ترجمته ومناقبه وما قيل في فقهه وعبادته وورعه وجوده وسماحته ووفور عقله إلى أن قال: وقد سقنا عن أيوب السختيانى وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وأبى بكر بن عياش وغيرهم من الائمة اخبارا كثيرة تتضمن تقريظ ابى حنيفة والمدح له والثناء عليه، والمحفوظ عند نقله الحديث عن الائمة المتقدمين وهؤلاء المذكورين منهم ابى حنيفة خلاف ذلك، وكلامهم فيه كثير لامور شنيعة حفظت عليه متعلق بعضها باصول الديانات، وبعضها بالفروع، ثم ذكر القوم الذين ردوا على أبى حنيفة وهم: أيوب السختيانى، وجرير بن حازم، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وأبو عوانة، وعبد الوارث، وسوار العنبري القاضى، ويزيد بن زريع، وعلى بن عاصم، ومالك بن انس، وجعفر ابن محمد (عليه السلام)، وعمر بن قيس، وأبو عبد الرحمن المقرى، وسعيد بن عبد العزيز، والاوزاعي، وعبد الله بن المبارك، وأبو إسحاق الفزارى، ويوسف بن أسباط، ومحمد بن جابر، وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وحماد بن أبى سليمان، وابن أبى ليلى، وحفص بن غياث، وأبو بكر بن عياش، و شريك بن عبد الله، ووكيع بن الجراح، ورقبة بن مصقلة، والفضل بن موسى، وعيسى بن يونس، والحجاج بن ارطاة، ومالك بن مغول، والقاسم بن حبيب، وابن شبرمة. ثم ذكر ما ردوا عليه مما حكى عنه في الايمان، والقول بخلق القرآن، وما حكى عنه من مستشنعات الالفاظ والافعال، وما قاله العلماء في ذم رأيه والتحذير عنه بما يطول ذكره ويبلغ 53 صفحة. قلت: ولد سنة ثمانين ومات في سنة خمسين ومائة، وله من الكتب: كتاب الفقه الاكبر، وكتاب العالم والمتعلم، وكتاب الرد على القدرية، ورسالته إلى البستى.

[ 204 ]

يقرع، فمن أصابته القرعة فهو الحر، ويعتق هذا فيجعل مولى له. (1) 8 – ختص: محمد بن عبيد، عن حماد، عن محمد بن مسلم قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: إني رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم وفيه ما فيه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ادع، فلما جاءه قال: يا بني إن أبا حنيفة يذكر أنك تصلي والناس يمرون بين يديك فلا تنهاهم، قال: نعم يا أبه، إن الذي كنت اصلي له كان أقرب إلي منهم، يقول الله تعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) قال: فضمه أبو عبد الله (عليه السلام) إلى نفسه وقال: بأبى أنت وامي يا مودع الاسرار. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا حنيفة القتل عندكم أشد أم الزنا ؟ فقال: بل القتل قال: فكيف أمر الله تعالى في القتل بالشاهدين وفي الزنا بأربعة ؟ كيف يدرك هذا بالقياس ؟ يا أبا حنيفه ترك الصلاة أشد أم ترك الصيام ؟ فقال: بل ترك الصلاة، قال: فكيف تقضي المرأة صيامها ولا تقضي صلاتها ؟ كيف يدرك هذا بالقياس ؟ ويحك يا أبا حنيفة النساء أضعف عن المكاسب أم الرجال ؟ فقال: بل النساء، قال: فكيف جعل الله تعالى للمرأة سهما وللرجل سهمين ؟ كيف يدرك هذا بالقياس ؟ يا أبا حنيفة الغائط أقذر أم المني ؟ قال: بل الغائط، قال: فكيف يستنجى من الغائط ويغتسل من المني ؟ كيف يدرك هذا بالقياس ؟ تقول: سأنزل مثل ما أنزل الله ؟ قال: أعوذ بالله أن أقوله. قال: بلى تقوله أنت وأصحابك من حيث لا تعلمون. قال أبو حنيفة: جعلت فداك حدثني بحديث أرويه عنك، قال: حدثني أبي محمد بن علي، عن أبيه على بن الحسين، عن جده الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله أخذ ميثاق أهل البيت (2) من أعلى عليين، وأخذ طينة شيعتنا منه، ولو جهد أهل السماء وأهل الارض أن يغيروا من ذلك شيئا ما استطاعوه. قال: فبكى أبو حنيفة بكاء شديدا وبكى أصحابه ثم خرج وخرجوا. (3)


(1) الفروع 2: 275. (2) استظهر في هامش نسختين أن الصحيح: ان الله أخذ طينة أهل البيث. (3) الاختصاص: مخطوط. وأخرج الكليني صدر الحديث باسناده عن على بن ابراهيم رفعه عن محمد بن مسلم في الفروع من الكافي 1: 82.

[ 205 ]

9 – ع، ل: الطالقاني، عن الحسن بن علي العدوي، عن عباد بن صهيب، عن أبيه، عن جده، عن الربيع صاحب المنصور قال: حضر أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام مجلس المنصور يوما وعنده رجل من الهند يقرء كتب الطب، فجعل أبو عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ينصب لقراءته، فلما فرغ الهندي قال له: يا أبا عبد الله أتريد مما معي شيئا ؟ قال: لا، فإن ما معي خير مما معك. قال: وما هو ؟ قال: اداوي الحار بالبارد، والبارد بالحار، والرطب باليابس، واليابس بالرطب، وأرد الامر كله إلى الله عزوجل، وأستعمل ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله): (واعلم أن المعدة بيت الداء والحمية هي الدواء) واعود البدن ما اعتاد. فقال الهندي: وهل الطب إلا هذا ؟ فقال الصادق (عليه السلام): أفتراني عن كتب الطب أخذت ؟ قال: نعم، قال: لا والله ما أخذت إلا عن الله سبحانه، فأخبرني أنا أعلم بالطب أم أنت ؟ فقال الهندي: لا بل أنا. قال الصادق (عليه السلام): فأسألك شيئا، قال: سل، قال: أخبرني يا هندي كم كان في الرأس شؤون ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جعل الشعر عليه من فوقه ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم خلت الجبهة من الشعر ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كان لها تخطيط وأسارير ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كان الحاجبان من فوق العينين ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جعلت العينان كاللوزتين ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جعل الانف فيما بينهما ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كان ثقب الانف في أسفله ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جعلت الشفة والشارب من فوق الفم ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم احتد السن، وعرض الضرس، وطال الناب ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جعلت اللحية للرجال ؟ قال: لا أعلم. قال ك فلم خلت الكفان من الشعر، قال: لا أعلم. قال: فلم خلا الظفر والشعر من الحياة ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كان القلب كحب الصنوبر ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كانت الرية قطعتين، وجعل حركتها في موضعها ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كانت الكبد حدباء ؟ قال: لا أعلم.


[ 206 ]

قال: فلم كانت الكلية كحب اللوبيا ؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جعل طي الركبتين إلى خلف ؟ قال لا أعلم. قال: فلم تخصرت القدم ؟ قال: لا أعلم. فقال الصادق (عليه السلام): لكني أعلم، قال: فأجب. قال الصادق (عليه السلام): كان في الرأس شؤون لان المجوف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع، فإذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد. وجعل الشعر من فوقه لتوصل بوصوله الادهان إلى الدماغ، و يخرج بأطرافه البخار منه، ويرد الحر والبرد الواردين عليه. وخلت الجبهة من الشعر لانها مصب النور إلى العينين. وجعل فيها التخطيط والاسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس عن العين قدر ما يميطه (1) الانسان عن نفسه، كالانهار في الارض التي تحبس المياه. وجعل الحاجبان من فوق العينان ليراد عليهما (2) من النور قدر الكفاف، ألا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليرد عليهما قدر كفايتهما منه ؟ وجعل الانف فيما بينهما ليقسم النور قسمين إلى كل عين سواء. وكانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء، ولو كانت مربعة أو مدورة ما جرى فيها الميل، وما وصل إليها دواء، ولا خرج منها داء. وجعل ثقب الانف في أسفله لتنزل منه الادواء المنحدرة من الدماغ، ويصعد فيه الارابيح (3) إلى المشام، ولو كان في أعلاه لما انزل داء، ولا وجد رائحة. وجعل الشارب والشفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ عن الفم لئلا يتنغص (4) على الانسان طعامه وشرابه فيميطه عن نفسه. وجعلت اللحية للرجال ليستغني بها بها عن الكشف في المنظر ويعلم بها الذكر من الانثى. وجعل السن حاد الان به يقع العض. وجعل الضرس عريضا لان به يقع الطحن والمضغ. وكان الناب طويلا ليسند (5) الاضراس والاسنان كالاسطوانة في البناء.


(1) أي ينحاه ويبعده عن نفسه. (2) في نسخة: ليرد عليهما. وفى اخرى: ليوردا. (3) في نسخة: ويصعد فيه الروائح. وفى اخرى وكذا العلل: الارياح. (4) أي لئلا يتكدر على الانسان طعامه وشرابه. وفى نسخة: لكيلا يتنغص. (5) في نسخة: ليشد الاضراس. وفى العلل: ليشتد الاضراس. وفى الخصال: ليشيد الاضراس.

[ 207 ]

وخلا الكفان من الشعر لان بهما يقع اللمس، فلو كان فيهما شعر مادرى الانسان ما يقابله ويلمسه. (1) وخلا الشعر والظفر من الحياة لان طولهما سمج (2) وقصهما حسن، فلو كان فيهما حياة لالم الانسان لقصهما. (3) وكان القلب كحب الصنوبر لانه منكس فجعل رأسه دقيقا ليدخل في الرية فتروح عنه ببردها، لئلا يشيط الدماغ بحره. وجعلت الرية قطعتين ليدخل بين مضاغطها فيتروح عنه بحركتها. وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة ويقع جميعها عليها فيعصرها ليخرج ما فيها من البخار. وجعلت الكلية كحب اللوبيا لان عليها مصب المني نقطة بعد نقطة، فلو كانت مربعة أو مدورة احتبست النقطة الاولى إلى الثانية (4) فلا يلتذ بخروجها الحي، إذا لمني ينزل من فقار الظهر إلى الكلية، فهي كالدودة تنقبض وتنبسط، ترميه أولا فأولا إلى المثانة كالبندقة من القوس. وجعل طي الركبة إلى خلف لان الانسان يمشي إلى ما بين يديه فيعتدل الحركات، (5) ولولا ذلك لسقط في المشي، وجعلت القدم مخصرة لان الشئ إذا وقع على الارض جميعه ثقل ثقل حجر الرحى، فإذا كان على حرفه دفعه الصبي (6) وإذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجال. فقال له الهندي: من أين لك هذا العلم ؟ فقال (عليه السلام): أخذته عن آبائي (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عن جبرئيل، عن رب العالمين جل جلاله الذي خلق الاجساد و الارواح. فقال الهندي: صدقت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وعبده، وأنك أعلم أهل زمانك. (7) بيان: قال ابن سينا في التشريح: أما الجمجمة فهي من سبعة أعظم: أربعة


(1) في نسخة: مادرى الانسان ما يعالجه ويلمسه. (2) في نسخة: لان طولهما وسخ. وفى العلل: لان طولهما وسخ يقبح. (3) في نسخة: لالم الانسان بقصهما. (4) في نسخة وفي الخصال: احتبست النظفة الاولى إلى الثانية. (5) في نسخة: فيعتدل الحركتان. (6) في نسخة وفى الخصال: رفعه الصبى. (7) علل الشرائع: 44، الخصال 2: 97.

[ 208 ]

كالجدران، وواحد كالقاعدة، والباقيات يتألف منها القحف، وبعضها موصول إلى بعض بدروز يقال لها الشؤون. وقال الجوهري: السرر واحد أسرار الكف والجبهة وهي خطوطها، وجمع الجمع أسارير. وقال: رجل مخصر القدمين: إذا كانت قدمه تمس الارض من مقدمها وعقبها، وتخوى أخمصها مع دقة فيه. قوله: (بوصوله) أي بسبب وصول الشعر إلى الدماغ تصل إليه الادهان، ولعله كان بدله (باصوله) لمقابلة قوله: (بأطرافه). قوله: (في المنظر) متعلق بقوله: (يستغني) أي ليستغني في النظر بسبب اللحية عن كشف العورة لاستعلام كونه ذكرا أو انثى. قوله (عليه السلام): ليسند الاضراس والاسنان لعل ذلك لكونه طويلا يمنع وقوع الاسنان بعضها على بعض في بعض الاحوال، كما أن الاسطوانة تمنع وقوع السقف، أو لكونه أقوى وأثبت من سائر الاسنان فيحفظ سائرها بالالتصاق به، كما يجعل بين الاسطوانتين المثبتتين في الارض أخشاب دقاق فتمسكانها. وقال الجوهري: شاط السمن: إذا نضج حتى يحترق. قوله: (لان الانسان يمشي إلى ما بين يديه) لعل المعنى أن الانسان يميل في المشي إلى قدامه بأعالى بدنه، وإنما ينحني أعاليه إلى هذه الجهة كحالة الركوع مثلا، فلو كان طى الركبة من قدامه أيضا لكان يقع على وجهه، فجعلت الاعالي مائلة إلى القدام والاسافل مائلة إلى الخف لتعتدل الحركات، فلا يقع في المشي ولا في الركوع وأمثالهما، فقوله: (يمشي إلى ما بين يديه) أي مائلا إلى ما بين يديه، وسيأتي مزيد توضيح لهذا الخبر في كتاب السماء والعالم إ ن شاء الله تعالى. 10 – كنز: روى الشيخ المفيد قدس الله روحه بإسناده إلى محمد بن السائب الكلبي قال: لما قدم الصادق (عليه السلام) العراق نزل الحيرة فدخل عليه أبو حنيفة وسأله عن مسائل وكان مما سأله أن قال له: جعلت فداك ما الامر بالمعروف ؟ فقال (عليه السلام): المعروف يا أبا حنيفة المعروف في أهل السماء المعروف في أهل الارض وذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال: جعلت فداك فما المنكر ؟ قال: اللذان ظلماه حقه وابتزاه (1) أمره،


(1) ابتز منه الشئ: استلبه قهرا.

[ 209 ]

وحملا الناس على كتفه. قال: ألا ما هو أن ترى الرجل على معاصي الله فتنهاه عنها ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ليس ذاك أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إنما ذاك خير قدمه. قال أبو حنيفة: أخبرني جعلت فداك عن قول الله عزوجل: (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال: فما هو عندك يا أبا حنيفة ؟ قال، الامن في السرب، وصحة البدن، والقوت الحاضر. (1) فقال: يا أبا حنيفة لئن وقفك الله أو اوقفك يوم القيامة حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولن وقوفك. قال: فما النعيم جعلت فداك ؟ قال: النعيم نحن، الذين أنقذ الله الناس بنا من الضلالة، وبصرهم بنا من العمى، وعلمهم بنا من الجهل. قال: جعلت فداك فكيف كان القرآن جديدا أبدا ؟ قال: لانه لم يجعل لزمان دون زمان فتخلقه الايام، ولو كان كذلك لفني القرآن قبل فناء العالم (2). 11 – شا: جعفر بن محمد بن قولويه، عن الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمر والفقيمي أن ابن أبي العوجاء وابن طالوت وابن الاعمى وابن المقفع في نفر من الزنادقة كانوا مجتمعين في الموسم بالمسجد الحرام، وأبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) فيه إذ ذاك يفتي الناس، ويفسر لهم القرآن، ويجيب عن المسائل بالحجج و البينات، فقال القوم لابن أبي العوجاء: هل لك في تغليط هذا الجالس وسؤاله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به ؟ فقد ترى فتنة الناس به، ويفسر لهم القرآن ويجيب عن المسائل به، وهو علامة زمانه، فقال لهم ابن أبي العوجاء: نعم، ثم تقدم ففرق الناس وقال: أبا عبد الله إن المجالس أمانات، ولابد لكل من كان به سعال أن يسعل، فتأذن لي في السؤال ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): سل شئت، فقال ابن أبي العوجاء: إلى كم تدوسون هذا البيدر، (3) وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرو لون حوله


(1) في نسخة: والعون الحاضر. (2) كنز جامع الفوائد: مخطوط. (3) داس الشئ: وطئه برجله. البيدر: الموضع الذى يجمع فيه الحصيد ويداس.

[ 210 ]

هرولة البعير إذا نفر ؟ من فكر في هذا وقدر علم أنه فعل غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنك رأس هذا الامر وسنامه، وأبوك اسه ونظامه. فقال له الصادق (عليه السلام): إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق ولم يستعذبه، وصار الشيطان وليه وربه، ويورده موارد الهلكة (1) ولا يصدره، وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته، وجعله قبلة للمصلين له، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال، ومجمع العظمة والجلال، خلقه الله تعالى قبل دحو الارض بألفي عام، فأحق من اطيع فيما أمر وانتهى عما زجر الله المنشئ للارواح والصور. فقال له ابن أبي العوجاء: ذكرت أبا عبد الله فأحلت على غائب. فقال الصادق (عليه السلام): كيف يكون يا ويلك غائبا من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم، ويعلم أسرارهم، لا يخلو منه مكان، ولا يشغل به مكان، ولا يكون من مكان أقرب من مكان، يشهد له بذلك آثاره، ويدل عليه أفعاله، والذي بعثه بالآيات بالمحكمة والبراهين الواضحة محمد (صلى الله عليه وآله) جاءنا بهذه العبادة فإن شككت في شئ من أمره فسل عنه أو ضحه لك. قال: فأبلس ابن أبي العوجاء ولم يدرما يقول، وانصرف من بين يديه، فقال لاصحابه: سألتكم أن تلتمسوا لي جمرة فألقيتموني على جمرة. (2) فقالوا له: اسكت فوالله لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك، وما رأينا أحقر منك اليوم في مجلسه. فقال: أبي تقولون هذا ؟ إنه ابن من حلق رؤوس من ترون – وأومأ بيده إلى أهل الموسم -. (3)


(1) في المصدر: يورده مناهل الهلكة. (2) في المصدر: سألتكم أن تلتمسوا لى خمرة فالقيتموني على جمرة. (3) الارشاد: 300. وأخرجه المصنف عن الاحتجاج وعن الامالى والعلل والتوحيد في باب اثبات الصانع، وله ذيل راجع ج 3 ص 35 33. وأخرجه الكراجكى في كنز الفوائد ص 220 باسناده عن أبى الحسن محمد بن احمد بن على بن الحسن بن شاذان القمى رضى الله عنه عن خال امه ابى القاسم جعفر بن محمد بن قولويه.

[ 211 ]

بيان: الطوب بالضم: الآجر، ويقال: طعام وخيم أي غير موافق ت. واستوخمه: لم يستمره. (1) وقوله: (الله المنشئ) خبر لقوله: أحق. ويقال: أبلس أي يئس وتحير. و الجمرة بالفتح: النار المتقدة، والحصاة. والمراد بالاول الثاني، وبالثاني الاول. أي سألتكم أن تطلبوا لي حصاة ألعب بها وأرميها فألقيتموني في نار متقدة لم يمكني التخلص منها. 12 – شا: روي أن أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم في مجلس أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له: إنك لاحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك بدورا بواهر، وامهاتك عقيلات عباهر، (2) وعنصرك من أكرم العناصر، وإذا ذكر العلماء فعليك تثنى الخناصر، خبرنا أيها البحر الزاخر: ما الدليل على حدوث العالم ؟. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): من أقرب الدليل على ذلك ما أذكره لك، ثم دعا ببيضة ثم وضعها في راحته (3) وقال: هذا حصن ملموم داخله غرقئ (4) رقيق يطيف به كالفضة السائلة والذهبة المائعة، أتشك في ذلك ؟ فقال أبو شاكر: لا شك فيه. قال أبو عبد الله (عليه السلام): ثم إنه تنفلق عن صورة كالطاووس، أدخله شئ غير ما عرفت ؟ قال: لا. قال: فهذا الدليل على حدوث العالم قال أبو شاكر: دللت أبا عبد الله (5) فأوضحت وقلت فأحسنت، وذكرت فأوجزت، وقد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا، أو سمعناه بآذاننا، أو ذقناه بأفواهنا، أو شممناه بآنافنا، أو لمسناه ببشرتنا. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ذكرت الحواس الخمس وهي لا تنفع في الاستنباط إلا بدليل، كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح.


(1) هكذا في النسخ، والصحيح: لم يستمرئه. (2) العقيلة من النساء: الكريمة المخدرة. قال الفيروز آبادى في القاموس: العباهر: المتلئ الجسم والعظيم. والناعم الطويل من كل شئ. والعبهرة: الجامعة للحسن في الجسم والخلق. (3) في المصدر: ما أظهره لك، ثم دعا ببيضة فوضعها في راحته. (4) الملموم: المجتمع المتسدير. الغرقئ: القشرة الملتصقة ببياض البيض، وبياض البيض الذى يؤكل. (5) في المصدر: دللت يا أبا عبد الله فأوضحت.

[ 212 ]

يريد به (عليه السلام) أن الحواس بغير عقل لا يوصل إلى معرفة الغائبات، وأن الذي أراه من حدوث الصورة معقول بني العلم به على محسوس. (1) أقول: قدمر شرح الخبر في كتاب التوحيد. (2) 13 – قب: أبو جعفر الطوسي في الامالي وأبو نعيم في الحلية وصاحب الروضة بالاسناد – والرواية يزيد بعضها على بعض – عن محمد الصير في، وعن عبد الرحمن بن سالم أنه دخل ابن شبرمة (3) وأبو حنيفة على الصادق (عليه السلام) فقال لابي حنيفة: اتق الله ولا تقس الدين برأيك، فإن أول من قاس إبليس، إذ أمره الله تعالى بالسجود فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، ثم قال: هل تحسن أن تقيس رأسك من جسدك ؟ قال: لا. قال: فأخبرني عن الملوحة في العينين، والمرارة في الاذنين، والبرودة في المنخرين، والعذوبة في الشفتين لاي شئ جعل ذلك ؟ قال: لا أدري. فقال (عليه السلام): إن الله تعالى خلق العينين فجعلهما شحمتين، وجعل الملوحة فيهما منا على بني آدم، ولولا ذلك لذابتا، وجعل المرارة في الاذنين منا منه على بني آدم ولولا ذلك لقحمت الدواب فأكلت دماغه، وجعل الماء في المنخزين ليصعد النفس وينزل ويجد منه الريح الطيبة والرديئة، وجعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذة مطعمه ومشربه. ثم قال له: أخبرني عن كلمة أولها شرك وآخرها إيمان. قال: لا أدري. قال: (لا إله إلا الله) ثم قال: أيما أعظم عند الله تعالى القتل أو الزنا ؟ فقال: بل القتل. قال: فإن الله تعالى قد رضي في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلا بأربعة. ثم قال: إن الشاهد على الزنا شهد على اثنين، وفي القتل على واحد، لان القتل فعل واحد، والزنا فعلان. ثم قال: أيما أعظم عند الله تعالى: الصوم أو الصلاة ؟


(1) الارشاد: 301. (2) راجع ج 3 ص 32 وج 4 ص 141. (3) بضم الشين وسكون الباء وضم الراء هو عبد الله بن شبرمة بن طفيل بن حسان الضبى، عده الشيخ في رجاله من اصحاب الامامين: السجاد والصادق عليهما السلام، كان من فقهاء العامة العاملين بالقياس، وكان قاضيا للمنصور على سواد الكوفة، وثقه ابن حجر في التقريب: 270، مات في سنة 144.

[ 213 ]

قال: لا بل الصلاة، قال: فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ ثم قال: لانها تخرج إلى صلاة فتداومها ولا تخرج إلى صوم. ثم قال: المرأة أضعف أم الرجل ؟ قال: المرأة. قال: فما بال المرأة وهي ضعيفة لها سهم واحد، والرجل قوي له سهمان. ثم قال: لان الرجل يجبر على الانفاق على المرأة، ولا تجبر المرأة على الانفاق على الرجل. ثم قال: البول أقذر أم المني ؟ قال: البول. قال: يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني، وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول. ثم قال: لان المني اختيار ويخرج من جميع الجسد ويكون في الايام، والبول ضرورة ويكون في اليوم مرات. قال أبو حنيفة: كيف يخرج من جميع الجسد والله يقول: (يخرج من بين الصلب والترائب) قال أبو عبد الله (عليه السلام): فهل قال: لا يخرج من غير هذين الموضعين ؟ ثم قال (عليه السلام): لم لا تحيض المرأة إذا حبلت ؟ قال: لا أدري، قال (عليه السلام) والصلاة: حبس الله تعالى الدم فجعله غذاء للولد. ثم قال (عليه السلام): أين مقعد الكاتبين ؟ قال: لا أدري، قال: مقعدهما على الناجدين، والفم الدواة، واللسان القلم، والريق المداد. ثم قال: لم يضع الرجل يده على مقدم رأسه عند المصيبة والمرأة على خدها ؟ قال: لا أدري، فقال (عليه السلام): اقتداء بآدم وحواء حيث اهبطا من الجنة، أما ترى أن من شأن الرجل الاكتآن (1) عند المصيبة، ومن شأن المرأة رفعها رأسها إلى السماء إذا بكت. ثم قال (عليه السلام): ما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة ثم سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان، أيهما في رأيك المالك ؟ وأيهما المملوك ؟ وأيهما الوارث ؟ وأيهما الموروث ؟ ثم قال: فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح، وأقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحد ؟ ثم قال (عليه السلام): فأخبرني عن قول الله تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون: (لعله يتذكر أو يخشى (عليه السلام): فأخبرني عن قول الله تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون: (لعله يتذكر أو يخشى) لعل منك شك ؟ قال: نعم، قال: وكذلك من الله شك إذ قال: (لعله) ؟


(1) في نسخة: الاكباب.

[ 214 ]

ثم قال أخبرني عن قول الله تعالى: (وقدرنا فيها السير سير وافيها ليالي وأياما آمنين) أي موضع هو ؟ قال: هو ما بين مكة والمدينة، قال (عليه السلام): نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة والمدينة لا تأمنون على دمائكم من القتل، وعلى أموالكم من السرق ؟ ثم قال: وأخبرني عن قول الله تعالى: (ومن دخله كان آمنا) أي موضع هو ؟ قال: ذاك بيت الله الحرام، فقال: نشدتكم بالله هل تعلمون أن عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل ؟ قال: فاعفني يا ابن رسول الله، قال: فأنت الذي تقول: سأنزل مثل ما أنزل الله، قال: أعوذ بالله من هذا القول، قال: إذا سئلت فما تصنع ؟ قال: اجيب عن الكتاب، أو السنة، أو الاجتهاد، قال: إذا اجتهدت من رأيك وجب على المسلمين قبوله ؟ قال: نعم، قال: وكذلك وجب قبول ما أنزل الله تعالى، فكأنك قلت: سأنزل مثل ما أنزل الله تعالى. 14 – وفي حديث محمد بن مسلم أن الصادق (عليه السلام) قال لابي حنيفة: أخبرني عن هاتين النكتتين اللتين في يدي حمارك، ليس ينبت عليهما شعر ؟ قال أبو حنيفة: خلق كخلق اذنيك في جسدك وعينيك. فقال له: ترى هذا قياسا، إن الله تعالى خلق اذني لاسمع بهما، وخلق عيني لابصر بهما، فهذا لما خلقه في جميع الدواب وما ينتفع به ؟ فانصرف أبو حنيفة معتبا. (1) فقلت: أخبرني ماهي ؟ قال: إن الله تعالى يقول في كتابه: (لقد خلقنا الانسان في كبد) يعني منتصبا في بطن امه، غذاؤه من غذائها مما تأكل وتشرب امه، ههنا ميثاقه بين عينيه، فإذا أذن الله عزوجل في ولادته أتاه ملك يقال له حيوان، فزجره زجرة انقلب ونسي الميثاق، وخلق جميع البهائم في بطون امهاتهن منكوسة مؤخرة إلى مقدم امه، كما يأخذ الانسان في بطن امه، فهاتان النكتتان السوداوان اللتان ترى ما بين الدواب هو موضع عيونها (2) في بطن امهاتها، فليس ينبت عليه الشعر، وهو لجميع البهائم ماخلا البعير، فإن عنق البعير طال فتقدم رأسه بين يديه ورجليه. (3)


(1) أي فانصرف ملوما. (2) في نسخة: هو موضع انوفها. (3) مناقب آل أبى طالب: ج 2 ص 28 – 330.

[ 215 ]

بيان: قوله (عليه السلام): (لانها تخرج إلى صلاة) لعله مبني على وجهين: أحدهما أن الصلاة فعل والصوم ترك، والثاني أن الصلاة تكون دائما والصوم يكون في في السنة مرة، ويمكن أن يقرء يحرج بالحاء المهملة قوله (عليه السلام): (فما بال الناس يغتسلون من الجنابة) لما حكم أبو حنيفة بأرجسية البول بناء على ما زعمه من طهارة محل المني بالفرك (1) ألزم (عليه السلام) عليه ذلك، وإلا فالمني أرجس عندنا. قوله (عليه السلام): (أما ترى أن من شأن الرجل) أي علة هذا أيضا مثل علة تلك، أي أكب آدم (عليه السلام) عند هبوطه، ورفع حواء رأسها عند خروجها. وسيأتي شرح تلك العلل في مواضعها إن شاء الله تعالى. 15 – قب: ابن جرير بن رستم الطبري، عن إسماعيل الطوسي، عن أحمد البصري عن أبيه، عن أبي خنيس الكوفي قال: حضرت مجلس الصادق عليه الصلاة والسلام وعنده جماعة من النصارى فقالوا: فضل موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام سواء لانهم صلوات الله عليهم أصحاب الشرائع والكتب، فقال الصادق (عليه السلام): إن محمدا (صلى الله عليه وآله) أفضل منهما وأعلم ولقد أعطاه الله تبارك وتعالى من العلم ما لم يعط غيره، فقالوا آية من كتاب الله تعالى نزلت في هذا ؟ قال (عليه السلام): نعم قوله تعالى: (وكتبناله في الالواح من كل شئ) وقوله تعالى لعيسى: (وليبينن لكم بعض الذي تختلفون فيه) وقوله تعالى للسيد المصطفى (صلى الله عليه وآله): (وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) وقوله تعالى: (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شئ عددا) فهو والله أعلم منهما ولو حضر موسى وعيسى بحضرتي وسألاني لاجبتهما وسألتهما ما أجابا (2) 16 ختص: ابن الوليد، عن الصفار، والحسن بن متيل، (3) عن إبراهيم بن هاشم، عن إبراهيم بن محمد الهمداني، عن السياري، عن داود الرقي قال: سألني


(1) فرك الشئ عن الثوب: حكه حتى تفتت (2) مناقب آل أبى طالب: ج 2 ص 337. (3) بضم الميم أو فتحه وتشديد التاء هو الحسن بن متيل الدقاق القمى وجه من وجوه أصحابنا كثير الحديث، له كتاب نوادر، يروى عنه محمد بن الحسن بن الوليد ومحمد بن قولويه، ترجمه الشيخ في رجاله والنجاشى في فهرسته.

[ 216 ]

بعض الخوارج عن قول الله تبارك وتعالى: (ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين) الآية، ما الذي أحل الله من ذلك ؟ وما الذي حرم ؟ قال: فلم يكن عندي في ذلك شئ، فحججت فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك إن رجلا من الخوارج سألني عن كذا وكذا، فقال (عليه السلام): إن الله عزوجل أحل في الاضحية بمنى الضأن والمعز الاهلية، وحرم فيها الجبلية، وذلك قوله عزوجل: (ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين) وإن الله عزوجل أحل في الاضحية بمنى الابل العراب، وحرم فيها البخاتي، وأحل فيها البقر الاهلية، وحرم فيها الجبلية، وذلك قوله عزوجل: (ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين) قال: فانصرفت إلى صاحبي فأخبرته بهذا الجواب، فقال: هذا شئ حملته الابل من الحجاز. (1) 17 – كنز الفوائد للكراجكى: ذكروا أن أبا حنيفة أكل طعاما مع الامام الصادق جعفر بن محمد عليهما الصلاة والسلام فلما رفع الصادق (عليه السلام) يده من أكله قال: الحمدلله رب العالمين، اللهم هذا منك ومن رسولك (صلى الله عليه وآله)، فقال أبو حنيفة: يا أبا عبد الله أجعلت مع الله شريكا ؟ ! فقال (عليه السلام) له: ويلك إن الله تبارك يقول في كتابه: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) ويقول عزوجل في موضع آخر: (ولو أنهم رضوا ما آتهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله) فقال أبو حنيفة: والله لكأني ما قرأتهما قط من كتاب الله ولا سمعتهما إلا في هذا الوقت. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): بلى قد قرأتهما وسمعتهما ولكن الله تعالى أنزل فيك وفي أشباهك: (أم على قلوب أقفالها) وقال تعالى: (كلابل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون): (2) 18 – كتاب الاستدراك: بإسناده عن الحسين بن محمد بن عامر بإسناده أن أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه الصلاة والسلام استحضره المنصور في مجلس غاص بأهله (3) فأمره بالجلوس، فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال له: يا جعفر إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال


(1) الاختصاص مخطوط. (2) كنز الفوائد: 196. (3) غص المكان بهم: امتلا وضاق عليهم. (*)

[ 217 ]

لابيك علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوما: (لولا أن تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك قولا لاتمر بملاء إلا أخذوا من تراب قدميك يستشفون به) وقال علي (عليه السلام): (يهلك في اثنان: محب مفرط، ومبغض مفرط) فالاعتذار منه أن لا يرضى بما يقول فيه المفرط، ولعمري أن عيسى بن مريم عليهما السلام لو سكت عما قالت فيه النصارى لعذبه الله، وقد نعلم ما يقال فيك من الزور والبهتان، وإمساكك عمن يقول ذلك فيك ورضاك به سخط الديان، زعم أوغاد الشام وأوباش العراق (1) أنك حبر الدهر وناموسه، وحجة المعبود وترجمانه، وعيبة علمه (2) وميزان قسطه، و مصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى فضاء النور، وإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من عامل جهل حقك في الدنيا عملا، ولا يرفع له يوم القيامة وزنا، فنسبوك إلى غير حدك، وقالوا فيك ما ليس فيك، فقل فإن أول من قال الحق لجدك، وأول من صدقه عليه أبوك (عليه السلام)، فأنت حري بأن تقتص آثارهما، (3) وتسلك سبيلهما. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أنا فرع من فروع الزيتونة، وقنديل من قناديل بيت النبوة، وسليل الرسالة، وأديب السفرة، وربيب الكرام البررة، ومصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور، وصفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر. فالتفت المنصور إلى جلسائه فقال: قد أحالني على بحر مواج لا يدرك طرفه، ولا يبلغ عمقه، تغرق فيه السبحاء ويحار فيه العلماء، ويضيق بالسامع عرض الفضاء، هذا الشجا (4) المعترض في حلوق الخلفاء الذي لا يحل قتله، ولايجوز نفيه، ولولا ما تجمعني وإياه من شجرة مباركة طاب أصلها وبسق فرعها (5) وعذب ثمرها بوركت في


(1) الاوغاد جمع الوغد: الضعيف العقل، الاحمق الدنى. الاوباش: سفلة الناس وأخلاطهم. (2) الحبر: الزينة والسرور والنعمة. العالم الصالح. رئيس الدين. وفى نسخة: إنك خير الدهر. الناموس: صاحب السر المطلع على باطن امرك، الحاذق. والعيبة: ما تجعل فيه الثياب كالصندوق. (3) اقتص أثره: اتبعه. وفى نسخة: فأنت حرى بأن تقفى آثارهما. (4) الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم وغيره. (5) أي ارتفعت أغصانها.

[ 218 ]

الذر وتقدست في الزبر لكان مني إليه مالا يحمد في العواقب، لما يبلغني من شدة عيبه لنا، وسوء القول فينا. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لاتقبل في ذي رحمك وأهل الدعة من أهلك (1) قول من حرم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار، فإن النمام شاهد زور، وشريك إبليس في الاغراء بين الناس، وقد قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاء كم فاسق بنبأ) الآية، ونحن لك أنصار وأعوان، ولملكك دعائم وأركان، ما أمرت بالمعروف والاحسان، وأمضيت في الرعية أحكام القرآن، وأرغمت بطاعتك أنف الشيطان، وإن كان يجب عليك في سعة فهمك وكرم حلمك ومعرفتك بآداب الله أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، فإن المكافئ ليس بالواصل، إنما الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها، فصل يزد الله في عمرك ويخفف عنك الحساب يوم حشرك. فقال أبو جعفر المنصور: قد قبلت عذرك لصدقك، وصفحت عنك لقدرك، فحدثني عن نفسك بحديث أتعظ به، ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): عليك بالحلم فإنه ركن العلم، وأملك نفسك عند أسباب القدرة، فإنك إن تفعل كل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظا، أو أبدى حقدا، أو يجب أن يذكر بالصولة، واعلم أنك إن عاقبت مستحقا لم يكن غاية ما توصف به إلا العدل، ولا أعلم حالا أفضل من حال العدل، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر. فقال أبو جعفر المنصور: وعظت فأحسنت وقلت فأوجزت، فحدثني عن فضل جدك علي بن أبي طالب عليه الطلاة والسلام حديثا لم تروه العامة. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): حدثني أبي، عن جدي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ليلة اسري بي إلى السماء فتح لي في بصري غلوة (2) كمثال ما يرى الراكب خرق الابرة مسيرة يوم، و عهد إلى ربي في علي ثلاث كلمات، فقال: يا محمد، فقلت: لبيك ربي فقال: إن عليا


(1) في نسخة: وأهل الرعة من أهلك. (2) الغلوة المرة من غلا: الغاية وهى رمية سهم أبعد ما تقدر عليه.

[ 219 ]

إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين ويعسوب المؤمنين، (1) والمال يعسوب الظلمة، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، وكانوا أحق بها وأهلها فبشره بذلك، قال: فبشره النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك فقال: يارسول الله وإني اذكر هناك ؟ فقال: نعم إنك لتذكر في الرفيع الاعلى. فقال المنصور: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. (2) 19 – ما: جماعة، عن أبي المفضل، عن الحسن بن علي بن عاصم، (3) عن سليمان بن داود الشاذكوني، (4) عن حفص بن غياث (5) قال: كنت عند سيد الجعافر جعفر بن محمد (عليهما السلام) لما أقدمه المنصور فأتاه ابن أبي العوجاء وكان ملحدا فقال له: ما تقول في هذه الآية: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) ؟ هب هذه الجلود عصت فعذبت فما بال الغير يعذب ؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): ويحك هي هي، وهي غيرها. قال: اعقلني هذا القول. فقال: له أرأيت لو أن رجلا عمد إلى لبنة فكسرها ثم صب عليها الماء وجبلها (6) ثم ردها إلى هيئتها الاولى، ألم تكن هي هي وهي غيرها ؟ فقال: بلى أمتع الله بك. (7)


(1) قال الجزرى في النهاية: أصل الغرة: البياض الذى في وجه الفرس، ومنه الحديث: (غر محجلون من آثار الوضوء) الغرجمع الاغر من الغرة بياض الوجه، يريد: بياض وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة. وقال: المحجل هو الذى يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيدو يجاور الارساغ، ومنه الحديث: (امتى الغر المحجلون) أي بيض مواضع الوضوء من الايدى والاقدام، استعار اثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للانسان من البياض الذى يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه. وقال: اليعسوب: السيد والرئيس والمقدم وأصله فحل النحل. (2) الاستدراك لم يظفر المصنف بنسخته، ووجد أخبارا مأخوذة منه بخط الشيخ الفاضل محمد بن على الجبعى، وذكر انه نقلها من خط الشهيد رفع الله درجته. هكذا قال في مقدمته على الكتاب. راجع ج 1 ص 29، وذكره في مصنفات الشهيد رحمه الله، ولكن المنقول من خط الشهيد انه لبعض قدماء الاصحاب، وانه لم يظهر له اسمه ولا شئ من حاله، نعم يروى عن الشيخ ابن قولويه فهو من معاصري المفيد. راجع الذريعة 2: 22. (3) وصفه في المصدر بالزفرى. (4) في المصدر: أبو أيوب الشاذ كونى المنقرى قلت: قد اسلفنا ترجمته. (5) وصفه في المصدر بالقاضي، قلت: هو حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي ابو عمر الكوفى القاضى الفقيه، ترجمه الشيخ في رجاله وفهرسته، وعده من اصحاب الباقر والصادق عليهما السلام، وقال النجاشي: ولى القضاء ببغداد الشرقية لهارون، ثم ولاه قضاء الكوفة ومات بها سنة 194 له كتاب، وصرح الشيخ والكشى بانه عامى المذهب، وله ترجمة في تراجم العامة. (6) جبل التراب: صب عليه الماء ووعكه طينا. (7) أي أطال عمرك. المجالس والاخبار: ص 20.

[ 220 ]

20 – أقول: وجدت بخط بعض الافاضل نقلا من خط الشهيد رفع الله درجته قال: قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت جئت إلى حجام بمنى ليحلق رأسي، فقال: ادن ميامنك، واستقبل القبلة، وسم الله، فتعلمت منه ثلاث خصال لم تكن عندي، فقلت له: مملوك أنت أم حر ؟ فقال: مملوك، قلت: لمن ؟ قال: لجعفربن محمد العلوي (عليه السلام)، قلت: أشاهد هو أم غائب ؟ قال: شاهد، فصرت إلى بابه واستأذنت عليه فحجبني، و جاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم، فدخلت معهم، فلما صرت عنده قلت له: يا ابن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) فإني تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم، فقال: لا يقبلون مني، فقلت: ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال: أنت ممن لم تقبل مني، دخلت داري بغير إذني وجلست بغير أمري، وتكلمت بغير رأيي، وقد بلغني أنك تقول بالقياس، قلت: نعم به أقول، قال: ويحك يا نعمان أول من قاس الله تعالى إبليس حين أمره بالسجود لآدم (عليه السلام) وقال: خلقتني من نار وخلقته من طين، أيما أكبريا نعمان القتل أو الزنا ؟ قلت: القتل، قال: فلم جعل الله في القتل شاهدين، وفي الزنا أربعة ؟ أينقاس لك هذا ؟ قلت: لا. قال: فأيما أكبر البول أو المني ؟ قلت: البول، قال: فلم أمر الله في البول بالوضوء، وفي المني بالغسل ؟ أينقاس لك هذا ؟ قلت: لا. قال: فأيما أكبر الصلاة أو الصيام ؟ قلت: الصلاة، قال: فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ أينقاس لك هذا ؟ قلت: لا. قال: فأيما أضعف المرأة أم الرجل ؟ قلت: المرأة، قال: فلم جعل الله تعالى في الميراث للرجل سهمين، وللمرأة سهما ؟ أينقاس لك هذا ؟ قلت: لا. قال: فلم حكم الله تعالى فيمن سرق عشرة دراهم بالقطع، وإذا قطع رجل يد رجل فعليه ديتها خمسة آلاف درهم ؟ أينقاس لك هذا ؟ قلت: لا. قال: وقد بلغني أنك تفسر آية في كتاب الله وهي (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) أنه الطعام الطيب والماء البارد في اليوم الصائف. قلت نعم، قال له: دعاك


[ 221 ]

رجل وأطعمك طعاما طيبا، وأسقاك ماء باردا، ثم امتن عليك به ماكنت تنسبه إليه ؟ قلت: إلى البخل، قال: أفيبخل الله تعالى ؟ ! قلت: فما هو ؟ قال: حبنا أهل البيت. 21 – ومنه: قال: دخل طاوس (1) على الصادق صلوات الله عليه فقال له: يا طاوس ناشدتك الله هل علمت أحدا أقبل للعذر من الله تعالى ؟ قال: اللهم لا، قال: هل علمت أحدأ أصدق ممن قال: لا أقدر وهو لا يقدر ؟ قال: اللهم لا. قال: فلم لا يقبل من لا أقبل للعذر منه ممن لا أصدق في القول منه ؟ فنفض ثوبه فقال: ما بيني وبين الحق عداوة. 22 – دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمد صلوات الله عليهما أنه قال لابي حنيفة وقد دخل عليه فقال له: يا نعمان ما الذي تعتمد عليه فيما لم تجد فيه نصا في كتاب الله ولا خبرا عن الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: أقيسه على ما وجدت من ذلك، قال له: أول من قاس إبليس، فأخطأ إذ أمره الله عزوجل بالسجود لآدم (عليه السلام). فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، فرأى أن النار أشرف عنصرا من الطين فخلده ذلك في العذاب المهين، يا نعمان أيهما أطهر المني أو البول ؟ قال: المني، قال فقد جعل الله عزوجل في البول الوضوء، وفي المني الغسل ولو كان يحمل على القياس لكان الغسل في البول. وأيهما أعظم عند الله الزنا أم قتل النفس ؟ قال: قتل النفس، قال: فقد جعل الله عزوجل في قتل النفس الشاهدين، وفي الزنا أربعة، ولو كان على القياس لكان الاربعة الشهداء في القتل، لانه أعظم. وأيهما أعظم عند الله الصلاة أم الصوم ؟ قال: الصلاة، قال: فقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحائض بأن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ولو كان على القياس لكان الواجب أن تقضي الصلاة، فاتق الله يا نعمان ولا تقس فإنا نقف غدا نحن وأنت ومن خالفنا بين يدي الله عزوجل فيسألنا عن قولنا ويسألهم عن قولهم فنقول: قلنا: قال الله وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتقول أنت وأصحابك: رأينا وقسنا، فيفعل الله بنا وبكم ما يشاء.


(1) هو طاوس بن كيسان اليماني أبو عبد الرحمن الحميرى مولاهم الفارسى، يقال: اسمه ذكوان، وطاوس لقب، ترجمه ابن حجر في التقريب: 241 وقال: ثقة فقيه فاضل، مات سنة ست ومائة، وقيل: بعد ذلك. قلت: أورده الشيخ في رجاله في أصحاب الامام السجاد (عليه السلام)

[ 222 ]

23 – وروينا عن بعض الائمة الطاهرين عليهم السلام والصلاة أنه قال: أتى أبو حنيفة إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فخرج إليه يتو كؤ على عصا فقال له أبو حنيفة: ما هذه العصا يا أبا عبد الله ؟ ما بلغ بك من السن ماكنت تحتاج إليها، قال: أجل ولكنها عصا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأردت أن أتبرك بها، قال: أما إني لو علمت ذلك وأنها عصا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقمت وقبلتها. فقال أبو عبد الله عليه الصلاة والسلام: سبحان الله وحسر عن ذراعه (1) وقال: والله يا نعمان لقد علمت أن هذا من شعر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن بشره فما قبلته ! فتطاول أبو حنيفة ليقبل يده فاستل كمه وجذب يده ودخل منزله * (باب 14) * * (مابين (عليه السلام) من المسائل في اصول الدين وفروعه) * * (برواية الاعمش) * 1 – ل: حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي، وأحمد بن الحسن القطان، و محمد بن أحمد السناني، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، وعبد الله بن محمد الصائغ، وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى ابن زكريا القطان قال: حدثنا بكربن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول قال: حدثني أبو معاوية، عن الاعمش، (2) عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: هذه شرائع الدين لمن تمسك بها وأراد الله تعالى هداه: إسباغ الوضوء كما أمر الله عزوجل في كتابه الناطق، غسل الوجه واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين مرة مرة ومر تان جائز ولا ينقض الوضوء إلا البول والريح والنوم والغائط والجنابة، ومن مسح على الخفين فقد خالف الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وكتابه، ووضوؤه لم يتم، وصلاته غير مجزية.


(1) أي كشف عن ذراعه. (2) هو سليمان بن مهران الاسدي الكاهلى ابو محمد الكوفى الاعمش، ترجمه العامة في كتبهم واثنوا عليه ثناء جميلا، قال ابن حجر في التقريب: ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع، لكنه يدلس، مات سنة سبع وأربعين أو ثمان (أي بعد المائة) وكان مولده اول احدى وستين سنة.

[ 223 ]

والاغسال منها: غسل الجنابة، والحيض، وغسل الميت، وغسل من مس الميت بعد ما يبرد، وغسل من غسل الميت، وغسل يوم الجمعة، وغسل العيدين، وغسل دخول مكة، وغسل دخول المدينة، وغسل الزيارة، وغسل الاحرام، وغسل يوم عرفة، وغسل ليلة سبع عشرة من شهر رمضان، وغسل ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، وغسل ليلة إحدى وعشرين منه، وليلة ثلاث وعشرين منه، أما الفرض فغسل الجنابة، وغسل الجنابة والحيض واحد. وصلاة الفريضة: الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة أربع ركعات، والفجر ركعتان فجملة الصلوات المفروضة سبع عشرة ركعة. والسنة أربع وثلاثون ركعة، منها أربع ركعات بعد المغرب، لا تقصير فيها (1) في سفر ولاحضر، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة، وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل، والشفع ركعتان، والوتر ركعة، وركعتا الفجر بعد الوتر، وثمان ركعات قبل الظهر، ثمان ركعات قبل العصر. والصلاة تستحب في أول الاوقات. وفضل الجماعة على الفرد بأربعة وعشرين. ولا صلاة خلف الفاجر. ولا يقتدى إلا بأهل الولاية. ولا يصلى في جلود المبتة وإن دبغت سبعين مرة ولافي جلود السباع. ولا يسجد إلا على الارض، أوما أنبتت الارض إلا المأكول والقطن والكتان. ويقال في افتتاح الصلاة: تعالى عرشك، ولايقال: تعالى جدك. ولايقال في التشهد الاول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لان تحليل الصلاة هو التسليم وإذا قلت هذا فقد سلمت. والتقصير في ثمانية فراسخ، وهو بريدان. وإذا قصرت أفطرت. ومن لم يقصر في السفر لم تجز صلاته، لانه قد زاد في فرض الله عزوجل. والقنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة. والصلاة على الميت خمس تكبيرات، فمن نقص منها فقد خالف السنة. والميت يسل (2) من قبل رجليه سلا، والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد. والقبور تربع


(1) في نسخة: لا يقصر فيها في سفر ولاحضر. (2) سل الشئ من الشئ: انتزعه وأخرجه برفق.

[ 224 ]

ولا تسنم. والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب. وفرائض الصلاة سبع: الوقت، والطهور، والتوجه، والقبلة، والركوع، والسجود، والدعاء. والزكاة فريضة واجبة على كل مائتي درهم خمسة دراهم، ولا تجب فيما دون ذلك من الفضة. ولا تجب على مال زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم ملكه صاحبه. ولا يحل أن تدفع الزكاة إلا إلى أهل الولاية والمعرفة. وتجب على الذهب الزكاة إذا بلغ عشرين مثقالا فيكون فيه نصف دينار. وتجب على الحنطة والشعير والتمر و الزبيب – إذا بلغ خمسة أوساق – العشر إن كان سقي سيحا، (1) وإن سقي بالدوالي فعليه نصف العشر، والوسق ستون صاعا. والصاع أربعة أمداد. وتجب على الغنم الزكاة إذا بلغت أربعين شاة (2) فتكون فيها شاة، فإذا بلغت مائة وعشرين وتزيد واحدة فتكون فيها شاتان إلى مائتين، فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياة إلى ثلاثمائة، ثم بعد ذلك تكون في كل مائة شاة شاة. وتجب على البقر الزكاة إذا بلغت ثلاثين بقرة تبيعة حولية، فتكون فيها تبيع حولي إلى أن تبلغ أربعين بقرة، ثم يكون فيها مسنة إلى ستين، ففيها تبيعان إلى أن تبلغ سبعين، ففيها تبيع ومسنة إلى أن تبلغ ثمانين (3) ثم يكون فيها مسنتان إلى تسعين، ثم يكون فيها ثلاث تبايع، ثم بعد ذلك في كل ثلاثين بقرة تبيع، وفي كل أربعين مسنة. ويجب على الابل الزكاة إذا بلغت خمسة فيكون فيها شاة، فإذا بلغت عشرة فشاتان، فإذا بلغت خمسة عشر فثلاث شياة، فإذا بلغت عشرين فأربع شياة، فإذا بلغت خمسا وعشرين فخمس شياة، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض، فإذا بلغت خمسا وثلاثين وزادت واحدة ففيها بنت لبون، فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة، فإذا بلغت ستين وزادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين، فإن زادت واحدة ففيها ثنى إلى تسعين، (4) فإذا بلغت تسعين


(1) السيح: الماء الجارى الظاهر. (2) في نسخة: إذا بلغت اربعين شاة. (3) المصدر وعدة من النسخ خالية عن تلك الجملة، نعم ذكرت في هامش ؟ ؟ مصححتين واعلمت عليها علامة (ظ) أي الظاهر لزومها. (4) قال المصنف في الهامش: موافق لمذهب ابني بابويه حيث قالا: في احدى وثمانين ثنى وسيأتى الكلام فيه وفيما بعده في محله.

[ 225 ]

ففيها ابنتالبون، فإن زادت واحدة إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل، فإذا كثرت الابل ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ويسقط الغنم بعد ذلك، ويرجع إلى أسنان الابل. (1) وزكاة الفطرة واجبة على كل رأس صغير أو كبير، حر أو عبد، ذكر أو أنثى أربعة أمداد من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وهو صاع تام، ولا يجوز دفع ذلك أجمع إلا إلى أهل الولاية والمعرفة. وأكثر أيام الحيض عشرة أيام، وأقلها ثلاثة أيام، والمستحاضة تغتسل وتحتشي وتصلي، والحائض تترك الصلاة ولا تقضيها، وتترك الصوم وتقضيه. وصيام شهر رمضان فريضة يصام لرؤيته، ويفطر لرؤيته. ولا يصلى التطوع في جماعة لان ذلك بدعة وضلالة، وكل ضلالة في النار. وصوم ثلاثة أيام في كل شهر سنة، وهو صوم خميسين بينهما أربعاء: الخميس الاول في الشعر الاول، (2) والاربعاء من العشر الاوسط، والخميس الاخير من الشعر الاخير. وصوم شعبان حسن لمن صامه لان الصالحين قد صاموه ورغبوا فيه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصل شعبان بشهر رمضان. والفائت من شهر رمضان إن قضى متفرقا جاز، وإن قضى متتابعا فهو أفضل. وحج البيت واجب لمن استطاع إليه سبيلا، وهو الزاد والراحلة مع صحة البدن وأن يكون للانسان ما يخلفه على عياله وما يرجع إليه بعد حجه، (3) ولا يجوز الحج إلا تمتعا، ولا يجوز الاقران والافراد إلا لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام ولا يجوز الاحرام قبل بلوغ الميقات، ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلا لمرض أو تقية، وقد قال الله عزوجل: (وأتموا الحج والعمرة لله) وتمامها اجتناب الرفث والفسوق والجدال في الحج. ولا يجزي في النسك الخصي لانه ناقص، ويجوز الموجوء إذا لم يوجد غيره وفرائض الحج: الاحرام، والتلبية الاربع، وهي: (لبيك اللهم


(1) سيأتي شرح ألفاظ الحديث في كتاب الزكاة. (2) في نسخة: من العشر الاول. (3) في نسخة: وما يرجع إليه من بعد حجه.

[ 226 ]

لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) والطواف بالبيت للعمرة فريضة، وركعتاه عند مقام إبراهيم (عليه السلام) فريضة. والسعي بين الصفا والمروة فريضة. وطواف الحج فريضة، وركعتاه عند المقام فريضة، والسعي بين الصفا والمروة فريضة، وطواف النساء فريضة، ولا يسعى بعده بين الصفا والمروة (1) والوقوف بالمشعر فريضة، والهدي للتمتع فريضة، فأما الوقوف بعرفة فهو سنة واجبة، والحلق سنة، ورمي الجمار سنة. والجهاد واجب مع إمام عادل. ومن قتل دون ماله فهو شهيد. ولا يحل قتل أحد من الكفار والنصاب في دار التقية إلا قاتل أوساع في فساد، وذلك إذا لم تخف على نفسك ولا على أصحابك. واستعمال التقية في دار التقية واجب، ولا حنث ولا كفارة على من حلف تقية يدفع بذلك ظلما عن نفسه. والطلاق للسنة على ما ذكره الله عزوجل في كتابه وسنة نبيه، ولايجوز طلاق لغير السنة، وكل طلاق مخالف للكتاب فليس بطلاق، كما أن كل نكاح يخالف السنة فليس بنكاح. ولا يجمع بين أكثر من أربع حرائر، وإذا طلقت المرأة للعدة ثلاث مرات لم يحل للرجل حتى تنكح زوجا غيره، وقد قال (عليه السلام): واتقوا تزويج المطلقات ثلاثا في موضع واحد، فإنهن ذوات أزواج. والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) واجبة في كل المواطن وعند العطاس والرياح وغير ذلك. (2) وحب أولياء الله واجب، والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، ومن الذين ظلموا آل محمد صلى الله عليهم، وهتكوا حجابه، وأخذوا من فاطمة (عليها السلام) فدك، (3) ومنعوها ميراثها، وغصبوها وزوجها حقوقهما، وهموا بإحراق بيتها، و أسسوا الظلم، وغيروا سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين


(1) في المصدر: وركعتاه عند المقام فريضة وبعده السعي بين الصفا والمروة فريضة، و طواف النساء فريضة، وركعتاه عند المقام فريضة، ولا يسعى بعده بين الصفا والمروة. (2) في الوسائل: وعند العطاس والذبائح وغير ذلك. (3) في المصدر وفى نسخة: وأخذوا من فاطمة عليها السلام فدكا.

[ 227 ]

واجبة، والبراءة من الانصاب والازلام أئمة الضلال وقادة الجور كلهم أولهم وآخرهم واجبة، والبراءة من أشقى الاولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود قاتل أمير المؤمنين عليه السلام واجبة، والبراءة من جميع قتلة أهل البيت عليهم السلام واجبة. والولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبد لوا بعد نبيهم واجبة، مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الاسود الكندي، وعمار بن ياسر، وجابر ابن عبد الله الانصاري، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وأبي أيوب الانصاري، وعبد الله بن الصامت، وعبادة بن الصامت، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري ومن نحا نحوهم وفعل مثل فعلهم، والولاية لاتباعهم والمقتدين بهم وبهداهم واجبة. وبر الوالدين واجب، فإن كانا مشركين فلا تطعهما ولاغيرهما في المعصية، فإنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق. والانبياء وأوصياؤهم لاذنوب لهم لانهم معصومون مطهرون. وتحليل المتعتين واجب كما أنزلهما الله تعالى عزوجل في كتابه وسنهما رسول الله: متعة الحج، ومتعة النساء. والفرائض على ما أنزل الله تبارك وتعالى. والعقيقة للولد الذكر والانثى يوم السابع، ويسمى الولد يوم السابع، ويحلق رأسه، ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، والله عزوجل لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يكلفها فوق طاقتها. وأفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لاخلق تكوين، والله خالق كل شئ، ولا تقول (1) بالجبر ولا بالتفويض، ولا يأخذ الله عزوجل البرئ بالسقيم، ولا يعذب الله عزوجل الاطفال بذنوب الآباء فإنه تعالى قال في محكم كتابه: (ولا تزر وازرة وزر اخرى) وقال عزوجل: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) (2) ولله عزوجل أن يعفو ويتفضل، وليس له عزوجل أن يظلم، ولا يفرض الله عزوجل على عباده طاعة من يعلم أنه يغويهم ويضلهم ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد الشيطان دونه، ولا يتخذ على خلقه حجة إلا معصوما،


(1) كذا في النسخ والظاهر: ولا نقول. (2) في المصدر زيادة وهى: (وأن سعيه سوف يرى) قلت: قد تقدم الكلام في افعال العباد والجبرو التفويض وغيرهما في كتاب التوحيد.

[ 228 ]

والاسلام غير الايمان، وكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا. ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن. ولا يزني الزاني وهو مؤمن. وأصحاب الحدود مسلمون، لا مؤمنون ولا كافرون، فإن الله تبارك وتعالى لا يدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة، ولا يخرج من النار كافرا وقد وعده النار (1) والخلود فيها، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فأصحاب الحدود فساق لا مؤمنون ولا كافرون، ولا يخلدون في النار ويخرجون منها يوما ما، والشفاعة جائزة لهم وللمستضعفين إذا ارتضى الله عزوجل دينهم. والقرآن كلام الله تعالى ليس بخالق ولا مخلوق. والدار اليوم دار تقية وهي دار الاسلام لادار كفر ولا دار إيمان، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ولم يخف على نفسه ولا على أصحابه. والايمان هو أداء الفرائض واجتناب الكبائر، والايمان هو معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالاركان، والاقرار بعذاب القبر ومنكر ونكير والبعث بعد الموت والحساب والصراط والميزان، ولا إيمان بالله إلا بالبراءة من أعداء الله عزوجل. والتكبير في العيدين واجب، أما في الفطر ففي خمس صلوات يبتدء به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يوم الفطر، وهو أن يقال: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أبلانا) لقوله عز وجل: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهديكم) وفي الاضحى بالامصار في دبر عشر صلوات، يبتدء به من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الغداة يوم الثالث، وبمنى دبر خمس عشرة صلاة يبتدء به من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الغداة يوم الرابع، ويزاد في هذا التكبير (والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام). والنفساء لا تقعد أكثر من عشرين يوما إلا أن تطهر قبل ذلك، وإن لم تطهر بعد العشرين اغتسلت واحتشت وعملت عمل المستحاضة. والشراب فكل ما أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام.


(1) في المصدر: وقد أوعده النار.

[ 229 ]

وكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير فأكله حرام. والطحال حرام لانه دم، والجري والمار ماهي والطافي والزمير حرام. (1) وكل سمك لا يكون له فلوس فأكله حرام، ويؤكل من البيض ما اختلف طرفاه، ولا يؤكل ما استوى طرفاه. ويؤكل من الجراد ما استقل بالطيران، (2) ولا يؤكل منه الدبى (3) لانه لا يستقل بالطيران. وذكاة السمك والجراد أخذه. والكبائر محرمة، وهي: الشرك بالله عزوجل، وقتل النفس التي حرم الله تعالى، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، وقذف المحصنات. وبعد ذلك: الزنا، واللواط، والسرقة، وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما اهل لغير الله به من غير ضرورة، وأكل السحت، والبخس في المكيال والميزان، والميسر، وشهادة الزور، واليأس من روح الله، والامن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، وترك معاونة المظلومين، والركون إلى الظالمين، واليمين الغموس، (4) وحبس الحقوق من غير عسر، واستعمال الكبر والتجبر، والكذب، و الاسراف، والتبذير، والخيانة، والاستخفاف بالحج، والمحاربة لاولياء الله عزوجل. والملاهي التي تصد عن ذكر الله تبارك وتعالى مكروهة، كالغناء وضرب الاوتار، والاصرار على صغائر الذنوب. ثم قال (عليه السلام): إن في هذا البلاغا لقوم عابدين. قال الصدوق: الكبائر هي سبع، وبعدها فكل ذنب كبير بالاضافة إلى ما هو أصغر منه، وصغير بالاضافة إلى ما هو أكبر منه، وهذا معنى ما ذكره الصادق (عليه السلام) في هذا الحديث من ذكر الكبائر الزائدة على السبع ولا قوة إلا بالله. (5) أقول: أجزاء الخبر مشروحة مفرقة على الابواب المناسبة لها.


(1) الجرى والجريث: نوع من السمك النهري الطويل المعروف بالحنكليس، ويدعونه في مصر ثعبان الماء، وليس له عطم الاعظم الرأس والسلسلة الطافى: السمك الذى يموت في الماء فيعلوو يظهر. الزمير: نوع من السمك له شوك ناتئ على ظهره، واكثر ما يكون في المياه العذبة. (2) استقل الطائر في طيرانه: ارتفع. (3) الدبى: اصغر الجراد. (4) اليمين الغموس هي اليمين الكاذبة الفاجرة كالتى يقتطع بها الحالف مال غيره، سميت غموسا لانها تغمس صاحبها في الاثم ثم في النار، وفعول للمبالغة. قاله الجزرى في النهاية. (5) الخصال 2: 150 – 155.

[ 230 ]

* (باب 15) * * (احتجاجات اصحابه (عليه السلام) على المخالفين) * 1 – ختص: يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير قال: قال أبو حنيفة لابي جعفر مؤمن الظاق: ما تقول في الطلاق الثلاث ؟ قال: أعلى خلاف الكتاب والسنة ؟ قال: نعم، قال أبو جعفر: لا يجوز ذلك، قال أبو حنيفة: ولم لا يجوز ذلك ؟ قال: لان التزويج عقد عقد بالطاعة فلا يحل بالمعصية، وإذا لم يجز التزويج بجهة المعصية لم يجز الطلاق بجهة المعصية، وفي إجازة ذلك طعن على الله عزوجل فيما أمر به وعلى رسوله فيماسن، لانه إذا كان العمل بخلافهما فلا معنى لهما، وفي قولنا من شذ عنهما رد إليهما وهو صاغر. قال أبو حنيفة: قد جوز العلماء ذلك، قال أبو جعفر: ليس العلماء الذين جوزوا للعبد العمل بالمعصية، واستعمال سنة الشيطان في دين الله، ولا عالم أكبر من الكتاب والسنة فلم تجوزون للعبد الجمع بين ما فرق الله من الطلاق الثلاث في وقت واحد ولا تجوزون له الجمع بين ما فرق الله من الصلوات الخمس ؟ وفي تجويز ذلك تعطيل الكتاب وهدم السنة، وقد قال الله عزوجل: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه). ما تقول يا أبا حنيفة في رجل قال: إنه طالق امرأته على سنة الشيطان ؟ أيجوز له ذلك الطلاق ؟ قال أبو حنيفة: فقد خالف السنة، وبانت منه امرأته، وعصى ربه. قال أبو جعفر: فهو كما قلنا، إذا خالف سنة الله عمل بسنة الشيطان، ومن أمضى بسنته فهو على ملته ليس له في دين الله نصيب. قال أبو حنيفة: هذا عمر بن الخطاب وهو من أفضل أئمة المسلمين قال: إن الله جل ثناؤه جعل لكم في الطلاق أناة فاستعجلتموه، وأجزنا لكم ما استعجلتموه. قال أبو جعفر: إن عمر كان لايعرف أحكام الدين، قال أبو حنيفة: وكيف ذلك ؟ قال أبو جعفر: ما أقول فيه ما تنكره، أما أول ذلك فإنه قال: لا يصلي الجنب حتى يجد الماء ولو سنة ! والامة على خلاف ذلك، وأتاه أبو كيف


[ 231 ]

العائذي (1) فقال: يا أمير المؤمنين إني غبت فقدمت وقد تزوجت امرأتي، فقال: إن كان قد دخل بها فهو أحق بها، وإن لم يكن دخل بها فأنت أولى بها، وهذا حكم لايعرف والامة على خلافه. وقضى في رجل غاب عن أهله أربع سنين أنها تتزوج إن شاءت، والامة على خلاف ذلك، إنها لا تتزوج أبدا حتى تقوم البينة أنه مات أو طلقها، وأنه قتل سبعة نفر من أهل اليمن برجل واحد، وقال: لولا ما عليه أهل صنعا لقتلتهم به، والامة على خلافه، واتي بامرأة حبلى شهدوا عليها بالفاحشة فأمر برجمها، فقال له على (عليه السلام): إن كان لك السبيل عليها فما سبيلك على ما في بطنها ؟ فقال: لولا علي لهلك عمر، و اتي بمجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال له علي (عليه السلام): أما علمت أن القلم قد رفع عنها حتى تصح ؟ فقال: لولا علي لهلك عمر، وإنه لم يدر الكلالة فسأل النبي (صلى الله عليه وآله) عنها فأخبره بها فلم يفهم عنه، فسأل ابنته حفصة أن تسأل النبي عن الكلالة فسألته، فقال لها: أبوك أمرك بهذا ؟ قالت: نعم، فقال لها: إن أباك لا يفهمها حتى يموت ! فمن لم يعرف الكلالة كيف يعرف أحكام الدين ؟. (2) 2 – اقول: قال السيد رضي الله عنه في كتاب الفصول: أخبرني الشيخ أدا الله عزه مرسلا قال: مر الفضال بن الحسن بن فضال الكوفي (3) بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه وحديثه، فقال لصاحب كان معه: والله لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة، قال صاحبه: إن أبا حنيفة ممن قد علت حاله (4) وظهرت حجته، قال: مه هل رأيت حجة كافر علت على مؤمن ؟ ثم دنا منه فسلم عليه فرد ورد القوم السلام بأجمعهم، فقال: يا أبا حنيفة رحمك الله إن لي أخا يقول: إن خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)


(1) في نسخة: المعاندى. ولم نقف على صحيحه ولا على ترجمته. (2) للخليفة الثاني أضعاف هذه من شواذ الاراء ونوادرها ! وسيأتى الايعاز إليها في محله ولقد فصل العلامة الاميني في كتابه القيم (الغدير) فيها وخرجها من كتب العامة راجع ج 6 ص 83 – 332. (3) في المصدر: فضال بن الحسن بن فضال الكوفى. (4) في المصدر: ان ابا حنيفة ممن قد علمت حاله ومنزلته.

[ 232 ]

علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأنا أقول: إن أبا بكر خير الناس وبعده عمر، (1) فما تقول أنت رحمك الله ؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال: كفى بمكانهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرما وفخرا، أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره، فأي حجة أوضح لك من هذه ؟ فقال له فضال: إني قد قلت ذلك لاخي، فقال: والله لئن كان الموضع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد أساآ وما أحسا إذ رجعا في هبتهما ونكثا عهدهما، فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال له: لم يكن له ولا لهما خاصة، ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما، فقال له فضال قد قلت له ذلك فقال: أنت تعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) مات عن تسع حشايا، ونظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك ؟ وبعد فما بال حفصة وعائشة ترثان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة بنته تمنع الميراث ؟ فقال أبو حنيفة: يا قوم نحوه عني فإنه والله رافضي خبيث. (2) 3 – ومما حكى الشيخ رحمه الله قال: قال الحارث بن عبد الله الربعي: (3) كنت جالسا في مجلس المنصور وهو بالجسر الاكبر وسوار القاضي عنده، (4) والسيد الحميري ينشده: إن الا له الذي لا شئ يشبهه * أتاكم الملك للدنيا وللدين أتاكم الله ملكا لا زوال له * حتى يقاد إليكم صاحب الصين وصاحب الهند مأخوذ برمته * وصاحب الترك محبوس على هون حتى أتى على القصيدة والمنصور مسرور. فقال: سوار إن هذا والله يا أمير


(1) في المصدر: ان ابا بكر خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده عمر. (2) الفصول المختارة: ص 42 و 43. وأخرجه الكراجكى في كنز الفوائد: ص 135 والطبرسي ايضا في الاحتجاج ص 207 و 208. (3) في المصدر: الحارث بن عبيد الله الربعي. (4) هو سوار بن عبد الله بن قدامة، ولاه ابو جعفر القضاء بالبصرة سنة 138، وبقى على القضاء إلى ان مات وهو امير البصرة وقاضيها إلى ان مات وهو امير البصرة وقاضيها سنة 156. (*)

[ 233 ]

المؤمنين يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه، والله إن القوم الذين يدين بحبهم لغيركم، وإنه لينطوي على عداوتكم، فقال السيد: والله إنه لكاذب، وإنني في مدحتك لصادق، وإنه حمله الحسد إذ رآك على هذه الحال، وإن انقطاعي إليكم ومودتي لكم أهل البيت لمعرق فيها من أبوي، وإن هذا وقومه لاعداؤكم في الجاهلية والاسلام، وقد أنزل الله عزوجل على نبيه عليه الصلاة والسلام في أهل بيت هذا: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) فقال المنصور: صدقت. فقال سوار: يا أمير المؤمنين إنه يقول بالرجعة، ويتناول الشيخين بالسب والوقيعة فيهما، فقال السيد: أما قوله: إني أقول بالرجعة فإني أقول بذلك على ما قال الله تعالى: (ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) وقد قال في موضع آخر: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) فعلمنا أن ههنا حشرين: أحدهما عام، والآخر خاص، وقال سبحانه: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) وقال تعالى: (فأماته الله مائة عام ثم بعثه) وقال تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) فهذا كتاب الله تعالى، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يحشر المتكبرون في صور الذر يوم القيامة) وقال (صلى الله عليه وآله): (لم يجر في بني إسرائيل شئ إلا ويكون في امتي مثله حتى الخسف والمسخ والقذف) وقال حذيفة: والله ما أبعد أن يمسخ الله عز وجل كثيرا من هذه الامة قردة وخنازير. فالرجعة التي أذهب إليها ما نطق به القرآن (1) وجاءت به السنة، وإني لاعتقد أن الله عزوجل يرد هذا – يعني سوارا – إلى الدنيا كلبا أو قردا أو خنزيرا أو ذرة، فإنه والله متجبر متكبر كافر ! قال فضحك المنصور وأنشأ السيد يقول: جاثيت سوارا أبا شملة (2) * عند الامام الحكم العادل فقال قولا خطلا كله (3) * عند الورى الحافي والناعل


(1) في المصدر: فالرجعة التى نذهب إليها هي ما نطق به القرآن. (2) في نسخة: ابا سملة. (3) في المصدر: فقال قولا خطأ كله.

