بحار الأنوار

العلامة المجلسي ج 5


[ 1 ]

بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي (قدس الله سره) الجزء الخامس مؤسسة الوفاء بيروت – لبنان كافة الحقوق محفوظة ومسجلة الطبعة الثانية المصححة 1403 ه‍. 1983 م مؤسسة الوفاء – بيروت – لبنان – ص ب: 1457 – هاتف: 386868


[ 1 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أمر عباده بالعدل وهو أولى به من المأمورين، وزجرهم فبين أنه لا يظلم المزجورين، وكلف الخلق بعد استطاعتهم ليكونوا بطاعته في جناته متنعمين، وبمعصيته في نيرانه معذبين، والصلاة على شافع المذنبين، وفخر المرسلين، محمد خاتم النبيين، وعلى وصيه رافع لواء الحمد يوم الدين، والساقي من حوض أخيه شيعته المرحومين، وعلى أوصيائهما الاطهرين، وذريتهما الاكرمين ما أظلت السماوات على الارضين. أما بعد فهذا هو المجلد الثالث من كتاب بحار الانوار المشتمل على أخبار العدل والمعاد، وعلل تكليف العباد، مما ألفه الراجى لرحمة ربه وشفاعة نبيه يوم التناد محمد باقر بن محمد تقي رزقه الله سلوك سبيل الرشاد، وغفر له ولوالديه يوم المعاد.


[ 2 ]

(ابواب العدل). (باب 1) * (نفى الظلم والجور عنه تعالى، وابطال الجبر والتفويض،) * * (واثبات الامر بين الامرين، واثبات الاختيار والاستطاعة) * الايات، آل عمران ” 3 ” ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد 182. النساء ” 4 ” إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما 40 ” وقال “: ولا يظلمون فتيلا 49 ” وقال “: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك 79 ” وقال “: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما 147. الانعام ” 6 ” ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون * ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون 131 – 132. الاعراف ” 7 ” إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون * وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء 27 – 28. الانفال ” 8 ” ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد 51. التوبة ” 9 ” فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 70. يونس ” 10 ” إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون 44 ” وقال تعالى “: قل يا أيها الناس قد جائكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل 108. النحل ” 16 ” وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون * فأصابهم سيئات ما عملوا 33 – 34. الحج ” 22 ” ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد 10.


[ 3 ]

المؤمنون ” 23 ” ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون 62. النور ” 24 ” لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم 11. سبا ” 34 ” قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون 25. فاطره ” 35 ” ولا تزر وازرة وزر اخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى 18. ص ” 38 ” أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار 28. الزمر ” 39 ” إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر اخرى 7. المؤمن ” 40 ” وما الله يريد ظلما للعباد 31 ” وقال تعالى “: من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها 40 ” وقال تعالى “: اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب 17. السجدة ” 41 ” من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد 46. الزخرف ” 43 ” وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين 76. ق ” 50 ” لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد 28 – 29. الطور ” 52 ” إنما تجزون ما كنتم تعملون 16 ” وقال تعالى “: كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون 19 ” وقال سبحانه “: كل امرئ بما كسب رهين 21. النجم ” 53 ” ولله ما في السموات وما في الارض ليجزي الذين أساؤا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى ” إلى قوله تعالى “: أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفي * ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للانسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزيه الجزاء الاوفى 31 – 41.


[ 4 ]

الواقعة ” 56 ” جزاء بما كانوا يعملون 24. تفسير: المبالغة في قوله تعالى: ” بظلام ” إما غير مقصودة، أو هي لكثرة العبيد أو لبيان أن ما ينسبون إليه تعالى من جبرهم على المعاصي وتعذيبهم عليها غاية الظلم، أو لبيان أنه لو اتصف تعالى به لكان صفة كمال فيجب كماله فيه ; والفتيل: الخيط الذي في شق النواة ; (1) وفي تفسير علي بن إبراهيم: هي القشرة التي على النواة ” ص 128 ” قوله تعالى: وإن تدع مثقلة إلى حملها أي إن تدع نفس أثقلتها الاوزار لحمل بعض أوزارها لم تجب لحمل شئ منه ولو كان المدعو ذا قرابتها. 1 – لى: أبي، عن سعد، عن ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن صباح بن عبد الحميد، وهشام وحفص وغير واحد قالوا: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: إنا لا نقول جبرا ولا تفويضا (2). ” ص 168 ” 2 – يد، ن، لى: السناني، عن الاسدي، عن سهل، عن عبد العظيم الحسني، عن الامام علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى عليهما السلام قال: خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق عليه السلام فاستقبله موسى بن جعفر عليه السلام فقال له: يا غلام ممن المعصية ؟ فقال عليه السلام: لا تخلو من ثلاثة: إما أن تكون من الله عزوجل و ليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لم يكتسبه، (3) وإما أن تكون من الله عزوجل ومن العبد فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وإما أن تكون من العبد وهي منه فإن عاقبه الله فبذنبه وإن عفى عنه فبكرمه وجوده (4) ” ص 83 ص 79 ص 246 “. 3 – ب: ابن حكيم، عن البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام قال: فقال لي: اكتب قال الله تعالى: يابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء، وبنعمتي أديت إلي


(1) مأخوذ من الفتيل، لكونه على هيئته، يضرب به المثل في الشئ الحقير. (2) في المصدر: انا لا اقول جبرا ولا تفويضا. م (3) في اكثر المصادر: بما لا يكتسبه. م (4) سيأتي الحديث مفصلا من الاحتجاج تحت رقم 33.

[ 5 ]

فرائضي، وبقدرتي قويت على معصيتي، خلقتك سميعا بصيرا، أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني لاني لا اسأل عما أفعل وهم يسألون، قد نظمت جميع ما سألت عنه. (1) ” ص 151 ” 4 – ب: أحمد بن محمد، عن البزنطي، عن الرضا عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا ناجى ربه قال: يا رب قويت على معصيتك بنعمتك. قال: وسمعته يقول في قول الله تبارك وتعالى: ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له ” فقال: إن القدرية يحتجون بأولها وليس كما يقولون ألا ترى أن الله تبارك وتعالى يقول: ” وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له ” وقال نوح على نبينا وآله وعليه السلام: ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم. قال: الامر إلى الله يهدي من يشاء. ” ص 158 ” بيان: اعلم أن لفط القدري يطلق في أخبارنا على الجبري وعلى التفويضي، و


(1) في قرب الاسناد المطبوع: قد نظمت جميع ما تسأل عنه. أقول: أخرجه ثقة الاسلام في كتابه الكافي في باب الجبر والقدر أتم من هذا، واللفط هكذا: محمد بن أبى عبد الله وغيره، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبى نصر قال: قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام: إن بعض أصحابنا يقول بالجبر، وبعضهم يقول بالاستطاعة، قال: فقال لى: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم قال علي بن الحسين: قال الله عزوجل: يابن آدم بمشيتي كنت أنت الذى تشاء، وبقوتي أديت إلى فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتى، جعلتك سميعا بصيرا، ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذلك أنى أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك منى، وذلك لا اسئل عما أفعل وهم يسئلون، قد نظمت لك كل شئ تريد. انتهى. وأخرجه أيضا في باب المشية والارادة بصورة أخصر من هذا ويأتى بالاسناد تحت رقم 93 ويأتى أيضا تحت رقم 88 بسند آخر مع اختلاف. قوله: بقوتى أديت إلى فرائضي أي بقوتى التى أعطيتك وبتوفيقي الذى وفقتك أديت فرائضي، ولو وكلتك إلى نفسك وخذلتك لا سقطتك نفسك إلى هوية الضلال ; وأدخلتك مداخل السوء والفحشاء، وذلك أنى جعلتك سميعا لاستماع ما نطقت به أنبيائي وأدلة رشادي من شرائعي ومعالم دينى، ووفقتك للاستماع، وجعلتك بصيرا لتبصر آثار صنعى، وآيات توحيدي والوهيتى، فما أصابك من حسنة فمن ناحيتى ومن عندي، ولتوفيقي وقوتى، وما أصابك من سيئة فمن سوء اختيارك، وغواية نفسك، واغتيال سوء سريرتك.

[ 6 ]

المراد في هذا الخبر هو الثاني، وقد أحال كل من الفريقين ما ورد في ذلك على الآخر قال شارح المقاصد: لا خلاف في ذم القدرية، وقد ورد في صحاح الاحاديث: لعن الله القدرية على لسان سبعين نبيا، والمراد بهم القائلون بنفي كون الخير والشر كله بتقدير الله ومشيته سموا بذلك لمبالغتهم في نفيه، وقيل: لاثباتهم للعبد قدرة الايجاد وليس بشئ لان المناسب حينئذ القدري بضم القاف. وقالت المعتزلة: القدرية هم القائلون بأن الخير والشر كله من الله وبتقديره ومشيته لان الشايع نسبة الشخص إلى ما يثبته ويقول به كالجبرية والحنفية والشافعية، لا إلى ما ينفيه، ورد بأنه صح عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: ” القدرية مجوس أمتي ” وقوله: ” إذا قامت القيامة نادى مناد: أهل الجمع أين خصماء الله ؟ فتقوم القدرية ” ولا خفاء في أن المجوس هم الذين ينسبون الخير إلى الله والشر إلى الشيطان، ويسمونهما ” يزدان وأهرمن ” وأن من لا يفوض الامور كلها إلى الله تعالى ويفرز بعضها فينسبه إلى نفسه يكون المخاصم لله تعالى، وأيضا من يضيف القدر إلى نفسه ويدعى كونه الفاعل والمقدر أولى باسم القدري ممن يضيفه إلى ربه. انتهى. وقال العلامة رحمه الله في شرحه على التجريد: قال أبو الحسن البصري ومحمود الخوارزمي وجه تشبيهه عليه السلام المجبرة بالمجوس من وجوه: أحدها أن المجوس اختصوا بمقالات سخيفة، واعتقادات واهية معلومة البطلان وكذلك المجبرة. وثانيها أن مذهب المجوس أن الله تعالى يخلق فعله ثم يتبرأ منه كما خلق إبليس ثم انتفى عنه، وكذلك المجبرة قالوا: إنه تعالى يفعل القبايح ثم يتبرأ منه. (1) وثالثها: أن المجوس قالوا: إن نكاح الاخوات والامهات بقضاء الله وقدره و إرادته، ووافقهم المجبرة حيث قالوا: إن نكاح المجوس لاخواتهم وأمهاتهم بقضاء الله وقدره وإرادته. ورابعها: أن المجوس قالوا: إن القادر على الخير لا يقدر على الشر وبالعكس


(1) في شرح التجريد: ثم يتبرأ منها. م

[ 7 ]

والمجبرة قالوا: إن القدرة موجبة للفعل غير متقدمة عليه فالانسان القادر على الخير لا يقدر على ضده وبالعكس انتهى. اقول. سيتضح لك أن كلا منهما ضال، صادق فيما نسب إلى الآخر، وأن الحق غير ما ذهبا إليه، وهو الامر بين الامرين. 5 – ب: بالاسناد المذكور قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا ناجى ربه قال: اللهم يا رب إنما قويت على معاصيك بنعمك. (1) ” ص 167 ” 6 – فس: قوله: ” إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا إلى قوله: ” يضل به كثيرا و يهدي به كثيرا ” قال الصادق عليه السلام: إن هذا القول من الله رد على من زعم أن الله تبارك وتعالى يضل العباد، ثم يعذبهم على ضلالتهم ” ص 30 ” بيان: الظاهر أنه عليه السلام جعل قوله تعالى: يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا من جملة قول الذين كفروا على خلاف ما ذهب إليه المفسرون من أنه من كلامه تعالى جوابا لقولهم. (2) 7 – ل: الخليل بن أحمد، عن ابن منيع، عن الحسن بن عرفة، عن علي بن ثابت عن إسماعيل بن أبي إسحاق، عن ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: صنفان من أمتي ليس لهما في الاسلام نصيب: المرجئة، والقدرية. 8 – كنز الكراجكى: عن محمد بن علي بن محمد بن الصخر البصري، عن عمر بن محمد ابن سيف، (3) عن علي بن محمد بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان، عن الرضا عن آبائه عليهم السلام مثله. ” ص 51 ” بيان: قال الكراجكي: ظنت المعتزلة أن الشيعة هم المرجئة لقولهم: إنا نرجو من الله تعالى العفو عن المؤمن إذا ارتكب معصية ومات قبل التوبة، وهذا غلط


(1) أقول: غير خفى أنه والخبر المتقدم تحت رقم 4 قطعتان من الخبر الثالث. (2) ولعل الحديث مربوط بآخر الاية، وهو قوله: وما يضل به إلا الفاسقين الاية. ط (3) في المصدر: يوسف. م

[ 8 ]

منهم في التسمية، لان المرجئة مشتق من الارجاء، وهو التأخير (1) بل هم الذين أخروا الاعمال ولم يعتقدوا من فرائض الايمان. ثم قال: إن المعتزلة لها من الزلات الفظيعة ما يكثر تعداده وقد صنف ابن الراوندي كتاب فضائحهم فأورد فيه جملا من اعتقاداتهم و آراء شيوخهم مما ينافر العقول ويضاد شريعة الرسول وقد وردت الاخبار بذمهم عن أهل البيت عليهم السلام ولعنهم جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فقال: لعن الله المعتزلة أرادت أن توحدت فألحدت ورامت أن ترفع التشبيه فأثبتت. 9 – ل: محمد بن علي بن بشار القزويني، عن المظفر بن أحمد، وعلي بن محمد بن سليمان، عن علي بن جعفر البغدادي، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن الحسن ابن راشد، عن علي بن سالم، عن أبيه قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: أدنى ما يخرج به الرجل من الايمان أن يجلس إلى غال ويستمع إلى حديثه ويصدقه على قوله، إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: صنفان من أمتي لا نصيب لهما في الاسلام: الغلاة والقدرية. 10 – عد: اعتقادنا في الاستطاعة ما قاله موسى بن جعفر عليه السلام حين قيل له: أيكون العبد مستطيعا ؟ قال: نعم بعد أربع خصال: أن يكون مخلي السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح، له سبب وارد من الله عزوجل، فإذا تمت هذه فهو مستطيع فقيل له: مثل أي شئ، فقال: يكون الرجل مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح لا يقدر أن يزني إلا أن يرى امرأة فإذا وجد المرأة فإما أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف، وإما أن يخلي بينه وبينها فيزني وهو زان ولم يطع الله بإكراه، ولم يعص بغلبة. (2)


(1) قال في الكنز بعد ذلك ص 50: يقال لمن أخر أمرا: أرجأت الامر يا رجل، فأنت مرجئ قال الله: ” أرجه وأخاه ” أي أخره، وقال تعالى: ” وآخرون مرجون لامر الله ” أي مؤخرون إلى مشيته، وأما الرجاء فانما يقال: منه رجوت فأنا راج، فيجب أن تكون الشيعة راجية لا المرجئة والمرجئة هم الذين أخروا الاعمال، ولم يعتقدوا من فرائض الايمان، وقد لعنهم النبي فيما وردت به الاخبار. انتهى. ثم ذكر الحديث المتقدم. (2) سيوافيك الحديث مسندا عن الرضا عليه السلام تحت رقم 54.

[ 9 ]

11 – وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عزوجل: ” وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ” قال: مستطيعون للاخذ بما امروا به، والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا. (1) 12 – وقال أبو جعفر عليه السلام: في التوراة مكتوب مسطور: يا موسى إني خلقتك واصطفيتك وقويتك، (2) وأمرتك بطاعتي، ونهيتك عن معصيتي، فإن أطعتني أعنتك على طاعتي وإن عصيتني لم أعنك على معصيتي، ولي المنة عليك في طاعتك، ولي الحجة عليك في معصيتك. ” ص 72 – 73 ” 13 – فس: في رواية أبي الجارود (3) قوله: ” كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ” قال: خلقهم حين خلقهم مؤمنا وكافرا وشقيا وسعيدا، و كذلك يعودون يوم القيامة مهتد وضال، يقول: إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ; وهم القدرية الذين يقولون: لا قدر، ويزعمون أنهم قادرون على الهدى والضلالة، وذلك إليهم إن شاؤوا اهتدوا، وإن شاؤوا ضلوا، وهم مجوس هذه الامة، وكذب أعداء الله المشية والقدرة لله ” كما بدأكم تعودون ” من خلقه الله شقيا يوم خلقه كذلك يعود إليه، (4) ومن خلقه سعيدا يوم خلقه كذلك يعود إليه سعيدا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الشقي من شقى في بطن امه، والسعيد من سعد في بطن امه. ” ص 214 ” 14 – ل: الفامي وابن مسرور، عن ابن بطة، عن الصفار، ومحمد بن علي بن محبوب، (5) عن ابن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل زعم أن الله عز وجل أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله عزوجل في حكمه وهو كافر، ورجل يزعم أن الامر


(1) سيأتي الحديث مسندا عن الصادق عليه السلام تحت رقم 41 و 56. (2) في الاصل: وهديتك وقويتك وفى آخر الحديث: في معصيتك لى. (3) في تفسير القمى بعد ذلك: عن أبي جعفر عليه السلام. م (4) وفيه ايضا: يعود إليه شقيا. م (5) في التوحيد بعد ذلك: ومحمد بن حسين بن عبد العزيز، عن ابن عيسى. م

[ 10 ]

مفوض إليهم فهذا وهن الله في سلطانه فهو كافر، ورجل يقول: إن الله عزوجل كلف العباد ما يطيقون، ولم يكلفهم ما لا يطيقون، فإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ. يد: الوراق، عن ابن بطة مثله. 15 – ل: أبي، عن علي، عن أبيه، عن الحسن بن الحسن بن الفارسي، عن سليمان بن جعفر البصري، عن عبد الله بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عز وجل لما خلق الجنة خلقها من لبنتين، لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وجعل حيطانها الياقوت، وسقفها الزبرجد، وحصبائها اللؤلؤ، (1) وترابها الزعفران والمسك الازفر، فقال لها: تكلمي، فقالت: لا إله إلا أنت الحي القيوم، قد سعد من يدخلني. فقال عزوجل: بعزتي وعظمتي وجلالي وارتفاعي لا يدخلها مدمن خمر، ولا سكير، ولا قتات (2) وهو النمام، ولا ديوث وهو القلطبان، ولا قلاع وهو الشرطي، ولا زنوق وهو الخنثى، ولا خيوف (3) وهو النباش، ولا عشار، ولا قاطع رحم، ولا قدري. توضيح: السكير بالكسر وتشديد الكاف: الكثير السكر، والفرق بينه وبين المدمن إما بكون المراد بالخمر ما يتخذ من العنب وبالسكير من يسكر من غيره، أو بكون المراد بالمدمن أعم ممن يسكر. وشرط السلطان: نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده، والنسبة إليهم شرطي كتركي، ولم أجد اللغويين فسروا الزنوق والخيوف بما فسرا به في الخبر. 16 – ل: أبي وابن الوليد، عن أحمد بن إدريس، ومحمد العطار، عن الاشعري عن محمد بن الحسين بإسناد له يرفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يدخل الجنة مدمن


(1) في نسخة: وحصاها اللؤلؤ. (2) من القت وهو الكذب، وسمى النمام قتاتا لانه يزور الحديث ويحسنها ويبلغها على جهة الكذب والفساد. (3) في نسخة من الكتاب: ولا خنوف. وفى الخصال المطبوع: ولا خيوق في الموضعين.

[ 11 ]

خمر، ولا سكير، ولا عاق، ولا شديد السواد، ولا ديوث، ولا قلاع وهو الشرطي، ولا زنوق وهو الخنثى، ولا خيوف وهو النباش، ولا عشار، ولا قاطع رحم، ولا قدري. قال الصدوق رحمه الله: يعني بشديد السواد الذي لا يبيض شئ من شعر رأسه، ولا من شعر لحيته مع كبر السن، ويسمى الغربيب. (1) 17 – ن: السناني، عن الاسدي، عن سهل، عن عبد العظيم الحسني، عن إبراهيم ابن أبي محمود قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل: ” وتركهم في ظلمات لا يبصرون ” فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه، ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعهم المعاونة واللطف، وخلا بينهم وبين اختيارهم. قال: وسألته عن قول الله عزوجل ” ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ” قال: الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال تعالى: ” بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ” قال: وسألته عن الله عزوجل هل يجبر عباده على المعاصي ؟ فقال: بل يخيرهم (2) ويمهلهم حتى يتوبوا، قلت: فهل يكلف عباده ما لا يطيقون ؟ فقال: كيف يفعل ذلك وهو يقول: ” وما ربك بظلام للعبيد ” ؟ ثم قال عليه السلام: حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام أنه قال: من زعم أن الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته، ولا تصلوا وراءه، ولا تعطوه من الزكاة شيئا. ” ص 70 ” ج: مرسلا عن الحسني مثله. ” ص 225 ” 18 – ن: تميم القرشي، عن أبيه، عن أحمد بن علي الانصاري، عن يزيد بن عمير ابن معاوية الشامي (3) قال: دخلت على علي بن موسى الرضا عليه السلام بمرو فقلت له: يابن


(1) وزان عفريت. (2) في الاحتجاج: لا بل يخيرهم. م (3) الموجود في العيون: ” زيدين بن عمير بن معاوية الشامي ” وحكى فيه عن نسخة اخرى ” يزيد بن عمير، عن معاوية الشامي “.

[ 12 ]

رسول الله روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين فما معناه ؟ فقال: من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ومن زعم أن الله عزوجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه عليهم السلام فقد قال بالتفويض فالقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك. فقلت له: يابن رسول الله فما أمر بين أمرين ؟ فقال: وجود السبيل إلى إتيان ما امروا به وترك ما نهوا عنه. فقلت له: فهل لله عزوجل مشية وإرادة في ذلك ؟ فقال: أما الطاعات فإرادة الله ومشيته فيها الامر بها، والرضا لها، والمعاونة عليها ; وإرادته ومشيته في المعاصي النهي عنها، والسخط لها، والخذلان عليها. قلت: فلله عزوجل فيها القضاء ؟ (1) قال: نعم ما من فعل يفعله العباد من خير وشر إلا ولله فيه قضاء قلت: فما معنى هذا القضاء ؟ قال: الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة. ” ص 78 ” ج: رواه مرسلا مثله. * 19 – ن: الدقاق، عن محمد بن الحسن الطائي، عن سهل بن زياد، عن علي بن جعفر الكوفي قال: سمعت سيدي علي بن محمد عليهما السلام يقول: حدثني أبي محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه عليهم السلام. وحدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي، عن إسحاق بن جعفر العلوي، عن أبيه، عن سليمان بن محمد القرشي، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام. وحدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي الغرائمي، عن أحمد بن محمد ابن رميح النسوي، عن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر، عن عبد الوهاب بن عيسى


(1) في العيون المطبوع: فهل عزوجل فيها القضاء ؟.أورده الامام على بن محمد العسكري عليه السلام ملخصا في رسالته إلى أهل الاهواز في معنى الجبر والتفويض، وسيوردها المصنف قدس سره في الباب الاتى. ويأتى عن كتاب الاحتجاج أيضا في الباب الثالث تحت رقم 19 وعن الارشاد تحت رقم 75 وعن النهج تحت رقم 79.

[ 13 ]

المروزي، عن الحسن بن علي بن محمد البلوي، عن محمد بن عبد الله بن نجيح، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه عليهم السلام. وحدثنا أحمد بن الحسن القطان، عن السكري، عن الجوهري، عن العباس بن بكار الضبي، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس قالوا: لما انصرف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من صفين قام إليه شيخ ممن شهد الوقعة معه فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا هذا أبقضاء من الله وقدر ؟ وقال الرضا في روايته عن أبائه، عن الحسين بن علي عليهم السلام: دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أجل يا شيخ فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر ; فقال الشيخ عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين، (1) فقال: مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاءا حتما وقدرا لازما، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، والامر والنهي والزجر، ولسقط معنى الوعد والوعيد، ولم تكن على مسئ لائمة، ولا لمحسن محمدة، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب، والمذنب أولى بالاحسان من المحسن، تلك مقالة عبدة الاوثان و خصماء الرحمن، وقدرية هذه الامة ومجوسها، يا شيخ إن الله عزوجل كلف تخييرا، ونهى تحذيرا، وأعطى على القليل كثيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا (2) ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار، قال: فنهض الشيخ وهو يقول:


(1) الظاهر كما يستفاد من الكافي سقوط جملة من هنا إما من الصدوق أو من النساخ ومن روى الحديث عنه، وهى في الكافي هكذا ; فقال له: مه يا شيخ فوالله لقد عظم الله الاجر في مسيركم وأنتم سائرون، وفى مقامكم وأنتم مقيمون، وفى منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين، ولا إليه مضطرين. فقال له الشيح: وكيف لم نكن في شئ من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا ؟ فقال له: وتظن أنه كان قضاءا حتما إه‍ وأورد مثله العلامة في شرح التجريد في باب القضاء والقدر باسناده عن الاصبغ مع اختلاف نشير إليه بعد ذلك. وفيه أيضا بعد قوله يا أمير المؤمنين قوله: ما أرى لى من الاجر شيئا. وياتى نحوه أيضا في خبر 19 من الباب الثالث مع زيادة. (2) يوجد في الكافي هنا أيضا زيادة وهى: ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا.

[ 14 ]

أنت الامام الذى نرجو بطاعته * يوم النجاة من الرحمن غفرانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك عنا فيه إحسانا فليس معذرة في فعل فاحشة * قد كنت راكبها فسقا وعصيانا لا لا ولا قابلا ناهيه أوقعه * فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا ولا أحب ولا شاء الفسوق ولا * قتل الولي له ظلما وعدوانا أنى يحب وقد صحت عزيمته ؟ * ذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا لم يذكر محمد بن عمر الحافظ في آخر هذا الحديث من الشعر إلا بيتين من أوله. (1) ” ص 79 ” يد: زاد ابن عباس في حديثه: فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين القضاء والقدر اللذان ساقانا ؟ وما هبطنا واديا وما علونا تلعة إلا بهما ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الامر من الله والحكم، ثم تلا هذه الآية: ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا “. ” ص 390 ” بيان: التلعة: ما ارتفع من الارض. قوله: عند الله أحتسب عنائي أي لما لم نكن مستحقين للاجر لكوننا مجبورين فأحتسب أجر مشقتي عند الله لعله يثيبني بلطفه، ويحتمل أن يكون استفهاما على سبيل الانكار، وقال الجزري: الاحتسباب من الحسب كالاعتداد من العد، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله: احتسبه لان له حينئذ أن يعتد عمله، والاحتساب في الاعمال الصالحات، وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الاجر، وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها. انتهى. قوله عليه السلام: ولكان المذنب أولى بالاحسان أقول: لانه حمله على ما هو قبيح عقلا وشرعا، وصيره بذلك محلا للائمة الناس، فهو أولى بالاحسان لتدارك ذلك وأيضا لما حمل المحسن على ما هو حسن عقلا وشرعا وصار بذلك موردا لمدح الناس


(1) كالكليني في الكافي إلا أنه قال: أوضحت من أمرنا ما كان ملتبسا * جزاك ربك بالاحسان إحسانا.

[ 15 ]

فإن عاقبه وأضر به تداركا لما أحسن إليه كان أولى من جمع الاضرارين على المسئ، وقيل: إنما كان المذنب أولى بالاحسان لانه لا يرضى بالذنب كما يدل عليه جبره عليه، والمحسن أولى بالعقوبة لانه لا يرضى بالاحسان لدلالة الجبر عليه، ومن يرضى بالاحسان أولى بالعقوبة من الذي يرضى به. ويحتمل أن يكون هذا متفرعا على ما مر أي إذا بطل الثواب والعقاب والامر والنهي والوعد والوعيد لكان المذنب أولى الخ ; ووجهه أنه لم يبق حينئذ إلا الاحسان والعقوبة الدنيوية، والمذنب في الدنيا متنعم بأنواع اللذات، وليست له مشقة التكاليف الشرعية، والمحسن في التعب والنصب بارتكاب أفعال لا يشتهيها، وترك ما يلتذ بها مقتر عليه لاجتناب المحرمات من الاموال، فحينئذ الاحسان الواقع للمذنب أكثر مما وقع للمحسن، فهو أولى بالاحسان من المحسن، والعقوبة الواقعة على المحسن أكثر مما وقع على المذنب فهو أولى بالعقوبة من المذنب. (1) والقدرية في هذا الخبر اطلقت على الجبرية وقوله: لم يعص على بناء المفعول، وكذا قوله: ولم يطع مكرها – بكسر الراء – وفي الفتح تكلف. وفي الكافي بعد ذلك: ولم يملك مفوضا. إشارة إلى نفي التفويض التام، بحيث لا يقدر على صرفهم عنه، أو بحيث لا يكون لتوفيقه وهدايته مدخل فيه. 20 – يد، ن: ابن مسرور، عن ابن عامر، عن معلى بن محمد البصري، عن


(1) وذكر وجهين آخرين في كتابه المرآة أيضا، أحدهما أنه لما اقتضى ذات المذنب أن يحسن إليه في الدنيا باحداث اللذات فيه فينبغي أن يكون في الاخرة أيضا كذلك، لعدم تغير الذوات في النشأتين، وإذا اقتضى ذات المحسن المشقة في الدنيا وإيلامه بالتكاليف الشاقة ففى الاخرة أيضا ينبغى أن يكون كذلك. الثاني ما قيل: لعل وجه ذلك أن المذنب بصدور القبائح والسيئات منه متألم منكسر البال، لظنه أنها وقعت منه باختياره وقد كانت بجبر جابر وقهر قاهر فيستحق الاحسان، وأن المحسن لفرحاته بصدور الحسنات عنه وزعمه أنه قد فعلها بالاختيار أولى بالعقوبة من المذنب أقول: لعل قوله: ولكان المحسن أولى إه‍ فيه تصحيف، وصحيحه كما في شرح التجريد في رواية الاصبغ: ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسئ، ولا المسئ أولى بالذم من المحسن. أو كما ياتي في حديث 19 من الباب الثالث: ولا كان المحسن أولى إه‍ ومعناه ظاهر لا يحتاج إلى شئ من التوجيهات المذكورة، لان العبد إذا كان مجبورا على الفعل مسلوبا عنه الاختيار كان المحسن والمسئ كلاهما متساويين في عدم صحة استناد الاحسان والاساءة إليهما فلا يكون أحدهما أولى بالمدح أو الذم من الاخر.

[ 16 ]

الوشاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته فقلت: الله فوض الامر إلى العباد ؟ قال: الله أعز من ذلك ; قلت: فأجبرهم على المعاصي ؟ قال: الله أعدل وأحكم من ذلك، ثم قال: قال الله عزوجل: يابن آدم أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني، عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك. ” ص 371 ص 82 ” 21 – يد، ن: الطالقاني، عن أحمد بن علي الانصاري، عن الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام يقول: من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة، ولا تقبلوا لهم شهادة، (1) إن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يحملها فوق طاقتها، ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى. ” ص 371 ص 82 ” 22 – يد، ن: أبي، عن سعد، عن البرقي، عن أبيه، عن الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: ذكر عنده الجبر والتفويض فقال: ألا أعطيكم في هذا أصلا لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه ؟ (2) قلنا: إن رأيت ذلك ; فقال: إن الله عزوجل لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة، ولم يهمل العباد في ملكه، هو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العباد بطاعته (3) لم يكن الله عنها صادا، ولا منها مانعا، وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه، ثم قال عليه السلام: من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه. ” ص 370 ص 82 ” ج: مرسلا مثله (4) ” 225 – 226 ” بيان لعل ذكر الائتمار ثانيا للمشاكلة، أو هو بمعنى الهم، أو الفعل من غير مشاورة، كما ذكر في النهاية والقاموس. 23 – يد، مع: حدثنا أبو الحسن محتمل بن سعيد السمرقندي (5) الفقيه بأرض بلخ


(1) في المصدرين: ولا تقبلوا له شهادة. م (2) في التوحيد المطبوع: ولا تخاصمون عليه أحدا إلا كسرتموه. (3) ائتمر الامر وبه: امتثله. أقول: أورد الحديث الكليني في باب القضاء والقدر. (4) الا ان صدر الرواية من قوله: ” فقال الا أعطيكم ” إلى قوله: ” قلنا ان رايت ذلك ” غير مذكور في المصدر. م (5) كذا في النسخ ولعله تصحيف ” محمد “.

[ 17 ]

قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن الزاهد السمرقندي بإسناد رفعه إلى الصادق عليه السلام أنه سأله رجل فقال له: إن أساس الدين التوحيد والعدل، وعلمه كثير لابد لعاقل منه، فاذكر ما يسهل الوقوف عليه، ويتهيأ حفظه. فقال: أما التوحيد فأن لا تجوز على ربك ما جاز عليك، وأما العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه ” ص 83 ” 24 – فس: قوله: ” وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم ” إلى قوله: ” سابقين ” (1) فهذا رد على المجبرة الذين زعموا أن الافعال لله عزوجل، ولا صنع لهم فيها ولا اكتساب، فرد الله عليهم فقال: فكلا أخذنا بذنبه، ولم يقل: بفعلنا لانه عزوجل أعدل من أن يعذب العبد على فعله الذي يجبره عليه. ” ص 496 ” 25 – فس: محمد بن أبي عبد الله، عن موسى بن عمران، عن النوفلي، عن السكوني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: وجدت لاهل القدر أسماءا في كتاب الله: ” إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شئ خلقناه بقدر ” فهم المجرمون. ” ص 657 “. 26 – ج: عن أبي حمزة الثمالي أنه قال: قال أبو جعفر عليه السلام للحسن البصري: إياك أن تقول بالتفويض (2) فإن الله عزوجل لم يفوض الامر إلى خلقه وهنا منه وضعفا، ولا أجبرهم على معاصيه (3) ظلما. الخبر ” ص 178 ” 27 – يد: الدقاق، عن الاسدي، عن خنيس بن محمد، عن محمد بن يحيى الخزاز، عن المفضل، عن أبى عبد الله عليه السلام قال: لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين، قال: قلت: ما أمر بين أمرين ؟ قال: مثل ذلك مثل رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصيته. ” ص 371 ” 28 عد: اعتقادنا في الجبر والتفويض قول الصادق عليه السلام: لا جبر ولا تفويض ” ص 69 “


(1) العنكبوت: 39. (2) ليست هذه العبارة مروية على استقلالها في المصدر: بل مذكورة في ضمن حديث مفصل. م (3) في نسخة: المعاصي.

[ 18 ]

اقول: وساق الخبر إلى آخر ما رواه المفضل، وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرحه: الجبر هو الحمل على الفعل، والاضطرار إليه بالقسر والغلبة، وحقيقة ذلك إيجاد الفعل في الخلق من غير أن يكون له قدرة على دفعه والامتناع من وجوده فيه، وقد يعبر عما يفعله الانسان بالقدرة التي معه على وجه الاكراه له على التخويف و الالجاء أنه جبر، والاصل فيه ما فعل من غير قدرة على امتناعه منه حسب ما قدمناه، وإذا تحقق القول في الجبر على ما وصفناه كان مذهب الجبر هو قول من يزعم أن الله تعالى خلق في العبد الطاعة من غير أن يكون للعبد قدرة على ضدها والامتناع منها، وخلق فيهم المعصية كذلك، فهم المجبرة حقا، والجبر مذهبهم على التحقيق، والتفويض هو القول برفع الحظر (1) عن الخلق فالافعال والاباحة لهم، مع ما شاؤوا من الاعمال، وهذا قول الزنادقة وأصحاب الاباحات، والواسطة بين هذين القولين أن الله أقدر الخلق على أفعالهم، ومكنهم من أعمالهم، وحد لهم الحدود في ذلك، ورسم لهم الرسوم، و نهاهم عن القبائح بالزجر والتخويف والوعد والوعيد، فلم يكن بتمكينهم من الاعمال مجبرا لهم عليها، ولم يفوض إليهم الاعمال لمنعهم من أكثرها، ووضع الحدود لهم فيها، وأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها، فهذا هو الفصل بى الجبر والتفويض على ما بيناه. 29 – ج: عن هشام بن الحكم قال: سأل الزنديق أبا عبد الله عليه السلام فقال: أخبرني عن الله عزوجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا ؟ قال عليه السلام: لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب لان الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم تكن جنة ولا نار، ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، واحتج عليهم برسله، وقطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون، ويستوجبون بطاعتهم له الثواب، وبمعصيتهم إياه العقاب. قال: فالعمل الصالح من العبد هو فعله،


(1) الحظر: المنع، وظاهره انه رحمه الله يفسر التفويض بالالحاد مع أن الظاهر ان المراد بالتفويض في الاخبار هو ما قالت به المعتزلة في مقابل الاشاعرة، وهو أن الافعال مخلوقة للانسان، وإن كانت القوى والادوات مخلوقة لله خلافا لما ينسب إلى الاشاعرة أن الجميع مخلوقة لله. ط

[ 19 ]

والعمل الشر من العبد هو فعله ؟ قال: العمل الصالح العبد يفعله والله به أمره، و العمل الشر العبد يفعله والله عنه نهاه ; قال: أليس فعله بالآلة التي ركبها فيه ؟ (1) قال: نعم، ولكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر بها على الشر الذي نهاه عنه. (2) قال: فإلى العبد من الامر شئ ؟ قال: ما نهاه الله عن شئ إلا وقد علم أنه يطيق تركه، ولا أمره بشئ إلا وقد علم أنه يستطيع فعله لانه ليس من صفته الجور والعبث والظلم وتكليف العباد ما لا يطيقون. قال: فمن خلقه الله كافرا يستطيع الايمان وله عليه بتركه الايمان حجة ؟ قال عليه السلام: إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين، أمرهم ونهاهم، والكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد، ولم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا إنه إنما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجة من الله فعرض عليه الحق فجحده فبإنكاره الحق صار كافرا، قال: فيجوز أن يقدر على العبد الشر ويأمره بالخير وهو لا يستطيع الخير أن يعمله ويعذبه عليه ؟ قال: إنه لا يليق بعدل الله ورأفته أن يقدر على العبد الشر ويريده منه، ثم يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه، والانزاع عما لا يقدر على تركه، ثم يعذبه على تركه أمره الذي علم أنه لا يستطيع أخذه الخبر ” ص 186 ” عد: اعتقادنا في أفعال العباد أنها مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، ومعنى ذلك أنه لم يزل الله عالما بمقاديرها. اقول: قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرح العقائد عند شرح هذا الكلام الذي ذكره أبو جعفر رحمه الله: قد جاء به حديث غير معمول به، ولا مرضي الاسناد، (3)


(1) وهى قدرته وإرادته ومشيته (2) أي الالة التى جعلها الله في العبد لا يقتضى طرفا من الفعل دون طرفه الاخر حتى يكون العبد مقهورا لها ومجبورا على الفعل بسببها فيستند الفعل إلى الله وينفى عن العبد، بل الالة وهى قدرة العبد وإرادته يقتضى طرفي الفعل من الوجود والعدم، ويمكن أن يستعملها في الخير والشر، فتخصيص طرفي الفعل أو الخير والشر بالوجود من العبد. (3) وهو الحديث الاتى تحت رقم 37 و 38، وفيهما عبد الواحد بن محمد بن عبدوس ولم يرو توثيقه من قدماء أهل الرجال. (*)

[ 20 ]

والاخبار الصحيحة بخلافه وليس نعرف في لغة العرب أن العلم بالشئ هو خلق له، ولو كان ذلك كما قال المخالفون للحق لوجب أن يكون من علم النبي صلى الله عليه وآله فقد خلقه، ومن علم السماء والارض فهو خالق لهما، ومن عرف بنفسه شيئا من صنع الله تعالى وقرره في نفسه أن يكون خالقا له ; وهذا محال لا يذهب وجه الخطأ فيه على بعض رعية الائمة عليهم السلام فضلا عنهم. فأما التقدير فهو الخلق في اللغة لان التقدير لا يكون إلا بالفعل، فأما بالعلم فلا يكون تقديرا، ولا يكون أيضا بالفكر، والله متعال عن خلق الفواحش والقبائح على كل حال. وقد روي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام أنه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة لله تعالى ؟ فقال عليه السلام لو كان خالقا لها لما تبرأ منها وقد قال سبحانه: ” إن الله برئ من المشركين ” ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم، و كتاب الله تعالى المقدم على الاحاديث والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح الاخبار و سقيمها، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه، قال الله تعالى: ” الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الانسان من طين ” فخبر بأن كل شئ خلقه فهو حسن غير قبيح، فلو كانت القبائح من خلقه لما حكم بحسن جميع ما خلق، وقال تعالى: ” ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ” فنفى التفاوت عن خلقه، وقد ثبت أن الكفر والكذب متفاوت في نفسه، والمتضاد من الكلام متفاوت فكيف يجوز أن يطلقوا على الله تعالى أنه خالق لافعال العباد وفي أفعال العباد من التفاوت ما ذكرناه ؟ * 30 – ج: مما أجاب به أبو الحسن علي بن محمد العسكري عليه السلام في رسالته إلى أهل الاهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض أن قال: اجتمعت الامة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها، فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون، وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون لقول النبي صلى الله عليه وآله: لا تجتمع أمتي على ضلالة، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله أن ما اجتمعت عليه الامة ولم يخالف بعضها بعضا هو الحق، فهذا معنى الحديث لا ما تأوله الجاهلون، ولا ما قاله المعاندون من إبطال


سيأتي الحديث مفصلا في الباب الاتى بصورة اخرى عن تحف العقول.

[ 21 ]

حكم الكتاب، واتباع حكم الاحاديث المزورة، (1) والروايات المزخرفة، (2) واتباع الاهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب وتحقيق الآيات الواضحات النيرات ونحن نسأل الله أن يوفقنا للصواب، ويهدينا إلى الرشاد. ثم قال عليه السلام: فإذا شهد الكتاب بتصديق خبر وتحقيقه فانكرته طائفة من الامة وعارضته بحديث من هذه الاحاديث المزورة فصارت بإنكارها ودفعها الكتاب كفارا ضلالا، وأصح خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث قال: إني مستخلف فيكم خليفتين كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. واللفظة الاخرى عنه في هذا المعنى بعينه قوله صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، و أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، أما إنكم إن تمسكتم بهما لن تضلوا. فلما وجدنا شواهد هذا الحديث نصا في كتاب الله مثل قوله: ” إنما وليكم الله ورسوله والذي آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهو راكعون ” ثم اتفقت روايات العلماء في ذلك لامير المؤمنين عليه السلام أنه تصدق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له، وأنزل الآية فيه، ثم وجدنا رسول الله صلى الله عليه وآله قد أبانه من أصحابه بهذه اللفظة: من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وقوله صلى الله عليه وآله علي يقضي ديني، وينجز موعدي، وهو خليفتي عليكم بعدي. وقوله صلى الله عليه وآله حيث استخلفه على المدينة فقال: يارسول الله أتخلفني على النساء والصبيان ؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. فعلمنا أن الكتاب شهد بتصديق هذه الاخبار، وتحقيق هذه الشواهد فيلزم الامة الاقرار بها كانت هذه الاخبار موافقة للقرآن، ووافق القرآن هذه الاخبار، فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب الله وجدنا كتاب الله موافقا لهذه الاخبار وعليها دليلا كان الاقتداء بهذه الاخبار فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد والفساد.