[ 234 ]

ما ذب عما قلت من وصمة * في أهله بل لج في الباطل وبان للمنصور صدقي كما * قدبان كذب الانوك الجاهل (1) يبغض ذا العرش ومن يصطفى * من رسله بالنير الفاضل وينشأ الحبر الجواد الذي * فضل بالفضل على الفاضل ويعتدي بالحكم في معشر * أدوا حقوق الرسل للراسل فبين الله تزاويقه * فصار مثل الهائم الهامل (2) فقال المنصور: كف عنه، فقال السيد: يا أمير المؤمنين البادئ أظلم، يكف عني حتى أكف عنه، فقال المنصور لسوار: قد تكلم بكلام فيه نصفة، كف عنه حتى لا يهجوك. (3) * (باب 16) * * (احتجاجات موسى بن جعفر عليهما السلام على ارباب الملل والخلفاء) * * (وبعض ما روى عنه من جوامع العلوم) * 1 – يد: أبي، عن أحمد بن إدريس، ومحمد العطار، عن الاشعري، عن ابن هاشم، عن محمد بن حماد، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس، عن هشام بن الحكم، عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له بريهة، قد مكث جاثليق في النصرانية سبعين سنة، فكان يطلب الاسلام ويطلب من يحج عليه ممن يقرء كتبه ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته، قال: وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود و المجوس حتى افتخرت به النصارى وقالت: لو لم يكن في دين النصرانية (4) إلا بريهة لاجزأنا، وكان طالبا للحق والاسلام مع ذلك، وكانت معه امرأة تخدمه طال


(1) الاوك: الاحمق. (2) الهائم: المتحير. الهامل: الابل التى تركت سدى، أي مسيبة ليلا ونهارا. وفى المصدر: فصار مثل الهائم الهائل. (3) الفصول المختارة 1: 59 57. (4) في المصدر: لو لم يكن في الدين النصرانية.

[ 235 ]

مكثها معه، وكان يسر إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها، قال: فعرفت ذلك منه، فضرب بريهة الامر ظهر البطن (1) وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين (2) وعن صلحائهم وعلمائهم وأهل الحجى منهم، وكان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا، وقال: لو كانت أئمتكم أئمة على الحق لكان عندكم بعض الحق، فوصفت له الشيعة ووصف له هشام بن الحكم. فقال يونس بن عبد الرحمن فقال لي هشام: بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس وعندي قوم يقرؤون علي القرآن فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين القسيسين إلى غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد والبرانس، والجاثليق الاكبر فيهم بريهة، حتى نزلوا (3) حول دكاني، وجعل لبريهة كرسي يجلس عليه، فقامت الاساقفة والرهابنة على عصيهم، وعلى رؤوسهم برانسهم، فقال بريهة: ما بقى في المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم شئ، فقد جئت اناظرك في الاسلام، قال: فضحك هشام فقال: يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا ادانيه، ذاك روح طيبة خميصة مرتفعة، آياته ظاهرة، وعلاماته قائمة، فقال بريهة: فأعجبني الكلام والوصف. قال هشام: إن أردت الحجاج فههنا، (4) قال بريهة: نعم فإني أسألك: ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الابدان ؟ قال هشام: ابن عم جده لامه، لانه من ولد إسحاق، ومحمد (صلى الله عليه وآله) من ولد إسماعيل. قال بريهة: وكيف تنسبه إلى أبيه ؟ قال هشام: إن أردت نسبته عندكم فأخبرتكم، (5) وإن أردت نسبته عندنا أخبرتك ؟ قال بريهة: اريد نسبته عندنا، و


(1) قلب الامر ظهرا لبطن أي أنعم تدبيره. (2) في المصدر: وأقبل يسأل فرق المسلمين والمختلفين في من أعلمكم ؟ وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين. (3) في نسختين: حتى بركوا. (4) في نسختين: فها هين. (5) في المصدر: أخبرتك.

[ 236 ]

ظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه، قلت: فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها قال هشام: نعم يقولون: إنه قديم من قديم، فأيهما الاب وأيهما الابن ؟ قال بريهة: الذي نزل إلى الارض الابن، (1) قال بريهة: الابن رسول الاب، قال هشام: إن الاب أحكم من الابن، لان الخلق خلق الاب، (2) قال بريهة: إن الخلق خلق الاب وخلق الابن، قال هشام ما منعهما أن ينزلا جميعا كما خلقا إذ اشتركا ؟ قال بريهة: كيف يشتركان وهما شئ واحد ؟ إنما يفترقان بالاسم، قال هشام: إنما يجتمعان بالاسم، قال بريهة: جهل هذا الكلام، قال هشام: عرف هذا الكلام، قال بريهة: إن الابن متصل بالاب، قال هشام: إن الابن منفصل من الاب، قال بريهة: هذا خلاف ما يعقله الناس قال هشام: إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعلينا (3) فقد غلبتك، لان الاب كان ولم يكن الابن، (4) فتقول هكذا يا بريهة ؟ قال: لا ما أقول هكذا، قال: فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك ؟ ! قال بريهة: إن الاب اسم والابن اسم بقدرة القديم. (5) قال هشام: الاسمان قديمان كقدم الاب والابن ؟ قال بريهة: لا ولكن الاسماء محدثة، قال: فقد جعلت الاب ابنا والابن أبا، إن كان الابن أحدث هذه الاسماء دون الاب فهو الاب، وإن كان الاب أحدث هذه الاسماء فهو الابن والابن أب، (6) و ليس ههنا ابن، قال بريهة: إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الارض، قال هشام: فحين لم تنزل إلى الارض فاسمها ما هو ؟ قال بريهة: فاسمها ابن نزلت أولم تنزل، قال هشام: فقبل النزول هذه الروح اسمها كلها واحدة، أو اسمها اثنان ؟ قال بريهة: هي كلها واحدة روح واحدة، قال: رضيت أن تجعل بعضها ابنا وبعضها أبا ؟ قال بريهة: لا، لان اسم الاب واسم الابن واحد، قال هشام: فالابن أبو الأب، والاب أبو الابن، فالاب والابن واحد، قال الاساقفة بلسانها لبريهة: ما مر بك مثل ذاقط تقوم، فتحير


(1) في المصدر زيادة وهى هذه: قال هشام الذى نزل إلى الارض الاب. (2) فتفرده بالخلقة يدل على أنه الواجب والابن الذى لم يخلق هو الممكن. (3) في المصدر: شاهدا لنا وعليك. (4) أي هكذا يعرف الناس. (5) في المصدر: يقدر به القديم. (6) في المصدر: وإن كان الاب أحدث هذه الاسماء دون الابن فهو الاب والابن اب.

[ 237 ]

بريهة وذهب يقوم (1) فتعلق به هشام قال: ما يمنعك من الاسلام ؟ أفي قلبك حزازة فقلها، وإلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلتك (2) هذه فتصبح وليست لك همة غيري ؟ قالت الاساقفة: لا ترد هذه المسألة لعلها تشكل، قال بريهة: قلها يا أبا الحكم. قال هشام: أفرأيتك الابن يعلم ما عند الاب ؟ قال: نعم، (3) قال: أفرأيتك الاب يعلم كل ما عند الابن ؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك تخبر عن الابن، أيقدر على كل ما يقدر عليه الاب ؟ قال: نعم، قال: أفرأيتك عن الاب أيقدر على كل ما يقدر عليه الابن ؟ قال: نعم، قال: فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه وهما متساويان ؟ وكيف يظلم كل واحد منهما صاحبه ؟ قال بريهة ليس منهما ظلم، (4) قال هشام: من الحق بينهما أن يكون الابن أب الاب، والاب ابن الابن، بت عليها يا بريهة وافترق النصارى وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما ولا أصحابه. قال: فرجع بريهة مغتما مهتما حتى صار إلى منزله، فقالت امرأته التي تخدمه: مالي أراك مهتما مغتما ؟ فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام، فقالت لبريهة: يحك أتريد أن يكون على حق أو على باطل ؟ قال بريهة: بل على الحق، فقالت له: أينما وجدت الحق فمل إليه، وإياك واللجاجة فإن اللجاجة شك، والشك شؤم، وأهله في النار. قال: فصوب قولها وعزم على الغدو على هشام، قال: فغدا إليه (5) وليس معه أحد من أصحابه، فقال: يا هشام ألك من تصدر عن رأيه فترجع إلى قوله وتدين بطاعته ؟ قال هشام: نعم يا بريهة، قال: وما صفته ؟ قال هشام: في نسبه أو دينه ؟ قال فيهما جميعا صفة نسبه وصفة دينه، قال هشام: أما النسب خير الانساب: رأس العرب


(1) في المصدر: فذهب ليقوم. (2) في نسخة: تلبث عليها ليلتك. (3) في نسخة هنا زيادة وهى هذه: قال: فالاب يعلم ما يعلمه الابن. (4) في نسخة: ليس بينهما ظلم. (5) في هامش المصدر: فغدا عليه خ.

[ 238 ]

وصفوة قريش، وفاضل بني هاشم، كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه، لان قريشا أفضل العرب، وبنو هاشم أفضل القريش، وأفضل بني هاشم خاصهم ودينهم (1) وسيدهم، وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره، وهذا من ولد السيد، قال: فصف دينه، قال هشام: شرائعه أو صفة بدنه وطهارته ؟ قال صفة بدنه وطهارته، قال هشام: معصوم فلا يعصي وسخي فلا يبخل، وشجاع فلا يجبن، وما استودع من العلم فلا يجهل، حافظ للدين قائم بما فرض عليه من عترة الانبياء وجامع علم الانبياء، يحلم عند الغضب، وينصف عند الظلم، ويعين عند الرضى وينصف من العدو والولي، ولا يسألك شططا (2) في عدوه ولا يمنع إفادة وليه، يعمل بالكتاب، ويحدث بالاعجوبات من أهل الطهارات، يحكي قول الائمة الاصفياء، لم ينقض له حجة، ولم يجعل مسألة، يفتي في كل سنة ويجلو كل مدلهمة، (3) قال بريهة: وصفت المسيح في صفاته، وأثبته بحججه وآياته إلا أن الشخص بائن عن شخصه، والوصف قائم بوصفه، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص، قال هشام: إن تؤمن ترشد، وإن تتبع الحق لا تؤنب. ثم قال هشام: يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أقامها في وسط خلقه وآخر خلقه، فلا تبطل الحجج ولا تذهب الملل، ولا تذهب السنن، قال بريهة: ما أشبه هذا بالحق وأقربه بالصدق ! هذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة، قال هشام: نعم، فارتحلا حتى أتيا المدينة والمرأة معهما وهما يريدان أبا عبد الله (عليه السلام) فلقيا موسى بن جعفر (عليه السلام) فحكى له هشام الحكاية، فلما فرغ قال موسى بن جعفر (عليه السلام): يا بريهة كيف علمك بكتابك ؟ قال: أنا به عالم، قال: كيف ثقتك بتأويله ؟ قال: ما أوثقني بعلمي به ! قال: فابتدأ موسى (عليه السلام) يقرء الانجيل، (5) قال بريهة: والمسيح لقد كان يقرؤها هكذا، وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح، قال بريهة:


(1) في نسخة: (فتيهم) بدل و (دينهم). (2) في نسخة: ولا نسأله شططا، وفى اخرى: ولا يسلك. وفى المصدر: ولا يسأل. (3) المدلهمة: شدة الظلمة، من ادلهم الليل: اشتد سواده. (4) في نسخة: والوصف قائم بنفسه. (5) في المصدر: فابتدأ موسى بن جعفر (عليه السلام) بقراءة الانجيل.

[ 239 ]

إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك، قال: فآمن وحسن إيمانه، وآمنت المرأة وحسن إيمانها. قال: فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد الله (عليه السلام) فحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى (عليه السلام) وبريهة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) قال بريهة: جعلت فداك أنى لكم التوراة والانجيل و كتب الانبياء ؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم، نقرؤها كما قرؤوها، ونقولها كما قالوها، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول: لاأدري، فلزم بريهة أبا عبد الله (عليه السلام) حتى مات أبو عبد الله (عليه السلام)، ثم لزم موسى بن جعفر (عليه السلام) حتى مات في زمانه، فغسله وكفنه بيده، (1) وقال: هذا حواري من حواري المسيح يعرف حق الله عليه، فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله. (2) بيان: قال الفيروز آبادي: الجاثليق بفتح الثاء المثلثة: رئيس للنصارى في بلاد الاسلام بمدينة السلام، ويكون تحت يد بطريق أنطاكية، ثم المطران تحت يده، ثم الاسقف يكون في كل بلد من تحت المطران، ثم القسيس ثم الشماس. قوله: (خميصة) أي جائعة، نسب الجوع إلى الروح مجازا، والمراد أنه كان مرتاضا لله، أو كناية عن الخفاء، أي مخفية كيفية حدوثها عن الخلق، وقيل: ساكنة مطمئنة، من خمص الجرح: إذا سكن ورمه. قوله: (إن أردت الحجاج فههنا) في بعض النسح (فها هين) فكلمة ها للاجابة، وهين خبر مبتدأ محذوف، أي هو عندنا هين يسير. قوله: (إنما يجتمعان بالاسم) أي العقل يحكم بمغائرة الشخصين واستحالة اتحادهما، وإنما اجتمعا حيث سميتهما باسم واحد كالقديم والاله والخالق ونحوها، أو المعنى أنه لا يعقل اتحادهما إلا باتحاد اسمهما، واختلاف الاسم دليل على تغاير


(1) في المصدر: وألحده بيده. وفي نسخة من الكتاب: فغسله بيده ولحده بيده. (2) التوحيد: 278 – 284.

[ 240 ]

المسميات، والاول أوجه، فقال بريهة: هذا الكلام مجهول غير معقول، قال هشام: بل هو معروف عند العقلاء موجه، فقال: إن الابن متصل بالاب، أي متحد معه، فقال: بل الابن يكون جزء من الاب منفصلا منه، فكيف يجوز اتحاده به ؟ قوله: (هذا خلاف ما يعقله الناس) لعله بني الكلام على المغالطة فإن الناس يقولون: إن الابن متصل بالاب غير منفصل عنه، أي هو متحد معه في الحقيقة مرتبط به يشتركان في الاحوال غالبا، فحمله على الوحدة الحقيقية، فغير هشام الكلام إلى مالا يحتمل المغالطة، (1) فقال: لو كان شهادة الناس حجة فهم يحكمون بأن الاب متقدم وجوده زمانا على وجود الابن فلم لا تقول به ؟. قوله: (بقدرة القديم) أي حصل هذان الاسمان بقدرة القديم، فسأله هشام عن قدم الاسمين فقال: لا بل هما محدثان، فاستدل هشام على بطلان الاتحاد بمنبهات فسأله عن محدث الاسماء، ثم قال: إن قلت: إن المحدث هو الابن دون الاب فالحكم بالاتحاد يقتضي أن يكون الاب ايضا محدثا وهو خلاف الفرض، وكذا العكس، فأراد التفصي عن ذلك فقال: الروح لما نزلت إلى الارض سميت بالابن، ثم ندم عن ذلك ورجع وقال: قبل النزول أيضا كانت ابنا. ويحتمل أن يكون مراده أنها من حيث النزول والاتصال بالبدن سميت ابنا فسبب التسمية حادث، والتسمية قديم، فسأله هشام: هل كان قبل النزول شيئان لهما اسمان ؟ فقال: لا بل كانت روح واحدة، ولما كان كلامه متهافتا متناقضا وجهه هشام بأنه يكون بعضه مسمى بالابن، وبعضه مسمى بالاب، فلم يرض بذلك فحكم باتحاد الاسمين أيضا كاتحاد المسميين، ويحتمل أن يكون مراده بالاسم ههنا المسمى فقال هشام: الابن أمر إضافي لابد له من أب والحكم بالاتحاد يقتضي أن يكون الابن أبا للاب، والحال أن الاب لابد أن يكون أبا لابن فكيف يكون الاب والاين واحدا ؟ ولا يبعد أن يكون في الاصل: (فالابن ابن الاب) أي البنوة الاضافية تقتضي


(1) بل استدل على ما كان بصدده من إثبات أن الابن منفصل عن الاب بفهم الناس وشهادتهم بعد ما أبان بريهة ان قول الناس حجة، فقال: إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعليك فقد غلبتك لان الاب كان ولم يكن الابن، فكان الابن منفصلا عن الاب لان الناس يحكمون بحدوثه بعده.

[ 241 ]

أبا، والابوة تقتضي ابنا فكيف تحكم باتحادهما ؟ أو اتحاد الاسمين على الاحتمال الاول مع تغاير المفهومين ؟ فقوله: فالاب والابن واحد استفهام على الانكار. قوله: (وهما متساويان) حاصل الكلام أن الحكم بأن أحدهما ابن والآخر أب يقتضي فرقا بينهما حتى يحكم على أحدهما بلابوة التي هي أقوى وفيها جهة العلية، وعلى الآخر بالبنوة التي هي أضعف وفيها جهة المعلولية، فإذا حكمت بأنهما متساويان من جميع الجهات لا يتأتى هذا الحكم، وأما الظلم فهو من حيث إن الابوة شرافة، وبحكم الاتحاد يتصف الابن بابوة الاب وهذا ظلم للاب، وكذا العكس، والحكم بالظلم من الطرفين أيضا مبني على الاتحاد. ويحتمل أن يكون المراد غصب ما هو حق له، سواء كان أشرف أم لا. 2 – ف: من كلام موسى بن جعفر (عليه السلام) مع الرشيد في خبر طويل ذكرنا منه موضع الحاجة إليه: دخل إليه وقد عمد على القبض عليه لاشياء كذبت عليه عنده، فأخرج طومارا طويلا (1) فيه مذاهب وشنعة (2) نسبها إلى شيعته فقرأه ثم قال له: يا أمير المؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقول علينا (3) وربنا غفور ستور، أبى أن يكشف أسرار عباده إلا في وقت محاسبته، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلت سليم. ثم قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلوات الله عليهم: الرحم إذا مست الرحم اضطربت ثم سكنت، فإن رأى أمير المؤمنين أن تمس رحمي رحمه ويصافحني فعل. فتحول عند ذلك عن سريره ومد يمينه إلى موسى فأخذه بيمينه ثم ضمه إلى صدره فاعتنقه وأقعده عن يمينه، وقال: أشهد أنك صادق، وأبوك صادق، وجدك صادق، ورسول الله – (صلى الله عليه وآله وسلم) – صادق، ولقد دخلت وأنا أشد الناس عليك حنقا وغضبا لمارفي إلي فيك، (4) فلما تكلمت بما تكلمت وصافحتني


(1) في نسخة: فأعطاه طومارا طويلا. (2) الشنعة بالضم: القبح. (3) منى بكذا: امتحن واختبربه. تقول عليه القول: ابتدعه كذبا. (4) حنق بفتح النون وكسره: شدة الاغتياظ. رقى إلى فيك أي وصل ورفع إلى فيك.

[ 242 ]

سري عني، (1) وتحول غضبي عليك رضى. وسكت ساعة ثم قال له: اريد أن أسألك عن العباس وعلي بما صار علي أولى بميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله) من العباس، والعباس عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصنو أبيه ؟ (2) فقال له موسى: اعفني، قال: لا والله لا أعفيتك (3) فأجبني، قال: فإن لم تعفني فأمني، قال: أمنتك، قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر (وخ ل) إن أباك العباس آمن ولم يهاجر، وإن عليا آمن وهاجر، وقال الله: (الذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) فالتمع لون هارون وتغيرو قال: مالكم لا تنسبون إلى علي وهو أبوكم، وتنسبون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو جد كم ؟ فقال موسى (عليه السلام): إن الله نسب المسيح عيسى بن مريم إلى خليله إبراهيم بامه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى و إلياس كل من الصالحين) فنسبه بامه وحدها إلى خليله إبراهيم كما نسب داود و سليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون بآبائهم وامهاتهم فضيلة لعيسى ومنزلة رفيعة بامه وحدها، وذلك قوله تعالى في قصة مريم: (إن الله اصطفك وطهرك و اصطفك على نساء العالمين) بالمسيح من غير بشر، وكذلك اصطفى ربنا فاطمة عليها السلام وطهرها وفضلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة. فقال له هارون وقد اضطرب وساءه ما سمع: من أين قلتم: الانسان يدخله الفساد من قبل النساء ومن قبل الآباء لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله ؟ فقال موسى (عليه السلام): هذه مسألة ما سأل عنها أحد من السلاطين غيرك أمير المؤمنين (4) ولاتيم ولا عدي ولابنو امية، ولا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها. (5) قال: فإن الزندقة


(1) سرى عنه: زال عنه ما كان يجده من الغضب أوالهم، وسرى عنه أو عن قلبه: كشف عنه الهم. (2) الصنو: الاخ الشفيق، والابن، والعم. والمراد هنا الاول. (3) في نسخة: لا اعفينك. وفى اخرى: لا اغضيك. (4) في المصدر: يا أمير المؤمنين. (5) في المصدر هنا زيادة وهى هذه: قال: فان بلغني عنك كشف هذا رجعت عما امنتك، فقال موسى (عليه السلام) لك ذلك.

[ 243 ]

قد كثرت في الاسلام، وهؤلاء الزنادقة الذين يرفعون إلينا في الاخبار (1) هم المنسوبون إليكم، فما الزنديق عندكم أهل البيت ؟ فقال (عليه السلام): الزنديق هو الراد على الله وعلى رسوله، وهم الذين يحادون الله ورسوله، قال الله: (لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) إلى آخر الآية، وهم الملحدون عدلوا عن التوحيد إلى الالحاد. فقال هارون: أخبرني عن أول من ألحد وتزندق ؟ فقال موسى (عليه السلام) أول من ألحد وتزندق في السماء إبليس اللعين، فاستكبر وافتخر على صفي الله ونجيه آدم، فقال اللعين: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) فعتا (2) عن أمر ربه و ألحد فتوارث الالحاد ذريته إلى أن تقوم الساعة. فقال: ولا بليس ذرية ؟ فقال: نعم، ألم تسمع إلى قول الله: (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا * ما أشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا) لانهم يضلون ذرية آدم بزخارفهم وكذبهم، ويشهدون أن لا إله إلا الله كما وصفهم الله في قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله قل الحمدلله بل أكثرهم لا يعلمون) أي أنهم لا يقولون ذلك إلا تلقينا وتأديبا وتسمية، ومن لم يعلم وإن شهد كان شاكا حاسدا معاندأ، (3) ولذلك قالت العرب: من جهل أمرا عاداه، ومن قصر عنه عابه وألحد فيه. لانه جاهل غير عالم. وكان له مع أبي يوسف القاضي (4) كلام طويل ليس هذا موضعه. ثم قال الرشيد: بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه، فقال: نعم، واتي بدواة وقرطاس فكتب:


(1) في نسخة: في الاحيان. (2) في نسخة: فعصى. (3) في نسخة: وان شهد كان شاكا جاحدا معاندا. (4) في نسخة: هو يعقوب بن ابراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد الصحابي صاحب ابى حنيفة، وقد تقدم ترجمته في ج 2 ص 238، وتقدم في باب البدع والرأى ما جرى بينه وبين أبى الحسن موسى (عليه السلام) بحضرة المهدى راجع ج 2 ص 290.

[ 244 ]

بسم الله الرحمن الرحيم جميع امور الاديان أربعة: أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الامة على الضرورة التي يضطرون إليها، الاخبار المجمع عليها (1) وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة، والمستنبط منها كل حادثة، وأمر يحتمل الشك والا نكار فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها، (2) وسنة مجمع عليها لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله ويسع خاصة الامة (3) وعامتها الشك فيه والانكار له، وهذان الامران من أمر التوحيد فما دونه وأرش الخدش فما فوقه، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين، فما ثبت لك برهانه اصطفيته، (4) وما غمض عليك صوابه نفيته، فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بينها الله في قوله لنبيه: (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين) يبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله، كما يعلمه العالم بعلمه، لان الله عدل لايجور، يحتج على خلقه بما يعلمون، ويدعوهم إلى ما يعرفون، لاإلى ما يجهلون وينكرون. فأجازه الرشيد ورده، والخبر طويل. (5) أقول: سيأتي الخبر بإسناد آخر في أبواب تاريخه (عليه السلام) بتغيير، واعلم أن عدم توريث من لم يهاجر غير مشهور بين علمائنا، وسيأتي القول فيه في كتاب الميراث، وقد مر شرح آخر الخبر في كتاب العلم. (6) 3 – يج: روي أن قوما من اليهود قالوا للصادق (عليه السلام): أي معجز يدل على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما اعطي من الحلال


(1) في نسخة: والاخبار المجمع عليها. (2) في نسخة: فسبيله استنصاح (وفى نسخة: استيضاح) أهله لمنتحليه الحجة من كتاب الله يجمع على تأويلها. (3) هكذا في النسخ، والصحيح كما في المصدر وكذا في باب علل اختلاف الاخبار: ولا يسع خاصه الامة. (4) في نسخة: استصفيته. (5) تحف العقول: 404 – 408. (6) راجع ج 2: ص 240، وأخرج هناك ذيل الخبر من كتاب الاختصاص راجعه فانه أوضح وأخرج الطبرسي صدر الخير في الاحتجاج ص 211 – 213 مفصلا راجع.

[ 245 ]

والحرام وغيرهما مما لو ذكرناه لطال شرحه، فقال اليهود: كيف لنا أن نعلم أن هذا كما وصفت ؟ فقال لهم موسى بن جعفر (عليهما السلام) – وهو صبي وكان حاضرا -: وكيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات موسى أنها على ما تصفون ؟ قالوا: علمنا ذلك بنقل الصادقين، قال لهم موسى بن جعفر (عليهما السلام): فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه الله تعالى من غير تعليم ولا معرفة عن الناقلين، فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنكم الائمة الهادية والحجج من عند الله على خلقه. فوثب أبو عبد الله (عليه السلام) فقبل بين عيني موسى بن جعفر (عليهما السلام) ثم قال: أنت القائم من بعدي. فلهذا قالت الواقفة: إن موسى بن جعفر عليهما السلام حي وأنه القائم، ثم كساهم أبو عبد الله ووهب لهم وانصرفوا مسلمين. ولا شبهة في ذلك لان كل إمام يكون قائما بعد أبيه، فأما القائم الذي يملا الارض عدلا فهو المهدي بن الحسن العسكري. أقول: سيأتي احتجاجه (عليه السلام) على اليهود في بيان معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) بطوله في أبواب معجزاته (صلى الله عليه وآله). 4 – شى: عن الحسن بن علي بن النعمان قال: لما بنى المهدي في المسجد الحرام بقيت دار في تربيع المسجد فطلبها من أربابها فامتنعوا، فسأل عن ذلك الفقهاء فكل قال له: إنه لا ينبغي أن تدخل شيئا في المسجد الحرام غصبا، فقال له علي بن يقطين: يا أمير المؤمنين لو كتبت إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام) لاخبرك بوجه الامر في ذلك، فكتب إلى والي المدينة أن سل موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن دار أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام فامتنع علينا صاحبها فكيف المخرج من ذلك ؟ فقال ذلك لابي الحسن (عليه السلام) فقال أبو الحسن (عليه السلام): ولابد من الجواب في هذا ؟ فقال له: الامر لابد منه، فقال له اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولى ببنيانها، وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها. فلما أتى الكتاب المهدي أخذ الكتاب فقبله، ثم أمر بهدم الدار، فأتى أهل الدار أبا الحسن (عليه السلام) فسألوه أن يكتب


[ 246 ]

لهم إلى المهدي كتابا في ثمن دارهم، فكتب إليه: أن ارضخ لهم شيئا، فأرضاهم. (1) بيان: الرضخ: العطاء القليل. 5 – ف: قال عبد الله بن يحيى: كتبت إليه في دعاء: (الحمدلله منتهى علمه) فكتب: لا تقولن منتهى علمه فإنه ليس لعلمه منتهى ولكن قل: (الحمدلله منتهى رضاه). (2) 6 – وسأله رجل عن الجواد فقال: إن لكلامك وجهين: فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع، لانه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك، وإن منعك منعك ما ليس لك. (3) 7 – وقال له وكيله: والله ما خنتك، فقال له: خيانتك وتضييعك علي مالي سواء، والخيانة شرهما عليك. (4) 8 – وقال (عليه السلام): من تكلم في الله هلك، ومن طلب الرياسة هلك، ومن دخله العجب هلك. (5) 9 – وقال: اشتدت مؤونة الدنيا والدين، فأما مؤونة الدنيا فإنك لاتمد يدك إلى شئ منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليه، وأما مؤونة الآخرة فإنك لا تجد أعوانا يعينونك عليه. (6) 10 – وقال: أربعة من الوسواس: أكل الطين، وفت الطين، وتقليم الاظفار بالاسنان، وأكل اللحية. وثلاث يجلين البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء الجاري، والنظر إلى الوجه الحسن. (7) 11 – وقال (عليه السلام): إذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لاحد أن يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه. (8) 12 – وقال (عليه السلام): ليس القبلة على الفم إلا للزوجة والولد الصغير. (9)


(1) تفسير العياشي: مخطوط. (2 و 3) تحف العقول: ص 408. (4) في نسخة: والخيانة شرها عليك. تحف العقول: 408. (5 – 9) تحف العقول: ص 409.

[ 247 ]

13 – وقال (عليه السلام): تفقهوا في دين الله، فإن الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، و السبب إلى المنازل الرفيعة، والرتب الجليلة في الدين والدنيا، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا. (1) 14 – وقال (عليه السلام) لعلي بن يقطين: كفارة عمل السلطان الاحسان إلى الاخوان. (2) 15 – وقال (عليه السلام): إذا كان الامام عادلا كان له الاجرو عليك الشكر، وإذا كان جائرا كان عليه الوزر وعليك الصبر. (3) 16 – وقال أبو حنيفة: حججت في أيام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فلما أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه إذ خرج صبي يدرج، (4) فقلت: يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم ؟ قال: على رسلك، (5) ثم جلس مستندا إلى الحائط ثم قال: توق شطوط الانهار، ومساقط الثمار، وأفنية المساجد، وقارعة الطريق، (6) وتوار خلف جدار، وشل ثوبك، (7) ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، وضع حيث شئت. فأعجبني ما سمعت من الصبي فقلت له: ما اسمك ؟ فقال: أنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، فقلت له: يا غلام ممن المعصية ؟ فقال: إن السيئات لا تخلو من إحدى ثلاث: إما أن تكون من الله وليست منه فلاينبغي للرب أن يعذب العبد على مالا يرتكب، وإما أن تكون منه ومن العبد وليست كذلك فلاينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وإما أن تكون من العبد وهي منه فإن عفا فبكرمه وجوده، وإن فبذنب العبد وجريرته. قال أبو حنيفة: فانصرفت ولم ألق أبا عبد الله (عليه السلام) واستغنيت بما سمعت. (8)


(1 و 2) تحف العقول: ص 410. (3) تحف العقول: ص 411. (4) درج الصبى: مشى. (5) أي على مهلك وتأن. (6) قارعة الطريق: أعلاه ومعظمه. (7) أي ارفع ثوبك ؟ من شال يشول شولا. (8) تحف العقول: 411. ورواه الطبرسي ايضا في الاحتجاج ص 210 – 211 مع زيادة، وأخرجه المصنف في باب نفى الظلم والجور عنه تعالى، وروى ذيله الصدق في التوحيد ص 83 والعيون ص 79 والامالي ص 246 مسندا، وأخرجه المصنف في كتاب العدل والمعاد، راجع ج 5 ص 4 و 27 وأخرج صدره الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب مسندا، راجع الفروع 1: 6 والتهذيب 1: 9.

[ 248 ]

17 – كنز الكراجكى: روى محمد بن سنان، عن داود الرقي أن أبا حنيفة قال لابن أبي ليلى: مر بنا إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام) لنسأله عن أفاعيل العباد، وذلك في حياة الصادق (عليه السلام)، وموسى (عليه السلام) يومئذ غلام، فلما صارا إليه سلما عليه ثم قالا له: أخبرنا عن أفاعيل العباد ممن هي، فقال لهما: إن كانت أفاعيل العباد من الله دون خلقه فالله أعلى وأعز وأعدل من أن يعذب عبيده على فعل نفسه. وإن كانت من الله ومن خلقه فإنه أعلى وأعز من أن يعذب عبيده على فعل قد شاركهم فيه، وإن كانت أفاعيل العباد من العباد فإن عذب فبعدله، وإن غفر فهو أهل التقوى وأهل المغفرة. ثم أنشأ يقول (شعر): (1) لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها * إحدى ثلاث معان حين نأتيها إما تفرد بارينا بصنعتها * فيسقط الذم عنا حين ننشيها أو كان يشركنا فيها فيلحقه * ما سوف يلحقنا من لائم فيها أولم يكن لالهي في جنايتها * ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها (2) أقول: سيأتي أكثر مناظراته واحتجاجاته في أبواب تاريخه صلوات الله عليه، وكثير مما صدر عنه من جوامع العلوم في كتاب الروضة.


(1) ليست لفظة (شعر) في المصدر. (2) كنز الفوائد: ص 171.

[ 249 ]

* (باب 17) * * (ما وصل الينا من أخبار على بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام)) * * (بغير رواية الحميرى، نقلناها مجتمعة لما بينها وبين أخبار) * * (الحميرى من اختلاف يسير، وفرقنا ما ورد برواية الحميرى) * * (على الابواب) * 1 – أخبرنا أحمد بن موسى بن جعفر بن أبي العباس قال: حدثنا أبو جعفر ابن يزيد بن النضر الخراساني من كتابه في جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين ومائتين قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن عمربن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألت أبي جعفر بن محمد عن رجل واقع امرأته قبل طواف النساء متعمدا ما عليه ؟ قال: يطوف وعليه بدنة. وسألته عن رجل اخذ وعليه ثلاثة حدود: الخمر، والسرقة، والزنا، فما فيها من الحدود ؟ قال: يبدء بحد الخمر، ثم السرقة، ثم الزنا. وسألته عن خنثى دلس نفسه لامرأته ما عليه ؟ قال: يوجع ظهره واذيق تمهينا، وعليه المهر كاملا إن كان دخل بها، وإن لم يكن دخل بها فعليه نصف المهر.


(1) هو على بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب عليهم السلام أبو الحسن المدنى، سكن العريض من نواحى المدينة فنسب ولده إليها، كان راوية للحديث، سديد الطريق، شديد الورع، كثير الفضل، جليل القدر، ثقة روى عن أبيه وأخيه وعن الرضا عليهم السلام ولزم أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) وروى عنه كثيرا. ويروى ايضا عن محمد بن مسلم، ومحمد بن عمر الجراجانى، والحسين بن زيد بن على بن الحسين بن زيد بن الحسن، له كتاب مناسك الحج، وله كتاب في الحلال والحرام، يروى تارة مبوبا وتارة غير مبوب، اما الاول فيرويه عبد الله بن جعفر الحميرى في كتاب قرب الاسناد باسناده عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر، واما الثاني فهو المشهور بمسائل على بن جعفر، وهو الذى أخرجه المصنف بالاسنادهنا، وهو يشتمل على مسائل كثيرة متعلقة بابواب الفقه قد أخرجها الشيخ الحر ايضا في أبواب متناسبة في وسائل الشيعة، يوجد من المسائل نسخة مصححة مستنسخة عن نسخة تاريخ كتابتها سنة 686، في المكتبة الرضوية، ويظهر من النجاشي ان ما يرويه الحميرى هو غير المبوب، وعلى أي فهو مترجم في كتب تراجم العامة والخاصة مشفوعا بالتوثيق والثناء الجميل، وفى رجال الكشى روايات تدل على مدحه وعظمته، وأرخ وفاته ابن حجر في التقريب: ص 369 سنة 210، يروى عنه جماعة كثيرة منهم: العمركى بن على البوفكى النيسابوري، وعلى بن أسباط، وموسى بن القاسم، وحفيده = (*)

[ 250 ]

وسألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني هل تحل ؟ قال: كل مما ذكر اسم الله عليه. (1) وسألته عن رجل أصحاب شاة في الصحراء هل تحل له: قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هي لك أو لاخيك أو لذئب، خذها فعرفها حيث أصبتها، فإن عرفت فردها على صاحبها، وإن لم تعرفها فكلها، وأنت ضامن لها إن جاء صاحبها ويطلبها أن ترد عليه ثمنها. وسألته عن رجل صام من ظهار ثم أيسر وقد بقي عليه من صومه يومان أو ثلاثة كيف يصنع ؟ قال: إن صام شهرا ودخل في الثاني أجزأه الصوم ويتم صومه ولا عتق عليه. وسألته عن رجل تتابع عليه رمضانان لم يصح فيهما ثم صح بعد، كيف يصنع ؟ قال: يقضي الآخر بصوم ويقضي عن الاول بصدقة كل يوم مدا من طعام. وسألته عن رجل خرج بطير من مكة حتى ورد به الكوفة كيف يصنع ؟ قال: يرده إلى مكة، وإن مات يتصدق بثمنه. وسألته عن رجل ترك طوافه حتى قدم بلده وواقع النساء كيف يصنع ؟ قال: يبعث ببدنة إن كان تركه في حج بعث بها في حج، وإن كان تركه في عمرة بعث في عمرة ووكل من يطوف عنه عما كان ترك من طوافه. (2)


= عبد الله بن الحسن، ومحمد بن عبد الله بن مهران، وأبو قتادة على بن محمد بن حفص القمى، و يعقوب بن يزيد، وداود النهدي، ومحمد وأحمد ابناه، واحمد بن محمد بن عبد الله، واحمد بن موسى، وعلى بن الحسن بن على عمر بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب عليهم السلام، والحسن بن على بن عثمان بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب عليهم السلام، والحسين بن زيد بن على بن الحسين عليهم السلام ابو الحسين العلوى، وحسين بن موسى بن جعفر (عليه السلام)، وعلى بن حمزة بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن امير المؤمنين (عليه السلام)، ومحمد بن اسماعيل ابن ابراهيم بن موسى بن جعفر (عليه السلام)، واسماعيل بن محمد بن اسحاق بن جعفر بن محمد (عليه السلام)، واسماعيل بن همام، وسليمان بن جعفر، والحسين بن عيسى بن عبد الله، ومحمد بن الحسن بن عمار، وعمر بن ابى معمر، وعبد الجبار، وموسى بن جعفر بن وهب، ونصر بن على الجهضمى، ومحمد بن الوليد وزكريا بن يحيى بن النعمان البصري، ومحمد بن هارون، والحسن (الحسين خ ل) بن سعيد، وعلى بن الحسين بن على بن عمر بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب عليهم السلام، والنهيكى، و أحمد بن محمد بن ابى نصر البزنطى، وعبد العظيم بن عبد الله، وأحمد بن زيد، ومحمد بن على بن جعفر، وأبو سعيد الحسن بن على بن زكريا بن يحيى بن صالح بن عاصم بن زفر. (1) جواز أكل ذبيحة أهل الكتاب مما يخالف المشهور، ويحمل على ما امره المسلم بالذبح والتسمية، فيكون الكتابى كالالة للمسلم أو يحمل على غير ذلك. (2) في نسخة: ووكل من يطوف عنه ما كان ترك من طوافه.

[ 251 ]

وسألته عن رجل كان له أربع نسوة فماتت إحداهن، هل يصلح له أن يتزوج مكانها اخرى قبل أن تنقضي عدة المتوفى ؟ قال: إذا مات فليتزوج ما أحب. وسألته عن صلاة الخوف كيف هي ؟ قال: يقوم الامام فيصلي ببعض أصحابه ركعة، ثم يقوم في الثانية ويقوم أصحابه فيصلون الثانية معه، ثم يخففون وينصرفون، ويأتي أصحابه الباقون فيصلون معه الثانية، فإذا قعد في التشهد قاموا فصلوا الثانية لانفسهم، ثم قعدوا فتشهدوا معه، ثم سلم وانصرف وانصرفوا. وسألته عن صلاة المغرب في الخوف كيف هي ؟ قال: يقوم الامام فيصلي ببعض أصحابه ركعة، ثم يقوم في الثانية ويقومون فيصلون ركعتين يخففون وينصرفون، و يأتي أصحابه الباقون فيصلون معه الثانية، ثم يقوم بهم في الثانية فيصلي بهم فتكون للامام الثالثة وللقوم الثانية، ثم يقعد ويتشهد ويتشهدون معه، ثم يقوم أصحابه والامام قاعد فيصلون الثالثة ويتشهدون، ثم يسلم ويسلمون. وسألته عن المتعة في الحج من أين إحرامها وإحرام الحج ؟ قال: قد وقت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاهل العراق من العقيق، ولاهل المدينة وما يليها من الشجرة، ولاهل شام وما يليها من الجحفة، ولاهل الطائف من قرن، ولاهل اليمن من يلملم، فليس ينبغي لاحد أن يعدو عن هذه المواقيت إلى غيرها. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصيد حمام الحرم في الحل فيذبحه فيدخله في الحرم فيأكله ؟ قال: لا يصلح أكل حمام الحرم على حال. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن ينتف إبطه في رمضان وهو صائم ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل أيصلح له أن يصب الماء من فيه فيغسل به الشئ يكون في ثوبه ؟ قال: لا بأس. وسألته عن امرأة توفي عنها زوجها وهي حامل فوضعت وتزوجت قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشرا ما حالها ؟ قال: إن كان دخل بها زوجها فرق بينهما فاعتدت ما بقي عليها من زوجها الاول، ثم اعتدت عدة اخرى من الزوج الاخير، ثم لا تحل له أبدا، وإن تزوجت غيره فإن لم يكن دخل بها فرق بينهما واعتدت ما بقي عليها من عدتها من المتوفى عنها وهو خاطب من الخطاب.


[ 252 ]

وسألته عن الدبى (1) من الجراد هل يحل له أكله ؟ قال: لا يحل أكله حتى يطير. وسألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوى الجد أن يزوج أحدهما، وهوى أبوها الآخر، أيهما أحق أن ينكح ؟ قال: الذي هوى الجد أحق بالجارية لانها وأباها لجدها. وسألته عن رجل كان له غنم وكان يعزل من جلودها الذي من الميت فاختلطت فلم يعرف الذكي من الميت، هل يصلح له بيعه ؟ قال: يبيعه (2) ممن يستحل بيع الميتة منه، ويأكل ثمنه ولا بأس. وسألته عن المرأة هل يصلح (3) لها أن تعنق الرجل في شهر رمضان وهي صائمة، فتقبل بعض جسده من غير شهوة ؟ قال: لا بأس. وسألته عن المرأة يصلح لها أن تمسح على الخمار ؟ قال: لا يصلح حتى تمسح على رأسها. وسألته عن الصائم هل يصلح له أن يصب في اذنه الدهن ؟ قال: إذا لم يدخل حلقه فلا بأس. وسألته عن رجل وطئ جارية فباعها قبل أن تحيض، فوطئها الذي اشتراها في ذلك الطهر فولدت له لمن الولد ؟ قال: الولد للذي هي عنده، فليصر لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الولد للفراش). وسألته عن امرأة أرضعت مملوكها ما حاله ؟ قال: إذا أرضعت عتق. (4) وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تأكل من عقيقة ولدها ؟ قال: لا يصلح لها الاكل منه فليتصدق بها كلها. وسألته عن مولود ترك أهله حلق رأسه في اليوم السابع هل عليه بعد ذلك حلقه والصدقة بوزنه ؟ قال: إذا مضى سبعة أيام فليس عليهم حلقه، إنما الحلق والعقيقة و الاسم في اليوم السابع.


(1) الدبى: أصغر الجراد. (2) في نسخة: قال: بعه. (3) في نسخة: هل يحل. (4) في نسخة: إذا ارضعته عتق.

[ 253 ]

وسألته عن الحج مفردا هو أفضل أو الاقران ؟ قال: إقران الحج أفضل من الافراد. وسألته عن المتعة والحج مفردا وعن الاقران أيهما أفضل ؟ قال: المتمتع أفضل من المفرد ومن القارن السائق. ثم قال: إن المتعة هي التي في كتاب الله والتي أمر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: إن المتعة دخلت في الحج إلى يوم القيامة. ثم شبك أصابعه بعضها في بعض، قال: كان ابن عباس يقول: من أبى حالفته. (1) وسألته عن الرجل يسجد فيضع يده على نعله هل يصلح ذلك له ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح أن يزوج ابنته بغير إذنها ؟ قال: نعم ليس يكون للولد مع الوالد أمر إلا أن تكون امرأة قددخل بها ذلك فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر. (2) وسألته عن الرجل هل يحل له أن تصلي خلف الامام فوق دكان ؟ قال: إذا كان مع القوم في الصف فلا بأس. وسألته عن المرأة هل تصلح لها أن تصلي في ملحفة ومقنعة ولها درع ؟ قال: لا يصلح لها إلا أن تلبس درعها. وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلي في إزار وملحفة ومقنعة ولها درع ؟ قال: إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلا وعليها درع. وسألته عن المرأة هل تصلح لها أن تصلي في إزار وملحفة تقنع بها ولها درع ؟ قال: لا يصلح لها أن تصلي حتى تلبس درعها. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في سراويل ورداء ؟ قال: لا بأس وسألته عن قيام شهر رمضان (3) هل يصلح ؟ قال: لا يصلح إلا بقراءة القرآن، تبدء فتقرء فاتحة الكتاب، ثم تنصت لقراءة الامام، فإذا أراد الركوع قرأت قل هو الله أحد وغيرها، ثم ركعت أنت إذا ركع، فكبر (4) أنت في ركوعك وسجودك كما تفعل إذا صليت وحدك، وصلاتك وحدك أفضل.


(1) أي من أبى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ذلك حالفته. (2) استأمره: شاوره. (3) هولا يخلو عن اضطراب، ولعله سأل عن صلاة التراويح جماعة فقال: لا يصلح الا بقراءة القران، أي فذا، ثم بين حكم من كان في تقية. (4) في نسخة: وكبر

[ 254 ]

وسألته عن السراويل هل تجزي مكان الازار ؟ قال: نعم. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في إزار وقلنسوة وهو يجد رداء ؟ قال: لا يصلح وسألته عن الرجل هل يصلح أن يؤم في سراويل وقلنسوة ؟ قال: لا يصلح. وسألته عن المحرم هل يصلح له أن يعقد إزاره على عنقه في صلاته ؟ قال: لا يصلح أن يعقد ولكن يثنيه (1) على عنقه ولا يعقده. وسألته عن الرجل هل يصلح أن يجمع طرفي ردائه على يساره ؟ قال: لا يصلح جمعهما على اليسار ولكن أجمعهما على يمينك أو دعهما متفرقين. وسألته عن الجري (2) هل يحل أكله ؟ قال: إنا وجدنا في كتاب علي أمير المؤمنين (عليه السلام) حرام. (3) وسألته عن رجل ضرب بعظم في اذنه فادعى أنه لا يسمع. قال: إذا كان الرجل مسلما صدق. وسألته عن المكارين الذين يختلفون إلى النيل هل عليهم تمام الصلاة ؟ قال: إذا كان مختلفهم (4) فليصوموا وليتموا الصلاة إلا أن يجد بهم السير فليفطروا و ليقصروا.


(1) ثنى الشئ: رد بعضه على بعض. عطفه. طواه. (2) تقدم معناه قريبا. (3) هذا الكتاب هو الصحيفة الجامعة التى هي إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيه كل حلال وحرام حتى ارش الخدش، وكان طوله سبعين ذراعا ويسمى كتاب الاحكام والسنن أيضا، وصفه الائمة عليهم السلام بذلك في روايات كثيرة، كان هو وسائر كتبه عندهم عليهم السلام، وقد نقل البخاري عنه في صحيحه في باب كتابة العلم ج 1 ص 38 وباب فكاك الاسيرج 4 ص 84 وباب اثم من عاهد ثم غدر ص 124 وفى باب اثم من تبرا من مواليه ج 8 ص 129 وفى باب العاقلة ج 9 ص 13 وباب لا يقتل المسلم بالكافر ص 16، وصنف ايضا كتابا في الديات يسمى بالصحيفة و كتاب الفرائض. راجع ما اوردنا ذيل ترجمة سليم بن قيس في مقدمة الكتاب: ص 156 و 157. (4) المختلف: المكان الذى يتردد ويختلف إليه في عمله.

[ 255 ]

وسألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في شهر رمضان ما عليه ؟ قال: عليه القضاء وعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر الله. وسألته عن الرجل هل يصلح له وهو صائم في رمضان أن يقلب الجارية فيضرب على بطنها وفخذها وعجزها ؟ قال: إن لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس به، فأما الشهوة فلا يصلح. وسألته عن الصدقة فيما هي ؟ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في تسعة: الحنطة، و الشعير، والتمر، والزبيب، والذهب، والفضة، والابل، والبقر، والغنم، وعفي عما سوى ذلك وسألته عن الرجل المسلم هل يصلح له أن يسيح في الارض أو يترهب في بيت لا يخرج منه ؟ قال: لا. وسألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل يصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله ؟ قال: ليس عليه غسله فليصل فيه فلا بأس. وسألته عن الرجل يقع ثوبه على كلب ميت هل يصلح له الصلاة فيه ؟ قال: ينضحه ويصلي فيه فلا بأس. وسألته عن رجل يدرك تكبيرة أو ثنتين على ميت كيف يصنع ؟ قال: يتم ما بقي من تكبيره، ويبادر الرفع ويخفف. وسألته عن الوباء يقع في الارض هل يصلح للرجل أن يهرب منه ؟ قال: يهرب منه ما لم يقع في مسجده الذي يصلي فيه، فإذا وقع في أهل مسجده الذي يصلي فيه فلا يصلح له الهرب منه. وسألته عن الرجل يستاك وهو صائم فتقيأ ما عليه ؟ قال: إن كان تقيأ متعمدا فعليه قضاؤه وإن لم يكن تعمد ذلك فليس عليه شئ. وسألته عن الدواء هل يصلح بالنبيذ ؟ قال: لا وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في قميص واحد وقباء واحدة ؟ قال: ليطرح على ظهره شيئا.


[ 256 ]

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في ممطر (1) وحده أوجبة وحدها ؟ قال: إذا كان تحتها قميص فلا بأس. وسألته عن المحرم هل يصلح له أن يصارع ؟ قال: لا يصلح (2) مخافة أن يصيبه جرح أو يقع بعض شعره. (3) وسألته عن المحرم هل يصلح له أن يستاك ؟ قال: لا بأس، ولا ينبغي أن يدمي فمه. وسألته عن رجل أصاب ثوبه خنزير فذكر وهو في صلاته، قال: فليمض فلا بأس، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله. وسألته عن الرجل هل يصلح أن يؤم في قباء وقميص ؟ قال: إذا كانا ثوبين فلا بأس. وسألته عن الرجل يرعف وهو يتوضؤ فيقطر قطرة في إنائه هل يصلح له الوضوء منه قال: لا. وسألته عن رجل رعف فامتخط (4) فطار بعض ذلك الدم قطرا قطرا صغارا فأصاب إناءه هل يصلح الوضوء منه ؟ قال: إن لم يكن شئ يستبين في الماء فلا بأس، و إن كان شيئا بينا فلا يتوضؤ منه. وسألته عن ذبيحة الجارية هل تصلح ؟ قال: إذا كانت لاتنخع (5) ولا تكسر الرقبة فلا بأس. وقال: قد كانت لاهل علي بن الحسين جارية تذبح لهم. وسألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه ؟ قال: عليه بدنة، فإن لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا، فإن لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما. وسألته عن محرم أصاب بقرة ما عليه ؟ قال: بقرة، فإن لم يجد فليتصدق على ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد فليصم تسعة أيام.


(1) الممطر والممطرة: ما يلبس في المطر يتوقى به، وتسميه العامة: المشمع. (2) في نسخة: لا يصرع. (3) في نسخة: أو يقع بعض مشعره. (4) أي فأخرج المخاط من أنفه. (5) نخع الذبيحة: جاوز بالسكين منتهى الذبح فاصاب نخاعها.

[ 257 ]

وسألته عن محرم أصاب ظبيا ما عليه ؟ قال: عليه شاة، فإن لم يجد فليتصدق على عشرة مساكين، فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام. وسألته عن رجل قال لآخر: هذه الجارية لك خيرتك، هل يحل فرجها له ؟ قال: إن كان حل له بيعها حل له فرجها، وإلا فلا يحل له فرجها. وسألته عن رجل جعل عليه عتق نسمة أيجزي عنه أن يعتق أعرج وأشل ؟ قال: إذا كان مما يباع أجزأ عنه، إلا أن يكون وقت على نفسه شيئا فعليه ما وقت. وسألته عن الحر تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زنى ؟ قال: نعم. وسألته عن الرجل يسلف في الفلوس أيصلح له أن يأخذ كفيلا ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل يسلم في النخل قبل أن يطلع أيحل ذلك ؟ قال: لا يصلح السلم في النخل. وسألته عن بيع النخل. قال: إذا كان زهوا واستبان البسر من الشيص (1) حل شراؤه وبيعه. وسألته عن السلم في البر أيصلح ؟ قال: إذا اشترى منك كذا وكذا فلا بأس. وسألته عن السلم في النخل قال: لا يصلح، وإن اشترى منك هذا النخل فلا بأس – أي كيلا مسمى بعينه -. وسألته عن الرجلين يشتر كان في السلم أيصلح لهما أن يقتسما قبل أن يقبضا ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الحيوان بالحيوان نسية وزيادة دراهم، ينقد الدراهم ويؤخر الحيوان أيصلح ؟ قال: إذا تراضيا فلا بأس. وسألته عن الرجل يكاتب مملوكه على وصفاء ويضمن عند ذلك أيصلح ؟ قال: إذا سمى خماسيا أو رباعيا أو غيره فلا بأس. وسألته عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها، أيصلح له أن يبيعها مرابحة ؟ قال: لا بأس.


(1) الزهو: البسر الملون. والبسر: التمر إذا لون ولم ينضج. الشيص: تمر ردئ. الشيصاء: تمر لا يشتد نواه

[ 258 ]

وسألته عن رجل له على آخر حنطة، أيأخذ بكيلها شعيرا ؟ قال: إذا رضيا فلا بأس. وسألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أياخذ قيمته الدراهم ؟ قال إذا قومه دراهم فسد، لان الاصل الذي اشتراه دراهم، فلا يصلح دراهم بدراهم. وسألته عن الرجل يشتري الطعام، أيحل له أن يولي منه قبل أن يقبضه ؟ قال: إذا لم يربح عليه شئ فلا بأس، وإن ربح فلا يصلح حتى يقبضه. وسألته عن الرجل يشتري الطعام أيصلح له بيعه قبل أن يقبضه ؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتى يقبض، وإن كان يوليه فلا بأس. وسألته عن رجل اشترى سمنا ففضل له أيحل له أن يأخذ مكانه رطلا أو رطلين زيتا ؟ قال: إذا اختلفا وتراضيا فليأخذ ما أحب فلا بأس. وسألته عن رجل استأجر أرضا أو سفينة بدرهمين فآجر بعضها بدرهم ونصف وسكن فيما بقي، أيصلح ذلك ؟ قال: لا بأس. وسألته عن مملوكة بين رجلين زوجها أحدهما والآخر غائب هل يجوز النكاح ؟ قال: إذاكره الغائب لم يجز النكاح. وسألته عن رجل استأجر بيتا بعشرة دراهم، فأتاه خياط أو غيره فقال: اعمل فيه الاجر بيني وبينك، وما ربحت فلي ولك، فربح اكثر من أجر البيت أيحل له ذلك ؟ قال: لا بأس. وسألته عن رجل قال لرجل: اعطيك عشرة دراهم وتعلمني عملك (1) وتشاركني هل يحل ذلك له ؟ قال: إذا رضي فلا بأس به. وسألته عن رجل أعطى رجلا مائة درهم (2) يعمل بها على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر، أيحل ذلك ؟ قال: لا، هذا الربا محضا. وسألته عن رجل أعطى عبده عشرة دراهم أن يؤدي إليه كل شهر عشرة دراهم، أيحل ذلك ؟ قال: لا بأس.


(1) في نسخة: وتعلمنى علمك. (2) في نسخة: أعطى رجلا مائة دينار.

[ 259 ]

وسألته عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير، وعن الدنانير دراهم بالقيمة، أيحل ذلك ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل يبيع السلعة ويشترط أن له نصفها ثم يبيعها مرابحة أيحل ذلك ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل استأجر دارا بشئ مسمى على أن عليه بعد ذلك تطيينها وإصلاح أبوابها، أيحل ذلك ؟ قال: لا بأس. وسألته عن رجل باع بيعا إلى أجل فحل الاجل والبيع عند صاحبه فأتاه البيع (1) فقال: بعني الذى اشتريت مني وحط لي كذا وكذا فا قاصك من مالي عليك، أيحل ذلك ؟ قال: إذا رضيا فلا بأس. وسألته عن الاضحى بمنى كم هو ؟ قال: ثلاثة أيام. وسألته عن الاضحى في غير منى كم هو ؟ قال: ثلاثة أيام. وسألته عن رجل كان مسافرا فقدم بعد الاضحى بيومين أيضحي في اليوم الثالث ؟ قال: نعم. وسألته عن رجل كان له على آخر عشرة دراهم فقال له: اشتر ثوبا فبعه واتضع ثمنه وما اتضعت فهو علي، أيحل ذلك ؟ قال: إذا تراضيا فلا بأس. وسألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسة دراهم بنقد قال: إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس. وسألته عن الرجل يكون خلف الامام يجهر بالقراءة وهو يقتدي به هل له أن يقرأ خلفه ؟ قال: لا، ولكن لينصت للقرآن. وسألته عن الرجل يكون خلف الامام يقتدي به في الظهر والعصر يقرء خلفه ؟ قال: لا، ولكن يسبح ويحمد ربه ويصلي على النبي – (صلى الله عليه وآله) – وعلى أهل بيته. وسألته عن الخاتم فيه نقش تماثيل سبع أو طير أيصلى فيه ؟ قال: لا.


(1) في نسخة: فأتاه البايع (*).

[ 260 ]

وسألته عن الرجل أيحل له أن يفضل بعض ولده على بعض ؟ قال: قد فضلت فلانا على أهلي وولدي فلا بأس. وسألته عن قوم اجتمعوا على قتل آخر ما حالهم ؟ قال: يقتلون به. وسألته عن قوم أحرار اجتمعوا على قتل مملوك ما حالهم ؟ قال: يردون ثمنه. وسألته عن امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها. قال: يفرق بينها وبينه، و يكون خاطبا من الخطاب. وسألته عن رجل تزوج جارية أخيه (1) أو عمه أو ابن أخيه فولدت، ما حال الولد ؟ قال: إذا كان الولد يرث من مليكة (2) شيئا عتق. وسألته عن نصراني يموت ابنه وهو مسلم هل يرثه ؟ قال: لا يرث أهل ملة ملة. وسألته عن لحوم الحمر الاهلية قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما نهى عنها لانهم يعملون عليها، وكره أكل لحومها لئلا يفنوها. وسألته عن المرأة أتحف الشعر عن وجهها ؟ قال: لا بأس. وسألته عن المرأة تزوج على عمها أو خالها ؟ قال: لا. وسألته عن الرجل يحلف على اليمين ويستشني، ما حاله ؟ قال: هو على ما استشنى. وسألته عن تفريج الاصابع في الركوع أسنة هو ؟ قال: إن شاء فعل، وإن شاء ترك. وسألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلى فيه قبل أن يغسل ؟ قال: إذا جرى به المطر فلا بأس. وسألته عن الثوب يقع في مربط الدابة على بولها وروثها كيف يصنع ؟ قال: إن علق به شئ فليغسله (3) وإن كان جافا فلا بأس. وسألته عن الطعام يوضع على السفرة أو الخوان قد أصابه الحمر، أيؤكل ؟ قال: إن كان الخوان يابسا فلا بأس.


(1) في هامش نسختين: زوج جاريته أخاه، يب. (2) في نسخة: من ملكه. وفى اخرى: ممن يملكه. (3) في نسخة: ان علق به شئ فيغسله.

[ 261 ]

وسألته عن أكل السلحفاة والسرطان والجري (1) قال: أما الجري فلا يؤكل، ولا السلحفاة ولا السرطان. وسألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل ؟ قال: ذلك لحم الضفدع (2) فلا يصلح أكله. وسألته عن الطين يطرح فيه السرقين يطين به المسجد (3) أو البيت، أيصلى فيه ؟ قال: لا بأس وسألته عن الجص يطبخ بالعذرة أيصلح أن يجصص به المسجد ؟ قال: لا بأس. وسألته عن البور يا تبل فيصيبها ماء قذر فيصلى عليها ؟ قال: إذا يبس فلا بأس. وسألته عن امرأة أسلمت ثم أسلم زوجها وقد تزوجت غيره ما حالها ؟ قال: هي للذي تزوجت، ولا ترد على الاول. وسألته عن امرأة أسلمت ثم أسلم زوجها، تحل له ؟ قال: هو أحق بها ما لم تتزوج، ولكنها تخير فلها ما اختارت. وسألته عن حد ما يقطع فيه السارق وما هو ؟ قال: قطع أمير المؤمنين (عليه السلام) في ثمن بيضة حديد درهمين أو ثلاثة. وسألته عن رجل سرق جارية ثم باعها هل يحل فرجها لمن اشتراها ؟ قال: إذا اتهم أنها سرقة فلا تحل له، وإن لم يعلم فلا بأس. وسألته عن الكلب والفأرة إذا أكلا من الجبن أو السمن أيؤكل ؟ قال: يطرح ما شماه ويؤكل ما بقي. وسألته عن فأرة أو كلب شرب من سمن أو زيت أو لبن أيحل أكله ؟ قال: إن كان جرة (4) أو نحوها فلا يأكله، ولكن ينتفع به في سراج أو غيره، وإن كان أكثر


(1) السلحفاة: دابة برية وبحرية لها اربع قوائم تختفى بين طبقتين عظيمتين. والسرطان: حيوان يعيش في الماء، ذوفكين يمشى على جنب واحد، ويسمى عقرب الماء، والعامة تسميه السلطعون. والجرى تقدم معناه. في نسخة: ذلك لحم الضفادع. الضفدع: دابة مائية. (3) في نسخة: ويطين به المسجد. (4) الجرة: إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع.

[ 262 ]

من ذلك فلا بأس بأكله إلا أن يكون صاحبه موسر. فليهرقه ولا ينتفعن به في شئ وسألته عن رجل تصدق على بعض ولده بصدقة ثم بداله أن يدخل فيها غيره مع ولده، أيصلح ذلك له ؟ قال: يصنع الوالد بمال ولده ما شاء، والهبة من الوالد بمنزلة الصدقة لغيره. (1) وسألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما صاحبه خنزيرا أو خمرا إلى أجل مسمى فأسلما قبل أن يقبض الثمن، هل يحل له ثمنه بعد إسلامه ؟ قال: إنما له الثمن فلا بأس بأخذه. وسألته عن رجل شهد عليه ثلاثة رجال أنه زنى بفلانة، وشهد الرابع أنه قال لاأدري بمن زنى (2) بفلانة أو غيرها. قال: ما حال الرجل إن كان أحصن أولم يحصن لم يتم الحديث. (3) وسألته عن رجل طلق قبل أن يدخل بامرأته فادعت أنها حامل، منه ما حالها ؟ قال: إن قامت البينة أنه أرخى ستراثم أنكر الولد لاعنها وبانت منه، وعليه المهر كاملا. وسألته عن الخبز أيصلح أن يطين بالسمن ؟ قال: لا بأس. وسألته عن فراش اليهودي أينام عليه ؟ قال: لا بأس. وسألته عن ثياب النصراني واليهودي أيصلح أن يصلي فيه المسلم ؟ قال: لا. وسألته عن رجل قذف امرأته طلقها ثم طلبت بعد الطلاق قذفه إياها، قال إن أقر جلد، وإن كانت في عدة لاعنها. وسألته عن رجل مسلم تحته يهودية أو نصرانية أو أمة نفى ولدها وقذفها هل عليه لعان ؟ قال: لا. وسألته عن رجل قال لامته وأراد أن يعتقها ويتزوجها: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، قال: عتقت، وهي بالخيار إن شاءت تزوجت (4) وإن شاءت فلا، وإن تزوجته


(1) في نسخة: والهبة من الوالد بمنزلة الصدقة من غيره. (2) في نسخة: لاأدرى بمازنى (3) قال المصنف قدس سره في حاشية الكتاب: كان الحديث في المأخود منه هكذا ناقصا، وفى التهذيب برواية عمار أنه سأل عن ذلك فقال (عليه السلام): لا يحد ولا يرجم. (4) في نسخة: وإن شاءت تزوجته.

[ 263 ]

فليعطها شيئا، وإن قال: تزوجتك وجعلت مهرك عتقك جاز النكاح، وإن أحب يعطيها شيئا. (1) وسألته عن مكاتب بين قوم أعتق بعضهم نصيبه، ثم عجز المكاتب بعد ذلك ما حاله ؟ قال: عتق بما عتق منه ويستسعى فيما بقي. وسألته عن رجل كاتب مملوكه وقال بعد ما كاتبه: هب لي بعض مكاتبتي وأعجل بعض مكاتبتي لك مكاني أيحل ذلك ؟ قال: إذا كانت هبة فلا بأس، وإن قال: حط عني وأعجل لك فلا يصلح. وسألته عن مكاتب أدى نصف مكاتبته أو بعضها ثم مات وترك ولدا ومالا كثيرا ما حاله ؟ قال: إذا أدى النصف عتق ويؤدي مكاتبته من ماله وميراثه لولده. وسألته عن المسلم هل يصلح له أن يأكل مع المجوسي في قصعة واحدة، ويقعد معه على فراشه أوفي مسجده أو يصافحه ؟ قال: لا وسألته عن المكاتب جنى جناية على من هي ؟ قال: هي على المكاتب وسألته عن المكاتب عيه فطرة رمضان، أو على من كاتبه، أو تجوز شهادته ؟ (2) قال: الفطرة عليه، ولا تجوز شهادته. وسألته عن رجل أعتق نصف مملوكه وهو صحيح ما حاله ؟ قال: يعتق النصف، ويسعى في النصف الآخر يقوم قيمة عدل. وسألته عن الرجل أيصلح له أن يلبس الطيلسان فيه ديباج، والبركان (3) عليه حرير ؟ قال: لا. وسألته عن الديباج أيصلح لباسه للناس ؟ (4) قال: لا. (5) وسألته عن الخلاخيل أيصلح لبسها للنساء والصبيان ؟ قال: إن كن صما فلا بأس، وإن يكن لها صوت فلا.


(1) في نسخة: واحب أن يعطيها شيئا. (2) في نسخة: وهل تجوز شهادته. (3) يقال للكساء الاسود: البركان. ذكره الفيروز آبادى. منه رحمه الله. (4) في نسخة: أيصلح لباسه للنساء ؟ (5) في نسخة: قال: لا بأس.

[ 264 ]

وسألته عن الرجل أيصلح أن يركب دابة عليها الجلجل ؟ (1) قال: إن كان له صوت فلا، وإن كان أصم فلا بأس. وسألته عن الفأرة تموت في السمن والعسل الجامد أيصلح أكله ؟ قال: اطرح ما حول مكانها الذي ماتت فيه، وكل ما بقي ولا بأس وسألته عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها، أيصلح له بيع جلودها ودباغها ويلبسها ؟ قال: لا، وإن لبسها فلا يصلي فيها. وسألته عن الدابة أيصلح أن يضرب وجهها أو يسمها بالنار ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل أيصلح أن يأخذ من لحيته ؟ قال: أما من عارضيه فلا بأس وأما من مقدمه فلا يأخذ. وسألته عن أخذ الشاربين أسنة هو ؟ قال: نعم. وسألته عن النثر للسكر في العرس أو غيره أيصلح أكله ؟ قال: يكره أكل ما انتهب. وسألته عن جعل الآبق والضالة، (2) قال: لا بأس. وسألته عن بيع الولاء يحل ؟ قال: لا. وسألته عن الرجل هل يصلح أن يصلي في مسجد و حيطانه كوى كله (3) قبلته وجانبيه وأمرأة تصلي حياله يراها ولا تراه ؟ قال: لا بأس. وسألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها إلى جنبها، هل يصلح لها أن تتناوله وتحمله (4) وهي قائمة ؟ قال: لاتحمل وهي قائمة. وسألته عن الاضحية، قال: ضح بكبش أملح أقرن فحلا سمينا، فإن لم تجد كبشا سمينا فمن فحولة المعزى وموجوء من الضأن أو المعزى، فإن لم تجد فنعجة من الضأن سمينة. وكان علي (عليه السلام) يقول: ضح بثني فصاعدا، واشتره سليم الاذنين و العينين، واستقبل القبلة، وقل حين تريد أن تذبح: (وجهت وجهي للذي فطر


(1) الجلجل: جرس صغير. (2) الجعل: أجر العامل. (3) كوى جمع الكو والكوة: الخرق في الحائط. (4) في نسخة: فتحملها وهى قائمة.

[ 265 ]

السماوات والارض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي و مماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك امرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني، بسم الله الذي لاإله إلا هو والله أكبر وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته) ثم كل وأطعم. وسألته عن التكبير في أيام التشريق، قال: يوم النحر صلاة الاولى إلى آخر أيام التشريق من صلاة العصر يكبر يقول: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمدالله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام). وسألته عن الرجل يكون لولده الجارية أيطؤها ؟ قال: إن أحب أن يقومها على نفسه قيمة، ويشهد شاهدين على نفسه بثمنها، فيطؤها إن أحب، وإن كان لولده مال وأحب أن يأخذ منه فليأخذ، وإن كانت الام حية فلا احب أن تأخذ منه شيئا إلا قرضا. وسألته عن الرجل يذبح على غير قبلة قال: لا بأس إذا لم يتعمد، وإن ذبح ولم يسم فلا بأس أن يسمي إذا ذكر بسم الله على أوله وآخره ثم يأكل. وسألته عن الزكاة أيعطاها من له المائة، قال: نعم، ومن له الدار والعبد، فإن الدار ليس نعدها مالا. وسألته عن الحائض قال: يشرب من سؤرها ولا يتوضؤ منه. وسألته عن المملوك يعطى من الزكاة ؟ قال: لا. وسألته عن الصرورة (1) يحجه الرجل من الزكاة ؟ قال: نعم، وليس ينبغي لاهل مكة أن يمنع الحاج شيئا من الدور ينزلونها. وسألته عن قول الله عزوجل: (اذكر والله كثيرا) قال: قلت: من ذكر الله مائتي مرة أكثير هو ؟ قال: نعم. وسألته عن النوم بعد الغداة، قال: لا حتى تطلع الشمس. قال: وذكر الخاتم قال: إذا اغتسلت فحوله من مكانه، وإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة.


(1) الصرورة: الذى لم يحج.

[ 266 ]

وذكر ذوالقرنين قلت: عبدا كان أم ملكا ؟ (1) قال: عبد أحب الله فأحبه، ونصح لله فنصحه الله. وسألته عن الاختلاف في القضاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في أشياء من المعروف (2) إنه لم يأمر بها ولم ينه عنها إلا أنه نهى عنها نفسه وولده، فقلت: كيف يكون ذلك ؟ قال: أحلتها آية، وحرمتها آية. فقلت: هل يصلح إلا بأن إحداهما منسوخة أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما ؟ قال: قد بين إذ نهى نفسه وولده. قلت له: فما منع أن يبين للناس ؟ قال: خشي أن لا يطاع، ولو أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله، والحق كله. وصلى حسن وحسين وراء مروان ونحن نصلي معهم. وسألته عمن يروي عنكم تفسيرا وثوابه (3) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قضاء أو طلاق أو في شئ لم نسمعه قط من مناسك أو شبهه في غير أن يسمى لكم عدوا، (4) أو يسعنا أن نقول في قوله: الله أعلم إن كان محمد يقولونه، (5) قال: لا يسعكم حتى، تستيقنوا. وسألته عن نبي الله هل كان يقول على الله شيئا قط، أو ينطق عن هوى، أو يتكلف ؟ فقال: لا، فقلت: أرأيتك قوله لعلي (عليه السلام): من كنت مولاه فعلي مولاه، الله أمره به ؟ قال: نعم، قلت: فأبرء إلى الله ممن أنكر ذلك منذ يوم أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: نعم، قلت: هل يسلم الناس حتى يعرفوا ذلك ؟ قال: لا، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. قلت: من هو ؟ قال: أرأيتم خدمكم ونساءكم ممن لا يعرف ذلك أتقتلون خدمكم وهم مقرون لكم ؟ وقال: من عرض عليه ذلك فأنكره فأبعده الله وأسحقه (6) لا خير فيه.


(1) استظهر في هامش الكتاب أن الصحيح: (نبيا كان أم ملكا). (2) في نسخة: في أشياء من الفروج. (3) استظهر في هامش الكتاب أن الصحيح: عمن يروى عنكم تفسيرا أو رواية. (4) استظهر في هامش الكتاب أن الصحيح: أو في شئ لم نسمعه قط من مناسك أو شبهه من غير أن سمى لكم عدوا. ويأتى من المصنف بيان ذلك. (5) الظاهر: ان كان آل محمد يقولونه. (6) أي أهلكه.

[ 267 ]

وسألته عن رجل يقول: إن اشتريت فلانا فهو حر، وإن اشتريت هذا الثوب فهو صدقة، وإن نكحت فهي طلاق، قال: ليس ذلك بشئ. وسألته عن الرجل يطلق امرأته في غير عدة، فقال: ان ابن عمر طلق امرأته على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي حائض، فأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يراجعها ولم يحسب تلك التطليقة. وسألته عن الرجل يقول لا مرأته: أنت علي حرام. قال: هي يمين يكفرها، قال الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله): (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله موليكم) فجعلها يمينا فكفر هانبي الله (صلى الله عليه وآله). وسألته بما يكفر يمينه ؟ قال إطعام عشرة مساكين. فقلت: كم إطعام كل مسكين ؟ فقال: مدمد. وسألته عن رجل أكل ربا لا يرى إلا أنه حلال، قال: لا يضره حتى يصيبه متعمدا فهو رباء. وسألته عن هذه الآية: (أو كسوتهم للمساكين) قال: ثوب يواري به عورته. وسألته عن رجل يقول: علي نذر، ولا يسمي شيئا، قال: ليس بشئ. وسألته عن الصيام في الحضر، قال: ثلاثة أيام في كل شهر: الخميس في جمعة، والاربعاء في جمعة، والخميسن في جمعة. وسألته عن الرجل يموت وله ام ولد وله معها ولد، أيصلح للرجل أن يتزوجها ؟ قال: اخبرك ما أوصى علي (عليه السلام) في امهات الاولاد ؟ قلت: نعم، قال: إن عليا أوصى: أيما امرأة منهن كان لها ولد فهي من نصيب ولدها. وسألته عن كسب الحجام، قال: إن رجلا أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسأله عنه، (1) فقال له: هل لك ناضح ؟ (2) قال: نعم، قال: اعلفه إياه.


(1) في نسخة: يسأل عنه. (2) الناضح: البعير يستقى عليه.

[ 268 ]

وسألته عن الرجل يتعمد الغناء يجلس إليه ؟ قال: لا. وسألته عن الرجل يتصدق على ولده أيصلح له أن يردها ؟ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الذي يتصدق بصدقة ثم يرجع فيها مثل الذي يقئ ثم يرجع في قيئه. وسألته عن رجل يمر على ثمرة فيأكل منها ؟ قال: نعم، قد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تستر الحيطان برفع بنائها. (1) وسألته عن الرجل يعطي الارض على أن يعمرها ويكري أنهارها بشئ معلوم، قال: لا بأس. وسألته عن أهل الارض (2) أيأكل (3) في إنائهم إذا كانوا يأكلون الميتة والخنزير ؟ قال: لا، ولا في آنية الذهب والفضة. وسألته عن الكبائر التي قال الله عزوجل: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) قال: التي أوجب الله عليها النار. وسألته عن الرجل يصرم (4) أخاه وذا قرابته ممن لا يعرف الولاية ؟ قال: إن لم يكن عليه طلاق أو عتق فليكلمه. وسألته عمن يرى هلال شهر رمضان وحده لا يبصره غيره، أله أن يصوم ؟ قال: إذا لم يشك فيه فليصم وحده، ويصوم مع الناس إذا صاموا. وسألته عن رجل طاف فذكر أنه على غير وضوء فكيف يصنع ؟ قال: يقطع طوافه، ولا يعثد بما طاف، وعليه الوضوء. وسألته عن الرجل أيصلح أن يلمس ويقبل وهو يقضي شهر رمضان ؟ قال: لا وسألته عن الرجل يمشي في العذرة وهي يابسة فتصيب ثيابه أو رجله، أيصلح له أن يدخل المسجد فيصلي ولم يغسل ما أصابه ؟ قال: إذا كان يا بسا فلا بأس. وسألته عن الرجل يؤذن أو يقيم وهو على غير وضوء أيجزيه ذلك ؟ قال: أما


(1) استظهر في هامش الكتاب أن الصحيح: قد نهى رسول الله أن يبنى الحيطان يرفع بناؤها. (2) استظهر في هامش الكتاب أن الصحيح: أهل الذمة. (3) هكذا في نسخ، وفى نسخة: أيؤكل. (4) صرم فلانا: هجره.

[ 269 ]

الاذان فلا بأس، وأما الاقامة فلا يقيم إلا على وضوء، قلت: فإن أقام وهو على غير وضوء أيصلي بإقامته ؟ قال: لا. وسألته عن الرجل يكسر بيض الحمام أو بعضه وفي البيض فراخ تتحرك، ما عليه ؟ قال: يتصدق عما تحرك منه بشاة، يتصدق بلحمها إذا كان محرما، وإن لم يتحرم الفراخ تصدق بثمنه دراهم أو شبهه، أو اشترى به علفا لحمام الحرم. وسألته عن رجل أصاب بيض نعام فيه فراخ قد تحركت، ما عليه ؟ قال: لكل فرخ بعير ينحره بالمنحر. وسألته عن النضوح (1) يجعل فيه النبيذ أيصلح للمرأة أن تصلي وهو على رأسها ؟ قال: لا حتى تغتسل منه. وسألته عن الكحل يصلح أن يعجن بالنبيذ ؟ قال: لا. وسألته عن الرجل يلبس الثوب المشبع بالعصفر، (2) قال: إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس. وسألته عن المرأة وهي مختضبة بالحناء والوسمة، قال: إذا برز الفم والمنخر فلا بأس. وسألته عن الرجل لبس فراء (3) الثعالب والسنانير، قال: لا بأس، ولا يصلى فيه. وسألته عن لبس السمور والسنجاب والفنك والقاقم، (4) قال: لا بأس، ولا يصلى إلا أن يكون ذكيا. وسألته عن الاقران بين التين والتمرو سائر الفواكه أيصلح ؟ قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الاقران، فإن كنت وحدك فكل ما أحببت، وإن كنت مع قوم فلا تقرن إلا بإذنهم.


(1) النضوح: نوع من الطيب تفوح رائحته. (2) أشبع الثوب من الصيغ: رواه صبغا. العصفر: صبغ أصفر اللون. (3) الفراء جمع الفرو: شئ كالجبة يبطن من جلود بعض الحيوانات. (4) الفنك: جنس من الثعالب أصغر من الثعلب المعروف، وفروته من احسن الفراء القاقم: حيوان على شكل ابن عرس وأكبر منه، لونه أحمر قاتم في الصيف، وابيض يقق في الشتاء.

[ 270 ]

وسألته عن الرجل يقعد في المسجد ورجله خارج منه، أو انتقل من المسجد وهو في صلاته، أيصلح له ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الفضة في الخوان والصحفة والسيف والمنطقة وبالسرج أو اللجام يباع بدراهم أقل من الفضة أو أكثر يحل ؟ قال: يبيع الفضة بدنانير، وما سوى ذلك بدراهم. وسألته عن السرجو اللجام فيه الفضة أيركب به ؟ قال: إن كان مموها (1) لا تقدر أن تنزع منه شيئا فلا بأس وإلا فلا تركب به. وسألته عن السيف يعلق في المسجد ؟ قال: أما في القبلة فلا، وأما في جانبه فلا بأس. وسألته عن ألبان الاتن، أيشرب لدواء أو يجعل لدواء ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الشرب في الاناء يشرب فيه الخمر، قدح عيدان أو باطية (2) أيشرب فيه ؟ قال: إذا غسل فلا بأس. وسألته عن الرجل يغتسل في المكان من الجنابة أو يبول ثم يجف، أيصلح له أن يفترش ؟ قال: نعم إذا كان جافا. وسألته عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي (3) عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه، أو يصلي قبل أن يغسله ؟ قال: نعم ينفضه ويصلي فلا بأس. وسألته عن الخمر يكون أوله خمرا ثم يصير خلا، أيؤكل ؟ قال. نعم إذا ذهب سكره فلا بأس. وسألته عن حب الخمر أيجعل فيه الخل والزيتون أو شبهه ؟ قال: إذا غسل فلا بأس.


(1) موه بماء الذهب أو الفضة: طلاه. (2) العيدان جمع العود، وهو الخشب. وفى المنجد: الباطية: إناء من الزجاج يملا من الشراب. وفى القاموس: الباطية: الناجود. وقال المصنف في هامش الكتاب: الباطية اناء اظنه معربا وهو الناجود ذكرها الجوهرى وقال: الناجود كل اناء يجعل فيه الشراب من جفنة وغيرها. (3) أسفى الريح: هيت.

[ 271 ]

وسألته عن العقيقة عن الغلام والجارية ما هي ؟ قال: سواء كبش كبش، ويحلق رأسه في السابع، ويتصدق بوزنه ذهبا أو فضة، فإن لم يجد رفع الشعر أو عرف وزنه فإذا أيسر تصدق بوزنه. وسألته عن الرجل يدعو وحوله إخوانه يجب عليهم أن يأمنوا ؟ (1) قال: إن شاؤوا فعلوا، وإن شاؤوا سكتوا، فإن دعا بحق وقال لهم: أمنوا وجب عليهم أن يفعلوا. وسألته عن الغناء أيصلح في الفطر والاضحى والفرح ؟ قال: لا بأس ما لم يزمر به. (2) وسألته عن شارب الخمر ما حاله إذا سكرمنها ؟ قال: من شرب الخمر فمات بعده بأربعين يوما لقى الله كعابد وثن. وسألته عن النوح على الميت أيصلح ؟ قال: يكره. وسألته عن الشعر أيصلح أن ينشد في المسجد ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الضالة أيصلح أن تنشد في المسجد ؟ قال: لا بأس. وسألته عن فطرة شهر رمضان على كل إنسان هي، أم على من صام وعرف الصلاة ؟ قال: كل صغير وكبير ممن يعول. وسألته عن قتل النملة أيصلح ؟ قال: لا تقتلها إلا أن تؤذيك. وسألته عن قتل الهدهد، قال: لا تؤذيه ولا تذبحه فنعم الطير هو. وسألته عمن ترك قراءة ام القرآن ما حاله ؟ قال: إن كان متعمدا فلا صلاة له، وإن كان نسي فلا بأس. وسألته عن الضب واليربوع (3) أيحل أكله ؟ قال: لا. وسألته عمن كان عليه يومان من شهر رمضان كيف يقضيهما، قال: يفصل بينهما بيوم، وإن كان أكثر من ذلك فلا يقضيه إلا متواليا.


(1) أي يجب عليهم أن يقولوا: آمين. (2) زمروزمر: غنى بالنفخ في القصب ونحوه. (3) الضب: حيوان من الزحافات شبيه بالحرذون، ذنبه كثير العقد اليربوع: حيوان طويل الرجلين، قصير اليدين جدا، له ذنب طويل كذنب الجرذ.

[ 272 ]

وسألته عن الرجل يلاعب المرأة أو يجردها أو يقبلها فيخرج منه الشئ ما عليه ؟ قال: إن جاءت الشهوة وخرج بدفق وفتر لخروجه فعليه الغسل، وإن كان إنما هو شئ لا يجد له شهوة ولا فترة لا غسل عليه، ويتوضؤ للصلاة. وسألته عن المرأة ألها أن تعطي من بيت زوجها شيئا بغير إذنه ؟ قال: لا إلا أن يحللها. وسألته عن الرجل يطوف بعد الفجر أيصلي الركعتين خارجا من المسجد ؟ قال: يصلي في مكة لا يخرج منها إلا أن ينسى (1) فيخرج فيصلي، فإذا رجع إلى المسجد فليصل أي ساعة شاء ركعتي ذلك الطواف. وسألته عن الرجل يطوف الاسبوع ولا يصلي ركعتيه حتى يبدو له أن يطوف اسبوعا، هل يصلح ذلك ؟ قال: لا حتى يصلي ركعتي الاسبوع الاول، ثم ليطف إن شاء ما أحب. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يقف بعرفات على غير وضوء ؟ قال: لا يصلح له إلا وهو على وضوء. وسألته عن الرجل هل يصلح أن يقف على شئ من المشاعر وهو على غير وضوء ؟ قال: لا يصلح إلا على وضوء. وسألته عن الرجل هل يصلح أن يقضي شيئا من المناسك وهو على غير وضوء ؟ قال: لا يصلح إلا على وضوء. وسألته عن الرجل يكون له الثوب قد أصابته الجنابة فلم يغسله، هل يصلح النوم فيه ؟ قال: يكره. وسألته عن الرجل يعرق في الثوب يعلم أن فيه جنابة كيف يصنع ؟ هل يصلح له أن يصلي قبل أن يغسل ؟ قال: إذا علم أنه إذا عرق أصاب جسده من تلك الجنابة التي في الثوب فليغسل ما أصاب جسده من ذلك، وإن علم أنه قد أصاب جسده ولم يعرف مكانه فليغسل جسده كله.


(1) في نسخة: إلا أن يشاء.

[ 273 ]

وسألته عن القعود في العيدين والجمعة والامام يخطب كيف هو ؟ أيستقبل الامام أو القبلة ؟ قال: يستقبل الامام. وسألته عن العجوز والعاتق (1) هل عليهما من التزين والتطيب (2) في الجمعة والعيدين ما على الرجال ؟ قال: نعم. وسألته عن الرجل يسهو فيبني على ما ظن كيف يصنع ؟ أيفتح الصلاة أو يقوم فيكبر ويقرء ؟ وهل عليه أذان وإقامة ؟ وإن كان قد سها في الركعتين الاخراوين وقد فرغ من قراءته هل عليه أن يسبح أو يكبر ؟ قال: يبني على ما كان صلى إن كان فرغ من القراءة، فليس عليه قراءة وليس عليه أذان ولا إقامة، ولا سهو عليه. وسألته عن التكبير أيام التشريق هل ترفع فيه الايدي أم لا ؟ قال: ترفع يدك شيئا أو تحركها. وسألته عن التكبير أيام التشريق أو اجب هو ؟ قال: يستحب، فإن نسيه فليس عليه شئ. وسألته عن النساء هل عليهن التكبير أيام التشريق ؟ قال: نعم ولا يجهرن به. وسألته عن الرجل يدخل مع الامام وقد سبقه بركعة فيكبر الامام إذا سلم أيام التشريق كيف يصنع الرجل ؟ قال: يقوم فيقضي ما فاته من الصلاة، فإذا فرغ كبر. وسألته عن الرجل يصلي وحده أيام التشريق هل عليه تكبير ؟ قال: نعم، وإن نسيه فلا بأس. وسألته عن القوم أيام التشريق ما هو ؟ قال: يقول: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام). وسألته عن النوافل أيام التشريق هل فيها تكبير ؟ قال: نعم، وإن نسي فلا بأس. وسألته عن الرجل يسمع الاذان فيصلي الفجر ولا يدري طلع الفجر أم لا، ولا


(1) العاتق: الجارية أول ما أدركت أو التى بين الادراك والتعنيس. (2) في نسخة: من التزيين والتطييب.

[ 274 ]

يعرفه غير أنه يظن أنه لمكان الاذان قد طلع هل يجزيه ذلك ؟ قال: لا يجزيه حتى يعلم أنه قد طلع. وسألته عن المسلم العارف يدخل بيت أخيه فيسقيه النبيذ أو شرابا لا يعرفه، هل يصلح له شربه من غير أن يسأله عنه ؟ قال: إذا كان مسلما عارفا فاشرب ما أتاك به إلا أن تنكره. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يتختم بالذهب ؟ قال: لا. وسألته عن اللعب بأربعة عشر وشبهها، قال: لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان والرمي. وسألته عن الرجل يفتتح السورة فيقرء بعضها ثم يخطئ فيأخذ في غيرها حتى يختمها، ثم يعلم أنه قد أخطأ، هل له أن يرجع في الذي افتتح وإن كان قدر كع وسجد ؟ قال: إن كان لم يركع فليرجع إن أحب، وإن ركع فليمض. وسألته عن الاضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمي غير صاحبها، هل تجزي صاحب الاضحية ؟ قال: نعم إنما له ما نوى. وسألته عن الرجل يشتري الاضحية عوراء ولا يعلم إلا بعد شرائها، هل تجري عنه ؟ قال: نعم إلا أن يكون هديا فإنه لا يجوز ناقص الهدي. وسألته عن قوم في سفينة لا يقدرون أن يخرجوا إلا إلى الطين وماء هل يصلح لهم أن يصلوا الفريضة في السفينة ؟ قال: نعم. وسألته عن قوم صلوا جماعة في سفينة أين يقوم الامام ؟ وإن كان معه نساء كيف يصنعون ؟ أقياما يصلون أو جلوسا ؟ قال: يصلون قياما، فإن لم يقدروا على القيام صلوا جلوسا، ويقوم الامام أمامهم والنساء خلفهم، فإن ضاقت السفينة قعدن النساء وصلى الرجال، ولا بأس أن تكون النساء بحيالهم. وسألته عن الرجل يخطئ في التشهد والقنوت، هل يصلح أن يردده حتى يذكره، أو ينصت ساعة ويتذكر ؟ قال: لا بأس أن يتردد وينصت ساعة حتى يذكر، وليس في القنوت سهو كما في التشهد.


[ 275 ]

وسألته عن الرجل يخطئ في قراءته، هل له أن ينصت ساعة ويتذكر ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل أراد سورة فقرأ غيرها، هل يصلح له بعد أن يقرأ نصفها أن يرجعها إلى التي أراد ؟ (1) قال: نعم ما لم تكن قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون. وسألته عن رجل قرأ سورة واحدة في ركعتين من الفريضة وهو يحسن غيرها وإن فعل فما عليه ؟ قال: إذا أحسن غيرها فلا يفعل، وإن لم يحسن غيرها فلا بأس، و إن فعل فلاشئ عليه ولكن لا يعود. وسألته عن الرجل يقوم في صلاته هل يصلح له أن يقدم رجلا ويؤخر اخرى من غير مرض ولا علة ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم (2) في الركعتين الاوليين، هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولاعلة ؟ قال: لا بأس. وسألته عن المتمتع يقدم يوم التروية قبل الزوال كيف يصنع ؟ قال: يطوف و يحل فإذا صلى الظهر أحرم. وسألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم أو ثوبا أو دابة كيف يصنع ؟ قال: يعرفها سنة، فإن لم يعرفها جعل في عرض ماله حتى يجئ طالبها فيعطيه إياها، و إن مات أوصى بها، وهولها ضامن. وسألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرفها سنة ثم يتصدق بها، ثم يأتيه صاحبها، ما حال الذي تصدق بها ولمن الاجر ؟ قال: عليه أن يردها على صاحبها أو قيمتها. قال: هو ضامن لها والاجرله إلا أن يرضى صاحبها فيدعها وله أجره. وسألته عن المرأة تكون في صلاة فريضة وولدها إلى جنبها فيبكي وهي قاعدة، هل يصلح لها أن تناوله فتقعده في حجرها تسكنه أو ترضعه ؟ قال: لا بأس.


(1) في نسخة: أن يرجع إلى التى أراد. (2) في نسخة: وسألته عن الرجل يقوم في صلاته فيقوم اه‍. (*)

[ 276 ]

وسألته عن المرأة تكون بها الجروح في فخذها أو بطنها أو عضدها هل يصلح. للرجل أن ينظر إليه يعالجه ؟ (1) قال: لا. وسألته عن الرجل يكون ببطن فخذه أو إليته جرح، هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه وتداويه ؟ قال: إذا لم تكن عورة فلا بأس. وسألته عن الدقيق يقع فيه خرؤ (2) الفأر هل يصلح أكله إذا عجن مع الدقيق ؟ قال: إذا لم يعرفه فلا بأس، فإذا عرفه فليطرحه من الدقيق. (3) وسألته عن جلود الاضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا ؟ قال: لا يصلح أن يجعلها جرابا إلا أن يتصدق بقيمته. وسألته عن الرجل يكون على المصلى أو على الحصير فيسجد فيقع كفه على المصلى، أو أطراف أصابعه وبعض كفه خارج عن المصلى على الارض، قال: لا بأس. وسألته عن الرجل يقرء في الفريضة بفاتحة الكتاب وبسورة في النفس الواحد، هل يصلح ذلك له ؟ وما عليه إن فعل ؟ (4) قال: إن شاء قرأ في نفس واحد، وإن شاء أكثر فلاشئ عليه. وسألته عن الرجل يكون في صلاة فيسمع الكلام أو غيره فينصت ويستمع، ما عليه إن فعل ذلك ؟ قال: هو نقص في الصلاة وليس عليه شئ. وسألته عن الرجل يقرء في صلاته هل يجزيه أن لا يخرج (5) وأن يتوهم توهما ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في الفريضة فيمر بالآية فيها التخويف فيبكي ويردد الآية ؟ قال: يردد القرآن ما شاء، وإن جاءه البكاء فلا بأس.


(1) في نسخة: ينظر إليه ويعالجه. (2) الخرء بالضم: العذرة. (3) في نسخة: وإذا عرفه فليطرحه من الدقيق. (4) في نسخة: أوما عليه إن فعل ؟. في نسخة: هل يجزيه أن لا يتحرك لسانه. وفى المطبوع: هل يجزيه إلا أن يخرج.

[ 277 ]

وسألته عن المرأة هل يصلح له أن يعمل بها إذا كانت لها حلقة فضة ؟ قال: نعم إنما كره إناء شرب فيه أن يستعمل. وسألته عن الرجل يحل له أن يكتب القرآن في الالواح والصحيفة وهو على غير وضوء ؟ قال: لا. وسألته عما أصاب المجوس من الجراد والسمك أيحل أكله ؟ قال: صيده ذكاته لا بأس. وسألته عن الصبي يسرق ما عليه ؟ قال: إذا سرق وهو صغير عفي عنه، فإن عاد قطعت أنامله، وإن عاد قطع أسفل من ذلك أو ما شاء الله. وسألته عن الصلاة في معاطن الابل أتصلح ؟ قال: لا تصلح إلا أن تخاف على متاعك ضيعة، فاكنس ثم انضح بالماء ثم صل. وسألته عن معاطن الغنم أتصلح الصلاة فيها ؟ قال: نعم لا بأس به. وسألته عن شراء النخل سنتين أو أربعة أيحل ؟ قال: لا بأس، يقول: إن لم يخرج العام شيئا اخرج القابل إن شاء الله. وسألته عن شراء النخل سنة واحدة أيصلح ؟ قال: لا يشترى حتى تبلغ. وسألته عن الاحرام بحجة ما هو ؟ قال: إذا أحرم فقال: بحجة فهي عمرة تحل بالبيت فتكون عمرة كوفية وحجة مكيه. وسألته عن العمرة متى هي ؟ قال: يعتمر فيما أحب من الشهور. وسألته عن القيام خلف الامام في الصف ماحده ؟ قال: قم ما استعطت، فإذا قعدت فضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس. وسألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع إحدى يديه على الاخرى بكفه أو ذراعه ؟ قال: لا يصلح ذلك، فإن فعل فلا يعود له. قال علي: قال موسى سألت أبي جعفر (عليه السلام) عن ذلك فقال: أخبرني أبي محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: ذلك عمل وليس في الصلاة عمل.


[ 278 ]

وسألته عن الدود يقع من الكنيف على الثوب أيصلى فيه ؟ قال: لا بأس إلا أن يرى عليه أثرا فيغسله. وسألته عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضؤ منه في الصلاة ؟ قال: لاإلا أن يضطر إليه. وسألته عن النصراني واليهودي يغتسل مع المسلمين في الحمام ؟ (1) قال: إذا علم أنه نضراني اغتسل بغير ماء الحمام إلا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل. وسألته عن اليهودي والنصراني يشرب من الدورق (2) أيشرب منه المسلم ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الكوز والدورق والقدح والزجاج والعيدان أيشرب منه قبل عروته ؟ قال: لا يشرب من قبل عروة كوز ولا إبريق ولا قدح، ولا يتوضؤ من قبل عروته. وسألته عن المريض إذا كان لايستطيع القيام كيف يصلي ؟ قال: يصلي النافلة وهو جالس، ويحسب كل ركعتين بركعة، وأما الفريضة فيحتسب كل ركعة بركعة وهو جالس إذا كان لايستطيع القيام. وسألته عن حد ما يجب على المريض ترك الصوم، قال: كل شئ من المرض أضربه الصوم فهو يسعه ترك الصوم. وسألته عن الرجل ذبح فقطع الرأس قبل أن تبرد الذبيحة كان ذلك منه خطأ أو سبقه السكين، أيؤكل ذلك ؟ قال: نعم ولكن لا يعود. وسألته عن الغلام متى يجب عليه الصوم والصلاة ؟ قال: إذا راهق الحلم وعرف الصوم والصلاة. وسألته عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة، كيف يصلي ؟ قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بركوع وسجود، وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم.


(1) في نسخة: أيغتسل مع المسلمين في الحمام. (2) الدورق: الابريق الكبير له عروتان ولا بلبلة له.

[ 279 ]

وسألته عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي فيها ؟ قال: تلتف فيها وتغطي رأسها وتصلي، فإن خرجت رجلها ولم تقدر على غير ذلك فلا بأس. وسألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرء إنسان السجدة كيف يصنع ؟ قال يومئ برأسه. وسألته عن الصلاة في الارض السبخة أيصلى فيها ؟ قال: لا إلا أن يكون فيها نبت إلا أن يخاف فوت الصلاة فيصلى. وسألته عن الرجل يلقاه السبع وقد حضرت الصلاة فلا يستطيع المشي مخافة السبع، وإن قام يصلي خاف في ركوعه وسجوده (1) والسبع أمامه على غير القبلة، قإن توجه الرجل أمام القبلة خاف أن يثب عليه الاسد كيف يصنع ؟ قال: يستقبل الاسد ويصلي ويومئ إيماء برأسه وهو قائم وإن كان الاسد على غير القبلة. وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرء آخر السجدة، قال يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الاربع، ثم يقوم فيتم صلاته إلا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماء. وسألته عن الحديث بعد ما يصلي الرجل العشاء الآخرة، قال: لا بأس. وسألته عن الدمل يسيل منه القيح كيف يصنع ؟ قال: إن كان غليظا وفيه خلط من دم فاغسله كل يوم مرتين غداة وعشية، ولا ينقض ذلك الوضوء، فإن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله ولاتصل فيه حتى تغسله. وسألته عن الرجل يقول هو: اهدي كذا وكذا، مالا يقدر عليه، قال: إذا كان جعله نذرا لله ولا يملكه فلاشئ عليه، وإن كان مما يملك غلام أو جارية أو شبهه باعه واشترى بثمنه طيبا يطيب به الكعبة، وإن كانت دابة فليس عليه شئ. وسألته عن رجل له امرأتان قالت إحداهما: ليلتي ويومي لك يوما أو شهرا وما كان نحو ذلك، قال: إذا طابت نفسها أو اشترى ذلك منها فلا بأس. وسألته عن الرجل يكون في صلاته في الصف هل يصلح له أن يتقدم إلى الثاني


(1) في نسخة: خاف في ركوعه أو سجوده.

[ 280 ]

أو الثالث أو يتأخر وراء في جانب الآخر ؟ قال: إذا رأى خللا فلا بأس به. وسألته عن الاذان والاقامة أيصلح على الدابة ؟ قال: اما الاذان فلا بأس، واما الاقامة فلا حتى ينزل على الارض. وسألته عن الغراب الابقع (1) والاسود أيحل أكله ؟ قال: لا يصلح أكل شئ من الغربان زاغ ولا غيره. وسألته عن صوم الثلاثة أيام في الحج والسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينهما ؟ قال: يصوم الثلاثة، لا يفرق بينها ولايجمع السبعة والثلاثة معا. وسألته عن كفارة صوم اليمين يصومها جميعا أو يفرق بينها ؟ قال: يصومها جميعا. وسألته عن الرجل أيصلح له ان يقبل الرجل ؟ أو المرأة تقبل المرأة ؟ قال: الاخ والابن والاخت والابنة ونحو ذلك فلا بأس. وسألته عن الرجل أيصلح له ان ينام في البيت وحده ؟ قال: تكره الخلوة وما احب ان يفعل. وسألته عن الرجل يكون في اصبعه أو في شئ من يده الشئ ليصلحه، (2) له ان يبله ببصاقه ويمسحه في صلاته ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل يبول في الطست يصلح له الوضوء فيها ؟ قال: إذا غسلت بعد بوله فلا بأس. وسألته عن المسك والعنبر يصلح في الدهن ؟ قال: اني لاضعه في الدهن (3) ولا بأس. وسألته عن الرجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه وشاربه ولحيته ما لم يحرم ؟ قال: لا بأس. وسألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة، قال: إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس. وسألته عن رجل نسي القنوت حتى ركع ما حاله ؟ قال: تمت صلاته ولا شئ عليه.


(1) الابقع: الذي يختلف لونه. (2) في نسخة: يصلحه. (3) في نسخة: اني لاصنعه في الدهن ولا بأس.

[ 281 ]

وسألته عن الجزور والبقرة عن كم يضحى بها ؟ قال: يسمي رب البيت نفسه، وهو يجزي عن أهل البيت إذا كانوا أربعة أو خمسة. وسألته عما حسر (1) عنه الماء من صيد البحر وهو ميت أيحل أكله ؟ قال: لا. وسألته عن صيد البحر يحبسه فيموت في مصيدته، قال: إذا كان محبوسا فكل فلا بأس. وسألته عن ظبي أو حمار وحش أو طير صرعه رجل ثم رماه بعد ما صرعه غيره فمات أيؤكل ؟ قال: كله ما لم يتغير (2) إذا سمى ورمى. وسألته عن رجل يلحق الظبي أو الحمار فيضربه بالسيف فيقطعه نصفين، هل يحل أكله ؟ قال: إذا سمى. وسألته عن رجل يلحق حمارا أو ظبيا فيضربه بالسيف فيصرعه أيؤكل ؟ قال: إذا أدرك ذكاته ذكاه، وإن مات قبل أن يغيب عنه أكله. وسألته عن رجل مسلم اشترى مشركا وهو في أرض الشرك، فقال العبد: لا أستطيع المشي، فخاف المسلم أن يلحق العبد بالقوم أيحل قتله ؟ قال: إذا خاف أن يلحق بالقوم – يعني العدو – حل قتله. وسألته عن رجل كان له على آخر دراهم فجحده ثم وقعت للجاحد مثلها عند المجحود، أيحل أن يجحده مثل ما جحده ؟ قال: نعم ولا يزداد وسألته عن الرجل يتصدق على الرجل بجارية هل يحل فرجها له ما لم يدفعها إلى الذي تصدق بها عليه ؟ قال: إذا تصدق بها حرمت عليه. وسألته عن الصلاة على الجنازة إذا احمرت الشمس أيصلح ؟ قال: لا صلاة إلا في وقت صلاة، وإذا وجبت الشمس (3) فصل المغرب ثم صل على الجنازة. وسألته عن الرجل يكون خلف الامام فيطول في التشهد فيأخذه البول، أو


(1) حسر الماء: نضب عن موضعه وغار. (2) في نسخة: كله ما لم يتغيب. (3) وجبت الشمس: غابت.

[ 282 ]

يخاف على شئ يفوت، أو يعرض له وجع كيف يصنع ؟ قال: يسلم وينصرف ويدع الامام. وسألته عن المرأة ألها أن تخرج بغير إذن زوجها ؟ قال: لا. وسألته عن المرأة ألها أن تصوم بغير إذن زوجها ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الدين يكون على قوم مياسير إذا شاء صاحبه قبضه هل عليه زكاة ؟ قال: لا حتى يقبضه ويحول عليه الحول. قال أبو الحسن علي بن جعفر عن أخيه موسى: يضم سبوعين فثلاثة ثم يصلي لها (1) ولا يصلى عن أكثر من ذلك. (2) وسألته عن المريض أيكوى أو يسترقى ؟ قال: لا بأس إذا استرقى بما يعرف. (3) وسألته عن المطلقة ألها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدتها ؟ قال: نعم. وسألته عن امرأة بلغها أن زوجها توفي فاعتدت ثم تزوجت فبلغها بعد أن تزوجت أن زوجها حي، هل تحل للآخر ؟ قال: لا. وسألته عن الرجل ينسي صلاة الليل فيذكر إذا قام في صلاة الزوال، كيف يصنع ؟ قال: يبدء بالزوال، فإذا صلى الظهر قضى صلاة الليل والوتر ما بينه وبين العصر أو متى ما أحب. وسألته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه فلم يعلم به حتى كان من غد كيف يصنع ؟ قال: إن كان رأى فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي لا ينقص منه شيئا، وإن كان رآه وقد صلى فليبدء بتلك الصلاة ثم ليقض صلاته تلك. (4) وسألته عن فراش الحرير أو مرفقة الحرير أو مصلى حرير ومثله من الديباج يصلح للرجل التكاءة عليه والصلاة ؟ قال: يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه.


(1) تقدم قبل ذلك: أنه لا يصلح أن يطوف اسبوعا حتى يصلى ركعتي الاسبوع الاول، ولعله محمول على ما كان الطواف الاول واجبا. (2) سقط السؤال من البين. (3) في نسخة: لا بأس إذا استرقى بما يعرفه. قلت: كوى يكوى كيا فلانا: أحرق جلده بحديدة ونحوها. استرقى: طلب الرقية وهى العوذة. قوله: بما يعرف أي بما يعرف انه لا يحرم كالسحر وغيره. (1) في الهامش: برواية الحميرى: فليعتد بتلك الصلاة ثم ليغسله.

[ 283 ]

وسألته عن الرجل يسهو في السجدة الآخرة من الفريضة، قال: يسلم ثم يسجدها وفي النافلة مثل ذلك. وسألته عن رجل افتتح الصلاة فبدأ بسورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة كيف يصنع ؟ قال: يمضي في صلاته ويقرء فاتحة الكتاب فيما يستقبل. وسألته عن رجل افتتح بقراءة سورة قبل فاتحة الكتاب هل يجزيه ذلك إذا كان خطأ ؟ قال: نعم. وسألته عن الرجل هل يجزيه أن يسجد في السفينة على القير ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن ينظر وهو في صلاته في نقش خاتمه كأنه يريد قراءته، أو في صحيفة أو في كتاب في القبلة ؟ قال: ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها. وسألته عن الرجل هل يصلح (له خ ل) أن يقرأ في ركوعه أن سجوده الشئ يبقى عليه من السورة يكون يقرؤها ؟ قال: أما في الركوع فلا يصلح، وأما في السجود فلا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح أن يقرأ في ركوعه أو سجوده من سورة غير سورته التي كان يقرؤها ؟ قال: إن نزع بآية فلا بأس في السجود. وسألته عن رجل نسي أن يضطجع على يمينه بعد ركعتي الفجر فذكر حين أخذ في الاقامة كيف يصنع ؟ قال: يقوم ويصلي ويدع ذلك فلا بأس. وسألته عن رجل يكون في صلاته وإلى جانبه رجل راقد فيريد أن يوقظه يسبح ويرفع صوته لا يريد إلا ليستيقظ الرجل، هل يقطع ذلك صلاته ؟ أو ما عليه ؟ قال: لا يقطع صلاته ولا شئ عليه ولا بأس به. وسألته عن رجل يكون في صلاته فيستأذن إنسان على الباب فيسبح فيرفع صوته ليسمع خادمه فتأتيه فيريها بيده أن على الباب إنسانا، هل يقطع ذلك صلاته ؟ وما عليه ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل يكون على غير وضوء فيصيبه المطر حتى يسيل من رأسه


[ 284 ]

وجبهته ويديه ورجليه، هل يجزيه ذلك من الوضوء ؟ قال: إن غسله فهو يجزيه و يتمضمض ويستنشق. وسألته عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يسيل رأسه وجسده وهو يقدر على الماء سوى ذلك ؟ قال: إن كان يغسله كما يغتسل بالماء أجزأه ذلك إلا أنه ينبغى له أن يتمضمض ويستنشق، ويمريده على ما نالت من جسده. وسألته عن الرجل تصيبه الجنابة فلا يقدر على الماء فيصيبه المطر هل يجزيه ذلك ؟ أو عليه التيمم ؟ قال: إن غسله أجزأه أن لا يتيمم. وسألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معهماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل: التيمم، أو يمسح بالثلج وجهه وجسده ورأسه ؟ قال: الثلج إن بل رأسه وجسده أفضل، فإن لم يقدر على أن يغتسل بالثلج فليتيمم. وسألته عن الرجل أيصلح له أن يغمض عينيه متعمدا في صلاته ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيعلم أن ريحا خرجت منه ولا يجد ريحا ولا يسمع صوتا كيف يصنع ؟ قال: يعيد الصلاة والوضوء ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك يقينا. وسألته عن رجل وجد ريحا في بطنه فوضع يده على أنفه فخرج من المسجد متعمدا حتى خرجت الريح من بطنه، ثم عاد إلى المسجد فصلى ولم يتوضأ أيجزيه ذلك ؟ قال: لا يجزيه ذلك حتى يتوضأ، ولا يعتد بشئ مما صلى. وسألته عن القيام من التشهد في الركعتين الاوليين كيف يقوم ؟ يضع يديه و ركبتيه على الارض ثم ينهض ؟ أو كيف يصنع ؟ قال: كيف شاء فعل ولا بأس. وسألته عن الرجل هل يجزيه أن يسجد فيجعل عمامته أو قلنسوته بين جبهته وبين الارض ؟ قال: لا يصلح حتى تقع جبهته على الارض. وسألته عن رجل ترك ركعتي الفجر حتى دخل المسجد والامام قائم في


[ 285 ]

الصلاة كيف يصنع ؟ قال: يدخل في صلاة القوم ويدع الركعتين، فإذا ارتفعت الشمس قضاها. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يرفع طرفه إلى السماء وهو في صلاته ؟ قال: لا بأس. وسألته عن المرأة المغاضبة زوجها هل لها صلاة ؟ أو ما حالها ؟ قال: لا تزال عاصية حتى يرضى عنها. وسألته عن القوم يتحدثون حتى يذهب ثلث الليل أو أكثر أيهما أفضل: أيصلون العشاء جميعا، أو في غير جماعة ؟ قال: يصلونها في جماعة أفضل. وسألته عن الرجل يقرء في الفريضة بسورة النجم يركع بها ثم يقوم بغيرها، قال: يسجد بها ثم يقوم فيقرء بفاتحة الكتاب ثم يركع وذلك زيادة في الفريضة فلا يعودن يقرء السجدة في الفريضة. وسألته عن رجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق، أو أصابه شئ، هل يصلح له أن بنظر فيه ويفتشه وهو في صلاته ؟ قال: إن كان في مقدم الثوب أو جانبيه فلا بأس، وإن كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح له. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي خلف النخلة فيها حملها ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في الكرم وفيه حمله ؟ قال: لا بأس. وسألته عن رجل مس ظهر سنور هل يصلح له أن يصلي قبل أن يغسل يده ؟ قال: لا بأس. وسألته عن إمام أم قوما مسافرين كيف يصلي المسافرون ؟ قال: يصلون ركعتين ويقوم الامام فيتم صلاته، فإذا سلم فانصرف انصرفوا. وسألته عن رجل هل يصلح له أن يصلي وأمامه حمار واقف ؟ قال: يضع بينه و بينه قصبة أو عودا أو شيئا يقيمه بينهما (1) ثم يصلي فلا بأس. قلت: فإن لم يفعل و صلى أيعيد صلاته ؟ أو ما عليه ؟ قال: لا يعيد صلاته ولا شئ عليه.


(1) في نسخة: يضع بينه وبينه قبضة أو عودا أو شيئا يقيمه بينها.

[ 286 ]

وسألته عن رجل جعل ثلث حجته لميت وثلثها لحي، قال: للميت، فأما الحي فلا. وسألته عن رجل جعل عليه أن يصوم بالكوفة شهرا وبالمدينة شهرا وبمكة شهرا فصام أربعة عشر يوما بمكة، أله أن يرجع إلى أهله فيصوم ما عليه بالكوفة ؟ قال: نعم لا بأس، وليس عليه شئ. وسألته عن رجل زوج ابنته غلاما فيه لين وأبوه لا بأس به، قال: إن لم تكن به فاحشة فيزوجه – يعني الخنث -. وسألته عن قوم أحرار ومماليك اجتمعوا على قتل مملوك ما حالهم ؟ قال: يقتل من قتله من المماليك، وتفديه الاحرار. وسألته عن رجل قال: إذا مت ففلانة جاريتي حرة، فعاش حتى ولدت الجارية أولادا ثم مات ما حالهم ؟ قال: عتقت الجارية، وأولادها مماليك. وسألته عن الرجل يتوشح بالثوب (1) فيقع على الارض أو يجاوز عاتقه أيصلح ذلك ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الرجل يقول لمملوكه: يا أخي ويا ابني، أيصلح ذلك ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الدابة تبول فيصيب بوله المسجد أو حائطه، (2) أيصلي فيه قبل أن يغسل ؟ قال: إذا جف فلا بأس. وسألته عن الرجل يجامع أو يدخل الكنيف وعليه خاتم فيه ذكر الله، أو شئ من القرآن، أيصلح ذلك ؟ قال: لا. (3) وسألته عن القعود والقيام والصلاة على جلود السباع وبيعها وركوبها أيصلح ذلك ؟ قال: لا بأس ما لم يسجد عليها. وسألته عن الرجل يكون عليه الصيام الايام الثلاثة من كل شهر، أيصومها قضاء وهو في شهر لم يصم أيامه ؟ قال: لا بأس.


(1) وشح بالثوب لبسه، أو أدخله تحت إبطه فألقاه على منكبه. (2) في نسخة: فيصيب بوله المسجد أو الحائط. (3) في نسخة: قال: لا بأس.

[ 287 ]

وسألته عن رجل يؤخر الصوم الايام الثلاثة من الشهر حتى يكون في آخر الشهر فلا يدرك الخميس الآخر إلا أن يجمعه مع الاربعاء، أيجزيه ذلك ؟ قال: لا بأس. وسألته عن صوم ثلاثة أيام من الشهر يكون على الرجل يقضيها متوالية، أو يفرق بينها ؟ قال: أي ذلك أحب. وسألته عن رجل طلق أو ماتت امرأته ثم زنى هل عليه رجم ؟ (1) قال: نعم. وسألته عن امرأة طلقت ثم زنت بعدما طلقت سنة أو أكثر هل عليها الرجم ؟ قال: نعم. وسألته عن الرجل يطوف بالبيت وهو جنب فيذكر وهو في طوافه هل عليه أن يقطع طوافه ؟ قال: يقطع طوافه، ولا يعتد بشئ مما طاف. وسألته عن الجنب يدخل يده في غسله (2) قبل أن يتوضأ وقبل أن يغسل يده ما حاله ؟ قال: إذا لم يصب يده شيئا من الجنابة فلا بأس، قال: وأن يغسل يده قبل أن يدخلها في شئ من غسله أحب إلي. وسألته عن ولد الزناء تجوز شهادته أو يؤم قوما ؟ قال: لا تجوز شهادته ولا يؤم. وسألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحل لمن لقطها فرجها ؟ قال: لا، إنما حل له بيعها بما أنفق عليها. وسألته عن فضل الشاة والبقر والبعير أيشرب منه ويتوضؤ قال: لا بأس. وسألته عن الكنيف يصب فيه الماء فينتضح على الثوب ما حاله ؟ قال: إذا كان جافا فلا بأس. وسألته عن الجراد يصيده فيموت بعدما يصيده أيؤكل ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الجراد يصيبه ميتا في البحر أو في الصحراء أيؤكل ؟ قال: لا تأكله.


(1) في نسخة: أهل عليه رجم ؟. (2) الغسل بالكسر: ما يغسل به من الماء وغيره.

[ 288 ]

وسألته عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل ؟ قال: يغسل الظاهر ثم يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتى يخرج الماء من جانب الفراش. وسألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فكيف (1) فيصيب الثياب أيصلى فيها قبل أن يغسل ؟ قال: إذا جرى من ماء المطر فلا بأس يصلى فيها. وسألته عن الفأرة تصيب الثوب أيصلى فيه ؟ قال: إذا لم تكن الفأرة رطبة فلا بأس، وإن كانت رطبة فاغسل ما أصاب من ثوبك، والكلب مثل ذلك. وسألته عن فضل الفرس والبغل والحمار أيشرب منه ويتوضؤ للصلاة ؟ قال: لا بأس. وسألته عن الصلاة على بواري النصارى واليهود التي يقعدون عليها في بيوتهم أيصلح ؟ قال: لا تصل عليها. وسألته عن الفأرة والدجاجة والحمامة أو أشباهن تطؤ على العذرة ثم تطؤ الثوب، أيغسل ؟ قال: إن كان استبان من أثره (2) شئ فاغسله وإلا فلا بأس. وسألته عن الدجاجة والحمامة والعصفور وأشباهه (3) تطؤ في العذرة، ثم تدخل في الماء أيتوضؤ منه ؟ قال: لا إلا أن يكون ماء كثيرا قدركر. وسألته عن العظاية والوزغ والحية تقع في الماء فلا تموت أيتوضؤ منه للصلاة ؟ قال: لا بأس. وسألته عن العقرب والخنفساء وشبهه يموت في الجب والدن أيتوضؤ منه ؟ (4) قال: لا بأس. وسألته عن الرجل يدركه رمضان في السفر فيقيم في المكان هل عليه صوم ؟ قال: لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام، فإذا أجمع صام وأتم الصلاة.


(1) وكف البيت: قطر. (2) في نسخة: استبان أثرهن. (3) في نسخة: وأشباهها. (4) في نسخة: في الحب والدن. وفى نسخة: أيتوضؤ منه للصلاة ؟.

[ 289 ]

وسألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان وهو مسافر هل يقضي إذ أقام في المكان ؟ (1) قال: لاحتى يجمع على مقام عشرة أيام. وسألته عن صلاة الكسوف ما حدها ؟ قال: يصلي متى ما أحب، ويقرء ما أحب، غير أنه يقرء ويركع، ويقرء ويركع، ويقرء ويركع أربع ركعات، ويسجد في الخامسة، ثم يقوم فيفعل مثل ذلك. وسألته عن المطلقة كم عدتها ؟ قال: ثلاث حيض، وتعتد من أول تطليقة. وسألته عن الرجل يطلق تطليقة أو تطليقتين ثم يتركها حتى تنقضي عدتها ما حالها ؟ قال: إذا تركها على أنه لا يريدها بانت منه، فلم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وإن تركها على أنه يريد مراجعتها ثم مضى لذلك منه سنة فهو أحق برجعتها. وسألته عن الصدقة إذا لم تقبض هل يجوز لصاحبها ؟ قال: إذا كان أب تصدق بها على ولد صغير فإنها جائزة لانه يقبض لولده إذا كان صغيرا، وإذا كان ولدا كبيرا فلا يجوز له حتى يقبض. وسألته عن رجل تصدق على رجل بصدقة فلم يحزها هل يجوز ذلك ؟ قال: هي جائزة حيزت أولم تحز. وسألته عن رجل استأجر دابة إلى مكان فجاز ذلك فنفقت الدابة ما عليه ؟ قال: إذا كان جاز المكان الذي استأجر إليه فهو ضامن. وسألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ما عليه ؟ قال: إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، وإن لم يسم فليس عليه شئ. وسألته عن رجل استأجر دابة فوقعت في بئر فانكسرت ما عليه ؟ قال: هو ضامن، كان يلزمه أن يستوثق منها، وإن أقام البينة أنه ربطها واستوثق منها فليس عليه شئ. وسألته عن بختي مغتلم (2) قتل رجلا فقام أخو المقتول فعقر البختي وقتله


(1) في نسخة: هل يقضى إذ أقام الايام في المكان ؟ (2) البختى: الابل الخراسانية. اغتلم البعير: هاج من شهوة الضراب.

[ 290 ]

ما حالهم ؟ قال: على صاحب البختي دية المقتول، ولصاحب البختي ثمنه على الذي عقر بختيه. وسألته عن رجل تحته مملوكة بين رجلين فقال أحدهما: قد بدا لي أن أنزع جاويتي منك وأبيع نصيبي، فباعه، فقال المشتري: اريد أن أقبض جاريتي، هل تحرم على الزوج ؟ قال: إذا اشتراها غير الذي كان أنكحها إياه فالطلاق بيده، إن شاء فرق بينهما، وإن شاء تركها معه، فهي حلال لزوجها، وهما على نكاحهما حتى ينزعها المشتري، وإن أنكحها إياه نكاحا جديدا فالطلاق إلى الزوج، وليس إلى السيد الطلاق. وسألته عن الرجل زوج ابنه وهو صغير فدخل الابن بامر أته، على من المهر ؟ على الاب أو على الابن، قال: المهر على الغلام، وإن لم يكن له شئ فعلى الاب يضمن ذلك على ابنه أولم يضمن إذا كان هو أنكحه وهو صغير. وسألته عن رجل حر وتحته مملوكة بين رجلين أراد أحدهما نزعها منه هل له ذلك ؟ قال: الطلاق إلى الزوج، لا يحل لواحد من الشريكين أن يطلقها فيستخلص أحدهما. وسألته عن حب ماء فيه ألف رطل وقع فيه وقية بول هل يصلح شربه أو الوضوء منه ؟ قال: لا يصلح. وسألته عن قدر فيها ألف رطل ماء فطبخ فيها لحم وقع فيها وقية دم هل يصلح أكله ؟ قال: إذا طبخ فكل فلا بأس. وسألته عن فأرة وقعت في بئر فماتت هل يصلح الوضوء عن مائها ؟ قال: أنزع من مائها سبع دلي، ثم توضأ ولا بأس. وسألته عن فأرة وقعت في بئر فاخرجت وقد تقطعت، هل يصلح الوضوء من مائها ؟ قال: ينزح منها عشرون دلوا إذا تقطعت ثم يتوضؤ ولا بأس. وسألته عن صبي بال في بئرهل يصلح الوضوء منها ؟ فقال: ينزح الماء كله. وسألته عن رجل مس ميتا عليه الغسل ؟ قال: إن كان الميت لم يبرد فلا غسل عليه، وإن كان قد برد فعليه الغسل إذا مسه.


[ 291 ]

وسألته عن بئر صب فيها الخمر هل يصلح الوضوء من مائها ؟ قال: لا يصلح حتى ينزح الماء كله. وسألته عن الصدقة يجعلها الرجل لله مبتوتة، (1) هل له أن يرجع فيها ؟ قال: إذا جعلها لله فهي للمساكين وابن السبيل، فليس له أن يرجع فيها. وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي أو يصوم عن بعض موتاه ؟ قال: نعم فيصلي ما أحب ويجعل ذلك للميت، فهو للميت إذا جعل له. بيان: قوله: (قال: سألت أبي) يدل على أن السائل في تلك المسؤولات الكاظم (عليه السلام)، والمسؤول أبوه (عليه السلام)، وفي قرب الاسناد وسائر كتب الحديث السائل علي بن جعفر، والمسؤول أخوه الكاظم، وهو الصواب، ولعله اشتبه على النساخ أو الرواة، ويدل عليه التصريح بسؤال علي عن أخيه في أثناء الخبر مرارا. قوله: (الله أعلم إن كان محمد يقولونه) كانت النسخ هنا محرفة مصحفة، و الاظهر أنه كان هكذا: (وسألته عمن يروي عنكم تفسيرا أو رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قضاء أو طلاق أو عتق أو شئ لم نسمعه قط من مناسك أو شبهه من غير أن يسمى لكم عدوا أيسعنا أن نقول في قوله: الله أعلم إن كان آل محمد عليهم السلام يقولونه) فكلمة (إن) نافية، والحاصل أنه هل بجوز تكذيب مثل هذه الرواية ؟ فأجاب (عليه السلام) بأنه لا يجوز تكذيبه حتى يستيقن كذبه. ويحتمل أن تكون كلمة (إن) شرطية، أي إن كان آل محمد يقولونه فنحن نقول به، فالجواب أنه لا يجوز التصديق به حتى يستيقن، فالمراد باليقين ما يشمل الظن المعتبر شرعا. قوله: (قال أبو الحسن علي بن جعفر) لعله إنما أعاد اسمه إشعارا لما سقط من بين الخبر، لئلا يتوهم اتصاله بما قبله، كما يدل عليه الابتداء من وسط جواب قد سقط سؤاله رأسا. ثم اعلم أنا لما شرحنا أجزاء الخبر في أبوابها برواية الحميري فلم نعد شرحها ههنا حذرا من التكرار، وكذلك تركنا بعض ما فيها من التصحيفات ليرجع من أراد تصحيحها إلى ما أوردنا منه في أبوابها.


(1) أي ثابتة مجزومة لارجع فيها.

[ 292 ]

* (باب 18) * * (احتجاجات أصحابه على المخالفين) * 1 – قال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الفصول: أخبرني الشيخ أيده الله قال دخل ضرار بن عمرو الضبي على يحيى بن خالد البرمكي فقال له: يا أبا عمرو هل لك في مناظرة رجل هو ركن الشيعة ؟ فقال ضرار: هلم من شئت، فبعث إلى هشام بن الحكم فأحضره فقال: يا أبا محمد هذا ضرار، وهو من قد علمت في الكلام والخلاف لك فكلمه في الامامة، فقال: نعم ثم أقبل على ضرار فقال: يا أبا عمر وخبرني على ما تجب الولاية والبراءة ؟ على الظاهر أم على الباطن ؟ فقال ضرار: بل على الظاهر فإن الباطن لا يدرك إلا بالوحي، فقام هشام: صدقت، فخبرني الآن أي الرجلين كان أذب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف ؟ وأقتل لاعداء الله عزوجل بين يديه ؟ وأكثر آثارا في الجهاد ؟ علي بن أبي طالب أو أبو بكر ؟ فقال: علي بن أبي طالب، ولكن أبا بكر كان أشد يقينا، فقال هشام: هذا هو الباطن الذي قد تركنا الكلام فيه، وقد اعترفت لعلي (عليه السلام) بظاهر عمله من الولاية ما لم يجب لابي بكر، فقال ضرار: هذا الظاهر نعم. (1) ثم قال هشام: أفليس إذا كان الباطن مع الظاهر فهو الفضل الذي لا يدفع ؟ فقال ضرار: بلى، فقال هشام: ألست تعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدى ؟ فقال ضرار: نعم، فقال له هشام: أيجوز أن يقول له هذا القول إلا وهو عنده في الباطن مؤمن ؟ قال: لا، فقال هشام: فقد صح لعلي (عليه السلام) ظاهره وباطنه، ولم يصح لصاحبك ظاهر ولا باطن والحمد لله. (2)


(1) في المصدر: وقد اعترفت لعلى (عليه السلام) بظاهر عمله من الولاية وانه يستحق بها من الولاية ما لم يجب لابي بكر، فقال ضرار: هذا هو الظاهر نعم. (2) الفصول المختارة 1: 9.

[ 293 ]

2 – قال: وأخبرني الشيخ أدام الله تأييده قال: سأل يحيى بن خالد البرمكى هشام بن الحكم رحمة الله عليه بحضرة الرشيد فقال له: أخبرني يا هشام عن الحق هل يكون في جهتين مختلفتين ؟ فقال هشام: لا، قال فخبرني عن نفسين اختصما في حكم في الدين وتنازعا واختلفا هل يخلوان من أن يكونا محقين أو مبطلين، أو يكون أحدهما مبطلا والآخر محقا ؟ فقال هشام: لا يخلوان من ذلك، وليس يجوز أن يكونا محقين على ما قد مت من الجواب. فقال: له يحيى بن خالد: فخبرني عن علي والعباس لما اختصما إلى أبي بكر في الميراث أيهما كان المحق من المبطل ؟ إذ كنت لا تقول: إنهما كانا محقين ولا مبطلين. فقال هشام: فنظرت إذا إنني إن قلت: إن عليا (عليه السلام) كان مبطلا كفرت وخرجت عن مذهبي، وإن قلت: إن العباس كان مبطلا ضرب عنقي، ووردت علي مسألة لم أكن سئلت عنها قبل ذلك الوقت، ولا أعددت لها جوابا، فذكرت قول أبي عبد الله (عليه السلام) وهو يقول لي: يا هشام لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك، فعلمت أني لا اخذل، وعن لي الجواب (1) في الحال فقلت له: لم يكن من أحدهما خطاء وكانا جميعا محقين، ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داود (عليه السلام) حيث يقول الله جل اسمه: (وهل أتيك نبؤالخصم إذتسو روا المحراب) إلى قوله تعالى: (خصمان بغى بعضنا على بعض) فأي الملكين كان مخطئا ؟ وأيهما كان مصيبا ؟ أم تقول: إنهما كانا مخطئين ؟ فجوابك في ذلك جوابي بعينه، فقال يحيى: لست أقول: إن الملكين أخطأ، بل أقول: إنهما أصابا، وذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختلفا في الحكم، وإنما أظهرا ذلك لينبها داود (عليه السلام) على الخطيئة، ويعرفاه الحكم ويوقفاه عليه، قال: فقلت له: كذلك علي والعباس لم يختلفا في الحكم ولم يختصما في الحقيقة، وإنما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبها أبا بكر على غلطه، ويوقفاه على خطيئته، ويدلاه على ظلمه لهما في الميراث، ولم يكونا في ريب من أمرهما، وإنما كان ذلك منهما على حد ماكان من الملكين. فلم يحر جوابا واستحسن ذلك الرشيد. (2)


(1) أي ظهر أمامى الجواب. (2) الفصول المختارة 1: ص 25.

[ 294 ]

3 – وأخبرني الشيخ أيضا قال: أحب الرشيد أن يسمع كلام هشام بن الحكم مع الخوارج، فأمر بإحضار هشام بن الحكم وإحضار عبد الله بن يزيد الاباضي (1) وجلس بحيث يسمع كلامهما ولايرى القوم شخصه، وكان بالحضرة يحيى بن خالد، فقال يحيى لعبدالله بن يزيد: سل أبا محمد – يعني هشاما – عن شئ، فقال هشام: لا مسألة للخوارج علينا، فقال عبد الله بن يزيد: وكيف ذلك ؟ فقال هشام: لانكم قوم قد اجتمعتم معنا على ولاية رجل وتعديله والاقرار بإمامته وفضله، ثم فارقتمونا في عداوته والبراءة منه، فنحن على إجماعنا وشهادتكم لنا، وخلافكم علينا غير قادح في مذهبنا، ودعواكم غير مقبولة علينا، إذ الاختلاف لا يقابل الاتفاق، وشهادة الخصم لخصمه مقبولة، وشهادته عله مردودة. قال يحيى بن خالد: لقد قربت قطعه يا أبا محمد، ولكن جاره شيئا، فإن أمير المؤمنين أطال الله بقاه يحب ذلك، قال: فقال هشام: أنا أفعل ذلك، غير أن الكلام ربما انتهى إلى حد يغمض ويدق على الافهام، فيعاند أحد الخصمين أو يشتبه عليه، فإن أحب الانصاف فليجعل بيني وبينه واسطة عدلا إن خرجت عن الطريق ردني إليه، وإن جار في حكمه شهد عليه، فقال عبد الله بن يزيد: لقد دعا أبو محمد إلى الانصاف، فقال هشام: فمن يكون هذه الواسطة ؟ وما يكون مذهبه ؟ أيكون من أصحابي، أو من أصحابك، أو مخالفا للملة لنا جميعا ؟ قال عبد الله بن يزيد: اختر من شئت فقد رضيت به، قال هشام: أما أنا فأرى أنه إن كان من أصحابي لم يؤمن عليه العصبية لي، وإن كان من أصحابك لم آمنه في الحكم علي، وإن كان مخالفا لنا جميعا لم يكن مأمونا علي ولا عليك، ولكن يكون رجلا من أصحابي، ورجلا من أصحابك، فينظران فيما بيننا ويحكمان علينا بموجب الحق ومحض الحكم بالعدل، فقال عبد الله ابن يزيد: فقد أنصفت يا أبا محمد، وكنت أنتظر هذا منك. فأقبل هشام على يحيى بن خالد فقال له: قد قطعته أيها الوزير، ودمرت (2) على


(1) ترجمه ابن الحجر في لسان الميزان 3: 378 بقوله: عبد الله بن يزيد الفزارى الكوفى المتكلم، ذكره ابن حزم في النحل: ان الاباضية من الخوارج اخذوا مذهبم عنه. (2) دمر عليه: هجم عليه هجوم الشر. دمر عليه: أهلكه.

[ 295 ]

مذاهبه كلها بأهون سعي، ولم يبق معه شئ، واستغنيت عن مناظرته، قال فحرك الستر الرشيد، وأصغى يحيى بن خالد فقال: هذا متكلم الشيعة واقف الرجل مواقفة (1) لم يتضمن مناظرة، ثم ادعى عليه أنه قد قطعه وأفسد مذهبه، (2) فمره أن يبين عن صحة ما ادعاه على الرجل، فقال يحيى بن خالد لهشام: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تكشف عن صحة ما ادعيت على هذا الرجل، قال: فقال هشام رحمه الله: إن هؤلاء القوم لم يزالوا معنا على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى كان من أمر الحكمين ما كان، فأكفروه بالتحكيم وضللوه بذلك، وهم الذين اضطروه إليه، والآن فقد حكم هذا الشيخ وهو عماد أصحابه مختارا غير مضطر رجلين مختلفين في مذهبهما: أحدهما يكفره، والآخر يعدله، فإن كان مصيبا في ذلك فأمير المؤمنين أولى بالصواب، وإن كان مخطئا كافرا فقد أراحنا من نفسه بشهادته بالكفر عليها، والنظر في كفره وإيمانه أولى من النظر في إكفاره عليا (عليه السلام). قال: فاستحسن ذلك الرشيد وأمر بصلته وجائزته. (3) 4 – وقال الشيخ أدام الله عزه: وهشام بن الحكم من أكبر أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، وكان فقيها، وروى حديثا كثيرا، وصحب أبا عبد الله (عليه السلام)، وبعده أبا الحسن موسى (عليه السلام)، وكان يكنى أبا محمد وأبا الحكم، وكان مولى بني شيبان، و كان مقيما بالكوفة، وبلغ من مرتبته وعلوه عند أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه دخل عليه بمنى وهو غلام أول ما اختط عارضاه، وفي مجلسه شيوخ الشيعة كحمران ابن أعين وقيس الماصر ويونس بن يعقوب وأبي جعفر الاحول وغيرهم، فرفعه على جماعتهم، وليس فيهم إلا من هو أكبر سنا منه، فلما رأى أبو عبد الله (عليه السلام) أن ذلك الفعل كبر على أصحابه قال: هذا ناصر نا بقلبه ولسانه ويده، وقال له أبو عبد الله (عليه السلام) وقد سأله عن أسماء الله عزوجل واشتقاقها فأجابه ثم قال له: أفهمت يا هشام فهما تدفع به أعداءنا الملحدين مع الله عزوجل ؟ قال هشام: نعم، قال أبو عبد الله (عليه السلام):


(1) في المصدر: وافق الرجل موافقة. (2) في المصدر: وأفسد عليه مذهبه. (3) الفصول المختارة 1: 26.

[ 296 ]

نفعك الله عزوجل به وثبتك، (1) قال هشام: فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا. (2) قال الشيخ أدام عزه: وقد روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ثمانية رجال، كل واحد منهم يقال له هشام، فمنهم أبو محمد هشام بن الحكم مولى بني شيبان هذا، ومنهم هشام بن سالم مولى بشر بن مروان وكان من سبى الجوزجان، ومنهم هشام الكفري (3) الذي يروي عنه علي بن الحكم، ومنهم هشام المعروف بأبي عبد الله البزاز، ومنهم هشام الصيدناني (4) رحمه الله، ومنهم هشام الخياط رحمة الله عليه، ومنهم هشام بن يزيد رحمة الله عليه، ومنهم هشام بن المثنى الكوفي رحمة الله عليه (5). 5 – قال: ومن حكايات الشيخ أدام الله عزه قال: سئل هشام بن الحكم رحمة الله عليه عما يرويه العامة من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لما قبض عمر وقد دخل عليه وهو مسحبى: (6) لوددت أن ألقى الله تعالى بصحيفة هذا المسجى، وفي حديث آخر: إني لارجو أن ألقى الله تعالى بصحيفة هذا المسجى. فقال هشام: هذا حديث غير ثابت ولا معروف الاسناد، وإنما حصل من جهة القصاص وأصحاب الطرقات، ولو ثبت لكان المعنى فيه معروفا، وذلك أن عمر واطأ أبا بكر والمغيرة وسالما مولى أبي حذيفة وأبا عبيدة على كتب صحيفة بينهم يتعاقدون فيها على أنه إذا مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يورثوا أحدا من أهل بيته ولم يولوهم مقامه من بعده وكانت الصحيفة لعمر إذا كان عماد القوم، فالصحيفة التي ود أمير المؤمنين (عليه السلام) ورجا أن يلقى الله عزوجل بها هي هذه الصحيفة ليخاصمه بها ويحتج عليه بمضمنها والدليل على ذلك ماروته العامة عن ابي بن كعب أنه كان يقول في مسجد


(1) في المصدر: وثبتك عليه. (2) الفصول المختارة 1: 127. (3) في نسخة: الكندى. (4) في المصدر: الصيدانى. (5) الفصول المختارة 1: 27. (6) من سجى الميت: مد عليه ثوبه.

[ 297 ]

رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن أفضى الامر إلى أبى بكر بصوت يسمعه أهل المسجد: ألا هلك أهل العقدة، والله ما آسى عليهم إنما آسى على من يضلون من الناس. فقيل له. يا صاحب رسول الله من هؤلاء أهل العقدة وما عقدتهم ؟ فقال: قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يورثوا أحدا من أهل بيته ولم يولوهم مقامه، أما والله لئن عشت إلى يوم الجمعة لاقومن فيهم مقاما ابين للناس أمرهم، قال: فما أتت عليه الجمعة. (1) 6 – ختص: أحمد بن الحسن، عن عبد العظيم بن عبد الله (2) قال: قال هارون الرشيد لجعفربن يحيى البرمكي: إني احب أن أسمع كلام المتكلمين من حيث لا يعلمون بمكاني فيحتجون عن بعض ما يريدون، فأمر الجعفر المتكلمين فاحضروا داره، وصار هارون في مجلس يسمع كلامهم، وأرخى بينه وبين المتكلمين سترا، فاجتمع المتكلمون وغص المجلس بأهله ينتظرون هشام بن الحكم، فدخل عليهم هشام وعليه قميص إلى الركبة وسراويل إلى نصف الساق، فسلم على الجميع ولم يخص جعفرا شئ، فقال له رجل من القوم: لم فضلت عليا على أبي بكر، والله يقول: (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) ؟ فقال هشام: فأخبرني عن حزنه في ذلك الوقت أكان لله رضى أم غير رضى ؟ فسكت، فقال هشام: إن زعمت أنه كان لله رضى فلم نهاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: (لا تحزن) ؟ أنهاه عن طاعة الله ورضاه ؟ وإن زعمت أنه كان لله غير رضى فلم تفتخر بشئ كان لله غير رضى وقد علمت ما قال الله تبارك وتعالى حين قال: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) (3) ولانكم قلتم وقلنا و قالت العامة: الجنة اشتاقت إلى أربعة نفر: إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والمقداد بن الاسود، وعمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة، وتخلف عنها صاحبكم، ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.


(1) الفصول المختارة 1: 54 و 55. (2) أوعزنا إلى ترجمته في ج 1 ص 165. (3) ايعاز إلى دليل ثان يدل على ان لا منقبة ولافخر لابي بكر في الاية بل فيها دلالة على نقيصة له، وذلك أن الله تعالى انزل سكينته في مواطن على نبيه (صلى الله عليه وآله) واشرك المؤمنين له وعمهم فيها، كما في قوله تعالى: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) ولكن افرد نبيه بالسكينة في الغار دون صاحبه وخصه بها ولم يشركه معه، وفى تحريمه اياه ما تفضل به من السكينة على غيره من المؤمنين دلالة واضحة على نقيصة له.

[ 298 ]

وقلتم وقلنا وقالت العامة: الذابين عن الاسلام أربعة نفر: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والزبيربن العوام، وأبو دجانة الانصاري، وسلمان الفارسي، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلف عنها صاحبكم، ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة. وقلتم وقلنا وقالت العامة: إن القراء أربعة نفر: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وعبد الله بن مسعود، وابي بن كعب، وزيدبن ثابت، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة، وتخلف عنها صاحبكم، ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة. وقلتم وقلنا وقالت العامة: إن المطهرين من السماء أربعة نفر: علي بن أبي طالب وفاطمة، والحسن، والحين (عليهم السلام)، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة، وتخلف عنها صاحبكم، ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة. وقلتم وقلنا وقالت العامة: إن الابرار أربعة: علي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام)، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلف عنها صاحبكم، ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة. وقلتم وقلنا وقالت العامة: إن الشهداء أربعة نفر: علي بن أبي طالب، وجعفر، وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، فأرى صاحبنا قددخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة، وتخلف عنها صاحبكم، ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة. قال: فحرك هارون الستر وأمر جعفر الناس بالخروج، فخرجوا مرعوبين، و خرج هارون إلى المجلس فقال: من هذا ابن الفاعلة ؟ فوالله لقد هممت بقتله وإحراقه بالنار. (1) أقول: سيأتي سائر احتجاجات هشام في أبواب تاريخ الكاظم (عليه السلام).


(1) الاختصاص: مخطوط.

[ 299 ]

* (باب 19) * * (مناظرات الرضا على بن موسى صلوات الله عليه، واحتجاجه على) * * (أرباب الملل المختلفة والاديان المتشته في مجلس) * * (المأمون وغيره) * 1 – يد، ن: حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الايلاقي رضي الله عنه ؟ قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي، قال: حدثني أبو عمر ومحمد بن عمربن عبد العزيز الانصاري الكجي، قال: حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي يقول: لما قدم علي بن موسى الرضا (عليه السلام) على المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق، ورأس الجالوت، ورؤساء الصابئين، (1) والهربذ الاكبر، وأصحاب ذرهشت، (2) ونسطاس الرومي والمتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم. فجمعهم الفضل بن سهل ثم أعلم المأمون باجتماعهم، فقال المأمون: أدخلهم علي ففعل فرحب بهم المأمون. ثم قال لهم: إني إنما جمعتكم لخير


(1) الجاثليق متقدم الاساقفة. الصابؤون جمع الصابئ، وهو من انتقل إلى دين آخر، و كل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره سمى في اللغة صابئا، قال أبو زيد: صبا الرجل في دينه يصبؤ صبوءا: إذا كان صابئا، فكان معنى الصابئ التارك دينه الذى شرع له إلى دين غيره، والدين الذى فارقوه هو تركهم التوحيد إلى عبادة النجوم أو تعظيمها، قال فتادة: وهم قوم معروفون ولهم مذهب ينفردون به، ومن دينهم عبادة النجوم وهم يقرون بالصانع وبالمعاد وببعض الانبياء وقال مجاهد والحسن: الصابؤون بين اليهود والمجوس لادين لهم، وقال السدى: هم طائفة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور، وقال الخليل: هم قوم دينهم شبيه بدين النصارى الا ان قبلتهم نحو مهب الجنوب حيال منتصف النهار يزعمون انهم على دين نوح، وقال ابن زيد: هم اهل دين من الاديان كانوا بالجزيرة جزيرة الموصل يقولون: لا اله الا الله ولم يؤمنوا برسول الله، و قال آخرون: هم طائفة من اهل الكتاب. والفقهاء بأجمعهم يجيزون أخذ الجزية منهم، وعندنا لا يجوز ذلك لانهم ليسوا بأهل الكتاب. قاله الطبرسي في مجمع البيان 1: 126 (2) في العيون: زردشت وفى التوحيد: زردهشت. وعلى أي فهو معروف.

[ 300 ]

وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني (1) القادم علي فإذا كان بكرة فاغدوا علي ولا يتخلف منكم أحد ؟ فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن اشاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) إذ دخل علينا ياسر، وكان يتولى أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال له: يا سيدي إن أمير المؤمنين يقرؤك السلام ويقول: فداك أخوك، إنه اجتمع إلي أصحاب المقالات و أهل الاديان والمتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم، و إن كرهت ذلك فلانتجشم وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا. فقال أبو الحسن (عليه السلام): أبلغه السلام وقل له قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لي: يا نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة، (2) فما عندك في جمع ابن عمك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات ؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان، وبئس والله ما بنى، فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب ؟ قلت: إن أصحاب الكلام والبدع خلاف العلماء، وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة، (3) إن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا: صحح وحدانيته، وإن قلت: إن محمدا رسول الله، قالوا: أثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجته ويغالطونه حتى يترك قوله، فاحذرهم جعلت فداك، قال فتبسم (عليه السلام) ثم قال: يا نوفلي أفتخاف أن يقطعوني علي حجتي ؟ (4) قلت: لا والله ما خفت عليك قط، وإني لارجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله. فقال لي: يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم المأمون ؟ قلت: نعم،


(1) في نسخة المدينى. (2) في نسخة: ورية العراقى غير غليظة. (3) بهت الرجل: اتى بالبهتان. (4) في المصدر: أتخاف ان يقطعوا على حجتى.