(1) أي الاحاديث المتزينة بالكذب، أو الاحاديث الكاذبة. (2) أي الروايات المموهة بالكذب.

[ 22 ]

ثم قال عليه السلام: ومرادنا وقصدنا الكلام في الجبر والتفويض وشرحهما وبيانهما، وإنما قدمنا ما قدمنا لكون اتفاق الكتاب والخبر إذا اتفقا دليلا لما أردناه وقوة لما نحن مبينوه من ذلك إن شاء الله، فقال: الجبر والتفويض بقول الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عندما سئل عن ذلك فقال: لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين. وقيل: فماذا يابن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال: صحة العقل، وتخلية السرب، والمهلة في الوقت، والزاد من قبل الراحلة، والسبب المهيج للفاعل على فعله، فهذه خمسة أشياء فإذا نقص العبد منها خلة (1) كان العمل عنه مطرحا بحسبه، وأنا أضرب لكل باب من هذه الابواب الثلاثة وهي الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين مثلا يقرب المعنى للطالب، ويسهل له البحث من شرحه، ويشهد به القرآن بمحكم آياته وتحقق تصديقه عند ذوي الالباب، وبالله العصمة والتوفيق. ثم قال عليه السلام: فأما الجبر فهو قول من زعم أن الله عزوجل جبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله وكذبه ورد عليه قوله: ولا يظلم ربك أحدا وقوله جل ذكره: ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ” مع آي كثيرة في مثل هذا، فمن زعم أنه مجبور على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله عزوجل وظلمه في عقوبته له، ومن ظلم ربه فقد كذب كتابه، ومن كذب كتابه لزمه الكفر باجتماع الامة. والمثل المضروب في ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك إلا نفسه، ولا يملك عرضا (2) من عروض الدنيا، ويعلم مولاه ذلك منه، فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق بحاجة يأتيه بها ولا يملكه ثمن ما يأتيه به، وعلم المالك أن على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن، وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة ونفي الجور، فأوعد عبده (3) إن لم يأته بالحاجة أن يعاقبه، فلما صار العبد إلى السوق وحاول أخذ الحاجة التي بعثه


(1) بضم الخاء: الخصلة. (2) العرض بفتح العين وسكون الراء: المتاع وكل شئ سوى الدراهم والدنانير، والجمع: العروض. (3) أي فتهدده.

[ 23 ]

المولى للايتان بها وجد عليها مانعا يمنعه منها إلا بالثمن، ولا يملك العبد ثمنها، فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه لذلك، وعاقبه على ذلك فإنه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته، وإن لم يعاقبه كذب نفسه أليس يجب أن لا يعاقبه ؟ والكذب والظلم ينفيان العدل والحكمة، تعالى الله عما يقول المجبرة علوا كبيرا. ثم قال العالم عليه السلام بعد كلام طويل: فأما التفويض الذي أبطله الصادق عليه السلام وخطأ من دان به فهو قول القائل: إن الله تعالى فوض إلى العباد اختيار أمره ونهيه و أهملهم، (1) وفي هذا كلام دقيق (2) لم يذهب إلى غوره ودقته إلا الائمة المهدية عليهم السلام من عترة آل الرسول صلوات الله عليهم، فإنهم قالوا: لو فوض الله أمره إليهم على جهة الاهمال لكان لازما له رضا ما اختاره، (3) واستوجبوا به من الثواب، ولم يكن عليهم فيما اجترموا العقاب (4) إذ كان الاهمال واقعا، وتنصرف هذه المقالة على معنيين: إما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة، كره ذلك أم أحبه، فقد لزمه الوهن، أو يكون جل وتقدس عجز عن تعبدهم بالامر والنهي عن إرادته، ففوض أمره ونهيه إليهم، وأجراهما على محبتهم، إذ عجز عن تعبدهم بالامر والنهي على إرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر والايمان، ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه، ويعرف له فضل ولايته، ويقف عند أمره ونهيه، وادعى مالك العبد أنه قادر قاهر عزيز حكيم، فأمر عبده ونهاه، ووعده على اتباع أمره عظيم الثواب وأوعده على معصيته أليم العقاب فخالف العبد إرادة مالكه، ولم يقف عند أمره ونهيه، فأي أمر أمره به أو نهي نهاه عنه لم يأتمر على إرادة المولى بل كان العبد يتبع إرادة نفسه، وبعثه في بعض حوائجه وفيها الحاجة له، فصار العبد بغير تلك الحاجة


(1) أهمله: تركه ولم يستعمله عمدا أو نسيانا. (2) في المصدر: وهذا الكلام دقيق. م (3) في المصدر: ما اختاروه واستوجبوا به الثواب. م (4) أي لم يكن عليهم فيما اكتسبوا العقاب.

[ 24 ]

خلافا على مولاه وقصد إرادة نفسه، واتبع هواه، فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره فقال العبد: اتكلت على تفويضك الامر إلي فاتبعت هواي وإرادتي لان المفوض إليه غير محظور عليه لاستحالة اجتماع التفويض والتحصير. ثم قال عليه السلام: فمن زعم أن الله فوض قبول أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز، وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير أو شر، وأبطل أمر الله تعالى ونهيه، ثم قال: إن الله خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة ما تعبدهم به من الامر والنهي، وقبل منهم اتباع أمره، ورضي بذلك منهم، ونهاهم عن معصيته، وذم من عصاه وعاقبه عليها، ولله الخيرة في الامر والنهي، يختار ما يريد ويأمر به وينهى عما يكره، ويثيب ويعاقب بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه لانه العدل، و منه النصفة والحكومة، بالغ الحجة بالاعذار والانذار، وإليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده، اصطفى محمدا صلوات الله عليه وآله، وبعثه بالرسالة إلى خلقه، ولو فوض اختيار أمور، إلى عباده لاجاز لقريش اختيار أمية بن الصلت وأبي مسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمد لما قالوا: ” لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ” يعنونهما ذلك، فهذا هو القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض، بذلك أخبر أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله عباية بن ربعي الاسدي، عن الاستطاعة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تملكها من دون الله أو مع الله، فسكت عباية بن ربعي، (1) فقال له: قل يا عباية ; قال: وما أقول ؟ قال: إن قلت: تملكها مع الله قتلتك وإن قلت: تملكها من دون الله قتلتك، قال: وما أقول يا أمير المؤمنين ؟ قال: تقول: تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فإن ملككها كان ذلك من عطائه، وإن سلبكها كان ذلك من بلائه، وهو المالك لما ملكك، والمالك لما عليه أقدرك، أما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حيث يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ فقال الرجل: وما تأويلها يا أمير المؤمنين ؟ قال: لا حول لنا عن معاصي الله إلا بعصمة الله، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بعون الله، قال: فوثب الرجل وقبل يديه ورجليه.


(1) بالعين المهملة المفتوحة والباء الموحدة.

[ 25 ]

ثم قال عليه السلام: في قوله تعالى: ” ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين ونبلو أخباركم ” وفي قوله: ” سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ” وفي قوله: ” أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ” وفي قوله: ” ولقد فتنا سليمان ” وفي قوله: إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ” وقول موسى: ” إن هي إلا فتنتك ” وقوله: ” ليبلوكم فيما آتيكم ” وقوله: ” ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ” وقوله: ” إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة ” وقوله: ” ليبلوكم أيكم أحسن عملا ” وقوله: ” وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ” وقوله: ” ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض ” إن جميعها جاءت في القرآن بمعنى الاختبار. ثم قال عليه السلام: فإن قالوا: ما الحجة في قول الله تعالى: ” يهدى من يشاء ويضل من يشاء ” وما أشبه ذلك ؟ قلنا: فعلى مجاز هذه الآية يقتضي معنيين: أحدهما أنه إخبار عن كونه تعالى قادرا على هداية من يشاء وضلالة من يشاء، ولو أجبرهم على أحدهما لم يجب لهم ثواب، ولا عليهم عقاب على ما شرحناه، والمعنى الآخر أن الهداية منه: التعريف، كقوله تعالى: ” وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ” وليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجة على حكم الآيات اللاتي أمر بالاخذ بها وتقليدها وهي قوله: ” هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ” الآية، وقال: ” فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هديهم الله وأولئك هم اولو الالباب ” وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، ويقرب لنا ولكم الكرامة والزلفى، وهدانا لما هو لنا ولكم خير وأبقى، إنه الفعال لما يريد، الحكيم الجواد المجيد ” ص 249 – 252 ” 31 – ج: عن داود بن قبيصة (1) قال: سمعت الرضا عليه السلام: يقول: سئل أبي عليه السلام


(1) هكذا في نسخ الكتاب والاحتجاج المطبوع وهو غير مذكور في التراجم، ولكن الظاهر انه تصحيف ” دارم بى قبيصة ” المترجم في ص 117 من رجال النجاشي بقوله: دارم بن قبيسة بن نهشل ابن مجمع أبو الحسن التميمي الدارمي السائح، روى عن الرضا عليه السلام، وله عنه كتاب الوجوه *

[ 26 ]

هل منع الله عما أمر به ؟ وهل نهى عما أراد ؟ وهل أعان على ما لم يرد ؟ فقال: عليه السلام أما ما سألت: هل منع الله عما أمر به ؟ فلا يجوز ذلك، ولو جاز ذلك لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم، ولو منع إبليس لعذره (1) ولم يلعنه ; وأما ما سألت: هل نهى عما أراد، فلا يجوز ذلك، ولو جاز ذلك لكان حيث نهى آدم عن أكل الشجرة أراد منه أكلها، ولو أراد منه أكلها ما نادى عليه صبيان الكتاتيب (2) ” وعصى آدم ربه فغوى ” والله تعالى لا يجوز عليه أن يأمر بشئ ويريد غيره ; وأما ما سألت عنه من قولك: هل أعان على ما لم يرد ؟ فلا يجوز ذلك، وجل الله تعالى عن أن يعين على قتل الانبياء و تكذيبهم، وقتل الحسين بن علي والفضلاء من ولده، وكيف يعين على ما لم يرد وقد أعد جهنم لمخالفيه، ولعنهم على تكذيبهم لطاعته، وارتكابهم لمخالفته ; ولو جاز أن يعين على ما لم يرد لكان أعان فرعون على كفره وادعائه أنه رب العالمين !، أفترى أراد الله من فرعون أن يدعي الربوبية ؟ يستتاب قائل هذا فإن تاب من كذبه على الله. وإلا ضربت عنقه. ” ص 210 ” 32 – ج: وروي عن علي بن محمد العسكري عليه السلام (3) أن أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: إن الله خلق الخلق فعلم ما هم إليه صائرون فأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى الاخذ به، وما نهاهم عنه من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلا بإذنه، وما جبر الله أحدا من خلقه على معصيته، بل اختبرهم بالبلوى، كما قال تعالى ” ليبلوكم أيكم أحسن عملا “. ” ص 210 ” قوله عليه السلام: ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلا بإذنه أي بتخليته وعلمه.


* والنظائر، وكتاب الناسخ والمنسوخ إ ه‍ وقال العلامة في القسم الثاني من الخلاصة: يروي عن الرضا عليه السلام قال ابن الغضائري: لا يؤنس بحديثه ولا يوثق به. انتهى. أقول: دارم بفتح الدال وكسر الراء وزان فاعل، وقبيصة كسفينة، ونهشل بفتح النون وسكون الهاء وفتح الشين، ومجمع بالميم المضومة والجيم المفتوحة والميم المشددة المكسورة وزان محدث. (1) عذره يعذره على ما صنع: دفع عنه اللوم والذنب أو قبل عذره. (2) جمع الكتاب – بضم الكاف وتشديد التاء -: موضع التعليم. (3) في المصدر: عن الحسن بن على بن محمد العسكري. م

[ 27 ]

33 – ج: وروى أنه دخل أبو حنيفة المدينة ومعه عبد الله بن مسلم فقال له: يا أبا حنيفة إن ههنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد عليهم السلام فاذهب بنا إليه نقتبس منه علما فلما أتيا إذا هما بجماعة من شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه، فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث (1) فقام الناس هيبة له، فالتفت أبو حنيفة فقال: يابن مسلم من هذا ؟ قال هذا موسى ابنه، قال: والله لاجبهنه (2) بين يدي شيعته قال: مه لن تقدر على ذلك، قال: والله لافعلنه (3) ثم التفت إلى موسى عليه السلام فقال: يا غلام أين يضع الغريب حاجته في بلدتكم هذه ؟ قال: يتوارى خلف الجدار، ويتوقى أعين الجار، وشطوط الانهار، ومسقط الثمار، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، فحينئذ يضع حيث شاء، (4) ثم قال: يا غلام ممن المعصية ؟ قال: يا شيخ لا تخلو من ثلاث إما أن تكون من الله وليس من العبد شئ فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله، وإما أن تكون من العبد ومن الله والله أقوى الشريكين فليس للشريك الاكبر أن يأخذ الشريك الاصغر بذنبه، وإما أن تكون من العبد وليس من الله شئ فإن شاء عفى وإن شاء عاقب. قال: فأصابت أبا حنيفة سكتة كأنما القم فوه الحجر، (5) قال: فقلت له ألم أقل لك لا تتعرض لاولاد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ ” ص 210 – 211 “


(1) الحدث: الشاب. (2) أي لانكسن رأسه، وفى نسخة: لاهجبنه لعله من (الهجب): السوق والسرعة ; الضرب بالعصا.، وفى الاحتجاج المطبوع: والله اخجله. (3) يعرف من هذا نفسيات إمام السنة ورزانته وعفافه في الحجاج ! هبه لم يكن يرى لسلالة النبوة قداسة وحرمة فبم كان يرى إباحة تخجيل امرء مسلم، وهو يراه غلاما حدثا ؟ لم يكن بينه وبينه عداوة ولا خصام ; كما يعرف تبحر الامام عليه السلام في الاصول والفروع وقوة حجاجه وهو غلام حدث. (4) أقول: أخرج الكليني صدر الحديث من قوله: ” يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم ” في المجلد الاول من فروع الكافي ص 6 عن على بن ابراهيم رفعه، وفيه زيادة وهو هكذا: فقال: اجتنب أفنية المساجد، وشطوط الانهار، ومساقط الثمار، ومنازل النزال، ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول، وارفع ثوبك، وضع حيث شئت. وأورده الشيخ باسناده عن الكليني في التهذيب ج 1 ص 9. (5) مثل سائر يضرب لمن تكلم فاجيب بمسكتة.

[ 28 ]

وفي ذلك يقول الشاعر هذه الابيات: لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها * إحدى ثلاث معان حين نأتيها إما تفرد بارينا بصنعتها * فيسقط اللوم عنا حين ننشيها أو كان يشركنا فيها فيلحقه * ما سوف يلحقنا من لائم فيها أولم يكن لالهي في جنايتها * ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها فس: وأما الرد على المجبرة الذين قالوا: ليس لنا صنع ونحن مجبرون، يحدث الله لنا الفعل عند الفعل، وإنما الافعال هي منسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة، وتأولوا في ذلك آيات من كتاب الله عزوجل لم يعرفوا معناها، مثل قوله: ” وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ” وقوله: ” ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ” وغير ذلك من الآيات التي تأويلها على خلاف معانيها، وفيما قالوه إبطال الثواب والعقاب، وإذا قالوا ذلك ثم أقروا بالثواب والعقاب نسبوا الله إلى الجور، وأنه يعذب على غير اكتساب وفعل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أن يعاقب أحدا على غير فعل وبغير حجة واضحة عليه، والقرآن كله رد عليهم، قال الله تبارك وتعالى: ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ” فقوله عزوجل: ” لها وعليها ” هو على الحقيقة لفعلها، وقوله: ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ” وقوله: ” كل نفس بما كسبت رهينة ” وقوله: ” ذلك بما قدمت أيديكم “، وقوله: ” وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى “: وقوله: ” إنا هديناه السبيل ” يعني بينا له طريق الخير وطريق الشر ” إما شاكرا وإما كفورا ” وقوله: ” وعادا وثمود. وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين * وقارون وفرعون وهامان ولقد جائهم موسى بالبينات فاستكبروا في الارض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه ” فلم يقل: بفعلنا ” فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الارض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ” ومثله كثير. ” ص 20 – 21 “


[ 29 ]

أقول: سيأتي مثل هذا الكلام بوجه أبسط في كتاب القرآن في تفسير النعماني فيما رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام. 34 – يد: المفسر بإسناده إلى أبي محمد عليه السلام قال: قال الرضا عليه السلام: ما عرف الله من شبهه بخلقه، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده (1) الخبر. ” ص 34 – 35 ” 35 – ن: ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن حمدان بن سليمان قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن أفعال العباد أمخلوقة أم غير مخلوقة ؟ فكتب عليه السلام: أفعال العباد مقدرة في علم الله عزوجل قبل خلق العباد بألفي عام. ” ص 78 ” 36 – يد، ل، ن: أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري، عن علي بن الحسن الميثمي، عن علي بن مهرويه القزويني، عن أبي أحمد الغازي، عن علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: الاعمال على ثلاثة أحوال: فرائض، وفضائل، ومعاصي، فأما الفرائض فبأمر الله تعالى وبرضى الله وبقضائه وتقديره ومشيته وعلمه ; وأما الفضائل فليست بأمر الله (2) و لكن برضى الله وبقضاء الله وبقدر الله وبمشية الله وبعلم الله، وأما المعاصي فليست بأمر الله (3) ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبمشية الله وبعلمه ثم يعاقب عليها. ” يد: 377، ن 81 ” يد، ن: قال (4) مصنف هذا الكتاب: المعاصي بقضاء الله معناه بنهي الله، لان حكمه عزوجل فيها على عباده الانتهاء عنها، (5) ومعنى قوله: بقدر الله أي بعلم الله بمبلغها


(1) هذا صريح في انه من قول الرضا عليه السلام، وفى المصدر صريح في انه من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله. (2) أي الامر الوجوبى. (3) ولا برضاه، لان الله لا يرضى بالكفر والمعاصي. (4) في التوحيد: قال مصنف هذا الكتاب قضاء الله عزوجل في المعاصي حكمه فيها، ومشيته في المعاصي نهيه عنها، وقدره فيما علمه بمقاديرها ومبالغها. م (5) هذا على أحد معاني القضاء وهو الحكم والالزام كما قال الله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، وقوله: والله يقضى بالحق، أي يحكم. أقول: ويمكن أن يكون بمعنى الفصل والقطع وتحتم الامر، لوقوعه قبال القدر وهو التقدير، وإسناد ذلك إلى الله تعالى بحيث لا يستلزم الجبر إما بواسطة علمه تعالى بحصول ذلك الفعل عند وجود سببه وعلته التامة ومنها إرادة الانسان واختيار فاعله، أو بواسطة جعله الانسان مختارا، وعدم ردعه التكويني وكفه عن الفعل مع قدرته عليه، أو لصحة إسناد الفعل إلى أحد علله الطولية.

[ 30 ]

ومقدارها، ومعنى قوله: بمشية الله فإنه عزوجل شاء أن لا يمنع العاصي إلا بالزجر والقول والنهي والتحذير، دون الجبر والمنع بالقوة، والدفع بالقدرة. ” ص 377 – 378 ص 81 ” 37 – مع، ن: ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن حمدان، (1) عن الهروي قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: أفعال العباد مخلوقة، فقلت: يابن رسول الله ما معنى مخلوقة ؟ قال: مقدرة: ” مع: 112 ” ” ن: 175 ” 38 – ن: ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن الفضل، عن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون: من محض الاسلام أن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأن أفعال العباد مخلوقة لله خلق تقدير لا خلق تكوين، والله خالق كل شئ، ولا نقول بالجبر و التفويض. الخبر: ” ص 267 ” * 39 – يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن معروف، عن ابن أبي نجران، عن حماد بن عثمان، عن عبد الرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك اختلف الناس في أشياء قد كتبت بها إليك، فإن رأيت جعلت فداك أن تشرح لي جميع ما كتبت إليك، اختلف الناس – جعلت فداك – بالعراق في المعرفة والجحود، فأخبرني – جعلت فداك – أهما مخلوقتان ؟ واختلفوا في القرآن فزعم قوم أن القرآن كلام الله غير مخلوق وقال آخرون: كلام الله مخلوق، وعن الاستطاعة أقبل الفعل أو مع الفعل ؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه ورووا فيه، وعن الله تبارك وتعالى هل يوصف بالصورة وبالتخطيط ؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد، وعن الحركات أهي مخلوقة أو غير مخلوقة ؟ وعن الايمان ما هو ؟ فكتب صلى الله عليه على يدي عبد الملك بن أعين: سألت عن المعرفة ماهي ؟ فاعلم رحمك الله أن المعرفة من صنع الله عزوجل في القلب مخلوقة، والجحود صنع الله في القلب


(1) لعله حمدان بن سليمان.أقول: أخرج الكليني قطعة من الحديث وهى ” وصف الله بالصورة والتخطيط ” في باب النهى عن الصفة، وقطعة وهى ” الايمان ما هو ؟ ” في باب ” أن الاسلام قبل الايمان ” في كتابه الكافي عن على بن ابراهيم، عن العباس بن معروف، عن ابن أبي نجران، عن حماد بن عثمان، عن عبد الرحيم بن عتيك القصير. فيظهر من هذا اتحاد ابن عتيك مع عبد الرحيم القصير.

[ 31 ]

مخلوق، وليس للعباد فيهما من صنع، ولهم فيهما الاختيار من الاكتساب، فبشهوتهم الايمان اختاروا المعرفة فكانوا بذلك مؤمنين عارفين، وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلالا، وذلك بتوفيق الله لهم، وخذلان من خذله الله، فبالاختيار والاكتساب عاقبهم الله وأثابهم ; وسألت رحمك الله عن القرآن واختلاف الناس قبلكم فإن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، كان الله عزوجل ولا شئ غير الله معروف ولا مجهول كان عزوجل ولا متكلم ولا مريد ولا متحرك ولا فاعل، عزوجل ربنا، فجميع هذه الصفات محدثة عند حدوث الفعل منه، عزوجل ربنا، والقرآن كلام الله غير مخلوق، فيه خبر من كان قبلكم، وخبر ما يكون بعدكم، (1) انزل من عند الله على محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. وسألت رحمك الله عن الاستطاعة للفعل فإن الله عزوجل خلق العبد وجعل له الآلة و الصحة، وهي القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل، ولا متحرك إلا وهو يريد الفعل، وهي صفة مضافة إلى الشهوة التي هي خلق الله عزوجل، مركبة في الانسان فإذا تحركت الشهوة للانسان (2) اشتهى الشئ وأراده، فمن ثم قيل للانسان: مريد، فإذا أراد الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة، فمن ثم قيل للعبد: مستطيع متحرك، فإذا كان الانسان ساكنا غير مريد للفعل وكان معه الآلة وهي القوة والصحة اللتان بهما تكون حركات الانسان وفعله كان سكونه لعلة سكون الشهوة فقيل: ساكن، فوصف بالسكون فإذا اشتهى الانسان وتحركت شهوته التي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحرك بالقوة المركبة فيه، واستعمل الآلة التي يفعل بها الفعل فيكون الفعل منه عندما تحرك واكتسبه فقيل: فاعل ومتحرك ومكتسب و مستطيع أو لا ترى أن جميع ذلك صفات يوصف بها الانسان ؟ وسألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك فتعالى الله الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه، المفترون على الله عزوجل، فاعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزوجل،


(1) في نسخة: وخبر من يكون بعدكم. (2) في التوحيد المطبوع: في الانسان.

[ 32 ]

فانف عن الله البطلان والتشبيه فلا نفي ولا تشبيه هو الله عزوجل، الثابت، الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تعد القرآن (1) فتضل بعد البيان، وسألت رحمك الله عن الايمان فالايمان هو إقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالاركان، فالايمان بعضه من بعض، (2) وقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا، ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالاسلام قبل الايمان وهو يشارك الايمان، فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي، أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عزوجل عنها كان خارجا من الايمان، وساقطا عنه اسم الايمان، وثابتا عليه اسم الاسلام، فإن تاب واستغفر عاد إلى الايمان، (3) ولم يخرجه إلى الكفر والجحود والاستحلال، (4) وإذا قال للحلال: هذا حرام، وللحرام: هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الايمان والاسلام إلى الكفر، وكان بمنزلة رجل دخل الحرم ثم دخل الكعبة فأحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار. ” ص 227 – 230 ” قال الصدوق رحمه الله: كان المراد من هذا الحديث ما كان فيه من ذكر القرآن، ومعنى ما فيه أنه غير مخلوق أي غير مكذوب، ولا يعني به أنه غير محدث لانه قد قال: محدث غير مخلوق، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره. بيان: قوله: على يدي عبد الملك أي أرسلت الكتاب معه. قوله عليه السلام: إن المعرفة من صنع الله أي أصل المعرفة، أو كمالها من الله تعالى بعد اكتسابهم وتفكرهم فالمفيض للمعارف هو الرب تعالى، وللتفكر والنظر والطلب مدخل فيها، وإنما يثابون ويعاقبون بفعل تلك المبادي وتركها، أو المعنى أن المعرفة ليست إلا من قبله تعالى، إما بإلقائها في قلوبهم، أو ببيان الانبياء والحجج عليهم السلام، وإنما كلف العباد بقبول ذلك


(1) أي لا تتجاوز عما في القرآن. (2) في الكافي هنا زيادة وهى قوله: وهو دار وكذلك الاسلام دار والكفر دار، فقد يكون الخ. (3) في الكافي: إلى دار الايمان. (4) في الكافي: ولا يخرجه إلى الكفر الا الجحود والاستحلال أن يقول للحلال اه‍

[ 33 ]

وإقرارهم به ظاهرا وتخلية النفس قبل ذلك لطلب الحق عن العصبية والعناد، وعما يوجب الحرمان عن الحق من تقليد أهل الفساد، وهذا هو المراد بالاختيار من الاكتساب. ثم بين عليه السلام أن لتوفيق الله وخذلانه أيضا مدخلا في ذلك الاكتساب أيضا كما سيأتي تحقيقه ; ولعل المنع من إطلاق الخلق على القرآن إما للتقية مماشاة مع العامة، أو لكونه موهما لمعنى آخر أطلق الكفار عليه بهذا المعنى فقالوا: إن هذا إلا اختلاق، كما أشار إليه الصدوق رحمه الله. (1) قوله: معروف ولا مجهول أي لم يكن مع الله شئ يعرفه الخلق أو يجهلونه. 40 – يد: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن محمد البرقي، عن أبي شعيب المحاملي، (2) عن أبي سليمان الجمال، (3) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن شئ من الاستطاعة فقال: ليست الاستطاعة من كلامي ولا من كلام آبائي. ” ص 354 – 355 ” قال الصدوق رحمه الله: يعني بذلك أنه ليس من كلامي ولا من كلام آبائي أن يقول لله عزوجل: إنه مستطيع كما قال الذين كانوا على عهد عيسى عليه السلام: ” هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء “. بيان: لعل منعه عن إطلاق الاستطاعة فيه تعالى لكونه استفعالا من الطاعة فلا يليق إطلاقه بجنابه تعالى، أو لان الاستطاعة إنما تطلق على القدرة المتفرعة على حصول الآلات والادوات، (4) والله تعالى منزه عن ذلك، وسيأتى تحقيق معنى الخبر.


(1) بل الحق أن الكلام هو اللفظ لا بما انه صوت بل بما أنه دال على المعنى أي المعنى المدلول عليه بما أنه مرتبط بالصوت الذى هو كيف مسموع، وهذا معنى اعتباري لا يتعلق به الجعل وهذا بخلاف الحدوث ; ولتفصيل الكلام محل آخر. ط (2) هو صالح بن خالد الكوفى، من رجال أبى الحسن موسى عليه السلام مولى على بن الحكم بن الزبير الانباري، له كتاب، وثقه النجاشي في باب الكنى من رجاله. (3) لم نجد ذكره في التراجم. وفى المصدر: ابو سلمان. (4) هذا وما ذكره الصدوق رحمه الله من عجيب التأويل. وظاهر الرواية أن المراد بالاستطاعة قول دائر بين الناس وليس إلا ما كان دائرا بين المعتزلة يومئذ من القول بالاستطاعة وهو استناد الفعل إلى قدرة العبد واستطاعته من غير ان يكون لله سبحانه فيه صنع. ويمكن ان يكون اشارة إلى مسألة تحقق الاستطاعة قبل الفعل الذى نفتها الاشاعرة ويكون الخبر واردا على التقية. ط

[ 34 ]

41 – يد: أبى وابن الوليد معا، عن سعد، عن ابن عيسى، عن الحسن بن فضال، عن أبي جميلة، (1) عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: ” وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ” قال: وهم مستطيعون، يستطيعون الاخذ بما أمروا به، والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا، قال: وسألته عن رجل مات وترك مائة ألف درهم ولم يحج حتى مات، هل كان يستطيع الحج ؟ قال: نعم إنما استغنى عنه بماله وصحته. ” ص 355 – 356 ” بيان: ليس ” عنه ” في بعض النسخ وهو أظهر، ومع وجوده يحتمل أن يكون ” عن ” بمعنى ” اللام ” كما قيل في قوله تعالى: ” إلا عن موعدة ” ويحتمل أن يكون الاستغناء عنه كناية عن الترك، والباء بمعنى ” مع ” أي تركه مع وجود ماله وصحته. 42 – يد: بهذا الاسناد، عن ابن عيسى، عن علي بن حديد، عن جميل، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل ” ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ” قال: صارت أصلابهم كصياصي البقر – يعنى قرونها – ” وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ” قال: (2) وهم سالمون، وهم مستطيعون. ” ص 356 ” 43 – يد: بهذا الاسناد، عن ابن عيسى، عن محمد البرقي، عن محمد بن يحيى الصيرفي عن صباح الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سأله زرارة – وأنا حاضر – فقال: أفرأيت ما افترض الله علينا في كتابه وما نهانا عنه ؟ جعلنا مستطيعين لما افترض علينا، مستطيعين لترك ما نهانا عنه ؟ فقال: نعم. ” ص 357 ” 44 – يد: بهذا الاسناد، عن ابن عيسى، عن سعيد بن جناح، عن عوف بن عبد الله الازدي، عن عمه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاستطاعة، فقال: وقد فعلوا ؟ فقلت: نعم زعموا أنها لا تكون إلا عند الفعل وإرادة في حال الفعل (3) لا قبله، فقال: أشرك القوم. ” ص 360 “


(1) هو المفضل بن صالح الاسدي النخاس ضعيف. (2) في المصدر: قال: وهم مستطيعون. م (3) في التوحيد المطبوع: واردة في حال الفعل.

[ 35 ]

بيان: قوله عليه السلام: وقد فعلوا أي نفوا الاستطاعة أيضا بعد ما نفوا سائر ضروريات الدين ; أو المعنى أنهم فعلوا الفعل باختيارهم فكيف لا يستطيعون. 45 – يد: بهذا الاسناد عن ابن عيسى، عن علي بن عبد الله، عن ابن أبي عمير، عن أبي الحسن الحذاء، (1) عن المعلى بن خنيس قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام ما يعنى بقوله عزوجل: ” وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ” ؟ قال: وهم مستطيعون. ” ص 361 – 362 ” 46 – يد: ابن الوليد، عن سعد، عن ابن عيسى، ومحمد بن عبد الحميد، وابن أبي الخطاب جميعا عن البزنطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يكون العبد فاعلا ولا متحركا إلا والاستطاعة معه من الله عزوجل، وإنما وقع التكليف من الله عزوجل بعد الاستطاعة فلا يكون مكلفا للفعل إلا مستطيعا. ” ص 262 ” 47 – يد: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، عن أحمد بن الفضل، (2) عن منصور بن عبد الله، (3) عن علي بن عبد الله، عن ابن أبي الخطاب، عن محمد بن أبي الحسين، (4) عن سهل المصيصي، (5) عنه عليه السلام مثله. ” ص 355 ” 48 – يد: أبى، عن سعد، (6) عن ابن بزيع، عن ابن أبي عمير، عمن رواه من أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: لا يكون العبد فاعلا إلا وهو مستطيع وقد يكون مستطيعا غير فاعل، ولا يكون فاعلا أبدا حتى يكون معه الاستطاعة. ” ص 360 ” 49 – يد: أبي وابن الوليد معا، عن سعد، عن ابن عيسى، عن علي بن عبد الله


(1) لم نعرف اسمه ولا حاله. وفى بعض النسخ: ” الخزاعى ” بدل ” الحذاء “. (2) في التوحيد: أحمد بن الفضل بن المغيرة. أقول: لم نجد له ذكرا في الرجال. (3) في التوحيد: منصور بن عبد الله بن ابراهيم الاصفهانى،. أقول: هو كسابقه. (4) ((: محمد بن أبي الحسين القريضى. أقول هو أيضا كسابقه. (5) ((: سهل (بن خ ل) أبى محمد المصيصى. أقول: هو أيضا كسابقه. (6) ((: أبى، عن سعد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير.

[ 36 ]

عن أحمد بن محمد البرقي، (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: ” و سيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ” قال: أكذبهم الله في قولهم: لو استطعنا لخرجنا معكم، وقد كانوا مستطيعين للخروج. ” ص 361 ” 50 – يد: بهذا الاسناد، عن ابن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة، عن عبد الاعلى بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه الآية ” لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ” أنهم كانوا يستطيعون للخروج، وقد كان في العلم أنه لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لفعلوا. ” ص 361 ” 51 – يد: أبى وابن الوليد، عن سعد والحميري، هما عن ابن عيسى، عن الحسن ابن علي بن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أمر العباد إلا بدون سعتهم، فكل شئ أمر الناس بأخذه فهم متسعون له وما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم، ولكن الناس لا خير فيهم. ” ص 358 ” 52 – يد: ابن الوليد، عن ابن أبان، عن الحسين بن سعيد، (2) عن عبيد بن زرارة، عن حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاستطاعة فلم يجبني، فدخلت عليه دخلة اخرى فقلت: أصلحك الله إنه قد وقع في قلبي منها شئ لا يخرجه إلا شئ أسمعه منك ; قال: فإنه لا يضرك ما كان في قلبك ; قلت: أصلك الله فإني أقول: إن الله تعالى لم يكلف العباد إلا ما يستطيعون وإلا ما يطيقون، فإنهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلا بإرادة الله ومشيته وقضائه وقدره، قال: هذا دين الله الذي أنا عليه و آبائي ; أو كما قال. ” ص 357 “


(1) لا يعرف الرجل في أصحاب الصادق عليه السلام. (2) أقول: أخرج الحديث ثقه الاسلام في باب الاستطاعة من كتابه الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن بعض أصحابنا، عن عبيد بن زرارة. والظاهر أنه الصحيح لبعد رواية الحسين بن سعيد عن عبيد بن زرارة بلا واسطة.

[ 37 ]

قال الصدوق رحمه الله: مشية الله وإرادته في الطاعات الامر بها، وفي المعاصي النهي عنها والمنع منها بالزجر والتحذير. 53 – يد: العطار، عن أبيه، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن ابن بكير عن حمزة بن حمران قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إن لنا كلاما نتكلم به، قال: هاته ; قلت: نقول: إن الله عزوجل أمر ونهى وكتب الآجال والآثار لكل نفس بما قدر لها وأراد وجعل فيهم من الاستطاعة لطاعته ما يعملون به ما أمرهم به وما نهاهم عنه، فإذا تركوا ذلك إلى غيره كانوا محجوجين بما صير فيهم من الاستطاعة والقوة لطاعته، فقال: هذا هو الحق إذا لم تعده إلى غيره. ” ص 357 – 358 ” 54 – يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن أسباط قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الاستطاعة، فقال: يستطيع العبد بعد أربع خصال: أن يكون مخلى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح، له سبب وارد من الله عزوجل قال: قلت: جعلت فداك فسرها لي، قال: أن يكون العبد مخلى السرب، صحيح الجسم سليم الجوارح، يريد أن يزني فلا يجد امرأة ثم يجدها، فإما أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف عليه السلام، أو يخلى بينه وبين إرادته فيزني فيسمى زانيا، ولم يطع الله بإكراه، ولم يعص بغلبة. ” ص 358 – 359 ” بيان: السبب الوارد من الله هو العصمة أو التخلية. 55 – يد: ابن الوليد، عن ابن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عز و جل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى الاخذ به، وما نهاهم عنه فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونون فيه آخذين ولا تاركين إلا باذن الله عزوجل. قال (1) الصدوق رحمه الله: يعني بعلمه. ” ص 359 “


(1) ليست في النسخ الثلاثة المبطوعة من التوحيد جملة ” قال الصدوق ” ولعل العلامة المجلسي استظهر ان جملة ” يعنى بعلمه ” من الصدوق رحمه الله. م

[ 38 ]

56 – يد: بهذا الاسناد، عن الحسين، عن فضالة، عن أبان، عن حمزة بن محمد الطيار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: ” وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ” قال: مستطيعون يستطيعون الاخذ بما أمروا به، والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا، ثم قال: ليس شئ مما أمروا به ونهوا عنه إلا ومن الله عزوجل فيه ابتلاء وقضاء. ” ص 359 ” سن: ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي مثله. (1) ” ص 279 ” 57 – يد: أبي، عن سعد، (2) عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام ابن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما كلف الله العباد كلفة فعل، ولا نهاهم عن شئ حتى جعل لهم الاستطاعة، ثم أمرهم ونهاهم فلا يكون العبد آخذا ولا تاركا إلا باستطاعة متقدمة قبل الامر والنهي، وقبل الاخذ والترك، وقبل القبض والبسط. ” ص 362 ” 58 – يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يكون من العبد قبض ولا بسط إلا باستطاعة متقدمة للقبض والبسط. ” ص 362 ” 59 – يد: أبي، عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن المحاملي، وصفوان بن يحيى معا، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول – وعنده قوم يتناظرون في الافاعيل والحركات – فقال: الاستطاعة قبل الفعل، لم يأمر الله عزوجل بقبض ولا بسط إلا والعبد لذلك مستطيع. ” ص 362 – 363 “


(1) وزاد في الماسن بعد قوله عليه السلام: ولذلك ابتلوا: وقال ليس في العبد قبض ولا بسط مما امر الله به أو نهى عنه الا ومن الله فيه ابتلاء وقضاء. م (2) في التوحيد المطبوع: سعد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن سعيد. وهو الصحيح لان سعد لا يروى عن الحسن أو الحسين إلا بواسطة وهى أحمد بن محمد بن عيسى، نص على ذلك الكاظمي في المشتركات، وأما الحسين بن سعيد فهو شريك أخيه الحسن في روايته ومشايخه إلا في زرعة بن محمد وفضالة بن أيوب، فان الحسين يروى عنهما بواسطة أخيه الحسن، فعلى ذلك يصح أن يكون ما في السند الحسين أو الحسن كما في التوحيد المطبوع.

[ 39 ]

60 – يد: أبي، عن سعد، عن ابن يزيد، عن مروك بن عبيد، (1) عن عمر ورجل من أصحابنا، عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال له: إن لي أهل بيت قدرية يقولون: نستطيع أن نعمل كذا وكذا، ونستطيع أن لا نعمل ; قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: قل له: هل تستطيع أن لا تذكر ما تكره وأن لا تنسى ما تحب ؟ فإن قال: لا فقد ترك قوله، وإن قال: نعم فلا تكلمه أبدا فقد ادعى الربوبية. ” ص 363 ” 61 – يد: أبي، عن سعد، عن صالح بن أبي حماد، (2) عن أبي خالد السجستاني، (3) عن علي بن يقطين، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام بجماعة بالكوفة وهم يختصمون بالقدر، (4) فقال لمتكلمهم: أبالله تستطيع ؟ أم مع الله ؟ أم من دون الله تستطيع ؟ فلم يدر ما يرد عليه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن زعمت أنك بالله تستطيع فليس إليك (5) من الامر شئ، وإن زعمت أنك مع الله تستطيع فقد زعمت أنك شريك معه في ملكه، وإن زعمت أنك من دون الله تستطيع فقد ادعيت الربوبية من دون الله تعالى ; فقال: يا أمير المؤمنين لا بل بالله أستطيع، فقال: أما إنك لو قلت غير هذا لضربت عنقك. (6) ” ص 363 – 364 “


(1) بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو هو صالح بن عبيد بن زياد أبي حفصة. (2) أبي النخير الرازي، واسم أبى حماد سلمة، قال النجاشي ; وكان أمره ملبسا، يعرف و ينكر، له كتب: منها كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام وكتاب نوادر. (3) لم نقف على اسمه إلا أن الفاضل المامقانى قال: لا يبعد أن اسمه سالم بن سلمة الكندى السجستاني، ولكني لم أقف على من كناه بأبى خالد. م (4) في نسخة من التوحيد: في القدر. م (5) في المصدر: فليس لك. (6) لا ريب ان اسباب الفعل والالات والقوى كلها من الله ولا خلاف فيه من معتزلي ولا أشعرى ولا إمامى وانما الكلام في أن استطاعة الفعل هل هي قبل الفعل أو معه ؟ الثاني للاشعري وغيره لغيرهم. ثم اختلف في الاستطاعة قبل الفعل هل العبد مستقل بها بحيث يتصرف في الاسباب وآلات الفعل من غير ان يرتبط شئ من تصرفه بالله أم لله فيه صنع بحيث ان القدرة لله مضافة إلى سائر الاسباب وإنما يقدر العبد بتمليك الله إياه شيئا منها ؟ المعتزلة على الاول والمتحصل من أخبار أهلالبيت عليهم السلام هو الثاني، إذا عرفت ذلك ظهر لك ما في تفسير المصنف رحمه الله لمعنى الحديث فقد أوله تأويلا عجيبا مع أن الروايات صريحة في خلافه. ط

[ 40 ]

بيان: لعله أراد عليه السلام بقوله: بالله تستطيع أن الله يجبره على الفعل، فلذا قال: فليس إليك من الامر شئ، ولما نفى المتكلم الثلاثة وقال: بالله أستطيع علم أن مراده أني مستطيع قادر بما ملكني الله من الاسباب والآلات، فلذا لم يرد عليه السلام كلامه و قبل منه، ويحتمل على بعد أن يكون اختار الشق الاول، فقوله عليه السلام: ليس إليك من الامر شئ أي لا تستقل في الفعل بأن تقدر على تحصيل جميع ما يتوقف عليه الفعل، والحاصل أنه لما كان قدريا تفويضيا قال عليه السلام: إن اخترت هذا فقد أقررت ببطلان ما تعتقده من استقلال العبد ولابد لك من اختياره. 62 – ن، يد: تميم القرشي، عن أبيه، عن أحمد بن علي، عن الهروي قال: سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قوله الله عزوجل: ” الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري و كانوا لا يستطيعون سمعا ” فقال: إن غطاء العين لا يمنع من الذكر، والذكر لا يرى بالعيون، ولكن الله شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بالعميان لانهم كانوا يستثقلون قول النبي صلى الله عليه وآله فيه، وكانوا لا يستطيعون سمعا، فقال المأمون: فرجت عني فرج الله عنك. ” ص 78 ص 364 ” 63 – ف: كتب الحسن البصري إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام: أما بعد فإنكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة، والاعلام النيرة الشاهرة، أو كسفينة نوح عليه السلام التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون، كتبت إليك يابن رسول الله عند اختلافنا في القدر، وحيرتنا في الاستطاعة، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك عليهم السلام، فإن من علم الله علمكم، وأنتم شهداء على الناس، والله الشاهد عليكم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم فأجابه الحسن عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم وصل إلي كتابك، ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذا ما أخبرتك، أما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره و شره أن الله يعلمه فقد كفر، ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر، إن الله لم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا، ولم يهمل العباد سدى من المملكة، (1) بل هو المالك لما ملكهم، و


(1) أهمله: تركه ولم يستعمله عمدا أو نسيانا. وسدى أي باطلا ومهملا.