[ 301 ]

قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم، وعلى أهل الانجيل بإنجيلهم، وعلى أهل الزبور بزبورهم، وعلى الصابئين بعبر انيتهم، وعلى الهرابذة بفارسيتهم، وعلى أهل الروم بروميتهم، وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف و دحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس بمستحق له، (1) فعند ذلك تكون الندامة منه، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك ابن عمك ينتظرك وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه ؟ فقال له الرضا (عليه السلام): تقدمني فإني صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله، ثم توضأ (عليه السلام) وضوءه للصلاة، وشرب شربة سويق وسقانا منه، ثم خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله، ومحمد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين والقواد حضور، فلما دخل الرضا (عليه السلام) قام المأمون وقام محمد بن جعفر وجميع بني هاشم، فما زالوا وقوفا والرضا (عليه السلام) جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس (2) فجلسوا، فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدثه ساعة. ثم التفت إلى الجاثليق فقال: يا جاثليق هذا ابن عمي علي بن موسى بن جعفر، وهو من ولد فاطمة بنت نبينا، وابن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما فاحب أن تكلمه وتحاجه وتنصفه، فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين كيف احاج رجلا يحتج علي بكتاب أنا منكره، ونبي لا اومن به ؟ فقال له الرضا (عليه السلام): يا نصراني فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقربه ؟ قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الانجيل. نعم والله أقربه على رغم أنفي، فقال له الرضا (عليه السلام): سل عما بدالك وافهم الجواب. قال الجاثليق: ما تقول في نبوة عيسى وكتابه ؟ هل تنكر منهما شيئا ؟ قال


(1) في التوحيد: ليس هو بمستحق له. (2) في العيون: حتى امرهم الرضا (عليه السلام) بالجلوس.

[ 302 ]

الرضا (عليه السلام): أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به امته وأقرت به الحواريون (1) وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وبكتابه ولم يبشر به امته، قال الجاثليق: أليس إنما تقطع الاحكام بشاهدي عدل ؟ قال: بلى، قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوة محمد ممن لا تنكره النصرانية، وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا. قال الرضا (عليه السلام) الآن جئت بالنصفة يا نصراني، ألا تقبل مني العدل المقدم عند المسيح عيسى بن مريم ؟ قال الجاثليق: من هذا العدل ؟ سمه لي، قال: ما تقول في يوحنا الديلمي ؟ قال: بخ بخ، ذكرت أحب الناس إلى المسيح، قال (عليه السلام): فأقسمت عليك هل نطق الانجيل أن يوحنا قال: إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي، وبشرني به أنه يكون من بعده فبشرت به الحورايين فآمنوا به ؟ قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشر بنبوة رجل وبأهل بيته ووصيه ولم يلخص متى يكون ذلك، ولم يسم لنا القوم فنعرفهم، قال الرضا (عليه السلام): فإن جئناك، بمن يقرء الانجيل فتلا عليك ذكر محمد وأهل بيته وامته أتؤمن به ؟ قال: شديدا، (2) قال الرضا (عليه السلام): لنسطاس الرومي كيف حفظك للسفر الثالث من الانجيل ؟ قال: ما أحفظني له ! ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال: ألست تقرء الانجيل ؟ قال: بلى لعمري، قال: فخذ علي السفر الثالث، فإن كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وامته فاشهدوا لي، وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي، ثم قرأ (عليه السلام) السفر الثالث حتى إذا بلغ دكر النبي (صلى الله عليه وآله) وقف، ثم قال: يا نصراني إني أسألك بحق المسيح وامه أتعلم أني عالم بالانجيل ؟ قال: نعم، ثم تلا علينا ذكر محمد وأهل بيته وامته، ثم قال: ما تقول يا نصراني ؟ هذا قول عيسى بن مريم، فإن كذبت ما ينطق به الانجيل فقد كذبت موسى وعيسى (عليهما السلام) ومتى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل، لانك تكون قد كفرت بربك وبنبيك وبكتابك، قال الجاثليق: لاأنكر ما قد بان لي في الانجيل، وإني لمقربه، قال الرضا (عليه السلام): اشهدوا على إقراره.


(1) في العيون: وما اقرت به الحواريين. (2) في نسخة: قال: سديدا.

[ 303 ]

ثم قال: يا جاثليق سل عما بدالك، قال الجاثليق: أخبرني عن حواري عيسى ابن مريم كم كان عدتهم ؟ وعن علماء الانجيل كم كانوا ؟ قال الرضا (عليه السلام): على الخبير سقطت، أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا، وكان أفضلهم وأعلمهم الوقا، وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنا الاكبر بأج (1) ويوحنا بقرقيسا (2) و يوحنا الديلمي بزجار، (3) وعنده كان ذكر النبي (صلى الله عليه وآله)، وذكر أهل بيته وامته، وهو الذي بشر امة عيسى وبني إسرائيل به. ثم قال له: يا نصرني والله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله) وما ننقم على عيساكم شيئا إلا ضعفه وقلة صيامه وصلاته، قال الجاثليق: أفسدت والله علمك، (4) وضعفت أمرك، وما كنت ظننت إلا أنك أعلم أهل الاسلام، قال الرضا (عليه السلام): وكيف ذلك ؟ قال الجاثليق: من قولك: إن عيسى كان ضعيفا قليل الصيام، قليل الصلاة، وما أفطر عيسى يوما قط، ولانام بليل قط، وما زال صائم الدهر، قائم الليل، قال الرضا (عليه السلام): فلمن كان يصوم ويصلي ؟ قال: فخرس الجاثليق وانقطع. قال الرضا (عليه السلام): يا نصراني أسألك عن مسألة، قال: فإن كان عندي علمها أجبتك، قال الرضا (عليه السلام): ما أنكرت أن عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله عزوجل ؟ قال الجاثليق أنكرت ذلك من قبل أن من أحيا الموتى (5) وأبرأ الاكمه والابرص فهو رب مستحق لان يعبد، قال الرضا (عليه السلام): فإن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى: مشى على الماء، وأحيا الموتى، وأبرأ الاكمه والابرص فلم تتخذه امته ربا، ولم يعبده أحد من دون الله عزوجل، ولقد صنع حزقيل النبي مثل ما صنع عيسى بن مريم فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة.


(1) هكذا في النسخ وفى المصدر، ولم نعرف مكانا بهذا الاسم، ولعله مصحف (ا خ) بالضم وهى موضع بالبصرة به أنهر وقرى. (2) القرقيساء بكسر القاف ويقصر: بلدة على الفرات سمى بقرقيساء بن طهمورث (3) في التوحيد: بزجان، وكلاهما مجهولان، نعم (الرجان) كشداد: وادبنجد وموضع بفارس يقال فيه (ارجان) ايضا. (4) في نسخة: أفسدت والله عليك. (5) في العيون وفى نسخة: انكرت ذلك من اجل ان من أحيا الموتى اه‍.

[ 304 ]

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة ؟ اختارهم بخت نصر من سبى بني إسرائيل حين غزابيت المقدس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله تعالى عزوجل إليهم فأحياهم الله، هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم، قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه، قال صدقت، ثم قال: يا يهودي خذ علي هذا السفر من التوراة، فتلا (عليه السلام) علينا من التوراة آيات فأقبل اليهودي يتزجح (1) لقراءته ويتعجب. ثم أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم ؟ قال: بل كانوا قبله، قال الرضا (عليه السلام): لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم، فوجه معهم على بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هولاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك: يا فلان، ويافلان، ويا فلان، يقول لكم محمد رسول الله: قوموا بإذن الله عزوجل، فقالموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن امورهم، ثم أخبروهم أن محمدا (صلى الله عليه وآله) قد بعث نبيا وقالوا: وددنا إنا أدركناه فنؤمن به، ولقد أبرأ الاكمه والابرص والمجانين، وكلمه البهائم والطير والجن والشياطين، ولم نتخذه ربا من دون الله عزوجل، ولم ننكر لاحد من هؤلاء فضلهم، فمتى اتخذتم عيسى ربا جاز لكم أن تتخذوا اليسع والحزقيل، (2) لانهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى وغيره، وإن قوما من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم الوف حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة، فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميما، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم ومن كثرة العظام البالية، فأوحى الله عزوجل إليه: أتحب أن احييهم لك فتنذرهم ؟ قال: نعم يا رب، فأوحى الله عزوجل إليه: أن نادهم، فقال: أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عزوجل، فقاموا أحياء أجمعون، ينفضون التراب عن رؤوسهم، ثم إبراهيم خليل


(1) في نسخة من الكتاب والعيون: يترجج. وسيأتى تفسيره عن المصنف. (2) في نسخة: جاز لكم أن تتخذوا اليسع والحزقيل ربا، وفى نسخة وفى العيون: ربين.

[ 305 ]

الرحمن حين أخذ الطير (1) فقطعهن قطعا، ثم وضع على كل جبل منهن جزء، ثم ناداهن فأقبلن سعيا إليه، ثم موسى بن عمران وأصحابه السبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: إنك قد رأيت الله سبحانه، فأرناه كما رأيته، فقال لهم: إني لم أره، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم، وبقي موسى وحيدا فقال: يا رب إني اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم وأرجع وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به ؟ فلو شئت أهلكتهم من قبل وإياي، أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ؟ فأحياهم الله عزوجل من بعد موتهم، وكل شئ ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه، لان التوراة والانجيل والزبور والفرقان قد نطقت به، فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الاكمه والابرص والمجانين يتخذ ربا من دون الله فاتخذ هؤلاء كلهم أربابا، ما تقول يا يهودي ؟ (2) قال الجاثليق: القول قولك، ولا إله إلا الله ثم التفت (عليه السلام) إلى رأس الجالوت فقال: يا يهودي أقبل علي أسألك بالعشر الآيات التي انزلت على موسى بن عمران، هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمد وامته: (إذا جاءت الامة الاخيرة أتباع راكب البعير يسبحون الرب جدا جدا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد فليفزع بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئن قلوبهم، فإن بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من الامم الكافرة في أقطار الارض) أهكذا هو في التوراة مكتوب ؟ قال رأس الجالوت: نعم إنا لنجده كذلك. ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا ؟ قال: أعرفه حرفا حرفا، قال لهما: أتعرفان هذا من كلامه: (يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر) ؟ فقالا: قد قال ذلك شعيا. قال الرضا (عليه السلام): يا نصراني هل تعريف في الانجيل قول عيسى: (إني ذاهب إلى ربكم وربي (3) والبار قليطا جاء، هو الذي يشهد لى بالحق كما شهدت له، وهو


(1) في نسخة وفى العيون: حين اخذ الطير اربعة. وفى التوحيد: حين اخذ الطيور فقطعهن. (2) في التوحيد وهامش العيون: ما تقول يا نصرانى ؟. (2) في المصدر: انى ذاهب إلى ربى وربكم

[ 306 ]

الذي يفسر لكم كل شئ، وهو الذي يبدي فضائح الامم، وهو الذي يكسر عمود الكفر) ؟ فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئا في الانجيل إلا ونحن مقرون به، قال: أتجد هذا في الانجيل ثابتا يا جاثليق ؟ قال: نعم. قال الرضا (عليه السلام): يا جاثليق ألا تخبرني عن الانحيل الاول حين افتقدتموه عند من وجدتموه ؟ ومن وضع لكم هذا الانجيل ؟ قال له: ما افتقدنا إلانجيل إلا يوما واحدا حتى وجدناه غضا طريا فأخرجه إلينا يوحنا ومتى، فقال له الرضا (عليه السلام): ما أقل معرفتك بسر الانجيل وعلمائه ؟ (1) فإن كان هذا كما تزعم فلم اختلفتم في الانجيل ؟ وإنما وقع الاختلاف في هذا الانجيل الذي في أيديكم اليوم، فلو كان على العهد الاول لم تختلفوا فيه، ولكني مفيدك علم ذلك، اعلم أنه لما افتقد الانجيل الاول اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريم، وافتقدنا الانجيل وأنتم العلماء فما عندكم ؟ فقال لهم الوقا ومر قابوس: إن الانجيل في صدورنا ونحن نخرجه إليكم سفرا سفرا في كل أحد فلا تحزنوا عليه، ولا تخلوا الكنائس، فإنا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتى نجمعه كله، فقعد الوقا ومر قابوس و يوحنا ومتى فوضعوا لكم هذا الانجيل بعد ما افتقدتم الانجيل الاول، وإنما كان هؤلاء الاربعة تلاميذ التلاميذ الاولين، أعلمت ذلك ؟ قال الجاثليق: أما هذا فلم أعلمه، (2) وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالانجيل، وسمعت أشياء مما علمته شهد قلبي أنها حق فاستزدت كثيرا من الفهم، فقال له الرضا (عليه السلام): فكيف شهادة هؤلاء عندك ؟ قال: جائزة، هؤلاء علماء الانجيل، وكل ما شهدوا به فهو حق، فقال الرضا (عليه السلام) للمأمون ومن حضره أهل بيته ومن غيرهم: اشهدوا عليه، قالوا قد شهدنا. ثم قال للجاثليق: بحق الابن وامه هل تعلم أن متى قال: (إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن حضرون) (3) وقال مرقابوس في


(1) في العيون: ما اقل معرفتك بسنن الانجيل وعلمائه. (2) في نسخة: أما قبل هذا فلم أعلمه. (3) كذا في النسخ.

[ 307 ]

نسبة عيسى بن مريم: (إنه كلمة الله أحلها في الجسد الآدمي فصارت إنسانا) وقال الوقا: (إن عيسى بن مريم وامه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس) ثم إنك تقول من شهادة عيسى على نفسه: (حقا أقول لكم يا معشر الحواريين: إنه لا يصعد إلى السماء إلا من نزل منها إلا راكب البعير خاتم الانبياء فإنه يصعد إلى السماء وينزل) فما تقول في هذا القول ؟ قال الجاثليق: هذا قول عيسى لاننكره، قال الرضا (عليه السلام): فما تقول في شهادة الوقا ومر قابوس ومتى على عيسى وما نسبوه إليه ؟ قال الجاثليق: كذبوا على عيسى، قال الرضا (عليه السلام): يا قوم أليس قد زكاهم وشهد أنهم علماء الانجيل وقولهم حق ؟. فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين (1) احب أن تعفيني من أمر هؤلاء، قال الرضا (عليه السلام): فإنا قد فعلنا، سل يا نصراني عما بدالك، قال الجاثليق ليسألك غيري، فلاوحق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك. فالتفت الرضا (عليه السلام) إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك ؟ فقال: بل أسألك، ولست أقبل منك حجة إلا من التوراة، أو من الانجيل، أو من زبور داود، أو بما في صحف إبراهيم وموسى، (2) قال الرضا (عليه السلام): لاتقبل مني حجة إلا بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران، والانجيل على لسان عيسى بن مريم، والزبور على لسان داود، فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوة محمد ؟ قال الرضا (عليه السلام): شهد بنبوته موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله عزوجل في الارض، فقال له: ثبت قول موسى بن عمران، قال الرضا (عليه السلام): هل تعلم يا يهودي أن موسى ابن عمران أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنه سيأتيكم نبي من إخوانكم، فبه فصدقوا ومنه فاسمعوا، فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل، إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل، والنسب الذي بينهما من قبل إبراهيم ؟ فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لاندفعه، فقال له الرضا (عليه السلام): هل جاء كم من إخوة بني


(1) في هامش التوحيد: يا أعلم المسلمين خ ل. (2) في المصدر: أو مما في صحف ابراهيم وموسى.

[ 308 ]

إسرائيل نبي غير محمد ؟ قال: لا، قال الرضا (عليه السلام): أفليس قد صح هذا عندكم ؟ قال: نعم ولكني احب أن تصححه لي من التوراة، فقال له الرضا (عليه السلام): هل تنكر أن التوراة تقول لكم: (قد جاء النور من جبل طور سيناء وأضاء لنا من جبل ساعير، و استعلن علينا من جبل فاران) قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها، قال الرضا (عليه السلام): أنا اخبرك به، أما قوله: جاء النور من قبل طور سيناء) فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء، وأما قوله: (وأضاء الناس (1) من جبل ساعير) فهو الجبل الذي أوحى الله عزوجل إلى عيسى بن مريم وهو عليه، وأما قوله: (واستعلن علينا من جبل فاران) فذاك جبل من جبال مكة بينه وبينها يوم. وقال شعيا النبي فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة: (رأيت راكبين أضاء لهما الارض، أحدهما على حمار، والآخر على جمل) فمن راكب الحمار ؟ ومن راكب الجمل ؟ قال: رأس الجالوت لاأعرفهما فخبرني بهما، قال (عليه السلام): أما راكب الحمار فعيسى، وأما راكب الجمل فمحمد، أتنكر هذا من التوراة ؟ قال: لا، ما انكره. ثم قال الرضا (عليه السلام): هل تعرف حيقوق النبي ؟ قال: نعم إني به لعارف، قال (عليه السلام): فإنه قال وكتابكم ينطق به: (جاء الله بالبيان من جبل فاران، وامتلات السماوات من تسبيح أحمد وامته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر، يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس) يعني بالكتاب القرآن، أتعرف هذا وتؤمن به ؟ قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوق النبي ولا ننكر قوله، قال الرضا (عليه السلام): فقد قال داود في زبوره وأنت تقرؤه: (اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة) فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد ؟ قال رأس الجالوت هذا قول داود نعرفه ولا ننكره، ولكن عنى بذلك عيسى، وأيامه هي الفترة، قال له الرضا (عليه السلام): جهلت، إن عيسى لم يخالف السنة، وكان موافقا لسنة التوراة حتى رفعه الله إليه، وفي الانجيل مكتوب: إن ابن البرة ذاهب والبار قليطا جاء من بعده، وهو يخفف الآصار، و يفسر لكم كل شئ، ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالامثال، وهو يأتيكم


(1) كذا في النسخ.

[ 309 ]

بالتأويل، أتؤمن بهذا في الانجيل ؟ قال: نعم، لا انكره: فقال له الرضا (عليه السلام): يا رأس الجالوت أسألك عن نبيك موسى بن عمران، فقال: سل، قال (عليه السلام): ما الحجة على أن موسى ثبتت نبوته ؟ قال اليهودي: إنه جاء بما لم يجئ به أحد من الانبياء قبله، قال له: مثل ماذا ؟ قال: مثل فلق البحر، وقلبه العصاحية تسعى، وضربه الحجر فانفجرت منه العيون، وإخراجه يده بيضاء للناظرين، وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها. قال له الرضا (عليه السلام): صدقت في أنه كانت حجته على نبوته أنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله، أفليس كل من ادعى أنه نبي ثم جاء بما لا يقدر لخلق على مثله وجب عليكم تصديقه ؟ قال: لا، لان موسى لم يكن له نظير لمكانه من ربه، وقربه منه، ولا يجب علينا الاقرار بنبوة من ادعاها حتى يأتي من الاعلام بمثل ما جاء به، قال الرضا (عليه السلام): فكيف أقررتم بالانبياء الذين كانوا قبل موسى ولم يفلقوا البحر، ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عينا، ولم يخرجوا بأيديهم مثل إخراج موسى يده بيضاء، ولم يقلبوا العصاحية تسعى ؟ قال له اليهودي: قد خبرتك أنه متى ما جاؤوا على نبوتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاؤوا بما لم يجئ به موسى أو كان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم، قال: قال الرضا (عليه السلام): يا رأس الجالوت فما يمنعك من الاقرار بعيسى بن مريم وقد كان يحيي الموتى، ويبرئ الاكمه والابرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ؟ قال رأس الجالوت: يقال: إنه فعل ذلك، ولم نشهده، قال الرضا (عليه السلام): أرأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته ؟ أليس إنما جاءت الاخبار من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك ؟ قال: بلى، قال: فكذلك أيضا أتتكم الاخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم، فكيف صدقتم بموسى ولم تصدقوا بعيسى ؟ فلم يحر جوابا، قال الرضا (عليه السلام): وكذلك أمر محمد (صلى الله عليه وآله) وما جاء به، وأمر كل نبي بعثه الله، ومن آياته أنه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا ولم يختلف إلى معلم (1) ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الانبياء و


(1) أي لم يتردد إلى معلم.

[ 310 ]

أخبارهم حرفا حرفا، وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة، ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعلمون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيرة لا تحصى، قال رأس الجالوت: لم يصح عندنا خبر عيسى ولاخبر محمد ؟ ولا يجوز لنا أن نقر لهما بما لم يصح، قال الرضا (عليه السلام): فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد صلى الله عليهما شاهد زور ؟ فلم يحر جوابا. ثم دعى بالهربذ الاكبر فقال له الرضا (عليه السلام): أخبرني عن ذرهشت (1) الذي تزعم أنه نبي ما حجتك على نبوته ؟ قال: إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده ولكن الاخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه، قال: أفليس إنما أتتكم الاخبار فاتبعتموه ؟ قال: بلى، قال: فكذلك سائر الامم السالفة أتتهم الاخبار بما أتى به النبيون وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم، فما عذركم في ترك الاقرار لهم ؟ إذ كنتم إنما أقررتم بزرهشت من قبل الاخبار المتواترة بأنه جاء بما لم يجئ به غيره، فانقطع الهربذ مكانه. فقال الرضا (عليه السلام): يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الاسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم، فقال إليه عمران الصابئ وكان واحدا من المتكلمين فقال: يا عالم الناس لولا أنك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل، فلقد دخلت الكوفة و البصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته، (2) أفتأذن لي أن أسألك ؟ قال الرضا (عليه السلام): إن كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو، قال: أنا هو، قال: سل يا عمران وعليك بالنصفة، وإياك والخطل (3) والجور، قال: والله يا سيدي ما اريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه، قال: سل عما بدالك، فازدحم الناس وانضم بعضهم إلى بعض، فقال عمران الصابئ: أخبرني عن الكائن الاول وعما خلق، قال: سألت فافهم، أما الواحد فلم


(1) في المصدر: زردهشت، وفى نسخة من العيون: زردشت وكذا فيما يأتي بعد ذلك. (2) أي تكون وحدانيته عين ذاته. (3) الخطل: الكلام الكثير الفاسد.

[ 311 ]

يزل واحدا كائنا لا شئ معه بلا حدود ولا أعراض، ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض وحدود مختلفة، لا في شئ أقامه، ولا في شئ حده، ولا على شئ حذاه ومثله له، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة وغير صفوة، واختلافا وايتلافا، وألوانا وذوقا وطعما، لا لحاجة كانت منه إلى ذلك، ولا لفضل منزلة لا يبلغها إلا به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا، تعقل هذا يا عمران ؟ قال: نعم والله يا سيدي. قال: واعلم يا عمران إنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق، لان الاعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لانه لم يحدث من الخلق شيئا إلا حدثت فيه حاجة اخرى، ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض، وفضل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضل، ولا نقمة منه على من أذل فهلذا خلق. قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه ؟ (1) قال الرضا (عليه السلام): إنما يكون المعلمة بالشئ لنفي خلافه، وليكون الشئ نفسه بما نفي عنه موجودا، ولم يكن هناك شئ يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشئ عن نفسه بتحديد ما علم منها، أفهمت يا عمران ؟ قال: نعم والله يا سيدي، فأخبرني بأي شئ علم ما علم ؟ أبضمير أم بغير ذلك ؟ (2) قال الرضا عليهما السلام: أرأيت إذا علم بضمير هل تجدبدا من أن تجعل لذلك الضمير حدا تنتهي إليه المعرفة ؟ قال عمران: لا بد من ذلك، قال الرضا (عليه السلام): فما ذلك الضمير ؟ فانقطع عمران ولم يحر جوابا. قال الرضا (عليه السلام): لا بأس إن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر، فقلت: نعم (3) أفسدت


(1) لعله اراد من ذلك استنتاج أن الكائن الاول لو كان معلوما في نفسه لكان يعلم غير نفسه فلا يثبت انه كان في الازل واحدا ليس غيره. وأما جوابه (عليه السلام) سيأتي تفسيره من المصنف بوجوه بعضها يناسب ما ذكرناه. (2) أورد الكلام ثانيا في علمه بالمخلوقات للتشكيك في وحدا نيته وأنه ذات مع ضمير أو غيره. (3) في العيون: فان قلت: نعم أفسدت عليك قولك. وفى التوحيد: فقال: نعم، قال الرضا (عليه السلام): أفسدت عليك قولك.

[ 312 ]

عليك قولك ودعواك، يا عمران أليس ينبغي أن تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع ؟ وليس يتوهم مته مذاهب وتجربة كمذاهب المخلوقين وتجربتهم ؟ (1) فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صوابا. (2) قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي ؟ وما معانيها ؟ وعلى كم نوع تكون ؟ قال: قد سألت فافهم، إن حدود خلقه على ستة أنواع: ملموس و موزون ومنظور إليه ومالا ذوق له (3) وهو الروح، ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ولا ذوق والتقدير والاعراض والصور والطول والعرض، و منها العمل والحركات التي تصنع الاشياء وتعملها (4) وتغيرها من حال إلى حال و تزيدها وتنقصها، فأما الاعمال والحركات فإنها تنطلق لانه لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشئ انطلق بالحركة وبقي الاثر، ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره. قال له عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا شئ غيره ولا شئ معه أليس قد تغير بخلقه الخلق ؟ قال له الرضا (عليه السلام): لم يتغير عزوجل بخلق الخلق، (5) ولكن الخلق يتغير بتغييره. قال عمران: فبأي شئ عرفناه ؟ قال: بغيره. قال: فأي شئ غيره ؟ قال الرضا (عليه السلام): مشيته واسمه وصفته وما أشبه ذلك، وكل ذلك محدث مخلوق مدبر، (6) قال عمران: يا سيدي فأي شئ هو ؟ قال: هو نور بمعنى أنه هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الارض، وليس لك علي أكثر من توحيدي إياه. قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتا قبل الخلق لا ينطق ثم نطق ؟ قال الرضا (عليه السلام): لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله. والمثل في ذلك أنه لا يقال للسراج:


(1) في المصدر: وليس يتوهم منه مذاهب وتجزية كمذاهب الخلق وتجزيتهم. (2) في العيون: ما علمت منه صوابا. (3) في نسخة وفى العيون: وما لاوزن له. وفى اخرى: ومالا لون له. (4) في نسخة: وتعلمها. (5) في العيون: قديم لم يتغير عزوجل بخلق الخلق. (6) ولعله (عليه السلام) أراد لوازم الاسماء والصفات لا نفسها. نعم يمكن ان يقال: إن اتصافه ببعض الصفات كالخالقية والرازقية وغيرهما من صفات الافعال يحصل عند حصول الفعل منه تعالى.

[ 313 ]

هو ساكت لا ينطق، ولايقال: إن السراج ليضئ فيما يريد أن يفعل بنا ؟ لان الضوء من السراج ليس بفعل منه ولاكون، وإنما هو ليس شئ غيره فلما استضاء لنا قلنا: قد أضاء لنا حتى استضأنا به، فهذا تستبصر أمرك. قال عمران: يا سيدي فإن الذي كان عندي أن الكائن قد تغير في فعله عن حاله بخلقه الخلق، قال الرضا (عليه السلام): أحلت يا عمران في قولك: إن الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره، يا عمران هل تجد النار يتغيرها تغير نفسها ؟ أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها ؟ أو هل رأيت بصيرا قط رأى بصره ؟ (1) قال عمران: لم أر هذا، ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه ؟ قال الرضا (عليه السلام): جل يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن ذلك، وساعلمك ما تعرفه به ولا قوة إلا بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك ؟ فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شئ استدللت بها على نفسك ؟ قال عمران بضوء بيني وبينها، قال الرضا (عليه السلام): هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما تراه في عينك ؟ قال: نعم، قال الرضا (عليه السلام) فأرناه، فلم يحر جوابا، قال (عليه السلام): فلا أرى النور إلا وقد دلك ودل المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا، ولله المثل الاعلى. ثم التفت إلى المأمون فقال: الصلاة قد حضرت، فقال عمران: يا سيدي لا تقلع علي مسألتي فقدرق قلبي، قال الرضا (عليه السلام): نصلي ونعود، فنهض ونهض المأمون فصلى الرضا (عليه السلام) داخلا، وصلى الناس خارجا خلف محمد بن جعفر، ثم خرجا فعاد الرضا (عليه السلام) إلى مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران، قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عزوجل هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف ؟ قال الرضا (عليه السلام): إن الله المبدئ الواحد الكائن الاول لم يزل واحدا لا شئ معه، فردا لا ثاني معه، لا معلوما ولا الواحد الكائن الاول لم يزل واحدا لا شئ معه، فردا لا ثاني معه، لا معلوما ولا مجهولا، ولا محكما ولا متشابها، ولا مذكورا ولا منسيا، ولا شيئا يقع عليه اسم شئ من الاشياء غيره، ولامن وقت كان، ولا إلى وقت يكون، ولا بشئ قام، ولا إلى شئ


(1) في نسخة: أو هل رأيت بصراقط رأى بصره ؟.

[ 314 ]

يقوم، ولا إلى شئ استند، ولا في شئ استكن، وذلك كله قبل الخلق إذ لا شئ غيره، وما أوقعت عليه من الكل (1) فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم، واعلم أن الابداع والمشية والارادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة وكان أول إبداعه وإرادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ، ودليلا على كل مدرك، وفاصلا لكل مشكل، وبتلك الحروف تفريق كل شئ من اسم حق وباطل، أو فعل أو مفعول، أو معنى أوغير معنى، وعليها اجتمعت الامور كلها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى ولا وجود لها لانها مبدعة بالا بداع، والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والارض، والحروف هي المفعول بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله عزوجل، علمها خلقه وهي ثلاثة وثلاثون حرفا، فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على لغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على لغات السريانية والعبرانية، ومنها خمسة أحرف متحرفه في سائر اللغات من العجم لاقاليم اللغات كلها، وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين الحرف (2) من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا، فأما الخمسة المختلفة فحجج لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه، ثم جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عزوجل: (كن فيكون) وكن منه صنع، وما يكون به المصنوع، فالخلق الاول من الله عزوجل الابداع لاوزن له ولا حركة ولا سمع ولالون ولاحس، والخلق الثاني الحروف لاوزن لها ولالون وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ماكان من الانواع كلها محسوسا ملموسا ذاذوق منظور إليه، (3) والله تبارك وتعالى سابق للابداع لانه ليس قبله عز وجل شئ، ولاكان معه شئ، ولابداع سابق للحروف والحروف لاتدل على غير نفسها. قال المأمون: وكيف لاتدل على غير نفسها ؟ قال الرضا (عليه السلام): لان الله تبارك


(1) في هامش التوحيد: وما اوقعت فيه من المثل خ ل. (2) في نسخة وفى العيون: من الثمانية والعشرين حرفا. (3) في نسخة وفى التوحيد: منظورا إليه.

[ 315 ]

وتعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدأ، فإذا الف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير معنى، ولم يك إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا. قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك ؟ قال الرضا (عليه السلام): أما المعرفة فوجه ذلك وبيانه (1) أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها ذكرتها فردا فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها، داعية إلى الموصوف بها، أفهمته ؟ قال: نعم، قال الرضا (عليه السلام): واعلم أنه لا تكون صفة لغير موصوف، ولا اسم لغير معنى، ولاحد لغير محدود، والصفات والاسماء كلها تدل على الكمال والوجود، ولا تدل علي الاحاطة، كما تدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس، لان الله عزوجل تدرك معرفته بالصفات والاسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلة و الكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحل بالله جل وتقدس شئ من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا، ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته، ويدرك بأسمائه، ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع اذن ولالمس كف ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لاتدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لاسمائه وصفاته دون معناه، فلولا أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحد (2) غير الله، لان صفاته وأسماءه غيره، أفهمت ؟ قال: نعم يا سيدي زدني. قال الرضا (عليه السلام): إياك وقول الجهال أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب، (3) وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء، ولو كان في الوجود لله عزوجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا، ولكن القوم تاهوا وعموا وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون، وذلك


(1) في نسخة وفى التوحيد: فوجه ذلك وبابه. (2) في التوحيد: لكان المعبود الموجود (الموحد خ). (3) في نسخة: ان الله جل وتقدس موجود في الاخرة للحساب في الثواب والعقاب.

[ 316 ]

قوله عزوجل: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) يعني أعمى عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذو والالباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما ههنا، من أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا، لان الله عزوجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون. قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الابداع أخلق هو أم غير خلق ؟ قال له الرضا (عليه السلام): بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون، وإنما صار خلقا لانه شئ محدث، والله الذي أحدثه فصار خلقا له وإنما هو الله عزوجل وخلقه لا ثالث بينهما، ولا ثالث غيرهما، فما خلق الله عزوجل لم يعد أن يكون خلقه، وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها، وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عزوجل، واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس، وكل حاسة تدل على ما جعل الله عزوجل لها في إدراكها، والفهم من القلب بجميع ذلك كله. واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير، وكان الذي خلق خلقين اثنين: التقدير والمقدر، وليس في واحد منهما لون ولا وزن ولاذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر، وجعلهما مدركين بنفسهما، ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده، فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولايكنه، والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله ومشيته، وانما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة انفسهم فازدادوا من الحق بعدا، ولو وصفوا الله عزوجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا، فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتبكوا فيه (1) والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. قال عمران: يا سيدي اشهد انه كما وصفت، ولكن بقيت لى مسالة، قال:


(1) أي وقعوا فيه ولم يكد يتخلصوا منه. وفى نسخه: ارتكبوا فيه.

[ 317 ]

سل عما اردت، قال: اسالك عن الحكيم في اي شئ هو ؟ وهل يحيط به شئ ؟ وهل يتحول من شئ الى شئ، أو به حاجة الى شئ ؟ قال الرضا (عليه السلام): اخبرك يا عمران فاعقل ما سالت عنه فانه من اغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم، وليس يفهمهه المتفاوت عقله العازب حلمه، (1) ولا يعجز عن فهمه اولو العقل المنصفون، اما اول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل ان يقول: يتحول الى ما خلق لحاجته الى ذلك، ولكنه عزوجل لم يخلق شيئا لحاجة، ولم يزل ثابتا لا في شئ ولا على شئ الا ان الخلق يمسك بعضه بعضا، ويدخل بعضه في بعض، ويخرج منه، والله جل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله، وليس يدخل في شئ ولا يخرج منه، ولا يؤوده حفظه، ولا يعجز عن امساكه، ولا يعرف احد من الخلق كيف ذلك الا الله عزوجل، ومن اطلعه عليه من رسله، واهل سره والمستحفظين لامره، وخزانه القائمين بشريعته، وانما امره كلمح بالبصر أو هو اقرب، إذا شاء شيئا فانما يقول له: كن فيكون بمشيته وارادته، وليس شئ من خلقه اقرب إليه من شئ، ولا شئ ابعد منه من شئ افهمت يا عمران ؟ قال: نعم يا سيدي قد فهمت، واشهد ان الله على ما وصفته و وحدته، وان محمدا عبده المبعوث بالهدى ودين الحق. ثم خر ساجدا نحو القبلة واسلم. قال الحسن بن محمد النوفلي فلما نظر المتكلمون الى كلام عمران الصابئ وكان جدلا لم يقطعه عن حجته احد قط لم يدن من الرضا (عليه السلام) احد منهم، ولم يسالوه عن شئ، وامسينا، فنهض المأمون والرضا (عليه السلام) فدخلا وانصرف الناس، وكنت مع جماعة من اصحابنا إذ بعث الى محمد بن جعفر فاتيته فقال لى: يا نوفلي اما رايت ما جاء به صديقك، لا والله ما ظننت ان على بن موسى (عليهما السلام) خاض في شئ من هذا قط و لاعرفناه به، انه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إليه أو يجتمع إليه اصحاب الكلام ؟ قلت قد كان الحاج ياتونه فيسألونه عن اشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم، وربما كلم من ياتيه يحاجه.


في المصدر: العازب علمه.

[ 318 ]

فقال محمد بن جعفر: يا ابا محمد انى اخاف عليه ان يحسده هذا الرجل فيسمه أو يفعل به بلية فاشر عليه بالامساك عن هذه الاشياء، قلت إذا لا يقبل مني، وما اراد الرجل الا امتحانه ليعلم هل عنده شئ من علوم آبائه (عليهم السلام)، فقال لي: قل له: ان عمك قد كره هذا الباب واحب ان تمسك عن هذه الاشياء لخصال شتى. فلما انقلبت الى منزل الرضا (عليه السلام) اخبرته بما كان من عمه محمد بن جعفر فتبسم ثم قال: فلا باس، قربوا إليه دابة، فصرت الى عمران فاتيته به فرحب به ودعا بكسوة فخلعها عليه و ودعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها، فقلت: جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: هكذا يجب. (1) ثم دعا (عليه السلام) بالعشاء فاجلسني عن يمينه، واجلس عمران عن يساره حتى إذا فرغنا قال لعمران: انصرف مصاحبا، وبكر علينا نطعمك طعام المدينة. فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من اصحاب المقالات فيبطل امرهم حتى اجتنبوه، ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم، واعطاه الفضل مالا وحمله، وولاه الرضا (عليه السلام) صدقات بلخ فاصاب الرغائب. (2) ج: مرسلا مثله الا انه اسقط بعض المطالب الغامضة. (3) بيان: قال الفيروز آبادي: الهرابذة قومة بيت النار للهند، أو عظماء الهند، أو علماؤهم، أو خدم نار المجوس، الواحد كزبرج. وقال: نسطاس بالكسر علم، وبالرومية: العالم بالطب. قوله (عليه السلام): (ورقة العراقي غير غليظة) لعل المراد بالرقة سرعة الفهم، اي هو قليل الفهم أو كثيره، اي كثيره اي ليس في دقة فمه غلظة، بل هو في غاية الدقة، ويمكن ان يقرا (رقة) بتخفيف القاف كعدة وهي الارض التي يصيبها المطر في القيظ فتنبت فتكون خضراء


في المصدر: هكذا نجت. (2) التوحيد: ص 428 – 457. عيون الاخبار: ص 87 – 100. (3) الاحتجاج: ص 226 – 233.

[ 319 ]

فتكون في الكلام استعارة، اي ليس فيما ينبت في ساحة ضميره من المعاني غلظة، وفي بعض النسخ: رية العراقي، وهذا مثل مشهور بين العرب والعجم يعبر به عن الجبن، ولعله اظهر وان اتفقت اكثر نسخ الكتب الثلاثة على الاول. وقال الجوهري: المنزل غاص بالقوم اي ممتلئ بهم. قوله (شديدا) اي اؤمن ايمانا شديدا، وفي بعض النسخ بالسين المهملة على فعيل، أو يكون (سد) امرا من ساديسود، و (يدا) تمييزا، أو يكون اصله (اسديدا) اي انعم علينا، وعلى المعجمة ايضا يحتمل ان يكون شد بالتشديد امرا، ويدا مفعولا، لكنه بعيد. قوله (عليه السلام): (على الخبير سقطت) منهم من قرأ على الجبير بالجيم، أي وقعت من السطح على من يقدر جبر كسرك، والاشهر بالخاء المعجمة. قوله: (وما ننقم) بكسر القاف اي ما نعيب. قوله (عليه السلام): (اتجد هؤلاء في شباب بني اسرائيل) اي هؤلاء الذين احياهم حزقيل كانوا من تلك الشباب، ويحتمل ان يكون اسم الاشارة راجعا الى حزقيل واليسع، وما ذكره (عليه السلام) اخيرا من قوله: (ان قوما من بني اسرائيل هربوا) هي قصة احياء حزقيل كما سيأتي في باب احواله في اخبار كثيرة ان الذي احياهم كان حزقيل، وان كان ظاهر الخبر انه غيره. قوله (عليه السلام): (يترجح لقراءته) اي يتحرك ويميل يمينا وشمالا من كثرة التعجب قال الفيروز آبادي: ترجحت به الا رجوحة: مالت. وترجح: تذبذب. وفي بعض النسخ بالجيمين أي يضطرب. والغض: الطري. قوله (عليه السلام) (فيما تقول انت واصحابك في التوراة) اي في الاسفار الملحقة بالتوراة، والا فشعيا مؤخر عن موسى (عليه السلام)، ولذا قال: فيما تقول انت واصحابك اي تدعون انها حق وملحقة بالتوراة. قوله: (عليه السلام (يحمل خيله في البحر) اشارة الى اجراء النبي (صلى الله عليه وآله) واصحابه خيلهم على الماء كما مر في خبر معجزاته (صلى الله عليه وآله) وسيأتي. (1)


(1) أو هو كناية عن تسلط امته على البحر كما يتسلطون على البر، أي امته يملكون البحر والبر و يتسلطون عليهما، وهذا اظهر، وليس في الخبر ذكر عن حمله (صلى الله عليه وآله) الخيل عليه البحر بل فيه: وامته يحمل خيله في البحر.

[ 320 ]

قوله (عليه السلام): (ان عيسى لم يخالف السنة) لعل المعنى ان ظاهر قوله: (مقيم السنة) انه ياتي بسنة جديدة، وعيسى لم ينسخ شرعه التوراة، بل احل لهم بعض الذي حرم عليهم. قوله (عليه السلام): (لافي شئ اقامه) اي في مادة قديمة كما زعمته الفلاسفة. قوله: (ومثله له) اي مثل اولا ذلك الشئ للشئ الكائن، ثم خلق الكائن على حذوه كما هو شان المخلوقين، ويحتمل ان يكون ضمير (له) راجعا الى الصانع تعالى. قوله (عليه السلام): (والحاجة يا عمران لا يسعها) اي لا يسع الخلق الحاجة ولا يدفعها، لان كل من خلق لو كان على وجه الاحتياج لكان يحتاج لحفظه وتربيته ورزقه و دفع الشرور عنه الى اضعافه من الخلق وهكذا. قوله: (هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه) اقول: هذا الكلام وجوابه في غاية الاغلاق وقد خطر بالبال في حله وجوه لا يخلو كل منها من شئ: الاول: ان يكون المراد بالكائن الصانع تعالى، والمعنى ان الصانع تعالى هل كان معلوما في نفسه عند نفسه قبل وجوده ؟ فأجاب (عليه السلام) بان المعلمة قبل الشئ انما يكون لشئ يوجده غيره فيصوره في نفسه حتى يدفع عنه ما ينافي وجوده وكماله ثم يوجده على ما تصوره والواجب الوجود بذاته ذاته مقتض لوجوده، ولا مانع لوجوده حتى يحتاج الى ذلك، فلذلك هو ازلي غير معلول. الثاني: ان يكون المراد بالكائن الصانع ايضا، ويكون المعنى: هل هو معلوم عند نفسه بصورة حاصلة في ذاته ؟ ولذا قال: في نفسه، فأجاب (عليه السلام) بان الصورة الحاصلة انما تكون لشئ يشترك مع غيره في شئ من الذاتيات، ويخالفه في غيرها فيحتاج الى الصورة الحاصلة لتعينه وتشخصه وامتيازه عما يشاركه، فأما البسيط المطلق الذي تشخصه من ذاته ولم يشارك غيره في شئ من الذاتيات فلا يحتاج لمعرفة نفسه إلى حصول صورة، بل هو حاضر بذاته عند ذاته، فقوله: (ولم يكن هناك شئ يخالف) أي شئ يخالف في بعض الذاتيان فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشئ عن نفسه بتحديد ما علم من ذاته بجنس وفصل وتشخص.


[ 321 ]

الثالث: أن يكون المراد بالكائن الحادث المعلول، والمراد معلوميته عند الصانع بصورة حاصلة منه فيه، وحاصل الجواب على هذا أن المخلوق إذا أراد صنع شئ يصوره أولا في نفسه لعجزه عن الايتان بكل ما يريد، ولامكان وجود ما يخالفه ويعارضه فيما يريده، فيصوره في نفسه على وجه لا يعارضه شئ في حصول ما أراد منه وينفي الموانع عن نفسه بتحديدما علم منه، وأما الصانع تعالى فهو لا يحتاج إلى ذلك لكمال قدرته، ولعدم تخيل الموانع عن الايجاد ثمة، بل إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون، فليس المراد نفي العلم رأسا، بل نفي العلم على الوجه الذي تخيله السائل بوجه يوافق فهمه، وضمير (منها) راجع إلى الشئ الكائن باعتبار النفس أو إلى النفس، أي علما ناشئا من النفس. الرابع: أن يكون المراد الحادث معلوما لنفسه عند نفسه قبل وجوده، لاكونه معلوما لصانعه، فالجواب أن الشئ بعد وجوده وتشخصه يكون معلوما لنفسه على وجه يمتاز عن غيره، وأما الاعدام ففي مرتبة عدمها لا يكون بينها تمييز حتى يحتاج كل عدم إلى العلم بامتيازه عن غيره، والحاصل أن الامتياز العيني للشئ لا يكون إلا بعد وجوده، لا فتقار وجوده إلى التميز عن غيره مما يخالفه في ذاته وتشخصه، و أما امتيازه في علمه تعالى فليس على نحو الوجود العيني، فلا يستلزم علم كل حادث هناك بنفسه، كما يكون لذوي العقول بعد وجودها. قوله (عليه السلام): (بأي شئ علم ما علم ؟ بضمير أم بغير ذلك ؟) أي بصورة ذهنية حصلت في الذهن أم بغيرها ؟ فأجاب (عليه السلام) بأن العلم لو لم يكن إلا بحصول صورة لشئ فالعلم بالمعلوم لابد أن يكون موقوفا على العلم بالصورة التي هي آلة ملاحظة المعلوم وتحديدها وتصويرها، قال عمران: لابد من ذلك ؟ فقال (عليه السلام): لابد لك أن تعرف تلك الصورة وحقيقتها فبين لنا حقيقتها، فلما عجز عن الجواب ألزم (عليه السلام) عليه الايراد بوجه آخر: وهو أنه على قولك إنه لا بد لكل معلوم أن يعرف بصورة فالصورة أيضا معلوم لابد أن تعرف بصورة اخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية له، و إن قلت: إن الصورة تعرف بنفسها بالعلم الحضوري من غير احتياج إلى صورة اخرى


[ 322 ]

فلم لا يجوز أن يكون علمه تعالى بأصل الاشياء على وجه لا يحتاج إلى صورة وضمير ؟. ثم لما أفسد (عليه السلام) الاصل الذي هو مبني كلام السائل أقام البرهان على امتناع حلول الصور فيه، واتصافه بالضمير، لمنافاته لوحدته الحقيقية، واستلزامه التجزي والتبعض، وكونه متصفا بالصفات الزائدة، وكل ذلك ينافي وجوب الوجود، فليس فيه تعالى عند إيجاد المخلوقين سوى الثأثير من غير عمل وروية وتفكر وتصوير وخطور وتجربة وذهاب الفكر إلى المذاهب، وسائر ما يكون في الناقصين العاجزين من الممكنات. قوله (عليه السلام): (على ستة أنواع) لعل الاول ما يكون ملموسا وموزونا ومنظورا إليه، والثاني: ما لا يكون له تلك الاوصاف كالروح، وإنما عبر عنه بما لاذوق له اكتفاء ببعض صفاته، وفي بعض النسخ: (ومالا لون له (1) وهو الروح) وهو أظهر للمقابلة. والثالث: ما يكون منظورا إليه، ولا يكون ملموسا ولا محسوسا ولا موزونا ولالون له كالهواء أو السماء، فالمراد بكونه منظورا إليه أنه يظهر للنظر بآثاره، أوقديرى ولالون له بذاته، أو يراد به الجن والملك وأشباههما، والظاهر أن قوله: (ولالون) زيد من النساخ. والرابع: التقدير ويدخل فيه الصور والطول والعرض. والخامس: الاعراض القارة المدركة بالحواس، كاللون والضوء، وهو الذي عبر عنه بالا عراض. والسادس: الاعراض الغير القارة كالاعمال والحركات التي تذهب هي وتبقى آثارها. ويمكن تصوير التقسيم بوجوه اخر تركناها لمن تفكر فيه. قوله (عليه السلام): (مشيته واسمه وصفته) يحتمل أن يكون المعنى آثار المشية و الصفات، فإنها قد عرفنا الله بها وهي محدثات، أو المعنى أن كل ما نتعقل من صفاته تعالى وندركه بأذهاننا فهي مخلوقة مصنوعة، والله تعالى غيرها، وقد مر تحقيق ذلك في كتاب التوحيد.


(1) وقد عرفت ان في بعض النسخ ايضا: مالا وزن له (*).

[ 323 ]

قوله (عليه السلام): (وليس لك علي أكثر من توحيدي إياه) أي يمكنني أن ابين لك من ذات الصانع وصفاته إلا ما يرجع إلى توحيده تعالى وتنزيهه عن مشابهة من سواه، أولا يلزمني البيان لك في هذا الوقت إلا توحيده، لترجع عما أنت عليه من الشراك. قوله (عليه السلام): (لا يكون السكوت إ عن نطق قبله) حاصله أن السكوت عدم ملكة، فلا يقال للسراج: إنه ساكت، حيث لا ينطق، إذ ليس من شأنه النطق، وكذلك الله سبحانه لا يوصف بالنطق بالمعنى الذي فهمت وهو مزاولته بلسان وشفة أو بغير ذلك مما يوجب التغير في ذاته، بل كلامه هو إيجاده للاصوات والحروف في الاجسام. ثم لما كان هذا أيضا موهما لنوع تغير في ذاته تعالى بأن يتوهم أن إيجاده بمزاولة الجوارح والآلات والاعمال أزال ذلك التوهم بأن الالفاظ كثيرا ما تطلق في بعض الموارد مقارنا لبعض الاشياء. فيتوهم اشتراط تلك المقارنات في استعمالها وليس كذلك، والخلق والايجاد كذلك، فإنهما يطلقان في المخلوقين غالبا مقارنا لمزاولتهم الاعمال وتحريكهم الجوارح واستعانتهم بالآلات، فيتوهم الجهال أنهما لا يطلقان إلا بذلك، فبين ذلك بالتشبيه بالسراج أيضا، فإنه يقال: إنه يضئ، وليس معنى إضاءته أنه يفعل فعلا يزاول فيه الاعمال والجوارح والآلات، أو أنه يحدث له عند ذلك إرادة وخطور بال كما يكون في ضرب زيد وقتل عمرو، بل ليس إلا استتباع ضوئه لاستضاءتنا، فكذلك الصانع تعالى ليس إيجاده بما يوجب تغييرا في ذاته من حدوث أمر فيه، أو مزاولة عمل أو روية أو تفكر أو استعمال جارحة أو آلة كما يكون في المخلوقين غالبا، وليس الغرض التشبيه الكامل في ذلك حتى يلزم عدم كون إيجاده تعالى على وجه الارادة والاختيار، بل فيما ذكرناه من الوجوه. فقوله (عليه السلام): (ولايقال: إن السراج ليضئ فيما يريد أن يفعل بنا) النفي فيه راجع إلى القيد، أي لا يطلق إضاءة السراج على فعل يريده أن يفعل بنا لان الضوء من السراج ليس بفعل منه، ولا كون وإحداث، وإنما هو السراج حسب، ليس معه إرادة ولافعل ولا مزاولة عمل، فلما استضأنا به وحصل الضوء فينامن قبله نسبنا إليه


[ 324 ]

الاضاءة وقلنا: قد أضاء، فلا يشترط في استعمال تلك الافعال إلا الاستتباع والسببية من غير اشتراط شئ آخر، والاظهر بدل (فلما استضاء لنا) قوله: (فلما استضأنا به) كما لا يخفى. قوله (عليه السلام): (هل تجد النار يغيرها تغير نفسها ؟ حاصله أن الشئ لا يؤثر في نفسه بتغيير وإفناء وتأثير، بل إنما يتأثر من غيره، فالنار لا تتغير إلا بتأثير غيرها فيها، والحرارة لا تحرق نفسها، والبصر لا ينطبع من نفسه، بل من صورة غيره، فالله سبحانه لا يمكن أن يتأثر ويتغير بفعل نفسه، وتأثير غيره تعالى فيه محال، وأما الانسان إذا ضرب عضوا منه على عضو آخر فيتأثر فليس من ذلك، لان أحد العضوين مؤثر والآخر متأثر، أويقال: الانسان أثر في نفسه بتوسط غيره وهو عضو منه، والله سبحانه لا يتأتى فيه ذلك لوحدته الحقيقية وبساطته المطلقة، فلا يعقل تغيره بفعل نفسه بوجه، ثم لما توهم عمران أن الخلق والتأثير لا يكون إلا بكون المؤثر في الاثر أو الاثر في المؤثر أجاب بذكر بعض الشرائط والعلل الناقصة على التنظير، فمثل بالمرآة حيث يشترط انطباع صورة البصر في المرآة وانطباع صورة المرآة في البصر بوجود ضوء قائم بالهواء المتوسط بينهما، فالضوء علة ناقصة لتأثر البصر والمرآة مع عدم حصوله في شئ منهما وعدم حصول شئ منهما فيه، فلم لا يجوز تأثير الصانع في العالم مع عدم حصول العالم فيه ولا حصوله في العالم ؟. قوله: (هل يوحد بحقيقة) بالحاء المهملة المشددة المفتوحة، أي هل يتأتى توحيده مع تعقل كنه حقيقته، أو إنما يوحد مع تعقله بوجه من وجوهه وبوصف من أوصافه ؟ وفي بعض النسخ (يوجد) بالجيم من الوجدان، أي يعرف، وهو أظهر، فأجاب (عليه السلام) بأنه إنما يعرف بالوجوه التي هي محدثة في أذهاننا، وهي مغايرة لحقيقته تعالى، وما ذكره أولا لبيان أنه قديم أزلي والقديم يخالف المحدثات في الحقيقة، وكل شئ غيره فهو حادث. قوله (عليه السلام): (لا معلوما) تفصيل للثاني، أي ليس معه غيره لا معلوم ولا مجهول والمراد بالمحكم ما يعرف حقيقته، وبالمتشابه ضده، ويحتمل أن يكون إشارة إلى


[ 325 ]

نفي قول من قال بقدم القرآن، فإن المحكم والمتشابه يطلقان على آياته، وهذا الخبر أيضا يدل على أن إرادته تعالى من صفات الفعل وهي عين الابداع وهي محدثة، وقد مر الاخبار في ذلك وشرحها في كتاب التوحيد، ويدل على أن أول مبدعاته تعالى الحروف. قوله (عليه السلام): (ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى) أي إنما خلق الحروف المفردة التي ليس لها موضوع غير أنفسها، ولم يجعل لها وضعا ولا معنى ينتهي إليه و يوجد ويعرف بذلك الحرف، ويحتمل أن يكون المراد بالمعنى الصفة، أي أول ما خلقها كان غير موصوف بمعنى وصفة ينتهي إليها ويوجد، لانها كانت مبدعة بمحض الابداع ولم يكن هناك شئ غير الابداع والحروف حتى يكون معنى للحروف أو صفة لها، والمراد بالنور الوجود إذبه يظهر الاشياء كما تظهر الموجودات للحس بالنور، فالابداع هو الايجاد، وبالايجاد تصير الاشياء موجودة، فالابداع هو التأثير، والحروف هي الاثر موجودة بالتأثير، وبعبارة اخرى: الحروف محل التأثير يعبر عنه بالمفعول والفعل، والاثر هو الوجود. قوله (عليه السلام): (وأما الخمسة المختلفة فبحجج) كذا في النسخ، أي إنما حدثت تلك الحروف بحجج، جمع الحجة، أي أسباب وعلل من انحراف لهجات الخلق و اختلاف منطقهم لا ينبغي ذكرها، والاظهر أنه (عليه السلام) كان ذكر تلك الحروف فاشتبه على الرواة وصحفوها، فالخمسة: الكاف الفارسية في قولهم: (بگو) بمعنى تكلم، والجيم الفارسية المنقوطة بثلاث نقاط كما في قولهم: (چه ميگوئي) والزاي الفارسية المنقوطة بثلاث نقاط كما يقولون: (ژاله) والباء المنقوطة بثلاث نقاط كما في (پياله و پياده) والتاء الهندية. ثم ركب الحروف وأوجد بها الاشياء وجعلها فعلا منه، كما قال: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) فكن صنع وإيجاد للاشياء، وما يوجد به هو المصنوع، فأول صادر عنه تعالى هو الايجاد وهو معنى لاوزن له ولا حركة، وليس بمسموع ولاملون ولا محسوس، والخلق الثاني يعني الحرف غير موزون ولا ملون، لكنها مسموعة موصوفة ولا يمكن إبصارها، والخلق الثالث وهو


[ 326 ]

ما وجد بهذه الحروف من السماوات والارضين وغيرهما فهي محسوسة ملموسة مذوقة مبصرة، فالله مقدم بوجوده على الابداع الذي هو خلقه الاول، لانه ليس شئ قبله حتى يسبقه أيضا إبداع، ولا كان شئ دائما معه، والابداع متقدم على الحروف لوجودها به، ومعنى كون الحروف غير دالة على معنى غير نفسها هو أن الحروف المفردة إنما وضعت للتركيب، وليس لها معني تدل عليه إلا بعد التركيب، وظاهر كلامه (عليه السلام) أن كل معنى يدل عليه الكلمات ويوضع بإزائها الالفاظ إنما هي محدثة، وأما الاسماء الدالة على الرب تعالى فإنما وضعت لمعان محدثة ذهنية، وهي تدل عليه تعالى، ولم توضع أولا لكنه حقيقته المقدسة، ولا لكنه صفاته الحقيقية، لانها إنما وضعت لمعرفة الخلق ودعائهم، ولا يمكنهم الوصول إلى كنه الذات والصفات، ولذا قال: (لم يك إلا لمعنى لم يكن قبل ذلك شيئا) وإن أمكن أن يكون المراد بها غير أسمائه تعالى. قوله (عليه السلام): (والصفات والاسماء كلها تدل على الكمال والوجود) أي صفات الله وأسماؤه كلها دالة على وجوده وكماله، لاعلى ما يشتمل على النقص كالاحاطة وقوله: (كما تدل) بيان للمنفي، أي كأن يدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس، ويحتمل أن يكون المعنى: لان الاحاطة تدل على أن المحاط مشتمل على الحدود. قوله (عليه السلام): (بمعرفتهم أنفسهم) أي على نحو ما يعرفون أنفسهم، أو بسبب معرفة أنفسهم. قوله (عليه السلام): (بالضرورة التي ذكرنا) أي لانه ضروري أنه لا يحد بالحدود ولا يوصف بها، أو المعنى أنه تعالى لا يعرف بالتحديد لانه لا يحل فيه الحدود، وقد ذكرنا أنه ضروري أنه لاحد لغير محدود، فلو عرف بالحدود يلزم كونه محدودا بها، ولعل غرضه تنزيهه تعالى عن صفات تلك المعرفات بأن الحروف وإن دلت عليه لكن ليس فيه صفاتها، والمعاني الذهنية وإن دلتنا عليه لكن ليس فيه حدودها ولوازمها. ثم استدل (عليه السلام) بأنه لابد أن ينتقل الناس من تلك الاسماء والصفات التي


[ 327 ]

يدركونها إلى ذاته تعالى بوجه وإلا يلزم أن يكون الخلق عابدين للاسماء والصفات لالله تعالى، لان صفاته وأسماءه المدركة غيره تعالى، فهذه الصفات المدركة وإن كانت مخالفة بالحقيقة له تعالى لكنها آلة لملاحظته ووسيلة للانتقال إليه وتوجه العبادة نحوه. والمعلمة: محل العلم والادراك من القوى والمشاعر، ويمكن أن يقرأ على صيغة اسم الفاعل. قوله: (لمعناه) الضمير راجع إلى الخلق، أي لقصد الخلق إليه، أو إلى الله فيكون بدلا من الضمير، والاظهر: (لا تدرك معناه). قوله: (إن الله جل وتقدس موجود في الآخرة) مأخوذ من الوجدان، أي يعرفونه ويجدونه بالبصر، واستدل (عليه السلام) على ذلك بأنه لو كان إدراكه بالبصر نقصا له كما هو الواقع لم يدرك في الآخرة أيضا به، ولو كان كمالا له لكان مبصرا في الدنيا أيضا. قوله: (عن الحقائق الموجودة) أي المدركة. قوله: (على ما هناك) أي ما عند الله تعالى من صفاته إلا بما ههنا أي لا يمكن الاستبداد في معرفته تعالى بالعقل، بل لابد من الرجوع في ذلك إلى ما أوحى إلى أنبيائه (عليهم السلام)، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: (هناك) الآخرة، وبقوله: (ههنا) الدنيا، أي إنما يقاس أحوال الآخرة بالدنيا، فكيف يجوز رؤيته تعالى في الآخرة مع استحالته في الدنيا، والاول أظهر كما يدل عليه ما بعده. قوله (عليه السلام): (بل خلق ساكن) أي نسبة وإضافة بين العلة والمعلول، فكأنه ساكن فيهما، أو عرض قائم بمحل لا يمكنه مفارقته. وقوله: (لا يدرك بالسكون) أي أمر اعتباري إضافي ينتزعه العقل ولا يشار إليه في الخارج، وإنما قلنا: إنه خلق لان هذه النسبة والتأثير غيره تعالى، وهو محدث، وكل محدث معلول، فلا تتوهم أنه خلق يحتاج إلى تأثير آخر، وهكذا حتى يتسلسل، بل ليس في الحقيقة إلا الرب ومخلوقه الذي أوجده، والايجاد معنى صار سببا لوجود المعلول بتأثيره تعالى، فكل شئ خلقه الله لم يعد ولم يتجاوز أن يصدق عليه أن الله خلقه، فهذا هو معنى الابداع لاغير، وهذا المعنى يقع عليه حد، وكل ما يقع عليه حد فهو خلق الله.


[ 328 ]

قوله (عليه السلام): (وكان الذي خلق خلقين اثنين) لعله إشارة إلى الخلق الاول وهي الحروف، ففي خلق الحروف يخلق شيئان: حرف وتحديد وتقدير قائم به، (1) وليس شئ من الحرف والعرض القائم به ذالون ووزن وذوق (وجعل أحدهما يدرك بالآخر) أي الحرف يعرف بالحدود القائمة به، فيعرف بأنه شئ محدود، أو المعنى أنه لو لم يكن محدودا لم يكن مدركا بالحواس، وجعل الحرف وحده كليهما مدركين بنفسهما لا بآثارهما، فإن الامور المحسوسة إنما تدرك بأنفسها لا بآثارها (ولم يخلق شيئا فردا) عن الحدود والتقديرات (قائما بنفسه دون غيره) أي من غير أن يخلق معه غيره كالحدود لانه أراد أن يكون حروفا وأصواتا دالة على نفسه وإثبات وجوده، وما يكون دالا على المعاني هاديا للناس إلى المعرفة لا يكون إلا محسوسا، وكل محسوس يكون محدودا، والمعنى أنه أراد أن يكون محدودا ليدل بكونه على هذه الحالة على إمكانه وافتقاره إلى الصانع، فيكون بوجوده بنفسه دالا على الصانع لا باعتبار مدلوله. قوله (عليه السلام): (ولا يكنه) أي لا يستره. وقال الجوهري: ارتبك الرجل في الامر أي نشب فيه ولم يكد يتخلص منه. قوله: (المتفاوت عقله) أي المتباعد عنه عقله، من التفاوت بمعنى التباعد أو بمعنى الاختلاف، أي لا يثبت عقله على أمر ثابت، بل يكون دائما في الشك والتردد. أقول: هذا الخبر من متشابهات الاخبار التي لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم، ولا يلزمنا فيها سوى التسليم، وإنما ذكرنا فيها ما ذكرنا فيها ما ذكرنا على سبيل الاحتمال على قدر ما يصل إليه فهمي الناقص، مع أن في تلك الاخبار الطويلة المشتملة على المعاني المعضلة كثيرا ما يقع التحريف والاسقاط من الرواة. والله يعلم وحججه صلوات الله عليهم حقائق كلامهم.


(1) ويحتمل أن يكون المراد بالتقدير الابداع أيضا، والمحدث انما يدرك ويظهر بالابداع، وفى كل خلق يحدث شيئان: مبدع وابداع متعلق به، لكن في تطبيق ما بعده عليه يحتاج إلى نوع عناية تظهر بالتأمل الصادق. منه قدس الله سره.

[ 329 ]

2 – يد، ن: بالاسناد المتقدم عن الحسن بن محمد النوفلي قال: قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله، ثم قال له: إن ابن عمي علي بن موسى قدم علي من الحجاز وهو يحب الكلام وأصحابه، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته ؟ فقال سليمان: يا أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند القوم إذا كلمني ولا يجوز الاستقصاء عليه، قال المأمون: إنما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك، وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط، فقال سليمان: حسبك يا أمير المؤمنين، اجمع بيني وبينه وخلني والذم، (1) فوجه المأمون إلى الرضا (عليه السلام) فقال: إنه قد قدم علينا رجل من أهل مرو وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام، (2) فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت، فنهض (عليه السلام) للوضوء وقال لنا: تقدموني، وعمران الصابئ معنا فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر وخالد بيدي فأدخلاني على المأمون، فلما سلمت قال: أين أخي أبو الحسن أبقاه الله ؟ قلت: خلفته يلبس ثيابه، وأمرنا أن نتقدم، ثم قلت: يا أمير المؤمنين إن عمران مولاك معي وهو بالباب، فقال: من عمران ؟ قلت: الصابئ الذي أسلم على يديك، قال: فليدخل فدخل فرحب به المأمون، ثم قال له: يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم، قال: الحمدلله الذي شرفني بكم يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون: يا عمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان، قال عمران: يا أمير المؤمنين إنه يزعم أنه واحد خراسان في النظر وينكر البداء ! قال: فلم لا تناظره ؟ قال عمران: ذاك إليه، فدخل الرضا (عليه السلام) فقال: في أي شئ كنتم ؟ قال عمران: يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي، فقال سليمان: أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه ؟ قال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها على نظرائي من أهل النظر، قال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه ؟ قال: وما أنكرت من البداء يا سليمان ؟ والله عزوجل يقول: (أولم ير الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا)


(1) في التوحيد: وخلنى واياه وألزم. وفى العيون: وخلنى اياه والذم. (2) في نسخة وفي العيون: من أهل الكلام.

[ 330 ]

ويقول عزوجل: (وهو الذي يبدء الخلق ثم يعيده) ويقول: (بديع السموات والارض) ويقول عزوجل (يزيد في الخلق ما يشاء) ويقول: (وبدأ خلق الانسان من طين) ويقول عزوجل: (وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) ويقول عزوجل: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب). قال سليمان: هل رويت فيه عن آبائك شيئا ؟ قال: نعم رويت عن أبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:: إن لله عزوجل علمين: علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو، من ذلك يكون البداء، وعلما علمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه، قال سليمان: احب أن تنزعه لي من كتاب الله عزوجل، قال: قول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله): (فتول عنهم فما أنت بملوم) أراد هلاكهم ثم بدالله تعالى فقال: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) قال سليمان: زدني جعلت فداك، قال الرضا (عليه السلام) لقد أخبرني أبي، عن آبائه (عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله عزوجل أوحى إلى نبي من أنبيائه: أن أخبر فلان الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا، فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير وقال: يا رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي أمري، فأوحى الله عزوجل إلى ذلك النبي: أن ائت فلان الملك فأعلمه أني قد أنسيت أجله، (1) وزدت في عمره خمس عشرة سنة، فقال ذلك النبي: يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط، فأوحى الله عزوجل إليه: إنما أنت عبد مأمور، فأبلغه ذلك والله لا يسأل عما يفعل. ثم التفت إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب، قال: أعوذ بالله من ذلك، وما قالت اليهود ؟ قال: قالت اليهود: (يد الله مغلولة) يعنون أن الله تعالى قد فرغ من الامر فليس يحدث شيئا، فقال الله عزوجل: (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) ولقد سمعت قوما سألوا أبي موسى بن جعفر عن البداء فقال: وما ينكر الناس من البداء، وأن يقف الله قوما يرجئهم لامره ؟ قال سليمان: ألا تخبرني عن


(1) هكذا في النسخ، والظاهر أنه مصحف أنسأت. وفى العيون: أنسأت في أجله. يقال: أنسأ الله أجله وفى أجله أي أخره.

[ 331 ]

(إنا أنزلناه في ليلة القدر) في أي شئ انزلت ؟ قال: يا سليمان ليلة القدر يقدر الله عزوجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق، فما قدره في تلك الليلة فهو من المحتوم. قال سليمان: الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني، قال: يا سليمان إن من الامور امورا موقوفة عند الله تبارك وتعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء، يا سليمان إن عليا (عليه السلام) كان يقول: العلم علمان: فعلم علمه الله ملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه، يقدم منه ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء. قال سليمان للمأمون: يا أمير المؤمنين لا انكر بعد يومي هذا البداء ولا اكذب به إن شاء الله. فقال المأمون: يا سليمان سل أبا الحسن عما بدالك وعليك بحسن الاستماع والانصاف، قال سليمان: يا سيدي أسألك ؟ قال الرضا (عليه السلام): سل عما بدالك، قال: ما تقول فيمن جعل الارادة اسما وصفة مثل حي وسميع وبصير وقدير ؟ قال الرضا (عليه السلام): إنما قلتم: حدثت الاشياء واختلفت لانه شاء وأراد، ولم تقولوا: حدثت واختلفت لانه سميع بصير، فهذا دليل على أنها ليست مثل سميع ولا بصير ولا قدير، قال سليمان: فإنه لم يزل مريدا ؟ قال: يا سليمان فإرادته غيره ؟ قال: نعم، قال فقد أثبت (1) معه شيئا غيره لم يزل ! قال سليمان: ما أثبت، قال الرضا (عليه السلام): أهي محدثة ؟ قال سليمان: لا ماهي محدثة، فصاح به المأمون وقال: يا سليمان مثله يعايا (2) أو يكابر ؟ ! عليك بالانصاف، أما ترى من حولك من أهل النظر ؟ ثم قال: كلمه يا أبا الحسن فإنه متكلم خراسان، فأعاد عليه المسألة فقال: هي محدثة يا سليمان، فإن الشئ إذا لم يكن أزليا كان محدثا، وإذا لم يكن محدثا كان أزليا، قال سليمان: إرادته منه كما أن سمعه منه وبصره منه وعلمه منه ؟ قال


(1) في نسخة وفى العيون: قد اثبت. (2) عايا صاحبه: ألقى عليه كلاما لا يهتدى بوجهه.

[ 332 ]

الرضا (عليه السلام): فإرادته نفسه ؟ قال: لا، قال فليس المريد مثل السميع والبصير، قال سليمان: إنما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه، قال الرضا (عليه السلام): ما معنى أراد نفسه ؟ أراد أن يكون شيئا، أو أراد أن يكون حيا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا ؟ قال: نعم، قال الرضا (عليه السلام): أفبإ رادته كان ذلك ؟ قال سليمان: نعم، (1) قال الرضا (عليه السلام): فليس لقولك: أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته، قال سليمان: بلى قد كان ذلك بإرادته، فضحك المأمون ومن حوله، وضحك الرضا (عليه السلام) ثم قال لهم: ارفقوا بمتكلم خراسان، فقال: يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله وتغير عنها، وهذا مالا يوصف الله عزوجل به، فانقطع. ثم قال الرضا (عليه السلام): يا سليمان أسألك مسألة، قال: سل جعلت فدلك، قال: أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون أو بما لا تفقهون و لا تعرفون ؟ قال: بما نفقه ونعلم، (2) قال الرضا (عليه السلام): فالذي يعلم الناس أن المريد غير الارادة وأن المريد قبل الارادة، وأن الفاعل قبل المفعول، وهذا يبطل قولكم: إن الارادة والمريد شئ واحد، قال: جعلت فداك ليس ذاك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون، قال: فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفة، وقلتم: الارادة كالسمع والبصر (3) وإذا كان ذلك عند كم على مالا يعرف ولا يعقل، فلم يحر جوابا. ثم قال الرضا (عليه السلام): يا سليمان هل يعلم الله جميع ما في الجنة والنار ؟ (4)


(1) في التوحيد: قال سليمان: لا. وهو الاظهر. (2) في نسخة: تكلمون الناس بما يفقهون ويعرفون، أو بما لا يفقهون ولا يعرفون. قال: بل بما يفقهون ويعلمون. (3) في نسخة وفى التوحيد: كالسميع والبصير. (4) قال المصنف في هامش الكتاب: لعل هذا السؤال والجواب مبنى على ان الغير المتناهى اللايقفى يستحيل وجود افراده بالفعل وخروجه من القوة إلى الفعل، لا لاستحالة وجود غير المتناهى، بل لان حقيقة اللايقفية تقتضي ذلك، فانه لو خرج جميع افرادها إلى الفعل ولو كانت غير متناهية يقف ما فرضنا انه لا يقف، ويلزم في أجزاء الجسم الجزء الذى لا يتجزى كما لزم على النظام، وفى المراتب العددية ان لا يتصور فوقه عدد آخر وهو خلاف البديهة، بل مفهوم الجميع ومفهوم اللايقف متنافيان كما قرروه في موضعه، وأما نحو علمه سبحانه بها فهو مجهول الكيفية لا يمكن الاحاطة به، فلعله يكون على نحولا يجرى فيه براهين ابطال التسلسل والله يعلم.