[ 41 ]

القادر على ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييرا، ونهاهم تحذيرا، فإن ائتمروا للطاعة لم يجدوا عنها صادا، وإن انتهوا إلى المعصية فشاء أن يمن عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبرا، ولا الزموها كرها، بل من عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم، لا جبلا لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة، ولا جبرا لهم على ما نهاهم عنه، ولله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين. والسلام على من اتبع الهدى. ” ص 231 ” أقول: سيأتي في كتاب الاحتجاجات بسند آخر أبسط من هذا. 64 – سن: علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون، والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد. ” ص 296 ” 65 – سن: أبى، عن حماد، عن الحسين بن المختار، عن حمزة بن حمران قال: قلت له: إنا نقول: إن الله لم يكلف العباد إلا ما آتاهم، وكل شئ لا يطيقونه فهو عنهم موضوع، ولا يكون إلا ما شاء الله وقضى وقدر وأراد ; فقال: والله إن هذا لديني ودين آبائي. (1) ” ص 296 ” 66 – سن: علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما كلف الله العباد إلا ما يطيقون، وإنما كلفهم في اليوم والليلة خمس صلوات، وكلفهم من كل مائتي درهم خمسة دراهم، وكلفهم صيام شهر رمضان في السنة، وكلفهم حجة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك، وإنما كلفهم دون ما يطيقون ونحو هذا ” ص 296 ” 67 – سن: أبي، عن العباس بن عامر، عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن عبد الرحيم القصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله حفص الاعور – وأنا أسمع -: جعلني الله فداك قول الله: (2) ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” قال: ذلك القوة في المال أو اليسار، قال: فإن كانوا موسرين فهم ممن يستطيع إليه السبيل ؟ قال: نعم، فقال له


(1) تقدم الحديث عن التوحيد تحت رقم 52 وفيه زيادة. (2) في المصدر: فقال جعلني الله فداك ما قول الله. م

[ 42 ]

ابن سيابة: بلغنا عن أبي جعفر عليه السلام أنه كان يقول: يكتب وفد الحاج ; فقطع كلامه فقال: كان أبي يقول: يكتبون في الليلة التي قال الله: ” فيها يفرق كل أمر حكيم ” قال: فإن لم يكتب في تلك الليلة يستطيع الحج ؟ قال: لا معاذ الله، فتكلم حفص (1) فقال: لست من خصومتكم في شئ، هكذا الامر. ” ص 295 – 296 ” 68 – ضا: أروي أن رجلا سأل العالم عليه السلام فقال: يا بن رسول الله أليس أنا مستطيع لما كلفت ؟ فقال له عليه السلام: ما الاستطاعة عندك ؟ قال: القوة على العمل، قال له عليه السلام: قد أعطيت القوة إن أعطيت المعونة، قال له الرجل: فما المعونة ؟ قال: التوفيق ; قال: فلم إعطاء التوفيق ؟ قال: لو كنت موفقا كنت عاملا، وقد يكون الكافر أقوى منك ولا يعطى التوفيق فلا يكون عاملا. ثم قال عليه السلام: أخبرني عنك من خلق فيك القوة ؟ قال الرجل: الله تبارك وتعالى، قال العالم: هل تستطيع بتلك القوة دفع الضر عن نفسك وأخذ النفع إليها بغير العون من الله تبارك وتعالى ؟ قال: لا، قال: فلم تنتحل ما لا تقدر عليه ؟ ! ثم قال: أين أنت عن قول العبد الصالح: (2) ” وما توفيقي إلا بالله “. 69 – وأروي أن رجلا سأله عن الاستطاعة، فقال: أتستطيع أن تعمل ما لم يكن ؟ قال: لا، قال: أتستطيع أن تنتهي عما يكون ؟ قال: لا، قال: ففيما أنت مستطيع ؟ قال الرجل: لا أدري ! فقال العالم عليه السلام: إن الله عزوجل خلق خلقا فجعل فيهم آلة الفعل، ثم لم يفوض إليهم، فهم مستطيعون للفعل في وقت الفعل مع الفعل. قال له الرجل: فالعباد مجبورون ؟ فقال: لو كانوا مجبورين كانوا معذورين. قال الرجل: ففوض إليهم ؟ قال: لا. قال: فما هو ؟ قال العالم عليه السلام: علم منهم فعلا فجعل فيهم آلة الفعل، فإذا فعلوا كانوا مستطيعين. (3)


(1) في المصدر: حفص بن سالم. م (2) أي شعيب على نبينا وآله وعليه السلام حيث قال: ” إن اريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه انيب ” هود: 88. (3) أقول: أخرج الكليني قدس الله روحه الحديث في باب الاستطاعة عن كتابه الكافي، عن محمد بن يحيى وعلى بن ابراهيم جميعا، عن أحمد بن محمد، عن على بن الحكم، وعبد الله ابن يزيد جميعا، عن رجل من أهل البصرة، عن أبي عبد الله عليه السلام. وفيه زيادة على ما في الكتاب فليراجعه. (*)

[ 43 ]

بيان: ما ورد في هذا الخبر من عدم تقدم الاستطاعة على الفعل موافقا لاخبار أوردها الكليني في ذلك يحتمل وجوها: الاول: التقية لموافقته لما ذهب إليه الاشاعرة من أن للعبد قدرة وكسبا، مقارنة للفعل، غير مؤثرة فيه، ولمخالفته لما سبق من الاخبار الكثيرة الدالة على تقدم الاستطاعة وأن من لا يقول به فهو مشرك. الثاني: أن يكون المراد بالاستطاعة في أمثال هذا الخبر الاستقلال بالفعل، بحيث لا يمكن أن يمنعه عنه مانع، ولا يكون هذا إلا في حال الفعل إذ يمكن قبل الفعل أن يزيله الله عن الفعل ولو بإعدامه وإزالة عقله، أو شئ آخر مما يتوقف عليه الفعل. الثالث: أن يكون المعنى أن في حال الفعل يظهر الاستطاعة ويعلم أنه كان مستطيعا قبله، بأن أذن الله له في الفعل، كما ورد أن بعد القضاء لا بداء ; والاول أظهر. جا: علي بن مالك النحوي، عن محمد بن الفضل، عن محمد بن أحمد الكاتب، عن يموت بن المزرع، عن عيسى بن إسماعيل، عن الاصمعي، عن عيسى بن عمر قال: كان ذو الرمة الشاعر (1) يذهب إلى النفي في الافعال، وكان رؤبة بن العجاج (2) إلى الاثبات فيها، فاجتمعا في يوم من أيامهما عند بال بن أبي بردة – وهو والي البصرة – وبلال يعرف ما بينهما من الخلاف، فحضهما على المناظرة فقال رؤبة: والله ما يفحص طائر افحوصا ولا يقرمص سبع قرموصا إلا كان ذلك بقضاء الله وقدره، فقال له ذو الرمة: والله ما أذن الله للذئب أن يأخذ حلوبة عالة عيايل ضرايك، فقال له رؤبة: أفبمشيته أخذها ؟ أم بمشية الله ؟ فقال ذو الرمة: بل بمشيته وإرادته، فقال رؤبة: هذا والله الكذب على الذئب ! فقال ذو الرمة: والله الكذب على الذئب أهون من الكذب على


(1) اسمه غيلان بن عقبة، وكنيته أبو الحارث، أورد ذكره وأخباره ومن أشعاره أبو الفرج في الاغانى ج 16 ص 110 توفى في خلافة هشام بن عبد الملك وله أربعون سنة. (2) واسم العجاج عبد الله بن رؤبة، يتصل نسبه بزيد بن مناة الراجز المشهور من مخضرمي الدولتين ومن اعراب البصرة، سمع أبى هريرة والنسابة البكري، وعداده في التابعين، روى عنه معمر بن المثنى والنضر بن شميل، مات في زمن المنصور سنة 145 قاله ياقوت في ارشاد الاريب ج 4 ص 214.

[ 44 ]

رب الذئب فقال: وأنشدني أبو الحسن علي بن مالك النحوي في أثر هذا الحديث لمحمود الوراق: أعاذل لم آت الذنوب على جهل * ولا أنها من فعل غيري ولا فعلي ولا جرأة مني على الله جئتها * ولا أن جهلي لا يحيط به عقلي ولكن بحسن الظن مني بعفو من * تفرد بالصنع الجميل وبالفضل فإن صدق الظن الذي قد ظننته * ففي فضله ما صدق الظن من مثلي وإن نالني منه العقاب فإنما * أتيت من الانصاف في الحكم والعدل ” ص 62 – 63 ” أقول: روى السيد المرتضي في الغرر هذ الخبر بسند آخر عن أبي عبدة. بيان: قال الجزري: أفحوص القطاة: موضعها الذي تجثم فيه (1) وتبيض كأنها تفحص عنه التراب أي تكشفه، والفحص: البحث والكشف. وقال: في مناظرة ذي الرمة ورؤبة: ما تقرمص سبع قرموصا إلا بقضاء ; القرموص: حفرة يحفرها الرجل يكتن فيها من البرد، يأوي إليها الصيد، وهى واسعة الجوف ضيقة الرأس، وقرمص وتقرمص: إذا دخلها، وتقرمص السبع: إذا دخلها للاصطياد. وقال: في قصة ذي الرمة ورؤبة: عالة ضرائك الضرائك جمع ضريك، وهو الفقير سئ الحال، وقيل: الهزيل. وقال السيد في الغرر: العيايل جمع عيل، وهو ذو العيال، والضرائك جمع ضريك وهو الفقير. وفي رواية السيد: هذا كذب على الذئب ثان، فالمعنى أنه كذب ثان على الذئب بعدما كذب عليه في قصة يوسف. 70 – كش: حمدويه وابراهيم ابنا نصير، عن العبيدي، عن هشام بن إبراهيم المشرقي قال: قال لي أبو الحسن الخراساني (2): كيف تقولون في الاستطاعة بعد يونس ؟ فذهب فيها مذهب زرارة (3) ومذهب زرارة هو الخطأ ; فقلت: لا ولكنه – بأبي أنت وأمي –


(1) تجثم الطائر أو الحيوان: تلبد بالارض وأقام فيه. (2) في المصدر: أبو الحسن الخراساني عليه السلام. والظاهر انه هو الرضا عليه السلام. م (3) في الكشى المطبوع: تذهب فيها مذهب زرارة ؟.

[ 45 ]

ما يقول زرارة في الاستطاعة، وقول زرارة هم قدر، (1) ونحن منه برآء، وليس من دين آبائك، قال: فبأي شئ تقولون ؟ قلت: بقول أبي عبد الله عليهم السلام وسئل عن قول الله عزوجل: ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” ما استطاعته ؟ قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: صحته وماله، فنحن بقول أبي عبد الله عليه السلام نأخذ، قال: صدق أبو عبد الله عليه السلام هذا هو الحق (2) ” ص 96 – 97 “. بيان: قوله: ما يقول زرارة في الاستطاعة وقول زرارة فيمن قدر كذا في بعض النسخ، فلعل المعنى أن زرارة لا يقول بالاستطاعة، بل إنما يقول بها فيمن قدر على الفعل بإذنه وتوفيقه تعالى، ونحن من القول بالاستطاعة المحضة برآء، فكلمة ” ما ” نافية، ويحتمل أن يكون استفهاما للانكار والتحقير أي أي شئ قول زرارة فنقول به ؟ ثم بين أنه قوله بالاستطاعة فيمن قدر على الفعل، وفي أكثر النسخ ” هم قدر ” فيحتمل الوجه الثاني، ويكون قدر بضم القاف وتشديد الدال جمع قادر أي يقول: هم قادرون بالاستقلال. وفي بعض النسخ ” قذر ” بالذال المعجمة، وربما قرأ قوم زرارة، وقد يقرأ هيم قذر، والهيم بالكسر الابل العطاش، وأثر التصحيف والتحريف فيه ظاهر. 71 – كش: محمد بن قولويه، عن محمد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن زياد بن أبي الحلال قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إن زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئا فقبلنا منه وصدقناه وقد أحببت أن أعرضه عليك. فقال: هاته، فقلت: زعم أنه سألك عن قول الله عزوجل: ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” فقلت: من ملك زادا وراحلة ; فقال: كل من ملك زادا وراحلة فهو مستطيع للحج وإن لم يحج ؟ فقلت: نعم. فقال: ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت، كذب علي والله، كذب علي والله


(1) في الكشى: ما تقول في الاستطاعة، وقول زرارة فيمن قدر. (2) أقول: حمله الاصحاب وأمثاله مما ورد في ذم زرارة ونظرائه من أجلاء الاصحاب على التقية حفظا لهم وحقنا لدمائهم، ويدل على صحة هذا الحمل ما ورد من الروايات، من الاعتذار عن ذمهم مثل قول الصادق عليه السلام لعبد الله بن زرارة: اقرء منى على والدك السلام، وقل له انى انما أعيبك دفاعا منى عنك، فان الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لادخال اذى فيمن نحبه ونقربه، ويذمونه لمجتنا له، وقربه ودنوه منا. والحديث طويل فليراجعه.

[ 46 ]

لعن الله زرارة ! لعن الله زرارة ! إنما قال لي: من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج ؟ قلت: وقد وجب عليه، قال: فمستطيع هو ؟ قلت: لا حتى يؤذن له. قلت: فأخبر زرارة بذلك ؟ قال: نعم. قال زياد: فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبو عبد الله عليه السلام وسكت عن لعنه، قال: أما إنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم، و صاحبكم هذا ليس له بصيرة بكلام الرجال (1) ” ص 98 ” 72 – كش: محمد بن مسعود، عن محمد بن عيسى، عن حريز، قال: خرجت إلى فارس، وخرج معنا محمد الحلبي إلى مكة، فاتفق قدومنا جميعا إلى حنين، فسألت الحلبي فقلت له: أطرفنا بشئ. (2) قال: نعم جئتك بما تكره، قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما تقول في الاستطاعة ؟ فقال: ليس من ديني ولا من دين آبائي، فقلت: الآن ثلج عن صدري والله لا أعود لهم مريضا، ولا أشيع لم جنازة، ولا أعطيهم شيئا من زكاة مالي. قال: فاستوى أبو عبد الله عليه السلام جالسا وقال لي: كيف قلت ؟ فأعدت عليه الكلام، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كان أبي عليه السلام يقول: أولئك قوم حرم الله وجوههم على النار، فقلت: جعلت فداك وكيف قلت لي: ليس من ديني ولا من دين آبائى ؟ قال: إنما أعني بذلك قول زرارة وأشباهه. ” ص 100 “


(1) حكى عن ابن طاووس مناقشة في سند هذا الخبر بقوله: الذي يظهر أن الرواية غير متصلة لان محمد بن أبى القاسم كان معاصرا لابي جعفر محمد بن بابويه، ومات محمد بن بابويه سنة احدى وثمانين وثلاثمائة، ومات الصادق عليه السلام سنة مائة وثمان وأربعين، ويبعد أن يكون زياد بن أبى الحلال عاش من زمان الصادق عليه السلام حتى لقى محمد بن أبى القاسم معاصر أبى جعفر محمد بن بابويه، بل ذكر شيخنا في الرجال أن زياد بن أبى الحلال من رجال الباقر عليه السلام ومات الباقر عليه السلام سنة مائة وأربع عشرة، وهذا آكد في كون السند مقطوعا انتهى. أقول: المعروف المتكرر في الاسانيد رواية الصدوق عن محمد بن أبى القاسم بوساطة محمد بن على ماجيلويه أو غيره، ونجد روايته عنه بلا واسطة، ولكن مع ذلك رواية ابن أبى الحلال عنه بعيد جدا ; ويمكن أن يقال: ان المعاصرة أعم من الملاقاة ونقل الرواية عنه. قلت: هذا وان كان حقا إلا أن النجاشي صرح بأن محمد بن أبى القاسم هذا كان صهرا لاحمد بن أبى عبد الله البرقى الذى توفى سنة 274 أو 280 وهذا يبعد ادراك ابن بابويه عصره فتأمل، ومع هذا كله ما قرب ابن طاووس من انقطاع الحديث قوى جدا. (2) اطرف: أتى بالطرفة أي الحديث الجديد المستحسن.

[ 47 ]

بيان: قوله: لا أعود لهم مريضا أي للقائلين بالاستطاعة من الشيعة فعرف عليه السلام أن مراده مطلق القائلين بالاستطاعة، فرد عليه بأن ما نفيته هو ما ينسب إلى زرارة موافقا لمذهب التفويض، بل الحق الامر بين الامرين كما مر، وهذا هو معنى الخبر، لا ما حمله عليه الصدوق رحمه الله سابقا. 73 – يف: روى جماعة من علماء الاسلام، عن نبيهم صلى الله عليه وآله أنه قال: لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا ; قيل: ومن القدرية يا رسول الله ؟ فقال: قوم يزعمون أن الله سبحانه قدر عليهم المعاصي وعذبهم عليها. ” ص 97 – 98 ” 74 – وروى صاحب الفائق وغيره من علماء الاسلام، عن محمد بن علي المكي بإسناده قال: إن رجلا قدم على النبي صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أخبرني بأعجب شئ رأيت، قال رأيت قوما ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم فإذا قيل لهم: لم تفعلون ذلك ؟ قالوا: قضاء الله تعالى علينا وقدره ; فقال النبي صلى الله عليه وآله: سيكون من أمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم، أولئك مجوس أمتي ” ص 98 ” 75 – وروى صاحب الفائق وغيره، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يكون في آخر الزمان قوم يعملون المعاصي، ويقولون: إن الله قد قدرها عليهم، الراد عليهم كشاهر سيفه في سبيل الله. ” ص 98 ” 76 – كش: محمد بن مسعود، عن عبد الله بن محمد بن خالد، عن الوشاء، عن ابن خداش، (1) عن علي بن إسماعيل، عن ربعي، عن الهيثم بن حفص العطار، عن حمزة ابن حمران قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: يقول زرارة: إن الله عزوجل لم يكلف العباد إلا ما يطيقون، وإنهم لم يعملوا إلا إن يشاء الله ويريد ويقضي، قال: هو والله الحق، ودخل علينا صاحب الزطي، فقال له: يا ميسر ألست على هذا ؟ قال: على أي شئ


(1) بكسر الخاء المعجمة كما في تقريب ابن حجر وضوابط الاسماء للطريحي رحمه الله، واسمه عبد الله بن خداش أبوخداش المهرى، قال النجاشي: ضعيف جدا وفى مذهبه ارتفاع انتهى. وحكى الكشى عن محمد بن مسعود أنه قال: قال أبو محمد عبد الله بن محمد بن خالد: أبوخداش عبد الله بن خداش المهرى – ومهر محلة بالبصرة – وهو ثقة.

[ 48 ]

أصلحك الله ؟ – أو جعلت فداك – قال: فأعاد هذا القول عليه كما قلت له، ثم قال: هذا والله ديني ودين آبائى (1) ” ص 97 – 98 ” 77 – كش: علي بن الحسين بن قتيبة، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الوليد بن صبيح قال: مررت في الروضة بالمدينة فإذا إنسان قد جذبني، فالتفت فإذا أنا بزرارة فقال لي: استأذن لي على صاحبك، قال: فخرجت من المسجد ودخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته الخبر، فضرب بيده على لحيته، ثم قال: لا تأذن له – ثلاثا – فإن زرارة يريدني على القدر على كبر السن، وليس من ديني ولا دين آبائي. ” ص 106 – 107 ” 78 – ما: الحسين بن إبراهيم القزويني، عن محمد بن وهبان، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن علي الزعفراني، عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: – في قول الله تعالى: ” وقالت اليهود يد الله مغلولة ” – فقال: كانوا يقولون: قد فرغ من الامر. 79 – يد: علي بن أحمد الاسواري، عن مكي بن أحمد البردعي، عن محمد بن القاسم بن عبد الرحمن، عن محمد بن أشرس، عن بشير بن الحكم، وإبراهيم بن أبي نصر، عن عبد الملك بن هارون، عن غياث بن المجيب، عن الحسن البصري، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال: سبق العلم، وجف القلم، وتم القضاء بتحقيق الكتاب وتصديق الرسالة، والسعادة من الله، والشقاوة من الله عزوجل، قال عبد الله بن عمر: إن رسول الله


(1) لم نجد الحديث بهذه الصورة في رجال الكشى، والموجود فيه هكذا: محمد بن مسعود، قال: حدثنى عبد الله بن محمد بن خالد، قال: حدثنى الوشاء، عن ابن خداش، عن على بن إسماعيل، عن ربعى، عن الهيثم بن حفص العطار قال: سمعت حمزة بن حمران يقول: – حين قدم من اليمن – لقيت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له: بلغني أنك لعنت عمى زرارة، قال فرفع يده حتى صك بها صدره، ثم قال: لا والله ما قلت، ولكنكم تأتون عنه بالفتيا فأقول: من قال هذا فأنا منه برئ ; قال: قلت: وأحكى لك ما تقول ؟ قال: نعم ; قال: قلت: إن الله عزوجل لم يكلف العباد إلا ما يطيقون إه‍ أقول: قوله: واحكى لك ما تقول لعله تصحيف ما يقول: أو ما نقول.

[ 49 ]

صلى الله عليه وآله كان يروي حديثه عن الله عزوجل، قال: قال الله: يا بن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي، وبعصمتي وعفوي وعافيتي أديت إلى فرائضي، فأنا أولى بإحسانك منك، وأنت أولى بذنبك مني، فالخير مني إليك بما أوليت بدا، والشر مني إليك ما جنيت جزاء، وبسوء ظنك بي قنطت من رحمتي، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان، ولي السبيل عليك بالعصيان، ولك الجزاء الحسنى عندي بالاحسان، لم أدع تحذيرك، ولم أخذل عند عزتك، ولم أكلفك فوق طاقتك، ولم أحملك من الامانة إلا ما قدرت عليه، رضيت منك لنفسي ما رضيت به لنفسك مني. قال عبد الملك: لن أعذبك إلا بما عملت. ” 351 – 352 ” بيان: قال الجزري: فيه جفت الاقلام، وطويت الصحف، يريد ما كتب في اللوح المحفوظ من المقادير والكائنات والفراغ منها تمثيلا بفراغ الكاتب من كتابته و يبس قلمه انتهى. قوله تعالى: بدأ كفعل أو كفعال أي ابتدأ من غير استحقاق، وفي بعض النسخ يدا أي نعمة. أقول: قول عبد الملك بن هارون في آخر الخبر تفسير للفقرة الاخيرة أي رضيت بسيبك، أو من الامور المتعلقة بك لنفسي، إن أعذبك كما رضيت لنفسك بفعل ما يوجبه فيرجع حاصله إلى أنه لن أعذبك إلا بما عملت. 80 – يد: تميم القرشي، عن أبيه، عن أحمد بن علي الانصاري، عن الهروي قال: سأل المأمون يوما علي بن موسى الرضا عليه السلام فقال له: يابن رسول الله ما معنى قول الله عزوجل ” ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إبإذن الله ” فقال الرضا عليه السلام: حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام أن المسلمين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله: لو أكرهت يارسول الله من قدرت عليه من الناس على الاسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا ; فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما كنت لالقى الله عزوجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا وما أنا من


[ 50 ]

المتكلفين. فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمد ” ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا ” على سبيل الالجاء والاضطرار في الدنيا، كما يومنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا لكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين، ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد، ” أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ” وأما قوله عزوجل: ” وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ” فليس ذلك على سبيل تحريم الايمان عليها، ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله، وإذنه أمره لها بالايمان، ما كانت مكلفة متعبدة وإلجاؤه إياها إلى الايمان عن زوال التكليف والتعبد عنها، فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك ” ص 352 – 353 ” بيان: قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: ” ولو شاء ربك “: (1) معناه الاخبار عن قدرة الله تعالى، وأنه يقدر على أن يكره الخلق على الايمان كما قال: ” إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ” (2) ولذلك قال بعد ذلك: ” أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ” ومعناه أنه لا ينبغي أن تريد إكراههم على الايمان، مع أنك لا تقدر عليه لان الله تعالى يقدر عليه ولا يريده لانه ينافي التكليف ; وقوله تعالى: ” وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ” معناه أنه لا يمكن أحدا أن يؤمن إلا بإطلاق الله له في الايمان، وتمكينه منه، ودعائه إليه بما خلق فيه من العقل الموجب لذلك ; وقيل: إن إذنه ههنا أمره كما قال: ” يا أيها الناس قد جائكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم ” (3) وقيل: إن إذنه ههنا علمه، أي لا تؤمن نفس إلا بعلم الله، من قولهم: أذنت لكذا: إذا سمعته وعلمته، وآذنته: أعلمته، فتكون خبرا عن علمه تعالى بجميع الكائنات، ويجوز أن يكون معناه إعلام الله تعالى المكلفين بفضل الايمان وما يدعوهم إلى فعله ويبعثهم عليه.


(1) يونس: 99. (2) الشعراء: 4. (3) النساء: 170.

[ 51 ]

81 – يد: أبي وابن الوليد معا، عن محمد العطار وأحمد بن إدريس، هما عن الاشعري، عن ابن هاشم، عن ابن معبد، عن درست، عن الفضيل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: شاء الله أن أكون مستطيعا لما لم يشأ أن أكون فاعله ; قال: وسمعته يقول: شاء وأراد ولم يحب ولم يرض، شاء أن لا يكون في ملكه شئ إلا بعلمه وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: ثالث ثلاثة، ولم يرض لعباده الكفر. ” ص 353 ” 82 – يد: ابن المتوكل، عن السعد آبادى، عن البرقي، عن أبيه، عن يونس، عن غير واحد، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: إن الله عزوجل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها، والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون، قال: فسئلا عليهما السلام: هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة ؟ قالا: نعم أوسع مما بين السماء والارض. ” ص 368 – 369 “. 83 – يد: الوراق، عن سعد عن إسماعيل بن سهل، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: فوض الله الامر إلى العباد ؟ قال: الله أكرم من أن يفوض إليهم ; قلت: فأجبر الله العباد على أفعالهم ؟ فقال: الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثم يعذبه عليه. ” ص 370 ” 84 – يد: أبي، عن سعد، عن ابن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزوجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى الاخذ به، وما نهاهم عنه من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله. (1) ” ص 368 ” 85 – يد: أبي، عن علي بن إبراهيم، عن اليقطيني، عن يونس، عن حفص بن قرط، (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول صلى الله عليه وآله: من زعم أن الله تعالى يأمر بالسوء


(1) تقدم مثله عن الامام موسى بن جعفر عليه السلام مع زيادة تحت رقم 32 وأورده الكليني رضى الله عنه في باب الجبر والقدر من الكافي باسناده عن ابراهيم بن عمر اليماني، وفى متنه نقصان. (2) بضم القاف وسكون الراء.(*)

[ 52 ]

والفحشاء فقد كذب على الله ومن زعم أن الخير والشر بغير مشية الله فقد أخرج الله من سلطانه، (1) ومن زعم أن المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله ومن كذب على الله أدخله الله النار. يعني بالخير والشر الصحة والمرض، وذلك قوله عزوجل: ونبلوكم بالشر والخير فتنة. ” ص 368 ” 86 – نهج: سئل عليه السلام عن التوحيد والعدل، فقال: التوحيد أن لا تتوهمه والعدل أن لا تتهمه. (2) 87 – يد: ابن الوليد، عن ابن متيل، (3) عن البرقي، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون، والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد. ” ص 369 ” 88 – ن، يد الفامي، عن الحميري، عن أبيه، عن ابن هاشم، عن ابن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: قلت له: يابن رسول الله إن الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر. لما روي من الاخبار في ذلك عن آبائك الائمة عليهم السلام، فقال: يابن خالد أخبرني عن الاخبار التي رويت عن آبائي عيلهم السلام في التشبيه والجبر أكثر أم الاخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وآله في ذلك ؟ فقلت: بل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في ذلك أكثر، قال عليه السلام: فليقولوا: إن رسول الله الله صلى الله عليه وآله كان يقول بالتشبيه والجبر إذا ; قلت له: إنهم يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقل من ذلك شيئا وإنما روي عليه ; قال عليه السلام: فليقولوا في آبائي عليهم السلام:


(1) فان من زعم استقلال الخلق وعدم قدرته تعالى على صرفهم عن أفعالهم وعدم مدخليته سبحانه في أعمالهم بوجه فقد أخرج الله من سلطانه وعزله عن التصرف في ملكه، قاله المصنف في المرآة. أقول: أورده الكليني في الكافي إلى قوله: ” أدخله الله النار ” والظاهر أن ما بعده من كلام الصدوق. (2) يأتي مصدرا عن الصادق عليه السلام تحت رقم 106. (3) بالميم المفتوحة، والتاء المشددة، قاله الطريحي في الضوابط، وحكى عن ابن داود أنه ضبطه بالميم المضمومة، وتضعيف التاء المفتوحة والياء المثناة من تحت، هو الحسن بن متيل، قال النجاشي: وجه من وجوه أصحابنا، كثير الحديث له كتاب نوادر.

[ 53 ]

إنهم لم يقولوا من ذلك شيئا وإنما روي عليهم. ثم قال عليه السلام: من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر ومشرك ونحن منه برآء في الدنيا والآخرة، يابن خالد إنما وضع الاخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله، فمن أحبهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا ومن والاهم فقد عادانا، ومن عاداهم فقد والانا، ومن وصلهم فقد قطعنا، ومن قطعهم فقد وصلنا، ومن جفاهم فقد برنا، ومن برهم فقد جفانا، ومن أكرمهم فقد أهاننا، ومن أهانهم فقد أكرمنا، ومن قبلهم فقد ردنا، ومن ردهم فقد قبلنا، ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا، ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا، ومن صدقهم فقد كذبنا، ومن كذبهم فقد صدقنا، ومن أعطاهم فقد حرمنا، ومن حرمهم فقد أعطانا. يا بن خالد من كان من شيعتنا فلا يتخذن منهم وليا ولا نصيرا. (1) ” ص 81 – 82 ص 372 – 373 ” 89 – يد: أبي، عن أحمد بن إدريس، عن الاشعري، عن أبي عبد الله الرازي، عن اللؤلؤي، عن ابن سنان، عن مهزم (2) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أخبرني عما اختلف فيه من خلفت من موالينا، قال: فقلت: في الجبر والتفويض، قال: فاسألني، قلت أجبر الله العباد على المعاصي ؟ قال: الله أقهر لهم من ذلك، قال: قلت: ففوض إليهم ؟ قال: الله أقدر عليهم من ذلك، قال: قلت: فأي شئ هذا أصلحك الله ؟ قال فقلب يده مرتين أو ثلاثا ثم قال: لو أجبتك فيه لكفرت. ” ص 271 – 272 ” بيان: قوله عليه السلام: الله أقهر لهم من ذلك لعل المعنى أن جبرهم على المعاصي ثم تعذيبهم عليها هو الظلم، والظلم فعل العاجزين، كما قال سيد الساجدين عليه السلام: إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف والله أقهر من ذلك. أو المعنى أنه تعالى لو أراد تعذيبهم ولم يمنعه عدله من ذلك لما احتاج إلى أن يكلفهم ثم يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها، فإن هذا تلبيس يفعله من لا يقدر على التعذيب ابتداءا، وهو أقهر لهم من ذلك، والظاهر أنه تصحيف أرأف أو نحوه ; وإنما امتنع عليه السلام عن بيان الامر بين الامرين


(1) تقدم الخبر في باب نفى التشبيه تحت رقم. (2) بفتح الميم أو كسرها وسكون الهاء وفتح الزاى المعجمة، وهو والد إبراهيم بن مهزم، لم نجد في التراجم ما يفيد وثاقته أو مدحه.

[ 54 ]

لانه كان يعلم أنه لا يدركه عقل السائل فيشك فيه أو يجحده فيكفر. 90 – ضا: سألت العالم عليه السلام: أجبر الله العباد على المعاصي ؟ فقال: الله أعدل من ذلك ; فقلت له: فمفوض إليهم ؟ فقال: هو أعز من ذلك، فقلت له: فصف لنا المنزلة بين المنزلتين، فقال: الجبر هو الكره، فالله تبارك وتعالى لم يكره على معصيته، وإنما الجبر أن يجبر الرجل على ما يكره وعلى ما لا يشتهي، كالرجل يغلب على أن يضرب أو يقطع يده، أو يؤخذ ماله، أو يغصب على حرمته، أو من كانت له قوة ومنعة فقهر، فأما من أتى إلى أمر طائعا محبا له يعطى عليه ما له لينال شهوته فليس ذلك بجبر، إنما الجبر من اكرهه عليه، أو اغضب حتى فعل ما لا يريد ولا يشتهيه، و ذلك أن الله تبارك وتعالى لم يجعل لهم هوى ولا شهوة ولا محبة ولا مشية إلا فيما علم أنه كان منهم، وإنما يجرون في علمه وقضائه وقدره على الذي في علمه وكتابه السابق فيهم قبل خلقهم، والذي علم أنه غير كائن منهم هو الذي لم يجعل لهم فيه شهوة ولا إرادة. 91 – وأروي عن العالم عليه السلام أنه قال: منزلة بين منزلتين في المعاصي وسائر الاشياء، فالله عزوجل الفاعل لها والقاضي والمقدر والمدبر. 92 – وقد أروي أنه قال: لا يكون المؤمن مؤمنا حقا حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. 93 – وأروي عن العالم عليه السلام أنه قال: مساكين القدرية أرادوا أن يصفوا الله عزوجل بعدله فأخرجوه من قدرته وسلطانه. 94 – وروي: لو أراد الله سبحانه أن لا يعصى ما خلق إبليس. 95 – وأروي أن رجلا سأل العالم عليه السلام: أكلف الله العباد ما لا يطيقون ؟ فقال: كلف الله جميع الخلق ما لا يطيقون إن لم يعنهم عليه، فإن أعانهم عليه أطاقوه، قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وآله: ” واصبر وما صبرك إلا بالله “. 96 – قلت: ورويت عن العالم عليه السلام أنه قال: القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد، فالروح بغير الجسد لا يتحرك ولا يرى، والجسد بغير الروح صورة لا خراك له


[ 55 ]

فإذا اجتمعا قويا وصلحا وحسنا وملحا، كذلك القدر والعمل، فلو لم يكن القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتم، ولكن باجتماعهما قويا وصلحا ولله فيه العون لعباده الصالحين. ثم تلا هذه الآية: ” ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم ” الآية، ثم قال عليه السلام: وجدت ابن آدم بين الله وبين الشيطان، فإن أحبه الله تقدست أسماؤه خلصه واستخلصه، (1) وإلا خلا بينه وبين عدوه. 97 – وقيل للعالم عليه السلام: إن بعض أصحابنا يقول بالجبر وبعضهم يقولون بالاستطاعة، قال: فأمر أن يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عزوجل: يابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء. وساق إلى آخر ما سيأتي في خبر البزنطي. (2) 98 – شى: عن الحسن (3) بن محمد الجمال، عن بعض أصحابنا قال: بعث عبد الملك ابن مروان إلى عامل المدينة أن وجه إلي محمد بن علي بن الحسين ولا تهيجه ولا تروعه، واقض له حوائجه، وقد كان ورد على عبد الملك رجل من القدرية فحضر جميع من كان بالشام فأعياهم جميعا، فقال: ما لهذا إلا محمد بن علي، فكتب إلى صاحب المدينة أن يحمل محمد بن علي إليه، فأتاه صاحب المدينة بكتابه، فقال أبو جعفر عليه السلام: إني شيخ كبير لا أقوى على الخروج، وهذا جعفر ابني يقوم مقامي فوجهه إليه، فلما قدم على الاموي أزراه لصغره، وكره أن يجمع بينه وبين القدري مخافة أن يغلبه، وتسامع الناس بالشام بقدوم جعفر لمخاصمة القدرية، فلما كان من الغد اجتمع الناس بخصومتهما، فقال الاموي لابي عبد الله عليه السلام إنه قد أعيانا أمر هذا القدري، وإنما كتبت إليه لاجمع بينه وبينه، فإنه لم يدع عندنا أحدا إلا خصمه، فقال: إن الله يكفيناه، قال: فلما اجتمعوا قال القدري لابي عبد الله عليه السلام: سل عما شئت فقال له: اقرأ سورة الحمد، قال: فقرأها، وقال الاموي وإنا معه ما في سورة الحمد غلبنا، إنا لله وإنا إليه راجعون قال: فجعل القدري


(1) بتوفيقه وتسديده وتأييده وعدم إيكاله على نفسه، وتوجيه الاسباب له نحو مطلوب الخير وإلا فتركه بحاله، ولم ينصره على عدوه، وهذا معنى التوفيق والخذلان، والهداية والاضلال. (2) الاتى تحت رقم 104. (3) في نسخة: الحسين.

[ 56 ]

يقرأ سورة الحمد حتى بلغ قول الله تبارك وتعالى: ” إياك نعبد وإياك نستعين ” فقال له جعفر: قف ; من تستعين ؟ وما حاجتك إلى المؤونة ؟ إن الامر إليك فبهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين. 99 – شى: عن صفوان بن يحيى، عن أبى الحسن عليه السلام قال: قال الله تبارك و تعالى: ابن آدم: بمشيتي كنت أنت الذي تشاء وتقول، وبقوتي أديت إلي فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي، ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذاك أني أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني، وذاك أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون. 100 – وفي رواية الحسن بن علي الوشاء، عن الرضا عليه السلام: وأنت أولى بسيئاتك مني، عملت المعاصي بقوتي التي جعلت فيك. 101 – شى: عن ابن مسكان، عمن رواه، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنك لتسأل من كلام أهل القدر وما هو من ديني ولا دين آبائى، ولا وجدت أحدا من أهل بيتي يقول به. 102 – شى: عن الحسن بن علي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: ويح هذه القدرية إنما يقرؤون هذه الآية: ” إلا امرأته قدرناها من الغابرين ” ويحهم من قدرها إلا الله تبارك وتعالى ؟. 103 – من كتاب مطالب السؤل لمحمد بن طلحة البيهقي، بإسناده عن الشافعي عن يحيى بن سليم، عن الامام جعفر بن محمد، عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، عن الجميع عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال يوما: أعجب ما في الانسان قلبه فيه مواد من الحكمة وأضداد لها من خلافها، فإن سنح له الرجاء ولهه الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الاسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن أسعد بالرضا نسي التحفظ، وإن ناله الخوف شغله الحزن، وإن أصابته مصيبة قصمه


[ 57 ]

الجزع، (1) وإن وجد مالا أطغاه الغنى، وإن عضته فاقة (2) شغله البلاء، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة، (3) فكل تقصير به مضر، و كل إفراط له مفسد. فقام إليه رجل ممن شهد وقعة الجمل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر، فقال: بحر عميق فلا تلجه ; فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر ; فقال: بيت مظلم فلا تدخله. فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر ; فقال: سر الله فلا تبحث عنه، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر، فقال: لما أبيت فإنه أمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض. فقال يا أمير المؤمنين إن فلانا يقول بالاستطاعة وهو حاضر، فقال علي عليه السلام: علي به، فأقاموه فلما رآه قال له: الاستطاعة تملكها مع الله أو من دون الله ؟ وإياك أن تقول واحدة منهما فترتد، فقال: وما أقول يا أمير المؤمنين ؟ قال: قل: أملكها بالله الذي أنشأ ملكتها. 104 – ب: ابن حكيم، عن البزنطي قال: قلت للرضا عليه السلام إن أصحابنا بعضهم يقول بالجبر، وبعضهم يقول بالاستطاعة، فقال لي: اكتب قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوتي أديت إلي فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعا بصيرا قويا، ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذلك أني أولى بحسناتك منك، وأنت ألى بسيئاتك مني، وذلك أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، فقد نظمت لك كل شئ تريد. (4) ” ص 155 ” يد، ن: أبي وابن الوليد، عن سعد، عن ابن عيسى، عن البزنطي مثله. ” ص 349 – 350 ص 83 “


(1) أي هلكه الجزع. (2) أي إن اشتدت عليه الفاقة. (3) كظ الطعام فلانا: ملاه حتى لا يطيق التنفس: وكظ الامر فلانا، غمه وكربه وبهظه ؟، والمناسب للحديث المعنى الثاني. (4) تقدم ذيل الخبر الواقع تحت رقم 3 ما يناسب هذا الخبر فراجعه.

[ 58 ]

105 – أعلام الدين للديلمي: روي أن طاووس اليماني (1) دخل على جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام وكان يعلم أنه يقول بالقدر، فقال له: يا طاووس من أقبل للعذر من الله ممن اعتذر وهو صادق في اعتذاره ؟ فقال له: لا أحد أقبل للعذر منه، فقال له: من أصدق ممن قال: لا أقدر وهو لا يقدر ؟ فقال طاووس: لا أحد أصدق منه، فقال الصادق عليه السلام له: يا طاووس فما بال من هو أقبل للعذر لا يقبل عذر من قال: لا أقدر وهو لا يقدر ؟ فقام طاووس وهو يقول: ليس بيني وبين الحق عداوة، الله أعلم حيث يجعل رسالته، فقد قبلت نصيحتك. 106 – وقال الصادق عليه السلام لهشام بن الحكم: ألا أعطيك جملة في العدل والتوحيد ؟ قال: بلي جعلت فداك، قال: من العدل أن لا تتهمه، ومن التوحيد أن لا تتوهمه. (2) 107 – يف: روى كثير من المسلمين عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام أنه قال يوما لبعض المجبرة: هل يكون أحد أقبل للعذر الصحيح من الله ؟ فقال: لا، فقال: فما تقول فيمن قال ما أقدر وهو لا يقدر ؟ أيكون معذورا أم لا ؟ فقال المجبر: يكون معذورا، قال له: فإذا كان الله يعلم من عباده أنهم ما قدروا على طاعته وقال لسان حالهم أو مقالهم يوم القيامة: يا رب ما قدرنا على طاعتك لانك منعتنا منها أما يكون قولهم وعذرهم صحيحا على قول المجبرة ؟ فقال: بلى والله فقال: فيجب على قولك أن الله يقبل هذا العذر الصحيح ولا يؤاخذ أحدا أبدا وهذا خلاف قول أهل الملل كلهم. فتاب المجبر من قوله بالجبر في الحال. ” ص 95 ” 108 – يف: روي أن الحجاج بن يوسف كتب إلى الحسن البصري وإلى عمرو ابن عبيد وإلى واصل بن عطا وإلى عامر الشعبي أن يذكروا ما عندهم وما وصل إليهم


(1) هو طاووس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسى، يقال: اسمه ذكوان وطاووس لقب، مات سنة 106 وقيل بعد ذلك، قاله ابن حجر في ص 241 من التقريب ووثقه وقال: فقيه فاضل من الثالثة انتهى. أقول: أورده الشيخ أبو جعفر الطوسي في رجاله في أصحاب السجاد عليه السلام، ويستفاد من بعض الاخبار كونه محبا للامام السجاد عليه السلام، ومن بعض آخر كونه متعنتا ممتحنا للباقر عليه السلام، وسيوافيك ذلك في كتاب الاحتجاجات، والمسلم أن الرجل من العامة وزهادهم. (2) مأخوذ مما تقدم تحت رقم 86 من كلام علي عليه السلام.

[ 59 ]

في القضاء والقدر، فكتب إليه الحسن البصري: إن أحسن ما انتهى إلى ما سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: أتظن أن الذي نهاك دهاك ؟ وإنما دهاك أسفلك وأعلاك، والله برئ من ذاك. وكتب إليه عمرو بن عبيد: أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: لو كان الزور (1) في الاصل محتوما كان المزور في القصاص مظلوما. وكتب إليه واصل بن عطا: أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أيدلك على الطريق ويأخذ عليك المضيق ؟. وكتب إليه الشعبي أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: كل ما استغفرت الله منه فهو منك، وكل ما حمدت الله عليه فهو منه. فلما وصلت كتبهم إلى الحجاج ووقف عليها قال: لقد أخذوها من عين صافية. ” ص 95 ” أقول: روى الكراجكي مثله. وفيه: من وسع عليك الطريق لم يأخذ عليك المضيق وفي القاموس: دهاه: أصابه بداهية، وهي الامر العظيم. ” ص 170 ” 109 – يف: روي أن رجلا سأل جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن القضاء والقدر فقال: ما استطعت أن تلوم العبد عليه فهو منه، وما لم تستطع أن تلوم العبد عليه فهو من فعل الله، يقول الله تعالى للعبد: لم عصيت ؟ لم فسقت ؟ لم شربت الخمر ؟ لم زنيت ؟ فهذا فعل العبد ; ولا يقول له: لم مرضت ؟ لم قصرت ؟ لم ابيضضت ؟ لم اسوددت ؟ لانه من فعل الله تعالى. 110 – يف: روي أن الفضل بن سهل سأل الرضا عليه السلام بين يدي المأمون فقال: يا أبا الحسن الخلق مجبورون ؟ فقال: الله أعدل من أن يجبر خلقه ثم يعذبهم، قال: فمطلقون ؟ قال: الله أحكم من أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه. يف: ومن الحكايات ما روي أن بعض أهل العدل وقف على جماعة من المجبرة، فقال لهم: أنا ما أعرف المجادلة والاطالة لكني أسمع في القرآن قوله تعالى: ” كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ” ومفهوم هذا الكلام عند كل عاقل أن الموقد للنار غير الله، وأن المطفئ للنار هو الله، وكيف تقبل العقول أن الكل منه ؟ وأن


(1) في المصدر: لو كان الوزر في الاصل محتوما اه‍. م

[ 60 ]

الموقد للنار هو المطفئ لها ؟ فانقطعوا ولم يردوا جوابا. ” ص 97 ” ومن الحكايات أن جماعة من اليهود اجتمعوا إلى أبي بحر الخاقاني فقالوا له: ما معناه أنت سلطان عادل منصف، ومن المسلمين في بلدك المجبرة وهم الذين يعولون عليهم في الاقوال والافعال، وهم يشهدون لنا أننا لا نقدر على الاسلام ولا الايمان، فكيف تأخذ الجزية من قوم لا يقدرون على الاسلام ولا الايمان ؟ ! فجمع المجبرة وقال لهم: ما تقولون فيما قد ذكره اليهود من احتجاجهم عليكم ؟ فقالوا: كذا نقول: إنهم لا يقدرون على الاسلام والايمان. فطالبهم بالدليل على قولهم فلم يقدروا عليه فنفاهم. ” ص 97 ” ومن الحكايات المذكورة في ذلك ما روي عن القاسم بن زياد الدمشقي أنه قال: كنت في حرس عمر بن عبد العزيز فدخل غيلان فقال: يا عمر: إن أهل الشام يزعمون أن المعاصي قضاء الله، وأنك تقول ذلك ; فقال: ويحك يا غيلان ! أو لست تراني أسمي مظالم بني مروان ظلما وأردها أفتراني اسمي قضاء الله ظلما وأرده ؟. ” ص 98 ” أقول: أورد السيد في الطرائف فصلا مشبعا في الرد على المجبرة تركنا إيراده لئلا يطول الكتاب مع كونه خارجا عن مقصودنا فمن أراد الاطلاع عليه فليراجع إلى الكتاب المذكور ; وقد مر خبر الحسين بن خالد في ذلك في باب نفي التشبيه. (1) 111 – وقال الكراجكي في كنز الفوائد: قال الصادق صلى الله عليه وآله لزرارة بن أعين: يا زرارة أعطيك جملة في القضاء والقدر ؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم. ” ص 171 ” 112 – وروي عن محمد بن أحمد بن شاذان القمي، عن الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن أيوب بن نوح، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خمسة لا تطفئ نيرانهم، ولا تموت أبدانهم: رجل أشرك، ورجل عق والديه، ورجل سعى بأخيه إلى السلطان فقتله، ورجل قتل نفسا بغير نفس، ورجل أذنب وحمل ذنبه على الله عزوجل. ” ص 202 “


(1) وتقدم في هذا الباب أيضا تحت رقم 88

[ 61 ]

فائدة: قال السيد المرتضى قدس الله روحه: إن سأل سائل فقال: بم تدفعون من خالفكم في الاستطاعة وزعم أن المكلف يؤمر بما لا يقدر عليه ولا يستطيعه إذا تعلق بقوله تعالى: ” انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ” (1) فإن الظاهر من هذه الآية يوجب أنهم غير مستطيعين للامر الذي هم غير فاعلين له، وأن القدرة مع الفعل ; وإذا تعلق بقوله تعالى في قصة موسى: ” إنك لن تستطيع معي صبرا ” (2) وأنه نفى أن يكون قادرا على الصبر في حال هو فيها غير صابر، وهذا يوجب أن القدرة مع الفعل ; وبقوله تعالى: ” ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ” ؟. (3) يقال له: أول ما نقوله: إن المخالف لنا في هذا الباب من الاستطاعة لا يصح له فيه التعلق بالسمع، لان مذهبه لا تسلم معه صحة السمع، ولا يتمكن مع المقام عليه من معرفة السمع بأدلته، وإنما قلنا ذلك لان من جوز تكليف الله تعالى الكافر بالايمان وهو لا يقدر عليه لا يمكنه العلم بنفي القبائح عن الله عزوجل، وإذا لم يمكنه ذلك فلابد من أن يلزمه تجويز القبائح على الله في أفعاله وأخباره، ولا يأمن من أن يرسل كذابا، وأن يخبرهم بالكذب، تعالى عن ذلك، فالسمع إن كان كلامه قدح في حجته تجويز الكذب عليه، وإن كان كلام رسوله قدح فيه ما يلزمه من تجويز تصديق الكذاب، وإنما طرق ذلك تجويز بعض القبائح عليه، وليس لهم أن يقولوا: إن أمره تعالى الكافر بالايمان وإن لم يقدر عليه يحسن من حيث أتى الكافر فيه من قبل نفسه لانه تشاغل بالكفر فترك الايمان، وإنما كان يبطل تعلقنا بالسمع لو أضفنا ذلك إليه تعالى على وجه يقبح، وذلك لان ما قالوه إذا لم يؤثر في كون ما ذكرناه تكليفا لما لا يطاق لم يؤثر في نفي ما ألزمناه عنهم لانه يلزم على ذلك أن يفعل الكذب وسائر القبائح وتكون حسنة منه بأن يفعلها من وجه لا يقبح منه، وليس قولهم: إنا لم نضفه إليه من وجه يقبح بشئ يعتمد، بل يجري مجرى قول من جوز عليه أن يكذب ويكون الكذب منه حسنا، ويدعي مع ذلك صحة معرفة السمع بأن يقول: إنني لم أضف إليه قبيحا فيلزمني إفساد


(1) الاسراء: 48. (2) الكهف: 67. (3) هود: 20.

[ 62 ]

طريقة السمع، فلما كان من ذكرناه لا عذر له في هذا الكلام لم يكن للمخالف في الاستطاعة عذر بمثله. ونعود إلى تأويل الآي: أما قوله: ” انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ” فليس فيه ذكر للشئ الذي لا يقدرون عليه ولا بيان له، وإنما يصح ما قالوه لو بين لهم أنهم لا يستطيعون سبيلا إلى أمر معين، فأما إذا لم يذكر ذلك كذلك فلا متعلق لهم. فإن قيل: فقد ذكر تعالى من قبل ضلالهم فيجب أن يكون المراد بقوله: ” فلا يستطيعون سبيلا ” إلى مفارقة الضلال. قلنا: إنه تعالى كما ذكر الضلال فقد ذكر ضرب المثل منهم، فيجوز أن يريد أنهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من الامثال، وذلك غير مقدور على الحقيقة ولا مستطاع، والظاهر أن هذا الوجه أولى لانه تعالى حكى عنهم أنهم ضربوا له الامثال، وجعل ضلالهم وأنهم لا يستطيعون السبيل متعلقا بما تقدم ذكره، وظاهر ذلك يوجب رجوع الامرين جميعا إليه، وأنهم ضلوا بضرب المثل، وأنهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من المثل، على أنه تعالى قد أخبر عنهم بأنهم ضلوا، وظاهر ذلك الاخبار عن ماضي فعلهم، فإن كان قوله: ” فلا يستطيعون سبيلا ” يرجع إليه فيجب أن يدل على أنهم لا يقدرون في المستقبل على ترك الماضي، وهذا مما لا يخالف فيه، وليس فيه ما نأباه من أنهم لا يقدرون في المستقبل أو في الحال على مفارقة الضلال والخروج عنه وتعذر تركه، وبعد (1) فإذا لم يكن للآية ظاهر فلم صاروا بأن يحملوا نفي الاستطاعة على أمر كلفوه بأولى منا إذا حملنا ذلك على أمر لم يكلفوه ؟ أو على أنه أراد الاستثقال والخبر عن عظم المشقة عليهم، وقد جرت عادة أهل اللغة بأن يقولوا لمن يستثقل شيئا: إنه لا يستطيعه ولا يقدر عليه ولا يتمكن منه ; ألا ترى أنهم يقولون: فلان لا يستطيع أن يكلم فلانا ولا ينظر إليه وما أشبه ذلك وإنما غرضهم الاستثقال وشدة الكلفة والمشقة.


(1) في الامالى المطبوع: وتعذر تركه بعد مضيه.

[ 63 ]

فإن قيل: فإذا كان لا ظاهر للآية يشهد بمذهب المخالف فما المراد بها عندكم ؟ قلنا: قد ذكر أبو علي أن المراد أنهم لا يستطيعون إلى بيان تكذيبه سبيلا لانهم ضربوا الامثال ظنا منهم بأن ذلك يبين كذبه، فأخبر تعالى أن ذلك غير مستطاع لان تكذيب صادق وإبطال حق مما لا تتعلق به قدرة ولا تتناوله استطاعة. وقد ذكر أبو هاشم أن المراد بالآية أنهم لاجل ضلالهم بضرب المثل وكفرهم لا يستطيعون سبيلا إلى الخير الذي هو النجاة من العقاب والوصول إلى الثواب، وليس يمكن على هذا أن يقال: كيف لا يستطيعون سبيلا إلى الخير والهدى وهم عندكم قادرون على الايمان والتوبة ؟ ومتى فعلوا ذلك استحقوا الثواب، لان المراد أنهم مع التمسك بالضلال والمقام على الكفر لا سبيل لهم إلى خير وهدى، وإنما يكون لهم سبيل إلى ذلك بأن يفارقوا ما هم عليه، وقد يمكن أيضا في معنى الآية ما تقدم ذكره من أن المراد بنفي الاستطاعة عنهم أنهم مستثقلون للايمان، فقد يخبر عمن يستثقل شيئا بأنه لا يستطيعه على ما تقدم ذكره، كذا في كتاب الغرر للسيد رحمه الله. أما قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام: ” إنك لا تستطيع معي صبرا ” فظاهره يقتضي أنك لا تستطيع ذلك في المستقبل، ولا يدل على أنه غير مستطيع للصبر في الحال أن يفعله في الثاني، وقد يجوز أن يخرج في المستقبل من أن يستطيع ما هو في الحال مستطيع له، غير أن الآية تقتضي خلاف ذلك، لانه قد صبر عن المسألة أوقاتا، وإن لم يصبر عنها في جميع الاوقات فلم تنتف الاستطاعة للصبر عنه في جميع الاحوال المستقبلة ؟. على أن المراد بذلك واضح، وأنه تعالى خبر عن استثقاله الصبر عن المسألة عما لا يعرف ولا يقف عليه لان مثل ذلك يصعب على النفس، ولهذا يجد أحدنا إذا جرى بين يديه ما ينكره ويستبدعه تنازعه نفسه إلى المسألة عنه والبحث عن حقيقته، ويثقل عليه الكف عن الفحص عن أمره، فلما حدث من صاحب موسى عليه السلام ما يستنكر ظاهره استثقل الصبر عن المسألة عن ذلك، ويشهد لهذا الوجه قوله تعالى: ” وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ” فبين أن العلة في قلة صبره ما ذكرناه دون غيره، ولو كان الامر على ما ظنوا لوجب أن يقول: وكيف تصبر وأنت غير مطيق للصبر ؟.


[ 64 ]

وأما قوله تعالى: ” ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ” فلا تعلق لهم بظاهره، لان السمع ليس بمعنى فيكون مقدورا، لان الادراك على المذهب الصحيح ليس بمعنى، ولو ثبت أنه معنى على ما يقوله أبو علي لكان أيضا غير مقدور للعبد من حيث اختص القديم تعالى بالقدرة عليه. هذا إن أريد بالسمع الادراك، وإن أريد به نفس الحاسة فهي أيضا غير مقدورة للعباد لان الجواهر وما تختص به الحواس من البينة والمعاني ليصح به الادراك مما ينفرد القديم تعالى بالقدرة عليه (1) فالظاهر لا حجة لهم فيه. فإن قالوا: ولعل المراد بالسمع كونهم سامعين، كأنه نفى عنهم استطاعة أن يسمعوا. قلنا: هذا خلاف الظاهر، ولو ثبت أن المراد ذلك لحملنا نفي الاستطاعة ههنا على ما تقدم ذكره من الاستثقال وشدة المشقة كما يقول القائل: فلان لا يستطيع أن يراني، ولا يقدر على أن يكلمني، وما أشبه ذلك، وهذا بين لمن تأمله. (2) وقال رضي الله عنه: إن سأل سائل عن قوله تعالى: ” قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون ” (3) فقال: أليس ظاهر هذا القول يقتضي أنه خالق لاعمال العباد ؟ لان ” ما ” ههنا بمعنى ” الذي ” فكأنه قال: خلقكم وخلق أعمالكم. قلنا: قد حمل أهل الحق هذه الآية على أن المراد بقوله: وما تعملون أي وما تعملون فيه من الحجارة والخشب وغيرهما مما كانوا يتخذونه أصناما ويعبدونها، قالوا: وغير منكر أن يريد بقوله: وما تعملون ذلك، كما أنه قد أراد ما ذكرناه بقوله: ” أتعبدون ما تنحتون ” لانه لم يرد أنكم تعبدون نحتكم الذي هو فعل لكم بل أراد ما تفعلون فيه النحت، كما قال تعالى في عصا موسى عليه السلام: ” تلقف ما يأفكون، (4) ” وتلقف ما


(1) هكذا في النسخ ولكن الصحيح كما في الامالى المطبوع: لا يصح بها الادراك فانه مما ينفرد به القديم تعالى بالقدرة عليه. (2) يوجد ذلك كله في كتابه الامالى المسمى بالغرر، في ج 4 ص 71 – 74 ويوجد بعده في ص 143 – 146 من هذا المجلد. (3) الصافات: 94 و 95. (4) الاعراف: 117.

[ 65 ]

صنعوا ” (1) وإنما أراد أن العصا تلقف الحبال التي أظهروا سحرهم فيها، وهي التي حلتها صنعتهم وإفكهم فقال: ” ما صنعوا وما يأفكون ” وأراد ما صنعوا فيه، وما يأفكون فيه، ومثله قوله تعالى: ” يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ” (2) وإنما أرادالمعمول فيه دون العمل – وهذا الاستعمال أيضا سائع شائع – لانهم يقولون: هذا الباب عمل النجار ; وفي الخلخال: هذا من عمل الصائغ ; وإن كانت الاجسام التي أشير إليها ليست أعمالا لهم، وإنما عملوا فيها فحسن إجراء هذه العبارة. فإن قيل: كل الذي ذكرتموه وإن استعمل فعلى وجه المجاز والاتساع، لان العمل في الحقيقة لا يجري إلا على فعل الفاعل دون ما يفعل فيه، وإن استعير في بعض المواضع. قلنا: ليس نسلم لكم أن الاستعمال الذي ذكرناه على سبيل المجاز، بل نقول: هو المفهوم الذي لا يستفاد سواه لان القائل إذا قال: هذا الثوب عمل فلان لم يفهم منه إلا أنه عمل فيه، وما رأينا أحدا قط يقول في الثوب بدلا من قوله: هذا من عمل فلان: هذا مما حله عمل فلان ; فالاول أولى بأن يكون حقيقة، وليس ينكر أن يكون الاصل في الحقيقة ما ذكروه، ثم انتقل بعرف الاستعمال إلى ما ذكرناه، وصار أخص به ومما لا يستفاد من الكلام سواه كما انتقلت ألفاظ كثيرة على هذا الحد، ولا اعتبار بالمفهوم من الالفاظ إلا بما استقر عليه استعمالها دون ما كانت عليه في الاصل فوجب أن يكون المفهوم. والظاهر من الآية ما ذكرناه على أنا لو سلمنا أن ذلك مجاز لوجب المصير إليه من وجوه، فمن ذلك (3) أنه تعالى أخرج الكلام مخرج التهجين لهم، والتوبيخ لافعالهم، والازراء على مذاهبهم، فقال ” أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون ” ومتى لم يكن قوله: ” وما تعملون ” المراد به تعملون فيه ليصير تقدير الكلام أتعبدون الاصنام التي تنحتونها، والله خلقكم وخلق هذه الاصنام التي تفعلون فيها التخطيط والتصوير لم يكن للكلام معنى ولا مدخل في باب التوبيخ، ويصير على ما يذكره المخالف كأنه


(1) طه: 69 أقول: لقف الشئ: تناوله بسرعة. (2) سبا: 13. (3) في الامالى المطبوع هكذا: منها ما يشهد به ظاهر الاية ويقتضيه ولا يسوغ سواه، ومنها ما تقتضيه الادلة القاطعة الخارجة عن الاية، فمن ذلك أنه تعالى أخرج إه‍

[ 66 ]

قال: أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وخلق عباداتكم فأي وجه للتقريع، وهذا إلى أن يكون عذرا أقرب من أن يكون لوما وتوبيخا لانه إذا خلق عبادتهم للاصنام فأي وجه للومهم عليها. (1) على أن قوله تعالى ” والله خلقكم وما تعملون ” بعد قوله: ” أتعبدون ما تنحتون ” إنما خرج مخرج التعليل للمنع من عبادة غيره تعالى فلابد أن يكون متعلقا بما تقدم من قوله: ” أتعبدون ما تنحتون، ومؤثرا في المنع من عبادة غير الله، فلو أفاد قوله: ” ما تعملون ” نفس العمل الذي هو النحت دون المعمول فيه لكان لا فائدة في الكلام لان القوم لم يكونوا يعبدون النحت، وإنما كانوا يعبدون محله، وأنه كان لاحظ في الكلام للمنع من عبادة الاصنام، وذلك إن حمل قوله تعالى: ” ما تعملون ” على أعمال اخر ليست نحتهم ولا هي ما عملوا فيه لكان أظهر في باب اللغو والعبث والبعد عن التعلق بما تقدم، فلم يبق إلا أنه أراد أنه خلقكم وما تعملون فيه النحت فكيف تعبدون مخلوقا مثلكم ؟ ! فإن قيل: لم زعمتم أنه لو كان الامر على ما ذكرناه لم يكن للقول الثاني حظ في باب المنع من عبادة الاصنام ؟ وما تنكرون أن يكون لما ذكرناه وجه في المنع من ذلك، على أن ما ذكرتموه أيضا لو اريد لكان وجها، وهو أن من خلقنا وخلق الافعال فينا لا يكون إ الاله القديم الذي تحق له العبادة، وغير القديم تعالى كما يستحيل أن يخلقنا يستحيل أن يخلق فينا الافعال على الوجه الذي يخلقها القديم عليه فصار لما ذكرناه تأثير. قلنا: معلوم أن الثاني إذا كان كالتعليل للاول والمؤثر في المنع من العبادة فلان يتضمن أنكم مخلوقان وما تعبدونه أولى من أن ينصرف إلى ما ذكرتموة مما لا يقتضي أكثر من خلقهم دون خلق ما عبدوه فإنه لا شئ أدل على المنع من عبادة الاصنام من كونها مخلوقة كما أن عابدها مخلوق، ويشهد بما ذكرناه قوله تعالى في موضع آخر ; ” أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون ” (2)


(1) اضاف في الامالى المطبوع: وتقريعهم بها. (2) الاعراف: 191 – 192.

[ 67 ]

فاحتج تعالى عليهم في المنع من عبادة الآلهة دونه بأنها مخلوقة لا تخلق شيئا ولا تدفع عن أنفسها ضرا ولاعنهم، وهذا واضح على أنه لو ساوى ما ذكروه ما ذكرناه في التعلق بالاول لم يسغ حمله على ما أدعوه لان فيه عذرا لهم في الفعل الذي عنفوا به وقرعوا من أجله، وقبيح أن يوبخهم بما يعذرهم، ويذمهم بما ينزههم على ما تقدم ; على أنا لا نسلم أن من يفعل أفعال العباد ويخلقها يستحق العبادة لان من جملة أفعالهم القبائح، ومن فعل القبائح لا يكون إلها ولا تحق العبادة له، فخرج ما ذكروه من أن يكون مؤثرا في انفراده بالعبادة ; على أن إضافته العمل إليهم بقوله تعالى: ” تعملون ” يبطل تأويلهم هذه الآية، لانه لو كان خالقا له لم يكن عملا لهم لان العمل إنما يكون عملا لمن يحدثه ويوجده، فكيف يكون عملا لهم والله خلقه ؟ ! هذه مناقضة لهم، فثبت بهذا أن الظاهر شاهد لنا أيضا ; على أن قوله: ” وما تعملون ” يقتضي اللاستقبال، وكل فعل لم يوجد فهو معدوم، ومحال أن يقول تعالى: إني خالق للمعدوم. فإن قالوا: اللفظ وإن كان للاستقبال فالمراد به الماضي فكأنه قال: والله خلقكم وما عملتم. قلنا: هذا عدول منكم عن الظاهر الذي أدعيتم أنكم متمسكون به، وليس أنتم بأن تعدلوا عنه بأولى منا، بل نحن أحق لانا نعدل عنه بدلالة، وأنتم تعدلون بغير حجة. فإن قالوا: فأنتم تعدلون عن هذا الظاهر بعينه على تأويلكم، وتحملون لفظ الاستقبال على لفظ الماضي. قلنا: نحن لا نحتاج في تأويلنا إلى ذلك لانا إذا حملنا قوله: ” وما تعملون ” على الاصنام المعمول فيها ومعلوم أن الاصنام موجودة قبل عملهم فيها فجاز أن يقول تعالى: ” إنى خلقتها ” ولا يجوز أن يقول: ” إني خلقت ما سيقع من العمل في المستقبل ” على أنه لو أراد بذلك أعمالهم لا ما عملوا فيه على ما ادعوه لم يكن في الظاهر حجة على ما يريدون لان الخلق هو التقدير والتدبير، وليس يمتنع في اللغة أن يكون الخالق خالقا لفعل غيره إذا قدره ودبره ألا ترى أنهم يقولون: خلقت الاديم وإن لم يكن الاديم فعلا لمن يقول ذلك فيه ؟ ويكون معنى خلقه لافعال العباد أنه مقدر لها ومعرف لنا مقاديرها ومراتبها، وما به نستحق عليها من الجزاء.


[ 68 ]

(باب 2) * (آخر وهو من الباب الاول) * وفيه رسالة آبى الحسن الثالث صلوات الله عليه في الرد على أهل الجبر والتفويض وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين بوجه أبسط مما مر. * 1 – ف: من علي بن محمد: سلام عليكم وعلى من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته، فإنه ورد علي كتابكم وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم وخوضكم في القدر، ومقالة من يقول منكم بالجبر، ومن يقول بالتفويض، وتفرقكم في ذلك وتقاطعكم، وما ظهر من العداوة بينكم، ثم سألتموني عنه وبيانه لكم وفهمت ذلك كله، اعلموا رحمكم الله أنا نظرنا في الآثار وكثرة ما جاءت به الاخبار فوجدناها عند جميع من ينتحل الاسلام (1) ممن يعقل عن الله عزوجل لا تخلو من معنيين ; إما حق فيتبع، وإما باطل فيجتنب، وقد اجتمعت الامة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق، وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه مصيبون مهتدون، وذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وآله: ” لا تجتمع أمتي على ضلالة ” فأخبر أن جميع ما اجتمعت عليه الامة كلها حق، هذا إذا لم يخالف بعضها بعضا، والقرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه، فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه وأنكر الخبر طائفة من الامة لزمهم الاقرار به ضرورة، حين (2) اجتمعت في الاصل على تصديق الكتاب، فإن هي جحدت وأنكرت لزمها الخروج من الملة، فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه والماس شهادته عليه خبر ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه، بحيث لا تخالفه أقاويلهم حيث قال: ” إنى مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما تمسكتم بهما وأنهما لن يفترقا حتى يردا


أورد شطرا من الحديث عن الاحتجاج في الباب المتقدم تحت رقم 30. (1) أي من ينتسب إليه. (2) في نسخة: حيث. (*)

[ 69 ]

علي الحوض. (1) ” فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصا مثل قوله جل وعز: ” إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ” (2) وروت العامة في ذلك أخبارا لامير المؤمنين عليه السلام أنه تصدق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له وأنزل الآية فيه، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وآله قد أتى بقوله: ” من كنت مولاه فعلى مولاه، وبقوله: ” أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى، و وجدناه يقول: ” علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم من بعدي، فالخبر الاول الذي استنبط منه هذه الاخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم، وهو أيضا موافق للكتاب، فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر وهذه الشواهد الاخر لزم على الامة الاقرار بها ضرورة، إذ كانت هذه الاخبار شواهدها من القرآن ناطقة، و وافقت القرآن والقرآن وافقها، ثم وردت حقائق الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عن الصادقين عليهم السلام نقلها قوم ثقاة معروفون فصار الاقتداء بهذه الاخبار فرضا واجبا على كل مؤمن ومؤمنة، لا يتعداه إلا أهل العناد، وذلك أن أقاويل آل رسول الله صلى الله عليه وآله متصلة بقول الله، وذلك مثل قوله في محكم كتابه: ” إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ” ووجدنا نظير هذه الآية قول رسول الله صلى الله عليه وآله: ” من آذى عليا فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن ينتقم منه ” وكذلك قوله صلى الله عليه وآله: ” من أحب عليا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله ” ومثل قوله صلى الله عليه وآله في بني وليعة: (3) ” لابعثن إليهم رجلا كنفسي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قم يا علي فسر إليهم ” وقوله صلى الله عليه وآله يوم خيبر: ” لابعثن إليهم غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله عليه ” فقضى


(1) سيوافيك الحديث وما يأتي بعدها من الاحاديث الواردة في أمير المؤمنين عليه السلام ” بأسنادها المتفقة عليها عند جمهور المسلمين في كتاب الامامة. (2) سيأتي كلام المفسرين من العامة والخاصة حول الاية وغيرها مما نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب الامامة. (3) قال الفيروز آبادى في القاموس: بنو وليعة كسفينة: حى من كندة.

[ 70 ]

رسول الله صلى الله عليه وآله بالفتح قبل التوجيه فاستشرف لكلامه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما كان من الغد دعا عليا عليه السلام فبعثه إليهم فاصطفاه بهذه الصفة (1) وسماه كرارا غير فرار، فسماه الله محبا لله ولرسوله، فأخبر أن الله ورسوله يحبانه. وإنما قدمنا هذا الشرح والبيان دليلا على ما أردنا وقوة لما نحن مبينوه من أمر الجبر والتفويض، والمنزلة بين المنزلتين، وبالله العون والقوة وعليه نتوكل في جميع أمورنا، فإنا نبدأ من ذلك بقول الصادق عليه السلام: ” لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين ” وهى صحة الخلقة، و تخلية السرب، والمهلة في الوقت، والزاد مثل الراحلة، والسبب المهيج للفاعل على فعله، فهذه خمسة أشياء جمع بها الصادق عليه السلام جوامع الفضل فإذا نقص العبد منها خلة (2) كان العمل عنه مطروحا بحسبه، فأخبر الصادق عليه السلام بأصل ما يجب على الناس من طلب معرفته، ونطق الكتاب بتصديقه، فشهد بذلك محكمات آيات رسوله، لان الرسول صلى الله عليه وآله وآله عليهم السلام لا يعدو شئ من قوله وأقاويلهم حدود القرآن فإذا وردت حقائق الاخبار والتمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقا وعليها دليلا كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد كما ذكرنا في أول الكتاب، ولما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق عليه السلام من المنزلة بين المنزلتين وإنكاره الجبر والتفويض وجدنا الكتاب قد شهد له وصدق مقالته في هذا وخبر عنه أيضا موافقا لهذا أن الصادق عليه السلام سئل: هل أجبر الله العباد على المعاصي ؟ فقال الصادق عليه السلام: هو أعدل من ذلك، فقيل له: فهل فوض إليهم ؟ فقال عليه السلام: هو أعز وأقهر لهم من ذلك. وروى عنه أنه قال: الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الامر مفوض إليه فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك، ورجل يزعم أن الله عزوجل أجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك، ورجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهذا


(1) في نسخة: المنقبة. (2) بضم الخاء وفتحها: خصلة.

[ 71 ]

مسلم بالغ، فأخبر عليه السلام أن من تقلد الجبر والتفويض ودان بهما فهو على خلاف الحق، فقد شرحت الجبر الذى من دان به يلزمه الخطاء، وأن الذى يتقلد التفويض يلزمه الباطل فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما، ثم قال: وأضرب لكل باب من هذه الابواب مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث عن شرحه، تشهد به محكمات آيات الكتاب، وتحقق تصديقه عند ذوى الالباب وبالله التوفيق والعصمة. فأما الجبر الذى يلزم من دان به الخطاء فهو قول من زعم أن الله عزوجل أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذبه ورد عليه قوله: ” ولا يظلم ربك أحدا ” وقوله: ” ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ” وقوله: ” إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ” مع آي كثيرة في ذكر هذا، فمن زعم أنه مجبر على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله، وقد ظلمه في عقوبته، ومن ظلم الله فقد كذب كتابه، ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجتماع الامة، ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه، ولا يملك عرضا من عروض الدنيا، ويعلم مولاه ذلك منه، فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته، وعلم المالك أن على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن، وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة، وإظهار الحكمة، ونفي الجور، وأوعد عبده إن لم يأته بحاجته أن يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته أنه سيمنعه، وعلم أن المملوك لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك، فلما صار العبد إلى السوق وجاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولى لها وجد عليها مانعا يمنع منها إلا بشراء وليس يملك العبد ثمنها فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجته، فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبه عليه، أليس يجب في عدله وحكمته أن لا يعاقبه وهو يعلم أن عبده لا يملك عرضا من عروض الدنيا ولم يملكه ثمن حاجته ؟ فإن عاقبه عاقبه ظالما متعديا عليه، مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته، وإن لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده إياه حين أوعده بالكذب والظلم اللذين ينفيان العدل والحكمة، تعالى عما يقولون علوا كبيرا، فمن دان بالجبر أو بما يدعو


[ 72 ]

إلى الجبر فقد ظلم الله، ونسبه إلى الجور والعدوان، إذ أوجب على من أجبر العقوبة، ومن زعم أن الله أجبر العباد فقد أوجب على قياس قوله أن الله يدفع عنهم العقوبة، ومن زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب فقد كذب الله في وعيده، حيث يقول: ” بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فاولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ” وقوله: ” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ” وقوله: ” إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما ” مع آي كثيرة في هذا الفن، فمن كذب وعيد الله يلزمه في تكذيبه آية من كتاب الله الكفر، وهو ممن قال الله: ” أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيمة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون ” بل نقول: إن الله عز وجل جازى العباد على أعمالهم، ويعاقبهم على أفعالهم بالاستطاعة التي ملكهم إياها فأمرهم ونهاهم، بذلك ونطق كتابه ” من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ” وقال جل ذكره: ” يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه ” وقال: ” اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ” فهذه آيات محكمات تنفي الجبر ومن دان به، ومثلها في القرآن كثير، اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب، وبالله التوفيق. فأما التفويض الذي أبطله الصادق عليه السلام وخطأ من دان به وتقلده فهو قول القائل: إن الله جل ذكره فوض إلى العباد اختيار أمره ونهيه وأهملهم، وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب إلى تحريره ودقته، وإلى هذا ذهبت الائمة المهتدية من عترة الرسول عليهم السلام، فإنهم قالوا لو فوض إليهم على جهة الاهمال لكان لازما له رضى ما اختاروه، واستوجبوا به الثواب، ولم يكن عليهم فيما جنوه العقاب إذا كان الاهمال واقعا، وتنصرف هذه المقالة على معنيين: إما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة، كره ذلك أم أحب، فقد لزمه الوهن، أو يكون جل وعز عجز عن تعبدهم بالامر والنهي على إرادته، كرهوا أو أحبوا ففوض أمره ونهيه إليهم


[ 73 ]

وأجراهما على محبتهم، إذ عجز عن تعبدهم بإرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر والايمان، ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه، ويعرف له فضل ولايته، ويقف عند أمره ونهيه، وادعى مالك العبد أنه قاهر عزيز حكيم فأمر عبده ونهاه و وعده على اتباع أمره عظيم الثواب، وأوعده على معصيته أليم العقاب، فخالف العبد إرادة مالكه، ولم يقف عند أمره ونهيه، فأى أمر أمره به أو أي نهي نهاه عنه لم يأته على إرادة المولى، بل كان العبد يتبع إرادة نفسه، واتباع هواه، ولا يطيق المولى أن يرده إلى اتباع أمره ونهيه والوقوف على إرادته، ففوض اختيار أمره ونهيه إليه ورضي منه بكل ما فعله على إرادة العبد لا على إرادة المالك، وبعثه في بعض حوائجه وسمى له الحاجة فخالف على مولاه، وقصد لارادة نفسه، واتبع هواه، فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه به فإذا هو خلاف ما أمره به فقال له: لم أتيتني بخلاف ما أمرتك ؟ فقال العبد: اتكلت على تفويضك الامر إلي فاتبعت هواي وإرادتي لان المفوض إليه غير محظور عليه فاستحال التفويض، أو ليس يجب على هذا السبب إما أن يكون المالك للعبد قادرا يأمر عبده باتباع أمره ونهيه على إرادته لا على إرادة العبد، ويملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به وينهاه عنه، فإذا أمره بأمر ونهاه عن نهي عرفه الثواب والعقاب عليهما وحذره ورغبه بصفة ثوابه وعقابه ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة لامره ونهيه وترغيبه وترهيبه فيكون عدله وإنصافه شاملا له، وحجته واضحة عليه للاعذار والانذار. فإذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه، وإذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه ؟ أو يكون عاجزا غير قادر ففوض أمره إليه أحسن أم أساء أطاع أم عصى عاجز عن عقوبته ورده إلي اتباع أمره، وفي إثبات العجز نفي القدرة والتأله، وإبطال الامر والنهي والثواب والعقاب، ومخالفة الكتاب، إذ يقول: ” ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ” وقوله عزوجل: ” اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ” وقوله: ” وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ما اريد منهم من رزق وما اريد أن يطعمون ” وقوله: ” اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ” وقوله: ” وأطيعو الله وأطيعوا الرسول ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ” فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره


[ 74 ]

ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز، وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير وشر، وأبطل أمر الله ونهيه، ووعده ووعيده لعلة ما زعم أن الله فوضها إليها لان المفوض إليه يعمل بمشيته، فإن شاء الكفر أو الايمان كان غير مردود عليه ولا محظور فمن دان بالتفويض على هذا المعنى فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وأمره ونهيه، وهو من أهل هذه الآية ” أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيمة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ” تعالى الله عما يدين به أهل التفويض علوا كبيرا، لكن نقول: إن الله عز وجل، خلق الخلق بقدرته، وملكهم استطاعة تعبدهم بها، فأمرهم ونهاهم بما أراد فقبل منهم اتباع أمره ورضي بذلك لهم، ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه عليها، ولله الخيرة في الامر والنهي، يختار ما يريد ويأمر به، وينهى عما يكره و يعاقب عليه، بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه لانه ظاهر العدل والنصفة والحكمة البالغة، بالغ الحجة بالاعذار والانذار، وإليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله وبعثه برسالاته إلى خلقه فقال من قال من كفار قومه حسدا واستكبارا: ” لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ” يعنى بذلك امية بن أبي الصلت وأبا مسعود الثقفي، فأبطل الله اختيارهم ولم يجز لهم آراءهم حيث يقول: ” أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون ” ولذلك اختار من الامور ما أحب، ونهى عما كره، فمن أطاعه أثابه، ومن عصاه عاقبه، ولو فوض من اختيار أمره إلى عباده لاجاز لقريش اختيار امية ابن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمد صلى الله عليه وآله، فلما أدب الله المؤمنين بقوله: ” وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ” فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم ولم يقبل منهم إلا اتباع أمره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه فمن أطاعه رشد، ومن عصاه ضل وغوى ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره واجتناب


[ 75 ]

نهيه، فمن أجل ذلك حرمه ثوابه، وأنزل به عقابه، وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض وبذلك أخبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه عباية بن ربعي الاسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل، فقال له أمير المؤمنين: سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله أو مع الله ؟ فسكت عباية، فقال له أمير المؤمنين: قل يا عباية، قال وما أقول ؟ قال عليه السلام: إن قلت إنك تملكها مع الله قتلتك وإن قلت: تملكها دون الله قتلتك قال عباية: فما أقول يا أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قال عليه السلام: تقول: إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فإن يملكها إياك كان ذلك من عطائه، وإن يسلبكها كان ذلك من بلائه هو المالك لما ملكك، والقادر على ما عليه أقدرك، أما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حين يقولون: لاحول ولا قوة إلا بالله ؟ قال عباية: وما تأويلها يا أمير المؤمنين ؟ قال: عليه السلام لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بعون الله، قال: فوثب عباية فقبل يديه ورجليه. وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة الله قال: يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك ؟ قال عليه السلام: بالتمييز الذي خولني، (1) والعقل الذي دلني، قال: أفمجبول أنت عليه ؟ قال: لو كنت مجبولا ماكنت محمودا على إحسان، ولا مذموما على إساءة، وكان المحسن أولى باللائمة من المسئ، فعلمت أن الله قائم باق، وما دونه حدث حائل زائل، وليس القديم الباقي كالحدث الزائل. قال نجدة: أجدك أصبحت حكيما يا أمير المؤمنين قال: أصبحت مخيرا فإن أتيت السيئة بمكان الحسنة فأنا المعاقب عليها. وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام بقضاء وقدر ؟ قال: نعم يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم واديا إلا بقضاء وقدر من الله، فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين، فقال: مه يا شيخ فإن الله قد عظم أجركم في مسيركم وأنتم سائرون، وفى مقامكم وأنتم مقيمون، وفي انصرافكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شئ من اموركم


(1) خوله الشئ: أعطاه إياه متفضلا، أو ملكه إياه.