[ 333 ]

قال سليمان: نعم، قال: فيكون ما علم الله عزوجل أنه يكون من ذلك ؟ قال: نعم، قال: فإذا كان حتى لا يبقى منه شئ إلا كان أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟ قال سليمان: بل يزبدهم، قال: فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون، قال جعلت فداك فالمزيد لاغاية له، قال: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما أن يكون، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. قال سليمان: إنما قلت: لا يعلمه لانه لا غاية لهذا، لان الله عزوجل وصفهما بالخلود، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا، قال الرضا (عليه السلام): ليس علمه بذلك بموجب لا نقطاعه عنهم، لانه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم، وكذلك قال عزوجل (1) في كتابه (كلما نضجت جلودهم بدلنا هم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب) وقال لاهل الجنة: (عطاء غير مجذوذ) وقال عزوجل: (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة) فهو جل وعز يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة، أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا أليس يخلف مكانه ؟ قال: بلى، قال: أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه ؟ قال سليمان: لا، قال فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم، قال سليمان: بل يقطعه عنهم ولا يزيدهم، قال الرضا (عليه السلام): إذا يبيد ما فيهما، (2) وهذايا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب، لان الله عزوجل يقول: (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) ويقول عزوجل: (عطاء غير مجذوذ) ويقول عزوجل: (وما هم منها بمخرجين) ويقول عزوجل: (خالدين فيها أبدا) ويقول عزوجل: (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة) فلم يحر. جوابا. ثم قال الرضا (عليه السلام): يا سليمان ألا تخبرني عن الارادة فعل هي أم غير فعل ؟ قال: بلى هي فعل، قال: فهي محدثة، لان الفعل كله محدث، قال ليست بفعل، قال: فمعه غيره لم يزل، قال سليمان: الارادة هي الانشاء، قال: يا سليمان هذا الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من قولهم: إن كل ما خلق الله عزوجل


(1) في نسخة: ولذلك قال الله عزوجل. (2) في نسخة: إذا يبيد ما فيها.

[ 334 ]

في سماء أو أرض أو بحر أو بر من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله، وإن إرادة الله تحيا وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلد (1) وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك، فنبرؤ منها ونعاديها، (2) وهذا حدها، قال سليمان: إنما كالسمع والبصر والعلم، قال الرضا (عليه السلام): قد رجعت إلى هذا ثانية، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع ؟ قال سليمان: لا، قال الرضا عليه السلام: فكيف نفيتموه ؟ فمرة قلتم لم يرد، ومره قلتم أراد وليست بمفعول له ؟ قال سليمان: إنما ذلك كقولنا: مرة علم، ومرة لم يعلم، قال الرضا (عليه السلام): ليس ذلك سواء، لان نفي المعلوم ليس بنفي العلم، ونفي المراد نفي الارادة أن تكون، لان الشئ إذا لم يرد لم يكن إرادة، وقد يكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم، بمنزلة البصر فقد يكون الانسان بصيرا وإن لم يكن المبصر، ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم، قال سليمان: إنها مصنوعة، قال: فهي محدثة ليست كالسمع والبصر، لان السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة، قال سليمان: إنها صفة من صفاته لم تزل، قال: فينبغي أن يكون الانسان لم يزل، لان صفته لم تزل، قال سليمان: لا، لانه لم يفعلها، قال الرضا (عليه السلام): يا خراساني ما أكثر غلطك ! أفليس بإرادته وقوله تكون الاشياء ؟ قال سليمان: لا، قال: فإذا لمتكن بإرادته ولا مشيته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يكون ذلك ؟ تعالى الله عن ذلك، فلم يحر جوابا. ثم قال الرضا (عليه السلام): ألا تخبرني عن قول الله عزوجل: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) يعني بذلك أنه يحدث إرادة ؟ قال له: نعم، قال: فإذا أحدث إرادة كان قولك: إن الارادة هي هو أو شئ منه باطلا، لانه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغير عن حاله، تعال يا لله عن ذلك، قال سليمان: إنه لم يكن عنى بذلك أنه يحدث إرادة، قال: فما عنى به ؟ قال: عنى به فعل الشئ، قال الرضا (عليه السلام):


(1) في نسختين: وتلذ. (2) في العيون فيبرؤ منها ويعاديها.

[ 335 ]

ويلك كم تردد هذه المسألة وقد أخبرتك أن الارادة محدثة، لان فعل الشئ محدث ؟ ! قال: فليس لها معنى ! قال الرضا (عليه السلام): قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالارادة بما لا معنى له، فإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم: إن الله لم يزل مريدا، قال سليمان: إنما عنيت أنها فعل من الله لم يزل، قال: ألا تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولا وقديما حديثا في حالة واحدة ؟ فلم يحر جوابا. قال الرضا (عليه السلام): لا بأس أتمم مسألتك، قال سليمان: قلت: إن الارادة صفة من صفاته، قال الرضا (عليه السلام): كم تردد علي أنها صفة من صفاته، فصفته محدثة أولم تزل ؟ قال سليمان: محدثة، قال الرضا (عليه السلام): الله أكبر فالارادة محدثة، وإن كانت صفة من صفاته لم تزل فلم يرد شيئا، (1) قال الرضا (عليه السلام): إن ما لم يزل لا يكون مفعولا، قال سليمان: ليس الاشياء إرادة، ولم يرد شيئا، (2) قال الرضا (عليه السلام): وسوست يا سليمان، فقد فعل وخلق ما لم يزل خلقه وفعله، (3) وهذه صفة من لا يدري ما فعل، تعالى الله عن ذلك. قال سليمان: يا سيدى فقد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم، قال المأمون: ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والترداد ؟ اقطع هذا وخذ في غيره إذ لست تقوي على غير هذا الرد، قال الرضا (عليه السلام): دعه يا أمير المؤمنين لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجة، تكلم يا سليمان، قال: قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم، قال الرضا (عليه السلام): لا بأس، أخبرني عن معنى هذه، أمعنى واحد أو معاني مختلفة ؟ قال سليمان: معنى واحد، (4) قال الرضا (عليه السلام): فمعنى الارادات كلها معنى واحد ؟ قال سليمان: نعم، قال الرضا (عليه السلام): فإن كان معناها معنى واحدا كانت إرادة القيام إرادة القعود، وإرادة الحياة إرادة الموت، إذ كانت إرادته واحدة لم يتقدم بعضها بعضا، ولم يخالف بعضها بعضا، وكان شيئا واحدا، قال سليمان: إن معناها مختلف، قال: فأخبرني عن المريد أهولا الارادة أو غيرها ؟ قال سليمان: بل هو الارادة، قال


(1) سيأتي توضيح هذه الجملة من المصنف. (2) في نسخة: ليس الاشيئا اراده ولم يرد شيئا. (3) في نسخة: فقد فعل وخلق ما لم يرد خلقه. وفى التوحيد: ما لم يرد خلقه ولا فعله. (4) في نسخة وفى التوحيد: بل معنى واحد.

[ 336 ]

الرضا (عليه السلام): فالمريد عندكم مختلف إذ كان هو الارادة، قال: يا سيدي ليس الارادة المريد، قال: فالارادة محدثة وإلا فمعه غيره، افهم وزد في مسألتك، قال سليمان: فإنها اسم من أسمائه، (1) قال الرضا (عليه السلام): هل سمى نفسه بذلك ؟ قال سليمان: لالم يسم نفسه بذلك، قال الرضا (عليه السلام): فليس لك أن تسميه بما لم يسم به نفسه، قال: قد وصف نفسه يأنه مريد، قال الرضا (عليه السلام): ليس صفته نفسه أنه مريد إخبارا عن أنه أراده، ولا إخبارا عن أن الارادة اسم من أسمائه، قال سليمان: لان إرادته علمه، قال الرضا (عليه السلام): يا جاهل فإذا علم الشئ فقد أراده ؟ قال سليمان: أجل، قال: فإذا لم يرده لم يعلمه ؟ قال سليمان: أجل، قال: من أين قلت ذاك ؟ وما الدليل على أن إرادته علمه ؟ وقد يعلم ما لا يريده أبدا، وذلك قوله عزوجل: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) فهو يعلم كيف يذهب به، ولا يذهب به أبدا، قال سليمان: لانه قد فرغ من الامر فليس يزيد فيه شيئا ! (2) قال الرضا (عليه السلام): هذا قول اليهود، فكيف قال: (ادعوني أستجب لكم) ؟ قال سليمان: إنما عنى بذلك أنه قادر عليه، قال: أفيعد مالا يفي به ؟ فكيف قال: (يزيد في الخلق ما يشاء) ؟ وقال عزوجل: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) وقد فرغ من الامر ؟ فلم يحر جوابا. قال الرضا (عليه السلام): يا سليمان هل يعلم أن إنسانا يكون ولا يريد أن يخلق إنسانا أبدا ؟ أو أن إنسانا يموت (3) ولا يريد أن يموت اليوم ؟ قال سليمان: نعم، قال الرضا (عليه السلام): فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون، أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون ؟ قال: يعلم أنهما يكونان جميعا، قال الرضا (عليه السلام): إذا يعلم أن إنسانا حي ميت قائم قاعد أعمى بصير في حالة واحدة، وهذا هو المحال، قال: جعلت فداك فإنه يعلم أن يكون أحدهما دون الآخر، قال: لا بأس، فأيهما يكون ؟ الذي أراد أن يكون ؟ أو الذي لم يرد أن يكون ؟ قال سليمان: الذي أراد أن يكون، فضحك الرضا (عليه السلام) والمأمون وأصحاب المقالات، قال الرضا (عليه السلام): غلطت وتركت قولك:


(1) في العيون: بل هي (فانها خ) اسم من أسمائه. (2) في التوحيد: فليس يريد منه شيئا. (3) في التوحيد: يموت اليوم. وفى نسخة: أو أن انسانا يموت اليوم.

[ 337 ]

إنه يعلم أن إنسانا يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم، وإنه يخلق خلقا وأنه لا يريد أن يخلقهم، وإذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد أن يكون فإنما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون. قال سليمان: فإنما قولي: إن الارادة ليست هو ولا غيره، قال الرضا (عليه السلام): يا جاهل إذا قلت: ليست هو فقد جعلتها غيره، فإذا قلت: ليست هي غيره فقد جعلتها هو، قال سليمان: فهو يعلم كيف يصنع الشئ ؟ (1) قال: نعم، قال سليمان: فإن ذلك إثبات للشئ، قال الرضا (عليه السلام): أحلت، لان الرجل قد يحسن البناء وإن لم يبن، ويحسن الخياطة وإن لم يخط، ويحسن صنعة الشئ وإن لم يصنعه أبدا، ثم قال له: يا سليمان هل يعلم أنه واحد لا شئ معه ؟ قال: نعم، قال: أفيكون ذلك إثباتا للشئ، قال سليمان: ليس يعلم أنه واحد لا شئ معه، قال الرضا (عليه السلام): أفتعلم أنت ذاك ؟ قال: نعم، قال: فأنت يا سليمان أعلم منه إذا، قال سليمان: المسألة محال، قال: محال عندك أنه واحد لا شئ معه، وأنه سميع بصير حكيم قادر ؟ قال: نعم، فال: فكيف أخبر عزوجل أنه واحد حي سميع بصير حكيم قادر عليم خبير وهو لا يعلم ذلك ؟ وهذا رد ما قال وتكذيبه (2) تعالى الله عن ذلك، ثم قال له الرضا (عليه السلام): فكيف يريد صنع ما لا يدري صنعه ولا ما هو ؟ وإذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشئ قبل أن يصنعه فإنما هو متحير، تعالى الله عن ذلك. قال سليمان: فإن الارادة: القدرة، قال الرضا (عليه السلام): وهو عزوجل يقدر على ما لا يريده أبدا ولا بد من ذلك، لانه قال تبارك وتعالى: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أو حينا إليك) فلو كانت الارادة هي القدرة (3) كان قد أراد أن يذهب به


(1) أراد بذلك ابطال قوله (عليه السلام): (لو كانت الارادة غير محدثة أزلية يلزم ثبوت الشئ معه وتعدد القدماء) فاستشكل بان العلم القديم لو تعلق بشئ فيلزم أن يكون ذلك الشئ قديما مثبتا معه أيضا، فأجاب (عليه السلام) بالفرق بين العلم والارادة، فان العلم لا يستلزم وجود المعلوم بخلاف الارادة فان وجودها تستلزم وجود المراد. (2) أي ما قلته رد لقول الله عزوجل: انه واحد حى سميع اه‍ وتكذيبه. (3) في نسخة: فلو كانت الارادة من القدرة.

[ 338 ]

لقدرته، فانقطع سليمان: قال المأمون عند ذلك: يا سليمان هذا أعلم هاشمي، ثم تفرق القوم. (1) ج: مرسلا مثله إلا أنه أسقط بعض الخبر اختصارا. (2) بيان اعلم أنه لما كان للبداء معان أثبتها (عليه السلام) بمعانيها: الاول: أن يكون المراد به إحداث أمر لم يكن، وإيجاد شئ بعد عدمه، وهذا الذي نسب إلى اليهود نفيه، حيث قالوا: خلق جميع الاشياء في الازل وفرغ من الامر، ولذا قالوا: يد الله مغلولة، وإلى نفيه أشار بقوله: (أولم ير الانسان) وقوله تعالى: (وهو الذي يبدؤ الخلق) وقوله: (بديع السموات والارض) وقوله: (وبدأ خلق الانسان) وقوله: (وآخرون مرجون). الثاني: نسخ الاحكام وإليه أشار بقوله: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين). (3) والثالث: تقدير الاشياء وإثباتها في الالواح السماوية ومحوها وتغييرها بحسب المصالح، وإليه أشار بقوله: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره) وغيرها مما ذكره، و المعروف من البداء هو المعنى الاخير كما مر بيانه في بابه، (4) ويمكن تطبيق بعض الآيات السابقة عليه أيضا بأن يراد بالخلق التقدير لا الايجاد. قوله: (وأن يقف الله قوما يرجئهم لامره) يحتمل أن يكون تفسيرا للبداء لانه أيضا نوح من البداء، حيث لا يظهر أولا في التقدير كونها معذبين أو مرحومين، ثم يظهر للخلق بعد ذلك، ويحتمل أن يكون أمرا آخر كانوا ينكرونه، ذكره (عليه السلام) استطرادا لشباهته بالبداء، وذكر الآية الدالة عليه سابقا يؤيد الاول. (قوله: اسما وصفة مثل حي) أي جعلوها من الصفات الذاتية القديمة، لا من صفات الفعل الحادثة.


(1) التوحيد: ص 457 – 470، عيون الاخبار: ص 100 – 106. (2) الاحتجاج: ص 218 – 220. (3) الظاهر أن الاية من المعنى الثالث لا النسخ. (4) راجع ج 4 ص 92 – 134. فانه قد مضى الكلام فيه هناك مشبعا من المصنف ومنا (*).

[ 339 ]

قوله: (مثله يعايا) أي تتكلم معه على سبيل المباهتة والمغالطة، قال الجوهري: المعاياة أن تأتي بشئ لا يهتدى له. قوله: (فأعاد عليه المسألة) أي أعاد المروزي سؤال الحدوث والقدم عنه (عليه السلام) ويحتمل أن يكون المراد أنه (عليه السلام) أعاد السؤال السابق فأجاب المروزي بمثل جوابه سابقا فرد الامام (عليه السلام) عليه وقال: هي محدثه، ويحتمل أن يكون (فقال) بيانا للاعادة. قوله: (أفبإرادته كان ذلك قال سليمان: نعم) كذا في أكثر نسخ الكتب الثلاثة، وفي بعض نسخ التوحيد: (قال سليمان: لا) وهو الاظهر، وعلى ما في أكثر النسخ يكون حاصل جوابه (عليه السلام) أن ما ذكرت من كون حياته وسمعه وبصره محدثا مسبوقا بالارادة معلوم الانتفاء كما أو ضحه أخيرا وبينه بأنه يوجب التغير في ذاته تعالى وكونه محلا للحوادث. قوله (عليه السلام): (فأراكم ادعيتم علم ذلك) لعل المعنى أنك لما ادعيت أن ذلك على خلاف ما يعقله الناس فلم يحصل لك من ذلك سوى احتمال أن يكون كذلك ولم تقم دليلا على ذلك، ومحض الاحتمال لا يكفي في مقام الاستدلال، أو المعنى أنه إذا كان هذا الامر على خلاف ما يعقله الناس ويفهمونه فلا يمكن التصديق به إذ التصديق فرع تصور الاطراف. قوله: (الارادة هي الانشاء) لعله كان مراده أنها عين المنشأ. ثم اعلم أن ما نسبه المتكلمون إلى ضرار هو كون إرادته تعالى عين ذاته لا عين المخلوقات، ولعله كان قائلا بأحدهما ثم رجع إلى الآخر. قوله: (كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم) لعله أراد أن العلم أيضا يمكن نفيه قبل حصول المعلوم، فأجاب (عليه السلام) ببطلان ذلك، ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى ما في بعض الآيات من قوله: (ليعلم من يتبع الرسول) وأمثاله، فأجاب (عليه السلام) بأنها مأولة بالعلم بعد الحصول وإلا فأصل العلم لا يتوقف على الحصول، ويحتمل أن يكون مراده أنه لا يمكن نفي الارادة كما لا يمكن نفي العلم.


[ 340 ]

قوله: (لان صفته لم تزل) الظاهر (صنعته) بدل (صفته) أي لا يتوقف صنعه و إيجاده إلاعلى إرادته تعالى إيجاده، فإذا كانت الارادة قديمة كان المراد أيضا قديما (1) ولو كان (صفته) فالمراد أيضاما ذكرنا بنوع من التكلف، أي صفة إيجاده بإرجاع الضمير إلى الانسان، أو إلى الله تعالى، فأجاب الخراساني: بأن قدم الارادة لا يستلزم قدم المراد، إذ الايجاد فعل فلعله مع وجود الارادة لم يفعله، فأجاب (عليه السلام): بأن إرادته تعالى لا يتخلف عن الايجاد لقوله تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ثم أجاب أخيرا بأن إيجاده تعالى ليس بمباشرة ومزاولة بل ليس إلا بمحض إرادته، فإذا لم تكن الارادة كافية في الايجاد فعلى أي شئ يتوقف. قوله. (حتى وصفها بالارادة بما لا معنى له) أي كيف يعقل أن يقال: إن الارادة لا معنى لها، والحال أن الله تعالى وصف نفسه بها وذكرها في كتابه، وهل يجوز أن يذكر الله شيئا لا معنى له ؟. قوله (عليه السلام): (فلم يرد شيئا) إذ الارادة الازلية إما أن يتعلق بقديم، فالقديم لا يكون مسبوقا بالارادة كما مر في الاخبار، أو بحادث فيلزم تخلف المراد عن الارادة وهو غير جائز كما مر في هذا الخبر، أو هو بالتشديد من الرد، أي لم يرد الخراساني جوابا، فكلمة (إن) وصلية. قوله: (ليس الاشياء إرادة ولم يرد شيئا) أي ليست الاشياء عين الارادة كما قال ضرار، ولم يتعلق إرادته أيضا بشئ، ويحتمل أن يكون كلمة (إلا) استثناء كما في بعض النسخ، أي ليس إلا شيئا واحدا أراده وهو أصل الخلق من غير تفصيل أو الارادة، فقال (عليه السلام): لقد وسوست على بناء المجهول، أي وسوس إليك الشيطان حتى تكلمت بذلك، أو خبط الشيطان عقلك حيث تتكلم بهذه الخرافات، ثم بين ضعف قوله بأنه على قولك: إنه أراد الارادة القديمة ولم يرد غيرها أن يكون الارادة متعلقة بأمر قديم لم يزل مع الله، وتأثير الشئ فيما يكون معه دائما لا يكون على وجه الارادة والاختيار، بل يكون على وجه الاضطرار كإحراق النار، وفي بعض نسخ التوحيد:


(1) بل المعنى أنه على قولك: (ان الارادة صفة من صفاته لم يزل) ينبغى أن يكون الانسان لم يزل لان صفته وهى الارادة لم تزل. فلا يحتاج إلى تمحل التصحيف.

[ 341 ]

(ما لم يرد خلقه) وهو أظهر، أي يلزم على قولك أن يكون صدور الاشياء عنه تعالى بغير إرادة، وهذه صفة من لا يدري ما فعل. كالنار في إحراقه، تعالى الله عن ذلك. قوله: (وإلا فمعه غيره) أي يلزم تعدد القدماء. (قوله: لان إرادته علمه) أي ما نسب إلى نفسه بلفظ الارادة أراد به العلم، والظاهر أن اللام زيد من النساخ، والسائل رجع عن كلامه السابق لعجزه عن جواب ما يرد عليه إلى كلام آخر. قوله: (فإن ذلك إثبات للشئ) أي في الازل، إنما قال ذلك ظنا منه أن العلم بالشئ يستلزم وجوده. اقول: قدمر شرح بعض أجزاء الخبر في كتاب التوحيد. (1) وقال الصدوق رحمة الله عليه في الكتابين بعد إيراد هذا الخبر: كان المأمون يجلب على الرضا (عليه السلام) من متكلمي الفرق وأهل الاهواء المضلة كل من سمع به حرصا على انقطاع الرضا (عليه السلام) من الحجة مع واحد منهم، وذلك حسدا منه له ولمنزلته من العلم، فكان لا يكلمه أحد إلا أقر له بالفضل والتزم الحجة له عليه، لان الله تعالى ذكره يأبى إلا أن يعلي كلمته ويتم نوره وينصر حجته، وهكذا وعد تبارك وتعالى في كتابه فقال: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحيوة الدنيا) يعني بالذين آمنوا الائمة الهداة (عليهم السلام) وأتباعهم العارفين بهم والآخذين عنهم، ينصرهم بالحجة على مخالفيهم ماداموا في الدنيا، وكذلك يفعل بهم في الآخرة، وإن الله لا يخلف وعده. (2) 3 – ن: الهمداني والمكتب (3) والوراق، عن أبيه، عن علي، عن صفوان بن يحيى صاحب السابري قال: سألني أبو قرة صاحب الجاثليق أن اوصله إلى الرضا (عليه السلام) فاستأذنته في ذلك، فقال: أدخله علي، فلما دخل عليه قبل بساطه وقال: هكذا علينا في ديننا أن نفعل بأشراف أهل زماننا، ثم قال له: أصلحك الله ما تقول في فرقة ادعت دعوى فشهدت لهم فرقة اخرى معدلون ؟ قال: الدعوى لهم، قال: فادعت فرقة اخرى دعوى فلم يجدوا شهودا من غيرهم ؟ قال: لا شئ لهم قال فإنانحن ادعينا أن عيسى روح الله


(1) راجع ج 4 ص 95 و 96. (2) التوحيد: ص 470. عيون الاخبار: ص 106. (3) المكتب: معلم الكتابة. المكتب بضم الميم: من عنده كتب يكتبها الناس.

[ 342 ]

وكلمته، (1) فوافقنا على ذلك المسلمون، وادعى المسلمون أن محمدا نبي فلم نتابعهم عليه، وما أجمعنا عليه خير مما افترقنا فيه، فقال له الرضا (عليه السلام): ما اسمك ؟ قال يوحنا، قال: يا يوحنا إنا آمنا بعيسى روح الله وكلمته الذي كان يؤمن بمحمد ويبشر به ويقر على نفسه أنه عبدمربوب: فإن كان عيسى الذي هو عندك روح الله وكلمته ليس هو الذي آمن بمحمد وبشر به، ولاهو الذي أقر لله بالعبودية والربوبية فنحن منه برآء، فأين اجتمعنا، فقام فقال لصفوان بن يحيى: قم فما كان أغنانا عن هذا المجلس ؟ ! (2) 4 – ن: تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، عن أبيه، عن أحمد بن علي الانصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: (وهو الذي خلق السموات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فقال: إن الله تبارك و تعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والارض، فكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عزوجل، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فتعلم أنه على كل شئ قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع، ثم خلق السماوات والارض في ستة أيام وهو مستول على عرشه، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عزوجل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شئ فتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه، لانه غني عن العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون على العرش لانه ليس بجسم، تعالى عن صفة خلقه علوا كبيرا. (3) وأما قوله عزوجل: (ليبلوكم أيكم احسن عملا) فإنه عزوجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لاعلى سبيل الامتحان والتجربة، لانه لم يزل عليما بكل شئ. فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك، ثم قال له: يا ابن


(1) في المصدر: ان عيسى روح الله وكلمة ألقاها. (2) عيون الاخبار: ص 345. (3) أخرجه إلى هنا ايضا في باب نفى الزمان والمكان عنه تعالى. راجع ج 3 ص 317 و 318.

[ 343 ]

رسول الله فما معنى قول الله جل ثناؤه: (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين * وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) فقال الرضا (عليه السلام): حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد،، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسن بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: إن المسلمين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الاسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا، فقال رسول الله: ماكنت لالقى الله عزوجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا وما أنا من المتكلفين، فأنزل الله عزوجل عليه: يا محمد) ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا) على سبيل الالجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة، (1) ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا ولامدحا، ولكني اريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وأما قوله عزوجل: (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) فليس ذلك على سبيل تحريم الايمان عليها، ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله، وإذنه أمره لها بالايمان ما كانت مكلفة متعبدة، وإلجاؤه إياها إلى الايمان عند زوال التكليف والتعبد عنها، فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرح الله عنك، فأخبرني عن قول الله عزوجل: (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا) فقال: إن غطاء العين لايمنع من الذكر، الذكر لا يرى بالعين، ولكن الله عزوجل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالعميان لانهم كانوا يسثثقلون قول النبي (صلى الله عليه وآله) فيه ولا يستطيعون له سمعا، فقال المأمون: فرجت عني فرج الله عنك. (2) ج: الهروي مثله. (3) 5 – ج عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة المحدث صاحب شبرمة أن


(1) في نسخة: ورؤية البأس وفى الاخرة. (2) عيون اخبار الرضا: ص 77 و 78. (3) الاحتجاج: ص 224 و 225.

[ 344 ]

ادخله إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فاستأذنته فأذن له، فدخل فسأله عن أشياء من الحلال والحرام والفرائض والاحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال له: أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى، فقال: الله أعلم بأي لسان كلمه، بالسريانية أم بالعبرانية فأخذ أبو قرة بلسانه فقال: إنما أسألك عن هذا اللسان، فقال أبو الحسن (عليه السلام): سبحان الله عما تقول، ومعاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلم بمثل ماهم متكلمون، (1) ولكنه تبارك وتعالى ليس كمثله شئ، ولا كمثله قائل فاعل، قال: كيف ذلك ؟ قال: كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق، ولا يلفظ بشق فم ولالسان، ولكن يقول له: كن، فكان بمشيته ما خاطب به موسى من الامر والنهي من غير تردد في نفس. (2) فقال أبو قرة: فما تقول في الكتب ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): التوراة والانجيل والزبور والفرقان وكل كتاب انزل كان كلام الله تعالى، أنزله للعالمين نورا وهدى وهي كلها محدثة وهي غير الله، حيث يقول: (أو يحدث لهم ذكرا) وقال: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) والله أحدث الكتب كلها التي أنزلها، فقال أبو قرة: فهل يفنى ؟ فقال أبو حسن (عليه السلام): أجمع المسلمون على أن ما سوى الله فان وما سوى الله فعل الله، والتوراة والانجيل والزبورو الفرقان فعل الله تعالى، ألم تسمع الناس يقولون: رب القرآن ؟ وإن القرآن يقول يوم القيامة: يا رب هذا فلان – وهو أعرف به – قد أظمأت نهاره، وأسهرت ليله، فشفعني فيه ؟ وكذلك التوراة والانجيل والزبور كلها محدثة مربوبة، أحدثها من ليس كمثله شئ، هدى لقوم يعقلون، فمن زعم أنهن لم يزلن (3) فقد أظهر أن الله ليس بأول قديم ولا واحد، وأن الكلام لم يزل معه وليس له بدؤ وليس بإله، قال أبو قرة: وإنا روينا أن الكتب كلها تجئ يوم القيامة والناس في صعيد واحد، صفوف قيام لرب العالمين، ينظرون حتى ترجع فيه، لانها منه وهي جزء منه فإليه تصير، قال ابو الحسن (عليه السلام): فهكذا قالت النصارى


(1) في المصدر: بمثل ماهم به متكلمون. (2) أخرجه إلى هنا ايضا في باب كلامه تعالى. راجع ج 4 ص 152. (3) في المصدر: فمن ظهر أنهن لم يزلن معه.

[ 345 ]

في المسيح: إنه روحه جزء منه ويرجع فيه، وكذلك قالت المجوس في النار والشمس: إنهما جزء منه يرجع فيه، تعالى ربنا أن يكون متجزئا أو مختلفا، وإنما يختلف و يأتلف المتجزئ لان كل متجزء متوهم والقلة والكثرة مخلوقة دالة على خالق خلقها فقال أبو قرة: (1) فإنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين، فقسم لموسى الكلام، ولمحمد (صلى الله عليه وآله) الرؤية، فقال أبو الحسن (عليه السلام): فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والانس: إنه لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ ؟ أليس محمد ؟ قال: بلى، قال أبو الحسن (عليه السلام): فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول: إنه لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ، ثم يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت به علما، وهو على صورة البشر ؟ أما تستحيون ؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر ! فقال أبو قرة: فإنه يقول: (ولقد رآه نزلة اخرى) فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث يقول: (ما كذب الفؤاد ما رأى) يقول: ما كذب فؤاد محمد (صلى الله عليه وآله) ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأت عيناه فقال: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) فآيات الله غير الله. وقال: (ولا يحيطون به علما) فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة، فقال أبو قرة فتكذب بالرواية ؟ (2) فقال أبو الحسن (عليه السلام): إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها، وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما، ولا تدركه الابصار، وليس كمثله شئ. وسأله عن قول الله: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام) (3) فقال أبو الحسن: قد أخبر الله تعالى أنه أسرى به، ثم أخبر لم أسرى به فقال: (لنريه من


(1) أخرج مسألة الرؤية إلى قوله: (ليس كمثله شئ) في التوحيد في باب الرؤية، وتقدم هناك الكلام حولها. راجع ج 4 ص 36. (2) كذب بالامر: أنكره وجحده. (3) في المصدر زيادة وهى: (إلى المسجد الاقصى).

[ 346 ]

آياتنا) فآيات الله غير الله، لقد أعذر وبين لم فعل به ذلك وما رآه، فقال: (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) فأخبر أنه غير الله. فقال أبو قرة: فأين الله ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): الاين مكان، وهذه مسألة شاهد عن غائب، والله تعالى ليس بغائب، ولا يقدمه قادم، وهو بكل مكان موجود، مدبر صانع حافظ ممسك السماوات والارض. فقال أبو قرة: أليس هو فوق السماء دون ما سواها ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): هو الله في السماوات وفي الارض، وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله، وهو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء، وهو معكم أينما كنتم، وهو الذي استوى إلى السماء وهي دخان، وهو الذي استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، وهو الذي استوى على العرش، قد كان ولا خلق، وهو كما كان إذ لا خلق، لم ينتقل مع المنتقلين. ففال أبو قرة: فما بالكم (1) إذا دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة، والله مفازع يفزعون إليه ويستعبد (2) فاستعبد عباده بالقول والعلم والعمل والتوجيه (3) ونحو ذلك، استعبدهم بتوجيه الصلاة إلى الكعبة، ووجه إليها الحج والعمرة، واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرع ببسط الايدي ورفعها إلى السماء لحال الاستكانة وعلامة العبودية و التذلل له. ففال أبو قرة: فمن أقرب إلى الله ؟ الملائكة أو أهل الارض ؟ قال أبو الحسن (عليه السلام): إن كنت تقول بالشبر والذراع فإن الاشياء كلها باب واحد هي فعله، لا يشتغل ببعضها عن بعض، يدبر أعلى الخلق من حيث يدبر أسفله، ويدبر أوله من حيث بدبر آخره، من غير عناء ولا كلفة ولا مؤونة ولا مشاورة ولا نصب، وإنكنت تقول: من أقرب إليه في الوسيلة ؟ فأطوعهم له، وأنتم تروون أن أقرب ما يكون العبد إلى الله


(1) في نسخة: فما لكم. (2) في نسخة: ومستعبد. (3) في المصدر: والعمل والتوجه.

[ 347 ]

وهو ساجد، ورويتم أن أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق، وأحدهم من أسفل الخلق، وأحدهم من شرق الخلق، وأحدهم من غرب الخلق، فسأل بعضهم بعضا فكلهم قال: من عند الله، أرسلني بكذا وكذا، ففي هذا دليل على أن ذلك في المنزلة دون التشبيه والتمثيل. (1) فقال أبو قرة: أتقر أن الله تعالى محمول ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): كل محمول مفعول ومضاف إلى غيره محتاج، فالمحمول اسم نقص في اللفظ، والحامل فاعل، و هو في اللفظ ممدوح، وكذلك قول القائل: فوق وتحت وأعلى وأسفل، وقد قال الله تعالى: (والله الاسماء الحسنى فادعوه بها) ولم يقل في شئ من كتبه أنه محمول، بل هو الحامل في البر والبحر، والممسك للسماوات والارض، والمحمول ما سوى الله، ولم نسمع أحدا آمن بالله وعظمه قط قال في دعائه: يا محمول. قال أبو قرة: أفتكذب بالرواية: إن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه، إن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرون سجدا، فإذا ذهب الغضب خف فرجعوا إلى مواقفهم ؟ (2) فقال (عليه السلام): أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا وإلى يوم القيامة غضبان هو على إبليس وأوليائه أو راض عنهم ؟ فقال: نعم هو غضبان عليه، قال فمتى رضي فخفف وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه (3) وعلى أتباعه ؟ ! ثم قال: ويحك كيف تجترئ أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال، وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين ؟ سبحانه لم يزل مع الزائلين، ولم يتغير مع المتغيرين. قال صفوان: فتحير أبو قرة ولم يحر جوابا حتى قام وخرج. (4) بيان: قوله: (وليس له بدؤ) أي ليس للكلام علة، لان القدم غير مصنوع (وليس بإله) أي والحال أن الكلام ليس بإله حتى لا يحتاج إلى الصانع، أو الصانع


(1) تقدم مثله في باب نفى الزمان والمكان عنه تعالى راجع ج 3 ص 325، وقد تقدم هناك ما يتعلق بمسألة الزمان والمكان وغيرهم من الحركة والانتقال. (2) في نسخة: فيرجعون إلى مواقفهم. (3) في المصدر: لم يزل غضبانا عليه. (4) الاحتجاج: 221 و 222.

[ 348 ]

يلزم أن لا يكون إلها لوجود الشريك معه في القدم. وفي بعض النسخ: (وليس بآلة) بالتاء أي يلزم أن لا يكون الكلام آلة للتفهيم، وليس في بعض النسخ قوله: (وليس له بدؤ) والاظهر حينئذ كون الضمير راجعا إلى الصانع كما مر في الوجه الثاني. قوله: (لان كل متجزء متوهم) كأنه على سبيل القلب: أي كل ما يتوهم فيه العقل الاختلاف والايتلاف يكون متجزئا، أو المعنى: أن كل متجز يتوهم فيه العقل القلة والكثرة والزيادة والنقصان، وهذه صفات الامكان والمخلوقية. قوله: (وما أجمع المسلمون) معطوف على القرآن. أقول: قدمر شرح أجزاء الخبر في كتاب التوحيد. 6 – قب: روى ابن جرير بن رستم الطبري، عن أحمد الطوسي، عن أشياخه في حديث أنه انتدب للرضا (عليه السلام) قوم يناظرون في الامامة عند المأمون فأذن لهم، فاختاروا يحيى بن الضحاك السمرقندي فقال: سل يا يحيى، فقال يحيى: بل سل أنت يا ابن رسول الله لتشر فني بذلك، فقال (عليه السلام): يا يحيى ما تقول في رجل ادعى الصدق لنفسه وكذب الصادقين ؟ أيكون صادقا محقا في دينه أم كاذبا ؟ فلم يحر جوابا ساعة، فقال المأمون: أجبه يا يحيى، فقال: قطعني يا أمير المؤمنين، فالتفت إلى الرضا (عليه السلام) فقال: ما هذه المسألة التي أقر يحيى بالانقطاع فيها ؟ فقال (عليه السلام): إن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن شهد بالعجز على نفسه فقال على منبر الرسول: (وليتكم ولست بخيركم) والامير خير من الرعية، وإن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر على نفسه على منبر الرسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن لي شيطانا يعتريني) (1) والامام لا يكون فيه شيطان، وإن زعم يحيى أنه صدق الصادقين فلا إمامة لمن أقر عليه صاحبه فقال: (كانت إمامة أبي بكر فلتة (2) وقى الله شرهافمن عاد إلى مثلها فاقتلوه) فصاح المأمون عليهم فتفرقوا، ثم التفت إلى بني هاشم فقال لهم: ألم أقل لكم أن لا تفاتحوه ولا تجمعوا عليه فإن هؤلاء علمهم من علم رسول الله (صلى الله عليه وآله). (3)


(1) أي يصيبني. (2) الفلتة المرة من فلت: ما يقع من غير احكام. (3) مناقب آل أبى طالب ج 2: 404 – 405.

[ 349 ]

7 – وفي كتاب الصفواني أنه قال الرضا (عليه السلام) لابن قرة النصراني: ما تقول في المسيح ؟ قال: يا سيدي إنه من الله، فقال: وما تريد بقولك: (من) و (من) على أربعة أوجه لاخامس لها، أتريد بقولك: (من) كالبعض من الكل فيكون مبعضا، أو كالخل من الخمر فيكون على سبيل الاستحالة، أو كالولد من الوالد فيكون على سبيل المناكحة، أو كالصنعة من الصانع فيكون على سبيل المخلوق من الخالق، أو عندك وجه آخر فتعرفناه ؟ فانقطع. (1) 8 – أبو إسحاق الموصلي: إن قوما من ما وراء النهر سألوا الرضا (عليه السلام) عن الحور العين مم خلقن ؟ وعن أهل الجنة إذا دخلوها ما أول ما يأكلون ؟ وعن معتمد رب العالمين أين كان وكيف كان إذ لا أرض ولا سماء ولا شئ ؟ فقال (عليه السلام): أما الحور العين فإنهن خلقن من الزعفران والتراب لا يفنين، وأما أول ما يألكون أهل الجنة فإنهم يأكلون أول ما يدخلونها من كبد الحوت التي عليها الارض، وأما معتمد الرب عزوجل فإنه أين الاين، وكيف الكيف، وإن ربي بلا أين ولا كيف، وكان معتمده على قدرته سبحانه وتعالى. (2) 9 – أقول: وروي السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الفصول عن شيخه المفيد رحمه الله أنه قال: روى أنه لما سار المأمون إلى خراسان وكان معه الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) فبينا هما يسيران إذ قال له المأمون: يا أبا الحسن إني فكرت في شئ فنتج لي الفكر الصواب فيه، فكرت في أمرنا وأمركم ونسبنا ونسبكم فوجدت الفضيلة فيه واحدة، ورأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على الهوى والعصبية، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): إن لهذا الكلام جوابا إن شئت ذكرته لك، وإن شئت أمسكت، فقال له المأمون: إني لم أقله إلا لاعلم ما عندك فيه، قال له الرضا (عليه السلام): انشدك الله يا أمير المؤمنين لو أن الله بعث نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله) فخرج علينا من وراء أكمة (3) من هذه الآكام يخطب إليك ابنتك كنت مزوجه إياها ؟ فقال: يا سبحان الله وهل يرغب أحد


(1 – 2) مناقب آل أبى طالب ج 2: 405 و 408. (3) الاكمة: التل.

[ 350 ]

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ ! فقال له الرضا (عليه السلام): أفتراه كان يحل له أن يخطب إلي ؟ قال فسكت المأمون هنيئة ثم قال: أنتم والله أمس برسول الله (صلى الله عليه وآله) رحما. قال الشيخ: وإنما المعنى في هذا الكلام أن ولد عباس يحلون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كما تحل له البعداء في النسب منه، وأن ولد أمير المؤمنين (عليه السلام) من فاطمة (عليهما السلام) ومن أمامة بنت زينب ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحرمن عليه، لانهن من ولده في الحقيقة، فالولد ألصق بالوالد وأقرب وأحرز للفضل من ولد العم بلا ارتياب بين أهل الدين، وكيف يصح مع ذلك أن يتساووا في الفضل بقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فنبهه الرضا (عليه السلام) على هذا المعنى وأوضحه له. (1) 10 – قال: وحدثني الشيخ أدام الله عزه أيضا قال: قال المأمون يوما للرضا (عليه السلام) أخبرني بأكبر فضيلة لامير المؤمنين (عليه السلام) يدل عليها القرآن، قال: فقال له الرضا (عليه السلام): فضيلة في المباهلة، قال الله جل جلاله: (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام) فكانا ابنيه، ودعا فاطمة (عليها السلام) فكانت في هذا الموضع نساؤه، ودعا أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان نفسه بحكم الله عزوجل، فقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله تعالى أجل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) و أفضل، فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحكم الله تعالى. قال: فقال له المأمون: أليس قد ذكر الله تعالى الابناء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله ابنيه خاصة ؟ وذكر النساء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنته وحدها ؟ فألا جاز أن (2) يذكر الدعاء لمن هو نفسه، ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لامير المؤمنين (عليه السلام) ما ذكرت من الفضل ؟ قال: فقال له الرضا (عليه السلام): ليس يصح ما ذكرت يا أمير المؤمنين، وذلك أن الداعي إنما يكون داعيا لغيره، كما أن الآمر آمر لغيره، ولا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة، كمالا يكون آمرا لها في الحقيقة،


(1) الفصول المختارة 1. 15. (2) في المصدر: فلم لا جاز أن يذكر.

[ 351 ]

وإذا لم يدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله سبحانه في كتابه وجعل حكمه ذلك في تنزيله، (1) قال: فقال المأمون: إذا ورد الجواب سقط السؤال. (2) 11 – الدرة الباهرة من الاصداف الطاهرة: قال للرضا (عليه السلام) الصوفية: إن المأمون قدرد إليك هذا الامر وأنت أحق الناس به إلا أنه تحتاج أن تلبس الصوف وما يحسن لبسه، فقال (عليه السلام): ويحكم إنما يراد من الامام قسطه وعدله، إذا قال صدق، وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز، قال الله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) إن يوسف (عليه السلام) لبس الديباج المنسوج بالذهب، وجلس على متكآت آل فرعون. 12 – وأراد المأمون قتل رجل فقال له: ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال: إن الله لا يزيد لحسن العفو إلا عزا، فعفا عنه. 13 – واتي المأمون بنصراني زنى بهاشمية، فلما رآه أسلم، فقال الفقهاء: أهدر الاسلام ما قبله، فسأل الرضا (عليه السلام) فقال: اقتله فإنه ما أسلم حتى رأى البأس قال الله تعالى: (فلما رأوا بأسنا) الآيتان. (3)


(1) أضف إلى ذلك أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لو لم يكن هو المراد من (انفسنا) لكان دعاء الرسول (صلى الله عليه وآله) له من عند نفسه من دون أمر ربه، حيث لم يأمره الله إلا ان يدعو الابناء والنساء والانفس قط دون غيرهم. (2) الفصول المختارة 1: 16. (3) الدرة الباهرة: مخطوط، وأخرجه ابن أبى الحديد في شرح نهج البلاغة 3: 12 مع اختلاف في الفاظه راجعه.

[ 352 ]

* (باب 20) * * (ما كتبه صلوات الله عليه للمأمون من محض الاسلام وشرايع) * * (الدين وساير ماروى عنه (عليه السلام) من جوامع العلوم) * 1 – ن: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري رضي الله عنه بنيسابور في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، قال حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري عن الفضل بن شاذان قال: سأل المأمون علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أن يكتب له محض الاسلام على الايجاز والاختصار فكتب (عليه السلام): إن محض الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا (1) قيوما سميعا بصيرا قديرا قديما باقيا، (2) عالما لا يجهل، قادرا لا يعجز، غنيا لا يحتاج، عدلا لايجور، وإنه خالق كل شئ، وليس كمثله شئ، لاشبه له ولا ضد له ولا كفوله، (3) وأنه المقصود بالعبادة والدعاء والرغبة والرهبة، وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، وأمينه وصفيه، وصفوته من خلقه، وسيد المرسلين وخاتم النبيين، وأفضل العالمين، لانبي بعده، ولا تبديل لملته، ولا تغيير لشريعته، و أن جميع ما جاء به محمد بن عبد الله هوالحق المبين، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه، والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأنه المهيمن (4) على الكتب كلها،


(1) في المصدر: احدا فردا صمدا. (2) في المصدر: قديرا قائما باقيا. (3) في المصدر: ولاضدله ولاندله ولا كفوله. (4) اما من هيمن الطائر على فراخه أي رفرف، والمعنى أن القرآن أحاط بجميع مافى الكتب المنزلة مما يؤثر في سعادتي البشر: سعادة الدنيا والاخرة. أو من هيمن فلان على كذا، أي صار رقيبا عليه وحافظا، وذلك لان القرآن يحفظ الشرائع المنزلة على النبيين في الكتب السالفة ويكملها، ويراقبها وينفى عنها تحريف الغالين، ويذود عنها كيد المبطلين. والمهيمن من أسماء الله تعالى بمعنى المؤمن (من آمن غيره من الخوف) أو المؤتمن، أو الشاهد أو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم.

[ 353 ]

وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه ووعده ووعيده وناسخه ومنسوخه وقصصه وأخباره، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله. وأن الدليل بعده والحجة على المؤمنين والقائم بأمر المسلمين والناطق عن القرآن والعالم بأحكامه أخوه وخليفته ووصيه ووليه، الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمير المؤمنين، وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وأفضل الوصيين، ووارث علم النبيين، والمرسلين، وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي باقر علم الاولين، ثم جعفر بن محمد الصادق وارث علم الوصيين، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم الحجة القائم المنتظر ولده صلوات الله عليهم أجمعين، أشهد لهم بالوصية والامامة، وأن الارض لا تخلو من حجة الله تعالى على خلقه كل عصر وأوان، وأنهم العروة الوثقى، وأئمة الهدى، والحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الارض ومن عليها. وأن كل من خالفهم ضال مضل، تارك للحق والهدى، وأنهم المعبرون عن القرآن، (1) والناطقون عن الرسول (صلى الله عليه وآله) بالبيان، من مات ولم يعرفهم مات (2) ميتة جاهلية، وأن من دينهم الورع والعفة، والصدق والصلاح، والاستقامة والاجتهاد، وأداء الامانة إلى البر والفاجر، وطول السجود، وصيام النهار، وقيام الليل، واجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر، وحسن العزاء، وكرم الصحبة. ثم الوضوء كما أمر الله عزوجل في كتابه: غسل الوجه واليدين إلى المرفقين.


(1) من عبر عن كذا: تكلم. أو من عبر عما في نفسه أي بين وأعرب. وأما التعبير بمعنى التفسير فهو يتعدى بنفسه، يقال: عبر الرؤيا أي فسرها. والمعنى انهم يتكلمون بمعاني القرآن وحقائقه، ويبينون محكمه من متشابهه، وناسخه من منسوخه، وخاصه من عامه، وأن عندهم علم الكتاب، وأما غيرهم فهم عيالهم في ذلك، محتاجون إلى أن يستنيرون من مشكاة علومهم، ويقتبسون من قبسات معارفهم. (2) في نسختين من الكتاب: من مات ولم يعرف امام زمانه مات خ ل.

[ 354 ]

ومسح الرأس والرجلين مرة واحدة، ولا ينقض الوضوء إلا غائط أو بول أو ريح أو نوم أو جنابة، وإن مسح على الخفين (1) فقد خالف الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وترك فريضته وكتابه. وغسل يوم الجمعة سنة، وغسل العيدين وغسل دخول مكة والمدينة وغسل الزيارة وغسل الاحرام وأول ليلة من شهر رمضان وليلة سبعة عشر وليلة تسعة عشر وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذه الاغسال سنة، وغسل الجنابة فريضة، وغسل الحيض مثله. والصلاة الفريضة الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة أربع ركعات، والغداة ركعتان، هذه سبع عشرة ركعة، والسنة أربع وثلاثون ركعة: ثمان ركعات قبل فريضة الظهر، وثمان ركعات قبل العصر، وأربع ركعات بعد المغرب، وركعتان من جلوس بعد العتمة تعدان بركعة (2) وثمان ركعات في السحر، والشفع والوتر ثلاث ركعات تسلم بعد الركعتين، وركعتا الفجر. والصلاة في أول الوقت، (3) وفضل الجماعة على الفرد أربع وعشرون، ولا صلاة خلف الفاجر، ولا يقتدى إلا بأهل الولاية، ولا تصلى في جلود السباع، (4) ولايجوز أن تقول في التشهد الاول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لان تحليل الصلاة التسليم فإذا قلت هذا فقد سلمت. والتقصير في ثمانية فراسخ وما زاد، وإذا قصرت أفطرت، ومن لم يفطر لم يجزعنه صومه في السفر وعليه القضاء لانه ليس عليه صوم في السفر، والقنوت سنة واجبة في الغداة والظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة. والصلاة على الميت خمس تكبيرات، فمن نقص فقد خالف، (5) والميت يسل (6) من قبل رجليه


(1) في المصدر. وأن من مسح الخفين ا ه‍. (2) في نسخة: تعدان بركعة واحدة. (3) والصلاة في اول الوقت أفضل. (4) في المصدر: ولا يصلى في جلود الميتة ولا في جلود السباع. (5) في المصدر: فمن نقص فقد خالف السنة. (6) سل الشئ من الشئ: انتزعه وأخرجه برفق.

[ 355 ]

ويرفق به إذا ادخل قبره. والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنة. والزكاة الفريضة في كل مائتي درهم خمسة دراهم، ولا يجب فيما دون ذلك شئ ولا تجب الزكاة على المال حتى يحول عليه الحول، ولايجوز أن يعطى الزكاة غير أهل الولاية المعروفين، والعشر من الحنطة والشعير والتمر والزبيب إذا بلغ خمسة أوساق، والوسق ستون ساعا، والصاع أربعة أمداد، وزكاة الفطر فريضة، على كل رأس صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو انثى من الحنطة والشعير والتمر والزبيب صاع، وهو أربعة أمداد، ولا يجوز دفعها إلا على أهل الولاية. وأكثر الحيض عشرة أيام، وأقله ثلاثة أيام، والمستحاضة تحتشي وتغتسل و تصلي، والحائض تترك الصلاة ولا تقضي، وتترك الصوم وتقضي. وصيام شهر رمضان فريضة، يصام للرؤية ويفطر للرؤية، ولا يجوز أن يصلى تطوع في الجماعة، (1) لان ذلك بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وصوم ثلاثة أيام في كل شهرسنة، في كل عشرة أيام يوم: أربعاء بين خميسين. وصوم شعبان حسن لمن صامه، وإن قضيت فوائت شهر رمضان متفرقا أجزأ. وحج البيت فريضة على من استطاع إليه سببلا، والسبيل: الزاد والراحلة مع الصحة، ولايجوز الحج إلا تمتعا، ولايجوز القران والافراد الذي يستعمله العامة إلا لاهل مكة وحاضريها، ولايجوز الاحرام دون الميقات، قال الله عزوجل: (وأتموا الحج والعمرة لله) ولا يجوز أن يضحى بالخصي لانه ناقص، ويجوز الوجئ. والجهاد واجب مع الامام العادل، (3) ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ولا يجوز قتل أحد من الكفار والنصاب في دار التقية إلا قاتل أوساع في فساد، وذلك إذا لم تخف على نفسك وعلى أصحابك، والتقية في دار التقية واجبة، ولا حنث على من حلف تقية يدفع بها ظلما عن نفسه.


(1) في نسخة: في جماعة. وفى المصدر: ولايجوز أن يصلى التطوع في جماعة. (2) في نسخة وفى المصدر: الموجئ. قلت: الوجئ والموجوء: هو مرضوض عروق الخصيتين حتى تفسد. (3) في نسخة وفى المصدر: مع الامام العدل.

[ 356 ]

والطلاق للسنة على ما ذكره الله عزوجل في كتابه وسنة رسول (صلى الله عليه وآله)، ولا يكون طلاق لغير السنة، وكل طلاق يخالف الكتاب فليس بطلاق، كما أن كل نكاح يخالف الكتاب فليس بنكاح، ولايجوز الجمع بين أكثر من أربع حرائر، وإذا طلقت المرأة للعدة ثلاث مرات لم تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): اتقوا تزويج المطلقات ثلاثا في موضع واحد، فإنهن ذوات أزواج. والصلاة على النبي وآله (عليهم السلام) واجبة في كل موطن وعند العطاس والذبائح (1) وغير ذلك. وحب أولياء الله عزوجل واجب، وكذلك بغض أعداء الله والبراءة منهم ومن أئمتهم. وبر الوالدين واجب وإن كانا مشركين، ولاطاعة لهما في معصية الخالق ولا لغيرهما، فإنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق. وذكاة الجنين ذكاة امه إذا أشعر وأوبر. وتحليل المتعتين اللتين أنزلهما الله عزوجل في كتابه وسنهما رسول الله عليه و على آله السلام: متعة النساء ومتعة الحج. والفرائض على ما أنزل الله عزوجل في كتابه، (2) ولاعول فيها، ولا يرث مع الولد والوالدين أحد إلا الزوج والمرأة، وذو السهم أحق ممن لاسهم له، وليست العصبة (3) من دين الله عزوجل. والعقيقة عن المولود الذكر والانثى واجبة، وكذلك تسميته، وحلق رأسه يوم السابع، ويتصدق بوزن الشعر ذهبا أو فضة، والختان سنة واجبة للرجال، ومكرمة للنساء. وأن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأن أفعال العباد مخلوقة لله حلق تقدير لاخلق تكوين، (4) والله خالق كل شئ، ولا يقول بالجبر والتفويض، ولا يأخذ


(1) في نسخة: وعند العطاس والرياح وغير ذلك. (2) في المصدر: والفرائض على ما أنزل الله تعالى في الميراث. (3) يأتي تفسير العول والعصبة وبيان المذهب الحق فيهما في كتاب الفرائض. (4) قد مضى الكلام حول مسألة افعال العباد وما بعدها في كتاب العدل.

[ 357 ]

الله عزوجل البرئ بالسقيم، ولا يعذب الله تعالى الاطفال بذنوب الآباء، ولا تزر وازرة وزر اخرى، وأن ليس للانسان إلا ما سعى، ولله عزوجل أن يعفو ويتفضل ولا يجور ولا يظلم لانه تعالى منزه عن ذلك، ولا يفرض الله تعالى طاعة من يعلم أنه يضلهم ويغويهم، ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به وبعبادته ويعبد الشيطان دونه. وإن الاسلام غير الايمان، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، (1) و أصحاب الحدود مسلمون لا مؤمنون ولا كافرون، والله عزوجل لايدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة، ولا يخرج من النار كافرا وقد أوعده النار والخلود فيها، ولا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومذنبوا أهل التوحيد يدخلون في النار و يخرجون منها، (2) والشفاعة جائزة لهم، وإن الدار اليوم دار تقية وهي دار الاسلام، لادار كفر ولا دار إيمان، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان إذا أمكن ولم يكن خيفة على النفس، والايمان هو أداء الامانة، واجتناب جميع الكبائر، وهو معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالاركان. والتكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات، ويبدء به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر، وفي الاضحى في دبر عشر صلوات، يبدء به من صلاة الظهر يوم النحر وبمنى في دبر خمس عشرة صلاة.


(1) قيل في معناه وجوه: احدها أن يحمل على نفى الفضيلة عنه حيث اتصف منها بمالا يشبه أوصاف المؤمنين ولا يليق بهم. وثانيها ان يقال: لفظه خبر ومعناه نهى، وقد روى (لا يزن) على صيغة النهى. الثالث ان يقال: وهو مؤمن من عذاب الله، أي ذوأمن من عذابه. الرابع ان يقال: وهو مصدق بما جاء فيه من النهى والوعيد. الخامس ان يصرف إلى المستحل. وفيه توجيه آخر وهو انه وعيد يقصد به الروع، كقوله: لا ايمان لمن لا امانة له، والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه. وقيل: معناه إن الهوى يغطى الايمان، فصاحب الهوى لا يرى إلا هواه ولا ينظر إلى ايمانه الناهي له عن ارتكاب الفاحشة، فكان الايمان في تلك الحالة منعدم، ويمكن أن يحمل على المقاربة والمشارفة، بمعنى ان الزانى حال حصوله في حالة مقاربة لحالة الكفر مشارفة له فاطلق عليه الاسم مجازا. (2) في المصدر: ومذنبوا أهل التوحيد لا يخلدون في النار ويخرجون منها.

[ 358 ]

والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما، (1) فإن طهرت قبل ذلك صلت وإن لم تطهر حتى تجاوزت ثمانية عشر يوما اغتسلت وصلت وعملت ما تعمل المستحاضة. وتؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير والبعث بعد الموت والميزان والصراط. والبراءة من الذين ظلموا آل محمد (عليهم السلام) وهموا بإخراجهم وسنوا ظلمهم و غيروا سنة نبيهم (صلى الله عليه وآله) والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين الذين هتكوا حجاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونكثوا بيعة إمامهم وأخرجوا المراءة وحاربوا أمير المؤمنين (عليه السلام) وقتلوا الشيعة رحمة الله عليهم (2) واجبة، والبراءة ممن نفى الاخبار وشر دهم وآوى الطرداء اللعناء وجعل الاموال دولة بين الاغنياء واستعمل السفهاء مثل معاوية وعمر وبن العاص لعيني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والبراءة من أشياعهم الذين حاربوا أمير المؤمنين (عليه السلام) وقتلوا الانصار والمهاجرين وأهل الفضل والصلاح من السابقين، والبراءة من أهل الاستيثار ومن أبي موسى الاشعري وأهل ولايته الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، اولئك الذين كفروا بآيات ربهم بولاية أمير المؤمنين ولقائه (عليه السلام)، كفروا بأن لقوا الله بغير إمامته، فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا فهم كلاب أهل النار، والبراءة من الانصاب والازلام أئمة الضلال وقادة الجور كلهم أولهم وآخرهم، والبراءة من أشباه عاقري الناقة (3) أشقياء الاولين و الآخرين وممن يتولاهم. والولاية لامير المؤمنين والذين مضوا على منهاج نبيهم (صلى الله عليه وآله) ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الاسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وأبي أيوب الانصاري، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد


(1) هذا محمول على التقية، والصحيح انها تقعد أيامها التى كانت تقعد في الحيض وهى عشرة أيام. ويأتى بيان ذلك في محله. (2) في المصدر: وقتلوا الشيعة المتقين. (3) في نسخة: والبراءة من أشباه عاقر الناقة.

[ 359 ]

الخدري وأمثالهم رضي الله عنهم، والولاية لاتباعهم وأشياعهم والمهتدين بهداهم السالكين منهاجهم رضوان الله عليهم ورحمته. وتحريم الخمر قليلها وكثيرها، وتحريم كل شراب مسكر قليله وكثيره، وما أسكر كثيره فقليله حرام، والمضطر لا يشرب الخمر لانها تقتله. وتحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وتحريم الطحال فإنه دم، وتحريم الجري والسمك الطافي والمار ماهي والزمير وكل سمك لا يكون له فلس. (1) واجتناب الكبائر وهي قتل النفس التي حرم الله عزوجل، والزناء، والسرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، (2) وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به من غير ضرورة، وأكل الربا بعد البينة، والسحت، والميسر وهو القمار، والبخس في المكيال والميزان، وقذف المحصنات، واللواط، وشهادة الزور، واليأس من روح الله، والامن من مكر الله، و القنوط من رحمة الله، ومعونة الظالمين، والركون إليهم، واليمين الغموس، (3) وحبس الحقوق من غير عسر، والكذب، والكبر، والاسراف، والتبذير، والخيانة، و الاستخفاف بالحج، والمحاربة لاولياء الله تعالى، والاشتغال بالملاهي، والاصرار على الذنوب. وحدثني بذلك حمزة بن محمد بن أبي جعفر بن محمد بن (4) زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: حدثني أبو نصر قنبر بن علي بن شاذان، عن أبيه، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام): إلا أنه لم يذكر في حديثه أنه كتب ذلك إلى


(1) قد مضى سابقا تفسيرها. أي الفرار من الجهاد ولقاء العدو في الحرب. (3) هي اليمين الكاذبة الفاجرة كالتى يقتطع بها الحالف مال غيره، سميت غموسا لانها تغمس صاحبها في الاثم ثم في النار. (4) هكذا في النسخ، والصحيح كما في مواضع من العيون وفى التدوبن للرافعي وفى التعليقة للبهبهاني: حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب عليهم السلام.

[ 360 ]

المأمون، وذكر فيه: الفطرة مدين من حنطة وصاع من الشعير والتمر والزبيب. وذكر فيه: أن الوضوء مرة مرة فريضة، واثنتان إسباغ. وذكر فيه: أن ذنوب الانبياء (عليهم السلام) صغائرهم موهوبة. وذكر فيه: أن الزكاة على تسعة أشياء: على الحنطة والشعير والتمر والزبيب والابل والبقر والغنم والذهب والفضة. وحديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس رضي الله عنه عندي أصح ولا قوة إلا بالله. وحدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان رضي الله عنه عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام) مثل حديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس. (1) بيان: قوله (عليه السلام): (من أهل الاستيثار) أي الاستبداد بالخلافة من غير استحقاق، وإنما أجمل ذلك تقية، وفي بعض النسخ: (من أهل الاستثارة من أبي موسى) بدون الواو، فارمدا البراءة من أبي موسى وأتباعه الذين طلبوا إثارة الفتنة بالتحكيم، فكلمة (من) للبيان. 2 – ف: روي أن المأمون بعث الفضل بن سهل ذا الرباستين إلى الرضا (عليه السلام) فقال له: إني احب أن تجمع لي من الحلال والحرام والفرائض والسنن، فإنك حجة الله على خلقه ومعدن العلم، فدعا الرضا (عليه السلام) بدواة وقرطاس وقال للفضل: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم حسبنا شهادة أن لا إله إلا الله أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولد، قيوما سميعا بصيرا قويا قائما باقيا نورا، عالم لا يجهل، قادرا لا يعجز، غنيا لا يحتاج، عدلا لايجور، خلق كل شئ، ليس كمثله شئ، لا شبه له ولا ضد ولا ند ولا كفو، وأن محمدا عبده ورسوله وأمينه وصفوته من خلقه، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وأفضل العالمين، لانبي بعده، ولا تبديل لملته ولا تغيير، وأن جميع ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) هو الحق المبين، نصدق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه، ونصدق بكتابه الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين


(1) عيون الاخبار: ص 265 – 269.

[ 361 ]

يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وانه (1) كتابه المهيمن على الكتب كلها، وانه حق من فاتحته إلى خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه و وعده ووعيده وناسخه ومنسوخه وقصصه وأخباره، لا يقدر واحد من المخلوقين أن يأتي بمثله، وأن الدليل والحجة من بعده علي أمير المؤمنين، والقائم بامور المسلمين، والناطق عن القرآن، والعالم بأحكامه، أخوه وخليفته ووصيه، والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب المؤمنين، وأفضل الوصيين بعد النبيين، وبعده الحسن والحسين عليهما السلام واحد بعد واحد (2) إلى يومنا هذا عترة الرسول، وأعلمهم بالكتاب والسنة، وأعدلهم بالقضية، وأولاهم بالامامة كل عصر وزمان، وأنهم العروة الوثقى، وأئمة الهدى والحجة على أهل الدنيا، حتى (3) أن يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين، وأن كل من خالفهم ضال مضل، تارك للحق و الهدى، وأنهم المعبرون عن القرآن، الناطقون عن الرسل بالبيان، (4) من مات لا يعرفهم ولا يتولاهم بأسمائهم وأسماء آبائهم مات ميتة جاهلية، وأن من دينهم الورع والعفة والصدق والصلاح والاجتهاد وأداء الامانة إلى البر والفاجر، وطل السجود، والقيام بالليل، واجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر، وحسن الصحبة، وحسن الجوار، وبذل المعروف وكف الاذى، وبسط الوجه والنصيحة والرحمة للمؤمنين. ثم الوضوء كما أمر الله تعالى في كتابه غسل الوجه واليدين ومسح الرأس و الرجلين، واحد فريضة واثنان إسباغ، ومن زاد أثم ولم يوجر، ولا ينقض الوضوء إلا الريح والبول والغائط والنوم والجنابة، ومن مسح على الخفين فقد خالف الله و رسوله وكتابه، ولم يجز عنه وضوؤه، وذلك أن عليا خالف القوم في المسح على الخفين، فقال له عمر: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) يمسح، فقال علي (عليه السلام): قبل نزول سورة


(1) في نسخة: وأن كتابه المهيمن. (2) في نسخة: وواحد بعد واحد. (3) في نسخة: إلى أن يرث الله الارض. (4) في المصدر: الناطقون عن الرسول بالبيان.

[ 362 ]

المائدة أو بعدها ؟ قال: لا أدري، قال علي (عليه السلام) لكنني أدري، ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يمسح على خفيه منذ نزلت سورة المائدة. والاغتسال من الجنابة والاحتلام والحيض، وغسل من غسل الميت فرض، والغسل يوم الجمعة والعيدين ودخول مكة والمدينة وغسل الزيارة وغسل الاحرام ويوم عرفة وأول ليلة من شهر رمضان وليلة تسع عشرة منه وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين منه سنة. وصلاة الفريضة: الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة أربع ركعات، والفجر ركعتان، فذلك سبع عشرة ركعة، والسنة أربع وثلاثون ركعة: منها ثمان قبل الظهر، وثمان بعدها، وأربع بعد المغرب، وركعتان من جلوس بعد عشاء الآخرة تعدان بواحدة، وثمان في السحر، والوتر ثلاث ركعات، وركعتان بعد الوتر، والصلاة في أول الاوقات، وفضل الجماعة على الفرد بكل ركعة ألفي ركعة، ولا تصل خلف فاجر، لا تقتدي إلا بأهل الولاية، ولا تصل في جلود الميتة ولا جلود السباع، والتقصير في أربع فراسخ بريد ذاهب، وبريد جاء اثنا عشر ميلا، وإذا قصرت أفطرت، والقنوت في أربع صلوات: في الغداة، والمغرب، والعتمة، ويوم الجمعة صلاة الظهر، (1) وكل القنوت قبل الركوع وبعد القراءة، والصلاة على الميت خمس تكبيرات، وليس في صلاة الجنائز تسليم، لان التسليم في صلاة الركوع والسجود، وليس لصلاة الجنازة ركوع ولا سجود، ويربع قبر الميت ولا يسنم، (2) والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة مع فاتحة الكتاب. والزكاة المفروضة من كل مائتي درهم خمسة دراهم، ولا تجب فيما دون ذلك، وفيما زاد في كل أربعين درهما درهم ولا يجب فيما دون الاربعينات شئ، ولا تجب حتى يحول الحول، ولا تعطى إلا أهل الولاية والمعرفة، وفي كل عشرين دينارا نصف دينار. والخمس من جميع المال مرة واحدة، والعشر من الحنطة والشعير والتمر


(1) يؤكد استحباب القنوت فيها، وإلا فيستحب في صلاة الظهر مطلقا كما يأتي بيانه في محله. (2) سنم القبر: رفعه عن الارض وهو خلاف التسطيح، ومنه قبر مسنم أي مرتفع غير مسطح، وأصله من السنام.

[ 363 ]

والزبيب وكل شئ يخرج من الارض من الحبوب إذا بلغت خمسة أو سق ففيه العشر إن كان يسقى سيحا، وإن كان يسقى بالدوالي ففيها نصف العشر للمعسر والموسر، و يخرج من الحبوب القبضة والقبضتان، لان الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يكلف العبد فوق طاقته، والوسق: ستون صاعا، والصاع: ستة أرطال وهو أربعة أمداد، والمد رطل وربع برطل العراقي، (1) وقال الصادق (عليه السلام): هي تسعة أرطال بالعراقي، وستة أرطال بالمدني، وزكاة الفطر فريضة على رأس كل صغير أو كبير، حر أو عبد، من الحنطة نصف صاع، ومن التمر والزبيب صاع، ولا يجوز أن تعطى غير أهل الولاية لانها فريضة، وأكثر الحيض عشرة أيام، وأقله ثلاثة أيام، والمستحاضة تغتسل وتصلي، والحائض تترك الصلاة ولا تقضي، وتترك الصيام وتقضيه. ويصام شهر رمضان لرؤيته، ويفطر لرؤيتة، ولا يجوز التراويح (2) في جماعة، وصوم ثلاثة أيام في كل شهر من كل عشرة أشهر شهر، خميس من العشر الاول، (3) والاربعاء من الشعر الاوسط، والخميس من العشر الآخر، وصوم شعبان حسن وهو سنة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شعبان شهري، وشهر رمضان شهر الله. وإن قضيت فائت شهر رمضان متفرقا أجزأك (4). وحج البيت من استطاع إليه سبيلا، والسبيل زاد وراحلة، ولا يجوز الحج إلا متمتعا، ولا يجوز الافراد والقران الذي يعمله العامة، والاحرام دون الميقات لا يجوز، قال الله: (وأتموا الحج والعمرة لله) ولا يجوز في النسك الخصي لانه ناقص ويجوز الموجوء.


(1) في نسخة: والمد رطل ونصف برطل المدينة (ظ) وفى المصدر: والمد رطلان وربع برطل العراقى. (2) التراويح جمع ترويحة، وهى في الاصل اسم للجلسة مطلقا، ثم سميت بها الجلسة التى بعد أربع ركعات في ليالى رمضان لا ستراحة الناس بها، ثم سمى كل اربع ركعات ترويحة، وهى ايضا اسم لعشرين ركعة في الليالى نفسها. (3) هكذا في النسخ، وفى المصدر: وصوم ثلاثة أيام في كل شهر سنة من كل عشرة أيام يوم: خميس من العشر الاول اه‍. (4) في نسخة: وصوم رجب هو شهر الله الاصم وفيه البركة.

[ 364 ]

والجهاد مع إمام عادل، ومن قاتل فقتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد ولا يحل قتل أحد من الكفار في دار التقية إلا قاتل أو باغ، ذلك إذا لم تحذر على نفسك، (1) ولا أكل أموال الناس من المخالفين وغيرهم، والتقية في دار التقية واجبة. ولا حنث على من حلف تقية يدفع بها ظلما عن نفسه. والطلاق بالسنة على ما ذكر الله جل وعز وسنه نبيه، ولا يكون طلاق بغير سنة، وكل طلاق يخالف الكتاب فليس بطلاق، وكل نكاح يخالف السنة فليس بنكاح، ولا تجمع بين أكثر من أربع حرائر، وإذا طلقت المرأة ثلاث مرات للسنة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): اتقوا المطلقات ثلاثا فإنهن ذوات أزواج. والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) في كل المواطن عند الرياح والعطاس وغير ذلك. وحب أولياء الله وأوليائهم وبغض أعدائه والبراءة منهم ومن أئمتهم. وبر الوالدين (2) وإن كانا مشركين فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفا لان الله يقول: (اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) فال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما صاموا لهم ولا صلوا ولكن أمروهم بمعصية الله فأطاعوهم، ثم قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من أطاع مخلوقا في غير طاعة الله عزوجل فقد كفر واتخذ إلها من دون الله. وذكاة الجنين ذكاة امه. وذنوب الانبياء (عليهم السلام) صغار موهوبة لهم بالنبوة. والفرائض على ما أمر الله لا عول فيها، ولا يرث مع الوالدين والولد أحد إلا الزوج والمرأة، وذو السهم أحق ممن لا سهم له، وليست العصبة من دين الله. والعقيقة عن المولود الذكر والانثى يوم السابع، ويحلق رأسه يوم السابع، و يسمى يوم السابع، ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة يوم السابع. وإن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، ولا تقل بالجبر ولا


(1) في المصدر: وذلك إذا لم يحذر على نفسك. (2) تقدم عن العيون هكذا: وحب أولياء الله وأوليائهم واجب وكذلك بغض أعداء الله والبراءة منهم ومن أئمتهم، وبر الوالدين واجب. (*)

[ 365 ]

بالتفويض، ولا يأخذ الله البرئ بجرم السقيم، ولا يعذب الله الابناء والاطفال بذنوب الآباء، وإنه قال: (ولا تزر وازرة وزر اخرى وأن ليس للانسان إلا ما سعى) والله يغفر ولا يظلم، ولا يفرض الله على العباد طاعة من يعلم أنه يظلمهم ويغويهم، ولا يختار لرسالته ويصطفي (1) عباده من يعلم أنه يكفر ويعبد الشيطان من دونه. وإن الاسلام غير الايمان، كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الشارب حين يشرب الخمر وهو مؤمن، ولا يقتل النفس التي حرم الله بغير الحق وهو مؤمن، وأصحاب الحدود لا مؤمنون ولا كافرون (2) وإن الله لايدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة والخلود فيها، ومن وجبت له النار بنفاق أو فسق أو كبيرة من الكبائر لم يبعث مع المؤمنين ولا منهم، ولا تحيط جهنم إلا بالكافرين، وكل إثم دخل صاحبه بلزومه النار فهو فاسق، (3) ومن أشرك أو كفر أو نافق أو أتى كبيرة من الكبائر، والشفاعة جائزة للمستضفعين. والامر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان واجب. والايمان أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والايمان هو معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالاركان. والتكبير في الاضحى خلف عشر صلوات يبتدؤ من صلاة الظهر من يوم النحر، وفي الفطر في خمس صلوات يبتدؤ بصلاة المغرب من ليلة الفطر. والنفساء تقعد عشرين يوما لا أكثر منها، فإن طهرت قبل ذلك صلت وإلا فإلى عشرين يوما ثم تغتسل وتصلي وتعمل عمل المستحاضة. (4) وتؤمن بعذاب القبر، ومنكر ونكير، والبعث بعد الموت والحساب، والميزان، والصراط، والبراءة من أئمة الضلال وأتباعهم، والموالات لاولياء الله، وتحريم الخمر قليلها وكثيرها، وكل مسكر خمر، وكل ما أسكر كثيره فقليله حرام، والمضطر لا يشرب الخمر فإنها تقتله، وتحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وتحريم الطحال


(1) في المطبوع: ولا يصطفى. (2) في نسخة وفى المصدر: وأصحاب الحدود لا مؤمنين ولا كافرين. (3) كذا في النسخ. (4) تقدم الكلام في نحوه في الحديث السابق.