[ 76 ]

مكرهين، ولا إليه مضطرين، لعلك ظننت أنه قضاء حتم وقدر لازم، ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، ولسقط الوعد والوعيد، ولما ألزمت الاشياء أهلها على الحقائق، ذلك مقالة عبدة الاوثان وأولياء الشياطين (1) إن الله عزوجل أمر تخييرا، ونهى تحذيرا، ولم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. فقام الشيخ فقبل رأس أمير المؤمنين عليه السلام وأنشأ يقول: أنت الامام الذي نرجو بطاعته * يوم النجاة من الرحمن غفرانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك عنا فيه رضوانا فليس معذرة في فعل فاحشة * عندي لراكبها ظلما وعصيانا فقد دل قول أمير المؤمنين عليه السلام على موافقة الكتاب ونفي الجبر والتفويض اللذين يلزمان من دان بهما وتقلدهما الباطل والكفر وتكذيب الكتاب، ونعوذ بالله من الضلالة والكفر، ولسنا ندين بجبر ولا تفويض، لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين، وهو الامتحان والاختبار بالاستطاعة التي ملكنا الله وتعبدنا بها على ما شهد به الكتاب ودان به الائمة الابرار من آل الرسول صلوات الله عليهم. ومثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبدا وملك مالا كثيرا أحب أن يختبر عبده على علم منه بما يؤول إليه، فملكه من ماله بعض ما أحب، ووقفه على امور عرفها العبد، فأمره أن يصرف ذلك المال فيها ; ونهاه عن أسباب لم يحبها، وتقدم إليه أن يجتنبها، ولا ينفق من ماله فيها، والمال يتصرف في أي الوجهين ; فصرف المال أحدهما في اتباع أمر المولى ورضاه، والآخر صرفه في اتباع نهيه وسخطه، وأسكنه دار اختبار أعلمه أنه غير دائم له السكنى في الدار، وأن له دارا غيرها، وهو مخرجه إليها فيها ثواب وعقاب دائمان، فإن أنفذ العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي أمره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مخرجه إليها، وإن أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن إنفاقه فيه جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود،


(1) في المصدر: الشيطان. م

[ 77 ]

وقد حد المولى في ذلك حدا معروفا وهو المسكن الذي أسكنه في الدار الاولى، فإذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال وبالعبد على أنه لم يزل مالكا للمال والعبد في الاوقات كلها، إلا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الاولى إلا أن يستتم (1) سكناه فيها، فوفى له لان من صفات المولى العدل والوفاء والنصفة والحكمة أو ليس يجب إن كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأمور به أن يفي له بما وعده من الثواب وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية وأثابه على طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة ؟ وإن صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الاولى في الوجه المنهي عنه وخالف أمر مولاه كذلك يجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره إياها غير ظالم له لما تقدم إليه وأعلمه وعرفه وأوجب له الوفاء بوعده ووعيده بذلك يوصف القادر القاهر ؟وأما المولى فهو الله عزوجل، وأما العبد فهو ابن آدم المخلوق، والمال قدرة الله الواسعة، ومحنته إظهار الحكمة والقدرة، والدار الفانية هي الدنيا، وبعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم، والامور التي أمر الله بصرف المال إليها هو الاستطاعة لاتباع الانبياء والاقرار بما أوردوه عن الله جل وعز، واجتناب الاسباب التي نهى عنها هي طرق إبليس، وأما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة، و أما الدار الفانية فهي الدنيا، وأما الدار فهي الدار الباقية وهي الآخرة، والقول بين الجبر والتفويض هو الاختبار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد، وشرحها في خمسة الامثال التي ذكرها الصادق عليه السلام أنها جمعت جوامع الفضل، وأنا مفسرها بشواهد من القرآن والبيان إن شاء الله، تقسير صحة الخلقة، أما قول الصادق عليه السلام فإن معناه كمال الخلق للانسان بكمال (2) الحواس وثبات العقل والتمييز، وإطلاق اللسان بالنطق، وذلك قول الله: ” ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على


(1) في المصدر: إلى ان يستتم. م (2) في المصدر: وكمال الحواس، م

[ 78 ]

كثير ممن خلقنا تفضيلا ” فقد أخبر عزوجل عن تفضيله بني آدم على سائر خلقه من البهائم والسباع ودواب البحر والطير وكل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل والنطق، وذلك قوله ” لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ” وقوله ” يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ” وفي آيات كثيرة، فأول نعمة الله على الانسان صحة عقله وتفضيله على كثير من خلقه بكمال العقل وتمييز البيان، وذلك أن كل ذي حركة على بسيط الارض هو قائم بنفسه بحواسه مستكمل في ذاته ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس، فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتى صار آمرا ناهيا، وغيره مسخر له، كما قال الله: ” كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم ” وقال: ” وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ” وقال: ” والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس ” فمن أجل ذلك دعا الله الانسان إلى اتباع أمره وإلى طاعته بتفضيله إياه باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة، بعد أن ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله: ” فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعو ” وقوله: ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ” وقوله: ” لا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها ” وفي آيات كثيرة، فإذا سلب العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله: ” ليس على الاعمى حرح ولا على الاعرج حرج ” الآية، فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد وجميع الاعمال التي لا يقوم إلا بها، وكذلك أوجب على ذي اليسار الحج والزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك، ولم يوجب على الفقير الزكاة والحج، قوله تعالى: ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” وقوله في الظهار: ” والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة ” إلى قوله: ” فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ” كل ذلك دليل على أن الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده إلا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به، ونهاهم عن مثل ذلك فهذه صحة الخلقة.


[ 79 ]

وأما قوله: تخلية السرب فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه ويمنعه العمل بما أمره الله به وذلك قوله في من استضعف وحظر عليه العمل فلم يجد حيلة ولم يهتد سبيلا (1): ” من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ” فأخبر أن المستضعف لم يخل سربه وليس عليه من القول شئ إذا كان مطمئن القلب بالايمان. وأما المهلة في الوقت فهو العمر الذى يمتع به الانسان (2) من حد ما يجب عليه المعرفة إلى أجل الوقت، وذلك من وقت تمييزه وبلوغ الحلم إلى أن يأتيه أجله، فمن مات على طلب الحق ولم يدرك كماله فهو على خير وذلك قوله: ” ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ” الآية، وإن كان لم يعمل بكمال شرائعه لعلة ما لم يمهله في الوقت إلى استتمام أمره، وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل إذا لم يبلغ الحلم في قوله تعالى: ” وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ” الآية فلم يجعل عليهن حرجا في إبداء الزينة للطفل وكذلك لا تجري عليه الاحكام. وأما قوله: الزاد فمعناه الجدة والبلغة (3) التي يستعين بها العبد على ما أمره الله به، وذلك قوله: ” ما على المحسنين من سبيل ” الآية ألا ترى أنه قبل عذر من لم يجد ما ينفق، وألزم الحجة كل من أمكنته البلغة، والراحلة للحج والجهاد وأشباه ذلك، كذلك قبل عذر الفقراء وأوجب لهم حقا في مال الاغنياء بقوله: ” للفقراء الذين احصروا في سبيل الله ” الآية، فأمر بإعفائهم، ولم يكلفهم الاعداد لما لا يستطيعون ولا يملكون. وأما قوله: في السبب المهيج، فهو النية التي هي داعية الانسان إلى جميع الافعال، وحاستها القلب، فمن فعل فعلا وكان بدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل


(1) في المصدر: ولا يهتدى سبيلا كما قال الله تعالى ” الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا “. م (2) في التحف المطبوع: يبلغ به الانسان. (3) الجدة بكسر الجيم وفتح الدال المخففة كعدة: الغنى. البلغة بضم الباء وسكون اللام: ما يكفى من العيش.

[ 80 ]

الله منه عملا إلا بصدق النية، كذلك (1) أخبر عن المنافقين بقوله: ” يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون ” ثم أنزل على نبيه صلى الله عليه وآله توبيخا للمؤمنين ” يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ” الآية، فإذا قال الرجل: قولا واعتقد في قوله دعته النية إلى تصديق القول بإظهار الفعل، وإذا لم يعتقد القول لم يتبين حقيقة، وقد أجاز الله صدق النية وإن كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع إظهار الفعل في قوله: ” إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ” وقوله: ” لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ” الآية، فدل القرآن وأخبار الرسول صلى الله عليه وآله أن القلب مالك لجميع الحواس يصحح أفعالها، ولا يبطل ما يصحح القلب شئ، فهذا شرح جميع الخمسة الامثال التي ذكرها الصادق عليه السلام أنها تجمع المنزلة بين المنزلتين، وهما الجبر والتفويض، فإذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الامثال وجب عليه العمل كملا لما أمر الله عزوجل به ورسوله، وإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحا بحسب ذلك. فأما شواهد القرآن على الاختبار والبلوى بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة، ومن ذلك قوله: ” ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ” وقال: ” سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ” وقال: ” الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ” وقال في الفتن التي معناها الاختبار: ” ولقد فتنا سليمان ” الآية، وقال في قصة قوم موسى: ” فإنا قد فتنا قومك من بعدك و أضلهم السامري ” وقول موسى: ” إن هي إلا فتنتك ” أي اختبارك، فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض ويشهد بعضها لبعض، وأما آيات البلوى بمعنى الاختبار قوله: ” ليبلوكم فيما آتاكم ” وقوله: ” ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ” وقوله: ” أنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة، وقوله: ” خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ” وقوله: ” وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ” وقوله: ” ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض ” وكل ما في القرآن من بلوى هذه الآيات التي شرح أولها فهي اختبار وأمثالها في القرآن كثيرة، فهي إثبات الاختبار والبلوى إن الله عزوجل لم يخلق الخلق عبثا، ولا أهملهم


(1) في المصدر: ولذلك. م

[ 81 ]

سدى، ولا أظهر حكمته لعبا، بذلك أخبر في قوله: ” أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا “. فإن قال قائل: فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتى اختبرهم ؟ قلنا: بلى قد علم ما يكون منهم قبل كونه، وذلك قوله: ” ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ” وإنما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم إلا بحجة بعد الفعل، وقد أخبر بقوله: ” ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ” وقوله: ” وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ” وقوله: ” رسلا مبشرين ومنذرين ” فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض بهذا نطق القرآن وجرت الاخبار عن الائمة من آل الرسول. فإن قالوا: ما الحجة في قول الله: ” يهدي من يشاء ويضل من يشاء ” وما أشبهها ؟ قيل: مجاز هذه الآيات كلها على معنيين: أما أحدهما فإخبار عن قدرته أي أنه قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء، وإذا أجبرهم بقدرته على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب على نحو ما شرحنا في الكتاب، والمعنى الآخر أن الهداية منه تعريفه كقوله: ” وأما ثمود فهديناهم ” أي عرفناهم ” فاستحبوا العمى على الهدى ” فلو جبرهم على الهدى لم يقدروا أن يضلوا، وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة على محكم الآيات اللواتي أمرنا بالاخذ بها، من ذلك قوله: ” منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين قي قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ” الآية، وقال: ” فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ” أي أحكمه وأشرحه ” أولئك الذى هديهم الله وأولئك هم أولو الالباب ” وفقنا الله وإياكم من القول والعمل لما يحب ويرضى، وجنبنا وإياكم معاصيه بمنه وفضله، والحمد لله كثيرا كما هو أهله، وصلى الله على محمد وآله الطيبين، وحسبنا الله و نعم الوكيل. ” ص 458 – 475 ” بيان: قوله تعالى: فقد ظلم الله على بناء التفعيل أي نسبه إلى الظلم. قوله عليه السلام: ومن زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب أي عموما بحيث لا يعاقب أحدا منهم كما هو مقتضى الجبر، فلا ينافي سقوط بعضها بالعفو أو الشفاعة. وقوله عليه السلام: ولما لزمت


[ 82 ]

الاشياء أي الخطايا والذنوب، وفي بعض النسخ الاسماء وهو أوفق بما روي عنه عليه السلام في موضع آخر أي لا يصح إطلاق المؤمن والكافر والصالح والطالح وأشباهها على الحقيقة. فذلكة: اعلم أن الذى استفاض عن الائمة عليهم السلام هو نفي الجبر والتفويض، و إثبات الامر بين الامرين، وقد اعترف به بعض المخالفين أيضا، قال إمامهم الرازي: حال هذه المسألة عجيبة فإن الناس كانوا مختلفين فيها أبدا بسبب أن ما يمكن الرجوع فيها إليها متعارضة متدافعة: فمعول الجبرية على أنه لابد لترجيح الفعل على الترك من مرجح ليس من العبد ; ومعول القدرية على أن العبد لو لم يكن قادرا على فعل لما حسن المدح والذم والامر والنهي، وهما مقدمتان بديهيتان، ثم من الادلة العقلية اعتماد الجبرية على أن تفاصيل أحوال الافعال غير معلومة للعبد، واعتماد القدرية على أن أفعال العباد واقعة على وفق تصورهم ودواعيهم وهما متعارضتان، ومن الالزامات الخطابية أن القدرة على الايجاد صفة كمال لا يليق بالعبد الذي هو منبع النقصان، وأن أفعال العباد تكون سفها وعبثا، فلا يليق بالمتعالي عن النقصان، وأما الدلائل السمعية فالقرآن مملو بما يوهم بالامرين وكذا الآثار، فإن أمة من الامم لم تكن خالية من الفرقتين، وكذا الاوضاع والحكايات متدافعة من الجانبين، حتى قيل: إن وضع النرد على الجبر، ووضع الشطرنج على القدر، إلا أن مذهبنا أقوى بسبب أن القدح في قولنا: لا يترجح الممكن إلا بمرجح يوجب انسداد باب إثبات الصانع، ونحن نقول: الحق ما قال بعض أئمة الدين: إنه لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين، وذلك أن مبنى المبادي القريبة لافعال العبد على قدرته واختياره، والمبادي البعيدة على عجزه واضطراره فالانسان مضطر في صورة مختار كالقلم في يد الكاتب و الوتد في شق الحائط، وفي كلام العقلاء: قال الحائط للوتد: لم تشقني ؟ فقال: سل من يدقني انتهى. وأما معنى الجبر فهو ما ذهبت إليه الاشاعرة من أن الله تعالى أجرى الاعمال على أيدي العباد من غير قدرة مؤثرة لهم فيها، وعذبهم عليها.


[ 83 ]

وأما التفويض فهو ما ذهب إليه المعتزلة من أنه تعالى أوجد العباد وأقدرهم على تلك الافعال، وفوض إليهم الاختيار. فهم مستقلون بإيجادها على وفق مشيتهم وقدرتهم، وليس لله في أفعالهم صنع. وأما الامر بين الامرين فالذي ظهر مما سبق من الاخبار هو أن لهداياته وتوفيقاته تعالى مدخلا في أفعال العباد بحيث لا يصل إلى حد الالجاء والاضطرار كما أن سيدا أمر عبده بشئ يقدر على فعله، وفهمه ذلك، ووعده على فعله شيئا من الثواب، وعلى تركه شيئا من العقاب فلو اكتفى من تكليف عبده بذلك ولم يزد عليه مع علمه بأنه لا يفعل الفعل بمحض ذلك لم يكن ملوما عند العقلاء لو عاقبه على تركه، ولا يقول عاقل بأنه أجبره على ترك الفعل، ولو لم يكتف السيد بذلك وزاد في ألطافه، والوعد بإكرامه، والوعيد على تركه، وأكد ذلك ببعث من يحثه على الفعل ويرغبه فيه، ثم فعل بقدرته واختياره ذلك الفعل فلا يقول عاقل بأنه جبره على ذلك الفعل ; وأما فعل ذلك بالنسبة إلى جماعة وتركه بالنسبة إلى آخرين فيرجع إلى حسن اختيارهم وصفاء طويتهم، أو سوء اختيارهم وقبح سريرتهم، فالقول بهذا لا يوجب نسبة الظلم إليه تعالى بأن يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها كما يلزم الاولين، ولا عز له تعالى عن ملكه، واستقلال العباد بحيث لا مدخل لله في أفعالهم فيكونون شركاء لله في تدبير عالم الوجود كما يلزم الآخرين، وقد مرت شواهد هذا المعنى في الاخبار ; ويؤيده ما رواه الكليني، عن أبى عبد الله عليه السلام أنه سأله رجل: أجبر الله العباد على المعاصي ؟ قال: لا ; فقال: ففوض إليهم الامر ؟ قال: لا، قال: فماذا ؟ قال: لطف من ربك بين ذلك. (1) ويظهر من (2)


(1) أورده الكليني في باب الجبر والقدر من الكافي باسناده عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن الحسن زعلان، عن أبى طالب القمى، عن رجل، عن أبى عبد الله عليه السلام. (2) ومرجع الخبرين في مؤداهما واحد، وهو الذى يشاهده كل إنسان من نفسه عيانا وهو أنه مع قطع النظر عن سائر الاسباب من الموجبات والموانع يملك اختيار الفعل أو الترك فله أن يفعل وله أن يترك، وأما كونه مالكا للاختيار فانما ملكه إياه ربه سبحانه كما في الاخبار ; ومن أحسن الامثلة لذلك مثال المولى إذا ملك عبده ما يحتاج إليه في حياته من مال يتصرف فيه وزوجة يأنس إليها و دار يسكنها وأثاث ومتاع فان قلنا أن هذا التمليك يبطل ملك المولى كان قولا بالتفويض، وإن قلنا أن ذلك لا يوجب للعبد ملكا والمولى باق على مالكيته كما كان كان قولا بالجبر، وان قلنا ان العبد يملك بذلك والمولى مالك لجميع ما يملكه في عين ملكه وأنه من كمال ملك المولى كان قولا بالامر بين الامرين. ط

[ 84 ]

بعض الاخبار أن المراد بالتفويض المنفي هو كون العبد مستقلا في الفعل لا يقدر الرب تعالى على صرفه عنه، والامر بين الامرين هو أنه جعلهم مختارين في الفعل و الترك مع قدرته على صرفهم عما يختارون، ومنهم من فسر الامر بين الامرين بأن الاسباب القريبة للفعل يرجع إلى قدرة العبد، والاسباب البعيدة كالآلات والاسباب والاعضاء والجوارح والقوى إلى قدرة الرب تعالى، فقد حصل الفعل بمجموع القدرتين ; وفيه أن التفويض بهذا المعنى لم يقل به أحد حتى يرد عليه ; ومنهم من قال: الامر بين الامرين هو كون بعض الاشياء باختيار العبد وهي الافعال التكليفية، وكون بعضها بغير اختياره كالصحة والمرض والنوم واليقظة، والذكر والنسيان وأشباه ذلك، ويرد عليه ما أوردناه على الوجه السابق والله تعالى يعلم وحججه عليهم السلام. وبسط القول في تلك المسألة وإيراد الدلائل والبراهين على ما هو الحق فيها ودفع الشكوك والشبه عنها لا يناسب ما هو المقصود من هذا الكتاب، والله يهدي من يشاء إلى الحق والصواب. (باب 3) * (القضاء والقدر (1) والمشية والارادة وسائر أسباب الفعل) * الايات، البقرة: ” 2 ” ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد 253. آل عمران ” 3 ” وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا 145. الانعام ” 6 ” ولو شاء الله ما أشركوا 107 ” وقال تعالى “: ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون 137 ” وقال تعالى “: سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين 148 – 149.


(1) مسألة القضاء والقدر من العقائد التى جاءت بها جميع الاديان، وليست خاصة بالمسلمين، ولكثرة استعمال هاتين اللفظتين ظن بعض الناس أن فيهما معنى الا كراه والاجبار وليس كما ظن، وسيوافيك الاخبار والروايات وكلمات الاعلام في ذلك فتعلم أنهما لا ينافيان الاختيار.

[ 85 ]

الاعراف ” 7 ” قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله 187. الانفال ” 8 ” ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا 42. التوبة ” 9 ” قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولينا وعلى الله فليتوكل المؤمنون 51 ” وقال تعالى “: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون 55. يونس ” 10 ” ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين * وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون 99 – 100 الاحزاب ” 33 ” وكان أمر الله مفعولا 37 وقال وكان أمر الله قدرا مقدورا 38. فاطر ” 35 ” وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير 11. السجدة ” 41 ” ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم 45. حمعسق ” 42 ” ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون مالهم من ولي ولا نصير 8 ” وقال تعالى “: ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم 21. الزخرف ” 43 ” وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون 20. القمر ” 54 ” إنا كل شئ خلقناه بقدر 49 ” وقال “: وكل شئ فعلوه في الزبر * وكل صغير وكبير مستطر 52 – 53. الحديد ” 57 ” ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير 22. الحشر ” 59 ” ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله 5. التغابن ” 64 ” ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله 11. الطلاق ” 65 ” يتنزل الامر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما 12.


[ 86 ]

المدثر ” 74 ” كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء 31 ” وقال تعالى “: وما يذكرون إلا أن يشاء الله 56. الدهر ” 76 ” وما تشاؤن إلا أن يشاء الله 30 ” وقال تعالى “: يدخل من يشاء في رحمته 31. كورت ” 81 ” وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين 29. تفسير: ولو شاء الله ما اقتتلوا أي لو شاء أن يجبرهم ويلجئهم على ترك الاقتتال لفعل لكنه مناف للتكليف فلذا وكلهم إلى اختيارهم فاقتتلوا، وإذن الله أمره وتقديره، وقيل: علمه، من أذن بمعنى علم. وقال الطبرسي في قوله تعالى: ” فلو شاء لهداكم أجمعين ” أي لو شاء لالجأكم إلى الايمان، وهذه المشية تخالف المشية المذكورة في الآية الاولى. لان الله سبحانه أثبت هذه ونفى تلك، فالاولى مشية الاختيار والثانية مشية الالجاء. وقيل: إن المراد به: لو شاء لهداكم إلى نيل الثواب ودخول الجنة ابتداءا من غير تكليف. قوله تعالى: ” قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ” أي مطلقا لان ما يتوقف عليه الفعل من الاسباب والآلات إنما هو بقدرته تعالى، وهو لا ينافي الاختيار، أو فيما ليس باختيار العبد من دفع البلايا وجلب المنافع، ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك: ” ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء “. قوله تعالى: ” ليقضي الله أمرا كان مفعولا ” أي قدر الله التقاءكم مع المشركين في بدر على غير ميعاد منكم ليقضي أمرا كان كائنا لا محالة، أو من شأنه أن يكون هو إعزاز الدين وأهله، وإذلال الشرك وأهله، ومعنى ” ليقضي “: ليفعل، أو ليظهر قضاؤه. قوله تعالى: في الزبر ” أي في الكتب التي كتبتها الحفظة، أو في اللوح المحفوظ، ” وكل صغير وكبير مستطر ” أي وما قدموه من أعمالهم من صغير وكبير مكتوب عليهم، أو كل صغير وكبير من الارزاق والآجال ونحوها مكتوب في اللوح. قوله تعالى: ” وما يذكرون إلا أن يشاء الله ” أي إلا أن يشاء أن يجبرهم على ذلك بقرينة قوله سابقا: ” إنها تذكرة فمن شاء ذكره ” وقيل: إلا أن يشاء الله من حيث


[ 87 ]

أمر به ونهى عن تركه فكانت مشيته سابقة أي لا يذكرون إلا والله قد شاء ذلك. 1 – ب: ابن طريف، عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله رقى (1) يستشفى بها هل ترد من قدر الله ؟ فقال: إنها من قدر الله. ” ص 45 ” 2 – ل: الخليل بن أحمد السنجري، عن محمد بن إسحاق بن خزيمة، عن علي بن حجر، عن شريك، عن منصور بن المعتمر، (2) عن ربعي بن خراش، (3) عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة: حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني رسول الله بعثني بالحق، وحتى يؤمن بالبعث بعد الموت، وحتى يؤمن بالقدر. 3 – ل: أبو أحمد محمد بن جعفر البندار، عن جعفر بن محمد بن نوح، عن محمد بن عمر، عن يزيد بن زريع، عن بشر بن نمير، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة (4) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربعة لا ينظر الله إليهم القيامة: عاق، ومنان، ومكذب بالقدر، ومدمن خمر. 4 – ل: حمزة العلوي، عن أحمد الهمداني، عن يحيى بن الحسن بن جعفر، عن


(1) جمع الرقية بالضم: العوذة. (2) قال العلامة في القسم الثاني من الخلاصة: منصور بن معتمر من أصحاب الباقر عليه السلام تبرى انتهى، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمى، أبوعثاب – بمثلثة تقيلة ثم موحدة – الكوفى، ثقة، ثبت، وكان لا يدلس، من طبقة الاعمش، مات سنة 132. (3) ربعى بالكسر الراء وسكون الباء، والعين المهملة، خراش بالخاء المعجمة المكسورة والراء والسين المعجمة، ضبطه كذلك الميرزا في هامس الوسيط، وحكى ذلك أيضا عن ابن داود، وضبطه ابن حجر في التقريب بكسر المهملة وآخره معجمة وقال: أبو مريم العبسى الكوفى ثقة، عابد، مخضرم، من الثانية، مات سنة مائة، وقيل: غير ذلك انتهى. أقول: وأرخ وفاته في الوسيط و في المحكى عن مختصر الذهبي سنة 101 وحكى عن البرقى وغيره أنه وأخاه مسعود من خواص أمير المؤمينن عليه السلام من مضر. (4) لعله صدى – بالتصغير – ابن عجلان أبو أمامة الباهلى الصحابي المشهور سكن الشام ومات بها سنة 86 وقيل 81.

[ 88 ]

محمد بن ميمون الخزاز، عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والتارك لسنتي، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعزه الله ويعز من أذله الله، والمستأثر بفئ المسلمين المستحل له. 5 – ل: ابن المتوكل، عن محمد العطار، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن محمد، عن أبي القاسم الكوفي، عن عبد المؤمن الانصاري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لعنت سبعة لعنهم الله وكل نبي مجاب قبلي، فقيل: ومن هم يا رسول الله ؟ فقال: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمخالف لسنتي، و المستحل من عترتي ما حرم الله، والمتسلط بالجيرية (1) ليعز من أذل الله ويذل من أعز الله، والمستأثر على المسلمين (2) بفيئهم مستحلا له والمحرم ما أحل الله عز وجل. 6 – ل: محمد بن عمر الحافظ، عن محمد بن الحسين الخثعمي، عن ثابت بن عامر السنجاري ؟ عن عبد الملك بن الوليد، عن عمرو بن عبد الجبار، عن عبد الله بن زياد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: سبعة لعنهم الله وكل نبي مجاب، المغير لكتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمبدل سنة رسول الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله عزوجل، والمتسلط في سلطانه ليعز من أذل الله ويذل من أعز الله، والمستحل لحرم الله، (3) والمتكبر عبادة الله عزوجل. 7 – ل: أبى، عن سعد، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي عبد الله البرقي، عن زكريا ابن عمران، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال: لا يكون شئ في السماوات والارض إلا بسبعة: بقضاء، وقدر وإرادة، ومشية، وكتاب، وأجل، وإذن، فمن قال غير هذا فقد كذب على الله، أورد على الله عزوجل.


(1) المتسلط بالجبرية أو بالجبروت أي بالقدرة والسلطة والعظمة. (2) استأثر بالشئ على الغير أي استبد به وخص به نفسه. (3) الحرم بضم الحاء والراء جمع الحرام: ضد الحلال.

[ 89 ]

8 – فس: أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن موسى عليه السلام سأل ربه أن يجمع بينه وبين آدم عليه السلام فجمع، فقال له موسى: يا أبه ألم يخلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأمرك أن لا تأكل من الشجرة ؟ فلم عصيته ؟ قال: يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة ؟ قال: بثلاثين سنة، (2) قال: فهو ذلك، قال الصادق عليه السلام: فحج آدم موسى عليه السلام. (3) ” ص 36 – 37 ” بيان: من أصحابنا من حمل هذا الخبر على التقية، إذ قد ورد ذلك في كتبهم بطرق كثيرة، وقد رواه السيد في الطرائف من طرقهم ورده، ويمكن أن يقال: إن المراد أنه كتب في التوراة أن الله وكل آدم إلى اختياره حتى فعل ما فعل لمصلحة إهباطه إلى الدنيا، وأما كونه قبل خلقه عليه السلام فلان التوراة كتب في الالواح السماوية في ذلك الوقت وإن وجده موسى عليه السلام بعد بعثته ” ويحتمل اطلاع روح موسى على ذلك قبل خلق جسد آدم والله يعلم. 9 – ع: أحمد بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن عباد بن يعقوب، عن عمر بن بشر البزاز قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: ما يستطيع أهل القدر أن يقولوا ; والله لقد خلق الله آدم للدنيا وأسكنه الجنة ليعصيه فيرده إلى ما خلقه له. ” ص 192 – 193 ” بيان: قوله: ليعصيه أي عالما بأنه يخليه مع اختياره فيعصيه، فيكون اللام لام العاقبة أي ليخليه فيعصي بذلك مختارا والله يعلم. 10 – مع: أبي، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن


(1) قد عرفت سابقا عدم ثبوت رواية ابن مسكان عن أبى عبد الله عليه السلام بلا واسطة مما ذكرنا عن النجاشي، فانه قال: إنه روى عن أبى عبد الله عليه السلام وليس بثبت انتهى، ومما نقلنا عن الكشى من أنه لم يسمع عنه عليه السلام إلا حديث من أدرك المشعر فقد أدرك الحج، فعلى هذا فالرواية مرسلة. (2) في المصدر: بثلاثين ألف سنة. (3) أي غلب آدم موسى بالحجة.

[ 90 ]

شعيب، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: شاء وأراد، ولم يحب ولم يرض. قلت: كيف ؟ قال: شاء أن لا يكون شئ إلا بعلمه، وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: ثالث ثلاثة، ولم يرض لعباده الكفر. 1 – عد: اعتقادنا في الارادة والمشية قول الصادق عليه السلام: شاء الله، وأراد، ولميحب، ولم يرض، شاء أن لا يكون شئ إلا بعلمه، وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: ثالث ثلاثة، ولم يرض لعباده الكفر. (1) وقال الله عزوجل: ” إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ” (2) وقال عزوجل: ” وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ” (3) وقال عزوجل: ” ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ” (4) وقال عزوجل: ” وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ” (5) كما قال: ” وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ” (6) كما قال: ” يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ” (7) وقال عزوجل: ” ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ” (8) وقال عزوجل ” ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا ” (9) وقال عزوجل: ” ولو شئنا لآتينا كل نفس هديها ” (10) وقال عزوجل: ” فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ” (11) وقال عزوجل: ” يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم ” (12) وقال الله عزوجل: ” يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة ” (13) وقال عزوجل: ” يريد الله


(1) تقدم مسندا تحت رقم 11 ويأتى بسند آخر تحت رقم 34. (2) القصص: 56. (3) الدهر: 30. (4) يونس: 99. (5) يونس: 100 (6) آل عمران: 145. (7) آل عمران: 154. (8) الانعام: 112. (9) الانعام: 107. (10) الم السجدة: 13. (11) الانعام: 125. (12) النساء: 26. (13) آل عمران: 176.

[ 91 ]

أن يخفف عنكم ” (1) وقال: ” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ” (2) وقال عز وجل: ” والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ” (3) وقال عزوجل: ” وما الله يريد ظلما للعباد “. (4) فهذا اعتقادنا في الارادة والمشية، ومخالفونا يشنعون علينا في ذلك، ويقولون: إنا نقول: إن الله عزوجل أراد المعاصي وأراد قتل الحسين عليه السلام وليس هكذا نقول، ولكنا نقول: إن الله عزوجل أراد أن يكون معصية العاصين خلاف طاعة المطيعين، وأراد أن تكون المعاصي غير منسوبة إليه من جهة الفعل، وأراد أن يكون موصوفا بالعلم بها قبل كونها، ونقول: أراد الله أن يكون قتل الحسين عليه السلام معصية له خلاف الطاعة، ونقول: أراد أن يكون قتله منهيا عنه غير مأمور به، ونقول: أراد الله أن يكون مستقبحا غير مستحسن، ونقول: أراد الله عزوجل أن يكون قتله سخطا لله غير رضاه، ونقول: أراد الله عزوجل أن لا يمنع من قتله بالجبر والقدرة كما منع منه بالنهي، ونقول: أراد الله أن لا يدفع القتل عنه كما دفع الحرق عن إبراهيم عليه السلام، حين قال عزوجل للنار التي القي فيها: ” يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ” (5) ونقول: لم يزل الله عالما بأن الحسين عليه السلام سيقتل ويدرك بقتله سعادة الابد، ويشقى قاتله شقاوة الابد، و نقول: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. هذا اعتقادنا في الارادة والمشية، دون ما نسب إلينا أهل الخلاف والمشنعون علينا من أهل الالحاد ” ص 69 – 71 ” أقول: قال الشيخ المفيد نور الله ضريحه: الذي ذكره الشيخ أبو جعفر رحمه الله في هذا الباب لا يتحصل ومعانيه تختلف وتتناقض، والسبب في ذلك أنه عمل على ظواهر الاحاديث المختلفة، ولم يكن ممن يرى النظر فيميز بين الحق والباطل، ويعمل على ما توجب الحجة: ومن عول في مذهبه على الاقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه: والحق في ذلك أن الله تعالى لا يريد إلا ما حسن من الافعال، ولا


(1) النساء: 27. (2) البقرة: 185. (3) النساء: 27. (4) النساء: 31. (5) الانبياء: 69.

[ 92 ]

يشاء إلا الجميل من الاعمال، ولا يريد القبائح، ولا يشاء الفواحش، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا، قال الله تعالى: ” وما الله يريد ظلما للعباد ” وقال: ” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ” وقال: ” يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ” الآية ” والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ; يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا ” فخبر سبحانه أنه لا يريد لعباده العسر، بل يريد بهم اليسر، وأنه يريد لهم البيان، ولا يريد لهم الضلال، ويريد التخفيف عنهم، ولا يريد التثقيل عليهم، فلو كان سبحانه مريدا لمعاصيهم لنا في ذلك إرادة البيان لهم، أو التخفيف عنهم واليسر لهم، فكتاب الله تعالى شاهد بضد ما ذهب إليه الضالون المفترون على الله الكذب، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. فأما ما تعلقوا به من قوله تعالى: ” فمن يرد الله أن يهديه ” الآية فليس للمجبرة به تعلق ولا فيه حجة، من قبل أن المعنى فيه من أراد الله تعالى أن ينعمه ويثيبه جزاءا على طاعته شرح صدره للاسلام بالالطاف التي يحبوه بها، فييسر له بها استدامة أعمال الطاعات، والهداية في هذا الموضع هي التنعيم، قال الله تعالى – فيما خبر به عن أهل الجنة -: ” الحمد لله الذي هدانا لهذا ” (1) الآية أي نعمنا به وأثابنا إياه، والضلال في هذه الآية هو العذاب، قال الله تعالى: ” إن المجرمين في ضلال وسعر ” (2) فسمي العذاب ضلالا والنعيم هداية، والاصل في ذلك أن الضلال هو الهلاك، والهداية هي النجاة، قال الله تعالى – حكاية عن العرب -: ” أئذا ضللنا في الارض أئنا لفي خلق جديد ” (3) يعنون إذا هلكنا فيها، وكأن المعنى في قوله: ” فمن يرد الله أن يهديه ” ما قدمناه ” ومن يرد أن يضله ” ما وصفناه، والمعنى في قوله: ” يجعل صدره ضيقا حرجا ” يريد سلبه التوفيق عقوبة له على عصيانه، ومنعه الالطاف جزاءا له على إساءته، فشرح الصدر: ثواب الطاعة بالتوفيق، وتضييقه: عقاب المعصية بمنع التوفيق، وليس في هذه الآية على ما بيناه شبهة لاهل الخلاف فيما ادعوه من أن الله تعالى يضل عن الايمان، ويصد


(1) الاعراف: 43. (2) القمر: 47. (3) الم السجدة: 10.

[ 93 ]

عن الاسلام، ويريد الكفر، ويشاء الضلال ; وأما قوله تعالى: ” ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا ” فالمراد به الاخبار عن قدرته، وأنه لو شاء أن يلجئهم إلى الايمان ويحملهم عليه بالاكراه والاضطرار لكان على ذلك قادرا، لكنه شاء تعالى منهم الايمان على الطوع والاختيار، وآخر الآية يدل على ما ذكرناه وهو قوله: ” أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ” (1) يريد أن الله قادر على إكراههم على الايمان لكنه لا يفعل ذلك، ولو شاءه لتيسر عليه، وكل ما يتعلقون به من أمثال هذه الآية فالقول فيه ما ذكرناه أو نحوه على ما بيناه، وفرار المجبرة من إطلاق القول: بأن الله يريد أن يعصى ويكفر به ويقتل أولياؤه إلى القول بأنه يريد أن يكون ما علم كما علم ويريد أن يكون معاصيه قبائح منهيا عنها وقوع فيما هربوا منه، وتورط فيما كرهوه، (2) وذلك أنه إذا كان ما علم من القبيح كما علم وكان تعالى مريدا لان يكون ما علم من القبيح كما علم فقد أراد القبيح وأراد أن يكون قبيحا، فما معنى فرارهم من شئ إلى نفسه ؟ وهربهم من معنى إلى عينه ؟ ! فكيف يتم لهم ذلك مع أهل العقول ؟ ! وهل قولهم هذا إلا كقول إنسان: أنا لا أسب زيدا لكني أسب أبا عمرو وزيد هو أبو عمرو ؟ وكقول اليهود إذ قالوا سخرية بأنفسهم: نحن لا نكفر بمحمد صلى الله عليه وآله لكنا نكفر بأحمد ؟ ! فهذا رعونة (3) وجهل ممن صار إليه. 12 – ن: أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري، عن إبراهيم بن محمد بن مروان، عن جعفر بن محمد بن زياد، عن أحمد بن عبد الله الجويباري، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عزوجل قدر المقادير، و دبر التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي عام. ” ص 80 ” ن: بالاسانيد الثلاثة عنه عليه السلام مثله. صح: عنه عليه السلام مثله. 13 – فس: أبى، عن النوفلي، عن السكوني ؟ عن جعفر، عن أبيه صلوات الله


(1) قد أشرنا قبيل ذلك إلى موضع الاية وإلى مواضع سائر الايات. (2) تورط الرجل: وقع في الورطة أو في أمر مشكل. (3) الرعونة: الحمق والهوج في الكلام.

[ 94 ]

عليهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سبق العلم وجف القلم ومضى القضاء وتم القدر بتحقيق الكتاب، وتصديق الرسل، وبالسعادة من الله لمن آمن واتقى، وبالشقاء لمن كذب وكفر، وبالولاية من الله للمؤمنين، وبالبراءة منه للمشركين. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله يقول: يابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي، وبقوتي وعصمتي وعافيتي أديت إلي فرائضي، وأنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بذنبك مني، الخير مني إليك بما أوليتك به، (1) والشر مني إليك بما جنيت جزاءا، وبكثير من تسلطي لك انطويت عن طاعتي، وبسوء ظنك بي قنطت من رحمتي، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان، ولي السبيل عليك بالعصيان، ولك الجزاء الحسن عندي بالاحسان، لم أدع تحذيرك بي، ولم آخذك عند عزتك، وهو قوله: ” ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ” لم أكلفك فوق طاقتك، ولم أحملك من الامانة إلا ما أقررت بها على نفسك، ورضيت لنفسي منك ما رضيت به لنفسك مني. ” ص 547 – 548 ” 14 – يد: أبي وابن الوليد معا، عن محمد العطار، وأحمد بن إدريس معا، عن الاشعري، عن ابن يزيد، عن علي بن حسان، عن السكوني، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن سعدان، عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وآله مثله. ” ص 353 – 354 ” بيان: قوله صلى الله عليه وآله: بتحقيق الكتاب أي جنس الكتاب، فالمراد كل كتاب منزل، أو القرآن، أو اللوح. قوله تعالى: بمشيتي كنت أنت الذي تشاء أي شئت أن أجعلك شائيا مختارا، وأردت أن أجعلك مريدا فجعلتك كذلك وفي ” يد “: الخير مني بما أوليت بدءا. فيمكن أن يقرأ أوليت على صيغة الخطاب والتكلم. قوله تعالى: وبكثير من تسلطي لك أي من التسلط الذي جعلت لك على الخلق وعلى الامور. وانطوى عن الشئ أي هاجره وجانبه. وفي التوحيد مكان تلك الفقرة: وبإحساني إليك قويت على طاعتي.


(1) في المصدر: الخير منى اليك واصل بما اوليتك.

[ 95 ]

قوله تعالى: ولم آخذك عند عزتك أي لم أعذبك عند غفلتك، بل وعظتك و نبهتك وحذرتك. وقوله: وهو قوله إلى قوله: من دابة ليس في التوحيد ولا يبعد كونه كلام علي بن إبراهيم. 15 – فس: ” والذي قدر فهدى ” قال: قدر الاشياء في التقدير الاول ثم هدى إليها من يشاء. ” ص 721 ” 16 – ج: روي أنه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن القضاء والقدر، فقال: لا تقولوا: وكلهم الله إلى أنفسهم فتوهنوه، ولا تقولوا: جبرهم (1) على المعاصي فتظلموه، ولكن قولوا: الخير بتوفيق الله، والشر بخذلان الله، وكل سابق في علم الله. ” ص 110 ” 17 – قال الرضا عليه السلام: ثمانية أشياء لا تكون إلا بقضاء الله وقدره: النوم، و اليقظة، والقوة، والضعف، والصحة، والمرض، والموت، والحياة. (2) 18 – وقال النبي صلى الله عليه وآله: يقول الله عزوجل: من لم يرض بقضائي، ولم يشكر لنعمائي، ولم يصبر على بلائي، فليتخذ ربا سوائي. (3) 19 – ج: روي عن علي بن محمد العسكري عليهما السلام في رسالته إلى أهل الاهواز في نفي الجبر والتفويض أنه قال: روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه سأله رجل بعد انصرافه من الشام فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام أ بقضاء وقدر ؟ فقال له أمير المؤمنين: نعم يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدره ; فقال الرجل: عند الله أحتسب عنائي والله ما أرى لي من الاجر شيئا. فقال علي عليه السلام: بلى فقد عظم الله لكم الاجر في مسيركم وأنتم ذاهبون، وعلى منصرفكم وأنتم منقلبون، ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين ؟ (4) فقال الرجل: وكيف لا نكون مضطرين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا ؟ فقال أمير المؤمنين


(1) في المصدر: اجبرهم. م (2) لم نجده في الاحتجاج. م (3) لم نجده ايضا فيه. م (4) في المصدر: من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين. م (*)

[ 96 ]

عليه السلام: لعلك أردت قضاءا لازما وقدرا حتما لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب و العقاب، وسقط الوعد والوعيد، والامر من الله والنهي، وما كانت تأتي من الله لائمة لمذنب، ولا محمدة لمحسن، ولا كان المحسن أولى بثواب الاحسان من المذنب، ولا المذنب أولى بعقوبة الذنب من المحسن، تلك مقالة إخوان عبدة الاوثان، وجنود الشيطان، وخصماء الرحمن، وشهداء الزور والبهتان، وأهل العمى (1) والطغيان، هم قدرية هذه الامة ومجوسها ; إن الله تعالى أمر تخييرا، ونهى تحذيرا، وكلف يسيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يرسل الرسل هزلا، ولم ينزل القرآن عبثا، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. قال ثم تلا عليهم: ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ” قال: فنهض الرجل مسرورا وهو يقول: أنت الامام الذي نرجو بطاعته * يوم النشور من الرحمن رضوانا وساق الابيات إلى قوله: أنى يحب وقد صحت عزيمته ؟ * على الذي قال أعلن ذاك إعلانا ” ص 109 – 110 ” 20 – وروي أن الرجل قال: فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين ؟ قال: الامر بالطاعة، والنهي عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية، والمعونة على القربة إليه، والخذلان لمن عصاه، والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب كل ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدره لاعمالنا، أما غير ذلك فلا تظنه فإن الظن له محبط للاعمال، فقال الرجل: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك ” ص 109 ” 21 – فوائد الكراجكي، عن المفيد، عن محمد بن عمر الحافظ، عن إسحاق بن جعفر العلوي، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن سليمان بن محمد القرشي، عن السكوني، عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام ; إلى آخر الحبرين ” ص 169 – 170 “


(1) في المصدر: واهل الغى. م

[ 97 ]

22 – عد: اعتقادنا في القضاء والقدر قول الصادق عليه السلام لزرارة حين سأله فقال: ما تقول في القضاء والقدر ؟ قال: أقول: إن الله عزوجل إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم، ولم يسألهم عما قضى عليهم، (1) والكلام في القدر منهي عنه كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل قد سأله عن القدر: فقال: بحر عميق فلا تلجه، ثم سأله ثانية فقال: طريق مظلم فلا تسلكه، ثم سأله ثالثة فقال: سر الله فلا تتكلفه. (2) ” ص 71 ” 23 – وقال أمير المؤمنين عليه السلام في القدر: ألا إن القدر سر من سر الله، (3) وحرز من حرز الله مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، مختوم بخاتم الله، سابق في علم الله، وضع الله عن العباد علمه، ورفعه فوق شهاداتهم، (4) لانهم لا ينالونه بحقيقة الربانية، ولا بقدرة الصمدانية، ولا بعظمة النورانية، ولا بعزة الوحدانية، لانه بحرز اخر، مواج، خالص لله عزوجل، عمقه ما بين السماء والارض، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات والحيتان، تعلو مرة وتسفل أخرى، في قعره شمس تضئ، لا ينبغى أن يطلع عليها إلا الواحد الفرد، فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في حكمه، ونازعه في سلطانه، وكشف عن سره وستره، وباء بغضب من الله، ومأواه جهنم، وبئس المصير. (5) ” ص 71 ” 24 – وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام عدل من عند حائط مائل إلى مكان آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله ؟ فقال عليه السلام: أفر من قضاء الله إلى قدر الله. (6) وسئل


(1) سيأتي الحديث مسندا تحت رقم 38 وتقدم مرسلا عن زرارة في الباب السابق تحت رقم 111 نحوه. (2) سيأتي مسندا تحت رقم 35. (3) في المصدر: سر من سر الله وستر من ستر الله. م (4) في المصدر: ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم. م (5) أورده مسندا في ص 392 من التوحيد، والسند هكذا: محمد بن موسى المتوكل، عن السعد آبادى، عن البرقى، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن ابن طريف، عن الاصبغ، عن أمير المؤمنين عليه السلام. فليراجعه. (6) انظر الحديث منسدا تحت رقم 41.