[ 366 ]

فإنه دم، والجري والطافي والمارماهي والزمير، (1) وكل شئ لا يكون له قشور، ومن الطير مالا يكون قانصة له، ومن البيض كل ما اختلف طرفاه فحلال أكله، وما استوى طرفاه فحرام أكله، واجتناب الكبائر: وهي قتل النفس التي حرم الله، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتامى ظلما، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به من غير ضرورة به، وأكل الربا والسحت بعد البينة، والميسر، والبخس في الميزان والمكيال، وقذف المحصنات، والزنا، واللواط، وشهادات الزور، واليأس من روح الله، والامن لمكر الله (2) والقنوط من رحمة الله، ومعاونة الظالمين والركون إليهم، واليمين الغموس، وحبس الحقوق من غير عسر، والمكر (3) والكفر، والاسراف، والتبذير، والخيانة، وكتمان الشهادة، والملاهي التي تصدعن ذكر الله مثل الغناء وضرب الاوتار، والاصرار على الصغائر من الذنوب، فهذا اصول الدين. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه وآله وسلم تسليما. (4) أقول: ورأيت هذا الخبر برواية اخرى عن أبي علي محمد بن الحسين بن الفضل عن أحمد بن علي بن حاتم، عن أبيه، عن علي بن جعفر، عن علي بن أحمد بن حماد، والفضل بن سنان الهاشمي عن محمد بن يقطين، وإبراهيم بن محمد رووا كلهم عن الرضا (عليه السلام)، و جمع بين الروايتين وإن كانت بالاخيرة أوفق، تركناها حذرا من التكرار، وأول الرواية هكذا: أما بعد أول الفرائض شهادة أن لاإله إلا الله. 3 – وأقول: وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبائي نقلا من خط الشيخ الشهيد محمد بن مكي قدس الله روحهما ما هذه صورته: يروي السيد الفقيه الاديب النسابة شمس الدين أبو علي فخار بن معد جزء فيه أحاديث مسندة (5) عن علي بن موسى الرضا الامام المعصوم عليه الصلاة والسلام


(1) في نسخة: الزمار. (2) في المصدر: والامن من مكر الله. (3) في المصدر: والكبر بدل المكر. (4) تحف العقول: 415 – 423. (5) والظاهر أنها مستخرجة عن صحيفة الرضا (عليه السلام)، وقد أخرج جملة منها الصدوق قدس سره باسناده عن أحمد بن عامر بن سليمان الطائى وداود بن سليمان الفراء في كتاب عيون الاخبار راجع ص 195 – 212.

[ 367 ]

قراءة على الشيخ أبي طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع الهاشمي الواسطي وأنهاه في ذي الحجة سنة أربع عشرة وستمائة في منزل الشيخ بقرى واسط، ورأيت خطه له بالاجازة وإسناد الشيخ عن أبي الحسن علي بن أبي سعد محمد بن إبراهيم الخباز الازجي (1) بقراءته عليه عاشر صفر سنة سبع وخمسين وخمسمائة، عن الشيخ أبي عبد الله الحسين بن عبد الملك بن الحسين الخلال بقراءة غيره عليه وهو يسمع في يوم الجمعة رابع صفر سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، عن الشيخ أبي أحمد حمزة بن فضالة بن محمد الهروي بهراة، عن الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن يزداد بن على بن عبد الله الرازي ثم البخاري ببخارى قرئ عليه في داره في صفر سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، قال حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن مهرويه القزويني بقزوين، قال: حدثنا داود بن سليمان بن يوسف بن أحمد الغازي، قال: حدثني علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام بأسمائهم في كل سند إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله): الايمان إقرار باللسان، و معرفة بالقلب، وعمل بالاركان. قال علي بن مهرويه: قال أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي: قال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي: لوقرئ هذا الاسناد على مجنون لافاق. قال الشيخ أبو إسحاق: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي يقول: كنت مع أبي بالشام فرأيت رجلا مصروعا فذكرت هذا الاسناد فقلت: اجرب هذا فقرأت عليه هذا الاسناد فقام الرجل ينفض ثيابه ومر. 4 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس منا من غش مسلما، أو ضره، أو ماكره. 5 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتاني جبرئيل عن ربي تعالى فيقول: ربي يقرؤك السلام ويقول لك: يا محمد بشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ويؤمنون بك وبأهل بيتك بالجنة فلهم عندي جزاء الحسنى وسيد خلون الجنة. 6 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مثل المؤمن عند الله كمثل ملك مقرب وإن المؤمن أغلى عند الله من ملك مقرب، وليس أحد أحب إلى الله من تائب مؤمن أو مؤمنة تائبة.


(1) بفتح الالف منسوب إلى باب الازج وهى محلة كبيرة ببغداد.

[ 368 ]

7 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إياكم ومخالطة السلطان فإنه ذهاب الدين، وإياكم ومعونته فإنكم لاتحمدون أمره. 8 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مر على المقابر وقرأ قل هو الله أحد احدى عشرة مرة ثم وهب أجره للاموات اعطي أجره بعدد الاموات. 9 – وبهذا الاسناد كان النبي (صلى الله عليه وآله): إذا أصابه صداع أو غير ذلك بسط يديه و قرأ الفاتحة والمعوذتين ومسح بهما وجهه فيذهب عنه ماكان يجد. 10 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): النظر في ثلاثة أشياء عبادة: النظر في وجه الوالدين، وفي المصحف، وفي البحر. 11 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ترك معصية مخافة من الله أرضاه الله يوم القيامة. 12 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الولد الصالح ريحان من رياحين الجنة. 12 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): العلم خزائن ومفاتحه السؤال، فاسألوا يرحمكم الله فإنه يوجر أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمحب لهم. 13 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله يبغض الرجل يدخل عليه بيته فلا يقاتل. 14 – وبهذا الاسناد عن علي (عليه السلام) لو رأى العبد أجله وسرعته إليه لابغض الامل وطلب الدنيا. 15 – وبهذا الاسناد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث أخافهن على امتي من بعدي: الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة البطن والفرج. 16 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة ولو أتوا بذنوب أهل الارض: الضارب بسيفه أمام ذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، و الساعي لهم في حوائجهم عند ما اضطر وا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه. 17 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي إذا كان يوم القيامة تعلقت


[ 369 ]

بحجزة الله (1) وأنت متعلق بحجزتي، وولدك متعلقون بحجزتك، وشيعة ولدك متعلقون بحجزتهم، فترى أين يؤمر بنا. 18 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كأني قد دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهم. 19 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة. 20 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لويعلم العبد ما في حسن الخلق لعلم أنه محتاج أن يكون له خلق حسن. 21 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قال حين يدخل السوق: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شئ قدير) اعطي من الاجر بعدد ما خلق الله يوم القيامة. 22 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حافظوا على الصلوات الخمس، فإن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة يدعو بالعبد، فأول شئ يسأل عنه الصلاة فإن جاء بها تاما وإلا زخ في النار. 23 – وبهذا الاسناد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يقلب: جناح طائر في الهواء إلا له عندنا فيه علم. بيان: في النهاية: (زخ به في النار) أي دفع ورمى.


(1) قال الجزرى في النهاية: فيه (ان الرحم أخذت بحجزة الرحمن) أي اعتصمت به والجأت إليه مستجيرة، وأصل الحجزة موضع شد الازار ثم قيل للازار (حجزة) للمجاورة، واحتجز الرجل بالرجل: إذا شده على وسطه، فاستعاره للاعتصام والالتجاء والتمسك بالشئ والتعلق به.

[ 370 ]

* (باب 21) * * (مناظرات أصحابه وأهل زمانه صلوات الله عليه) * 1 – قال السيد المرتضى رحمه الله في كتاب الفصول: سأل علي بن ميثم (1) رحمه الله أبا الهذيل العلاف (2) فقال: ألست تعلم أن إبليس ينهى عن الخير كله ويأمر بالشر كله ؟ فقال: بلى، قال: فيجوز أن يأمر بالشر كله وهو لا يعرفه ؟ وينهى عن الخير كله وهو لا يعرفه ؟ قال: لا، فقال له أبو الحسن: فقد ثبت أن إبليس يعلم الشر والخير كله، قال أبو الهذيل: أجل، قال: فأخبرني عن إمامك الذي تأتم به بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) هل


(1) هو على بن اسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمار أبو الحسن مولى بنى اسد، كوفى سكن البصرة، كان من وجوه المتكلمين من أصحابنا، كلم أبا الهذيل والنظام، عده الشيخ في رجاله من اصحاب الرضا (عليه السلام)، وله مجالس وكتب: منها كتاب الامامة سماه الكامل، كتاب الاستحقاق، كتاب النكاح، كتاب الطلاق، كتاب مجالس هشام بن الحكم، كتاب المتعة. وقال الشيخ وابن النديم في فهرستيهما والعلامة في الخلاصة: هو اول من تكلم على مذهب الامامية، وحكى الصدوق قدس سره في عيون الاخبار عن عون بن محمد الكندى أنه قال: ما رأيت احدا قط اعرف بامور الائمة وأخبارهم ومناكحهم من على بن ميثم. وقال ابن حجر في لسان الميزان 4: 265: هو مشهور من أهل البصرة، وكانت بينه وبين أبى الهذيل مناظرة ذكرها أبو القاسم السهمى في كتاب الحجة، قال: اجتمع على بن ميثم وأبو الهذيل عند أمير البصرة فقال على بن ميثم: أخبرني عن العقل مباح هو أو محظور ؟ فلم يجبه، فلما افترقا سأله الامير، فقال: بأى شئ كنت اجيبه، ان قلت: محظور كنت قد تابعته، وان قلت: مباح قال: كنت تأخذ بذلك لك وحدك. انتهى قلت: ترجمه الشيخ في الفهرست والرجال، والنجاشى وابن النديم في فهرستيهما. (2) هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول البصري أبو الهذيل العلاف مولى عبد القيس شيخ المعتزلة ومقدمهم ومقرر الطريقة والمناظر عليها، ومصنف الكتب الكثيرة فيها، أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، وروى عن غياث بن ابراهيم القاضى وسليمان بن مريم وغيرهما، وروى عنه عيسى بن محمد الكاتب وأبو يعقوب الشحام وأبو العينا وآخرون، انفرد عن اصحابه بمقالات أوردها الشهرستاني في الملل والنحل 1: 66، قدم بغداد سنة 230 وتوفى 235 عن 100 سنة، وقيل: توفى بسرمن رأى في سنة 226 عن 104 سنة، وقيل: في 227 و 231 و 234. (*)

[ 371 ]

يعلم الخير كله والشر كله ؟ قال: لا، قال له: فإبليس أعلم من إمامك إذا، فانقطع أبو الهذيل. (1) 2 – وقال أبو الحسن علي بن ميثم يوما آخر لابي الهذيل: أخبرني عمن أقر على نفسه بالكذب وشهادة الزور هل يجوز شهادته في ذلك المقام على آخر ؟ فقال أبو الهذيل: لا يجوز ذلك، قال أبو الحسن: أفلست تعلم أن الانصار ادعت الامرة لنفسها ثم أكذبت نفسها في ذلك المقام، وشهدت بالزور، ثم أقرت بها لابي بكر و شهدت بها له ؟ فكيف تجوز شهادة قوم أكذبوا أنفسهم وشهدوا عليها بالزور مع ما أخذنا رهنك من القول في ذلك ؟ وقال لي الشيخ أدام الله حراسته: هذا كلام موجز في البيان، والمعنى فيه على الايضاح أنه إذا كان الدليل عند من خالفنا على إمامة أبي بكر إجماع المهاجرين عليه فيما زعمه والانصار وكان معترفا ببطلان شهادة الانصار من حيث أقرت على نفسها بباطل ما ادعته من استحقاق الامامة فقد صار وجود شهادتهم كعدمها، وحصل الشاهد بإمامة أبي بكر بعض الامة (2) لاكلها، وبطل ما ادعوه من الاجماع عليها، ولا خلاف بيننا وبين خصومنا أن إجماع بعض الامة ليس بحجة فيما ادعاه، وأن الغلط جائز عليه، وفي ذلك فساد الاستدلال على إمامة أبي بكر بما ادعاه القوم، وعدم البرهان عليها من جميع الوجوه. (3) 3 – قال: وأخبرني الشيخ أيضا قال: جاء ضرار إلى أبي الحسن علي بن ميثم رحمه الله فقال له: يا أبا الحسن قد جئتك مناظرا، فقال له أبو الحسن: وفيم تناظرني ؟ قال: في الامامة، قال: ما جئتني والله مناظرا ولكنك جئت متحكما، قال ضرار: ومن أين لك ذلك ؟ قال أبو الحسن: علي البيان عنه، أنت تعلم أن المناظرة ربما انتهت إلى حد يغمض فيه الكلام فيتوجه الحجة على الخصم، فيجهل ذلك أو يعاند وإن لم يشعر بذلك منه أكثر مستمعيه بل كلهم، ولكنني أدعوك إلى منصفة في القول، اختر


(1) الفصول المختارة 1: 5. (2) في المصدر: وحصل الشاهد بامامة أبى بكر من بعض الامة. (3) الفصول المختارة 1: 5 و 6.

[ 372 ]

أحد الامرين: إما أنتقبل قولي في صاحبي وأقبل قولك في صاحبك فهذه واحدة، فقال ضرار: لا أفعل ذلك، قال له أبو الحسن: ولم لا تفعل ؟ قال: لانني إذا قبلت قولك في صاحبك قلت لي: إنه كان وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأفضل من خلفه، وخليفته على قومه، وسيد المسلمين، فلا ينفعني بعد ذلك مثل أن أقول: إن صاحبي كان صديقا (1) واختاره المسلمون إماما، لان الذي قبلته منك يفسد علي هذا، قال أبو الحسن: فاقبل قولي في صاحبك، وأقبل قولك في صاحبي، قال ضرار: وهذا لا يمكن أيضا لاني إذا قبلت قولك في صاحبي قلت لي: كان ضالا مضلا ظالما لآل محمد (صلى الله عليه وآله) قعد غير مجلسه، (2) ودفع الامام عن حقه، وكان في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) منافقا، فلا ينفعني قبولك قولي فيه: إنه كان خيرا فاضلا، (3) وصاحبا أمينا، لانه قد انتقض بقبولي قولك فيه: إنه كان ضالا مضا، (4) فقال له أبو الحسن رحمه الله: فإذا كنت لا تقبل قولك في صاحبك ولا قولي فيه (5) فما جئتني إلا متحكما، ولم تأتني مناظرا. (6) 4 – قال: وأخبرني الشيخ أيده الله قال: قال أبو الحسن علي بن ميثم رحمه الله لرجل نصراني: لم علقت الصليب في عنقك ؟ قال: لانه شبه الشئ الذي صلب عليه عيسى (عليه السلام) قال أبو الحسن: أفكان (عليه السلام) يحب أن يمثل به ؟ (7) قال: لا، قال فأخبرني عن عيسى أكان يركب الحمار ويمضي عليه في حوائجه ؟ قال: نعم. قال: أفكان يحب بقاء الحمار حتى يبلغ عليه حاجته ؟ قال: نعم، قال: فتركت ما كان يحب عيسى بقاءه وما كان يركبه في حياته بمحبة منه، وعمدت إلى ما حمل عليه عسى (عليه السلام) بالكره، و أركبه بالبعض له (8) فعلقته في عنقك، فقد كان ينبغي على هذا القياس أن تعلق الحمار في عنقك وتطرح الصليب وإلا فقد تجاهلت. (9)


(1) في المصدر: فلا ينفعني بعد أن قبلت ذلك منك ان صاحبي كان صديقا. (2) في المصدر: قعد في غير مجلسه. (3) في المصدر: انه كان خيرا صالحا. (4) في المصدر: قد انتقض بقبولي قولك فيه بعد ذلك انه كان ضالا مضلا. (5) في المصدر زيادة وهى هذه: ولا قولك في صاحبي. (6) الفصول المختارة 1: 9 و 10. (7) مثل ومثل بالرجل: نكل به، أي أفكان يحب أن يصلب. (8) في المصدر: وركبه بالبغض له. (9) الفصول المختارة 1: 31.

[ 373 ]

5 – قال: وأخبرني الشيخ أدام الله عزه قال: سئل أبو الحسن علي بن ميثم رحمه الله (1) فقيل له: لم صلى أمير المؤمنين (عليه السلام) خلف القوم ؟ قال: جعلهم بمثل سواري المسجد، قال السائل: فلم ضرب الوليد بن عقبة الحدبين يدي عثمان ؟ فقال: لان الحدله وإليه فإذا أمكنه إقامته أقامه بكل حيلة، قال: فلم أشار على أبي بكر وعمر ؟ قال: طلبا منه أن يحيى أحكام الله ويكون دينه القيم كما أشار يوسف على ملك مصر نظرا منه للخلق، ولان الارض والحكم فيها إليه، فإذا أمكنه أن يظهر مصالح الخلق فعل، وإذا لم يمكنه ذلك بنفسه توصل إليه على يدي من يمكنه طلبا منه لاحياء أمر الله تعالى، قال: فلم قعد عن قتالهم ؟ قال: كما قعد هارون بن عمران (عليه السلام) عن السامري وأصحابه وقد عبدوا العجل، قال: أفكان ضعيفا ؟ قال: كان كهارون حيث يقول: (يا ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) وكان كنوح (عليه السلام) إذ قال: (إني مغلوب فانتصر) وكان كلوط (عليه السلام) إذ قال: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) وكان كهارون وموسى عليهما السلام إذ قال: (رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي) قال: فلم قعد في الشورى ؟ قال: اقتدارا منه على الحجة، وعلما منه بأن القوم إن ناظروه وأنصفوه كان هو الغالب، ولو لم يفعل وجبت الحجة عليه، لانه من كان له حق فدعي إلى أن يناظر فيه فإن ثبت له الحجة اعطيه فلم يفعل بطل حقه (2) وأدخل بذلك الشبهة على الخلق، وقد قال يومئذ: اليوم ادخلت في باب ان انصفت فيه وصلت إلى حقي يعني أن أبا بكر استبد بها يوم السقيفة ولم يشاور، (3) قال: فلم زوج عمر بن الخطاب ابنته ؟ (4) قال: لاظهاره الشهادتين، وإقراره بفضل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأراد بذلك استصلاحه وكفه عنه، وقد عرض لوط (عليه السلام) بناته على قومه وهم كفار ليردهم عن ضلالهم، فقال: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد). (5)


(1) في المصدر: سئل أبو الحسن على بن إسماعيل بن ميثم رحمه الله. (2) في المصدر: فان ثبت له الحجة سلم الحق إليه واعطيه فان لم يفعل بطل حقه. (3) في المصدر: ولم يشاوره. (4) سيأتي الاختلاف في انه (عليه السلام) زوج عمر بن الخطاب ابنته أم لا. (5) الفصول المختارة 1: 39 و 40.

[ 374 ]

6 – قال: وأخبرني الشيخ أدام الله عزه أيضا قال: دخل أبو الحسن علي بن ميثم رحمه الله على الحسن بن سهل وإلى جانبه ملحد قد عظمه والناس حوله فقال: لقد رأيت ببابك عجبا، قال: وما هو ؟ قال: رأيت سفينة تعبر بالناس من جانب إلى جانب بلا ملاح ولا ماصر ! (1) فقال له صاحبه الملحد وكان بحضرته: إن هذا أصلحك الله لمجنون ! قال: قلت وكيف ذاك ؟ قال: خشب جماد لا حيلة له ولا قوة ولا حياة فيه ولا عقل كيف تعبر بالناس ؟ ! قال: فقال أبو الحسن: وأيما أعجب ؟ هذا أو هذا الماء الذي يجري على وجه الارض يمنة ويسرة بلا روح ولا حيلة ولا قوى ؟ وهذا النبات الذي يخرج من الارض ؟ والمطر الذي ينزل من السماء ؟ تزعم أنت أنه لا مدبر لهذا كله وتنكر أن تكون سفينة تتحرك بلا مدبر وتعبر بالناس ! قال: فبهت الملحد. (2) 7 – قال: وأخبرني الشيخ أدام الله عزه قال: سأل أبو الهذيل العلاف علي بن ميثم رحمه الله عند علي بن رياح فقال له: ما الدليل على أن عليا (عليه السلام) كان أولى بالامإمة من أبي بكر ؟ فقال له: الدليل على ذلك إجماع أهل القبلة على أن عليا (عليه السلام) كان عند وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مؤمنا عالما كافيا، ولم يجمعوا بذلك على أبي بكر، فقال له أبو الهذيل: ومن لم يجمع عليه عافاك الله ؟ قال له أبو الحسن: أنا وأسلا في من قبل وأصحابي الآن، قال له أبو الهذيل: فأنت وأصحابك ضلال تائهون ! فقال له أبو الحسن: ليس جواب هذا الكلام إلا السباب واللطام. (3) 8 – وقال رضي الله عنه: ومن حكايات الشيخ أدام الله عزه قال: سئل أبو محمد الفضل بن شاذان النيشابوري (4) رحمه الله فقيل له: ما الدليل على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فقال: الدليل على ذلك من كتاب الله عزوجل، ومن سنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، ومن إجماعه المسلمين.


(1) الماصر: حبل يوضع بين الشطين لتعبر عليه السفينة. (2) الفصول المختارة 1: 44. (3) الفصول المختارة 1: 52. (4) هو فضل بن شاذان بن الخليل أبو محمد الازدي النيسابوري الفقيه المتكلم الثقة، رئيس الطائفة، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامامين: الهادى والعسكري عليهما السلام، وكان *

[ 375 ]

فأما كتاب الله تبارك وتعالى فقوله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم) فدعانا سبحانه إلى طاعة اولي الامر كما دعانا إلى طاعة نفسه وطاعة رسوله، فاحتجنا إلى معرفة اولي الامر كما وجبت علينا معرفة الله تعالى، ومعرفة الرسول عليه وآله السلام، فنظرنا في أقاويل الامة فوجدناهم قد اختلفوا في اولي الامر، وأجمعوا في الآية على ما يوجب كونها في علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال بعضهم: اولي الامر هم امراء السرايا، وقال بعضهم: هم العلماء، وقال بعضهم: هم القوام على الناس، والامرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، وقال بعضهم: هم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والائمة من ذريته عليهم السلام، فسألنا الفرقة الاولة فقلنا لهم: أليس علي بن أبي طالب (عليه السلام) من امراء السرايا ؟ فقالوا: بلى، فقلنا للثانية: ألم يكن (عليه السلام) من العلماء ؟ قالوا: بلى، فقلنا للثالثة: أليس علي (عليه السلام) قد كان من القوام على الناس بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ فقالوا: بلى، فصار أمير المؤمنين (عليه السلام) معينا بالآية باتفاق الامة واجتماعها، وتيقنا ذلك بإقرار المخالف لنافي الامامة (1) والموافق عليها، فوجب أن يكون إماما بهذه الآية لوجود الاتفاق على أنه معني بها، ولم يجب العدول إلى غيره والاعتراف بإمامته لوجود الاختلاف في ذلك وعدم الاتفاق وما يقوم مقامه من البرهان. وأما السنة فإنا وجدنا النبي (صلى الله عليه وآله) استقضى عليا (عليه السلام) على اليمن، وأمره


* أبوه من أصحاب يونس وروى عن ابى جعفر الثاني (عليه السلام) أيضا، وللفضل مصنفات كثيرة تبلغ مائة وثمانين كتابا، أورد عدة منها الطوسى والنجاشى في فهرستيهما، منها: كتاب الرد على الحسن البصري في التفضيل، كتاب النقض على الاسكافي، كتاب الرد على أهل التعطيل، كتاب الرد على الثنوية، كتاب الرد على المنانية، كتاب الرد على الغالية المحمدية، كتاب الرد على محمد بن كرام، كتاب الرد على الاصم، كتاب الرد على الفلاسفة، كتاب الرد على الباطنية والقرامطة، كتاب الرد على يزيد بن بزيع الخارجي، كتاب الرد على المرجئة، كتاب تبيان اهل الضلالة، كتاب الرد على الحشوية، تاب الاعراض والجواهر، كتاب العلل، كتاب السنن، كتاب الفرائض الكبير، كتاب الفرائض الاوسط، كتاب الفرائض الصغير، كتاب مسائل البلدان، كتاب الامامة الكبيرة وغير ذلك. (1) في المصدر: وتيقنا ذلك باقرار المخالف لنا في امامته (عليه السلام).

[ 376 ]

على الجيوش، وولاه الاموال، وأمره بأدائها إلى بني جذيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد ظلما، واختاره لاداء رسالات الله سبحانه والابلاغ عنه في سورة براءة، واستخلفه عند غيبته على من خلف، ولم نجد النبي (صلى الله عليه وآله) سن هذه السنن في أحد غيره، ولا اجتمعت هذه السنن في أحد بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كما اجتمعت في علي (عليه السلام)، وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد موته واجبة كوجوبها في حياته، وإنما يحتاج الامة إلى الامام بهذه الخصال التي ذكرناها، فإذا وجدناها في رجل قد سنها الرسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه كان أولى بالامامة ممن لم يسن النبي فيه شيئا من ذلك. وأما الاجماع فإن إمامته ثبتت من جهته من وجوه: منها أنهم قد أجمعوا جميعا أن عليا (عليه السلام) قد كان إماما ولو يوما واحدا، ولم يختلف في ذلك أصناف أهل الامامة (1) ثم اختلفوا فقالت طائفة: كان إماما في وقت كذا وكذا، (2) وقالت طائفة: بل كان إماما بعد النبي (صلى الله عليه وآله) في جميع أوقاته، ولم يجمع الامة على غيره أنه كان إماما في الحقيقة طرفة عين، والاجماع أحق أن يتبع من الاختلاف. ومنها أنهم أجمعوا جميعا على أن عليا (عليه السلام) كان يصلح للامامة، وأن الامامة تصلح لبني هاشم، واختلفوا في غيره، وقالت طائفة: لم يكن تصلح لغير علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولا تصلح لغير بني هاشم، والاجماع حق لا شبهة فيه، والاختلاف لا حجة فيه. ومنها أنهم أجمعوا على أن عليا (عليه السلام) كان بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ظاهر العدالة واجبة له الولاية، ثم اختلفوا فقال قوم: كان مع ذلك معصوما (3) من الكبائر والضلال، وقال آخرون: لم يك معصوما ولكن كان عدلا براتقيا على الظاهر، لا يشوب ظاهره الشوائب، فحصل الاجماع على عدالته (عليه السلام)، واختلفوا في نفي العصمة عنه (عليه السلام). ثم أجمعوا جميعا على أن أبا بكر لم يكن معصوما، واختلفوا في عدالته فقالت طائفة:


(1) في المصدر: ولم يختلف في ذلك أصناف أهل الملة. (2) في المصدر: فقالت طائفة: كان اماما في وقت كذا دون وقت كذا. (3) في المصدر: إنه كان مع ذلك معصوما.

[ 377 ]

كان عدلا، وقال آخرون: لم يكن عدلا، لانه أخذ ما ليس له، فمن أجمعوا على عدالته واختلفوا في عصمته أولى بالامامة وأحق ممن اختلفوا في عدالته وأجمعوا على نفي العصمة عنه. (1) 9 – ثم قال: ومن حكايات الشيخ وكلامه قال: سئل الفضل بن شاذان رحمه الله عما روته الناصبة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (لا اوتي برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري) فقال: إنما روى هذا الحديث سويدبن غفلة وقد أجمع أهل الآثار على أنه كان كثير الغلط، وبعد فإن نفس الحديث متناقض، لان الامة مجمعة على أن عليا (عليه السلام) كان عدلا في قضيته، وليس من العدل أن يجلد حد المفتري من لم يفتر، لان هذا جور على لسان الامة كلها، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) عندنا برئ من ذلك. قال الشيخ أدام الله عزه: وأقول: إن هذا الحديث إن صح عن أمير المؤمنين (عليه السلام) – ولن يصح بأدلة أذكرها بعد – فإن الوجه فيه أن الفاضل بينه وبين الرجلين (2) إنما وجب عليه حد المفتري من حيث أوجب لهما بالمفاضلة مالا يستحقانه من الفضل، لان المفاضلة لا يكون إلا بين مقاربين في الفضل، (3) وبعد أن يكون في المفضول فضل، و إذا كانت الدلائل على أن من لاطاعة معه لا فضل له في الدين، وأن المرتد عن الاسلام ليس فيه شئ من الفضل الديني وكان الرجلان بجحدهما النص قبل قد خرجا عن الايمان بطل أن يكون لهما فضل في الاسلام، فكيف يحصل لهما من الفضل ما يقارب فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟ ! ومتى فضل إنسان أمير المؤمنين (عليه السلام) عليهما فقد أوجب لهما فضلا في الدين، فإنما استحق حد المفتري الذي هو كاذب، دون المفتري الذي هو راجم بالقبيح، لانه افترى بالتفضيل لامير المؤمنين (عليه السلام) عليهما من حيث كذب في إثبات فضل لهما في الدين، ويجري في هذا الباب مجرى من فضل البر التقي (4) على الكافر


(1) الفصول المختارة 1: 77 و 78. (2) في المصدر: ان المفاضل بينه وبين الرجلين. (3) في المصدر: لان المفاضلة لا تكون الابين متقاربين في الفضل. (4) في المصدر: من فضل المسلم البر التقى.

[ 378 ]

المرتد الخارج عن الدين، ومجرى من فضل جبرئيل (عليه السلام) على إبليس، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) على أبي جهل بن هشام، في أن المفاضلة بين من ذكرناه يوجب لمن لا فضل له على وجه فضلا مقاربا لفضل العظماء عند الله تعالى، وهذا بين لمن تأمله. مع أنه لو كان هذا الحديث صحيحا وتأويله على ما ظنه القوم يوجب أن يكون حد المفتري واجبا على الرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحاشا له من ذلك، لان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) على سائر الخلق، وآخى بينه وبين نفسه، وجعله بحكم الله في المباهلة نفسه، وسد أبواب القوم إلا بابه، ورد أكثر الصحابة (1) عن إنكاحهم ابنته سيدة نساء العالمين (عليها السلام) وأنكحه، وقدمه في الولايات كلها ولم يوخره، وأخبر أنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وأنه أحب الخلق إلى الله تعالى، وأنه مولى من كان مولاه من الانام، وأنه منه بمنزلة هارون من موسى بن عمران، وأنه أفضل من سيدي شباب أهل الجنة، وأن حربه حربه وسلمه سلمه، وغير ذلك مما يطول شرحه إن ذكرناه. (2) وكان أيضا يجب أن يكون (عليه السلام) قد أوجب الحد على نفسه إذ أبان فضله على سائر أصحاب الرسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث يقول: (أنا عبد الله وأخو رسول الله، لم يقلها أحد قبلي ولا يقولها أحد بعدي إلا مفتر كذاب، صليت قبلهم سبع سنين) وفي قوله لعثمان وقد قال له: أبو بكر وعمر خير منك فقال: (بل أنا خير منك ومنهما، عبدت الله عزوجل قبلهما وعبدته بعدهما) وكان أيضا قد أوجب الحد على ابنه الحسن وجميع ذريته وأشياعه وأنصاره وأهل بيته، فإنه لا ريب في اعتقاد هم فضله على سائر الصحابة، وقد قال الحسن (عليه السلام) صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السلام): (لقد قبض الليلة رجل (3) ما سبقه الاولون بعمل، ولا أدركه الآخرون) وهذه المقالة متهافتة جدا. وقال الشيخ أيده الله: ولست أمنع العبارة بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أفضل من أبي بكر وعمر على معنى تسليم فضلهما من طريق الجدل، أو على معتقد


(1) في المصدر: ورد كبراء أصحابه عن نكاحهم. (2) في المصدر: وغير ذلك مما يطول به الكتاب إن ذكرناه. (3) في المصدر: لقد قبض في هذه اليلة.

[ 379 ]

الخصوم في أن لهما فضلا في الدين، وأما على تحقيق القول في المفاضلة فإنه غلط وباطل. قال الشيخ: وشاهد ما أطلقت من القول ونظيره قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في أهل الكوفة: (اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، اللهم فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني). ولم يكن في أمير المؤمنين (عليه السلام) شر، إنما أخرج الكلام على اعتقادهم فيه، ومثله قول حسان بن ثابت وهو يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتهجوه ولست له بكفو * فخير كما لشر كما الفداء. (1) ولم يكن في رسول الله (صلى الله عليه وآله) شر، وإنما أخرج الكلام على معتقد الهاجي فيه، وقوله تعالى: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) ولم يكن الرسول على ضلال. 10 – ثم قال رضي الله عنه: ومن حكايات الشيخ وكلامه: قال الشيخ أيده الله: وقد كان الفضل بن شاذان رحمه الله استدل على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بقول الله تعالى: (واولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) قال: وإذا أوجب الله تعالى للاقرب برسول الله (صلى الله عليه وآله) الولاية وحكم بأنه أولى به من غيره وجب أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أولى بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كل أحد، قال الفضل: فإن قال قائل: فإن العباس كان أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من علي (عليه السلام) قيل له: إن الله تعالى لم يذكر الاقرب بالنبي (صلى الله عليه وآله) دون أن علقه بوصف فقال: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امهاتهم واولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) فشرط في الاولى بالرسول الايمان والهجرة، ولم يكن العباس من المهاجرين ولا كانت له هجرة باتفاق. (2) قال الشيخ رحمه الله: وأقول: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أقرب إلى رسول الله


(1) في المصدر: فشر كما لخير كما الفداء. (2) وقد استدل بذلك الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) وتقدم ذكره في باب احتجاجه عليه السلام.

[ 380 ]

(صلى الله عليه وآله) من العباس وأولى بمقامه منه إن ثبت أن المقام موروث، وذلك أن عليا (عليه السلام) كان ابن عم رسول الله لابيه وامه، العباس رحمه الله عمه لابيه، (1) ومن تقرب بسببين كان أقرب ممن يتقرب بسبب واحد. وأقول: إنه لو لم تكن فاطمة عليها السلام موجودة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكان أمير المؤمنين أحق بتركته من العباس رحمه الله، ولو ورث مع الولد أحد غير الابوين والزوج والزوجة لكان أمير المؤمنين أحق بميراثه (صلى الله عليه وآله) مع فاطمة (عليها السلام) من العباس بما قدمت من انتظامه القرابة من جهتين، واختصاص العباس بها من جهة واحدة. قال الشيخ أيده الله: ولست أعلم بين أهل العلم خلافا في أن عليا (عليه السلام) ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابيه وامه، وأن العباس رضي الله عنه كان عمه لابيه خاصة، ويدل على ذلك ما رواه نقلة الآثار وهو أن أبا طالب رحمه الله مر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) إلى جنبه، فلما سلم قال: ما هذا يا ابن أخ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): شئ أمرني به ربي يقر بني إليه، (2) فقال لابنه جعفر: يا بني صل جناح ابن عمك، فصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعلي وجعفر (عليهما السلام) يومئذ، (3) فكانت أول صلاة جماعة في الاسلام، ثم أنشأ أبو طالب يقول: إن عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان الكرب والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذوحسب لاتخذ لا وانصرا ابن عمكما * أخي لامي من بينهم وأبي ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله قال: سمعت عليا (عليه السلام) ينشد ورسول الله يسمع: أنا أخو المصطفى لا شك في نسبي * معه ربيت وسبطاهما ولدي جدي وجد رسول الله منفرد * وفاطمة زوجتي لا قول ذي فند (4)


(1) في المصدر: والعباس عمه لابيه خاصة. (2) في المصدر: يقربني به إليه. (3) في المصدر: فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله بعلى وجعفر جميعا يومئذ. (4) في المصدر: (وفاطم زوجتى). فند: خرف وضعف عقله. كذب، فندفى الرأى أو أخطأ.

[ 381 ]

فالحمد لله شكرا لا شريك له * البر بالعبد والباقي بلا أمد (1) قال: فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال له: صدقت يا علي. وفي ذلك أيضا يقول الشاعر: إن علي بن أبي طالب * جدا رسول الله جداه أبو علي وأبو المصطفى * من طينة طيبها الله (2) * (باب 22) * * (احتجاجات أبى جعفر الجواد ومناظراته صلوات الله عليه) * 1 – فس: محمد بن الحسن، عن محمد بن عون النصيبي قال: لما أراد المأمون أن يزوج أبا جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام ابنته ام الفضل اجتمع عليه أهل بيته الادنين منه فقالوا: يا أمير المؤمنين ننشدك الله أن تخرج عنا أمرا قد ملكناه، وتنزع عنا عزا قد ألبسنا الله، فقد عرفت الامر الذي بيننا وبين آل علي (عليه السلام) قديما وحديثا، فقال المأمون: اسكتوا فوالله لاقبلت من أحد منكم في أمره، فقالوا: يا أمير المؤمنين أفتزوج قرة عينك صبيالم يتفقه في دين الله، ولا يعرف فريضة من سنة، ولا يميز بين الحق والباطل ؟ – ولابي جعفر (عليه السلام) يومئذ عشر سنين، أو إحدى عشرة سنة – فلو صبرت عليه حتى يتأدب ويقرأ القرآن ويعرف فرضا من سنة، فقال لهم المأمون: والله إنه أفقه منكم، وأعلم بالله وبرسوله وفرائضه وسننه وأحكامه، وأقرء لكتاب الله، وأعلم بمحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه وناسخه ومنسوخه وتنزيله وتأويله منكم، فاسألوه فإن كان الامر كما قلتم قبلت منكم في أمره، وإن كان كما قلت علمتم أن الرجل خير منكم،


(1) في المصدر هنا زيادة وهى هذه: صدقته وجميع الناس في بهم * من الضلالة والاشراك والكند قلت: بهم – بضم الهاء وسكونها -: جمع البهيم، يقال: ليل بهيم أي لاضوء فيه إلى الصباح. والكند: كفران النعمة. (2) الفصول المختارة 1: 115 و 116.

[ 382 ]

فخرجوا عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم وأطمعوه في هدايا أن يحتال على أبي جعفر (عليه السلام) بمسألة لا يدري كيف الجواب فيها عند المأمون إذا اجتمعوا للتزويج، فلما حضروا وحضر أبو جعفر (عليه السلام) قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يحيى بن أكثم إن أذنت له سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن مسألة، فقال المأمون: يا يحيى سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه. فقال يحيى: يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): قتله في حل أوفي حرم ؟ عالما أو جاهلا ؟ عمدا أو خطأ ؟ عبدا أو حرا، صغيرا أو كبيرا مبدئا أو معيدا ؟ من ذوات الطير أو من غيرها ؟ من صغار الصيد أو من كبارها ؟ مصرا عليها أو نادما ؟ بالليل في وكرها (1) أو بالنهار عيانا ؟ محرما للحج أو للعمرة ؟ قال: فانقطع يحيى بن أكثم انقطاعا لم يخف على أهل المجلس، وكثر الناس تعجبا من جوابه، ونشط المأمون، فقال: تخطب يا أبا جعفر ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): نعم يا أمير المؤمنين، فقال المأمون: الحمدلله إقرارا بنعمته، ولا إلى إلا الله إخلاصا لعظمته، وصلى الله على محمد عند ذكره، وقد كان من فضل الله على الانام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال: (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) ثم إن محمد بن علي ذكرام الفضل بنت عبد الله، وبذل لها من الصداق خمس مائة درهم، وقد زوجت، فهل قبلت يا أبا جعفر ؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): نعم يا أمير المؤمنين قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق، ثم أولم (2) عليه المأمون، وجاء الناس على مراتبهم في الخاص والعام، قال فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كلاما كأنه كلام الملاحين في مجاو باتهم، فإذا نحن بالخدم يجرون سفينة من فضة فيها نسائج من أبريسم مكان القلوس، والسفينة مملوءة غالية فضمخوا لحى أهل الخاص بها (3) ثم مدوها إلى دار العامة فطيبوهم.


(1) الوكر: عش الطائر وموضعه. (2) أولم: عمل الوليمة، وهى كل طعام يتخذ لجمع أو لدعوة. (3) ضمخ وضمخ جسده بالطيب: لطخه به حتى كانه يقطر. وفى المصدر: فخضبوا اهل الخاص يها ثم مروا بها إلى دار العامة.

[ 383 ]

فلما تفرق الناس قال المأمون: يا أبا جعفر إن رأيت أن تبين لنا ما الذي يجب على كل صنف من هذه الاصناف التي ذكرت في قتل الصيد، فقال أبو جعفر (عليه السلام): نعم يا أمير المؤمنين، إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل والصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة وإذا أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، وإذا قتل في الحرم فعليه حمل قد فطم، وليس عليه قيمته لانه ليس في الحرم، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمته لانه في الحرم، فإذا كان من الوحوش فعليه في حمار وحش بدنة، (1) وكذلك في النعامة، فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما، وإن كانت بقرة فعليه بقرة، فإن لم يقدر فعليه إطعام ثلاثين مسكينا، فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام، وإن كان ظبيا فعليه شاة، فإن لم يقدر فعليه إطعام عشرة مساكين، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، وإن كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة حقا واجبا عليه أن ينحره، فإنكان في حج بمنى حيث ينحر الناس، وإن كان في عمرة ينحره بمكة، ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا، وكذلك إذا أصاب أرنبا فعليه شاة، وإذا قتل الحمامة تصدق بدرهم، أو يشتري به طعاما لحمام الحرم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم، وكل ما أتى به المحرم بجهالة فلا شئ عليه فيه إلا الصيد، فإن عليه الفداء بجهالة كان أو بعلم، بخطأ كان أو بعمد، وكل ما أتى العبد (2) فكفارته على صاحبه بمثل ما يلزم صاحبه، وكل ما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شئ عليه فيه، وإن كان ممن عاد فهو ممن ينتقم الله منه، ليس عليه كفارة، والنقمة في الآخرة، وإن دل على الصيد وهو محرم فقتل فعليه الفداء، والمصر عليه يلزمه بعد الفداء عقوبة في الآخرة، والنادم عليه لا شئ عليه بعد الفداء، وإذا أصاب ليلا في وكرها خطأ فلا شئ عليه إلا أن يتعمده، فإن تعمد بليل أو نهار فعليه الفداء، والمحرم للحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس، والمحرم للعمرة ينحر بمكة. فأمر المأمون أن يكتب ذلك كله عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ثم دعا أهل بيته


(1) في المصدر: وإذا كان من الوحش فعليه في الحمار الوحش بدنة. (2) في المصدر: وكل ما أتى به العبد.

[ 384 ]

الذين أنكروا تزويجه عليه فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب ؟ قالوا: لا والله ولا القاضي، ثم قال: ويحكم أهل هذا البيت خلومنكم ومن هذا الخلق، أو ما علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بايع الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما صبيان غير بالغين، ولم يبايع طفلا غيرهما ؟ أو ما علمتم أن أباه عليا (عليه السلام) آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهو ابن عشرة سنة ؟ (1) وقبل الله ورسوله منه إيمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) طفلا غيره إلى الايمان ؟ أو ما علمتم أنها ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم مثل ما يجرى لاولهم ؟ فقالوا: صدقت يا أمير المؤمنين كنت أنت أعلم به منا. قال: ثم أمر المأمون أن ينثر على أبي جعفر (عليه السلام) ثلاثة أطباق رقاع زعفران و مسك معجون بماء الورد، وجوفها رقاع، على طبق رقاع عمالات، والثاني ضياع طعمة لمن أخذها، والثالث فيه بدر، فأمر أن يفرق الطبق الذي عليه عمالات على بني هاشم خاصة، والذي عليه ضياع طعمة على الوزراء، والذي عليه البدر على القواد، ولم يزل مكرما لابي جعفر (عليه السلام) أيام حياته حتى كان يؤثره على ولده. (2) بيان: قال الجوهري: القلس: حبل ضخم من ليف أو خوص من قلوس السفن والبدر بكسر الباء وفتح الدال: جمع بدرة التي يجعل فيها الدراهم والدنانير. ف: مرسلا مثله. (3) ختص: علي بن إبراهيم رفعه وذكر مثله. (4)


(1) في المصدر: وهو ابن اثني عشر سنة. وفى التحف: وهو ابن تسع سنين. (2) تفسير القمى: 169 – 172. (3) تحف العقول: ص 451 – 453، إلا أن فيه: ولابي جعفر (عليه السلام) تسع سنين. وفيه: ثم إن محمد بن على خطب ام الفضل. وفيه: وأجاز الناس على مراتبهم أهل الخاصة واهل العامة والاشراف والعمال وأوصلالى كل طبعة برا على ما يستحقه. ولم يذكر قصة السفينة. وفيه: وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ. وفيه: وكذلك إذا أصاب ارنبا أو ثعلبا فعليه شاة، ويتصدق بمثل ثمن شاة، وإن قتل حماما من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق به ودرهم يشترى به علفا لحمام الحرم. إلى غير ذلك من الاختلاف. (4) الاختصاص مخطوط. وأخرجه ايضا المفيد في الارشاد ص 342 – 346 باسناده عن الحسن بن محمد بن سليمان عن على بن ابراهيم عن ابيه عن الريان بن شبيب. والطبري في دلائل الامامة ص 206 – 208 والاربلى في كشف الغمة ص 285 – 286 والطبرسي في الاحتجاج ص 245 – 246، والفتال في الروضة مع اختلاف في الالفاظ.

[ 385 ]

2 – ف: قال المأمون ليحيى بن أكثم: اطرح على أبي جعفر محمد بن الرضا (عليه السلام) مسألة تقطعه فيها، فقال يحيى: يا أبا جعفر ما تقول في رجل نكح امرأة على زنى أتحل له أن يتزوجها ؟ فقال (عليه السلام): يدعها حتى يستبرأها من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه، ثم يتزوج بها إن أراد، فإنما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها حلالا. فانقطع يحيى، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا محمد ما تقول في رجل حرمت عليه امرأة بالغداة، وحلت له ارتفاع النهار، وحرمت عليه نصف النهار، ثم حلت له الظهر، ثم حرمت عليه العصر، ثم حلت له المغرب، ثم حرمت عليه نصف الليل، ثم حلت له مع الفجر، ثم حرمت عليه ارتفاع النهار، ثم حلت له نصف النهار ؟ فبقي يحيى والفقهاء بلسا خرسا، (1) فقال المأمون: يا ابا جعفر أعزك الله بين لنا هذا، قال: هذا رجل نظر إلى مملوكة لا تحل له فاشتراها فحلت له، ثم أعتقها فحرمت عليه، ثم تزوجها فحلت له، فظاهر منها فحرمت عليه، فكفر للظهار فحلت له، ثم طلقها تطليقة فحرمت عليه، ثم راجعها فحلت له، فارتد عن الاسلام فحرمت عليه، فتاب ورجع إلى الاسلام فحلت له بالنكاح الاول، كما أقر رسول الله (صلى الله عليه وآله) نكاح زينب مع أبي العاص بن الربيع حيث أسلم على النكاح الاول. (2)


(1) قول: (بلسا) من بلس في أمره: تحير. خرس: انعقد لسانه عن الكلام. (2) تحف العقول: 454. وقد اخرج سؤال ابى جعفر (عليه السلام) عن يحيى المفيد في الارشاد والطبرسي في الاحتجاج والفتال في الروضة والاربلى في كشف الغمة ذيل الحديث السابق.

[ 386 ]

* (باب 23) * * (احتجاجات أبى الحسن على بن محمد النقى – صلوات الله عليه وأصحابه) * * (وعشائره – على المخالفين والمعاندين) * 1 – ف: قال موسى بن محمد بن الرضا: لقيت يحيى بن أكثم في دار العامة فسألني عن مسائل فجئت إلى أخي علي بن محمد فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني و بصرني طاعته، فقلت له: جعلت فداك إن ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لا فتيه فيها، فضحك ثم قال: فهل أفتيته ؟ قلت: لا، قال: ولم ؟ قلت: لم أعرفها، قال: وما هي ؟ قلت: كتب يسألني عن قول الله: (وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) نبي الله كان محتاجا إلى علم آصف ؟ وعن قوله تعالى: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا) أسجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء ؟ وعن قوله: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرءون الكتاب) من المخاطب بالآية ؟ فإن كان المخاطب النبي (صلى الله عليه وآله) فقد شك وإن كان المخاطب غيره فعلى من إذا انزل الكتاب ؟ وعن قوله تعالى: (ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) ما هذه الابحر ؟ وأين هي ؟ وعن قوله تعالى: (فيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين) فاشتهت نفس آدم أكل البر فأكل وأطعم فكيف عوقب ؟ وعن قوله: (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) يزوج الله عباده الذكران فقد عاقب قوما فعلوا ذلك ؟ !. وعن شهادة المرأة جازت وحدها وقد قال الله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم). وعن الخنثى وقول علي: (يورث من المبال) فمن ينظر إذا بال إليه مع أنه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال، أو عسى أن يكون رجلا وقد نظرت إليه النساء وهذا ما لا يحل.


[ 387 ]

وشهادة الجار إلى نفسه لا تقبل. وعن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو (1) على شاة منها، فلما بصر بصاحبها خلى سبيلها فدخلت بين الغنم، كيف تذبح ؟ وهل يجوز أكلها أم لا ؟ وعن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار، وإنما يجهر في صلاة الليل. وعن قول علي (عليه السلام) لابن جرموز: (بشر قاتل ابن صفية بالنار) فلم لم يقتله وهو إمام ؟. (2) وأخبرني عن علي (عليه السلام) لم قتل أهل صفين وأمر بذلك مقبلين ومدبرين، و أجاز على الجرحى، وكان حكمه يوم الجمل أنه لم يقتل موليا، ولم يجز على جريح، ولم يأمر بذلك، وقال: (من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن) لم فعل ذلك ؟ فإن كان الحكم الاول صوابا فالثاني خطاء. وأخبرني عن رجل أقر باللواط على نفسه أيحد أم يدرء عنه الحد ؟. قال: اكتب إليه، قلت: وما أكتب ؟ قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، وأنت فألهمك الله الرشد أتاني كتابك وما امتحنتنا به من تعنتك لتجد إلى الطعن سبيلا إن قصرنا فيها، والله يكافئك على نيتك، وقد شرحنا مسائلك فأصغ إليها سمعك، وذلل لها فهمك، واشغل بها قلبك، فقد لزمتك الحجة، والسلام. سألت عن قول الله جل وعز: (قال الذي عنده علم من الكتاب) فهو آصف ابن برخيا، ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف، لكنه صلوات الله عليه أحب أن يعرف امته من الجن والانس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان (عليه السلام) أو دعه آصف بأمرالله ففهمه ذلك لئلا يختلف عليه في إمامته ودلالته، كما فهم سليمان في حياة داود عليهما السلام لتعرف نبوته وإمامته من بعده لتأكد الحجة على الخلق. وأما سجود يعقوب وولده كان طاعة لله ومحبة ليوسف، كما أن السجود من


(1) نزا عليه: سفده. (2) في نسخة: فلم لا يقتله وهو إمام ؟.

[ 388 ]

الملائكة لآدم لم يكن لآدم وإنما كان ذلك طاعة لله ومحبة منهم لآدم، فسجد يعقوب (عليه السلام) وولده ويوسف معهم شكرا لله (1) باجتماع شملهم، ألم تره يقول في شكره ذلك الوقت: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث) إلى آخر الآية. وأما قوله: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرءون الكتاب) فإن المخاطب به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يكن في شك مما انزل إليه، ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث الله نبيا من الملائكة إذ لم يفرق بين نبيه وبيننا في الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي في الاسواق ؟ فأوحى الله تعالى إلى نبيه: (فاسئل الذين يقرءون الكتاب) بمحضر الجهلة هل بعث الله رسولا قبلك إلا وهو يأكل الطعام، و يمشي في الاسواق، ولك بهم اسوة، وإنما قال: (فإن كنت في شك) ولم يكن (2) ولكن للنصفة، كما قال تعالى: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم و أنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) ولو قال: عليكم (3) لم يجيبوا إلى المباهلة، وقد علم الله أن نبيه يؤدي عنه رسالاته وما هو من الكاذبين، فكذلك عرف النبي (صلى الله عليه وآله) أنه صادق فيما يقول، ولكن أحب أن ينصف من نفسه. وأما قوله: (ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) فهو كذلك، لو أن أشجار الدنيا أقلام والبحر يمده سبعة أبحر وانفجرت الارض عيونا لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله، وهي: عين الكبريت، وعين النمر، (4) وعين البرهوت (5) وعين طبرية، وحمة ما سبذان، (6) وحمة إفريقية


(1) في نسخة: فسجد يعقوب وولده يوسف معهم شكرا لله. وفى المصدر: فسجود يعقوب و ولده ويوسف معهم كان شكرا لله. (2) في المصدر: ولم يكن شك. (3) أي ولو قال على سبيل الجزم والتحقيق: فنجعل لعنة الله عليكم لم يجيبوا إلى المباهلة. (4) في الاحتجاج والمناقب: وعين اليمن. (5) البرهوت كحلزون: واد أو بئر بحضرموت. (6) في نسخة وفى الاحتجاج والمناقب: (ما سيدان) وفى المصدر: (وما سبندان) والحمة بفتح الحاء ففتح الميم المشدد: العين الحارة الماء يستشفى بها الاعلاء.

[ 389 ]

يدعى لسان، وعين بحرون، (1) ونحن كلمات الله التي لا تنفد ولا تدرك فضائلنا. وأما الجنة فإن فيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين، وأباح الله ذلك كله لآدم، والشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد، (2) عهد إليهما أن لا ينظر إلى من فضل الله على خلائقه بعين الحسد، فنسي ونظر بعين الحسد ولم نجد له عزما. وأما قوله: (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) أي يولد له ذكور، ويولد له إناث، يقال لكل اثنين مقرنين: زوجان، كل واحد منهما زوج، ومعاذ الله أن يكون عنى الجليل ما لبست به على نفسك، (3) تطلب الرخص لارتكاب المآثم، ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إن لم يتب. وأما شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة جازت شهادتها مع الرضى، فإن لم يكن رضى فلا أقل من المرأتين، تقوم المرأة بدل الرجل للضرورة، لان الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها، فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها. وأما قول علي (عليه السلام) في الخنثى فهي كما قال: ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة ويقوم الخنثى خلفهم عريانة وينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه. وأما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما (4) فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر، ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما فأيها وقع السهم بها ذبحت واحرقت ونجا سائر الغنم. وأما صلاة الفجر فالجهر فيها بالقراءة، لان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يغلس بها (5) فقراءتها من الليل.


(1) اخرج قوله: ولو ان ما في الارض إلى قوله: ولا تدرك فضائلنا في ج 4 ص 151 عن الاحتجاج، وفيه: عن باجوران، وعن نسخ: باحروان. باحوران. باجروان. (2) لا يخلو ذلك عن غرابة، وسيأتى الكلام حول ذلك في كتاب القصص باب قصص آدم. (3) أي ما دلست على نفسك، وذلك إيعاز إلى ما كان يشتهر به يحيى بن اكثم من اللواط. (4) أي قارع بينهما. (5) أي كان يصلى بالغلس، والغلس بالتحريك: ظلمة آخر الليل. وفى نسخة: كان يغلس بها لقربها من الليل.

[ 390 ]

وأما قول علي (عليه السلام): (بشر قاتل ابن صفية بالنار) فهو لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان ممن خرج يوم النهر فلم يقتله أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبصرة لانه علم أن يقتل في فتنة النهروان. وأما قولك: إن عليا قتل أهل صفين مقبلين ومدبرين، وأجاز على جريحهم وأنه يوم الجمل لم يتبع موليا ولم يجز على جريح، ومن ألقى سلاحه آمنه، ومن دخل داره آمنه، فإن أهل الجمل قتل إمامهم، ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها، وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين، رضوا بالكف عنهم، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم، إذ لم يطلبوا عليه أعوانا، وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة، وإمام يجمع لهم السلاح والدروع والرماح و السيوف، ويسني لهم العطاء، ويهئ لهم الانزال، (1) ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم، ويكسو حاسرهم، (2) ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم، فلم يساوبين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم (3) في قتال أهل التوحيد لكنه شرح ذلك لهم فمن رغب عرض على السيف أو يتوب من ذلك. وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم تقم عليه بينة، وإنما تطوع بالاقدار من نفسه، (4) وإذا كان للامام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمن عن الله، أما سمعت قول الله: (هذا عطاؤنا) الآية قد أنبئناك بجميع ما سألتناه فاعلم ذلك. (5) ختص: محمد بن عيسى بن عبيد البغدادي، عن محمد بن موسى مثله. (6)


(1) أسنى له العطاء: جعله سنية. والانزال: الارزاق. (2) الحاسر: من كان بلا عمامة أو بلا درع. (3) في المناقب: ولولا أمير المؤمنين (عليه السلام) وحكمه في أهل صفين والجمل لما عرف الحكم. (4) في المصدر: وانما تطوع بالاقرار من نفسه. (5) تحف العقول: 476 – 481. (6) الاختصاص مخطوط.

[ 391 ]

اقول: قد أوردنا هذه الاجوبة بأدنى تغيير في أبواب تاريخه (عليه السلام)، وشرح أجزاء الخبر مفرق على الابواب المناسبة لها. 2 – وروى السيد المرتضى رحمه الله عن شيخه المفيد رضي الله عنه قال: دخل أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري على محمد بن طاهر بعد قتل يحيى بن عمر المقتول بشاهي فقال له: أيها الأمير إنا قد جئناك لنهنأك بأمر لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيالعز يناه به. (1) 3 – قال السيد المرتضى رضي الله عنه: أخبرني الشيخ أدام الله عزه مر سلاعن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن سعيد بن جناح، عن سليمان بن جعفر قال: قال لي أبو الحسن العسكري (عليه السلام): نمت وأنا افكر في بيت ابن أبي حفصة: أنى يكون وليس ذاك بكائن * لبني البنات وراثة الاعمام فإذا إنسان يقول لي: قد كان إذ نزل القرآن بفضله * ومضى القضاء به من الحكام (2) ان ابن فاطمة المنوه باسمه (3) * حاز الوراثة عن بني الاعمام وبقى ابن نثلة واقفا متحيرا (4) * يبكي ويسعده ذو والارحام (5) بيان: نثلة اسم ام العباس، ويقال: نثيلة. ولعل المراد بابن فاطمة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويحتمل أن يكون المراد بفاطمة البتول (عليها السلام) وبابنها جنس الابن، أو القائم (عليه السلام)، والاول أظهر. 4 – كتاب الاستدراك: قال: نادى المتوكل يوما كاتبا نصرانيا: أبانوح، فأنكروا كنى الكتابيين، فاستفتى فاختلف عليه، فبعث إلى أبي الحسن فوقع (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم: (تبت يدا أبي لهب) فعلم المتوكل أنه يحل ذلك لان الله قد كنى الكافر. (6)


(1) الفصول المختارة 1: 19. (2) في المصدر: قد كان إذ نزل الكتاب بفضله * ومضى القضاء به من الاحكام (3) نوه بالحديث أي أشاد به وأظهره. نوه باسمه: دعاه ايضا. (4) هكذا في النسخ، والصحيح كما في المصدر بالتاء، وهو نتلة أو نتيلة بنت خباب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيدمناة بن عامر. (5) الفصول المختارة 1: 65 (6) الاستدراك مخطوط.

[ 392 ]

* (باب 24) * * (احتجاج أبى محمد الحسن بن على العسكري عليهما السلام) * 1 – قب: أبو القاسم الكوفي كتاب التبديل إن إسحاق الكندي (1) كان فيلسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرد به في منزله، وإن بعض تلامذته دخل يوما على الامام الحسن العسكري (عليه السلام)، فقال له أبو محمد (عليه السلام): أما فيكم رجل رشيد يردع استادكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟ فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أؤ في غيره، فقال له أبو محمد (عليه السلام): أتؤدي إليه ما القيه إليك ؟ قال: نعم، قال: فصر (فسرخ) إليه وتلطف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت المؤانسة في ذلك فقال: قد حضرتني مسألة، أسألك عنها ؟ فإنه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم به منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت إليها ؟ فإنه سيقول: إنه من الجائز، لانه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه، فتكون واضعا لغير معانيه. فصار الرجل إلى الكندي وتلطف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له: أعد علي، فأعاد عليه فتفكر في نفسه ورأى ذلك محتملا في اللغة، وسائغا في النظر. (2) أقول: قد أوردنا وسنورد عمدة احتجاجاتهم عليهم السلام وحلها في أبواب تاريخهم صلوت الله عليهم، وأبواب المواعظ والحكم، وأبواب التوحيد والعدل والمعاد، وسائر أبواب الكتاب، وإنما أوردنا ههنا مالا يخص بابا من الابواب، وسيأتي احتجاجات القائم وما روي عنه (عليه السلام) من جوامع العلوم في كتاب الغيبة إن شاء الله تعالى.


(1) هو إسحاق بن حنين بن اسحاق الكندى طبيب وفيلسوف كان هو كأبيه قد نقل إلى العربية عن اليونانية أو عن ترجماتها كتب الفلسفة والرياضيات كاصول الهندسة لاقليدس، والمجسطى لبطلميوس، والكرة والاسطوانة لارخميدس، وسوفسطس لافلاطون، والمقولات لارسطو، توفى في بغداد في ربيع الاخر سنة 298 أو 299، كان قد خدم مع الخلفاء والرؤساء من خدمه أبوه، ثم انقطع إلى القاسم بن عبيدالله وزير المعتضد بالله. (2) مناقب آل أبى طالب ج 2: 459.

[ 393 ]

* (باب 25) * * (نادر فيما بين الصدوق محمد بن بابويه رحمة الله عليهما من مذهب) * * (الامامية، وأملى على المشائخ في مجلس واحد على ما أورده) * * (في كتاب المجالس) * فقال رضي الله عنه: دين الامامية هو الاقرار بتوحيد الله تعالى ذكره، (1) ونفي التشبيه عنه، وتنزيهه عما لا يليق به، والاقرار بأنبياء الله ورسله وحججه وملائكته و كتبه، والاقرار بأن محمدا (صلى الله عليه وآله) هو سيد الانبياء والمرسلين، وأنه أفضل منهم ومن جميع الملائكة المقربين، وأنه خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، وأن جميع الانبياء والرسل والائمة عليهم السلام أفضل من الملائكة، وأنهم معصومون مطهرون من كل دنس ورجس، لا يهمون بذنب صغير ولا كبير ولاير تكبونه، وأنهم أمان لاهل الارض، كما أن النجوم أمان لاهل السماء. وأن الدعائم التي بني الاسلام عليها خمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، و الحج، وولاية النبي والائمة بعده صلوات الله عليهم، وهم اثنا عشر إماما: أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثم الرضا علي بن موسى، ثم الجواد محمد بن علي، ثم الهادي علي بن محمد، ثم العسكري الحسن بن علي، ثم الحجة بن الحسن بن علي (عليهم السلام). والاقرار بأنهم اولو الامر الذين أمر الله عزوجل بطاعتهم فقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم) وأن طاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله و وليهم ولي الله، وعدم هم عدوالله عزوجل، ومودة ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) إذا كانوا على


(1) في المجالس: اجتمع في هذا اليوم أي يوم الجمعة الثاني عشر من شعبان سنة ثمان وستين وثلاثمائة إلى الشيخ الفقيه أبى جعفر محمد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمى رضى الله عنه أهل مجلسه والمشائخ فسألوه أن يملى عليهم وصف دين الامامية على الايجاز و الاختصار فقال: دين الامامية هو الاقرار بتوحيد الله إ ه‍.

[ 394 ]

منهاج آبائهم الطاهرين فريضة واجبة في أعناق العباد إلى يوم القيامة، وهي أجر النبوة لقول الله عزوجل: (قل لاأسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى). والاقرار بأن الاسلام هو الاقرار بالشهادتين، والايمان هو إقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالجوارح، لا يكون الايمان إلا هكذا. ومن شهد الشهادتين فقد حقن ماله (1) ودمه إلا بحقهما، وحسابه على الله عزوجل. والاقرار بالمسألة في القبر حين يدفن الميت وبمنكر ونكير، وبعذاب القبر، والاقرار بخلق الجنة والنار، وبمعراج النبي (صلى الله عليه وآله) إلى السماء السابعة، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حجب النور، وبمناجات الله عزوجل إياه، وأنه عرج به بجسمه وروحه على الصحة والحقيقة لاعلى الرؤيا في المنام، وأن ذلك لم يكن لان الله عز وجل في مكان هناك، (2) لانه متعال عن المكان، ولكنه عزوجل عرج به (عليه السلام) تشريفا له، وتعظيما لمنزلته، وليريه ملكوت السماوات كما أراه ملكوت الارض، ويشاهد ما فيها من عظمة الله عزوجل، وليخبر امته بما شاهد في العلومن الآيات والعلامات. والاقرار بالحوض والشفاعة للمذنبين من أصحاب الكبائر، والاقرار بالصراط والحساب والميزان واللوح والقم والعرش والكرسي. والاقرار بأن الصلاة عمود الدين، وأنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من الاعمال، وأول ما يسأل عنه العبد بعد المعرفة، فإن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها، وأن المفروضات من الصلوات في اليوم والليلة خمس صلوات، وهي سبع عشر ركعة: الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة أربع ركعات، والغداة ركعتان. وأما النافلة فهي مثلا الفريضة: أربع وثلاثون ركعة: ثمان ركعات قبل الظهر، وثمان بعدها قبل العصر، وأربع ركعات بعد المغرب، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة يحسبان بركعة، وهي وترلمن لم يلحق الوتر آخرا الليل، وصلاة الليل ثماني ركعات،


(1) حقن دمه: صانه ولم يرقه. (2) أي عروجه إلى السماوات وسدرة المنتهى والحجب ما كان بسبب أنه تعالى كان في مكان هناك، لانه متعال عن المكان، بل كان عروجه إليها تشريقا له وتعظيما لمنزلته.

[ 395 ]

كل ركعتين بتسليمة، والشفع ركعتان بتسليمة، والوتر ركعة واحدة، ونافلة الغداة ركعتان، فجملة الفرائض والنوافل في اليوم والليلة إحدى وخمسون ركعة، والاذان و الاقامة مثنى مثنى، وفرائض الصلاة سبع: الوقت، والطهور، والتوجه، (1) والقبلة، والركوع والسجود، والدعاء. (2) والقنوت في كل صلاة فريضة ونافلة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، ويجزي من القول في القنوت: (رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الاعز الا حل الاكرم) ويجزى فيه أيضا ثلاث تسبيحات، وإن أحب المصلي أن يذكر الائمة (عليهم السلام) في قنوته ويصلي عليهم فيجملهم. (3) وتكبيرة الافتتاح واحدة، وسبع أفضل. ويجب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة عند افتتاح الفاتحة، وعند افتتاح السورة بعدها، وهي آية من القرآن، وهي أقرب إلى اسم الله الاعظم من سواد العين إلى بياضها. ويستحب رفع اليدين في كل تكبيرة في الصلاة وهو زين الصلاة. والقراءة في الاوليين من الفريضة الحمدو سورة، ولا تكون من العزائم التي يسجد فيها، وهي سجدة لقمان، وحم السجدة، والنجم، وسورة اقرء باسم ربك. ولا تكن السورة أيضا لايلاف أو ألم تركيف أو الضحى أو ألم نشرح، لان الايلاف وألم تركيف سورة واحدة، والضحى وألم نشرح سورة واحدة، فلا يجوز التفرد بواحدة منها في ركعة فريضة، فمن أراد أن يقرأ بها في الفريضة فليقرأ لايلاف وألم تركيف في ركعة، والضحى وألم نشرح في ركعة ولا يجوز القران بين سورتين في الفريضة، فأما في النافلة فلا بأس بأن يقرأ الرجل ما شاء، (4) ولا بأس بقراءة العزائم في النوافل لانه إنما يكره ذلك في الفريضة. ويجب أن يقرأ في صلاة الظهر يوم الجمعة سورة الجمعة والمنافقين فبذلك جرت


(1) المراد بالتوجه قوله: (وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض) اه‍ أو مطلق الدعاء عند الدخول في الصلاة في اثناء التكبيرات وبعدها، ولعل اطلاق الفريضة عليه باعتبار تضمنه النية أو تكبيرة الاحرام. (2) المراد بالدعاء ما يقرء في الركعات والذكر في الركوع والسجود. (3) في نسخة: فليجملهم. (4) في نسخة من الكتاب ومصدره: فلا بأس بأن يقرن الرجل ما شاء.

[ 396 ]

السنة، والقول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات، وخمس أحسن، وسبع أفضل، وتسبيحة تامة تجزي الركوع والسجود للمريض والمستعجل، فمن نقص من الثلاث تسبيحات في ركوعه أو في سجوده تسبيحة ولم يكن بمريض ولا مستعجل فقد نقص ثلث صلاته، ومن ترك تسبيحتين فقد نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبح في ركوعه وسجوده فلا صلاة له إلا أن يهلل أو يكبر أو يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) بعدد التسبيح، فإن ذلك يجزيه. ويجزي في التشهد الشهادتان، فما زاد فتعبد. والتسليم في الصلاة يجزي مرة واحدة مستقبل القبلة، ويميل بعينه إلى يمينه، ومن كان في جمع من أهل الخلاف سلم تسليمتين: عن يمينه تسليمة، وعن يساره تسليمة كما يفعلون، للتقية. وينبغي للمصلي أن يسبح بتسبيح الزهراء فاطمة عليها السلام في دبر كل فريضة، وهي أربع وثلاثون تكبيرة، وثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، فانه من فعل ذلك بعد الفريضة قبل أن يثنى رجليه غفر الله له، ثم يصلي على النبي والائمة عليهم السلام، ويدعو لنفسه بما أحب، ويسجد بعد فراغه من الدعاء سجدة الشكر يقول فيها ثلاث مرات: (شكر الله) ولا يدعها إلا إذا حضر مخالف للتقية. ولا يجوز التكفير (1) في الصلاة، ولا قول آمين بعد فاتحة الكتاب، ولا وضع الركبتين على الارض في السجود قبل اليدين، ولا يجوز السجود إلا على الارض أو ما أنبتته الارض إلا ما اكل أو لبس، ولا بأس بالصلاة في شعر ووبر كل ما اكل لحمه، وما لا يؤكل لحمه فلا يجوز الصلاة في شعره ووبره إلا ما خصته الرخصة وهي الصلاة في السنجاب والسمور والفنك والخز، والاولى أن لا يصلى فيها، ومن صلى فيها جازت صلاته، وأما الثعالب فلا رخصة فيها إلا في حال التقية والضرورة. والصلاة يقطعها الريح إذا خرج من المصلي، أو غيرها مما ينقض الوضوء، أو يذكر أنه على غير وضوء، أو وجد أذى أو ضربانا لا يمكنه الصبر عليه، أو رعف فخرج من أنفه دم كثير، أو التفت حتى يرى من خلفه. ولا يقطع صلاة المسلم شئ مما يمر بين يديه من كلب أو امرأة أو حمار أو غير ذلك.


(1) التكفير. وضع الرجل احدى يديه على الاخرى في الصلاة كما يفعله العامة.

[ 397 ]

ولا سهو في النافلة، فمن سها في نافلة فليس عليه شئ فليبن على ما شاء، وإنما السهو في الفريضة، فمن سها في الاوليين أعاد الصلاة، ومن شك في المغرب أعاد الصلاة، ومن شك في الغداة أعاد الصلاة. ومن شك في الثانية والثالثة (1) أو في الثالثة والرابعة فليبن على الاكثر، فإذا سلم أتم ما ظن أنه قد نقص. ولا تجب سجدتا السهو على المصلي إلا إذا قام في حال قعوإه، أو قعد في حال قيامه، أو ترك التشهد، أو لم يدر زاد في صلاته أو نقص منها، وهما بعد التسليم في الزيادة والنقصان، ويقال فيهما: (بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) وأما سجدة العزائم فيقال فيها: (لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله إيمانا وتصديقا، لا إله إلا الله عبودية ورقا، سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستنكفا ولا مستكبرا، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير) ويكبر إذا رفع رأسه. ولا يقبل من صلاة العبد إلا ما أقبل عليه منها بقلبه حتى أنه ربما قبل من صلاته ربعها أو ثلثها أو نصفها أو أقل من ذلك أو أكثر، ولكن الله عزوجل يتمها بالنوافل. وأولى الناس بالتقدم في جماعة أقرؤهم للقرآن، فإن كانوا في القرآن سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأسنهم، فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها، وصاحب المسجد أولى بمسجده، ومن صلى بقوم وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال (2) إلى يوم القيامة. والجماعة يوم الجمعة فريضة واجبة، وفي سائر الايام سنة، من تركها رغبة عنها وعن جماعة المسلمين من غير علة فلا صلاة له. ووضعت الجمعة عن تسعة: عن الصغير، والكبير، (3) والمجنون، والمسافر، و العبد، والمرءة، والمريض، والاعمى، ومن كان على رأس فرسخين. ويفضل صلاة الرجل (4) في جماعة على صلاة الرجل وحده خمس وعشرين درجة في الجنة.


(1) وذلك بعد تحقق الثانية وهى تحصل باكمال السجدتين. (2) السفال: ضد العلو. (3) المراد بالكبير الهم والهمة. (4) في نسخة: لفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاة الرجل وحده خمسة وعشرون درجة. وفى المصدر: تفضل صلاة الرجل اه‍.

[ 398 ]

وفرض السفر ركعتان إلا المغرب، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تركها على حالها في السفر والحضر. ولا يصلى في السفر من نوافل النهار شئ، ولا يترك فيه من نوافل الليل شئ، ولا يجوز صلاة الليل من أول الليل إلا في السفر، (1) وإذا قضاها الانسان فهو أفضل له من أن يصليها من (في خ ل) أول الليل. وحد السفر الذي يجب فيه التقصير في الصلاة والافطار في الصوم ثمانية فراسخ، فإن كان سفر الرجل أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع من يومه فهو بالخيار إن شاء أتم وإن شاء قصر، وإن أراد الرجوع من يومه فالتقصير عليه واجب، ومن كان سفره معصية فعليه التمام في الصوم والصلاة، والمتمم في السفر كالمقصر في الحضر، والذين يجب عليهم التمام في الصلاة والصوم في السفر: المكاري والكري (2) والاشتقان وهو البريد (3) والراعي والملاح لانه عملهم، وصاحب الصيد إذا كان صيده بطرا وأشرا (4) وإن كان صيده مما يعود به على عياله فعليه التقصير في الصوم والصلاة، وليس من البر أن يصوم الرجل في سفره تطوعا، ولا يجوز للمفطر في السفر في شهر رمضان أن يجامع. والصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور، وثلث ركوع، وثلث سجود، ولا صلاة إلا بطهور. والوضوء مرة مرة، ومن توضأ مزتين فهو جائز إلا أنه لا يوجر عليه. و الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر، ولا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة، ولا بأس بالوضوء بماء الورد، والاغتسال به من الجنابة، وأما الماء الذي تسخنه الشمس فلا بأس بالوضوء منه، وإنما يكره الوضوء به وغسل الثياب والاغتسال لانه يورث البرص، والماء إذا كان قدر كر لم ينجسه شئ، والكر ألف رطل ومائتا رطل بالمدني. (5)


(1) ويجوز لغيره من ذوى الاغدار، وسيأتى شرحه في بابه. (2) في نسخة. والمكرى. (3) البريد: الرسول. (4) بطر: طغى بالنعمة أو عندها فصرفها إلى غير وجهها. أشر: شرح: مرح أي اشتد فرحه ونشاطه حتى جاوز. (5) هكذا في المصدر وفى نسخ من الكتاب، وفى هامش تلك النسخ بدله: (بالعراقى)، وهو يطابق ما عليه المشهور.

[ 399 ]

وروي أن الكر هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا، (1) وماء البئر طهور كله ما لم يقع فيه شئ ينجسه، وماء البحر طهور كله. ولا ينقض الوضوء إلا ما خرج من الطرفين من بول أو غائط أو ريح أو مني، والنوم إذا ذهب بالعقل ولا يجوز المسح على العمامة، ولا على القلنسوة، ولا يجوز المسح على الخفين والجوربين إلا من عدو يتقى، أو ثلج يخاف منه على الرجلين، فيقام الخفان مقام الجبائر فيمسح عليهما. وروت عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره. وقالت عائشة: لئن أمسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلي من أن أمسح على خفي. ومن لم يجد الماء فليتيمم كما قال الله عزوجل: (فتيمموا صعيدا طيبا) و الصعيد: الموضع المرتفع، والطيب: الذي ينحدر عنه الماء، فإذا أراد الرجل أن يتيمم ضرب بيديه على الارض مرة واحدة ثم ينفضهما فيمسح بهما وجهه، ثم يضرب بيده اليسرى الارض فيمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى أطراف الاصابع، ثم يضرب بيمينه الارض فيمسح بها يساره من المرفق إلى أطراف الاصابع، وقد روي (2) أن يمسح الرجل جبينه وحاجبه (3) ويمسح على ظهر كفيه، وعليه مضى مشائخنا رضي الله عنهم، وما ينقض الوضوء ينقض التيمم، والنظر إلى الماء ينقض التيمم، ومن يتمم وصلى ثم وجد الماء وهو في وقت الصلاة أو قد خرج الوقت فلا إعادة عليه، لان التيمم أحد الطهورين، فليتوضأ لصلاة اخرى. ولا بأس أن يصلي الرجل بوضوء واحد صلاة الليل


(1) في نسخة: وهو ثلاثة أشبار في طول في ثلاثة اشبار في عرض في ثلاثة اشبار في عمق. (2) وفى هامش الكتاب: فإذا أراد الرجل أن يتيمم ضرب بيده على الارض ضربة للوضوء ثم ينفضهما فيمسح بهما وجهه من قصاص شعر الرأس إلى طرف الانف الا على، والى الاسفل أولى، ثم يمسح بيده اليسرى يده اليمنى، ثم يمسح ظهر يده اليسرى كذلك، ويضرب بدل غسل الجنابة ضربتين: ضربة يمسح وجهه، وضربة اخرى يمسح بها ظهر كفيه، وقد روى (خ ل). (3) في نسخة: جبينيه وحاجبيه.

[ 400 ]

والنهار كلها ما لم يحدث، وكذلك التيمم ما لم يحدث أو يصيب ماء. (1) والغسل في سبعة عشر موطنا: ليلة سبع عشرة من شهر رمضان، (2) وليلة تسع عشرة، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وللعيدين، وعند دخول الحرمين، وعند الاحرام، وغسل الزيارة، وغسل الدخول إلى البيت، ويوم التروية، ويوم عرفة، وغسل الميت، وغسل من غسل ميتا أو كفنه أو مسه بعدما برد، (3) وغسل يوم الجمعة، وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله ولم يعلم به الرجل، وغسل الجنابة فريضة، وكذلك غسل الحيض، لان الصادق (عليه السلام) قال: (غسل الجنابة والحيض واحد) و كل غسل فيه وضوء في أوله إلا غسل الجنابة لانه فريضة، وإذا اجتمع فرضان فأكبرهما يجزي عن أصغرهما. ومن أراد الغسل من الجنابة فليجتهد أن يبول ليخرج ما في إحليله من المني، (4) ثم يغسل يديه ثلاثا من قبل أن يدخلهما الاناء، ثم يستنجي وينقي فرجه، ثم يضع على رأسه ثلاث أكف من ماء، ويميز الشعر بأنامله حتى يبلغ الماء أصل الشعر كله، ثم يتناول الاناء بيده ويصبه على رأسه وبدنه مرتين، ويمر يده على بدنه كله، ويخلل اذنيه بإصبعيه، وكل ما أصابه الماء فقد طهر، وإذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله، وإن قام في المطر حتى يغسله فقد اجزأه ذلك من غسله، ومن أحب أن يتمضمض ويستنشق في غسل الجنابة فليفعل، و ليس ذلك بواجب، لان الغسل على ما ظهر لا على ما بطن، غير أنه إذا أراد أن يأكل أو يشرب قبل الغسل لم يجزله إلا أن يغسل يديه ويتمضمض ويستنشق، فإنه إن أكل أو شرب قبل ذلك خيف عليه البرص، وإذا عرق الجنب في ثوبه وكانت الجنابة من حلال فحلال الصلاة في الثوب، وإن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه. وأقل الحيض ثلاثة أيام، (5) وأكثرها عشرة أيام، وأقل الطهر عشرة أيام،


(1) في نسخة: وكذلك المتيمم ما لم يحدث أو يصب الماء. (2) في المصدر: الغسل ليلة سبع عشرة من شهر رمضان. (3) في نسخة: أو مسه بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالماء، وهذه الاغسال الثلاثة فريضة، وغسل يوم الجمعة. (4) في نسخة: فليجهد ان يبول ليخرج ما بقى في احليله من المنى. (5) في نسخة: وأقل ايام الحيض ثلاثة ايام.

[ 401 ]

وأكثره لاحد له، وأكثر أيام النفساء التي تقعد فيها عن الصلاة ثمانية عشر يوما، و تستظهر بيوم أو يومين إلا أن تطهر قبل ذلك. (1) والزكاة على تسعة أشياء: على الحنطة والشعير والتمر والزبيب والابل و البقر والغنم والذهب والفضة، وعفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عما سوى ذلك. ولا يجوز دفع الزكاة إلا إلى أهل الولاية، ولا يعطى من أهل الولاية الابوان و الولد والزوج والزوجة والمملوك وكل من يجبر الرجل على نفقته. والخمس واجب في كل شئ بلغ قيمته دينارا، من الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة، وهو لله عزوجل ولرسوله (صلى الله عليه وآله) ولذي القربى من الاغنياء والفقراء واليتامى والمساكين وابن السبيل من أهل الدين. وصيام السنة ثلاثة أيام في كل شهر: خميس في أوله، وأربعاء في وسطه، وخميس في آخره، وصيام شهر رمضان فريضة وهو بالرؤية، وليس بالرأي ولا التظني، ومن صام قبل الرؤية أو أفطر قبل الرؤية فهو مخالف لدين الامامية. ولا تقبل شهادة النساء في الطلاق، ولا في رؤية الهلال، والصلاة في شهر رمضان كالصلاة في غيره من الشهور، فمن أحب أن يزيد فليصل كل ليلة عشرين ركعة: ثماني ركعات بين المغرب والعشاء الآخرة، واثنتا عشرة ركعة بعد العشاء الآخرة إلى أن يمضي عشرون ليلة من شهر رمضان، ثم يصلي كل ليلة ثلاثين ركعة: ثمان ركعات منها بين المغرب والعشاء، واثنين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة، ويقرء في كل ركعة منها الحمد وما تيسر له من القرآن، إلا في ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث و عشرين فإنه يستحب إحياؤهما وأن يصلي الانسان في كل ليلة منهما مائة ركعة، يقرء في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد عشر مرات، ومن أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل، وينبغي للرجل إذا كان ليلة الفطر أن يصلي المغرب ثلاثا ثم يسجد ويقول في سجوده: (يا ذا الطول، يا ذا الحول، يا مصطفي محمد وناصره. صل على محمد وآل محمد واغفر لي كل ذنب أذنبته ونسيته وهو عندك في كتاب مبين)


(1) قد تقدم الكلام فيه وسيأتى ايضا في محله.

[ 402 ]

ثم يقول مائة مرة: (أتوب إلى الله عزوجل) ويكبر بعد المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة والعيد والظهر والعصر كما يكبر أيام التشريق، ويقول: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد والله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا) ولا يقول فيه: (ورزقنا من بهيمة الانعام) فان ذلك في أيام التشريق. وزكاة الفطرة واجبة تجب على الرجل أن يخرجها عن نفسه وعن كل من يعول من صغير وكبير وحر وعبد وذكر وانثى صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من بر، أو صاعا من شعير، وأفضل ذلك التمر، والصاع أربعة أمداد، والمدوزن مائتين واثنين وتسعين درهما ونصف، يكون ذلك ألفا ومائة وسبعين وزنة (1) ولا بأس بأن يدفع قيمته ذهبا أو ورقا، ولا بأس بأن يدفع عن نفسه وعمن يعول إلى واحد، ولا يجوز أن يدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين، ولا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره، (2) وهي زكاة إلى أن يصلي العيد، (3) فإن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة، وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان، ومن كان له مملوك مسلم أو ذمي فليدفع عنه الفطرة، ومن ولد له مولود يوم الفطرة قبل الزوال فليدفع عنه الفطرة، وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، وكذلك إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده فعلى هذا. والحاج على ثلاثة أوجه: قارن، ومفرد، ومتمتع بالعمرة إلى الحج، ولا يجوز لاهل مكة وحاضريها التمتع بالعمرة إلى الحج، وليس لهم إلا الاقران والافراد لقول الله عزوجل: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) وحد حاضري المسجد الحرام أهل مكة وحواليها على ثمانية وأربعين ميلا، ومن كان خارجا من هذا الحد (4) فلا يحج إلا متمتعا بالعمرة إلى الحج ولا يقبل الله غيره. وأول الاحرام


(1) في المصدر: يكون ذلك الفا ومائة وسبعين درهما بالعراقى. (2) هذا خلاف المشهور، وتحقيق المسألة يأتي في محله. (3) في نسخة: وهى زكاة إلى أن يصلى صلاة العيد. (4) في نسخة: ومن كان خارجا عن هذا الحد.

[ 403 ]

المسلخ، وآخره ذات عرق، (1) وأوله أفضل، فإن رسول الله وقت لاهل العراق العقيق، ووقت لاهل الطائف قرن المنازل، ووقت لاهل اليمن يلملم، ووقت لاهل الشام المهيعة وهي الجحفة، ووقت لاهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة، ولايجوز الاحرام قبل بلوغ الميقات، ولايجوز تأخيره عن الميقات إلا لعلة أو تقية. وفرائض الحج سبعة: الاحرام، والتلبيات الاربع، وهي: (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك) وغير ذلك من التلبية سنة. وينبغي للملبي أن يكثر من قوله: (لبيك ذا المعارج لبيك) فإنها تلبية النبي (صلى الله عليه وآله)، و الطواف بالبيت فريضة، والركعتان عند مقام إبراهيم (عليه السلام) فريضة، والسعي بين الصفا والمروة فريضة. (2) والوقوف بالمشعر فريضة، وهدي التمتع فريضة، وما سوى ذلك من مناسك الحج سنة، ومن أدرك يوم التروية عند زوال الشمس إلى الليل فقد أدرك المتعة، ومن أدرك يوم النحر مزدلفة وعليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج. ولا يجوز في الاضاحي من البدن إلا الثني، وهو الذي تم له خمس سنين ودخل في السادسة، ويجزي في المعز والبقر الثني، وهو الذي تم له سنة ودخل في الثانية، ويجزي من الضأن الجذع لسنة، ولا يجزي في الاضحية ذات عوار، ويجزي البقرة عن خسمة نفر إذا (3) كانوا من أهل بيت، والثور عن واحد، والبدنة عن سبعة والجزور عن عشرة متفرقين، والكتبش عن الرجل وعن أهل بيته، وإذا عزت الاضاحي أجزأت شاة عن سبعين. ويجعل الاضحية (4) ثلاثة أثلاث: ثلث يؤكل، وثلث يهدى، وثلث يتصدق به. ولايجوز صيام أيام التشريق فإنها أيام أكل وشرب وبعال، وجرت


(1) في المصدر وفى نسخة من الكتاب: وأول الاحرام المسلخ، وأوسطه غمرة، وآخره ذات عرق. (2) في المصدر هنا زيادة وهى هكذا: والوقوف بعرفة فريضة. (3) في نسخة: عن سبعة وسبعين إذا. (4) في نسخة: ويجعل الضحية ثلاثة.

[ 404 ]

السنة في الافطار يوم النحر بعد الرجوع الصلاة، وفي الفطر قبل الخروج إلى الصلاة. والتكبير في أيام التشريق بمنى وفي دبر خمس عشر صلاة: من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الغداة يوم الرابع، وبالامصار في دبر عشر صلوات: من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الغداة يوم الثالث. وتحل الفروج بثلاثة وجوه: نكاح بميراث، ونكاح بلا ميراث، ونكاح بملك اليمين، ولا ولاية لاحد على المرأة إلا لابيها مادامت بكرا، فإذا كانت ثيبا فلا ولاية لاحد عليها، ولايزو جها أبوها ولاغيره إلا بمن ترضى بصداق مفروض، ولا يقع الطلاق إلا على الكتاب والسنة، ولا يمين في طلاق ولافي عتق، ولاطلاق قبل نكاح، ولاعتق قبل ملك، ولا عتق إلا ما اريد به وجه الله عزوجل. والوصية لا يجوز إلا بالثلث، ومن أوصى بأكثر من الثلث رد إلى الثلث، و ينبغي للمسلم أن يوصي لذوي قرابته ممن لا يرث بشئ من ماله قل أم كثر، ومن لم يفعل ذلك فقد ختم عمله بمعصية. سهام المواريث لا تعول على ستة، ولا يرث مع الولد والابوين أحد إلا زوج أو زوجة، والمسلم يرث الكافر ولا يرث الكافر المسلم، وابن الملاعنة لا يرثه أبوه ولا أحد من قبل أبيه، وترثه امه، فإن لم تكن له ام فأخواله وأقرباؤه من قبل امه ومتى أقر الملاعن بالولد بعد الملاعنة الحق به ولده، ولم ترجع إليه امرأته، فإن مات الاب ورثه الابن وإن مات الابن لم يرثه الاب. ومن شرائط دين الامامية اليقين والاخلاص والتوكل والرضا والتسليم و الورع والاجتهاد والزهد والعبادة والصدق والوفإ وأداء الامانة إلى البر والفاجرو لو إلى قاتل الحسين (عليه السلام)، والبر بالوالدين واستعمال المروة والصبر والشجاعة واجتناب المحارم وقطع الطمع عما في أيدي الناس والامر بالمعروف والنهي عن المنكرو الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال على شرائطه، ومواساة الاخوان والمكافات على الصنائع، وشكر المنعم، والثناء على المحسن، والقناعة، وصلة الرحم، وبر الآباء والامهات، وحسن المجاورة، والايثار، ومصاحبة الاخيار، ومجانبة الاشرار، ومعاشرة الناس


[ 405 ]

بالجميل، والتسليم على جميع الناس مع الاعتقاد بأن سلام الله لا ينال الظالمين، وإكرام المسلم ذي الشيبة، وتوقير الكبير، ورحمة الصغير وإكرام كريم كل قوم، والتواضع، والتخشع، وكثرة ذكر الله عزوجل، وتلاوة القرآن والدعاء، والاغضاء، والاحتمال، والمجاملة، (1) والتقية، وحسن الصحابة، وكظم الغيظ، والتعطف على الفقراء و المساكين ومشاركتهم في المعيشة، وتقوى الله في السر والعلانية، والاحسان إلى النساء وما ملكت الايمان، وحفظ اللسان إلا من خير، وحسن الظن بالله عزوجل، والندم على الذنب، واستعمال السخاء والجود، والاعتراف بالتقصير، واستعمال جميع مكارم الافعال والاخلاق للدين والدنيا واجتناب مذامها في الجملة والتفصيل، واجتناب الغضب والسخط والحمية والعصبية والكبر، وترك التجبر واحتقار الناس و الفخر والعجب والبذاء والفحش والبغي وقطيعة الرحم والحسد والحرص والشره والطمع والخرق والجهل والسفه والكذب والخيانة والفسق والفجور واليمين الكاذبة وكتمان الشهادة والشهادة بالزور والغيبة والبهتان والسعاية والسباب واللعان والطعان والمكر والخديعة والغدر والنكث والقتل بغير حق والظلم والقساوة والجفاء والنفاق والرياء والزناء واللواط والرباء، والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة، وعقوق الوالدين، والاحتيال على الناس، وأكل مال اليتيم ظلما، وقذف المحصنة. هذا ما اتفق إملاؤه على العجلة من وصف دين الامامية. وقال: وساملي شرح ذلك وتفسيره إذا سهل الله عزاسمه لي العود من مقصدي إلى نيسابور إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد وآله وسلم. (2) أقول: سيأتي بيان مايخالف المشهور من عقائده وبسط القول في كل منها في أبوابها إن شاء الله تعالى، وإنما أوردناها لكونه من عظماء القدماء التابعين لآثار الائمة النجباء الذين لا يتبعون الآراء والاهواء، ولذا ينزل أكثر أصحابنا كلامه وكلام أبيه رضي الله عنهما منزلة النص المنقول والخبر المأثور.


(1) المجاملة: المعاملة بالجميل. في نسخة: والمحاملة. (2) المجالس: 379 – 388.

[ 406 ]

* (باب 26) * * (نوادر الاحتجاجات والمناظرات من علمائنا رضوان الله عليهم) * * (في زمن الغيبة) * 1 – ج: دخل أبو العلاء المعري الدهري على السيد المرتضى قدس الله سره فقال له: أيها السيد ما قولك في الكل ؟ فقال السيد: ما قولك في الجزء ؟ فقال: ما قولك في الشعرى ؟ فقال ما قولك في التدوبر ؟ قال: ما قولك في عدم الانتهاء فقال: ما قولك في التحيز والناعورة ؟ فقال: ما قولك في السبع ؟ فقال: ما قولك في الزائد البري من السبع ؟ فقال: ما قولك في الاربع ؟ فقال: ما قولك في الواحد والاثنين ؟ فقال: ما قولك في المؤثر ؟ فقال ما قولك في المؤثرات ؟ (1) فقال: ما قولك في النحسين ؟ فقال: ما قولك في السعدين ؟ فبهت أبو العلاء، فقال السيد المرتضى رضي الله عنه عند ذلك: الأكل ملحد ملهد. وقال أبو العلاء: (2) أخذته من كتاب الله عزوجل (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) وقام وخرج، فقال السيد رضي الله عنه: قد غاب عنا الرجل وبعد هذا لايرانا. فسئل السيد رضي الله عنه عن شرح هذه الرموز والاشارات فقال: سألني عن الكل وعنده الكل قديم، ويشير بذلك إلى عالم سماه العالم الكبير، فقال: لي ما قولك فيه ؟ أراد أنه قديم، وأجبته عن ذلك وقلت له: ما قولك في الجزء ؟ لان عندهم الجزء محدث وهو المتولد عن العالم الكبير، وهذا الجزء هو العالم الصغير عندهم، وكان مرادي بذلك أنه إذا صح أن هذا العالم محدث فذلك الذي أشار إليه إن صح فهو محدث أيضا، لان هذا من جنسه على زعمه، والشئ الواحد والجنس الواحد لا يكون بعضه قديما وبعضه محدثا، فسكت لما سمع ما قلته.


(1) في نسخة: ما قولك في المؤثر ؟. (2) في المصدر: فقال أبو العلاء: من أين ؟ قال: من كتاب الله. والصحيح مافى المتن.

[ 407 ]

وأما الشعرى أراد أنها ليست من الكواكب السيارة، (1) فقلت له: ما قولك في التدوير ؟ أردت أن الفلك في التدوير والدوران، فالشعري لا يقدح في ذلك. وأما عدم الانتهاء أراد بذلك أن العالم لا ينتهي لانه قديم، فقلت له: قد صح عندي التحيز والتدوير وكلاهما يد لان على الانتهاء. وأما السبع أراد بذلك النجوم السيارة التي هي عندهم ذوات الاحكام، فقلت له هذا باطل بالزائد البري الذي يحكم فيه بحكم لا يكون ذلك الحكم منوطا بهذه النجوم السيارة التي هي الزهرة والمشتري والمريخ وعطارد والشمس والقمر وزحل. وأما الاربع أراد بها الطبائع، فقلت له: ما قولك في الطبيعة الواحدة النارية يتولد منها دابة بجلدها تمس الايدي، ثم تطرح ذلك الجلد على النار فيحترق الزهومات ويبقى الجلد صحيحا، لان الدابة خلقها الله على طبيعة النار، والنار لا تحرق النار، والثلج أيضا يتولد فيه الديدان وهو على طبيعة واحدة، والماء في البحر على طبيعتين تتولد عنه السموك والضفادع والحيات والسلاحف وغيرها، وعنده لا يحصل الحيوان إلا بالاربع فهذا مناقض لهذا. وأما المؤثر أراد به الزحل فقلت له: ما قولك في المؤثر ؟ (2) أردت بذلك أن المؤثرات كلهن عنده مؤثرات، فالمؤثر القديم كيف يكون مؤثرا ؟ وأما النحسين أراد بهما أنهما من النجوم السيارة إذا اجتمعا يخرج من بينهما سعد، فقلت له: ما قولك في السعدين إذا اجتمعا خرج من بينهما نحس ؟ هذا حكم أبطله الله تعالى ليعلم الناظر أن الاحكام لا تتعلق بالمسخرات، لان الشاهد يشهد على أن العسل والسكر إذا اجتمعا لا يحصل منهما الحنظل والعلقم، والحنظل والعلقم إذا اجتمعا لا يحصل منهما الدبس والسكر، هذا دليل على بطلان قولهم. وأما قولي: الأكل ملحد ملهد أردت أن كل مشرك ظالم، لان في اللغة:


(1) في نسخة زيادة وهى: لانه قديم. (2) في المصدر: ما قولك في المؤثرات.

[ 408 ]

ألحد الرجل عن الدين: إذا عدل عن الدين، وألهد: إذا ظلم، فعلم أبو العلاء ذلك وأخبرني عن علمه بذلك فقرأ: (يا بني لا تشرك بالله) الآية. وقال: إن المعري لما خرج من العراق سئل عن السيد المرتضى رضي الله عنه فقال: يا سائلي عنه لما جئت أسأله * ألا هو الرجل العاري من العار لو جئته لرأيت الناس في رجل * والدهر في ساعة والارض في دار (1) بيان: الناعورة: الدولاب، واستعير هنا للفلك الدوار. 2 – أقول: قال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الفصول: اتفق للشيخ أبي عبد الله المفيد رحمة الله عليه اتفاق مع القاضي أبي بكر أحمد بن سيار في دار الشريف (2) أبي عبد الله محمد بن محمد بن طاهر الموسوي رضي الله عنه، وكان بالحضرة جمع كثير يزيد عددهم على مائة إنسان، وفيهم أشراف من بني علي وبني العباس ومن وجوه الناس والتجار حضروا في قضاء حق الشريف رحمه الله، فجرى من جماعة من القوم خوض في ذكر النص على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتكلم الشيخ أبو عبد الله أيده الله في ذلك بكلام يسير على ما اقتضته الحال، فقال له القاضي أبو بكر ابن سيار: خبرني ما النص في الحقيقة ؟ وما معنى هذه اللفظة ؟ فقال الشيخ أيده الله: النص هو الاظهار والابانة، من ذلك قولهم: فلان قدنص قلوصه: (3) إذا أبانها بالسير، وأبرزها من جملة الابل، ولذلك سمي المفرش العالي (منصة) لان الجالس عليه يبين بالظهور من الجماعة، فلما أظهره المفرش سمي منصة على ما ذكرناه، ومن ذلك أيضا قولهم: قدنص فلان مذهبه: إذا أظهره وأبانه، ومنه قول الشاعر: وجيد كجيد الريم ليس بفاحش (4) * إذا نصته ولا بمعطل يريد إذا هي أظهرته، وقد قيل: نصبته، والمعنى في هذا يرجع إلى الاظهار، فأما


(1) الاحتجاج: 280 – 282. (2) في المصدر: في دار السلام بدار الشريف. (3) القلوص من الابل: الطويلة القوائم. الشابة منها أو الباقية على السير. (4) الريم: الظبى الخالص البياض.

[ 409 ]

هذه اللفظة فإنها قد جعلت مستعملة في الشريعة على المعنى الذي قدمت، ومتى أردت حد المعنى منها قلت: حقيقة النص هو القول المنبئ عن المقول فيه على سبيل الاظهار. فقال القاضي: ما أحسن ما قلت ! ولقد أصبت فيما أو ضحت وكشفت، فخبرني الآن إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد نص على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد أظهر فرض طاعته، وإذا أظهره استحال أن يكون مخفيا، فما بالنا لا نعلمه إن كان الامر على ما ذكرت في حد النص وحقيقته ؟ فقال الشيخ أيده الله: أما الاظهار من النبي (صلى الله عليه وآله) فقد وقع ولم يك خافيا في حال ظهوره، وكل من حضره فقد علمه ولم يرتب فيه ولا اشتبه عليه، وأما سؤالك عن علة فقدك العلم به الآن وفي هذا الزمان فإن كنت لا تعلمه على ما أخبرت به عن نفسك فذلك لدخول الشبهة عليك في طريقه، لعدولك عن وجهه النظر في الدليل المفضي بك إلى حقيقته، ولو تأملت الحجة فيه بعين الانصاف لعلمته، ولو كنت حاضرا في وقت إظهار النبي له (صلى الله عليه وآله) لما أخللت بعلمه، ولكن اللعة في ذهابك عن اليقين فيه وما وصفناه. فقال: وهل يجوز أن يظهر النبي (صلى الله عليه وآله) شيئا في زمانه فيخفى عمن ينشأ بعد وفاته حتى لا يعلمه إلا بنظر ثاقب واستدلال عليه ؟ فقال الشيخ أيده الله تعالى: نعم يجوز ذلك، بل لابد منه لمن غاب عن المقام في علم ما كان منه إلى النظر والاستدلال وليس يجوز أن يقع له به علم الاضطرار لانه من جملة الغائبات، غير أن الاستدلال في هذا الباب يختلف في الغموض والظهور والصعوبة والسهولة على حسب الاسباب المعترضات في طرقه، وربما عرى طريق ذلك من سبب فيعلم بيسير من الاستدلال على وجه يشبه الاضطرار، (1) إلا أن طريق النص حصل فيه من الشبهات للاسباب التي اعترضته ما يتعذر معها العلم به إلا بعد نظر ثاقب وطول زمان في الاستدلال. (2) فقال: فإذا كان الامر على ما وصفت فما أنكرت أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) قد نص


(1) أي على وجه يشبه العلم الضرورى والبديهى. (2) وأهم الاسباب شدة إخفاء الخلفاء ومنبيدهم السلطة والقدرة ذلك، وشدة النكير على من كان يظهره، وخوف الناقلين منهم، ولولا قيض الله سبحانه رجال لم تأخذهم لومة لائم لكان يجب عادة أن لا يكون من ذلك عين ولا أثر، ويكون ذلك نسيا منسيا، ويكون الاضطرار بخلافه.

[ 410 ]

على نبي آخر معه في زمانه، أو نبي يقوم من بعده مقامه، وأظهر ذلك وشهره على حد ما أظهر به إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) فذهب عنا علم ذلك لكما ذهب عنا عم النص وأسبابه ؟ فقال له الشيخ أيده الله: أنكرت ذلك من قبيل أن العالم حاصل لي ولكل مقر بالشرع (1) ومنكر له بكذب من ادعى ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولو كان ذلك حقا لما عم الجميع على بطلانه وكذب مدعيه ومضيفه إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، (2) ولو تعرى بعض العقلاء من سامعي الاخبار عن علم ذلك لا حتجت في إفساده إلى تكلف دليل غير ما وصفت، لكن الذي ذكرت يغنيني عن اعتماد غيره فإن كان النص على الامامة نظيره فيجب أن يعم العلم ببطلانه جميع سامعي الاخبار حتى لا يختلف في اعتقاد ذلك اثنان، وفي تنازع الامة فيه واعتقاد جماعة صحته والعلم به واعتقاد جماعة بطلانه دليل على فرق ما بينه وبين ما عارضت به. ثم قال له الشيخ أدام الله حراسته: ألا أنصف القاضي من نفسه والتزم ما ألزمه خصومه (3) فيما شاركهم فيه من نفي ما تفردوا به ؟ ففصل بينه وبين خصومه في قوله: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قد نص على رجم الزاني وفعله، وموضع قطع السارق وفعله، وعلى صفة الطهارة والصلاة وحدود الصوم والحج والزكاة وفعل ذلك وبينه وكرره و شهره، ثم التنازع موجود في ذلك، وإنما يعلم الحق فيه وما عليه العمل من غيره بضرب من الاستدلال، بل في قوله: إن انشقاق القمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كان ظاهرا في حياته ومشهورا في عصره وزمانه، وقد أنكر ذلك جماعة من المعتزلة وغيرهم من أهل الملل والملحدة، وزعموا أن ذلك من توليد أصحاب السير ومؤلفي المغازي وناقلي الآثار، وليس يمكننا أن ندعي على من خالفنا فيما ذكرنا علم الاضطرار وإنما نعتمد على غلطهم في الاستدلال، فما يؤمنه أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) قدنص على نبي


(1) في المصدر: العلم حاصل لى ولك ولكل مقر بالشرع. (2) والحاصل أن العلم ببطلان ذلك ضروري من الامة، وحصل العلم الضرورى لهم في ذلك دون مسألة الامامة لعدم الدواعى على الاخفاء والكتمان فيه. (3) في المصدر: هلا أنصف القاضى من نفسه والتزم ما التزمه خصومه ؟.

[ 411 ]

من بعده وإن عرى من العلم على سبيل الاضطرار، وبم يدفع أن يكون قد حصلت شبهات حالت بينه وبين العلم بذلك كما حصل لخصومه فيما عددناه ووصفناه، وهذا ما لافصل فيه. فقال له: ليس يشبه النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) جميع ما ذكرت، لان فرض النص عندك فرض عام، وما وقع فيه الاختلاف فيما قدمت فروض خاصة، ولو كانت في العموم كهو لما وقع فيها الاختلاف. فقال الشيخ أيده الله: فقد انتقض الآن جميع ما اعتمدته، وبان فساده، و احتجت في الاعتماد إلى غيره، وذلك أنك جعلت موجب العلم وسبب ارتفاع الخلاف ظهور الشئ في زمان ما واشتهاره بين الملا، ولم تضم إلى ذلك غيره ولا شرطت فيه موصوفا سواه، فلما نقضناه عليك ووضح عندك دماره عدلت إلى التعلق بعموم الفرض وخصوصه، ولم يك هذا جاريا فيما سلف، والزيادة في الاعتلال انقطاع، والانتقال من اعتماد إلى اعتماد أيضا انقطاع، على أنه ما الذي يؤمنك أن ينص على نبي يحفظ شرعه فيكون فرض العمل (1) به خاصا في العبادة كما كان الفرض فيما عددناه خاصا، فهل فيها من فصل يعقل ؟ فلم يأت بشئ تجب حكايته. (2) 3 – قال: وروى الشيخ أنه قال بعض الشيعة لبعض الناصبة في محاورته له في فضل آل محمد عليهم السلام: أرأيت لو بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله) أين ترى كان يحط رحله وثقله ؟ قال: فقال له الناصب: كان يحطه في أهله وولده، قال: فقال له الشيعي: فإني قد حططت هو اي حيث يحط رسول الله (صلى الله عليه وآله) رحله وثقله. (3) 4 – ومن كلام الشيخ أدام الله كفايته في إبطال إمامة أبي بكر من جهة الاجماع سأله المعروف بالكتبي فقال له: ما الدليل على فساد إمامة أبي بكر ؟ فقال له: الدلالة على ذلك كثيرة، فأنا أذكر لك منها دليلا يقرب من فهمك، وهو أن الامة مجتمعة


(1) في نسخة: فيكون فرض العلم به خاصا في العبادة. (2) الفصول المختارة 1: 1 – 4. (3) الفصول المختارة 1: 21.

[ 412 ]

على أن الامام لا يحتاج إلى إمام، وقد أجمعت الامة على أن أبا بكر قال على المنبر: (وليتكم ولست بخيركم، فإن استقمت فاتبعوني، وإن اعوججت فقوموني) فاعترف بحاجته إلى رعيته وفقره إليهم في تدبيره، ولا خلاف بين ذوى العقول أن من احتاج إلى رعيته فهو إلى الامام أحوج، وإذا ثبت حاجة أبي بكر إلى الامام بطلت إمامته بالاجماع المنعقد على أن الامام لا يحتاج إلى الامام، فلم يدر الكتبي بم يعترض، و كان بالحضرة من المعتزلة رجل يعرف بعرزالة (1) فقال: ما أنكرت على من قال لك: إن الامة أيضا مجتمعة على أن القاضي لا يحتاج إلى قاض، والامير لا يحتاج إلى أمير، فيجب على هذا الاصل أن يوجب عصمة الامراء، (2) أو يخرج من الاجماع. فقال له الشيخ: إن سكوت الاول أحسن من كلامك هذا، وما كنت أظن أنه يذهب عليك الخطأ في هذا الفصل، أو تحمل نفسك عليه مع العلم بوهنه، وذلك أنه لا إجماع في ما ذكرت، بل الاجماع في ضده، لان الامة متفقة على أن القاضي الذي هو دون الامام يحتاج إلى قاض هو الامام، (3) وذلك يسقط ما تعلقت به، اللهم إلا أن تكون أشرت بالامير والقاضي إلى نفس الامام، فهو كما وصفت غير محتاج إلى قاض يتقدمه أو أمير عليه، وإنما استغنى عن ذلك لعصمته وكماله، فأين موضوع إلزامك عافاك الله ؟ فلم يأت بشئ. (4) 5 – ومن كلام الشيخ أدام الله نعماه أيضا: سأله رجل من المعتزلة يعرف بأبي عمرو الشوطي (5) فقال له: أليس قد اجتمعت الامة (6) على أن أبا بكر وعمر كان ظاهر هما الاسلام ؟ فقال له الشيخ: نعم قد أجمعوا على أنهما كانا على ظاهر الاسلام زمانا، فأما أن يكونوا مجمعين على أنهما كانا في سائر أحوالهما على ظاهر الاسلام فليس


(1) في نسخة: يعرف بغزالة. (2) في المصدر: يوجب عصمة الامراء والقضاة. (3) في المصدر هنا زيادة وهى هذه: والامير من قبل الامير يحتاج إلى أمير هو الامام. (4) الفصول المختارة 1: 7. (5) في المصدر: الشطوى. (6) في المصدر: أليس قد أجمعت الامة.

[ 413 ]

في هذا إجماع، لاتفاق أنهما كانا على الشرك، ولوجود طائفة كثيرة العدد تقول: إنهما كانا بعد إظهارهما الاسلام على ظاهر كفر بجحد النص، وإنه قد كان يظهر منهما النفاق في حياة النبي (صلى الله عليه وآله). فقال الشوطي: (1) قد بطل ما أردت أن اورده على هذا السؤال بما أوردت، وكنت أظن أنك تطلق القول على ما سألتك. فقال له الشيخ: قد سمعت ما عندي، وقد علمت ما الذي أردت فلم امكنك منه، ولكني أنا أضطرك إلى الوقوع فيما ظننت أنك توقع خصمك فيه، أليس الامة مجتمعة على أنه من اعترف بالشك في دين الله عزوجل والريب في نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد اعترف بالكفر وأقربه ؟ (2) فقال: بلى، فقال له الشيخ: فإن الامة مجتمعة لا خلاف بينها على أن عمر بن الخطاب قال: ما شككت منذ أسلمت إلا يوم قاضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهل مكة، فإني جئت إليه فقلت له: يا رسول الله ألست بنبي ؟ فقال: بلى، فقلت: ألسنا بالمؤمنين ؟ قال: بلى، فقلت له: فعلام تعطي هذه الدنية من نفسك ؟ فقال: إنها ليست بدنية، ولكنها خير لك، فقلت له: أفليس وعدتنا أنك تدخل مكة ؟ (3) قال: بلى، قلت: فما بالنالا ندخلها ؟ قال: وعدتك أن تدخلها العام ؟ (4) قلت: لا، قال: فستدخلها إن شاء الله تعالى: فاعترف بشكه في دين الله عزوجل ونبوة رسوله، وذكر مواضع شكوكه وبين عن جهاتها، وإذا كان الامر على ما وصفناه فقد حصل الاجماع على كفره بعد إظهار الايمان واعترافه بموجب ذلك على نفسه، ثم ادعى خصوم من الناصبة (5) أنه تيقن بعد الشك ورجع إلى الايمان بعد الكفر، فأطر حناقولهم لعدم البرهان منهم، (6) واعتمدنا على الاجماع فيما ذكرناه، فلم يأت بشئ أكثر من أن قال:


(1) في المصدر: الشطوى. (2) في المصدر: وأقر به على نفسه. (3) في المصدر: أفليس وعدتنا أن ندخل مكة ؟. (4) في المصدر: أو وعدتك أن تدخلها العام ؟. (5) في المصدر: ثم ادعى خصومنا من الناصبة. (6) في المصدر: لعدم البرهان عليه.

[ 414 ]

ما كنت أظن أن أحدا يدعي الاجماع على كفر عمر بن الخطاب حتى الآن، فقال الشيخ: فالآن قد علمت ذلك وتحققته، ولعمري أن هذا مما لم يسبقني إلى استخراجه أحد، فإن كان عندك شئ فأورده، فلم يأت بشئ. (1) 6 – ومن كلام الشيخ أدام الله علوه أيضا: حضر في دار الشريف أبي عبد الله محمد بن محمد بن طاهر رحمه الله وحضر رجل من المتفقهة يعرف بالورثاني وهو من فهمائهم، فقال له الورثاني أليس من مذهبك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان معصوما من الخطاء، مبرءا من الزلل، مأمونا عليه السهور والغلط، كاملا بنفسه، غنيا عن رعيته ؟ فقال له الشيخ: بلى كذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: فما تصنع في قول الله عزوجل: (وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله) أليس قد أمره الله تعالى بالاستعانة بهم في الرأي، و أفقره إليهم ؟ فكيف يصح لك ما ادعيت مع ظاهر القرآن وما فعله النبي (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال الشيخ: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يشاور أصحابه لفقر منه إلى رأيهم، ولا حاجة دعته إلى مشورتهم من حيث ظننت وتوهمت بل لامر آخر إنا نذكره لك بعد الايضاح عما خبرتك به، وذلك أنا قد علمنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان معصوما من الكبائر، (2) وإن خالفت أنت في عصمته من الصغائر، وكان أكمل الخلق باتفاق أهل الملة وأحسنهم رأيا، وأوفرهم عقلا، وأحكمهم تدبيرا، وكانت المواد بينه وبين الله تعالى متصلة، و الملائكة تتواتر عليه بالتوقيف (3) عن الله سبحانه والتهذيب، والانباء له عن المصالح، وإذا كان بهذه الصفات لم يصح أن يدعوه داع إلى اقتباس الرأي من رعيته، لانه ليس أحد منهم إلا وهو دونه في سائر ما عددناه، وإنما يستشير الحكيم غيره على طريق الاستفادة والاستعانة برأيه إذا تيقن أنه أحسن رأيا منه، وأجود تدبيرا، وأكمل عقلا، أو ظن ذلك، فأما إذا أحاط علما بأنه دونه فيما وصفناه لم يكن لاستعانته في تدبيره برأيه معنى، لان الكامل لا يفتقر إلى الناقص فيما يحتاج فيه إلى الكمال، كما


(1) الفصول المختارة 1: 7 – 9. (2) في المصدر: كان معصوما من الكبائر والصغائر. (3) في المصدر: والملائكة تتواتر عليه بالتوفيق عن الله.

[ 415 ]

لا يفتقر العالم إلى الجاهل فيما يحتاج فيه إلى العلم، والآية ينبه متضمنها على ذلك، ألا ترى إلى قوله عزوجل: (وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله) فعلق وقوع الفعل بعزمه دون رأيهم ومشورتهم ؟ ولو كان إنما أمره بمشورتهم للاستضاءة برأيهم (1) لقال له: فإذا أشاروا عليك فاعمل، وإذا اجتمع رأيهم على أمر فأمضه، فكان تعلق فعله بالمشورة دون العزم الذي يختص به، فلما جاء الذكر بما تلوناه سقط ما توهمته. وأما وجه دعائه لهم إلى المشورة عليه صلوات الله عليه فإن الله عزوجل أمره بتألفهم بمشورتهم وتعلمهم ما يصنعونه عند عزماتهم ليتأد بوابأدب الله عزوجل فاستشار هم لذلك لا لحاجة إلى رأيهم، على أن ههنا وجها آخر بينا: وهو أن الله سبحانه أعلمه أن في امته من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر، (2) ويسر خلافه، ويبطن مقته، ويسعى في هدم أمره، وينافقه في دينه، ولم يعرفه أعيانهم ولا دله عليهم بأسمائهم فقال جل جلاله: (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن تعلمهم سنعذ بهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم). (3) وقال جل اسمه: (وإذا ما انزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يرتكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) (4) وقال تبارك اسمه: (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) (5) وقال تعالى: (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون) (6) وقال عزوجل: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) (7) وقال جل جلاله: (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) (8)


(1) في المصدر: لاستقفاء برأيهم. (2) الغوائل جمع الغائلة: الداهية. الفساد. المهلكة. الشر. (ويتربص به الدوائر) أي ينتظر به النائبة من صروف الدهر. (3) التوبة: 102. (4) التوبة: 127. (5) التوبة: 96. (6) التوبة: 56. (7) المنافقون: 40. (8) التوبة: 54.

[ 416 ]

وقال تبارك وتعالى: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) (1). وقال سبحانه بعد أن نبأه عنهم في الجملة: (لو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول). (2) فدل عليهم بمقالهم، وجعل الطريق له إلى معرفتهم ما يظهر من نفاقهم في لحن قولهم، ثم أمره بمشورتهم ليصل ما يظهر منهم إلى علم باطنهم، فإن الناصح يبدو نصيحته في مشورته، والغاش المنافق يظهر ذلك في مقاله، فاستشارهم (صلى الله عليه وآله) لذلك، ولان الله جل جلاله جعل مشورتهم الطريق إلى معرفتهم، ألا ترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه (صلى الله عليه وآله) في الاسرى فصدرت مشورتهم عن نيات مشوبة في نصيحته كشف الله ذلك له، وذمهم عليه، وأبان عن إدغالهم فيه، فقال جل اسمه: (ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) (3) فوجه التوبيخ إليهم، والتعنيف على رأيهم، وأبان لرسوله (صلى الله عليه وآله) عن حالهم، فيعلم أن المشورة لهم لم يكن للفقر إلى رأيهم، ولكن كانت لما ذكرناه. فقال شيخ من القوم يعرف بالجراحي (4) وكان حاضرا: يا سبحان الله أترى أن أبا بكر وعمر كانا من أهل نفاق ؟ كلاما نظنك أيدك الله تطلق هذا، وما رأينا (صلى الله عليه وآله) استشار ببدر غيرهما، (5) فإن كانا هما من المنافقين فهذا مالا نصبر عليه ولا نقوى على استماعه، وإن لم يكونا من جملة أهل النفاق فاعتمد على الوجه الاول، وهوأن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد أن يتألفهم بالمشورة، ويعلمهم كيف يصنعون في امورهم. فقال له الشيخ أدام الله نعماءه: ليس هذا من الحجاج أيها الشيخ في شئ، و إنما هو في استكبار واستعظام معدول به عن الحجة والبرهان، ولم نذكر إنسانا بعينه وإنما أتينا بمجمل من القول ففصله الشيخ وكان غنيا عن تفصيله.


(1) النساء: 142. (2) محمد: 30. (3) الانفال: 67 و 68. (4) في نسخة: يعرف بالحرانى. (5) في المصدر: وما رأينا ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استشار ببدر غيرهما.

[ 417 ]

وصاح الورثاني وأعلى صوته بالصياح يقول: الصحابة أجل قدرا من أن يكونوا من أهل النفاق ولاسيما الصديق والفاروق ! وأخذ في كلام نحو هذا من كلام السوقة والعامة وأهل الشغب (1) والفتن. فقال له الشيخ أيده الله: دع عنك الضجيج وتخلص مما أوردته عليك من البرهان واحتل لنفسك وللقوم، فقد بان الحق وزهق الباطل بأهون سعي، والحمد لله رب العالمين. (2) 7 – ومن كلام الشيخ أدام الله تأييده أيضا: سأله بعض أصحابه فقال له: إن المعتزلة والحشوية يدعون أن جلوس أبي بكر وعمر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في العريش كان أفضل من جهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسيف، لانهما كانا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في مستقره يدبران الامر معه (صلى الله عليه وآله)، ولولا أنهما أفضل الخلق عنده ما اختصهما بالجلوس معه، (3) فبأي شئ تدفع هذا ؟. فقال له الشيخ: سبيل هذا القول أن يعكس وهذه القضية أن تقلب، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) لو علم أنهما لو كانا من جملة المجاهدين بأنفسهما يبارزان الاقران ويقتلان الابطال ويحصل لهما جهاد يستحقان به الثواب لما حال بينهما وبين هذه المنزلة التي هي أجل وأشرف وأعلى وأسنى من القعود على كل حال بنص الكتاب، حيث يقول الله سبحانه. (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) (4) فلما رأينا الرسول (صلى الله عليه وآله) قد منعهما هذه الفضيلة وأجلسهما معه علمنا أن ذلك لعلمه بأنهما لو تعرضا للقتال أو عرضا له لافسدا، إما بأن ينهزما، أويوليا الدبر كما صنعا يوم احد وخيبر وحنين، وكان يكون في ذلك عظيم الضرر على المسلمين، ولا يؤمن وقوع الوهن * (هامش) (1) الشغب: كثرة الجلبة واللغط المؤدى إلى الشر. (2) الفصول المختارة 1: 11 – 14. (3) في نسخة: ما اختصهما بالجلوس عنده. وفى المصدر: لما اختصهما بالجلوس معه. (4) النساء: 95.


[ 418 ]

فيهم بهزيمة شيخين من جملتهم، أو كانا من فرط ما يلحقهما من الخوف والجزع يصيران إلى أهل الشرك مستأمنين، أوغير ذلك من الفساد الذي يعلمه الله تعالى، ولعله لطف للامة بأن أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحبسهما عن القتال، فأما ما توهموه من أنه حبسهما للاستعانة برأيهما فقد ثبت أنه كان كاملا وكانا ناقصين عن كماله، وكان (صلى الله عليه وآله) معصوما وكانا غير معصومين، وكان مؤيدا بالملائكة وكانا غير مؤيدين، وكان يوحى إليه و ينزل القرآن عليه ولم يكونا كذلك، فأي فقر يحصل له مع ما وصفناه إليهما لولا عمى القلوب وضعف الرأي وقلة الدين ؟ ! والذي يكشف لك عن صحة ما ذكرته آنفا في وجه إجلاسهما معه في العريش قول الله سبحانه: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التورية والانجيل والفرقان (2)) فلا يخلو الرجلان من أن يكونا مؤمنين أو غير مؤمنين، فقد اشترى الله (3) عزوجل أنفسهما منهما بالجنة على شرط القتال المؤدي إلى القتل منهما لغيرهما أو قتل غيرهما لهما، ولو كان ذلك كذلك (4) لما حال النبي بينهما وبين الوفاء بشرط الله عليهما من القتل، وفي منعهما من ذلك دليل على أنهما بغير الصفة التي يعتقدها فيهما الجاهلون، فقد وضح بما بيناه أن العريش وبال عليهما، ودليل على نفصهما، وأنه بالضد مما توهموه، والمنة لله تعالى. (5) 8 – وقال الشيخ أدام الله عزه: قال أبو الحسن الخياط جاءني رجل من أصحاب الامامة عن رئيس لهم زعم أنه أمره أن يسألني عن قول النبي (صلى الله عليه وآله) لابي بكر: (لا تحزن) (6) أطاعة خوف أبي بكر (7) أم معصية ؟ قال: فإن كان طاعة فقد نهاه عن الطاعة، وإن كان معصية فقد عصى أبو بكر. قال فقلت له: دع الجواب اليوم ولكن ارجع إليه واسأله عن قول الله تعالى


(1) في نسخة: أجلسهما. (2) التوبة: 111. (3) في المصدر: أوغير مؤمنين، فان كانا مؤمنين فقد اشترى الله ا ه‍. (4) في المصدر: ولو كانا كذلك. (5) الفصول المختارة 1: 14 و 15. (6) التوبة: 41. (7) في المصدر: أطاعة خزن أبى بكر ؟.

[ 419 ]

لموسى (عليه السلام): (لا تخف) (1) أيخلو خوف موسى (عليه السلام) من أن يكون طاعة أم معصية ؟ فإن يك طاعة فقد نهاه عن الطاعة، وإن يك معصية فقد عصى موسى (عليه السلام)، قال: فمضى ثم عاد إلي فقلت له: رجعت إليه ؟ قال: نعم، فقلت له: ما قال ؟ قال: قال لي: لا تجلس إليه. قال الشيخ أدام الله عزه: ولست أدري صحة هذه الحكاية، ولا ابعد أن يكون من تخرص الخياط، ولو كان صادقا في قوله: إن رئيسا من الشيعة أنفذ مسألة عن هذا السؤال لما قصر الرئيس عن إسقاط ما أورده من الاعتراض، (2) ويقوى في النفس أن الخياط أراد التقبيح على أهل الامامة في تخرص هذه الحكاية، غير أني أقول له ولاصحابه: الفصل بين الامرين واضح، وذلك أني لو خليت وظاهر قوله تعالى لموسى عليه السلام: (لا تخف) وقوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله): (لا يحزنك قولهم (3)) وما أشبه هذا مما توجه إلى الانبياء عليهم السلام لقطعت على أنه نهي لهم عن قبيح يستحقون عليه الذم، لان في ظاهره حقيقة النهي من قوله: (لا تفعل) كما أن في ظاهر خلافه ومقابله في الكلام حقيقة الامر إذا قال له: (افعل) لكنني عدلت عن الظاهر لدلالة عقلية أوجبت علي العدول، (4) كما يوجب الدلالة على المرور مع الظاهر عند عدم الدليل الصارف عنه، وهي ما ثبت من عصمة الانبياء عليهم السلام التي ينبئ عن اجتنابهم الآثام، وإذا كان الاتفاق حاصلا على أن أبا بكر لم يكن معصوما كعصمة الانبياء عليهم السلام وجب أن يجري كلام الله تعالى فيما ضمنه من قصته على ظاهر النهي وحقيقته وقبح الحال التي كان عليها فتوجه النهي إليه عن استدامتها، إذلا صارف يصرف عن ذلك من عصمته، ولاخبر عن الله سبحانه فيه، ولا عن رسوله (صلى الله عليه وآله)، فقد بطل ما أورده الخياط وهو في الحقيقة رئيس المعتزلة، وبان وهي اعتماده، (5) ويكشف عن صحة ما ذكرناه ما تقدم به


(1) طه: 21 و 68 النمل: 10 القصص: 25 و 31. (2) في المصدر: أنفذ يسأله عن هذا السؤال لما سكت عن إسقاط ما أورده من الاعتراض. (3) يونس: 65. (4) في المصدر: لكنى عدلت عن الظاهر في مثل هذا لدلالة عقلية أوجبت على العدول عنه. (5) الوهى: الضعف، وفى المصدر: وبان وهن اعتماده.

[ 420 ]

مشائخنا رحمهم الله وهو أن الله سبحانه لم ينزل السكينة قط على نبيه (صلى الله عليه وآله) في موطن كان معه فيه أحد من أهل الايمان إلا عمهم بنزول السكينة وشملهم بها، بذلك جاء القرآن قال الله سبحانه: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثر تكم فلن تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين (1) ولمالم يكن مع النبي (صلى الله عليه وآله) في الغار إلا أبو بكر أفرد الله سبحانه نبيه بالسكينة دونه، وخصه بها ولم يشركه معه، فقال عزاسمه: (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها (2)) فلو كان الرجل مؤمنا لجرى مجرى المؤمنين في عموم السكينة لهم، ولولا أنه أحدث بحزنه في الغار منكرا لاجله توجه النهي إليه عن استدامته لما حرمه الله تعالى من السكينة ما تفضل به على غيره من المؤمنين الذين كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المواطن الاخر على ما جاء في القرآن ونطق به محكم الذكر بالبيان، (3) وهذا بين لمن تأمله. قال الشيخ أيده الله: وقد حير هذا الكلام جماعة من الناصبة وضيق صدورهم فتشعبوا واختلفوا في الحيلة في التخلص منه، (4) فما اعتمد منهم أحد إلا على ما يدل على ضعف عقله وسخف رأيه وضلاله عن الطريق، فقال قوم منهم: إن السكينة إنما نزلت على أبي بكر واعتلوا في ذلك بأنه كان خائفا رعبا، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) كان آمنا مطمئنا، قالوا: والآمن غني عن السكينة، وإنما يحتاج إليها الخائف الوجل. قال الشيخ أيده الله: فيقال لهم: قد جنيتم بجهلكم على أنفسكم بطعنكم في كتاب الله بهذا الضعيف الواهي من استدلالكم، (5) وذلك أنه لو كان ما اعتللتم به


(1) التوبة: 25 – 26. (2) التوبة: 41. (3) كقوله سبحانه في سورة الفتح: (هو الذى انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) وكقوله: (لقد رضى الله عن المؤمنين إذيبا يعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل الله السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا). (4) في المصدر: للتخلص منه. (5) في المصدر: جنيتم على انفسكم وطعنتم على كتاب الله عزوجل بهذا الضعيف الواهي من استدلالكم.

[ 421 ]

صحيحا لوجب أن لا تكون السكينة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم بدر ولافي يوم حنين، لانه لم يك عليه السلام في هذين الموضعين خائفا ولا جزعا، (1) بل كان آمنا مطمئنا متيقنا بكون الفتح له، وأن الله تعالى يظهره على الدين كله ولو كره المشركون، و فيما نطق به القرآن من تنزيل السكينة عليه ما يدمر على هذا الاعتلال. فإن قلتم: إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان في هذين المقامين خائفا وإن لم يبد خوفه فلذلك نزلت السكينة عليه فيهما وحملتم أنفسكم على هذه الدعوى قلنا لكم: وهذه كانت قصته (صلى الله عليه وآله) في الغار (2) فلم تدفعون ذلك ؟ (3) فإن قلتم: إنه (صلى الله عليه وآله) قد كان محتاجا إلى السكينة في كل حال لينتفي عنه الخوف والجزع ولا يتعلقان به في شئ من الاحوال نقضتم ما سلف لكم من الاعتلال، وشهدتم ببطلان مقالكم الذي قدمناه، على أن نص التلاوة يدل على خلاف ما ذكر تموه و ذلك أن الله سبحانه قال: (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) فأنبأ الله عزوجل خلقه أن الذي نزلت عليه السكينة هو المؤيد بالملائكة، وإذا كانت الهاء (4) التي في التأييد تدل على ما دلت عليه الهاء التي في نزول السكينة وكانت هاء الكناية من مبتدأ قوله: (إلا تنصروه فقد نصره الله) إلى قوله: (وأيده بجنود لم تروها) عن مكني واحد، ولم يجز أن تكون عن اثنين غيرين، كما لا يجوز أن يقول القائل: لقيت زيدا فأكرمته وكلمته، فيكون الكلام لزيد بهاء الكناية، ويكون الكرامة لعمرو أو خالد أو بكر، وإذا كان المؤيد بالملائكة رسول الله (صلى الله عليه وآله) باتفاق الامة فقد ثبت أن الذي نزلت عليه السكينة هو خاصة دون صاحبه وهذا مالا شبهة فيه. (5)


(1) في المصدر: خائفا ولا رعيا ولا جزعا. (2) في نسخة: كانت قضيته في الغار. (3) في المصدر: فبم تدفعون ذلك. (4) في المصدر: إذ كانت الهاء اه‍. (5) وأقوى من ذلك دلالة هو أن الاية وردت في بيان أنه تعالى نصر نبيه حين أخرجه الذين كفروا، حين لم يكن له ناصر ولا معين، وكان بحسب الظاهر فردا لم تكن له عدة ولا عدة حتى يقاتل الكافرين ويدفع عن نفسه شرورهم، ولم يصحبه الا واحد كان يخاف على نفسه، فنصره الله حينئذ فأنزل سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا، ولو أرجعنا الضمير إلى أبى بكر فلم نحفظ انتظام صدر الاية مع ذيلها، وارتباط بعضها مع بعض.

[ 422 ]

وقال قوم منهم: إن السكينة وإن اختص بها النبي (صلى الله عليه وآله) فليس يدل ذلك على نقص الرجل، لان السكينة إنما يحتاج إليها الرئيس المتبوع دون التابع، فيقال لهم: هذا رد على الله سبحانه، لانه قد أنزلها على الاتباع المرؤوسين ببدر وحنين وغيرهما من المقامات، فيجب على ما أصلتموه أن يكون الله سبحانه فعل بهم ما لم يكن بهم الحاجة إليه، ولو فعل ذلك لكان عابثا، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا. قال الشيخ أدام الله عزه: وههنا شبهة يمكن إيرادها هي أقوى مما تقدم، غير أن القوم لم يهتدوا إليها، ولا أظن أنها خطرت ببال أحد منهم، وهو أن يقول قائل: قد وجدنا الله سبحانه ذكر شيئين ثم عبر عن أحدهما بالكناية، فكانت الكناية عنهما معادون أن يختص بأحدهما، وهو مثل قوله سبحانه: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) فأورد لفظة الكناية عن الفضة خاصة، وإنما أرادهما جميعا معا، وقد قال الشاعر: نحن بما عندنا وأنت بما * عندك راض والامر مختلف وإنما أراد: نحن بما عندنا راضون، وأنت راض بما عندك، فذكر أحد الامرين فاستغنى عن الآخر، كذلك يقول سبحانه: (فأنزل الله سكينته عليه) ويريدهما جميعا دون أحدهما. والجواب عن هذا وبالله التوفيق: أن الاختصار بالكناية على أحد المذكورين دون عموم الجميع مجاز واستعارة واستعمله أهل اللسان (1) في مواضع مخصوصة، وجاء به القرآن في أماكن محصورة، وقد ثبت أن الاستعارة ليست بأصل يجري في الكلام ولا يصح عليها القياس، وليس يجوز لنا أن نعدل عن ظواهر القرآن وحقيقة الكلام إلا بدليل يلجئ إلى ذلك، ولا دليل في قوله تعالى: (فأنزل الله سكينته عليه) فنتعدى من أجله المكني عنه إلى غيره. وشئ آخر: وهو أن العرب إنما تستعمل ذلك إذا كان المعنى فيه معروفا، والاالتباس عنه مرتفعا، فتكتفي بلفظ الواحد عن الاثنين للاختصار، ولامانها من وقوع


(1) في المصدر: واستعارة استعمله أهل اللسان.

[ 423 ]

الشبهة فيه والارتياب، (1) فأما إذا لم يكن الشئ معروفا وكان الالتباس عند أفراده متوهما لم يستعمل ذلك، ومن استعمله كان عندهم ملغزا معميا، ألا ترى أن الله سبحانه لما قال: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) علم كل سامع للخطاب أنه أرادهما معا، مع ما قدمه من كراهة كنزهما المانع من إنفاقهما، فلما عم الشيئين بذكر ينتظمهما في ظاهر المقال (2) بما يدل على معنى ما أخره من ذكر الانفاق اكتفى بذكر أحدهما للاختصار، وكذلك قوله تعالى: (وإذا رأو تجارة أو لهوا انفضوا إليها) وإنما اكتفى بالكناية عن أحدهما في ذكرهما معا لما قدمه في ذكرهما من دليل ما تضمنه الدلالة (3) فقال تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) فأوقع الرؤية على الشيئين جميعا، وجعلهما سببا للاشتغال بما وقعت عليه منهما عن ذكر الله سبحانه والصلاة، وليس يجوز أن يقع الالتباس في أنه أراد أحدهما مع ما قدم من الذكر، إذ لو أراد ذلك لخلا الكلام من الفائدة المعقولة، وكان العلم بذلك يجزي في الاشارة إليه، كذلك قوله سبحانه: (والله ورسوله أحق أن يرضوه) (4) لما تقدم ذكر الله تعالى على التفصيل وذكره رسوله (صلى الله عليه وآله) على البيان دل على أن الحق في الرضا لهما جميعا، وإلا لم يكن ذكرهما جميعا معا يفيد شيئا على الحد الذي قدمناه، وكذلك قول الشاعر: (وأنت بما عندك راض والامر مختلف) لو لم يقدم قبله (نحن بما عندنا) لم يجز الاقتصار على الثاني، لانه لو حمل الاول على إسقاط المضمر من قوله: (راضون) لخلا من الفائدة، فلما كان سائر ما ذكرناه معلوما عند من عقل الخطاب جاز الاقتصار فيه على أحد المذكورين للايجاز والاختصار، وليس كذلك قوله تعالى: (فأنزل الله سكينته عليه) لان الكلام يتم فيها وينتظم في وقوع الكناية عن النبي (صلى الله عليه وآله) خاصة دون الكائن معه في الغار، ولا يفتقر إلى رد الهاء عليهما معا مع كونهما في الحقيقة كناية عن واحد في الذكر وظاهر اللسان، ولو أرادهما للجميع لحصل


(1) في المصدر: للاختصار مع الامن من وقوع الشبه والارتياب. (2) في المصدر: يتضمنها في ظاهر المقال. (3) في المصدر: من دليل ما تضمنته الكناية. (4) التوبة: 62.

[ 424 ]

الالتباس والتعمية والالغاز، لانه كما يكون اللبس واقعا عند دليل الكلام على انتظامهما للجميع متى اريد بها الواحد مع عدم الفائدة لو لم يرجع على الجميع كذلك يكون التلبيس حاصلا إذا اريد بها الجميع عند عدم الدليل الموجب لذلك، وكمال الفائدة مع الاقتصار على الواحد في المراد، ألا ترى أن قائلا لو قال: (لقيت زيدا ومعه عمر وفخاطبت زيدا وناظرته) وأراد بذلك مناظرة الجميع لكان ملغزا معميا، لانه لم يكن في كلامه ما يفتقر إلى عموم الكناية عنهما، ولو جعل هذا نظير الآيات التي تقدمت لكان جاهلا بفرق ما بينها وبينه مما شرحناه، فتعلم أنه لانسبة بين الامرين. وشئ آخر: وهو أنه سبحانه كنى بالهاء التالية للهاء التي في السكينة عن النبي (صلى الله عليه وآله) خاصة، فلم يجز أن يكون أراد بالاولة غير النبي (صلى الله عليه وآله)، (1) لانه لا يعقل في لسان القوم كناية عن مذكورين بلفظ واحد، وكناية ترد فيها على النسق عن واحد من الاثنين، وليس لذلك نظير في القرآن ولا في الاشعار ولا في شئ من الكلام فلما كانت الهاء في قوله تعالى: (وأيده بجنود لم تروها) كناية عن النبي (صلى الله عليه وآله) بالاتفاق ثبت أن التي قبلها من قوله: (فأنزل الله سكينته عليه) كناية عنه (صلى الله عليه وآله) خاصة، وبان مفارقة ذلك لجميع ما تقدم ذكره من الآي والشعر الذي استشهد. والله الموفق للصواب. (2) 9 – ومن كلام الشيخ أدام الله عزه: قال له رجل من أصحاب الحديث ممن يذهب إلى مذاهب الكرابيسي: (3) ما رأيت أجسر من الشيعة فيمايد عونه من المحال، وذلك أنهم زعموا أن قول الله عزوجل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت


(1) في المصدر: غير النبي (صلى الله عليه وآله) خاصة. (2) الفصول المختارة 1: 19 – 24. (3) في المصدر: إلى مذهب الكرابيسى. قلت: والكرابيسي هو ابو على الحسين بن على بن يزيد المهلبى الكرابيسى، كان من المجبرة، عارفا بالحديث والفقه، له من الكتب كتاب المدلسين في الحديث، كتاب الامامة، من مقالاته وفيه غمز على على (عليه السلام): القرآن بلفظي غير مخلوق ولفظي بالقرآن مخلوق، وكان احمد بن حنبل يتكلم فيه لذلك، وهو ايضا كان يتكلم في احمد، له ذكر في فهرست ابن النديم: 256 وفى لسان الميزان 2: 303.

[ 425 ]

ويطهر كم تطهيرا) (1) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، مع ما في ظاهر الآية أنها نزلت في أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)، وذلك أنك إذا تأملت الآية من أولها إلى آخرها وجدتها منتظمة لذكر الازواج خاصة، ولن تجد لمن ادعوها له ذكرا. قال الشيخ أدام الله عزه: أجسر الناس على ارتكاب الباطل وأبهتهم وأشدهم إنكارا للحق وأجهلهم من قام مقامك في هذا الاحتجاج، ودفع ما عليه الاجماع و الاتفاق، وذلك أنه لا خلاف بين الامة أن الآية من القرآن قد تأتي وأولها في شئ وآخرها في غيره، ووسطها في معنى وأولها في سواه، وليس طريق الاتفاق في المعنى إحاطة وصف الكلام في الآتي، (2) فقد نقل الموافق والمخالف (3) أن هذه الآية نزلت في بيت ام سلمة رضي الله عنها، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في البيت، ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقد جللهم بعباء خيبرية وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأنزل الله عزوجل عليه: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فتلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت ام سلمة رضي الله عنها: يا رسول الله ألست من أهل بيتك ؟ فقال لها: إنك إلى خير، ولم يقل لها: إنك من أهل بيتي، حتى روى أصحاب الحديث أن عمر سئل عن هذه الآية قال: سلوا عنها عائشة، فقلت عائشة: إنها نزلت في بيت اختي ام سلمة فسلوها عنها فإنها أعلم به مني، فلم يختلف أصحاب الحديث من الناصبة وأصحاب الحديث من الشيعة في خصوصها فيمن عددناه، وحمل القرآن في التأويل على ما جاء به الاثر أولى من حمله على الظن والترجيم، مع أن الله سبحانه قد دل على صحة ذلك بمتضمن هذه الآية حيث يقول: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وإذهاب الرجس لا يكون إلا بالعصمة من الذنوب، لان الذنوب من أرجس الرجس، والخبر عن الارادة ههنا إنما هو خبر عن وقوع الفعل خاصة، دون الارادة التي يكون بها لفظ الامر أمرا، لا سيما على ما أذهب


(1) الاحزاب: 33. (2) في المصدر: وصف الكلام بالاى. (3) وستأتى الاحاديث الواردة في ذلك في أبواب الفضائل.

[ 426 ]

إليه في وصف القديم بالارادة، وافرق بين الخبر عن الارادة ههنا والخبر عن الارادة في قوله سبحانه: (يريد الله ليبين لكم) (1) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (2) إذ لو جرت مجرى واحدا لم يكن لتخصيص أهل البيت بها معنى، إذ الارادة التي يقتضي الخبر والبيان يعم الخلق كلهم على وجهها في التفسير ومعناها، فلما خص الله تبارك وتعالى أهل البيت (عليهم السلام) بإرادة إذهاب الرجس عنهم دل على ما وصفناه من وقوع إذهابه عنهم، وذلك موجب للعصمة على ما ذكرناه، وفي الاتفاق على ارتفاع العصمة عن الازواج دليل على بطلان مقال من زعم أنها فيهن، مع أن من عرف شيئا من اللسان وأصله لم يرتكب هذا القول ولا توهم صحته، وذلك أنه لا خلاف بين أهل العربية أن جمع المذكر بالميم، وجمع المؤنث بالنون، وأن الفصل بينهما بهاتين العلامتين، ولا يجوز في لغة القوم وضع علامة المؤنث على المذكر، ولا وضع علامة المذكر على المؤنث، ولا استعملوا ذلك في الحقيقة ولا المجاز، ولما وجدنا الله سبحانه قد بدأ في هذه الآية بخطاب النساء وأورد علامة جمعهن من النون في خطابهن فقال: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) إلى قوله: (وأطعن الله ورسوله) (3) ثم عدل بالكلام عنهن بعد هذا الفصل إلى جمع المذكر فقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فلما جاء بالميم وأسقط النون علمنا أنه لم يتوجه هذا القول إلى المذكور الاول بما بيناه من أصل العربية وحقيقتها، ثم رجع بعد ذلك إلى الازواج فقال: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) (4) فدل بذلك على إفراد من ذكرناه من آل محمد (عليهم السلام) بما علقه عليهم من حكم الطهارة الموجبة للعصمة وجليل الفضيلة، وليس يمكنكم معشر المخالفين أن تدعوا أنه كان في الازواج مذكورا رجل غير النساء، أو ذكر ليس برجل، فيصح التعلق منكم بتغليب المذكر على المؤنث إذ كان في الجمع ذكر، وإذا لم يمكن ادعاء ذلك وبطل أن يتوجه إلى


(1) النساء: 26. (2) البقرة: 185. (3) الاحزاب: 32 و 33 (4) الاحزاب: 34.

[ 427 ]

الازواج فلا غير لهن توجهت إليه إلا من ذكرناه ممن جاء فيه الاثر على ما بيناه. (1) 10 – ومن كلام الشيخ أدام الله عزه أيضا في الدلالة على أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وتسليمه لم يبايع أبا بكر: قال الشيخ قد اجتمعت الامة على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تأخر عن بيعة أبي بكر، فالمقلل يقول: كان تأخره ثلاثة أيام، ومنهم من يقول: تأخر حتى ماتت فاطمة (عليها السلام) ثم بايع بعد موتها، ومنهم من يقول: تأخر أربعين يوما، ومنهم من يقول: تأخر ستة أشهر، والمحققون من أهل الامامة يقولون: لم يبايع ساعة قط، فقد حصل الاجماع على تأخره عن البيعة، ثم اختلفوا في بيعته بعد ذلك على ما قدمنا به الشرح، فما يدل على أنه لم يبايع البتة أنه ليس يخلو تأخره من أن يكون هدى وتركه ضلالا، أو يكون ضلالا وتركه هدى وصوابا، أو يكون صوابا وتركه صوابا، أو يكون خطاء وتركه خطاء، فلو كان التأخر ضلالا وباطلا لكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد ضل بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بترك الهدى الذي كان يجب عليه المصير إليه، وقد أجمعت الامة على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقع منه ضلال بعد النبي (صلى الله عليه وآله) في طول زمان أبي بكر وأيام عمر وعثمان وصدرا من أيامه (2) حتى خالفت الخوارج عند التحكيم وفارقت الامة، فبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالا، وإن كان تأخره هدى وصوابا وتركه خطاء وضلالا فليس يجوز أن يعدل عن الصواب إلى الخطاء، ولا عن الهدى إلى الضلال، ولا سيما والاجماع واقع على أنه لم يظهر منه ضلال في أيام الذي تقدموا، (3) ومحال أن يكون التأخر خطاء وتركه خطاء للاجماع على بطلان ذلك أيضا، ولما يوجبه القياس من فساد هذا المقال، وليس يصح أن يكون صوابا وتركه صوابا لان الحق لا يكون في جهتين ولا على وصفين متضاد ين، ولان القوم المخالفين لنا في هذه المسألة مجمعون على أنه لم يكن إشكال في جواز الاختيار و


(1) الفصول المختارة 1: 27 – 29. (2) في نسخة: وصدرا من إمامته. (3) في المصدر: في أيام الثلاثة الذين تقدموا عليه.