[ 98 ]

الصادق عليه السلام عن الرقى هل تدفع من القدر شيئا ؟ فقال: هي من القدر. (1) ” ص 71 – 72 ” أقول: قال الشيخ المفيد رحمه الله في شرح هذا الكلام: عمل أبو جعفر في هذا الباب على أحاديث شواذ لها وجوه تعرفها العلماء متى صحت وثبت أسنادها، ولم يقل فيه قولا محصلا، وقد كان ينبغي له لما لم يعرف للقضاء معنى أن يهمل الكلام فيه والقضاء معروف في اللغة، وعليه شواهد من القرآن فالقضاء على أربعة أضراب: أحدها الخلق، والثاني الامر، والثالث الاعلام، والرابع القضاء بالحكم: فأما شاهد الاول فقوله تعالى: ” فقضيهن سبع سموات ” (2) وأما الثاني فقوله تعالى: ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ” (3) وأما الثالث فقوله تعالى: ” وقضينا إلى بني إسرائيل ” (4) وأما الرابع فقوله: ” والله يقضي بالحق ” (5) يعني يفصل بالحكم بالحق بين الخلق، وقوله: ” وقضي بينهم بالحق “. (6) وقد قيل: إن للقضاء معنى خامسا وهو الفراغ من الامر، واستشهد على ذلك بقول يوسف عليه السلام: ” قضي الامر الذي فيه تستفتيان ” (7) يعني فرغ منه، و هذا يرجع إلى معنى الخلق. وإذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المجبرة: أن الله تعالى قضى بالمعصية على خلقه لانه لا يخلو إما أن يكونوا يريدون به أن الله خلق العصيان في خلقه فكان يجب أن يقولوا: قضى في خلقه بالعصيان، ولا يقولوا قضى عليهم لان الخلق فيهم لا عليهم، مع أن الله تعالى قد أكذب من زعم أنه خلق المعاصي بقوله سبحانه: ” الذي


(1) تقدم الحديث مسندا تحت رقم 1 عن كتاب قرب الاسناد، وأورده الصدوق في ص 390 من التوحيد باسناد آخر وهو هكذا: الدقاق، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفى، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن على بن سالم، عن أبى عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرقى أتدفع من القدر شيئا ؟ فقال: هي من القدر، وقال عليه السلام: إن القدرية مجوس هذه الامة، وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الاية: ” يوم يسحبون في النار على وجوههم ذو قوامس سقر إنا كل شئ خلقناه بقدر ” (2) حم السجدة: 12. (3) اسرى: 23. (4) اسرى: 4. (5) المؤمن: 10. (6) الزمر: 69. (7) يوسف: 41.

[ 99 ]

أحسن كل شئ خلقه ” (1) كما مر ; ولا وجه لقولهم: قضى المعاصي على معنى أمر بها لانه تعالى قد أكذب مدعي ذلك بقوله تعالى: ” إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ” (2) ولا معنى لقول من زعم أنه قضى بالمعاصي على معنى أنه أعلم الخلق بها إذ كان الخلق لا يعلمون أنهم في المستقبل يطيعون أو يعصون، ولا يحيطون علما بما يكون منهم في المستقبل على التفصيل ; ولا وجه لقولهم: إنه قضى بالذنوب على معنى أنه حكم بها بين العباد لان أحكام الله تعالى حق، والمعاصي منهم، ولا لذلك فائدة وهو لغو باتفاق فبطل قول من زعم أن الله تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح. والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الذي بيناه أن الله تعالى في خلقه قضاءا و قدرا وفي أفعالهم أيضا قضاءا وقدرا معلوما، ويكون المراد بذلك أنه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالامر بها، وفي أفعالهم القبيحة بالنهي عنها، وفي أنفسهم بالخلق لها، وفيما فعله فيهم بالايجاد له ; والقدر منه سبحانه فيما فعله إيقاعه في حقه وموضعه، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الامر والنهي والثواب والعقاب لان ذلك كله واقع موقعه و موضوع في مكانه لم يقع عبثا ولم يصنع باطلا. فإذا فسر القضاء في أفعال الله تعالى والقدر بما شرحناه زالت الشبهة منه وثبتت الحجة به ووضح القول فيه لذوي العقول ولم يلحقه فساد ولا اختلال. فأما الاخبار التي رواها في النهي عن الكلام في القضاء، والقدر فهي تحتمل وجهين: أحدهما أن يكون النهي خاصا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلهم عن الدين ولا يصلحهم إلا الامساك عنه وترك الخوض فيه، ولم يكن النهي عنه عاما لكافة المكلفين وقد يصلح بعض الناس بشئ يفسد به آخرون، ويفسد بعضهم بشئ يصلح به آخرون، فدبر الائمة عليهم السلام أشياعهم في الدين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه. والوجه الاخر أن يكون النهي عن الكلام فيهما النهي عن الكلام فيما خلق الله تعالى وعن علله وأسبابه وعما أمر به وتعبد، وعن القول في علل ذلك إذ كان طلب علل الخلق والامر محظورا لان الله تعالى سترها من أكثر خلقه ألا ترى أنه لا يجوز لاحد


(1) الم الجسدة: 7. (2) الاعراف: 28.

[ 100 ]

أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللا مفصلات، فيقول: لم خلق كذا وكذا ؟ حتى يعد المخلوقات كلها ويحصيها، ولا يجوز أن يقول: لم أمر بكذا وتعبد بكذا ونهى عن كذا ؟ إذ تعبده بذلك وأمره لما هو أعلم به من مصالح الخلق، ولم يطلع أحدا من خلقه على تفصيل ما خلق وأمر به وتعبد، وإن كان قد أعلم في الجملة أنه لم يخلق الخلق عبثا، وإنما خلقهم للحكمة والمصلحة، ودل على ذلك بالعقل والسمع، فقال سبحانه: ” وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين ” (1) وقال: ” أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ” (2) وقال: ” إنا كل شئ خلقناه بقدر ” (3) يعني بحق، ووضعناه في موضعه، وقال: ” وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ” (4) وقال فيما تعبد: ” لن ينال الله لحومها ولا دماؤها و لكن يناله التقوى منكم “. (5) وقد يصح أن يكون تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه تعالى بأنه يؤمن عند خلقه كفار، أو يتوب عند ذلك فساق، أو ينتفع به مؤمنون، أو يتعظ به ظالمون، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك، أو يكون عبرة لواحد في الارض أو في السماء، وذلك يغيب عنا، وإن قطعنا في الجملة أن جميع ما صنع الله تعالى إنما صنعه لاغراض حكمية، ولم يصنعه عبثا، وكذلك يجوز أن يكون تعبدنا بالصلاة لانها تقربنا من طاعته وتبعدنا عن معصيته، وتكون العبادة بها لطفا لكافة المتعبدين بها أو لبعضهم. فلما خفيت هذه الوجوه وكانت مستورة عنا ولم يقع دليل عل التفصيل فيها وإن كان العلم بأنها حكمة في الجملة كان النهي عن الكلام في معنى القضاء والقدر إنما هو عن طلب علل لها مفصلة فلم يكن نهيا عن الكلام في معنى القضاء والقدر. هذا إن سلمت الاخبار التي رواها أبو جعفر رحمه الله، فأما إن بطلت أو اختل سندها فقد سقط عنا عهدة الكلام فيها، والحديث الذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى، والمعنى فيه ظاهر ليس به على العقلاء خفاء، وهو مؤيد للقول بالعدل


(1) الانبياء: 16. (2) المؤمنون: 115. (3) القمر: 49. (4) الذاريات: 56. (5) الحج: 37.

[ 101 ]

ألا ترى إلى ما رواه عن أبي عبد الله عليه السلام من قوله: إذا حشر الله تعالى الخلائق سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم (1) وقد نطق القرآن بأن الخلق مسؤولون عن أعمالهم انتهى كلامه رحمه الله. وأقول: من تفكر في الشبه الواردة على اختيار العباد وفروع مسألة الجبر و الاختيار والقضاء والقدر علم سر نهي المعصوم عن التفكر فيها فإنه قل من أمعن النظر فيها ولم يزل قدمه إلا من عصمه الله بفضله. 25 – يد: المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري عليه السلام قال: قال الرضا عليه السلام – فيما يصف به الرب -: لا يجور في قضيته، الخلق إلى ما علم منقادون، وعلي ما سطر في كتابه ماضون، لا يعملون خلاف ما علم منهم، ولا غيره يريدون. الخبر. (2) 26 – يد: في خبر الفتح بن يزيد، عن أبي الحسن عليه السلام إن الله إرادتين ومشيتين: إرادة حتم، وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أو ما رأيت أن الله نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك ؟ ولو لم يشأ لم يأكلا، ولو أكلا لغلبت مشيتهما مشية الله، وأمر إبراهيم بذبح ابنه وشاء أن لا يذبحه، ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشية الله عزوجل. ” ص 46 – 47 ” أقول: أوردنا الخبر بإسناده وتمامه في باب جوامع التوحيد، قال الصدوق رحمه الله بعد إيراد هذا الخبر: إن الله تعالى نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وقد علم أنهما يأكلان منها لكنه عزوجل شاء أن لا يحول بينهما وبين الاكل منها بالجبر والقدرة، كما منعهما عن الاكل منها بالنهي والزجر، فهذا معنى مشيته فيهما، ولو شاء عزوجل منعهما من الاكل بالجبر ثم أكلا منها لكان مشيتهما قد غلبت مشية الله كما قال العالم، تعالى الله عن العجز علوا كبيرا. بيان: قيل: المراد بالمشية في تلك الاخبار هو العلم، وقيل: هي تهيئة أسباب الفعل بعد إرادة العبد ذلك الفعل، وقيل: ارادة بالعرض يتعلق بفعل العبد، والاصوب


(1) يأتي الحديث مسندا تحت رقم 38 وفيه: إبراهيم بن هاشم وعلى بن معبد. (2) تقدم الحديث بتمامه في باب نفى الجسم والصورة.

[ 102 ]

أنها عبارة عن منع الالطاف والهدايات الصارفة عن الفعل والداعية إليه لضرب من المصلحة، أو عقوبة لما صنع العبد بسوء اختياره كما مر بيانه. (1) 27 – يد: الدقاق، عن الكليني، عن ابن عامر، عن المعلي قال: سئل العالم عليه السلام كيف علم الله ؟ قال: علم وشاء، وأراد وقدر، وقضى وأمضى ; فأمضى ما قضى، و قضى ما قدر، وقدر ما أراد ; فبعلمه كانت المشية، وبمشيته كانت الارادة، وبإرادته كان التقدير، وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كان الامضاء، فالعلم متقدم على المشية، و المشية ثانية، والارادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالامضاء، فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء، وفيما أراد لتقدير الاشياء، فإذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء، فالعلم بالمعلوم قبل كونه، والمشية في المشاء قبل عينه، والارادة في المراد قبل قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا وقياما، (2) والقضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الاجسام المدركات بالحواس، من ذي لون وريح، ووزن وكيل، وما دب ودرج، من إنس وجن، وطير وسباع، وغير ذلك مما يدرك بالحواس، فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء، والله يفعل ما يشاء، وبالعلم علم الاشياء قبل كونها، وبالمشية عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها، وبالارادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها وحدودها، وبالتقدير قدر أقواتها (3) وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها، و بالامضاء شرح عللها وأبان أمرها ذلك تقدير العزيز العليم. ” ص 345 – 346 ” بيان: قوله عليه السلام: قبل تفصيلها وتوصيلها أي في لوح المحو والاثبات، أو في الخارج. قوله عليه السلام: فإذا وقع العين المفهوم المدرك أي فصل وميز في اللوح، أو أوجد في الخارج، ولعل تلك الامور عبارة عن اختلاف مراتب تقديرها في لوح المحو و


(1) ما تضمنه الخبر هي الارادة التشريعية، والارادة التكوينية المتعلقة بأفعال العباد من طريق اختيارهم وإرادتهم، والذى ذكره المصنف رحمه الله بقوله: والاصواب الخ من لوازم تعلق الارادة من طريق الاختيار. ط(2) في الكافي: عيانا ووقتا. (3) في المصدر: في ألوانها وصفاتها وبالتقدير قدر اوقاتها. م

[ 103 ]

الاثبات قد جعلها الله من أسباب وجود الشئ وشرائطه لمصالح، وقد مر بيانها في باب البداء، فالمشية كتابة وجود زيد وبعض صفاته مثلا مجملا، والارادة كتابة العزم عليه بتا مع كتابة بعض صفاته أيضا، والتقدير تفصيل بعض صفاته وأحواله لكن مع نوع من الاجمال أيضا، والقضاء تفصيل جميع الاحوال وهو مقارن للامضاء أي الفعل والايجاد، والعلم بجميع تلك الامور أزلي قديم، فقوله: وبالمشية عرف على صيغة التفعيل، وشرح العلل كناية عن الايجاد. وقال بعض الافاضل: الظاهر من السؤال أنه كيف علم الله ؟ أبعلم مستند إلى الحضور العيني في وقته والشهود لموجود عيني ؟ (1) أو في موجود عيني كما في علومنا ؟ أو بعلم مستند إلى الذات سابق على خلق الاشياء ؟ فأجاب عليه السلام بأن العلم سابق على وجود المخلوق بمراتب، فقال: علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى، فالعلم ما به ينكشف الشئ، والمشية ملاحظته بأحوال مرغوب فيها يوجب فينا ميلا دون المشية له سبحانه لتعاليه عن التغير والاتصاف بالصفة الزائدة، والارادة تحريك الاسباب نحوه بحركة نفسانية فينا بخلاف الارادة فيه سبحانه، والقدر التحديد وتعيين الحدود والاوقات، والقضاء هو الايجاب، والامضاء هو الايجاد، فوجود الخلق بعد علمه سبحانه بهذه المراتب ; وقوله: فأمضى ما قضى أي فأوجد ما أوجب، وأوجب ما قدر، وقدر ما أراد، ثم استأنف البيان على وجه أوضح فقال: بعلمه كانت المشية وهي مسبوقة بالعلم، و بمشيته كانت الارادة وهي مسبوقة بالمشية، وبإرادته كان التقدير والتقدير مسبوق بالارادة، وبتقديره كان القضاء والايجاب وهو مسبوق بالتقدير، إذ لا إيجاب إلا للمحدد الموقوف، وبقضائه وإيجابه كان الامضاء والايجاد ; ولله تعالى البداء فيما علم متى شاء فإن الدخول في العلم أول مراتب السلوك إلى الوجود العيني، وله البداء فيما علم متى شاء أن يبدو وفيما أراد، وحرك الاسباب نحو تحريكه متى شاء قبل القضاء والايجاب فإذا وقع القضاء والايجاب متلبسا بالامضاء والايجاد فلا بداء فعلم أن في المعلوم العلم قبل كون المعلوم وحصوله في الاذهان والاعيان، وفي المشاء المشية قبل عينه ووجوده


(1) في بعض النسخ هكذا: أبعلم مستند إلى الحضور العينى في وقته والشهود في وقته بموجود. ؟

[ 104 ]

العيني. وفي أكثر النسخ: المنشأ ولعل المراد به الانشاء قبل الاظهار، كما في آخر الحديث، وفي المراد الارادة قبل قيامه والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها وحضورها العيني في أوقاتها، والقضاء بالامضاء هو المبرم الذي يلزمه وجود المقضي، فبالعلم علم الاشياء قبل كونها، وأصل العلم غير مرتبط بنحو من الحصول للمعلوم ولو في غيره بصورته المتحدده، ولا يوجب نفس العلم والانكشاف بما هو علم وانشكاف للاشياء إنشاءها، وبالمشيه ومعرفتها بصفاتها وحدودها أنشأها إنشاءا قبل الاظهار والادخال في الوجود العيني، وبالارادة وتحريك الاسباب نحو وجودها العيني ميز بعضها عن بعض بتخصيص تحريك الاسباب نحو وجود بعض دون بعض، وبالتقدير قدرها وعين وحدد أقواتها وأوقاتها وآجالها، وبالقضاء وإيجابها بموجباتها أظهر للناس أماكنها، ودلهم عليها بدلائلها، فاهتدوا إلى العلم بوجودها حسب ما يوجبه الموجب بعد العلم بالموجب، وبالامضاء والايجاد أوضح تفصيل عللها وأبان أمرها بأعيانها. 28 – يد: القطان، عن أحمد الهمداني، عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن مروان بن مسلم، عن الثمالي، عن ابن طريف، عن الاصبغ قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أوحى الله تعالى إلى داود: يا داود تريد وأريد، ولا يكون إلا ما أريد، فإن أسلمت لما أريد أعطيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد ” ص 349 ” 29 – يد: أبي، عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن العرزمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان لعلي عليه السلام غلام اسمه قنبر، وكان يحب عليا عليه السلام حبا شديدا، فإذا خرج علي عليه السلام خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال: يا قنبر مالك ؟ قال: جئت لامشي خلفك فإن الناس كما تراهم يا أمير المومنين فخفت عليك ! قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الارض ؟ قال: لا بل من أهل الارض، قال: إن أهل الارض لا يستطيعون بي شيئا إلا بإذن الله عزوجل من السماء، فارجع فرجع. ” ص 350 ” 30 – كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام


[ 105 ]

قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس، فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معور، (1) فقال أمير المؤمنين: حرس امرء أجله، فلما قام سقط الحائط. قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يفعل هذا وأشباهه وهذا اليقين. ” ج 2 ص 58 ” 31 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن عبد الله بن سنان، عن أبي حمزة، عن سعيد بن قيس الهمداني قال: نظرت يوما في الحرب إلى رجل عليه ثوبان فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع ؟ ! فقال: نعم يا سعيد بن قيس، إنه ليس من عبد إلا وله من الله عزوجل حافظ وواقية معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل، أو يقع في بئر فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شئ. ” ج 2 ص 58 – 59 ” بيان: يمكن أن يكون هذه الامور من خصائصهم عليهم السلام، لعلمهم بعدم تضررهم بهذه الامور وبوقت موتهم وسببه، ولذا فر عليه السلام من حائط كما سيأتي، ولم يفر من حائط كما مر، لعلمه بسقوط الاول وعدم سقوط الثاني، ويحتمل أن يكون المقصود من تلك الاخبار عدم المبالغة في الفرار عن البلايا والمصائب، وعدم ترك الواجبات للتوهمات البعيده. (2) ويؤيده ما رواه الصدوق في الخصال عن ابن المتوكل، عن محمد العطار، عن محمد بن أحمد بن علي الكوفي، ومحمد بن الحسين، عن محمد بن حماد الحارثي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خمسة لا يستجاب لهم: أحدهم رجل مر بحائط مائل وهو يقبل إليه ولم يسرع المشي حتى سقط عليه. الخبر.


(1) أي مخوف لا حافظ له. (2) قوله عليه السلام في آخر الرواية الاولى: ” وهذا اليقين ” الظاهر في المدح والتعظيم ينفى الاحتمال الاول إذ لا فضل لمن لا يتقى مكروها لعلمه يعدم وجوده أو عدم تأثيره، وكذا قوله عليه السلام: حرس امره أجله يدفع الاحتمال الثاني إذ لا يعتد بالتوهمات البعيدة عند العقلاء فلا حاجة إلى دفعه بأن الاجل حارس والذي ينبغى أن يقال: أن اليقين بأن الامر بيد الله لا يدع احتمالا لتأثير مؤثر غيره حتى يتقى آثار المكاره ومع ذلك فالعادة الجارية بين العقلاء من الانسان أن يتقى ما يعد عادة اثرا مكروها ولمن فاز بدرجة اليقين من أولياء الله أن يعمل على طبق يقينه، وأن يجرى على ما يجرى عليه العقلاء فكان عليه السلام يتفنن في سيرته فتارة هكذا وتارة كذلك. ط

[ 106 ]

32 يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن جعفر بن محمد بن عبد الله، عن القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: قيل لعلي عليه السلام: إن رجلا يتكلم في المشية فقال: ادعه لي، فقال: فدعي له، فقال: يا عبد الله خلقك الله لما شاء أو لما شئت ؟ قال: لما شاء، قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال: إذا شاء، قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال: إذا شاء، قال: فيدخلك حيث يشاء أو حيث شئت ؟ فقال: حيث يشاء، قال: فقال علي عليه السلام: لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك. ” ص 348 ” 33 – يد: وبهذا الاسناد قال: دخل على أبي عبد الله عليه السلام أو أبى جعفر عليه السلام رجل من أتباع بني أمية فخفنا عليه، فقلنا له: لو تواريت وقلنا ليس هو ههنا ! قال: بلى ائذنوا له (1) فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله عزوجل عند لسان كل قائل ويد كل باسط، فهذا القائل لا يستطيع أن يقول إلا ما شاء الله، وهذا الباسط لا يستطيع أن يبسط يده إلا بما شاء الله فدخل عليه فسأله عن أشياء آمن بها وذهب. ” ص 348 ” 34 – يد: أبي، عن علي، عن أبيه، عن ابن معبد، عن درست، عن الفضيل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: شاء وأراد ولم يحب ولم يرض، شاء أن لا يكون في ملكه (2) شئ إلا بعلمه وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: ثالث ثلاثة، ولم يرض لعباده الكفر. ” ص 350 ” يد: إن الله تبارك وتعالى قد قضى جيمع أعمال العباد وقدرها وجميع ما يكون في العالم من خير وشر، والقضاء قد يكون بمعنى الاعلام كما قال الله عزوجل: ” وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ” (3) يريد أعلمناهم، وكما قال الله عزوجل: ” وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ” (4) يريد أخبرناه وأعلمناه، فلا ينكر أن يكون الله عزوجل يقضي أعمال العباد وسائر ما يكون من خير وشر على هذا المعنى لان الله عزوجل عالم بها أجمع، ويصح أن يعلمها عباده ويخبرهم عنها، وقد يكون القدر أيضا في معنى


(1) في المصدر: بل ائذنوا له. م (2) ليست في المصدر كلمة ” في ملكه ” كما في الكافي ” ج 1 ص 151 “. (3) اسرى: 2. (4) الحجر: 66.

[ 107 ]

الكتاب والاخبار كما قال الله عزوجل: ” إلا امرأته قدرناها من الغابرين ” (1) يعني كتبنا وأخبرنا ; وقال العجاج: واعلم بأن ذا الجلال قد قدر * في الصحف الاولى التي كان سطر وقدر معناه كتب ; وقد يكون القضاء بمعنى الحكم والالزام قال الله عزوجل: ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ” (2) يريد حكم بذلك وألزمه خلقه، فقد يجوز أن يقال: إن الله عزوجل قد قضى من أعمال العباد على هذا المعنى ما قد ألزمه عباده وحكم به عليهم وهي الفرائض دون غيرها، وقد يجوز أيضا أن يقدر الله عزوجل أعمال العباد بأن يبين مقاديرها وأحوالها من حسن وقبح وفرض وناقلة وغير ذلك، ويفعل من الادلة على ذلك ما يعرف به هذه الاحوال لهذه الافعال فيكون عز وجل مقدرا لها في الحقيقة، وليس يقدرها ليعرف مقدارها ولكن ليبين لغيره ممن لا يعرف ذلك حال ما قدره بتقديره إياه، وهذا أظهر من أن يخفى وأبين من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه ألا ترى أنا قد نرجع إلى أهل المعرفة بالصناعات في تقديرها لنا فلا يمنعهم علمهم بمقاديرها من أن يقدروها لنا ليبينوا لنا مقاديرها ؟ وإنما أنكرنا أن يكون الله عزوجل حكم بها على عباده ومنعهم من الانصراف عنها أو أن يكون فعلها و كونها فأما أن يكون عزوجل خلقها خلق تقدير فلا ننكره. وسمعت بعض أهل العلم يقول: إن القضاء على عشرة أوجه: فأول وجه منها العلم، وهو قول الله عزوجل: ” إلا حاجة في نفس يعقوب قضيها ” (3) يعني علمها. والثاني: الاعلام وهو قوله عزوجل: ” وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ” (4) وقوله: ” وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء ” (5) أي أعلمناه. والوجه الثالث: الحكم وهو قوله عزوجل: ” ويقضي ربك بالحق ” يعني يحكم بالحق. (6)


(1) النمل: 57. (2) اسرى: 23. (3) يوسف: 68. (4) اسرى: 4. (5) الحجر: 66. (6) في المصدر: وهو قوله عزوجل ” والله يقضى بالحق ” أي يحكم بالحق، والرابع القول وهو قوله عزوجل ” وهو يقضى بالحق ” أي يقول بالحق. م (*)

[ 108 ]

والرابع: القول وهو قوله عزوجل: ” والله يقضي بالحق ” (1) أي يقول الحق. والخامس: الحتم وهو قوله عزوجل: ” فلما قضينا عليه الموت ” (2) يعني حتمنا فهو القضاء الحتم. والسادس: الامر وهو قوله عزوجل: ” وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه ” (3) يعني أمر ربك. والسابع: الخلق وهو قوله عزوجل: ” فقضيهن سبع سموات في يومين ” (4) يعني خلقهن. والثامن: الفعل وهو قوله عزوجل: ” فاقض ما أنت قاض ” (5) أي افعل ما أنت فاعل. والتاسع: الاتمام وهو قوله عزوجل: ” فلما قضى موسى الاجل ” (6) وقوله عزوجل حكاية عن موسى: ” أيما الاجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل ” (7) أي أتممت. والعاشر: الفراغ من الشئ، وهو قوله عزوجل: ” قضي الامر الذي فيه تستفتيان ” (8) يعني فرغ لكما منه، وقول القائل: ” قد قضيت لك حاجتك ” يعني فرغت لك منها فيجوز أن يقال: إن الاشياء كلها بقضاء الله وقدره تبارك وتعالى بمعنى أن الله عزوجل قد علمها وعلم مقاديرها، وله عزوجل في جميعها حكم من خير أو شر، فما كان من خير فقد قضاه بمعنى أنه أمر به وحتمه وجعله حقا وعلم مبلغه ومقداره، وما كان من شر فلم يأمر به ولم يرضه، ولكنه عزوجل قد قضاه وقدره بمعنى أنه علمه بمقداره ومبلغه وحكم فيه بحكمه. والفتنة على عشرة أوجه: فوجه منها الضلال.


(1) المؤمن: 20. (2) سبا: 34. (3) اسرى: 23. (4) حم السجدة: 12. (5) طه: 72. (6) القصص: 28. (7) القصص: 28. (8) يوسف: 41.

[ 109 ]

والثانى: الاختبار وهو قوله عزوجل: ” وفتناك فتونا ” (1) يعني اختبرناك اختبارا، وقوله عزوجل: ” الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ” (2) يعني لا يختبرون. والثالث: الحجة وهو قوله عزوجل: ” ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين “. (3) والرابع: الشرك وهو قوله عزوجل: ” والفتنة أشد من القتل ” (4) والخامس: الكفر وهو قوله عزوجل: ” ألا في الفتنة سقطوا ” (5) يعني في الكفر. والسادس: الاحراق بالنار، وهو قوله عزوجل: ” إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ” (6) الآية يعني أحرقوا. والسابع: العذاب وهو قوله عزوجل: ” يوم هم على النار يفتنون ” (7) يعني يعذبون، وقوله عزوجل: ” ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تكذبون ” (8) يعني عذابكم، و قوله عزوجل: ” ومن يرد الله فتنته ” يعني عذابه ” فلن تملك له من الله شيئا “. (9) والثامن القتل وهو قوله عزوجل: ” إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ” (10) يعني إن خفتم أن يقتلوكم، وقوله عزوجل: ” فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم ” (11) يعني أن يقتلهم. والتاسع: الصد وهو قوله تعالى: ” وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك ” (12) يعني ليصدونك. والعاشر: شدة المحنة وهو قوله عزوجل: ” ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ” (13)


(1) طه: 40 (2) العنكبوت: 29 – 30. (3) الانعام: 23. (4) البقرة: 191. (5) التوبة: 50. (6) المجادلة: 10. (7) الحجر: 13. (8) الحجر: 14. (9) المائدة: 41. (10) النساء: 101. (11) يونس: 83. (12) اسرى: 73. (13) الممتحنة: 5.

[ 110 ]

وقوله عزوجل: ” ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ” (1) أي محنة فيفتنوا بذلك، و يقولوا في أنفسهم: لم نقتلهم إلا ودينهم الباطل وديننا الحق فيكون ذلك داعيا لهم إلى النار على ما هم عليه من الكفر والظلم. وقد زاد علي بن إبراهيم بن هاشم على هذه الوجوه العشرة وجها آخر فقال: في الوجوه من الفتنة ما هو المحبة وهو قوله عزوجل: ” إنما أموالكم وأولادكم فتنة ” (2) أي محبة، والذي عندي في ذلك أن وجوه الفتنة عشرة، وأن الفتنة في هذا الموضع أيضا المحنة بالنون لا المحبة بالباء، وتصديق ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: ” الولد مجهلة مجنبة مبخلة ” وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب مقتل الحسين بن علي عليهما السلام. ” ص 392 – 397 ” بيان: قوله صلى الله عليه وآله: مجعلة أي يحملون آباءهم على الجهل، مجنبة أي يحملونهم على الجبن. مبخلة أي يحملونهم على البخل. أقول: هذه الوجوه من القضاء والفتنة المذكورة في تفسير النعماني فيما رواه عن أمير المؤمنين عليه لسلام وقد أثبتناه بإسناده في كتاب القرآن. 35 – يد: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن محمد البرقي، عن عبد الملك بن عنترة الشيباني، (3) عن أبيه، عن جده قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، فقال: بحر عميق فلا تلجه. فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال: طريق مظلم فلا تسلكه. قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر قال: سر الله فلا تتكلفه. قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما إذا أبيت فإني سائلك: أخبرني أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله ؟ قال: فقال له الرجل: بل كانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد ; فقال أمير المؤمنين


(1) يونس: 85. (2) التغابن: 15. (3) عنترة بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح التاء والراء المهملة والهاء، والظاهر أنه عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني المترجم في ص 167 من رجال النجاشي بقوله: عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني كوفى، ثقة، عين، روى عن أصحابنا ورووا عنه، ولم يكن متحققا بأمرنا إ ه‍. وأورد ابن حجر ترجمة جده عنترة في التقريب، قال: عنترة بن عبد الرحمن الكوفى ثقة من الثانية، وهم من زعم أن له صحبة، وهو جد عبد الملك بن هارون بن عنترة الكوفي. أقول: حكى عن رجال البرقى أن جد عبد الملك بن هارون بن عنترة يكون صيفي بن فسيل الذى سيره زياد بن أبيه إلى معاوية مع حجر بن عدى وقتله معاوية مع حجر وأصحابه.

[ 111 ]

عليه السلام قوموا فسلموا على أخيكم فقد أسلم، وقد كان كافرا، قال: وانطلق الرجل غير بعيد ثم انصرف إليه فقال له: يا أمير المؤمنين أبا لمشية الاولى نقوم ونقعد ونقبض ونبسط ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: وإنك لبعيد في المشية ؟ ! أما اني سائلك عن ثلاث لا يجعل الله لك في شئ منها مخرجا: أخبرني أخلق الله العباد كما شاء أو كما شاؤوا ؟ فقال: كما شاء، قال: فخلق الله العباد لما شاء أو لما شاؤوا ؟ فقال: لما شاء، قال: يأتونه يوم القيامة كما شاء أو كما شاؤوا ؟ قال: يأتونه كما شاء، قال: قم فليس إليك من المشية شئ. ” ص 374 – 375 ” بيان: لعل المراد المشية المستقلة التي لا يحتاج معها إلى عون الله وتوفيقه. (1) 36 – يد: أبي، عن سعد، عن ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة،


(1) كل واحد من احاد الخلق محدود بحدود يتعين بها في وجوده كالطول والعرض واللون وسائر الاوصاف والروابط التى برتبط بغيره بواسطتها ككون الانسان ابن فلان وأخا فلان وأبا فلان وفى زمان كذا ومكان كذا وهكذا. وإذا أمعنت النظر في ذلك وجدت أن جميع أسباب وجود الشئ ذوات دخل في حدود وجوده سائر ما يتعلق بوجوده وانها هي التى يتقدر بها الشئ غير أن كلا من الاسباب أيضا يتقدر بما يتقدمه من المقدرات، ولا محالة تنتهى إليه سبحانه فعنده تعالى حقيقة ما يقتدر به كل شئ ويتحدد به كل أمر. والاشياء إنما ترتبط به تعالى من جهة صفاته الفعلية التى بها ينعم عليها ويقيم صلبها ويدبر أمرها كالرحمة والرزق والهداية والاحياء والحفظ والخلق وغيرها وما يقابلها فلله سبحانه من جهة صفات فعله دخل في كل شئ مخلوق وما يتعلق به من أثر وفعل أذ لا معنى لاثبات صفة فيه تعالى متعلقة بالاشياء وهى لا تتعلق بها. ولذلك فانه عليه السلام سأل الرجل عن تقدم صفة الرحمة على الاعمال، ولا معنى لتقدمها مع عدم ارتباطها بها وتأثيرها فيها فقد نظم الله الوجود بحيث تجرى فيه الرحمة والهداية والمثوبة والمغفرة وكذا ما يقابلها ولا يوجب ذلك بطلان الاختيار في الافعال فان تحقق الاختيار نفسه مقدمة من مقدمات تحقق الامر المقدر إذ لولا الاختيار لم يتحقق طاعة ولا معصية فلم يتحقق ثواب ولا عقاب ولا امر ولا نهى ولا بعث ولا تبليغ. ومن هنا يظهر وجه تمسك الامام عليه السلام بسبق صفة الرحمة على العمل ثم بيانه عليه السلام أن لله مشية في كل شئ وأنها لا تلغو ولا تغلبه مشية العبد فالفعل لا يخطئ مشيته تعالى ولا يوجب ذلك بطلان تأثير مشية العبد فان مشية العبد إحدى مقدمات تحقق ما تعلقت به مشيته تعالى فان شاء الفعل الذى يوجد بمشية العبد فلابد لمشية العبد من التحقق والتأثير فافهم ذلك، وهذه الرواية الشريفة على ارتفاع مكانتها ولطف مضمونها يتضح به جميع ما ورد في الباب من مختلف الروايات، وكذا الايات المختلفة من غير حاجة إلى أخذ بعض وتأويل بعض آخر. ط

[ 112 ]

عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن القضاء والقدر خلقان من خلق الله، والله يزيد في الخلق ما يشاء. ” ص 373 ” 37 – فس: النضر، عن هشام، وعبيد، عن حمران، عنه عليه السلام مثله. (1) بيان: خلقان من خلق الله بضم الخاء أي صفتان من صفات الله، أو بفتحها، أي هما نوعان من خلق الاشياء وتقديرها في الالواح السماوية، وله البدأ فيها قبل الايجاد، فذلك قوله: يزيد في الخلق ما يشاء ; أو المعنى أنهما مرتبتان من مراتب خلق الاشياء فإنها تتدرج في الخلق إلى أن تظهر في الوجود العيني. 38 – يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن هاشم، عن ابن معبد، عن درست، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال، قلت له: جعلت فداك ما تقول في القضاء والقدر ؟ قال: أقول: إن الله تعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم، ولم يسألهم عما قضى عليهم ” ص 373 – 374 ” بيان: هذا الخبر يدل على أن القضاء والقدر إنما يكون في غير الامور التكليفية كالمصائب والامراض وأمثالها، فلعل المراد بهما القضاء والقدر الحتميان. (2) 39 – يد: أبي، عن سعد، عن الاصبهاني، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري قال: قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام: جعلني الله فداك، أبقدر بصيب الناس ما أصابهم أم بعمل ؟ فقال: إن القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد فالروح بغير جسد لا يحس، والجسد بغير روح صورة لا حراك بها، فإذا اجتمعا قويا وصلحا، كذلك العمل والقدر فلو لم يكن القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق وكان


(1) ما وجدناه في تفسير القمى. م (2) الرواية تدل على أن التكاليف والاحكام امور اعتبارية غير تكوينية، ومورد القضاء والقدر بالمعنى الدائر هو التكوينيات فأعمال العباد من حيث وجودها الخارجي كسائر الموجودات متعلقات القضاء والقدر، ومن حيث تعلق الامر والنهى والاشتمال على الطاعة والمعصية امور اعتبارية وضعية خارجة عن دائرة القضاء والقدر إلا بالمعنى الاخر الذى بينه أمير المؤمنين عليه السلام للرجل الشامي عند منصرفه من صفين كما في الروايات ومحصله التكليف للمصالح تستدعى ذلك فالقدر في الاعمال ينشأ من المصالح التى تستدعى التكليف الكذائي والقضاء هو الحكم بالوجوب والحرمة مثلا بامر أو نهى. ط

[ 113 ]

القدر شيئا لم يحس، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتم، ولكنهما باجتماعهما قويا، ولله فيه العيون (1) لعباده الصالحين. ثم قال: ألا إن من أجور الناس من رأى جوره عدلا وعدل المهتدي جورا، ألا إن للعبد أربعة أعين: عينان يبصر بهما أمر آخرته، وعينان يبصر بهما أمر دنياه، فإذا أراد الله عزوجل بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما العيب، وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه. ثم التفت إلى السائل عن القدر فقال: هذا منه هذا منه. ” ص 375 – 376 ” بيان: أي فتح عيني القلب وتركهما من القدر. 40 – يد: القطان، عن ابن زكريا، عن ابن حبيب، عن علي بن زياد، عن مروان بن معاوية، عن الاعمش، عن ابن حيان التيمي، (2) عن أبيه – وكان مع علي بن أبي طالب عليه السلام يوم صفين وفيما بعد ذلك – قال بينما علي بن أبي طالب عليه السلام يعبي الكتائب (3) يوم صفين، ومعاوية مستقبله على فرس له يتأكل تحته تأكلا، وعلي عليه السلام على فرس رسول الله صلى الله عليه وآله المرتجز، وبيده حربة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو متقلد سيفه ذا الفقار، فقال رجل من أصحابه: احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك هذا الملعون، فقال علي عليه السلام: لئن قلت ذاك إنه غير مأمون على دينه، وإنه لاشقى القاسطين، وألعن الخارجين على الائمة المهتدين، ولكن كفى بالاجل حارسا، ليس أحد من الناس إلا ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن أن يتردى في بئر (4) أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء، فإذا حان أجله (5) خلوا بينه وبين ما يصيبه، فكذلك أنا إذا حان أجلي انبعث


(1) في المصدر: ولله فيه العون. م (2) لم نجد في كتب التراجم من أصحابنا ترجمته ولا ترجمة أبيه، والظاهر هو يحيى بن سعيد بن حيان، أبو حيان التيمى الكوفي، أورد ترجمته ابن حجر في ص 549 من التقريب قال: ثقة من السادسة مات سنة خمس وأربعين، وأورد ترجمة أبيه في ص 185 قال: سعيد بن حيان التيمى الكوفى والد يحيى، وثقه العجلى، من الثالثة. (3) عبى تعبية الكتائب أي هيأها وجهزها. والكتائب جمع الكتيبة: القطعة من الجيش. (4) أي يحفظونه من أن يسقط في بئر. (5) أي قرب أجله.

[ 114 ]

أشقاها فخضب هذه من هذا – وأشار إلى لحيته ورأسه – عهدا معهودا، ووعدا غير مكذوب. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. ” ص 376 ” 41 – يد: الوراق وابن مغيرة معا، عن سعد، عن النهدي، عن ابن علوان، عن عمرو بن ثابت، عن ابن طريف، عن ابن نباتة قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر فقيل له يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله ؟ قال: أفر من قضاء الله إلى قدر الله عزوجل. ” ص 377 ” بيان: أي أن الفرار أيضا من تقديره تعالى، فلا ينافي كون الاشياء بقضاء الله الفرار من البلايا والسعي في تحصيل ما يجب السعي فيه، فإن كل ذلك داخل في علمه وقضائه، ولا ينافي شئ من ذلك اختيار العبد كما مر، ويحتمل أن يكون المراد بقدر الله هنا حكمه وأمره أي إنما أفر من القضاء بأمره تعالى. 42 – يد: أبي وابن الوليد معا، عن محمد العطار، وأحمد بن إدريس معا، عن الاشعري، عن ابن هاشم، عن ابن معبد، عن ابن أذينة، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كما أن بادئ النعم من الله عزوجل وقد نحلكموه، وكذلك الشر من أنفسكم وإن جرى به قدره. ” ص 376 – 377 ” 43 – يد: أبي، عن أحمد بن إدريس، عن الاشعري، عن يوسف بن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن العرزمي، عن أبيه رفعه إلى من قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والارض بخمسين ألف سنة. ” ص 377 ” 44 – فس: محمد بن جعفر، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن محمد السياري، عن فلان، (1) عن أبي الحسن عليه السلام قال: إن الله جعل قلوب الائمة موردا لارادته فإذا شاء الله شيئا شاؤوه، وهو قوله: ” وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين “. ” ص 714 ” 45 – فس: جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن ابن البطائني، (2) عن أبيه،


(1) لم نجد ذكره في كتب الرجال، ويوجد في ج 2 ص 86 من فروع الكافي في باب الاسماء والكنى رواية ابن مياح عن فلان حميد، عن أبى عبد الله عليه السلام. (2) هو الحسن بن على بن أبى حمزة سالم البطائني، هو وأبوه من الواقفة، بل أبوه من عمدها ضعفهما أصحابنا، ووردت روايات في ذمهما. وكان على قائد أبى بصير يحيى بن القاسم.