[ 428 ]

صحة إمامة أبي بكر، وإنما الناس بين قائلين: قائل من الشيعة يقول: إن إمامة أبي بكر كانت فاسدة فلا يصح القول بها أبدا، وقائل من الناصبة يقول: إنها كانت صحيحة، ولم يكن على أحد ريب في صوابها، إذ جهة استحقاق الامامة هو ظاهر العدالة والنسب والعلم والقدرة على القيام بالامور، ولم يكن هذه الامور ملتبسة على أحد في أبي بكر عندهم، وعلى ما يذهبون إليه فلا يصح مع ذلك أن يكون المتأخر عن بيعته مصيبا أبدا، لانه لا يكون متأخر لفقد الدليل، بل لا يكون متأخرا لشبهة، وإنما يتأخر إذا ثبت أنه تأخر للعناد، فثبت بما بيناه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبايع أبا بكر على شئ من الوجوه كما ذكرناه وقد مناه. وقد كانت الناصبة غافلة عن هذا الاستخراج، مع موفقتها على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تأخر عن البيعة وقتاما، ولو فطنت له لسبقت بالخلاف فيه عن الاجماع، وما أبعد أنهم سيرتكبون ذلك إذا وقفوا على هذا الكلام، غير أن الاجماع السابق لمرتكب ذلك يحجه ويسقط قوله، فيهون قصته ولا يحتاج معه إلى الاكثار. (1) 11 – قال: وأخبرني الشيخ أيده الله قال: أبو القاسم الكعبي: (2) سمعت أبا الحسين الخياط (3) يحتج في إبطال قول المرجئة في الشفاعة بقول تعالى: (أفمن حق


(1) الفصول المختارة 1: 30 – 31. (2) هو عبد الله بن احمد بن محمود البلخى ابو القاسم الكعبي، من كبار المعتزلة، انتهت إليه رياسة المعتزلة، واليه تنسب الفرقة الكعبية، قيل: ولد سنة 273، وتوفى في 319، تتلمذ على أبى الحسين الخياط، وانفرد عنه بمسائل منها: ان ارادة الباري تعالى ليست صفة قائمة بذاته ولا هو مريد لذاته، ولا ارادته حادثة في محل اولا في محل، بل إذا اطلق انه مريد فمعناه انه عالم قادر غير مكره في فعله ولا كاره، وإذا قيل: انه مريد لافعاله فالمراد انه خالق لها على وفق علمه وإذا قيل: هو مريد لافعال عباده فالمراد انه آمر بها راض عنها، وكذلك في السميع والبصير فهو سميع بمعنى انه عالم بالمسموعات وبصير بمعنى انه عالم بالمبصرات وغير ذلك، وأورد مقالاته الشهرستاني في الملل والنحل 1: 102 و 103. والبغدادي في الفرق بين الفرق: 108. (3) هو عبد الرحيم بن محمد بن عثمان أبو الحسين الخياط استاذ الكعبي، إليه تنسب الخياطية من المعتزلة وصفه ابن النديم على مافى لسان الميزان بقوله: كان رئيسا متقدما عالما بالكلام فقيها صاحب حديث واسمع الحفظ يتقدم سائر المتكلمين من اهل بغداد. له مقالات أوردها الشهرستاني في الملل 1: 102 والبغدادي في الفرق بين الفرق: 107، منها ان المعدوم شئ وغالى فيه، والجوهر جوهر في العدم، والعرض عرض، وكذلك جميع الاجناس والصفات، حتى قال: السواد سواد في العدم.

[ 429 ]

عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار (1)) قال: والشفاعة لا تكون إلا لمن استحق العقاب. فيقال له (2) ماكان أغفل أبا الحسين وأعظم رقدته ! أترى أن المرجئة إذا قالت: إن النبي (صلى الله عليه وآله) يشفع فيشفع فيمن يستحق العقاب قالوا: إنه هو الذي ينقذ من في النار، أم يقولون: إن الله سبحانه هو الذي أنقذه بفضله ورحمته، وجعل ذلك إكراما لنبيه (صلى الله عليه وآله)، فأين وجه الحجة فيما تلاه ؟ أو ما علم أن من مذهب خصومه القول بالوقف في الاخبار، وأنهم لا يقطعون بالظاهر على العموم والاستيعاب، فلو كان القول يتضمن نفي خروج أحد من النار لما كان ذلك ظاهرا ولا مقطوعا به (3) عند القوم، فكيف ونفس الكلام يدل على الخصوص دون العموم بقوله تعالى: (أفمن حق عليه كلمة العذاب) وإنما يعلم من المراد بذلك بدليل دون نفسه، وقد حصل الاجماع على أنه توجه إلى الكفار، وليس أحد من أهل القبلة يدين بجواز الشفاعة للكفار، فيكون ما تعلق به الخياط حجة عليه، ثم قال أبو القاسم: وكان أبو الحسين يعني الخياط يتلو في ذلك أيضا قوله عزوجل: (تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين * وما أضلنا إلا المجرمون * فمالنا من شافعين * ولا صديق حميم). (4) قال الشيخ أدام الله عزه: فيقال له: (5) ما رأيت أعجب منكم يا معشر المعتزلة، تتكلمون في ما قد شارككم الناس فيه من العدل والتوحيد أحسن كلام، حتى إذا صرتم إلى الكلام في الامامة والارجاء صرتم فيهما عامة حشوية، تخبطون خبط عشواء، لا تدرون ما تأتون وما تذرون، ولكن لاأعجب من ذلك وأنتم إنما جودتم فيما عاونكم عليه غيركم واستفدتموه من سواكم، وقصرتم فيما تفردتم به لاسيما في نصرة الباطل الذي لا يقدر على نصرته في الحقيقة قادر، ولكن العجب منكم في ادعائكم الفضيلة والبينونة بها من سائر الناس، ولو والله حكى عنكم هذا الاستدلال مخالف لكم لارتبنا بحكايته، ولكن لاريب وشيوخكم يحكونه عن مشائخهم، ثم لا يقنعون حتى


(1) الزمر: 19. (2) في المصدر: قال: فيقال له. (3) في نسخة: ولا مقطوعا عليه. (4) الشعراء: 97 – 101. (5) في المصدر: فيقال لهم.

[ 430 ]

يوردوه على سبيل التبحج به (1) والاستحسان له، وأنت أيها الرجل من غلوك فيه جعلته أحد الغرر، وأنت وإن كنت أعجمي الاصل والمنشأ فأنت عربي اللسان صحيح الحس، وظاهر الآية في الكفار خاصة، لا يخفى ذلك على الانباط فظلا عن غيرهم، حيث يقول الله عزوجل حاكيا عن الفرقة بعينها وهي تعني معبوداتها من دون الله تعالى وتخاطبها فيقول: (إذنسو يكم برب العالمين) فيعترفون بالشرك بالله عزوجل، ثم يقولون: (وما أضلنا إلا المجرمون) وقبل ذلك يقسمون فيقولون: (تالله إن كنا لفي ضلال مبين) فهل يا أبا القاسم أصلحك الله تعرف أحدا من خصومك في الارجاء والشفاعة يذهب إلى جواز الشفاعة لعباد الاصنام المشركين بالله عزوجل، والكفار برسله عليهم السلام، حتى استحسنت استدلال شيخك بهذه الآية على المشبهة زعمت (2) و المجبرة ومن ذهب مذهبهم من العامة ؟ ! فإن ادعيت علم ذلك تجاهلت، وإن زعمت أنه إذا بطلت الشفاعة للكفار فقد بطلت في الفساق أتيت بقياس طريف من القياس الذي حكي عن أبي حنيفة أنه قال: (البول في المسجد أحيانا أحسن من بعض القياس) وكيف تزعم ذلك وأنت إنما حكيت مجرد القول في الآية، ولم تذكر وجه الاستدلال منها، وإن ما توهمت تأن الحجة في ظاهرها غفلة عظيمة حصلت منك على أنه إنما يصح القياس على العلل والمعاني دون الصور والالفاظ، والكفار إنما بطل قول من ادعى الشفاعة لهم أن لواد عاها مدع بصريح القرآن لاغير، فيجب أن لا تبطل الشفاعة لفساق الملة إلا بنص القرآن أيضا، أو قول من الرسول (صلى الله عليه وآله) يجري مجرى القرآن في الحجة، وإذا عدم ذلك بطل القياس فيه، مع أنا قد بينا أنك لم تقصد القياس و إنما تعلقت بظاهر القرآن، وكشفنا عن غفلتك في التعلق به، فليتأمل ذلك أصحابك وليستحيوا لك منه، على أنه قد روي عن الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) أنه قال: في هذه الآية دليل على وجود الشفاعة، (3) قال: وذلك أن أهل النار لو لم يروا يوم القيامة الشافعين يشفعون لبعض من استحق العقاب فيشفعون


(1) تبحج: افتخر وتعظم وباهى. (2) في المصدر: كما زعمت. (3) في المصدر: في هذه الايات دلالة على وجود الشفاعة.

[ 431 ]

ويخرجون بشفاعتهم من النار أو يعفون منها (1) بعد الاستحقاق لما تعاظمت حسراتهم ولا صدر عنهم هذا المقال، لكنهم لما رأوا شافعا يشفع فيشفع وصديقا حميما يشفع لصديقه فيشفع عظمت حسرتهم عند ذلك وقالوا: (فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم * فلو أن لناكرة فنكون من المؤمنين) ولعمري أن مثل هذا الكلام لايرد إلا عن إمام هدى، أو من أخذ من أئمة الهدى (عليهم السلام)، (2) فأما ما حكاه أبو القاسم الكعبي فيليق بمقال الخياطين، ونتيجة عقول السخفاء والضعفاء في الدين. (3) 12 – ومن كلام الشيخ أدام الله عزه: سئل في مجلس الشريف أبي الحسن أحمد بن القاسم العلوي المحمدي أدام الله عزه فقيل له: ما الدليل على أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان أفضل الصحابة ؟ فقال: الدليل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله) (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر) (4) فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد ثبت أن أحب خلق إلى الله عزوجل أعظمهم ثوابا عند الله تعالى، وأن أعظم الناس ثوابا لا يكون إلا لانه أشرفهم أعمالا وأكثرهم عبادة لله تعالى، وفي ذلك برهان على فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) على الخلق كلهم سوى الرسول عليه وآله السلام. فقال له السائل: ما الدليل على صحة هذا الخبر وما أنكرت أن يكون غير معتمد لانه إنما رواه أنس بن مالك وحده، وأخبار الآحاد ليست بحجة فيما يقطع على الله عزوجل بصوابه ؟ فقال الشيخ أدام الله عزه: هذا الخبر وإن كان من أخبار الآحاد على ما ذكرت من أن أنس بن مالك رواه وحده فإن الامة بأجمعها قد تلقته بالقبول، (5) ولم يروا


(1) في نسخة: أو يعتقون منها. (2) في المصدر: او أحد من أئمة الهدى عليهم السلام. ولعل الصحيح: أو عمن اخذ من أئمة الهدى. (3) الفصول المختارة 1: 45 – 48. (4) سيأتي الخبر بأسانيده الكثيرة في أبواب الفضائل. (5) قال الحاكم في المستدرك 3: 131 بعد ذكره الحديث: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد رواه عن انس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفسا، ثم صحت الرواية عن على وابى سعيد الخدرى وسفينة.

[ 432 ]

أن أحدا رده على أنس ولا أنكر صحته عند روايته، فصار الاجماع عليه هو الحجة في صوابه، ولم يخل ببرهانه كونه من أخبار الآحاد بما شرحناه، مع أن التواتر قدورد بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) احتج به في مناقبه يوم الدار، (1) فقال: (انشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فجاء أحد غيري ؟ قالوا: اللهم لا، قال: اللهم اشهد، فاعترف الجميع بصحته، ولم يك أمير المؤمنين (عليه السلام) ليحتج بباطل، (2) لاسيما وهو في مقام المنازعة والتوصل بفضائله إلى أعلى الرتب التي هي الامامة والخلافة للرسول (صلى الله عليه وآله)، وإحاطة علمه بأن الحاضرين معه في الشورى يريدون الامر دونه، مع قول النبي (صلى الله عليه وآله): (علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار) (3) وإذا كان الامر على ما وصفناه دل على صحة الخبر حسبما بيناه. فاعترض بعض المجبرة فقال: إن احتجاج الشيعة برواية أنس من أطرف الاشياء وذلك أنهم يعتقدون تفسيق أنس بل تكفيره، فيقولون: إنه كتم الشهادة في النص حتى دعا عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) ببلاء لا يواريه الثياب، فبرص على كبر السن ومات وهو أبرص، فكيف يستشهد (4) برواية الكافرين ؟. (5) فقالت المعتزلة: قد أسقط هذا الكلام الرجل ولم يجعل الحجة في الرواية أنسا، وإنما جعلها الاجماع، فهذا الذي أوردته هذيان وقد تقدم إبطاله. فقال السائل: هب إنا سلمنا صحة الخبر ما أنكرت أن لا يفيد ما ادعيت من فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) على الجماعة ؟ وذلك أن المعنى فيه: اللهم ائتني بأحب خلقك


(1) هذا الحديث مما رواه الخاصة والعامة واخرجوه في كتبهم، وسيأتى في كتاب الفضائل مع اسانيده. (2) في المصدر: ولم يك أمير المؤمنين عليه السلام بالذى يحتج بباطل. (3) هذا الحديث مما تلقته الخاصة والعامة بالقبول واخرجوه في كتبهم، وسيأتى في كتاب الفضائل مسندا. (4) في المصدر: فكيف يجوز بأن يستشهد برواية الكافرين ؟ (5) بل الاعتراض من أطرف الاشياء، لان المسلم في محله صحة استدلال الخصم في الحجاج بما يراه المستدل عليه صحيحا، ولا يلزم أن يكون هو عند المستدل ايضا صحيحا.

[ 433 ]

إليك يأكل معي، (1) يريد أحب الخلق إلى الله عزوجل في الاكل معه، دون أن يكون أراد أحب الخلق إليه في نفسه لكثرة أعماله، إذ قد يجوز أن يكون الله سبحانه يحب أن يأكل مع نبيه من غيره أفضل منه، ويكون ذلك أحب إليه للمصلحة: فقال الشيخ أدام الله عزه: هذا الذي اعترضت به ساقط، وذلك أن محبة الله تعالى ليست ميل الطباع، وإنما هي الثواب، كما أن بغضه وغضبه ليسا باهتياج، (2) وإنما هما العقاب ولفظ أفعل في أحب وأبغض لا يتوجه إلا إلى معناهما من الثواب والعقاب، ولا معنى على هذا الاصل لقول من زعم أن أحب الخلق إلى الله عزوجل يأكل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) توجه إلى محبة الاكل (3) والمبالغة في ذلك بلفظ أفعل، لانه يخرج اللفظ عما ذكرناه من الثواب إلى ميل الطباع، وذلك محال في صفة الله سبحانه. وشئ آخر: وهو أن ظاهر الخطاب يدل على ما ذكرناه دون ما عارضت به أن لو كانت المحبة على غير معنى الثواب، لانه (صلى الله عليه وآله) قال: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر) وقوله: بأحب خلقك إليك كلام تام، وبعده: (4) يأكل معي من هذا الطائر كلام مستأنف ولا يفتقر الاول إليه، ولو كان أراد ما ذكرت لقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك في الاكل معي، فلما كان اللفظ على خلاف هذا وكان على ما ذكرناه لم يجز العدول عن الظاهر إلى محتمل على المجاز. وشئ آخر: وهو أنه لو تساوى المعنيان في ظاهر الكلام لكان الواجب عليك تحميلهما اللفظ معادون الاقتصار على أحدهما إلا بدليل، لانه لا يتنافى الجمع بينهما فيكون أراد بقوله: (أحب خلقك إليك) في نفسه وللاكل معي، وإذا كان الامر على ما بيناه سقط اعتراضك. فقال رجل من الزيدية – كان حاضرا – للسائل: هذا الاعتراض ساقط على أصلك وأصلنا، لانا نقول جميعا إن الله تعالى لا يريد المباح، والاكل مع النبي (صلى الله عليه وآله) مباح وليس


(1) في المصدر: يأكل معى من هذا الطائر. (2) في المصدر: باهتياج الطباع. (3) كذا في النسخ. (4) في المصدر: وقوله بعده.

[ 434 ]

بفرض ولا نفل، فيكون الله يحبه فضلا عن أن يكون بعضه أحب إليه من بعض، و هذا السائل من أصحاب أبي هاشم فلذلك أسقط الزيدي كلامه على أصله، إذا كان يوافقه في الاصول على مذهب أبي هاشم. فخلط السائل هنيئة ثم قال للشيخ أدام الله عزه: فأنا أعترض باعتراض آخر: وهو أن أقول ما أنكرت أن يكون هذا يقول إنما أفادأن عليا (عليه السلام) كان أفضل الخلق في يوم الطائر، ولكن بم تدفع أن يكون قد فضله قوم من الصحابة عند الله تعالى بكثرة الاعمال والمعارف بعد ذلك ؟ وهذا الامر لا يعلم بالعقل، وليس معك سمع في نفس الخبر يمنع من ذلك فدل على أنه (عليه السلام) أفضل من الصحابة كلهم إلى وقتنا هذا، فإنالم نسألك عن فضله عليهم وقتا بعينه، فقال الشيخ أدام الله عزه: هذا السؤال أوهن مما تقدم، والجواب عنه أيسر، وذلك أن الامة مجمعة على إبطال قول من رعم أن أحدا اكتسب أعمالا زادت على الفضل الذي حصل لامير المؤمنين (عليه السلام) على الجماعة، من قبل أنهم بين قائلين: فقائل يقول: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أفضل من الكل في وقت الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يساوه أحد بعد ذلك، وهم الشيعة الامامية والزيد وجماعة من شيوخ المعتزلة وجماعة من أصحاب الحديث، وقائل يقول: إنه لم يبن لامير المؤمنين (عليه السلام) في وقت من الاوقات فضل على سائر الصحابة يقطع به على الله تعالى ويجزم الشهادة بصحته، ولا بان لاحد منهم فضل عليه، وهم الواقفة في الاربعة من المعتزلة، منهم: أبو علي وأبو هاشم وأتباعهما، وقائل يقول: إن أبا بكر كان أفضل أمير المؤمنين (عليه السلام) في وقت الرسول (صلى الله عليه وآله) و بعده، وهم جماعة من المعتزلة وبعض المرجئة وطوائف من أصحاب الحديث، وقائل يقول: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) خرج عن فضله بحوادث كانت منه فساواه غيره، وفضل عليه من أجل ذلك من لم يكن له فضل عليه، وهم الخوارج وجميعة من المعتزلة، منهم: الاصم والجاحظ وجماعة من أصحاب الحديث أنكروا قتال أهل القبلة، ولم يقل أحد من الامة أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أفضل عند الله سبحانه من الصحابة كلهم ولم يخرج عن ولاية الله عزوجل ولا أحدث معصية الله تعالى ثم فضل عليه غيره بعمل زاد به ثوابه على ثوابه، ولا جوز ذلك فيكون معتبرا، فإذا بطل الاعتبار به للاتفاق على خلافه


[ 435 ]

سقط، وكان الاجماع حجة يقوم مقام قول الله تعالى في صحة ما ذهبنا إليه، فلم يأت بشئ. وذاكرني الشيخ أدام الله عزه هذه المسألة بعد ذلك فزادني فيها زيادة ألحقتها: وهي أن قال: إن الذي يسقط ما اعترض به السائل من تأويل قول النبي (صلى الله عليه وآله): (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك) على المحبة للاكل معه دون محبته في نفسه بإعظام ثوابه بعد الذي ذكرناه في إسقاطه: أن الرواية جاءت عن أنس بن مالك أنه قال: (لما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن ياتيه الله تعالى بأحب الخلق إليه قلت: اللهم اجعله رجلا من الانصار ليكون لي الفضل بذلك، فجاء علي (عليه السلام) فرددته، وقلت له: رسول الله على شغل، فمضى ثم عاد ثانية فقال لي: استأذن على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقلت له: إنه على شغل، فجاء ثالثة فاستأذنت له ودخل، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): قد كنت سألت الله تعالى أن يأتيني بك دفعتين، ولو أبطأت علي الثالثة لاقسمت على الله عزوجل أن يأتيني بك) فلولا أن النبي (صلى الله عليه وآله) سأل الله عزوجل أن يأتيه بأحب خلقه إليه في نفسه وأعظمهم ثوابا عنده وكانت هذه من أجل الفضائل لما آثر أنس أن يختص بها قومه، و لولا أن أنسافهم ذلك من معنى كلام الرسول الله (صلى الله عليه وآله) لما دافع أمير المومنين (عليه السلام) عن الدخول، ليكون ذلك الفضل لرجل من الانصار فيحصل له جزء منه. وشي آخر: وهو أنه لو احتمل معنى لا يقتضي الفضيلة لامير المؤمنين (عليه السلام) لما احتج به أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الدار، ولا جعله شاهدا على أنه أفضل من الجماعة، وذلك أنه لو لم يكن الامر على ما وصفناه وكان محتملا لماظنه المخالفون من أنه سأل ربه تعالى أن يأتيه بأحب الخلق إليه في الاكل معه لما أمن أمير المؤمنين (عليه السلام) من أن يتعلق بذلك بعض خصومه في الحال، أو يشتبه ذلك على إنسان، فلما احتج به (عليه السلام) على القوم واعتمده في البرهان دل على أنه لم يك مفهوما منه إلا فضله، وكان إعراض الجماعة أيضا عن دفاعه عن ذلك بتسليم ما ادعى دليلا (1) على صحة ما ذكرناه، وهذا بعينه يسقط قول من زعم أنه يجوز مع إطلاق النبي (صلى الله عليه وآله) في أمير المؤمنين (عليه السلام) ما يقتضي


(1) في المصدر: بتسليم ما ادعاه دليلا.

[ 436 ]

فضله عند الله تعالى على الكافة وجود من هو أفضل منه في المستقبل، لانه لو جاز ذلك لما عدل القوم عن الاعتماد عليه، ولجعلوه شبهة في منعه مما ادعاه من القطع على نقصانهم عنه في الفضل، وفي عدول القوم عن ذلك دليل على أن القول مفيد بإطلاقة فضله (عليه السلام)، ومؤمن من بلوغ أحد منزلته في الثواب بشئ من الاعمال، وهذا بين لمن تدبره. (1) 13 – ومن حكايات الشيخ أدام الله عزه وكلامه: حضر الشيخ مجلس أبي منصور ابن المرزبان وكان بالحضرة جماعة من متكلمي المعتزلة، فجرى كلام وخوض في شجاعة الامام (2) فقال أبو بكر بن صراما: عندي أن أبا بكر الصديق كان من شجعان العرب ومتقدميهم في الشجاعة ! فقال الشيخ أدام الله عزه: من أين حصل ذلك عندك ؟ وبأي وجه عرفته ؟ فقال: الدليل على ذلك أنه رأى قتال أهل الردة وحده في نفر معه، وخالفه على رأيه في ذلك جمهور الصحابة وتقاعدوا عن نصرته، فقال: أما والله لو منعوني عقالا لقاتلتهم، ولم يستوحش من اعتزال القوم له، ولاضعف ذلك نفسه، ولامنعه من التصميم على حربهم، فلولا أنه كان من الشجاعة حد يقصر الشجعان عنه لما أظهر هذا القول عند خذلان القوم له !. فقال الشيخ أدام الله عزه: ما أنكرت على من قال لك: إنك لم تلجأ إلى معتمد عليه في هذا الباب، وذلك أن الشجاعة لا تعرف بالحسن لصاحبها فقط ولا باد عائها، وإنما هي شئ في الطبع يمده الاكتساب، والطريق إليها أحد الامرين: إما الخبر عنها من جهة علام الغيوب المطلع على الضمائر جلت عظمته، فيعلم خلقه حال الشجاع وإن لم يبد منه فعل يستدل به عليها، والوجه الآخر أن يظهر منه أفعال يعلم بها حاله كمبارزة الاقران، ومقاومة الشجعان، ومنازلة الابطال، والصبر عند اللقاء، وترك الفرار عند تحقق القتال، ولا يعلم ذلك أيضا بأول وهلة، (3) ولا بواحدة من الفعل


(1) الفصول المختارة 1: 59 – 64. (2) في المصدر هنا زيادة وهى: وهل ذلك شرط يجب في الامامة أم لا يجب ؟ ومضى فيه طرف على سبيل المذاكرة. (3) يقال: لقيته أول وهلة أو واهلة أي أول شئ.

[ 437 ]

حتى يتكرر ذلك على حد يتميز به صاحبه ممن حصل له ذلك اتفاقا، أو على سبيل الهوج (1) والجهل بالتدبير، وإذا كان الخبر عن الله سبحانه بشجاعة أبي بكر معدوما وكان هذا الفعل الدال على الشجاعة غير موجود للرجل فكيف يجوز لعاقل أن يدعي له الشجاعة بقول قاله ليس من دلالتها في شئ عند أحد من أهل النظر والتحصيل ؟ لاسيما ودلائل جبنه وهلعه (2) وخوفه وضعفه أظهر من أن يحتاج فيها إلى التأمل، وذلك أنه لم يبارز قط قرنا (3) ولاقاوم بطلا ولاسفك بيده دما، وقد شهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشاهده، فكان لكل أحد من الصحابة أثر في الجهاد إلاله، وفر في يوم احد، وانهزم في يوم خيبر، وولى الدبريوم التقى الجمعان، وأسلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه المواطن مع ماكتب الله عزوجل عليه من الجهاد ! فكيف تجتمع دلائل الجبن و دلائل الشجاعة لرجل واحد في وقت واحد لولا أن العصبية تميل بالعبد إلى الهوى ؟. وقال رجل من طياب الشيعة كان حاضرا: عافاك الله أي دليل هذا ؟ وكيف يعتمد عليه وأنت تعلم أن الانسان قد يغضب فيقول: لوسامني السلطان هذا الامر ما قبلته، وإن عندنا لشيخا ضعيف الجسم، ظاهر الجبن، يصلي بنافي مسجدنا فما يحدث أمر يضجره وينكره إلا قال: والله لاصبرن على هذا أو لا جاهدن فيه ولو اجتمعت فيه ربيعة ومضر !. فقال: ليس الدليل على الشجاعة ما ذكرت دون غيره، والذي اعتمدنا عليه يدل كما يدل الفعل والخبر، (4) ووجه الدلالة فيه أن أبا بكر باتفاق لم يكن مؤوف العقل، و لاغبيا ناقصا، (5) بل كان بالاجماع من العقلاء، وكان بالاتفاق جيد الآراء، فلولا أنه كان واثقا من نفسه عالما بصبره وشجاعته لما قال هذا القول بحضرة المهاجرين والانصار وهو لا يأمن أن يقيم القوم على خلافه فيخذلونه، ويتأخرون عنه ويعجزهو لجبنه أن


(1) الهوج محركة: الطيش والتسرع. (2) الهلع: الجبن عند اللقاء. (3) القرن بالكسر: نظيرك في الشجاعة أو العلم. (4) في المصدر: كما يدل عليه العقل والخبر. (5) في المصدر: ولاغبيا ولاناقصا.

[ 438 ]

لو كان الامر على ما ادعيتموه عليه فيظهر منه الخلف في قوله، ولبس يقع هذا من عاقل حكيم، فلما ثبتت حكمة أبي بكر دل مقاله الذي حكيناه على شجاعته كما وصفناه. فقال الشيخ أدام الله عزه ليس تسليمنا لعقل أبي بكر وجودة رأيه تسليما لما ادعيت من شجاعته بما رويت عنه من القول، ولا يوجب ذلك في عرف ولا عقل ولاسنة ولا كتاب، وذلك أنه وإن كان ما ذكرت من الحكمة فليس يمنع أن يأتي بهذا القول من جبنه وخفه وهلعه ليشجع أصحابه، ويحض (1) المتأخرين عنه على نصرته، ويحثهم على جهاد عدوه، ويقوي عزمهم في معونته، ويصرفهم عن رأيهم في خذلانه، وهكذا تصنع الحكماء في تدبيراتهم، فيظهرون من الصبر ما ليس عندهم، ومن الشجاعة ما ليس في طبائعهم حتى يمتحنوا الامر وينظروا عواقبه، فإن استجاب المتأخرون عنهم ونصرهم الخاذلون لهم وكلوا الحرب إليهم وعقلوا الكلفة بهم، وإن أقاموا على الخذلان و اتفقوا على ترك النصرة لهم والعدول عن معونتهم أظهروا من الرأي خلاف ما سلف، وقالوا: قد كانت الحال موجبة للقتال، وكان عزمنا على ذلك تاما فلما رأينا أشياعنا وعامة أتباعنا يكرهون ذلك أوجبت الضرورة (2) إعفاء هم مما يكرهون، والتدبير لهم بما يؤثرون، وهذا أمر قد جرت به عادات الرؤساء في كل زمان، ولم يك تنقلهم من رأي إلى رأي مسقطا لاقدراهم عند الأنام، فلا ينكر أن يكون أبو بكر إنما أظهر التصميم على الحرب لحث القوم على موافقته في ذلك، ولم يبدلهم جزعه لئلا يزيد ذلك في فشلهم، ويقوي به رأيهم، واعتمد على أنهم إن صاروا إلى أمره ونجع هذا التدبير في تمام غرضه فقد بلغ المراد، وإن لم ينجع ذلك عدل عن الرأي الاول ! كما وصفناه من حال الرؤساء في تدبيراتهم، على أن أبا بكر لم يقسم بالله تعالى في قتال أهل الردة بنفسه، وإنما أقسم بأنصاره (3) الذين اتبعوه على رأيه، وليس في يمينه


(1) حضه على الامر: حمله عليه وأغراه به. (2) في نسخة: أوجبت الصورة. (3) في المصدر: وانما أقسم في قتالهم بأنصاره.

[ 439 ]

بالله سبحانه لينفذن خالدا وأصحابه ليصلوا بالحرب دليل على شجاعته في نفسه. وشئ آخر: وهوأن أبا بكر قال هذا القول عند غضبه لمباينة القوم له، ولا خلاف بين ذوي العقول أن الغضبان يعتريه (1) عند غضبه من هيجان الطباع ما يفسد عليه رأيه حتى يقدم من القول على مالا يفي به عند سكون نفسه، ويعمل من الاعمال ما يندم عليه عند زوال الغضب عنه، ولايكون وقوع ذلك منه دليلا على فساد عقله، (2) ووجوب إخراجه عن جملة أهل التدبير، وقد صرح بذلك الرجل في خطبته المشهورة عنه التي لا يختلف اثنان فيها، وأصحابه خاصة يصولون بها، (3) ويجعلونها من مفاخره، حيث يقول: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج من الدنيا وليس أحد يطالبه بضربة سوط فما فوتها وكان (صلى الله عليه وآله) معصوما من الخطأ، يأتيه الملائكة بالوحي، فلا تكلفوني ما كنتم تكلفونه فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي، فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني، لا اوثر في أشعاركم وأبشاركم) فقد أعذر هذا الرجل إلى القوم فيما يأتيه عند غضبه (4) من قول وفعل، ودلهم على الحال فيه، فلذلك أمن من نكير المهاجرين والانصار عليه مقاله عند غضبه مع إحاطة العلم منهم بما لحقه في الحال من خلاف المخالفين عليه حتى بعثه على ذلك المقال. فلم يأت بشئ. (5) 14 – قال الشيخ أدام الله حراسته: كان يختلف إلي حدث من أولاد الانصار يتعلم الكلام فقال لي يوما: اجتمعت البارحة مع الطبراني شيخ من الزيدية فقال لي: أنتم يا معشر الامامية حنبلية وأنتم تستهزؤون بالحنبلية ! فقلت له: وكيف ذلك ؟ فقال لان الحنبلية تعتمد على المنامات وأنتم كذلك، والحنبلية تدعي المعجز لاكابرها و أنتم كذلك، والحنبلية ترى زيارة القبور والاعتكاف عندها وأنتم كذلك، فلم يكن عندي جواب أرتضيه، فما الجواب،


(1) في المصدر: إن الغضبان قد يعتريه. (2) في المصدر: ولايكون في وقوع ذلك دليل على فساد عقله. (3) في المصدر: يقولون بها. (4) في المصدر: فقد أعذر هذا الرجل إلى القوم وأنذرهم فيما يأتيه عند غضبه. (5) الفصول المختارة 1: 78 – 81.

[ 440 ]

قال الشيخ أدام الله عزه: فقلت له: ارجع إليه وقل له: قدعزضت ما القيته إلي على فلان فقال: قل له: إن كانت الامامية حنبلية بما وصفت أيها الشيخ فالمسلمون بأجمعهم حنبلية، والقرآن ناطق بصحة الحنبلية وصواب مذاهب أهلها، وذلك أن الله عزوجل يقول: (إذ قال يوسف لابيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لاتقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للانسان عدو مبين (1)) فأثبت الله جل اسمه المنام، وجعل له تأويلا عرفه أولياءه عليهم السلام، وأثبته الانبياء، ودانت به خلفاؤهم وأباعهم من المؤمنين، و اعتمدوه في علم ما يكون، وأجروه مجرى الخبر مع اليقظة وكالعيان له. وقال سبحانه: (ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الاخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نر ؟ من المحسنين (2)) فنبأ هما بتأويله، وذلك على تحقيق منه لحكم المنام، وكان سؤالهما مع جهلهما بنبوته دليلا على أي المنامات حق عندهم، والتأويل لاكثرها صحيح إذا وافق معناها. وقال عز اسمه: (وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات يأ أيها الملا أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون * قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين) (3) ثم فسرها يوسف فكان الامر كما قال. وقال سبحانه في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ذاترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) (4) فأثبتا (عليهما السلام) الرؤيا وأوجبا الحكم بها، ولم يقل إسماعيل لابيه (عليه السلام): يا أبت لا تسفك دمي برؤيا رأيتها فإن الرؤيا قد تكون من حديث النفس وأخلاط البدن وغلبة الطباع بعضها على بعض، كما ذهبت إليه المعتزلة، فقول الامامية في هذا الباب ما نطق به القرآن، وقول هذا الشيخ هو قول الملا من أصحاب الملك حين قالوا: (أضغاث أحلام) ومع ذلك فإنا لسنا نثبت الاحكام الدينية من جهة


(1) يوسف: 4 – 5. (2) يوسف: 36. (3) يوسف: 43 – 44. (4) الصافات: 102.

[ 441 ]

المنامات، وإنما نثبت من تأويلها ما جاء به الاثر عن ورثة الانبياء (عليهم السلام). فأما قولنا في المعجزات فهو كقول الله تبارك وتعالى: (وأوحينا إلى ام موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إناراد وه إليك وجاعلوه من المرسلين) (1) فضمن هذا القول تصحيح المنام، إذا كان الوحي إليها في المنام يعلمها بما كان قبل كونه. (2) وقال سبحانه في قصة مريم (عليها السلام): (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا، قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلوة والزكوة مادمت حيا (3) فكان نطق المسيح معجزا لمريم (عليها السلام) إذ كان شاهدا ببراءة ساحتها، وام موسى ومريم لم تكونا نبيتين ولا مرسلتين، ولكنهما كانتا من عباد الله الصالحين، فعلى مذهب هذا الشيخ كتاب الله تعالى يصحح الحنبلية. وأما زيارة القبور فقد أجمع المسلمون على زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، حتى أنه من حج ولم يزره فقد جفاه وثلم حجه بذلك الفعل، (4) وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من سلم علي من عند قبري سمعته، ومن سلم علي من بعيد بلغته) عليه سلام الله ورحمته وبركاته. وقال (صلى الله عليه وآله) للحسن (عليه السلام): (من زارك بعد موتك أوزار أباك أوزار أخاك فله الجنة) وقال له (عليه السلام) أيضا في حديث له أول مشروح في غير هذا الكتاب: (تزورك طائفة من امتي يريدون به بري وصلتي، فإذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف فأخذت بأعضادها فأنجيتها من أهواله وشدائده) ولا خلاف بين الامة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما فرغ من حجة الوداع لاذ بقبر قد درس فقعد عنده طويلا ثم استعبر، فقيل له: يارسول الله ماهذا القبر ؟ فقال: (هذا قبر امي آمنة بنت وهب، سالت الله في زيارتها فأذن لي) وقال (صلى الله عليه وآله): (قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، وكنت نهيتكم


(1) القصص: 7. (2) في المصدر: إذا كان الوحى إليها في المنام وضمن المعجز لها بعلمها ماكان قبل كونه. (3) مريم: 28 – 31. (4) في المصدر: فقد أجمع المسلمون على وجوب زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى رووا: (من حج ولم يزره متعمدا فقد جفاه إ ه‍) قلت: لعله لا يخلو عن تصحيف وزيادة.

[ 442 ]

عن ادخار لحوم الاضاحي ألافاد خروها) وقد كان أمر (صلى الله عليه وآله) في حياته بزيارة قبر حمزة (عليه السلام)، وكان يلم به وبالشهداء، (1) ولم يزل فاطمة (عليها السلام) بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) تغدو إلى قبره وتروح، (2) والمسلمون يناوبون على زيارته وملازمة قبره، فإن كان ما تذهب إليه الامامية من زيارة مشاهد الائمة (عليهم السلام) حنبلية وسخفا من العقل فالاسلام مبني على الحنبلية، ورأس الحنبلية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا قول متهافت جدا يدل على قلة دين قائله وضعف رأيه وبصيرته. ثم قلت له: (3) يجب أن تعلمه أن الذي حكيت عنه قد حرف القول وقبحه ولم يأت به على وجه، والذي نذهب إليه في الرؤيا أنها على أضرب، فضرب منها يبشر الله به عباده ويحذرهم، وضرب تحزين من الشيطان (4) وكذب يخطره ببال النائم، وضرب من غلبة الطباع بعضها على بعض، ولسنا نعتمد على المنامات كما حكى، لكنا نأنس بما يبشر به، ونتخوف مما يحذر فيها، من وصل إليه شئ من علمها عن ورثة الانبياء عليهم السلام ميزبين حق تأويلها وباطله، ومن لم يصل إليه شئ من ذلك كان على الرجاء والخوف، وهذا يسقط ما لعله سيتعلق به في منامات الانبياء عليهم السلام من أنها وحي لان تلك مقطوع بصحتها، وهذه مشكوك فيها، مع أن منها أشياء قد اتفق ذوو العادات على معرفة تأويلها حتى لم يختلفوا فيه ووجدوه حسنا، وهذا الشيخ لم يقصد يكلامه الامامية، لكنه قصد الامة ونصر البراهمة و الملحدة، مع أني أعجب من هذه الحكاية عنه، وأنا أعرفه يميل إلى مذهب أبي هاشم ويعظمه ويختاره، وأبو هاشم يقول في كتابه المسألة في الامامة: إن أبا بكر رأى في المنام كان عليه ثوبا جديدا عليه رقمان، ففسره على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: (إن صدقت رؤياك فستخبر بولد (5) وتلي الخلافة سنتين) فلم يرض شيخه أبو هاشم أن أثبت المنامات حتى أوجب له الخلافة، (6) وجعلها دلالة على الامامة ! فيجب على قول هذا الشيخ


(1) ألم بالقوم وعلى القوم: أتاهم فنزل بهم وزارهم زيارة غير طويلة. (2) في المصدر: وتروح لزيارته، وكان أهل بيته والمسلمون يثابرون على زيارته. (3) في المصدر: ثم قال له. (4) في المصدر: وضرب تهويل من الشيطان. (5) في المصدر: تبشر بخير. (6) في المصدر: حتى أوجب بها الخلافة.

[ 443 ]

الزيدي عند نفسه أن يكون أبو هاشم رئيس المعتزلة عنده حنبليا، بل يكون أبو بكر حنبليا، بل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ! لانه صحح المنام وأوجب به الاحكام هذا من بهرج المقال. (1) 15 – ثم قال رضي الله عنه: ومن حكايات الشيخ أيده الله قال: حضرت مجمعا لقوم من الروساء، وكان فيهم شيخ من أهل الري معتزلي يعظمونه لمحل سلفه وتعلقه بالدولة، فسئلت عن شئ من الفقه فأفتيت فيه على المأثور عن الائمة (عليهم السلام)، فقال ذلك الشيخ: هذه الفتيا يخالف الاجماع، فقلت له: عافاك الله من تعني بالاجماع ؟ فقال: الفقهاء (2) المعروفين بالفتيا في الحلال والحرام من فقهاء الامصار، فقلت: هذا أيضا مجمل من القول، فهل تدخل آل محمد (عليهم السلام) في جملة هؤلاء الفقهاء أم تخرجهم من الاجماع ؟ فقال: بل أجعلهم في صدر الفقهاء، ولو صح عنهم ما تروونه لما خالفناه. فقلت له: هذا مذهب لاأعرفه لك ولا لمن أومأت إليه ممن جعلتهم الفقهاء، لان القوم بأجمعهم يرون الخلاف على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو سيد أهل البيت في كثير مما قد صح عنه من الاحكام، فكيف تستوحشون من خلاف ذريته و توجبون على أنفسكم قبول قولهم على كل حال ؟ ! فقال: معاذ الله ما نذهب إلى هذا ولا يذهب إليه أحد من الفقهاء وهذه شناعة منك على القوم بحضرة هؤلاء الرؤساء، فقلت له: لم أحك إلا ما اقيم عليه البرهان، (3) ولا ذكرت إلا معروفا لا يمكن أحدا من أهل العلم دفعي عنه لما هو عليه من الاشتهار، لكنك أنت تريد أن تتجمل (4) بضد مذهبك عند هؤلاء الرؤساء، ثم أقبلت على القوم فقلت: لا خلاف عند شيوخ هذا الرجل وأئمته وفقهائه وسادته أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد يجوز عليه الخطاء في شئ يصيب فيه عمرو بن العاص زيادة على ما حكيت عنه من المقال، فاستعظم القوم ذلك و


(1) اليهرج: الباطل. الردئ. الفصول المختارة 1: 84 – 88. (2) في المصدر: فقلت له: إجماع من تعنى عافاك الله ؟ فقال: إجماع الفقهاء. (3) في المصدر: لم أقل إلا ما اقيم عيه البرهان. (4) في نسخة: أنت تريد أن تتحمل.

[ 444 ]

أظهروا البراءة من معتقده وأنكره هو وزاد في الانكار، فقلت له: أليس من مذهبك ومذهب هؤلاء الفقهاء أن عليا (عليه السلام) لم يكن معصوما كعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: بلى قلت: فلم لا يجوز عليه الخطاء في شئ من الاحكام ؟ فسكت. ثم قلت له: أليس عندكم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد كان يجتهد رأيه في كثير من الاحكام ؟ وأن عمرو بن العاص وأبا موسى الاشعري والمغيرة بن شعبة كانوا من أهل الاجتهاد ؟ قال: بلى، قلت له: فما الذي يمنع من إصابة هؤلاء القوم ما يذهب على أمير المؤمنين (عليه السلام) من جهة الاجتهاد مع ارتفاع العصمة عنه وكون هؤلاء القوم من أهل الاجتهاد ؟ فقال: ليس يمنع من ذلك مانع، قلت له: فقد أقررت بما أنكرت الآن، ومع هذا فليس من أصلك أن كل أحد بعد النبي (صلى الله عليه وآله) يؤخذ من قوله ويترك إلا ما انعقد عليه الاجماع ؟ قال: بلى، قلت له: أفليس هذا يسوغكم الخلاف على أمير المؤمنين (عليه السلام) في كثير من أحكامه التي لم يقع عليه الاجماع ؟ ! وبعد فليست لي حاجة إلى هذا التعسف ولا فقر فيما حكيت (1) إلى هذا الاستدلال، لانه لا أحد (2) من الفقهاء إلا وقد خالف أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض أحكامه، ورغب عنها إلى غيرها، وليس فيهم أحد وافقه في جميع ما حكم به من الحلال والحرام، وإني لاعجب من إنكارك ما ذكرت، وصاحبك الشافعي يخالف أمير المؤمنين (عليه السلام) في الميراث والمكاتب ويذهب إلى قول زيد فيهما ! ويروى عنه أنه كان لا يرى الوضوء من مس الذكر، ويقول هو: إن الوضوء منه واجب، وأن عليا (عليه السلام) خالف الحكم فيه بضرب من الرأي ! وحكى الربيع عنه في كتابه المشهور أنه لا بأس بصلاة الجمعة والعيدين خلف كل أمين وغير مأمون ومتغلب، صلى علي بالناس وعثمان محصور، فجعل الدلالة على جواز الصلاة خلف المتغلب على أمر الأمة صلاة الناس خلف علي في زمن حصر عثمان، فصرح بأن عليا كان متغلبا ! ولا خلاف أن المتغلب على أمر الأمة فاسق ضال، وقال: لا بأس بالصلاة خلف الخوارج لانهم متأولون وإن كانوا فاسقين، فمن يكون هذا مذهبه ومقالة


(1) في المصدر: ولا أنا مفتقر فيما حكيت. (2) في المصدر: لا أجد.

[ 445 ]

إمامه وفقيهه يزعم معه أنه لو صح له عن أمير المؤمنين شئ أو عن ذريته لدان به، لولا أن الذاهب إلى هذا يريد التلبيس، وليس في فقهاء الامصار سوى الشافعي إلا وقد شارك الشافعي في الطعن على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتزييف كثير من قوله والرد عليه في أحكامه حتى أنهم يصرحون بأن الذي يذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) في الاحكام معتبر، فإن أسنده إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قبلوه منه على ظاهر العدالة كما يقبلون من أبي موسي الا شعري وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة ما يسندوه إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، بل ما يقبلون من حمال في السوق على ظاهر العدالة ما يرويه مسندا إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فأما ما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من غير إسناد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان موقوفا على سيرهم ونظرهم واجتهادهم فإن وضع صوابه فيه قالوا به من حيث النظر، لامن حيث حكمه به وقوله، وإن عثروا على خطيئة فيه اجتنبوه وردوه عليه وعلى من اتبعه فيه، فزعموا أن آراءهم هي العيار على قوله (عليه السلام)، وهذا مالا يذهب إليه من وجد في صدره جزء من مودته (عليه السلام) وحقه الواجب له وتعظيمه الذي فرضه الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)، بل لا يذهب إلى هذا القول إلا من رد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار) وقوله (صلى الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وقوله (صلى الله عليه وآله): (علي أقضاكم) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على صدري وقال: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه، فما شككت في قضاء بين اثنين (1)) فلما ورد عليه هذا الكلام تحير وقال: هذه شناعات على الفقهاء، والقوم لهم حجج على ما حكيت عنهم، فقال له بعض الحاضرين: نحن نبرؤ إلى الله من هذا المقال وكل دائن به، وقال له آخر: إن كان مع القوم حجج على ما حكاه الشيخ فهي حجج على إبطال ما ادعيت أولا من ضد هذه الحكاية، ونحن نعيذك بالله أن تذهب إلى هذا القول، فإن كل شئ تظنه حجة عليه فهو كاحجة في إبطال نبوة النبي (صلى الله عليه وآله)، فسكت مستحييا مما جرى، وتفرق الجمع. (2)


(1) ستأنى الاحاديث كلها مع الايعاز إلى أسانيدها في أبواب الفضائل. (2) الفصول المختارة 1: 88 – 90.

[ 446 ]

16 – قال الشيخ أدام الله عزه: قال لي يوما بعض المعتزلة: لو كان ما تدعونه من هذا الفقه الذي تضيفونه إلى جعفر بن محمد وأبنه (عليهم السلام) (1) حقا وأنتم صادقون في الحكاية عنهم لوجب أن يقع لنا معشر مخالفيكم العلم الضروري بصحة ذلك، حتى لانشك فيه، كما وقع لكم صحة الحكاية عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وداود و غيرهم من فقهاء الامصار برواية أصحابهم عنهم، فلما لم نعلم صحة ما تدعونه مع سماعنا لاخباركم وطول مجالستنا لكم دل على أنكم متخرصون في ذلك، وبعد فما بال كل من عددنا من فقهاء الامصار قد استفاض عنهم القول في الفتيا استفاضة منعت من الريب في مذاهبهم وأنتم أئمتكم أعظم قدرا من هؤلاء وأجل خطرا، لاسيما مع ما تعتقدونه فيهم من العصمة وعلو المنزلة والفضل على جميع البرية، والبينونة من الخلق بالمعجزة، وما اختصوا به من خلافة الرسول عليه وآله السلام، وفرض الطاعة على الجن والانس، وإن هذا لشئ عجيب. قال الشيخ أدام الله عزه: فقلت له: إن الجواب عن هذا السؤال قريب جدا، غير أني اقلبه عليك فلا يمكنك الا نفصال منه إلا بإخراج من ذكرت من جملة أهل العلم ونفي المعرفة عنهم، وإسقاط مقال من رعمت أنهم كانوا من أصحاب الفتيا، والعلم الضروري حاصل لكل من سمع الاخبار بضد ذلك وخلافه، وأنهم عليهم السلام كانوا من أجلة أهل الفتيا، وذلك أننا وإن كنا كاذبين على قولك فلابد لهؤلاء القوم (عليهم السلام) من مقال في الفتيا يتضمن بعض ما حكيناه عنهم، فما بالنا معشر الشيعة بل ما بالكم معشر الناصبة لا تعلمون مذاهبهم على الحقيقة بالضرورة كما تعلمون مذاهب أهل الحجاز و أهل العراق ومن ذكرت من فقهاء الامصار ؟ فإن زعمت أنك تعلم لهم في الفتيا مذهبا بخلاف ما نحكيه عنهم علم اضطرار مع تديننا بكذبك في ذلك لم نجد فرقا بيننا و بينك إذا ادعينا أننا نعلم صحة ما نحكيه عنهم بالاضطرار، وأنك وأصحابك تعلمون ذلك، ولكنكم تكابرون العيان، وهذا مالافصل فيه. فقال: إنما لم نعلم مذهبهم باضطرار، لانه مبثوث في مذاهب الفقهاء، إذا


(1) في المصدر: وآبائه وابنائه.

[ 447 ]

كانوا (عليهم السلام) يختارون ما اختاروا من قول الصحابة والتابعين، فتفرق مجموع أخبارهم في مذاهب الفقهاء. فقلت له: فإن هذا بعينه موجود في مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي ومن عددت، لان هؤلاء تخيروا من أقوال الصحابة والتابعين، فكان يجب أن لا نعلم مذاهبهم باضطرار، على أنك إن قنعت بهذا الاعتلال فإنا نعتمد عليه في جوابك فنقول: إننا إنما تعرينا من علم الاضطرار بمذاهبهم (عليهم السلام)، لان الفقهاء تقسموا مذاهبهم المنصوصة عندنا فدانوا بها على سبيل الاختيار، لان قولهم متفرق في مقال الفقهاء فلذلك لم يقع العلم به باضطرار. فقال: فهب أن الامر كما وصفت، ما بالنا لا نعلم ما رويتم عنهم من خلاف جميع الفقهاء علم اضطرار ؟ فقلت له: ليس شئ مما تومئ إليه إلا وقد قاله صحابي أو تابعي وإن اتفق من ذكرت من فقهاء الامصار على خلافه الآن، فلما قد منا مما رضيته من الاعتلال لم يحصل علم الاضطرار، مع أنك تقول لا محالة بأن قولهم عليهم السلام في هذه الابواب بخلاف ما عليه غيرهم فيها، وهو ما أجمع عليه عندك فقهاء الامصار من الصحابة والتابعين بإحسان فما بالنا لا نعلم ذلك من مقالهم علم اضطرار ؟ وليس هو مما تحدثته مذاهب الفقهاء ولا اختلف فيه عندك من أهل الاسلام أحد، فبأي شئ تعلقت في ذلك تعلقنا به في إسقاط سؤالك، والله الموفق للصواب فلم يأت بشئ تجب حكايته، والحمد لله. قال السيد رضي الله عنه: وقلت للشيخ عقيب هذه الحكايته لي: إن حمل هؤلاء القوم أنفسهم على أن يقولوا: إن جعفر بن محمد وأباه محمد بن علي وابنه موسى بن جعفر عليهم السلام لم يكونوا من أهل الفتيا، لكنهم كانوا من أهل الزهد والصلاح ؟. قال: يقال لهم: هب أنا سامحناكم في هذه المكابرة وجوزناها لكم، أليس من قولكم وقول كل مسلم وذمي وعدو لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وولي له أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان من أهل الفتيا ؟ فلابد من أن يقولوا: بلى، فيقال لهم: فما بالنا لا نعلم جميع مذاهبه في الفتياكما نعلم جميع مذاهب من عددتموه من فقهاء الامصار بل


[ 448 ]

من الصحابة كزيد وابن مسعود وعمر بن الخطاب ؟ إن قالوا: إنكم تعلمون ذلك باظطرار قلنا لهم: وذلك هوما تحكونه أنتم عنه أوما نحكيه نحن مما يوافق حكايتنا عن ذريته عليهم السلام ؟ فإن قالوا: هو ما نحكيه دونكم قلنا لهم: ونحن على أصلكم في إنكار ذلك مكابرون، وإن قالوا: نعم قلنا لهم بل العلم حاصل لكم بما نحكيه عنه خاصة، وأنتم في إنكار ذلك مكابرون، وهذا مالافصل فيه، وهو أيضا يسقط اعتلالهم في عدم العلم الضروري بمذاهب الذرية لما ذكروه من تقسيم الفقهاء لها، لان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد سبق الفقهاء الذين أشاروا إليهم، وكان مذهب علي (عليه السلام) متفردا فإن اعلتوا بأنه كان منقسما في قول الصحابة فهم أنفسهم ينكرون ذلك لروايتهم عنه الخلاف، مع أنه يجب أن لايعرف مذهب عمر وابن مسعود، لانهما كانا منقسمين في مذاهب الصحابة وهذا فاسد من القول بين الاضمحلال. قال الشيخ أدام الله عزه: وهذا كلام سحيح، ويؤيده علمنا بمذاهب المختارين من المعتزلة والزيدية والخوارج مع انبثاثها في أقوال الصحابة والتابعين وفقهاء الامصار. وقال الشيخ أدام الله حراسته: وقد ذكرت الجواب عما تقدم من السؤال في هذا الباب في كتابي المعروف بتقرير الاحكام، ووجوده هناك يغني عن تكراره ههنا، إذ هو في موضعه مستقصى عن البيان. (1) 17 – ثم قال: قال الشيخ أدام الله تأييده: سألني أبو الحسن علي بن نصر الشاهد بعكبرا (2) في مسجده وأنا متوجه إلى سر من رأى، فقال: أليس قد ثبت عندنا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أعلم الصحابة كلها وأعرفها بمعالم الدين، وكانوا يستفتونه ويتعلمون منه لفقرهم إليه، وكان غنيا عنهم لا يرجع إلى أحد منهم في علم ولا يستفيد (عليه السلام) منهم ؟ فقلت: نعم هذا قولنا وهو الواضح الذي لاخفاء به، ولا يمكن عاقلا دفعه ولا يقدم أحد على إنكاره إلا أن يرتكب البهت والمكابرة، فقال أبو الحسن: فإن


(1) الفصول المختارة 2: 11 – 13. (2) عكبرا بضم العين فالسكون فالفتح: بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ.

[ 449 ]

بعض أهل الخلاف قد احتج علي في دفع هذا بأن قال: وردت الرواية عن علي (عليه السلام) أنه قال: (ماحد ثني أحد بحديث إلا استحلفته عليه، ولقد حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر) فلو كان يعلم (عليه السلام) جميع الدين ولا يفتقر إلى غيره لما احتاج إلى استحلاف من يحدثه، ولا الاستظهار في يمينه ليصح عنده علم ما اخبر به، وقد روي أيضا أنه صلوات الله عليه حكم في شئ فقال له شاب من القوم: أخطأت يا أمير المؤمنين فقال (عليه السلام): صدقت أنت وأخطأت ! فماذا يكون الجواب عن هذا الكلام ؟ وكيف الطريق إلى حله. فقلت: أول ما في هذا الكلام أن الاخبار لاتتقابل ويحكم بعضها على بعض حتى تتساوى في الصفة، فيكون الظاهر المستفيض مقابلا لمثله في الاستفاضة، والمتواتر مقابلا لمثله في التواتر، والشاذ مقابلا لمثله في الشذوذ، وما ذكرناه عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) مستفيض قد تواتر به الخبر على التحقيق، وما ذكره هذا الرجل عنه (عليه السلام) من الحديثين فأحدهما شاذ وارد من طريق الآحاد غير مرضي الاسناد، والآخر ظاهر البطلان لانقطاع إسناده، وعدم وجوده في نقل معروف من الثقات، وليس يجوز المقابلة في مثل هذه الاخبار، بل الواجب إسقاط الظاهر منها الشاذ وإبطال المتواتر ماضاده من الآحاد. والثاني: أنه لما ذكره الخصم من الحديث الاول عن أمير المؤمنين (عليه السلام) غير وجه يلائم ما ذكرناه من فضل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في العلم على سائر الانام. منها: أنه صلوات الله عليه إنما كان يستحلف على الاخبار لئلا يجترئ مجترئ على الاضافة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسماع ما لم يسمعه منه، وإنما القي إليه عنه فحصل عنده بالبلاغ. ومنها: أنه (عليه السلام) كان يستحلف مع العلم بصدق المخبر ليتأكد خبره عند غيره من السامعين (1) فلا يشك فيه ولا يرتاب. ومنها: أنه (عليه السلام) استحلف فيما عرفه يقينا ليكون ذلك حجة له إذا حكم على أهل العناد، (2) ولا يقول منهم قائل عند حكمه بذلك: قدحكم بالشاذ.


(1) في نسخة: يتاه حبره عند غيره من التابعين. (2) في المصدر: إذا حكم به على أهل العناد.

[ 450 ]

ومنها: أن يكون استحلافه صلوات الله عليه للمخبر بما لا يتضمن حكما في الدين، ويتضمن أدبا وموعظة ولفظة حكمة، أو مدحة لانسان، أو مذمة، فلا يجب إذا علم ذلك من غيره أن يكون فقيرا في علم الدين إليه وناقصا في العلم عن رتبته، على أن لفظ الحديث: (ما حدثني أحد بحديث إلا استحلفته) فهذا يوجب بالضرورة أنه كان يستحلف على ما يعلم، لانه محال أن يكون كل من حدثه حدثه بمالا يعلم، فإذا ثبت أنه قد استحلف على علم لاحد ما ذكرناه أو لغيره من العلل بطل ما اعتمده هذا الخصم. وأما الحديث الثاني فطهور بطلانه أوضح من أن يخفى، وذلك أنه قال فيه: إن شابا قال له: ليس الحكم فيه ذلك، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما زعم الخصم: أصبت أنت وأخطأت، وهذا واضح السقوط على ما بيناه، لانه لا يخلو مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يكون حكم بالخطاء مع علمه بأنه خطاء، أو يكون حكم بالخطاء وهو يظن أنه صواب، فإن كان حكم بالخطاء على أنه خطاء عند في دين الله، (1) و ضل بإقدامه على تغيير حكم الله، وهو صلوات الله عليه يجل عن هذه الرتبة، ولا يعتقد مثل هذا فيه الخوارج فضلا عمن دونهم في عداوته من الناصبة، وإن كان حكم بالخطاء وهو يظن أنه صواب فكيف زال ظنه عن ذلك فانتقل عنه بقول رجل واحد لا يعضده برهان ؟ فهذا مالا يتوهم على أحد من أهل الاديان، على أنه لو كان لهذا الحديث أصل أو كان معروفا عند أحد من أهل الآثار لكان الرجل مشهورا معروفا بالعين و النسب، مشهور القبيلة والمكان، ولكان أيضا الحكم الذي جرى فيه هذا الامر مشهورا عند الفقهاء ومدونا عند أصحاب الاخبار، وفي عدم معرفة الرجل وتعين الحكم و عدمه من الاصول دليل على بطلانه كما بيناه، على أن الامة قد اتفقت عنه صلوات الله عليه أنه قال: (ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده على صدري، وقال: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه، فما شككت في قضاء بين اثنين) وهذا مضاد لوقوع الخطأ منه في الاحكام، ومانع لدخول الشك عليه (2) في شئ منها والارتباب، وأجمعوا أن النبي


(1) في المصدر: فان كان حكم بالخطاء على علم بانه خطاه عاند في دين الله. (2) في المصدر: ومانع من دخول السهو عليه.

[ 451 ]

(صلى الله عليه وآله) قال: (علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار) وليس يجوز أن يكون من هذا وصفه يخطئ في الدين أو يشك في الاحكام، وأجمعوا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (علي قضاكم) وأقضى الناس ليس يجوز أن يخطئ في الاحكام ولا يكون غيره أعلم منه بشئ من الحكم، فدل ذلك على بطلان ما اعترض به الخصم، وكشف عن وهيه على البيان، (1) وبالله التوفيق وإياه لنستهدي إلى سييل الرشاد. (2) 18 – وقال السيد المرتضى رضي الله عنه: وحضر الشيخ أبو عبد الله أدام الله عزه بمسجد الكوفة فاجتمع إليه من أهلها وغيرهم أكثر من خمسمائة إنسان، فابتدر (3) له رجل من الزيدية أراد الفتنة والشناعة فقال: بأي شئ استجزت إنكار إمامة زيد بن علي ؟ فقال له الشيخ: إنك قد ظننت علي ظنا باطلا، وقولي في زيد لا يخالفني عليه أحد من الزيدية، فلا يجب أن يتصور مذهبي في ذلك بالخلاف. (4) فقال له الرجل: وما مذهبك في إمامة زيد بن علي ؟ فقال له الشيخ: أنا اثبت من إمامة زيد رحمه الله ما تثبته الزيدية، وأنفي عنه من ذلك ما تنفيه، فأقول: إن زيدا رحمة الله عليه كان إماما في العلم والزهد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنفي عنه الامامة الموجبة لصاحبها العصمة والنص والمعجز، وهذا مالا يخالفني عليه أحد من الزيدية حيثما قدمت، فلم يتمالك جميع من حضر من الزيدية أن شكروه، ودعوا له، وبطلت حيلة الرجل فيما أراد من التشنيع والفتنة. (5) 19 – وقال رضي الله عنه: ومن الحكايات: قلت للشيخ أبي عبد الله أدام الله عزه: إن المعتزلة والحشوية يزعمون أن الذي نستعمله من المناظرة شئ يخالف اصول الامامية ويخرج عن إجماعهم، لان القوم لا يرون المناظرة دينا وينهون عنها، ويرون


(1) في المصدر: وكشف عن وهنه على البيان. قلت: الوهى: الضعف. الحمق. (2) وزاد في المصدر: وأما التعلق من الخبر بقوله: (وصدق أبو بكر) في تعديله واثبات الامامة له فليس بصحيح، لانه قد يصدق من لا يستحق الثواب، وقد يحكم بالصدق في الخبر لمن يستحق العقاب، فلا وجه لتعلقه بذلك، مع أن الخبر باطل لا يثبت بأدلة قد ذكرناها في مواضعها والحمد لله. راجع الفصول المختارة 2: 111 – 113. (3) في المصدر: فانتدب إليه رجل من الزيدية. أي عارضه في كلامه. (4) في المصدر: بالخلاف لهم. (5) الفصول المختارة 2: 113.

[ 452 ]

عن أئمتهم تبديع فاعليها وذم مستعمليها، فهل معك رواية عن أهل البيت (عليهم السلام) في صحتها لم تعتمد على حجج العقول ولا تلتفت إلى ما خالفها، وإن كان عليه إجماع العصابة ؟. فقال: أخطأت المعتزلة والحشوية في ما ادعوه علينا من خلاف جماعة مذهبنا (1) في استعمال المناظرة، وأخطأ من ادعى ذلك من الامامية أيضا وتجاهل، لان فقهاء الامامية ورؤساء هم في علم الدين كانوا يستعملون المناظرة ويدينون بصحتها وتلقى ذلك عنهم الخلف ودانوا به، وقد أشبعت القول في هذا الباب وذكرت أسماء المعروفين بالنظر وكتبهم مدائح الائمة (عليهم السلام) لهم في كتاب الكامل في علوم الدين وكتاب الاركان في دعائم الدين، وأنا أروي لك في هذا الوقت حديثا من جملة ما أوردت في ذلك إن شاء الله: (2) أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين، عن أبي جعفر محمد بن النعمان، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد (عليهم السلام) قال: قال لي: (خاصموهم و بينوا لهم الهدى الذي أنتم عليه، وبينوا لهم ضلالتهم، وباهلوهم في علي (عليه السلام)). قلت: فإني لا أزال أسمع المعتزلة يدعون على أسلافنا أنهم كانوا كلهم مشبهة و أسمع المشبهة من العامة يقولون مثل ذلك، وأرى جماعة من أصحاب الحديث من الامامية يطابقونهم على هذه الحكاية، ويقولون: إن نفي التشبيه إنما أخذناه من المعتزلة، فاحب أن تروي لي حديثا يبطل ذلك، فقال: هذه الدعوى كالاولة، ولم يكن في سلفنا رحمهم الله من تدين بالتشبيه من طريق المعنى، وإنما خالف هشام وأصحابه جماعة أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) بقوله في الجسم، وزعم أن الله تعالى جسم لا كالاجسام وقد روي أنه رجع عن هذا القول بعد ذلك، وقد اختلفت الحكايات عنه، ولم يصح منها إلا ما ذكرت، وأم الرد على هشام والقول بنفي التشبيه فهو أكثر من أن يحصى من الرواية عن آل محمد (عليهم السلام). (3)


(1) في المصدر: من خلاف أهل مذهبنا. (2) وما وردت من أخبار ظاهرها ذلك فحمله الاصحاب على نهيهم (عليهم السلام) من لم يكن أهلا لذلك، ولذلك أيضا في الخبار شواهد. (3) راجع في كتب الرجال ترجمة هشام وما قال الاكابر من قداسة هشام نزاهته عن ذلك، وما قالوا في بيان الاخبار الدالة على ذلك.

[ 453 ]

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح. والحسين بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة، عن محمد بن زياد قال: سمعت يونس بن ظبيان (1) يقول: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: إن هشام بن الحكم يقول في الله عزوجل قولا عظيما، إلا أني أختصر لك منه أحرفا، يزعم أن الله تعالى جسم، (2) لان الاشياء شيئان: جسم، وفعل الجسم، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل، ويجب أن يكون بمعنى الفاعل. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا ويحه ! أما علم أن الجسم محدود متناه محتمل للزيادة والنقصان وما احتمل ذلك كان مخلوقا، فلو كان الله تعالى جسما لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق ؟ فهذا قول أبي عبد الله (عليه السلام) وحجته على هشام فيما اعتل به من المقال، فكيف نكون قد أخذ نا ذلك عن المعتزلة لولا قلة الدين ؟. قلت: فإنهم يدعون أن الجماعة كانت تدين بالجبر والقول بالرؤية، حتى نقل جماعة من المتأجرين منهم المعتزلة عن ذلك، (3) فهل معنا رواية بخلاف ما ادعوه ؟ فقال: هذا أيضا كالاول، ما دان أصحابنا قط بالجبر إلا أن يكون عاميا لا يعرف تأويل الاخبار، أو شاذا عن جماعة الفقهاء والنظار، والرواية في العدل ونفي الرؤية عن آل محمد (عليهم السلام) أكثر من أن يقع عليها الاحصاء. (4) أخبرني أبو محمد سهل بن أحمد الديباجي قال: حدثنا أبو محمد قاسم بن جعفر بن يحيى المصري قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن علي، عن أبيه، عن حجاج بن عبد الله قال: سمعت أبي يقول: سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) – وكان أفضل من رأيت من الشرفاء والعلماء وأهل الفضل – وقد سئل عن أفعال العباد فقال: كل ما وعد الله وتواعد عليه فهو من أفعال العباد. وقال: قال: حدثني أبي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام) (5) قال: قال رسول الله


(1) يونس بن ظبيان ضعيف قدر موه أصحابنا بالوضع والتخليط. (2) في المصدر: جسم لا كالا جسام. (3) في المصدر: حتى نقل عن جماعة من المتأخرين منهم المعتزلة عن ذلك. (4) قد تقدم جملة منها في كتاب التوحيد والعدل. (5) في المصدر: حدثنى أبى، عن أبيه، عن الحسن (عليه السلام).

[ 454 ]

الله (صلى الله عليه وآله) في بعض كلامه: (إنما هي أعمالكم ترد إليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) فأما نفي الرؤية عن الله عزوجل بالابصار فعليه إجماع الفقهاء والمتكلمين من العصابة كافة إلا ما حكي عن هشام في خلافه، والحجج عليه مأثورة عن الصادقين (عليهم السلام)، فمن ذلك حديث أحمد بن إسحاق (1) وقد كتب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) يسأله عن الرؤية، فكتب جوابه: ليس يجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر، فمتى انقطع الهواء وعدم الضياء لم يصح الرؤية، (2) وفي وجود اتصال الضياء بين الرائي والمرئي وجوب الاشتباه، (3) والله يتعالى عن الاشباه، فثبت أنه سبحانه لا يجوز عليه الرؤية بالابصار. (4) فهذا قول أبي الحسن (عليه السلام) وحجته في نفي الرؤية، وعليها اعتمد جميع من نفى الرؤية من المتكلمين، وكذلك الخبر المروي عن الرضا (عليه السلام)، وفي ثبوته مع نظائره في كتابي المقدم ذكرهما غنى عن إيراده في هذا المكان. (5) أقول: احتجاجات أصحابنا ومناظراتهم رحمة الله عليهم على المخالفين أكثر من أن تحصى، ولنكتف في هذا المجلد بما أوردناه. وقد وقع الفراغ منه على يدي مؤلفه ختم الله له بالحسنى في شهر ربيع الثاني من شهور سنة ثمانين بعد الالف من الهجرة، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على أشرف المرسلين محمد وعترته الطاهرين المنتجبين المكرمين.


(1) تقدم ترجمته في ج 4 ص 34. (2) في نسخة: لم يصلح الرؤية. (3) في المصدر: وفى وجوب اتصال الضياء بين الرائى والمرئي وجوب الاشباه. (3) أخرجه المصنف من الاحتجاج والتوحيد في باب نفى الرؤية، وفصل في تفسير الحديث راجع ج 4 ص 34 – 36. (5) الفصول المختارة 2: 119 – 121.

[ 455 ]

إلى هنا تم الجزء العاشر من كتاب بحار الانوار من هذه الطبعة النفيسة، وبه يتم المجلد الرابع حسب تجزئة المصنف – قدس سره الشريف – ويحوي هذا الجزء 159 في كتابي المقدم ذكرهما غنى عن إيراده في هذا المكان. (5) أقول: احتجاجات أصحابنا ومناظراتهم رحمة الله عليهم على المخالفين أكثر من أن تحصى، ولنكتف في هذا المجلد بما أوردناه. وقد وقع الفراغ منه على يدي مؤلفه ختم الله له بالحسنى في شهر ربيع الثاني من شهور سنة ثمانين بعد الالف من الهجرة، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على أشرف المرسلين محمد وعترته الطاهرين المنتجبين المكرمين.


(1) تقدم ترجمته في ج 4 ص 34. (2) في نسخة: لم يصلح الرؤية. (3) في المصدر: وفى وجوب اتصال الضياء بين الرائى والمرئي وجوب الاشباه. (3) أخرجه المصنف من الاحتجاج والتوحيد في باب نفى الرؤية، وفصل في تفسير الحديث راجع ج 4 ص 34 – 36. (5) الفصول المختارة 2: 119 – 121.

[ 455 ]

إلى هنا تم الجزء العاشر من كتاب بحار الانوار من هذه الطبعة النفيسة، وبه يتم المجلد الرابع حسب تجزئة المصنف – قدس سره الشريف – ويحوي هذا الجزء 159 حديثا في 26 بابا. وقدقا بلناه بعدة نسخ مطبوعة ومخطوطة، منها نسخة ثمنية نفيسة مقروءة على المصنف، وفي ختامها إجازة منه بخطه الشريف كما يراه القارئ. و النسخة لخزانة كتب الاستاذ المعظم السيد محمد مشكوة فمن الواجب أن نقدم إليه ثناءنا العاطر وشكرنا الجزيل. ولا ننسى الثناء على الحبر الفاضل السيد كاظم الموسوي المحترم، حيث يساعدنا في مقابلة الكتاب وتصحيحه، وفقه الله تعالى وإيانا لجميع مرضاته، إنه ولي التوفيق. يحيى العابدى الزنجانى

اترك تعليقاً