[ 115 ]

عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: قوله تعالى: ” وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين ” قال: لان المشية إليه تبارك وتعالى لا إلى الناس. ” ص 714 ” بيان: لعل المراد أن المشية إنما هي مما خلقها الله في العبد وجعله شائيا فلا يشاؤون إلا بعد أن جعلهم الله بحيث يقدرون على المشية، أو أن المشية المستقلة التي لا يعارضها شئ إنما هي لله تعالى، وأما مشية العباد فهي مشوبة بالعجز يمكن أن يصرفهم الله تعالى عنها إذا شاء، فهم لا يشاؤون إلا بعد أن يهيئ الله لهم أسباب الفعل ولم يصرفهم عن مشيتهم، فالمعنى أن المشية المستقلة إليه تعالى، أو أن أسباب المشية ونفوذها بقدرته تعالى. وفي الاية وجه آخر ذكر في الخبر السابق، وحاصله أن الله تعالى بعد أن أكمل أولياءه وحججه عليهم السلام لا يشاؤون شيئا إلا بعد أن يلهمهم الله تعالى ويلقي المشية في قلوبهم، فهو المتصرف في قلوبهم وأبدانهم والمسدد لهم في جميع أحوالهم فالآية خاصة غير عامة. وقال الطبرسي رحمه الله: فيه أقوال: أحدها أن معناه: وما تشاؤون الاستقامة إلا أن يشاء الله ذلك من قبل حيث خلقكم لها وكلفكم بها، فمشيته تعالى بين يدي مشيتكم. وثانيها: أنه خطاب للكفار والمراد: لا تشاؤون الاسلام إلا أن يشاء الله أن يجبركم عليه ويلجئكم إليه، ولكنه لا يفعل لانه يريد منكم أن تؤمنوا اختيارا لتستحقوا الثواب. وثالثها: أن المراد: وما تشاؤون إلا أن يشاء الله أن يلطف لكم في الاستقامة. (1)


(1) قال الشيخ في التبيان: أي وليس يشاؤون شيئا من العمل بطاعته وبما يرضاه ويوصلكم إلى ثوابه إلا والله يشاؤه ويريده، لانه يريد من عباده أن يطيعوه، وليس المراد أن يشاء كل ما يشاؤه العبد من المعاصي والمباحات، لان الحكيم لا يجوز أن يريد القبائح ولا المباح، لان ذلك صفة نقص وتعالى الله عن ذلك وقد قال الله تعالى: ” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ” و المعصية والكفر من اعظم العسر، فكيف يكون الله تعالى شائيا له ؟ وهل ذلك إلا تناقض ظاهر ؟ انتهى. *

[ 116 ]

46 – فس: قال علي بن إبراهيم: وأما الرد على المعتزلة فإن الرد من القرآن عليهم كثير، وذلك أن المعتزلة قالوا: نحن نخلق أفعالنا وليس لله فيها صنع ولا مشية ولا إرادة ويكون ما شاء إبليس، ولا يكون ما شاء الله، واحتجوا أنهم خالقون بقول الله تعالى: ” تبارك الله أحسن الخالقين ” فقالوا: في الخلق خالقون غير الله، فلم يعرفوا معنى الخلق وعلى كم وجه هو، فسئل الصادق عليه السلام: أفوض الله إلى العباد أمرا ؟ فقال: الله أجل وأعظم من ذلك، فقيل: فأجبرهم على ذلك ؟ فقال: الله أعدل من أن يجبرهم على فعل ثم يعذبهم عليه، فقيل له: هل بين هاتين المنزلتين منزلة ؟ قال: نعم ما بين السماء والارض. (1) 47 – وفي حديث آخر قال: سئل هل بين الجبر والقدر منزلة ؟ قال: نعم، فقيل ما هو ؟ فقال: سر من أسرار الله. 48 – وفي حديث آخر قال: هكذا خرج إلينا. (2) 49 – قال: وحدثني محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس قال: قال الرضا عليه السلام: يا يونس لا تقل بقول القدرية فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة، ولا بقول أهل


* أقول: النظر في الاية وسابقتها وهى قوله تعالى: ” إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ” ولاحقتها وهى قوله تعالى: ” إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدلهم عذابا أليما ” يعطى المراد ويفيد المغزى، وهو أن الله تعالى أثبت لهم المشيئة وأثبت أن وقوع مشاهم انما يكون في صورة مشيئته، فلو كان أراد ذلك حقيقة لم يكن لاستناد الظلم إليهم معنى، لانهم كانوا فيما ظلموا كارهين غير مختارين، بل كان استناد ذلك إليه تعالى أقوى وأولى، كما أن الايات أيضا لم تكن لهم تذكرة في مشيئتهم اتخاذ السبيل، بل لم يكن لنسبة الحكمة إلى ذاته أيضا معنى محصل، لان فعل القبائح والظلم واجبار العبد عليهما والعقاب بهما مع ذلك ينافى الحكمة، فالظاهر غير مراد، بل المراد بيان أن لتوفيقه وتأييده أيضا دخلا في أفعالهم، بحيث لو تركهم و أنفسهم ولم يؤيدهم ويسددهم لكانت أنفسهم تدخلونهم مداخل السوء وتخرجونهم عن الصراط السوى وطريق المعروف. (1) تقدم ما في معناه مسندا تحت رقم 82 و 83 في الباب السابق. (2) لعله الخبر الاتى تحت رقم 66.

[ 117 ]

النار، ولا بقول إبليس فإن أهل الجنة قالوا: ” الحمد لله الذي هدينا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدينا الله ” ولم يقولوا بقول أهل النار، فإن أهل النار قالوا: ” ربنا غلبت علينا شقوتنا ” وقال إبليس: ” رب بما أغويتني ” فقلت يا سيدي: والله ما أقول بقولهم ولكني أقول: لا يكون إلا ما شاء الله وقضى وقدر، (1) فقال: ليس هكذا يا يونس ولكن لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى، أتدري ما المشية يا يونس ؟ قلت: لا، قال: هو الذكر الاول: وتدري ما الارادة ؟ قلت: لا ؟ قال العزيمة على ما شاء ; وتدري ما التقدير ؟ قلت: لا، قال: هو وضع الحدود من الآجال والارزاق والبقاء و الفناء ; (2) وتدري ما القضاء ؟ قلت: لا، قال: هو إقامة العين، (3) ولا يكون إلا ما شاء الله في الذكر الاول ” ص 21 – 22 ” بيان: الظاهر أن المراد بالقدرية هنا من يقول: إن أفعال العباد، ووجودها ليست بقدرة الله وبقدره، بل باستقلال إرادة العبد به واستواء نسبة الارادتين إليه، و صدور أحدهما عنه لا بموجب غير الارادة، كما ذهب إليه بعض المعتزلة. لا يقول بقول أهل الجنة من إسناد هدايتهم إليه سبحانه، ولا بقول أهل النار من إسناد ضلالتهم إلى شقوتهم، ولا بقول إبليس من إسناد الاغواء إليه سبحانه، والفرق بين كلامه عليه السلام وكلام يونس إنها هو في الترتيب، فإن في كلامه عليه السلام التقدير مقدم على القضاء كما هو الواقع، وفي كلام يونس بالعكس، والذكر هو الكتابة مجملا في لوح المحو والاثبات، أو العلم القديم. 50 – ثو: على بن أحمد، عن محمد بن جعفر، عن محمد بن أبي القاسم، عن إسحاق بن إبراهيم، عن علي بن موسى البصري، عن سليمان بن عيسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق،


(1) في الكافي عن على بن ابراهيم ” إلا ما شاء الله أرادوا وقضى وقدر. م (2) في الكافي: قال هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء. (3) في الكافي: قال: والقضاء هو الابرام واقامة العين. أقول: اقامة العين أي اقامته في الاعيان والوجود الخارجي، وهو في أفعاله بمعنى الخلق والايجاد على وفق الحكمة، وفى أفعالنا ترتب الثواب والعقاب عليها على وجه الجزاء. وقال المنصف: اقامة العين أي ايجاده، وفى أفعال العباد اقدار العبد وتمكينه ورفع الموانع عنه انتهى. ويأتى الحديث باسناد آخر مع تفاوت في ألفاظه تحت رقم 69.

[ 118 ]

عن الحارث، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن أرواح القدرية يعرضون على النار غدوا وعشيا حتى تقوم الساعة، فإذا قامت الساعة عذبوا مع أهل النار بألوان العذاب، فيقولون: يا ربنا عذبتنا خاصة وتعذبنا عامة فيرد عليهم ” ذوقوا مس سقر إنا كل شئ خلقناه بقدر “. ” ص 204 ” بيان: قال الطبرسي رحمه الله: أي خلقنا كل شئ خلقناه مقدرا بمقدار توجبه الحكمة لم نخلقه جزافا، فخلقنا العذاب أيضا على قدر الاستحقاق، وكذلك كل شئ خلقناه في الدنيا والآخرة خلقناه مقدرا بمقدار معلوم. وقيل: معناه خلقنا كل شئ على قدر معلوم، فخلقنا اللسان للكلام، واليد للبطش، والرجل للمشي، والعين للنظر، والاذن للسماع، والمعدة للطعام، ولو زاد أو نقص عما قدرناه لما تم الغرض. وقيل: معناه: جعلنا لكل شئ شكلا يوافقه ويصلح له، كالمرأة للرجل، والاتان للحمار، و ثياب الرجال للرجال، وثياب النساء للنساء. وقيل: خلقنا كل شئ بقدر مقدر وقضاء محتوم في اللوح المحفوظ. 51 – ثو: علي بن أحمد، عن محمد بن جعفر، عن محمد بن أبي بشر، عن محمد بن عيسى الدامغاني، عن محمد بن خالد البرقي، عن يونس، عمن حدثه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أنزل الله هذه الآيات إلا في القدرية: ” إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شئ خلقناه بقدر “. ” ص 204 ” 52 – ثو: علي بن أحمد، عن محمد بن جعفر، عن مسلمة بن عبد الملك، عن داود ابن سليمان، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: صنفان من أمتي ليس لهما في الاسلام نصيب: المرجئة، والقدرية. ” ص 204 ” 53 – ثو: العطار، عن سعد، عن ابن عيسى، عن الاهوازي، عن صفوان، عن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: يحشر المكذبون بقدر الله من قبورهم قد مسخوا قردة وخنازير. ” 205 ” 54 – ثو: ابن المتوكل، عن الحميري، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزلت هذه الآية


[ 119 ]

في القدرية: ” ذوقوا مس سقر إنا كل شئ خلقناه بقدر “. ” ص 205 “. 55 – شى: عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في قوله: ” وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ” قال: قدره الذي قدره عليه. 56 – وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: خيره وشره معه، حيث كان لا يستطيع فراقه حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل. بيان: قال الطبرسي رحمه الله: معناه وألزمنا كل إنسان عمله من خير أو شر في عنقه، أي جعلناه كالطوق في عنقه لا يفارقه. وقيل: طائره يمنه وشؤمه وهو ما يتطير به. وقيل: طائره حظه من الخير والشر ; وخص العنق لانه محل الطوق الذي يزين المحسن، والغل الذي يشين المسئ، وقيل: طائره كتابه. وقيل: معناه: جعلنا لكل إنسان دليلا من نفسه لان الطائر يستدل به عندهم على الامور الكائنة، فيكون معناه: كل إنسان دليل نفسه وشاهد عليها، إن كان محسنا فطائره ميمون، وإن أساء فطائره مشوم. (1) 57 – ثو: ابن المتوكل، عن محمد بن جعفر، عن النخعي، عن النوفلي، عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال: يجاء بأصحاب البدع يوم القيامة فترى القدرية من بينهم كالشامة البيضاء في الثور الاسود فيقول الله عزوجل: ما أردتم ؟ فيقولون: أردنا وجهك، فيقول: قد أقلتكم عثراتكم وغفرت لكم زلاتكم إلا القدرية فإنهم دخلوا في الشرك من حيث لا يعلمون. ” ص 205 “


(1) قال السيد الرضى في مجازات القرآن: وهذه استعارة والمراد بالطائر ههنا – والله أعلم – ما يعمله الانسان من خير وشر، ونفع وضر، وذلك مأخوذ من زجر الطائر على مذهب العرب، لانهم يتبركون بالطائر المعترض من ذات اليمين، ويتشائمون بالطائر المعترض من ذات الشمال، ومعنى ذلك أنه سبحانه يجعل عمل الانسان من الخير والشر كالطوق في عنقه بالزامه اياه والحكم عليه به، وقال بعضهم: معنى ذلك إنا جعلنا لكل انسان دليلا من نفسه على ما بيناه له وهديناه إليه والعرب تقيم العنق والرقبة مقام نفس الانسان وجملته، فنقول: لى في رقبة فلان دم، ولى في رقبته دين أي عنده، وفلان قد أعتق رقبة إذا أعتق عبدا أو أمة، ويقول الداعي في دعائه: اللهم أعتق رقبتي من النار، وليس يريد العتق المخصوص وانما يريد الذات والجملة، وجعل سبحانه الطائر مكان الدليل التى يستدل به على استحقاق الثواب والعقاب على عادة العرب التى ذكرناها في التبرك بالسانح والتشائم بالبارح.

[ 120 ]

بيان: المراد بأصحاب البدع من لم ينته به بدعته إلى الكفر فضلوا من حيث لا يعلمون. 58 – ثو: بهذا الاسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لكل أمة مجوس ومجوس هذه الامة الذين يقولون: لا قدر. ” ص 206 ” 59 – ثو: بهذا الاسناد قال: دخل مجاهد مولى عبد الله بن عباس على علي عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين ما تقول في كلام أهل القدر ؟ – ومعه جماعة من الناس – فقال أمير المؤمنين عليه السلام: معك أحد منهم أو في البيت أحد منهم ؟ قال: ما تصنع بهم يا أمير المؤمنين ؟ قال: إستتيبهم فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم. ” ص 205 ” 60 – ثو: بالاسناد المتقدم عن السكوني، عن مروان بن شجاع، عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ما غلا أحد في القدر إلا خرج من الايمان. (1) ” ص 205 ” 61 – ثو: ابن المتوكل، عن محمد بن جعفر، عن أحمد بن محمد العاصمي، عن علي بن عاصم، عن محمد بن عبد الرحمن، عن يحيى بن سالم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما الليل بالليل ولا النهار بالنهار أشبه من المرجئة باليهودية، ولا من القدرية بالنصرانية. ” ص 205 – 206 ” 62 – ير: أحمد بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن القضاء والقدر، فقال: هما خلقان من خلق الله والله يزيد في الخلق ما يشاء، و أردت أن أسأله في المشية فنظر إلى فقال: يا جميل لا أجيبك في المشية. (2) 63 – سن: أبى، عن إسماعيل بن إبراهيم، وابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن زرارة، عن حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله الله عزوجل: ” هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ” فقال: كان شيئا ولم يكن مذكورا، قلت: فقوله:


(1) في نسخة: الاسلام. (2) روى الحديث في مختصر بصائر الدرجات ” ص 134 ” باسناد آخر عن جميل عن زرارة عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله عليه السلام. م

[ 121 ]

” أو لم ير الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ” قال: لم يكن شيئا في كتاب ولا علم. ” ج 1 ص 243 ” بيان: ولا علم أي علم أحد من المخلوقين، والخلق في هذه الآية يحتمل التقدير والايجاد. قوله عليه السلام: كان شيئا أي مقدرا، كما روى الكليني عن مالك الجهني مكان ” شيئا ” مقدرا. (1) غير مذكور أي عند الخلق أي غير موجود ليذكر عند الخلق، أو كان مقدرا في اللوح لكن لم يوح أمره إلى أحد من الخلق. 64 – سن: أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله إذا أراد شيئا قدره، فإذا قدره قضاه، فإذا قضاه أمضاه. ” ص 243 – 244 ” 65 – سن: أبي، عن فضالة، عن محمد بن عمارة، عن حريز بن عبد الله، أو عبد الله بن مسكان قال: قال أبو جعفر عليه السلام لا يكون شئ في الارض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبعة: بمشية، وإرادة، وقدر، وقضاء، وإذن، وكتاب، وأجل ; فمن زعم أنه يقدر على نقص واحدة منهن فقد كفر. ” ص 244 ” 66 – سن: النضر، عن هشام، وعبيد بن زرارة، عن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (2) كنت أنا والطيار جالسين فجاء أبو بصير فأفرجنا له فجلس بيني وبين الطيار، فقال: في أي شئ أنتم ؟ فقلنا: كنا في الارادة والمشية والمحبة، فقال أبو بصير: قلت لابي عبد الله عليه السلام: شاء لهم الكفر وأراده ؟ فقال: نعم، قلت: فأحب ذلك ورضيه ؟ فقال: لا، قلت: شاء وأراد ما لم يحب ولم يرض ؟ قال: هكذا خرج إلينا (3) ” ص 245 “


(1) أقول: أورده في كتابه الكافي في باب البداء باسناده عن أحمد بن مهران، عن عبد العظيم الحسنى، عن على بن أسباط، عن ابن مسكان، عن مالك الجهنى قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: ” أو لم ير الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ” قال: فقال: لا مقدرا ولا مكونا، قال: وسئلته عن قوله: ” هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ” فقال: كان مقدرا غير مذكور. (2) الظاهر أن ضمير ” قال ” يرجع إلى حمران، وأن لفظة ” عن أبي عبد الله عليه السلام ” زائدة من النساخ. (3) في المصدر: هكذا اخرج الينا. م

[ 122 ]

67 – سن: أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المشية محدثة. ص ” 245 ” 68 – سن: أبي، عن يونس، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت: لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى، (1) قلت: فما معنى شاء ؟ قال: ابتداء الفعل، قلت: فما معنى أراد ؟ قال: الثبوت عليه، قلت: فما معنى قدر ؟ قال: تقدير الشئ من طوله و عرضه، قلت: فما معنى قضى ؟ قال: إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مرد له. ص ” 244 ” بيان: ابتداء الفعل أي أول الكتابة في اللوح، أو أول ما يحصل من جانب الفاعل ويصدر عنه مما يؤدي إلى وجود المعلول. 69 – سن: أبي، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن إسحاق قال: قال أبو الحسن عليه السلام ليونس مولى علي بن يقطين: يا يونس لا تتكلم بالقدر، قال: إني لا أتكلم بالقدر و لكن أقول: لا يكون إلا ما أراد الله وشاء وقضى وقدر، فقال: ليس هكذا أقول، ولكن أقول: لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى ; ثم قال: أتدري ما المشية ; فقال: لا، فقال: همه بالشئ ; أو تدري ما أراد ؟ قال: لا، قال: إتمامه على المشية، فقال: أو تدري ما قدر ؟ قال: لا، قال: هو الهندسة من الطول والعرض والبقاء. ثم قال: إن الله إذا شاء شيئا أراده، وإذا أراد قدره، وإذا قدره قضاه، وإذا قضاه أمضاه ; يا يونس إن القدرية لم يقولوا بقول الله: ” وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ” ولا قالوا بقول أهل الجنة: ” الحمد لله الذي هدينا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدينا الله ” ولا قالوا بقول أهل النار: ” ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ” ولا قالوا بقول إبليس: “: رب بما أغويتني ” ولا قالوا بقول نوح: ” ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون ” ثم قال: قال الله: يابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء، وبقوتي أديت إلي فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي، وجعلتك سميعا بصيرا قويا، فما أصابك من حسنة فمني، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذلك إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، ثم قال: قد نظمت لك كل شئ تريده. ” ص 244 – 245 “


(1) في المصدر: واراد وقضى، فقال: لا يكون الا ما شاء الله واراد وقدر وقضى، قال: قلت اه‍. م

[ 123 ]

70 – ضا: سئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن القدر قال: فقيل له: أنبئنا عن القدر يا أمير المؤمنين ; فقال: سر الله فلا تفتشوه. فقيل له الثاني: أنبئنا عن القدر يا أمير المؤمنين، قال: بحر عميق فلا تلحقوه، (1) فقيل له: أنبئنا عن القدر، فقال: ” ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل لها ” (2) فقال: يا أمير المؤمنين إنما سألناك عن الاستطاعة التى بها نقوم ونقعد، فقال: استطاعة تملك مع الله أم دون الله ؟ قال: فسكت القوم ولم يحروا جوابا، فقال صلى الله عليه وآله: إن قلتم: إنكم تملكونها مع الله قتلتكم، وإن قلتم: دون الله قتلتكم ! فقالوا: كيف نقول يا أمير المؤمنين ؟ قال: تملكونها بالذي يملكها دونكم (3) فإن امدكم بها كان ذلك من عطائه، وإن سلبها كان ذلك من بلائه، إنما هو المالك لما ملككم، والقادر لما عليه أقدركم، أما تسمعون ما يقول العباد ويسألونه الحول والقوة حيث يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله، فسئل عن تأويلها: فقال: لا حول عن معصيته إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بعونه. 71 – قال العالم كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما يسأله عن القدر، وكتب إليه: فاتبع ما شرحت لك في القدر مما افضي إلينا أهل البيت فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر، ومن حمل المعاصي على الله عزوجل فقد افترى على الله افتراءا عظيما، إن الله تبارك وتعالى لا يطاع بإكراه، ولا يعصى بغلبة، ولا يهمل العباد في الهلكة، لكنه المالك لما ملكهم، والقادر لما عليه أقدرهم، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله صادا عنها مبطئا، وإن ائتمروا بالمعصية


(1) في نسخة: فلا تلجوه. وفى فقه الرضا المطبوع هنا زيادة وهى قوله: فقيل له الثالث: أنبئنا عن القدر يا أمير المؤمنين، فقال: طريق معوج فلا تسلكوه، ثم قيل له الرابع أنبئنا إ ه‍. (2) الاية تدل على سبق وجود الرحمة على إيتائها وافاضتها فان الفتح نوع كشف واظهار يحتاج إلى وجود المكشوف عنه وسبقه على الكشف فتدل على تقدم الرحمة الالهية على أعمال العباد التي تفتح لهم الرحمة فيها وبها، وحينئذ يعود مضمون الكلام إلى ما تقدم في الخبر الذى تحت رقم 35 عن أمير المؤمنين عليه السلام فراجع. ط. (3) في المطبوع هكذا: تملكونها بالذى يملككم بملكها دونكم.

[ 124 ]

فشاء أن يمن عليهم فيحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها قسرا، ولا كلفهم جبرا، بل بتمكينه إياهم بعد إعذاره وإنذاره لهم واحتجاجه عليهم طوقهم ومكنهم، وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما إليه دعاهم، وترك ما عنه نهاهم، جعلهم مستطيعين لاخذ ما أمرهم به من شئ غير آخذيه، ولترك ما نهاهم عنه من شئ غير تاركيه، والحمد لله الذي جعل عباده أقوياء لما أمرهم به، ينالون بتلك القوة وما نهاهم عنه، وجعل العذر لمن يجعل له السبيل، حمدا متقبلا (1) فأنا على ذلك أذهب وبه أقول، والله وأنا وأصحابي أيضا عليه، وله الحمد. 72 – نهج: قال عليه السلام: – وقد سئل عن القدر – طريق مظلم فلا تسلكوه، و بحر عيمق فلا تلجوه، وسر الله فلا تتكلفوه. 73 – ضا: سئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن مشية الله وإرادته، فقال صلى الله عليه وآله: إن لله مشيتين: مشية حتم، ومشية عزم، وكذلك إن لله إرادتين: إراة حتم، وإرادة عزم، إرادة حتم لا تخطئ، وإرادة عزم تخطئ وتصيب، وله مشيتان: مشية يشاء، ومشية لا يشاء ; ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، معناه أراد من العباد وشاء (2) ولم يرد المعصية وشاء، وكل شئ بقضائه وقدره، والامور تجري ما بينهما، فإذا أخطأ القضاء لم يخطئ القدر، وإذا لم يخط القدر لم يخط القضاء، وإنما الخلق من القضاء إلى القدر (3) وإذا يخطى ومن القدر إلى القضاء ; والقضاء على أربعة أوجه في كتاب الله عزوجل الناطق على لسان سفيره الصادق صلى الله عليه وآله: منها قضاء الخلق وهو قوله تعالى: ” فقضيهن سبع سموات في يومين ” معناه خلقهن.


(1) إلى هنا أنهى الحديث في فقه الرضا المطبوع وليست فيه جملة ” فأنما على ذلك ” إلى قوله: ” وله الحمد ” بل أثبت الجمله عقيب قوله: ” وعظم شانه ” في الخبر الاتى تحت رقم 74. (2) في فقه الرضا المطبوع: أراد العبادة وشاء. (3) في فقه الرضا المطبوع: فإذا اضطر القضاء لم يخطئ القدر، وإذا لم يخطئ القدر لم يخطئ القضاء، وانما الخلق من القضاء إلى القدر، فإذا أخطأ القدر لم يخطئ القضاء، وانما الخلق من القدر إلى القضاء، وللقضاء أربعة أوجه اه‍.

[ 125 ]

والثاني قضاء الحكم وهو قوله: ” وقضى بينهم بالحق ” معناه حكم. والثالث قضاء الامر وهو قوله: ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ” معناه أمر ربك. والرابع قضاء العلم وهو قوله: ” وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين ” معناه علمنا من بني إسرائيل، قد شاء الله من عباده المعصية وما أراد وشاء الطاعة وأراد منهم لان المشية مشية الامر ومشية العلم، وإرادته إرادة الرضا وإرادة الامر، أمر بالطاعة ورضي بها، وشاء المعصية يعني علم من عباده المعصية ولم يأمرهم بها، فهذا من عدل الله تبارك وتعالى في عباده جل جلاله وعظم شأنه. أقول: كانت النسخة سقيمة فأوردناه كما وجدناه. قوله عليه السلام: إذا أخطأ القضاء يمكن أن يقرأ بغير همز: والمعنى إذا جاوز أمر من الامور التي شرع في تهيئة أسباب وجوده القضاء ولم يصر مقضيا فلا يتجاوز عن القدر، ولا محالة يدخل في التقدير، وإنما يكون البداء بعد التقدير. وإذا لم يخط من المضاعف بمعنى الكتابة أي إذا لم يكتب شئ في لوح القدر لا يكتب في لوح القضاء إذ هو بعد القدر. وإنما الخلق من القضاء أي إذا لوحظت علل الخلق والايجاد ففي الترتيب الصعودي يتجاوز من القضاء إلى القدر، والتخطي والبداء إنما يكون بعد القدر قبل القضاء، والاظهر أنه كان وإذا أخطأ القدر مكان ” وإذا لم يخط القدر ” و يكون من الخطأ لا من الخط، فالمعنى أن كل ما يوجد من الامور إما موافق للوح القضاء، إو للوح القدر على سبيل منع الخلو، فإذا وقع البداء في أمر ولم يقع على ما أثبت في القدر يكون موافقا للقضاء، ولعل ظاهر هذا الخبر تقدم القضاء على القدر، ويحتمل أن يكون القضاء في الاولى بمعنى الامر، وفي الثانية بمعنى الحتم فيستقيم ما في الرواية من النفي. 74 – شا: روى الحسن بن أبي الحسن البصري قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام بعد انصرافه من حرب صفين فقال له: يا أمير المؤمنين خبرني عما كان بيننا و بين هؤلاء القوم من الحرب أكان بقضاء من الله وقدر ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما


[ 126 ]

علوتم تلعة ولا هبطتم واديا إلا ولله فيه قضاء وقدر، فقال الرجل: فعند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين، فقال له: ولم ؟ قال: إذا كان القضاء والقدر ساقانا إلى الع مل فما الثواب لنا على الطاعة، وما وجه العقاب على المعصية ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أو ظننت يارجل أنه قضاء حتم وقدر لازم لا تظن ذلك فإن القول به مقالة عبدة الاوثان وحزب الشيطان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الامة ومجوسها، إن الله جل جلاله أمر تخييرا ونهى تحذيرا، وكلف يسيرا، ولم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار، فقال الرجل فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين ؟ قال: الامر بالطاعة، والنهى عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة وترك السيئة، والمعونة على القربة إليه، والخذلان لمن عصاه، والوعد والوعيد والترغيب والترهيب، كل ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدره لاعمالنا، فأما غير ذلك فلا تظنه فإن الظن له محبط للاعمال. فقال الرجل: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك، وأنشأ يقول: أنت الامام الذي نرجو بطاعته إلى آخر البيتين. (1) 75 – الدرة الباهرة: قال الرضا عليه السلام: المشية الاهتمام بالشئ، والارادة إتمام ذلك الشئ. 76 – نهج: قال عليه السلام: – وقد سئل عن القدر – طريق مظلم فلا تسلكوه، وبحر عميق فلا تلجوه، وسر الله فلا تتكلفوه. 77 – وقال عليه السلام: يغلب المقدار على التقدير حتى تكون الآفة في التدبير. بيان: المقدار: القدر. 78 – نهج: من كلامه عليه السلام للشامي لما سأله: أكان مسيره إلى الشام بقضاء من الله وقدره ؟ – بعد كلام طويل مختاره: ويحك لعلك ظننت قضاءا لازما وقدرا حاتما، ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلف يسيرا، ولم يكلف عسيرا، وأعطى على القليل


(1) تقدم الحديث باسناد متعددة تحت رقم 19 من الباب الاول.

[ 127 ]

كثيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يرسل الانبياء لعبا، ولم ينزل الكتب للعباد عبثا، ولا خلق السماوات والارض وما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. 79 – شى: عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من زعم أن الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله، ومن زعم أن الخير والشر بغير مشيته فقد أخرج الله من سلطانه، ومن زعم أن المعاصي عملت بغير قوة الله فقد كذب على الله ومن كذب على الله أدخله الله النار. تتميم: قال العلامة رحمه الله في شرحه على التجريد: يطلق القضاء على الخلق والاتمام قال الله تعالى: ” فقضيهن سبع سموات في يومين ” (1) أي خلقهن وأتمهن. وعلى الحكم والايجاب كقوله تعالى: ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ” (2) أي أوجب والزم. وعلى الاعلام والاخبار كقوله تعالى: ” وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ” (3) أي أعلمناهم وأخبرناهم. ويطلق القدر على الخلق كقوله تعالى: ” فقدر فيها أقواتها ” (4) والكتابة كقول الشاعر: واعلم بأن ذا الجلال قد قدر * في الصحف الاولى التي كان سطر والبيان كقوله تعالى: ” إلا امرأته قدرناها من الغابرين ” (5) اي بينا وأخبرنا بذلك، إذا ظهر هذا فنقول للاشعري: ما تعني بقولك: إنه تعالى قضى أعمال العباد وقدرها ؟ إن أردت به الخلق والايجاد فقد بينا بطلانه، وأن الافعال مستندة إلينا، وإن عني به الالزام لم يصح إلا في الواجب خاصة، وإن عني به أنه تعالى بينها و كتبها وعلم أنهم سيفعلونها فهو صحيح، لانه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبينه لملائكته، وهذا المعنى الاخير هو المتعين للاجماع على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، ولا يجوز الرضا بالكفر وغيره من القبائح، ولا ينفعهم الاعتذار


(1) فصلت: 12. (2) اسرى: 23. (3) اسرى: 4. (4) فصلت: 11. (5) النمل: 57.

[ 128 ]

بوجوب الرضا به من حيث إنه فعله، وعدم الرضا به من حيث الكسب لبطلان الكسب أولا ; وثانيا نقول: إن كان كون الكفر كسبا بقضائه تعالى وقدره وجب الرضا به من حيث هو كسب، وهو خلاف قولكم وإن لم يكن بقضاء وقدر بطل إسناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر انتهى. وقال شارح المواقف: اعلم أن قضاء الله عند الاشاعرة هو إرادته الازلية المتعلقة بالاشياء على ما هي عليه فيما لا يزال، وقدره إيجاده إياها على وجه مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها، وأما عند الفلاسفة فالقضاء عبارة عن علمه بما ينبغي أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام، وهو المسمى عندهم بالعناية التي هي مبدء لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها والقدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العيني بأسبابها على الوجه الذي تقرر في القضاء والمعتزلة ينكرون القضاء والقدر في الافعال الاختيارية الصادرة عن العباد، ويثبتون علمه تعالى بهذه الافعال، ولا يسندون وجودها إلى ذلك العلم، بل إلى اختيار العباد، وقدرتهم انتهى. وقال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الغرر والدرر: إن قال قائل: ما تأويل قوله تعالى: ” وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ” (1) فظاهر هذا الكلام يدل على أن الايمان إنما كان لهم فعله بإذنه وأمره وليس هذا مذهبكم، فإن حمل الاذن ههنا على الارادة اقتضى أن من لم يقع منه الايمان لم يرد الله تعالى منه وهذا أيضا بخلاف قولكم، ثم جعل الرجس الذي هو العذاب على الذين لا يعقلون، ومن كان فاقدا عقله لا يكون مكلفا، فكيف يستحق العذاب ؟ وهذا بالضد من الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أكثر أهل الجنة البله. الجواب يقال له: في قوله: إلا بإذن الله وجوه: منها أن يكون الاذن: الامر، ويكون معنى الكلام أن الايمان لا يقع من أحد إلا بعد أن يأذن الله فيه ويأمر به، ولا يكون معناه ما ظنه السائل من أنه لا يكون للفاعل فعله إلا بإذنه، ويجرى هذا مجرى


(6) يونس: 100.

[ 129 ]

ويجري هذا مجرى قوله تعالى: ” وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ” (1) ومعلوم أن معنى قوله: ” ليس لها ” في هذه الآية هو ما ذكرناه، وإن كان الاشبه في الآية التي فيها ذكر الموت أن يكون المراد بالاذن العلم. ومنها أن يكون الاذن هو التوفيق والتيسير والتسهيل، ولا شبهة في أن الله تعالى يوفق لفعل الايمان ويلطف فيه ويسهل السبيل إليه. ومنها أن يكون الاذن: العلم، من قولهم: أنت أذنت لكذا وكذا: إذا سمعته وعلمته، وأذنت فلانا بكذا وكذا: إذا أعلمته، فتكون فائدة الآية الاخبار عن علمه تعالى بسائر الكائنات وأنه مما لا تخفى عليه الخفيات، وقد أنكر بعض من لا بصيرة له أن يكون الاذن – بكسر الالف وتسكين الذال – عبارة عن العلم، وزعم أن الذي هو العلم الاذن – بالتحريك – واستشهد بقول الشاعر: إن همي في سماع وأذن. وليس الامر على ما توهمه هذا المتوهم لان الاذن هو المصدر والاذن هو اسم الفعل ويجري مجرى الحذر في أنه مصدر والحذر – بالتسكين – الاسم ; على أنه لو لم يكن مسموعا إلا الاذن – بالتحريك – لجاز التسكين، مثل مثل ومثل وشبه وشبه ونظائر ذلك كثيرة. ومنها أن يكون الاذن: العلم، ومعناه إعلام الله المكلفين بفضل الايمان وما يدعو إلى فعله، فيكون معنى الآية: وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإعلام الله تعالى لها ما يبعثها على الايمان ويدعوها إلى فعله، فأما ظن السائل دخول الارادة في محتمل اللفظ فباطل، لان الاذن لا يحتمل الارادة في اللغة، ولو احتملها أيضا لم يجب ما توهمه لانه إذا قال: إن الايمان لم يقع إلا وأنا مريد له لم ينف أن يكون مريدا لما لم يقع، و ليس في صريح الكلام ولا في دلالته شئ من ذلك. (2)


(1) آل عمران: 145 (2) قال الشيخ قدس سره في التبيان ومعنى قوله: ” وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ” أنه لا يمكن لاحد أن يؤمن إلا باطلاق الله له في الايمان وتمكينه منه ودعاؤه إليه بما خلق فيه من العقل الموجب لذلك. وقال الحسن وأبو علي الجبائى: إذنه ههنا: أمره، وحقيقة إطلاقه في الفعل بالامر وقد يكون الاذن بالاطلاق في الفعل برفع التبعية. وقيل: معناه: وما كان لنفس أن تؤمن إلا بعلم الله، وأصل الاذن: الاطلاق في الفعل، فأما الاقدار على الفعل فلا يسمى إذنا فيه، لان النهى ينافى الاطلاق. انتهى.

[ 130 ]

وأما قوله تعالى: ” ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ” فلم يعن به الناقصي العقول، وإنما أراد تعالى الذين لم يعقلوا ولم يعلموا ما وجب عليهم علمه من معرفة خالقهم تعالى، والاعتراف بنبوة رسله عليهم السلام، والانقياد إلى طاعتهم، ووصفهم بأنهم لا يعقلون تشبيها، كما قال الله تعالى: ” صم بكم عمي ” (1) وكما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الامور أو لم يعلم ما هو مأمور بعلمه بالجنون وفقد العقل. فأما الحديث الذي أورده السائل شاهدا له فقد قيل فيه: إنه صلى الله عليه وآله لم يرد بالبله ذوي الغفلة والنقص والجنون وإنما أراد البله عن الشر والقبيح وسماهم بلها عن ذلك من حيث لا يستعملونه ولا يعتادونه، لا من حيث فقد العلم به، ووجه تشبيه من هذه حاله بالابله ظاهر. (2) ثم قال رحمه الله: إن سأل سائل عن قوله تعالى – حاكيا عن شعيب عليه السلام -: ” قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجينا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ” (3) فقال: أليس هذا تصريحا منه بأن الله تعالى يجوز أن يشاء الكفر والقبيح ؟ لان ملة قومه كانت كفرا وضلالا، وقد أخبر أنه لا يعود فيها إلا أن يشاء الله. الجواب قيل له: في هذه الآية وجوه: أولها أن تكون الملة التي عناها الله تعالى إنما هي العبادات الشرعيات التي كانت قوم شعيب متمسكين بها وهي منسوخة عنهم ولم يعن بها ما يرجع إلى الاعتقادات في الله وصفاته. (4)


(1) البقرة: 18. (2) قال بعد ذلك: فان الابله عن الشئ هو الذى لا يعرض له ولا يقصد إليه فإذا كان المتنزه عن الشر معرضا عنه هاجرا لفعله جاز أن يوصف بالبله للفائدة التى ذكرناها، ويشهد بصحة هذا التأويل قول الشاعر: ولقد لهوت بطفلة ميالة * بلهاء تطلعني على اسرارها أراد بالبلهاء ما ذكرناه ; إلى آخر كلامه. ومن شاء الاطلاع عليه فليراجع ج 1 ص 31 من أماليه. (3) الاعراف: 89. (4) قال بعد ذلك: مما لا يجوز أن تختلف العبادات فيه والشرعيات يجوز فيها اختلاف العبادة من حيث تبعت المصالح والالطاف والمعلوم من أحوال المكلفين، فكأنه قال: ان ملتكم لا نعود فيها مع علمنا بان الله قد نسخها وأزال حكمها الا أن يشاء الله أن يتعبدنا بمثلها فنعود إليها، وتلك *

[ 131 ]

وثانيها أنه أراد أن ذلك لا يكون أبدا من حيث علقه بمشية الله تعالى، لما كان معلوما أنه لا يشاؤه، وكل أمر علق بما لا يكون فقد نفي كونه على أبعد الوجوه، و تجري الآية مجرى قوله تعالى: ” ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ” وثالثها ما ذكره قطرب من أن في الكلام تقديما وتأخيرا وإن الاستثناء من الكفار وقع لا من شعيب فكأنه تعالى قال – حاكيا عن الكفار -: لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا إلا أن يشاء الله أن تعود في ملتنا، ثم قال حاكيا عن شعيب: وما يكون لنا أن نعود فيها على كل حال. ورابعها أن تعود الهاء التي في قوله تعالى: ” فيها ” إلى القرية لا إلى الملة لان ذكر القرية قد تقدم كما تقدم ذكر الملة، ويكون تلخيص الكلام: إنا سنخرج من قريتكم ولا نعود فيها إلا أن يشاء الله بما ينجزه لنا من الوعد في الاظهار عليكم والظفر بكم فنعود إليها. وخامسها أن يكون المعنى: إلا أن يشاء الله أن يردكم إلى الحق فنكون جميعا على ملة واحدة غير مختلفة، لانه لما قال تعالى حاكيا عنهم: ” أو لتعودن في ملتنا ” كان معناه أو لتكونن على ملة واحدة غير مختلفة فحسن أن يقول من بعد: إلا أن يشاء الله أن يجمعكم معنا على ملة واحدة. فإن قيل: الاستثناء بالمشية إنما كان بعد قوله: وما يكون لنا أن نعود فيها فكأنه قال: ليس نعود فيها الا أن يشاء الله فكيف يصح هذا الجواب ؟ قلنا: هو كذلك إلا أنه لما كان معنى أن نعود فيها هو أن تصير ملتنا واحدة غير


* الافعال التى كانوا متمسكين بها مع نسخها عنهم ونهيهم عنها وان كانت ضلالا وكفرا فقد كان يجوز فيما هو مثلها أن يكون ايمانا وهدى، بل فيها أنفسها قد كان يجوز ذلك، وليس تجرى هذه الافعال مجرى الجهل بالله تعالى الذى لا يجوز أن يكون إلا قبيحا، وقد طعن بعضهم على هذا الجواب فقال: كيف يجوز أن يتعبدهم الله تعالى بتلك الملة مع قوله ” قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد إذ نجينا الله منها ” ؟ فيقال له: لم ينف عودهم إليها على كل حال، وانما نفى العود إليها مع كونها منسوخة منهيا عنها، والذى علقه بمشية الله تعالى من العود إليها هو بشرط أن يأمر بها ويتعبد بمثلها، والجواب مستقيم لا خلل فيه انتهى. يوجد ذلك ف ج 2 ص 64.

[ 132 ]

مختلفة جاز أن يوقع الاستثناء على المعنى فيقول: إلا أن يشاء الله أن نتفق في الملة بأن ترجعوا أنتم إلى الحق. فإن قيل: وكان الله ما شاء أن ترجع الكفار إلى الحق ؟ قلنا: بلى قد شاء ذلك إلا أنه ما شاء على كل حال، بل من وجه دون وجه، وهو أن يؤمنوا ويصيروا إلى الحق مختارين ليستحقوا الثواب الذي أجرى بالتكليف إليه، ولو شاءه على كل حال لما جاز أن لا يقع منهم. (1) وسادسها أن يكون المعنى: إلا أن يشاء الله أن يمكنكم من إكراهنا ويخلي بينكم وبينه فنعود إلى إظهارها مكرهين، ويقوي هذا الوجه قوله تعالى: ” أولو كنا كارهين “. وسابعها أن يكون المعنى: إلا أن يشاء الله أن يتعبدنا بإظهار ملتكم مع الاكراه لان إظهار كلمة الكفر قد يحسن في بعض الاحوال إذا تعبد الله تعالى بإظهاره ; وقوله: ” أولو كنا كارهين ” يقوي هذا الوجه أيضا. فإن قيل: فكيف يجوز من نبي من أنبياء الله تعالى أن يتعبد بإظهار الكفر و خلاف ما جاء به من الشرع ؟ قلنا: يجوز أن يكون لم يرد بالاستثناء نفسه بل قومه فكأنه قال: وما يكون لي ولا لامتي أ ن نعود فيها إلا يشاء الله أن يتعبد امتي باظهار ملتكم على سبيل الاكراه، وهذا جائز غير ممتنع. وقال طيب الله رمسه: إن سأل سائل عن تأويل قوله تعالى: ” فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ” (2) فقال: كيف يعذبهم بالاموال والاولاد ومعلوم أن لهم فيها سرورا ولذة ؟ وما تأويل


(1) وفيه بعد ذلك زيادة وهى قوله: فكان شعيبا عليه السلام قال: ان ملتنا لا تكون واحدة أبدا الا أن يشاء الله أن يلجئكم إلى الاجتماع معنا على ديننا وموافقتنا في ملتنا، والفائدة في ذلك واضحة، لانه لو اطلق أنا لا نتفق أبدا ولا تصير ملتنا واحدة لتوهم متوهم أن ذلك مما لا يمكن على حال من الاحوال فافاد بتعليقه له بالمشية هذا الوجه، ويجرى قوله تعالى: ” الا أن يشاء الله ” مجرى قوله تعالى: ” ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا “. ج 2 ص 65. (2) التوبة: 55.

[ 133 ]

قوله: ” ماتوا وهم كافرون ” فظاهره يقتضي أنه أراد كفرهم من حيث أراد أن تزهق أنفسهم في حال كفرهم لان القائل إذا قال: أريد أن يلقاني فلان وهو لابس ; أو على صفة كذا وكذا فالظاهر أنه أراد كونه على هذه الصفة. قلنا: أما التعذيب بالاموال والاولاد ففيه وجوه: أحدها ما روي عن ابن عباس وقتادة وهو أن يكون في الكلام تقديم وتأخير، ويكون التقدير فلا تعجبك يا محمد ! ولا تعجب المؤمنين معك أموال هؤلاء الكفار و المنافقين وأولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة عقوبة لهم على منعهم حقوقها ; واستشهد على ذلك بقوله تعالى: ” اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون ” (1) فالمعنى: فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم. وثانيها أن يكون المعنى: ما جعله للمؤمنين من قتالهم وغنيمة أموالهم وسبي أولادهم واسترقاقهم، وفي ذلك لا محالة إيلام لهم واستخفاف بهم. (2) وثالثها أن يكون المراد بتعذيبهم بذلك كل ما يدخله في الدنيا عليهم من العموم والمصائب بأموالهم وأولادهم التي هي لهؤلاء الكفار والمنافقين عقاب وجزاء، وللمؤمنين محنة وجالبة للنفع والعوض، ويجوز أيضا أن يراد به ما ينذر به الكافر – قبل موته وعند


(1) النمل: 28. (2) قال بعد ذلك: وانما أراد الله تعالى بذلك إعلام نبيه صلى الله عليه وآله والمؤمنين أنه لم يرزق الكفار الاموال والاولاد ولم يبقها في أيديهم كرامة لهم ورضى عنهم، بل للمصلحة الداعية إلى ذلك، وأنهم مع هذه الحالة معذبون بهذه النعم من الوجه الذى ذكرناه، فلا يجب أن يغبطوا بها ويحسدوا عليها، إذ كانت هذه عاجلتهم، والعقاب الاليم آجلتهم، وهذا جواب أبى على الجبائى وقد طعن عليه بعض من لا تأمل له فقال: كيف يصح هذا التأويل مع أنا نجد كثيرا من الكفار لا تنالهم أيدى المسلمين، ولا يقدرون على غنيمة أموالهم، ونجد أهل الكتاب أيضا خارجين عن هذه الجملة، لمكان الذمة والعهد ؟ وليس هذا الاعتراض بشئ، لانه لا يمتنع أن تختص الاية بالكفار الذين لا ذمة لهم ولا عهد ممن أوجب الله تعالى محاربته، فاما الذين هم بحيث لا تنالهم الايدى، أو هم من القوة على حد لا يتم معه غنيمة أموالهم فلا يقدح الاعتراض بهم في هذا الجواب، لانهم ممن أراد الله أن يسبى ويغنم ويجاهد ويغلب، وان لم يقع ذلك، وليس في ارتفاعه بالتعذر دلالة على أنه غير مراد. انتهى ج 2 ص 153.

[ 134 ]

احتضاره وانقطاع التكليف عنه مع أنه حي – من العذاب الدائم الذي قد أعد له، و إعلامه أنه صائر إليه. ورابعها أن يكون المراد بذلك ما ألزمه هؤلاء الكفار من الفرائض والحقوق في أموالهم لان ذلك يؤخذ منهم على كره، وهم إذا أنفقوا فيه أنفقوا بغير نية ولا عزيمة فتصير نققتهم غرامة وعذابا من حيث لا يستحقون عليها أجرا، وفي هذا الوجه نظر. (1)


(1) قال قدس الله روحه: وهذا وجه غير صحيح، لان الوجه في تكليف الكافر اخراج الحقوق من ماله، كالوجه في تكليف المؤمن ذلك، ومحال أن يكون انما كلف اخراج هذه الحقوق على سبيل العذاب والجزاء، لان ذلك لا يقتضى وجوبه عليه، والوجه في تكليف الجميع هذه الامور هو المصلحة واللطف في التكليف، ولا يجرى ذلك مجرى ما قلناه في الجواب الذى قبل هذا من أن المصائب والغموم تكون للمؤمنين محنة وللكافرين عقوبة، لان تلك الامور مما يجوز أن يكون وجه حسنها للعقوبة والمحنة جميعا، ولا يجوز في هذه الفرائض أن يكون لوجوبها على المكلف إلا وجه واحد وهو المصلحة في الدين، فافترق الامران، وليس لهم أن يقولوا: ليس التعذيب في إيجاب الفرائض عليهم، وإنما هو في إخراجهم لاموالهم على سبيل التكره والاستثقلال، وذلك أنه إذا كان الامر على ما ذكروه خرج الامر من أن يكون مرادا لله تعالى، لانه عزوجل ما أراد منهم اخراج المال على هذا الوجه بل على الوجه الذى هو طاعة وقربة، فإذا أخرجوها متكرهين مستثقلين لم يرد ذلك، فكيف يقول: إنما يريد الله ليعذبهم بها ؟ ويجب أن يكون ما يعذبون به شيئا يصح أن يريده الله تعالى. أقول: أورد شيخ الطائفة في التبيان وجوها اخر، أولها ما حكى عن ابن زيد أن المعنى: انما يريد الله ليعذبهم يحفظها والمصائب فيها مع حرمان المنفعة بها. ثانيها: أن مفارقتها وتركها والخروج عنها بالموت صعب عليهم شديد، لانهم يفارقون النعم، لا يدرون إلى ماذا يصيرون بعد الموت، فيكون حينئذ عذابا عليهم، بمعنى أن مفارقتها غم وعذاب ; ومعنى تزهق أنفسهم أي تهلك وتذهب بالموت، يقال: زهق بضاعة فلان أي ذهبت أجمع. وأورد وجوها اخر متقاربة مع ما ذكره السيد رحمه الله وقال بعد ذلك: وليس في الاية ما يدل على ان الله تعالى أراد الكفر على ما يقوله المجبرة، لان قوله: ” وهم كافرون ” في موضع الحال، كقولك: اريد أن نذمه فهو كافر، وأريد أن نضربه وهو عاص، وأنت لا تريد كفره ولا عصيانه، بل تريد ذمه في حال كفره وعصيانه، وتقدير الاية: انما يريد الله عذابهم وازهاق أنفسهم، أي أي اهلاكها في حال كونهم كافرين. ” التبيان ج 1 ص 837 “. (*)

[ 135 ]

ثم اعلم أن جميع الوجوه التي حكيناها في هذه الآية إلا جواب التقديم والتأخير مبنية على أن الحياة الدنيا ظرف للعذاب، وما يحتاج عندنا إلى جميع ما تكلفوه إذا لم نجعل الحياة ظرفا للعذاب، بل جعلناها ظرفا للفعل الواقع بالاموال والاولاد المتعلق بهما، لانا قد علمنا أولا أن قوله: ليعذبهم بها لابد من الانصراف عن ظاهره لان الاموال والاولاد أنفسهما لا تكون عذابا، فالمراد على سائر وجوه التأويل الفعل المتعلق بها والمضاف إليها، سواء كان إنفاقها، أو المصيبة بها والغم عليها، أو إباحة غنيمتها و إخراجها عن أيدي مالكيها، وكان تقدير الآية: إنما يريد الله ليعذبهم بكذا وكذا مما يتعلق بأموالهم وأولادهم ويتصل بها، وإذا صح هذا جاز أن تكون الحياة الدنيا ظرفا لافعالهم القبيحة في أموالهم وأولادهم التي تغضب الله وتسخطه كإنفاقهم الاموال في وجوه المعاصي، وحملهم الاولاد على الكفر، فتقدير الكلام: إنما يريد الله ليعذبهم بفعلهم في أموالهم وأولادهم الواقع ذلك في الحياة الدنيا. وأما قوله تعالى: ” وتزهق أنفسهم وهم كافرون ” فمعنا تبطل وتخرج أي أنهم يموتون على الكفر، ليس يجب إذا كان مريدا لان تزهق أنفسهم وهم على هذه الحال أن يريد الحال نفسها على ما ظنوه. (1) وقد ذكر في ذلك وجه آخر وهو أن لا يكون قوله: وهم كافرون، حالا لزهوق أنفسهم بل يكون كأنه كلام مستأنف، و التقدير فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم مع ذلك كله كافرون صائرون إلى النار، وتكون الفائدة أنهم مع عذاب الدنيا قد اجتمع عليهم عذاب الآخرة، ويكون معنى تزهق أنفسهم المشقة الشديدة والكلفة الصعبة. أقول: قد مضى بعض الاخبار في معنى القدر والقضاء في باب البداء.


(1) قال: لان الواحد منا قد يامر غيره ويريد منه أن يقاتل أهل البغى وهم محاربون، ولا يقاتلهم وهم منهزمون، ولا يكون مريدا لحرب أهل البغى للمؤمنين وان أراد قتلهم على هذه الحالة، وكذلك قد يقول لغلامه: اريد أن تواظب على المصير إلى في السجن وأنا محبوس، وللطبيب: صرالى ولازمنى وأنا مريض وهو لا يريد المرض ولا الحبس، وان كان قد أراد ما هو متعلق بهاتين الحالتين.

[ 136 ]

(باب 4) * (الاجال) * الايات، آل عمران ” 3 ” وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا 145 ” وقال تعالى ” يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا هيهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم 154. الانعام ” 6 ” هو الذي خلقكم من طين تم قضى اجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون 3. الاعراف ” 7 ” ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون 34. يونس ” 10 ” لكل امة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون 49 الحجر ” 15 ” وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم * ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون 4 – 5. النحل ” 16 ” ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يوخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون 61. مريم ” 19 ” فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا 84. طه ” 20 ” ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى 129. العنكبوت ” 29 ” ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون 53. فاطر ” 35 ” وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير 11. حمعسق ” 42 ” ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم 14. المنافقين ” 63 ” ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها 11.


[ 137 ]

نوح ” 71 ” ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون 4. تفسير: قال الرازي في تفسيره: اختلفوا في تفسير الاذن: الاول: أن يكون الاذن هو الامر، أي يأمر ملك الموت بقبض الارواح، فلا يموت أحد إلا بهذا الامر. الثاني: أن المراد به الامر التكويني كقوله تعالى: ” أن نقول له كن فيكون ” ولا يقدر على الحياة والموت أحد إلا الله. الثالث: أن يكون الاذن هو التخلية والاطلاق، وترك المنع بالقهر والاجبار وبه فسر قوله تعالى: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ” أي بتخليته، فإنه تعالى قادر على المنع من ذلك بالقهر. الرابع: أن يكون الاذن بمعنى العلم، ومعناه أن نفسا لا تموت إلا في الوقت الذي علم الله موتها فيه. الخامس: قال ابن عباس: الاذن: هو قضاء الله وقدره، فإنه لا يحدث شئ إلا بمشية الله وإرادته، والآية تدل على أن المقتول ميت بأجله، وأن تغيير الآجال ممتنع. انتهى. قوله: لكان لنا من الامر شئ أي من الظفر الذي وعدنا النبي صلى الله عليه وآله، أولو كنا مختارين لما خرجنا باختيارنا. قوله تعالى: ” لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ” قال الطبرسي رحمه الله: فيه قولان: أحدهما أن معناه: لو لزمتم منازلكم أيها المنافقون والمرتابون لخرج إلى البراز المؤمنون الذين فرض عليهم القتال صابرين محتسبين، فيقتلون ويقتلون ولما تخلفوا بتخلفكم. والثاني: أن معناه: لو كنتم في منازلكم لخرج الذين كتب عليهم القتل أي كتب آجالهم وموتهم وقتلهم في اللوح المحفوظ في ذلك الوقت إلى مصارعهم، وذلك أن ما علم الله كونه فإنه يكون كما علمه لا محالة، وليس في ذلك أن المشركين غير قادرين على


[ 138 ]

ترك القتال من حيث علم الله ذلك منهم وكتبه لانه كما علم أنهم لا يختارون ذلك علم أنهم قادرون، ولو وجب ذلك لوجب أن لا يكون تعالى قادرا على ما علم أنه لا يفعله، و القول بذلك كفر. وقال رحمه الله: في قوله تعالى: ” ثم قضى أجلا ” أي كتب وقدر أجلا ” وأجل مسمى عنده ” قيل: فيه أقوال: أحدها أنه يعني بالاجلين: أجل الحياة إلى الموت، وأجل الموت إلى البعث. وروى ابن عباس قال: قضى أجلا من مولده إلى مماته، وأجل مسمى عنده من الممات إلى البعث، لا يعلم أحد ميقاته سواه، فإذا كان الرجل صالحا واصلا لرحمه زاد الله له في أجل الحياة من أجل الممات إلى البعث، وإذا كان غير صالح ولا واصل نقصه الله من أجل الحياة، وزاد في أجل المبعث، قال: وذلك قوله: ” وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب “. وثانيها أنه الاجل الذي يحيي به أهل الدنيا إلى أن يموتوا، وأجل مسمى عنده يعنى الآخرة لانها أجل ممدود دائم لا آخر له. وثالثها: أن أجلا يعني به أجل من مضى من الخلق، وأجل مسمى عنده يعني به آجال الباقين. ورابعها: أن قوله: ” قضى أجلا ” عنى به النوم يقبض الروح فيه ثم يرجع عند اليقظة، والاجل المسمى هو أجل الموت ; والاصل في الاجل هو الوقت فأجل الحياة هو الوقت الذي يكون فيه الحياة، وأجل الموت أو القتل هو الوقت الذي يحدث فيه الموت أو القتل، وما يعلم الله تعالى أن المكلف يعيش إليه لو لم يقتل لا يسمى أجلا حقيقة، ويجوز أن يسمى ذلك مجازا ; وما جاء في الاخبار من أن صلة الرحم تزيد في العمر والصدقة تزيد في الاجل وأن الله تعالى زاد في أجل قوم يونس وما أشبه ذلك فلا مانع من ذلك. وقال في قوله تعالى: ” ولكل أمة أجل “: أي لكل جماعة و أهل عصر وقت لاستيصالهم. وقيل: المراد بالاجل أجل العمر الذي هو ملة الحياة. قوله: ” لا يستأخرن ” أي لا يتأخرون ساعة من ذلك الوقت ولا يتقدمون ساعة. وقيل: معناه: لا يبطلون التأخر عن ذلك الوقت للاياس عنه ولا يطلبون التقدم ; ومعنى.


[ 139 ]

جاء أجلهم: قرب أجلهم، كما يقال: جاء الصيف: إذا قارب وقته. قوله تعالى: ” ولولا كلمة سبقت من ربك ” أي في تأخير العذاب عن قومك وأنه لا يعذبهم وأنت فيهم لقضي بينهم أي لفرغ من عذابهم واستيصالهم، وقيل: معناه لولا حكم سبق من ربك بتأخيرهم إلى وقت انقضاء آجالهم لقضي بينهم قبل انقضاء آجالهم. 1 – فس: أبي، عن النضر، عن الحلبي، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الاجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه، والمسمى هو الذي فيه البداء، يقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير. ” ص 181 ” فس: ” إلا ولها كتاب معلوم ” أي أجل مكتوب. ” ص 349 ” 2 – فس: أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها قال: إن عند الله كتبا موقوفة يقدم منها ما يشاء ويؤخر فإذا كان ليلة القدر أنزل فيها كل شئ يكون إلى مثلها (1) فذلك قوله: ” ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ” إذا أنزله وكتبه كتاب السماوات وهو الذي لا يؤخره. ” ص 682 ” 3 – شى: عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى ” ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ” قال: الاجل الذي غير مسمى موقوف، يقدم منه ما شاء، ويؤخر منه ما شاء، وأما الاجل المسمى فهو الذي ينزل مما يريد أن يكون من ليلة القدر إلى مثلها من قابل، فذلك قول الله: ” إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون “. 4 – ما: وعن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المسمى ما سمي لملك الموت في تلك الليلة وهو الذي قال الله: ” إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ” والآخر له فيه المشية إن شاء قدمه وإن شاء أخره. 5 – ما: الغضائري، عن التلعكبري، عن محمد بن همام، عن محمد بن علي بن


(1) في المصدر: أنزل الله فيها كل شئ يكون إلى ليلة مثلها. م

[ 140 ]

الحسين الهمداني، عن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن سنان، عن المفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالى لم يجعل للمؤمن أجلا في الموت، يبقيه ما أحب البقاء فإذا علم من أنه سيأتي بما فيه بوار دينه (1) قبضه إليه تعالى مكرها. 6 – قال محمد بن همام: فذكرت هذا الحديث لاحمد بن علي بن حمزة مولى الطالبيين – وكان راوية للحديث – (2) فحدثني عن الحسين بن أسد الطفاوي، (3) عن محمد بن القاسم عن فضيل بن يسار، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال، ومن يعيش بالاحسان أكثر ممن يعيش بالاعمار. 7 – دعوات الراوندي: قال الصادق عليه السلام: يعيش الناس بإحسانهم أكثر مما يعيشون بأعمارهم، ويموتون بذنوبهم أكثر مما يموتون بآجالهم. 8 – النهج: قال عليه السلام: إن مع كل إنسان ملكين يحفظانه، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الاجل جنة (4) حصينة. 9 – شى: عن حمران قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله: ” قضى أجلا وأجل مسمى عنده ” قال هما أجلان: أجل موقوف يصنع الله ما يشاء وأجل محتوم. 10 – شى: عن حصين، عن أبى عبد الله عليه السلام قي قوله: قضى أجلا وأجل مسمى عنده قال: الاجل الاول هو الذي نبذه إلى الملائكة والرسل والانبياء، والاجل المسمى عنده هو الذي ستره عن الخلائق. بيان: ظاهر بعض الاخبار كون الاجل الاول محتوما والثاني موقوفا، وبعضها بالعكس، ويمكن الجمع بأن المعنى أنه تعالى قضى أجلا أخبر به أنبياءه وحججه عليهم السلام، وأخبر بأنه محتوم فلا يتطرق إليه التغيير، وعنده أجل مسمى أخبر بخلافه غير محتوم، فهو الذي إذا أخبر بذلك المسمى يحصل منه البداء، فلذا قال تعالى:


(1) أي هلاك دينه. أقول: متن الحديث لا يخلو عن غرابة. (2) الراوية: الذى يروى الحديث والتاء فيه للمبالغة. (3) قال الفيروز آبادى في القاموس: الطفاوة بالضم: حى من قيس عيلان. (4) بضم الجيم: السترة، وكل ما وقى من السلاح.

[ 141 ]

” عنده ” أي لم يطلع عليه أحدا بعد، وأنما يطلق عليه المسمى لانه بعد الاخبار يكون مسمى فما لم يسم فهو موقوف، ومنه يكون البداء فيما أخبر لا على وجه الحتم، و يحتمل أن يكون المراد بالمسمى ما سمي ووصف بأنه محتوم فالمعنى: قضى أجلا محتوما أي أخبر بكونه محتوما. وأجلا آخر وصف بكونه محتوما عنده ولم يخبر الخلق بكونه محتوما فيظهر منه أنه أخبر بشئ لا على وجه الحتم فهو غير المسمى لا الاجل الذي ذكر أولا، وحاصل الوجهين مع قربهما أن الاجلين كليهما محتومان، أخبر بأحدهما ولم يخبر بالآخر، ويظهر من الآية أجل آخر غير الاجلين وهو الموقوف، ويمكن أن يكون الاجل الاول عاما فيرتكب تكلف في خبر ابن مسكان بأنه قد يكون محتوما، وظاهر أكثر الاخبار أن الاول موقوف والمسمى محتوم. 11 – شى: عن حماد بن موسى، عن أبي عبد الله عليه السلام إنه سئل عن قول الله: ” يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ” قال: إن ذلك كتاب يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت، فمن ذلك الذي يرد الدعاء القضاء، وذلك الدعاء مكتوب عليه: ” الذي يرد به القضاء ” حتى إذا صار إلى ام الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئا. بيان: لعل المراد بكونه مكتوبا عليه أن هذا الحكم ثابت له حتى يوافق ما في اللوح من القضاء الحتمي، فإذا وافقه فلا ينفع الدعاء، ويحتمل أن يكون المعنى أن ذلك الدعاء الذي يرد به القضاء من الاسباب المقدرة أيضا فلا ينافي الدعاء القدر والقضاء. 12 – شى: عن الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن المرء ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاث سنين فيمدها الله إلى ثلاث وثلاثين سنة، وإن المرء ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فيقصرها الله إلى ثلاث سنين أو أدنى. قال الحسين: وكان جعفر عليه السلام يتلو هذه الآية: ” يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب “. 13 – نهج: من كلامه عليه السلام – لما خوف من الغيلة – وإن علي من الله جنة


[ 142 ]

حصينة، فإذا جاء يومي انفرجت عني وأسلمتني فحينئذ لا يطيش السهم ولا يبرأ الكلم. (1) بيان: الغيله: القتل على غفلة ; وطاش السهم: انحرف عن الغرض. 14 – نهج: قال عليه السلام: كفى بالاجل حارسا. تذنيب: أقول: الاخبار الدالة على حقيقة الاجلين وتحقيقهما قد مر في باب البداء من كتاب التوحيد، وقال المحقق الطوسي رحمه الله في التجريد: أجل الحيوان الوقت الذي علم الله بطلان حياته فيه، والمقتول يجوز فيه الامران لولاه، ويجوز أن يكون الاجل لطفا للغير لا للمكلف. وقال العلامة رحمه الله في شرحه: اختلف الناس في المقتول لو لم يقتل فقالت المجبرة إنه كان يموت قطعا وهو قول أبي هذيل العلاف، وقال بعض البغداديين: إنه كان يعيش قطعا، وقال أكثر المحققين: إنه كان يجوز أن يعيش ويجوز أن يموت، ثم اختلفوا فقال قوم منهم: إن كان المعلوم منه البقاء لو لم يقتل له أجلان وقال الجبائيان وأصحابهما وأبو الحسين البصري: إن أجله هو الوقت الذي قتل فيه، ليس له أجل آخر لو لم يقتل فما كان يعيش إليه ليس بأجل له الآن حقيقي بل تقديري، واحتج الموجبون لموته بأنه لولاه لزم خلاف معلوم الله تعالى وهو محال، واحتج الموجبون لحياته بأنه لو مات لكان الذابح غنم غيره محسنا ولما وجب القود لانه لم يفوت حياته. والجواب عن الاول ما تقدم من أن العلم يؤثر في المعلوم، وعن الثاني بمنع الملازمة، إذ لو ماتت الغنم استحق مالها عوضا زائدا على الله تعالى فيذبحه فوته الاعواض الزائدة، والقود من حيث مخالفة الشارع إذ قتله حرام عليه وإن علم موته، ولهذا لو أخبر الصادق بموت زيد لم يجز لاحد قتله. ثم قال رحمه الله: ولا استبعاد في أن يكون أجل الانسان لطفا لغيره من المكلفين، ولا يمكن أن يكون لطفا للمكلف نفسه لان الاجل يطلق على عمره وحياته، ويطلق على أجل موته أما الاول فليس بلطف لانه


(1) بفتح الكاف وسكون اللام أي لا يشفى الجرح.

[ 143 ]

تمكين له من التكليف، واللطف زائد على التمكين، وأما الثاني فهو قطع للتكليف فلا يصح أن يكلف بعده فيكون لطفا له فيما يكلفه من بعد، واللطف لا يصح أن يكون لطفا فيما مضى. انتهى. أقول: لا يخفى ما في قوله رحمه الله: العلم لا يؤثر، فإنه غير مرتبط بالسؤال، بل الجواب هو أنه يلزم خلاف العلم على هذا الفرض على أي حال فإن من علم الله أنه سيقتل إذا مات بغير قتل كان خلاف ما علمه تعالى، وأما علمه بموته على أي حال فليس بمسلم ; وأما قوله: واللطف لا يصح أن يكون لطفا فيما مضى فيمكن منعه بأنه يمكن أن يكون لطفا من حيث علم المكلف بوقوعه فيردعه عن ارتكاب كثير من المحرمات، إلا أن يقال: اللطف هو العلم بوقوع أصل الموت فأما خصوص الاجل المعين فلعدم علمه به غالبا لا يكون لطفا من هذه الجهة أيضا، ويمكن تطبيق كلام المصنف على هذا الوجه من غير تكلف. (باب 5) * (الارزاق والاسعار (1)) * الايات، البقرة ” 2 ” والله يرزق من يشاء بغير حساب 212. آل عمران ” ” إن الله يرزق من يشاء بغير حساب 37. هود ” 11 ” وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها 6. الرعد ” 13 ” الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر 26. الاسرى ” 17 ” إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا 30.


(1) الارزاق جمع الرزق، وهو كل ما صح انتفاع الحيوان به بالتغذي أو غيره وليس لاحد منعه منه ; وأما إطلاق الرزق على الممنوع والمحرم فسيأتي الكلام فيه مفصلا من المصنف ; وأما الاسعار فهو جمع السعر بالكسر وهو الذى يقوم عليه الثمن، وهو قد يرخص وقد يغلو، ويأتى الكلام في أنهما مستندان إلى الله مطلقا أو في بعض الاحيان. (*)

[ 144 ]

الحج ” 22 ” ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين 58. المؤمنين ” 23 ” وهو خير الرازقين 72. النور ” 24 ” والله يرزق من يشاء بغير حساب. 38 العنكبوت ” 2 ” وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم 6 ” وقال تعالى “: الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شئ عليم 62. الروم ” 30 ” أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون 37. سبا ” 34 ” قل من يرزقكم من السموات والارض قل الله 34 ” وقال تعالى “: قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون 36 ” وقال تعالى “: قل: إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين 39. الزمر ” 39 ” أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون 52. حمعسق ” 42 ” له مقاليد السموات والارض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شئ عليم 12 ” وقال تعالى: ” ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير 27. الزخرف ” 43 ” أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا 32. الذاريات ” 51 ” وفي السماء رزقكم وما توعدون * فورب السماء والارض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون 22 – 23. تفسير: قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: ” والله يرزق من يشاء بغير حساب ” قيل: فيه أقوال: أحدها أن معناه: يعطيهم الكثير الواسع الذي لا يدخله الحساب من كثرته.


[ 145 ]

وثانيها: أنه لا يرزق الناس في الدنيا على مقابلة أعمالهم وإيمانهم وكفرهم، فلا يدل بسط الرزق على الكفار على منزلتهم عند الله، وإن قلنا: إن المراد به في الآخرة فمعناه أن الله لا يثيب المؤمنين في الآخرة على قدر أعمالهم التي سلفت منهم بل يزيدهم تفضلا. وثالثها: أنه يعطيه عطاءا لا يأخذه بذلك أحد، ولا يسأله عنه سائل، ولا يطلب عليه جزاءا ولا مكافاة. ورابعها: أنه يعطيه من العدد الشئ الذي لا يضبط بالحساب ولا يأتي عليه العدد لان ما يقدر عليه غير متناه ولا محصور فهو يعطي الشئ لا من عدد أكثر منه فينقص منه كمن يعطي الالف من الالفين والعشرة من المائة. وخامسها: أن معناه: يعطي أهل الجنة ما لا يتناهى ولا يأتي عليه الحساب. وقال البيضاوي في قوله تعالى: ” وفي السماء رزقكم “: أي أسباب رزقكم أو تقديره. وقيل: المراد بالسماء السحاب، وبالرزق المطر لانه سبب الاقوات، ” وما توعدون ” من الثواب لان الجنة فوق السماء السابعة، أو لان الاعمال وثوابها مكتوبة مقدرة في السماء وقيل: إنه مستأنف خبره: ” فورب السماء والارض إنه لحق ” وعلى هذا فالضمير ” لما ” وعلى الاول يحتمل أن يكون له ولما ذكر من أمر الآيات والرزق والوعيد. ” مثل ما أنكم تنطقون ” أي مثل نطقكم كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في تحقق ذلك انتهى. وقال الوالد العلامة رحمه الله: يحتمل أن يكون التشبيه من حيث اتصال النطق وفيضان المعاني من المبدء بقدر الحاجة من غير علم بموضعه ومحل وروده فيكون التشبيه أكمل. 1 – ب: ابن طريف، عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الرزق لينزل (1) من السماء إلى الارض على عدد قطر المطر إلى كل نفس بما قدر لها، ولكن لله فضول فاسألوا الله من فضله. ” ص 55 “


(1) في المصدر: ينزل. م

[ 146 ]

2 – ن: محمد بن القاسم المفسر، عن أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن علي، عن أبيه، عن جده، عن الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر عليهم السلام قال: سأل الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عن بعض أهل مجلسه فقيل: عليل، فقصده عائدا وجلس عند رأسه فوجده دنفا، (1) فقال له: أحسن ظنك بالله، قال: أما ظني بالله فحسن، ولكن غمي لبناتي ما أمرضني غير غمي بهن، فقال الصادق عليه السلام: الذي ترجوه لتضعيف حسناتك ومحو سيئاتك فارجه لاصلاح حال بناتك أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لما جاوزت سدرة المنتهى (2) وبلغت أغصانها وقضبانها رأيت بعض ثمار قضبانها أثداء معلقة يقطر من بعضها اللبن، ومن بعضها العسل، ومن بعضها الدهن، ويخرج عن بعضها شبه دقيق السميذ، وعن بعضها الثياب، (3) وعن بعضها كالنبق (4) فيهوي ذلك كله نحو الارض، فقلت في نفسي: أين مقر هذه الخارجات عن هذه الاثداء ؟ وذلك أنه لم يكن معي جبرئيل لاني كنت جاوزت مرتبته، واختزل دوني، فناداني ربي عزوجل في سري: يا محمد هذه أنبتها من هذا المكان الا رفع لاغذو منها بنات المؤمنين من أمتك وبنيهم فقل لآباء البنات: لا تضيقن صدوركم على فاقتهن فإني كما خلقتهن أرزقهن. ” ص 179 – 180 ” بيان: السميذ بالذال المعجمة والمهملة الدقيق الابيض ; والاختزال: الانفراد والاقتطاع. 3 – شى: عن إسماعيل بن كثير رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: لما نزلت هذه الآية: ” واسألوا الله من فضله “. قال: فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وآله: ما هذا الفضل ؟ أيكم


(1) بفتح الدال وكسر النون: من لازمه المرض. (2) هي في السماء السابعة، قيل: هي شجرة في أقصى الجنة، إليها ينتهى علم الاولين والاخرين ولا يتعداها. وقيل: شجرة نبق عن يمين العرش، وفى الحديث: سميت سدرة المنتهى لان أعمال أهل الارض تصعد بها الملائكة الحفظة إلى محل السدرة والحفظة الكرام البررة دون السدرة يكتبون ما يرفع إليهم الملائكة من أعمال العباد في الارض فينتهون بها إلى محل السدرة. (3) في المصدر: النبات. م (4) النبق: حمل شجر السدر.

[ 147 ]

يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك ؟ قال: فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: أنا أسأله فسأله عن ذلك الفضل ما هو ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله خلق خلقه وقسم لهم أرزاقهم من حلها وعرض لهم بالحرام فمن انتهك حراما نقص له من الحلال بقدر ما انتهك من الحرام وحوسب به. 4 – نهج: قال عليه السلام: الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك، فلا تحمل هم سنتك على هم يومك، كفاك كل يوم ما فيه فإن تكن السنة من عمرك فإن الله تعالى جده سيؤتيك في كل غد جديد ما قسم لك، وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهم لما ليس لك ولن يسبقك إلى رزقك طالب ولن يغلبك عليه غالب ولن يبطئ عنك ما قد قدر لك ؟. 5 – شى: عن ابن الهذيل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله قسم الارزاق بين عباده وأفضل فضلا كبيرا لم يقسمه بين أحد قال الله: ” واسألوا الله من فضله “. 6 – شى: عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: ليس من نفس إلا وقد فرض الله لها رزقها حلالا يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجه آخر، فإن هي تناولت من الحرام شيئا قاصها به من الحلال الذي فرض الله لها وعند الله سواهما فضل كبير. 7 – شى: عن الحسين بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك إنهم يقولون: إن النوم بعد الفجر مكروه لان الارزاق تقسم في ذلك الوقت فقال: الارزاق موظوفة مقسومة، ولله فضل يقسمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وذلك قوله: ” واسألوا الله من فضله ” ثم قال: وذكر الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الارض. 8 – كا: العدة عن سهل، عن ابن يزيد، عن محمد بن أسلم، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله وكل بالسعر ملكا فلن يغلو من قلة، ولا يرخص من كثرة ” ج 1 ف ص 374 ” (1)


(1) غلا السعر: ارتفع الثمن وزاد عما جرت به العادة. ورخص: انحط عما جرت به العادة.

[ 148 ]

9 – كا: محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن ابن معروف، عن الحجال، عن بعض أصحابه، عن الثمالي، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: إن الله عزوجل وكل ملكا بالسعر يدبره بأمره. ” ج 1 ف ص 374 ” 10 – كا: العدة، عن سهل، عن ابن يزيد، عمن ذكره، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: إن الله وكل ملكا بالاسعار يدبرها. ” ج 1 ف ص 374 ” 11 – نهج: وقدر الارزاق فكثرها وقللها، وقسمها على الضيق والسعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها، وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها، ثم قرن بسعتها عقابيل فاقتها، ويفرج أفراجها غصص أتراحها، وخلق الآجال فأطالها وقصرها، وقدمها وأخرها، ووصل بالموت أسبابها، وجعله خالجا لاشطانها، وقاطعا لمرائر أقرانها. بيان: العقابيل ” بقايا المرض، واحدها عقبول، والاتراح: الغموم، والخلج: الجذب، والشطن: الحبل، والمرائر: الحبال المفتولة على أكثر من طاق، والاقران: الحبال. 12 – عدة: روي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: ” وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ” قال: هو قول الرجل: لولا فلان لهلكت، ولولا فلان لما أصبت كذا وكذا، ولولا فلان لضاع عيالي ; ألا ترى أنه قد جعل لله شريكا في ملكه يرزقه ويدفع عنه ؟ قلت: فنقول: لولا أن الله من علي بفلان لهلكت، قال: نعم لا بأس بهذا ونحوه. 13 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعدة من أصحابنا ; عن سهل بن زياد عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع: ألا إن الروح الامين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء شئ من الرزق أن تطلبوه بشئ من معصية الله، فإن الله تعالى قسم الارزاق بين خلقه حلالا، ولم يقسمها حراما فمن اتقى الله وصبر أتاه رزقه من حله، ومن هتك حجاب ستر الله عزوجل وأخذه من


[ 149 ]

غير حله قص به من رزقه الحلال وحوسب عليه. ” ج 2 ف ص 350 ” بيان: أقول: سيأتي أكثر الآيات والاخبار المتعلقة بهذا الباب في كتاب المكاسب والنفث: النفح، والروع بالضم: العقل والقلب، والاجمال في الطلب: ترك المبالغة فيه، (1) أي اتقوا الله في هذا الكد الفاحش، أو المعنى أنكم إذا اتقيتم الله لا تحتاجون إلى هذا الكد والتعب لقوله تعالى: ” ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ” (2) وهتك الستر: تمزيقه وخرقه. ثم الظاهر من هذا الخبر وغيره من الاخبار أن الله تعالى قدر في الصحف السماوية لكل بشر رزقا حلالا بقدر ما يكفيه بحيث إذا لم يرتكب الحرام وطلب من الحلال سبب له ذلك ويسره له، وإذا ارتكب الحرام فبقدر ذلك يمنع مما قدر له. (3)


(1) والاعتدال وعدم الافراط فيه. (2) الطلاق: 3. (3) لا شك أن ما نشاهده من الموجودات أعم من الجماد والنبات والحيوان والانسان لا يكفيها أصل الوجود للبقاء بل تستمد في بقائها بامور اخر خارجة من وجودها اما بضمها إلى أنفسها بالاقتيات و والاغتذاء أو بوجه آخر بالايواء واللبس والتناسل ونحوها. وهذا المعنى في الانسان وسائر أقسام الحيوان أوضح، وهو الرزق الذى عليه يتوقف بقاء أقسام الحيوان من غير فرق في ذلك بينها أصلا، وقد قال تعالى: ” وما من دابة في الارض الا على الله رزقها ” الاية، فالرزق مما لا يستغنى عنه موجود في بقائه، واذ خلق الله هذه الاشياء لبقاء ما فقد خلق لها رزقا، فاستناد البقاء إليه تعالى يوجب استناد الرزق إليه من غير شك قال تعالى: ” فورب السماء والارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون ” الاية، و كون الرزق بهذا المعنى أمرا تكوينيا غير مربوط بعالم التكليف كالشمس في رائعة النهار فان الحدوث والبقاء ولوازم كل منهما امور تكوينية بلا ريب. ثم ان الانسان لما تعلق التكليف ببعض أفعاله المتعلقة بالارزاق كالاكل والشرب والنكاح واللباس ونحوها، والرزق مما يضطر إليه تكوينا كان لازم ذلك أن لا يتعلق الحرمة والمنع الا بما له مندوحة والا كان تكليفا بما لا يطاق قال تعالى: ” وما جعل عليكم في الدين من حرج ” الاية، وقال: ” ان الله لا يأمر بالفحشاء ” الاية، وكان لازم ذلك أن في موارد المحرمات أرزاقا الهية محللة هي المندوحة للعبد وهى الارزاق المنسوبة إليه تعالى بحسب النظر التشريعي دون المحرمات. فتحصل أن الرزق رزقان رزق تكويني وهو كل ما يستمد به موجود في بقائه كيف كان، ورزق تشريعي، وهو الحلال الذى يستمد به الانسان في الحياة دون الحرام فانه ليس برزق منه تعالى ; هذا هو الذى يتحصل من الكتاب والسنة بعد التدبر فيهما. ط

[ 150 ]

قال الشيخ البهائي قدس الله روحه في شرح هذا الحديث: الرزق عند الاشاعرة كل ما انتفع به حي، سواء كان بالتغذي أو بغيره، مباحا كان أو لا، وخصه بعضهم بما تربى به الحيوان من الاغذية والاشربة، وعند المعتزلة هو كل ما صح انتفاع الحيوان به بالتغذي أو غيره، وليس لاحد منعه منه فليس الحرام رزقا عندهم، وقال الاشاعرة في الرد عليهم: لو لم يكن الحرام رزقا لم يكن المغتذي طول عمره بالحرام مرزوقا، وليس كذلك لقوله تعالى: ” وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها ” (1) وفيه نظر فإن الرزق عند المعتزلة أعم من الغذاء وهم لم يشترطوا الانتفاع بالفعل، فالمغتذي طول عمره بالحرام إنما يرد عليهم لو لم ينتفع مدة عمره بشئ انتفاعا محللا، ولو بشرب الماء والتنفس في الهواء، بل ولا تمكن من الانتفاع بذلك أصلا، وظاهر أن هذا مما لا يوجد، وأيضا فلهم أن يقولوا: لو مات حيوان قبل أن يتناول شيئا محللا ولا محرما يلزم أن يكون غير مرزوق، فما هو جوابكم فهو جوابنا ; هذا، ولا يخفى أن الاحاديث المنقولة في هذا الباب متخالفة، والمعتزلة تمسكوا بهذا الحديث، وهو صريح في مدعاهم غير قابل لتأويل، والاشاعرة تمسكوا بما رووه عن صفوان بن أمية قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ جاء عمر بن قرة فقال: يارسول الله إن الله كتب علي الشقوة فلا أراني أرزق إلا من دفي بكفي، فاذن في الغناء من غير فاحشة ; فقال صلى الله عليه وآله: لا آذن لك ولا كرامة ولا نعمة أي عدو الله لقد رزقك الله طيبا فاخترت ما حرم عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله، أما إنك لو قلت بعد هذه المقالة ضربتك ضربا وجيعا. والمعتزلة يطعنون في سند هذا الحديث تارة ويأولونه على تقدير سلامته أخرى بأن سياق الكلام يقتضي أن يقال: فاخترت ما حرم الله عليك من حرامه مكان ما أحل الله لك من حلاله، وإنما قال صلى الله عليه وآله: من رزقه مكان من حرامه، فأطلق على الحرام اسم الرزق بمشاكلة قوله: فلا أراني أرزق، وقوله صلى الله عليه وآله: لقد رزقك الله، و تمسك المعتزلة أيضا بقوله تعالى: ” ومما رزقناهم ينفقون ” (2) قال الشيخ في التبيان


(1) هود: 6. (2) البقرة: 3.

[ 151 ]

ما حاصله: أن هذه الآية تدل على أن الحرام ليس رزقا لانه سبحانه مدحهم بالانفاق من الرزق، والانفاق من الحرام لا يوجب المدح، وقد يقال: إن تقديم الظرف يفيد الحصر وهو يقتضي كون المال المنفق على ضربين: ما رزقه الله، وما لم يرزقه وإن المدح إنما هو على الانفاق مما رزقهم وهو الحلال، لا مما سولت لهم أنفسهم من الحرام ولو كان كل ما ينفقونه رزقا من الله سبحانه لم يستقم الحصر فتأمل. انتهى كلامه رفع الله مقامه. أقول: إن كان المراد بقولهم: رزقهم الله الحرام أنه خلقه ومكنهم من التصرف فيه فلا نزاع في أن الله رزقهم بهذا المعنى، وإن كان المعنى أنه المؤثر في أفعالهم وتصرفاتهم في الحرام فهذا إنما يستقيم على أصلهم الذي ثبت بطلانه، وإن كان الرزق بمعنى التمكين وعدم المنع من التصرف فيه بوجه فظاهر أن الحرام ليس برزق بهذا المعنى على مذهب من المذاهب، وإن كان المعنى أنه قدر تصرفهم فيه بأحد المعاني التي مضت في القضاء والقدر، أو خذلهم ولم يصرفهم جبرا عن ذلك فبهذا المعنى يصدق أنه رزقهم الحرام ; وأما ظواهر الآيات والاخبار الواردة في ذلك فلا يريب عاقل في أنها منصرفة إلى الحلال، كما أومأنا إلى معناه سابقا. وأما ألاسعار فقد ذهبت الاشاعرة إلى أنه ليس المسعر إلا الله تعالى، بناءا على أصلهم من أن لا مؤثر في الوجود إلا الله. وأما الامامية والمعتزلة فقد ذهبوا إلى أن الغلاء والرخص قد يكونان بأسباب راجعة إلى الله، وقد يكونان بأسباب ترجع إلى اختيار العباد ; وأما الاخبار الدالة على أنهما من الله فالمعنى أن أكثر أسبابهما راجعة إلى قدرة الله، أو أن الله تعالى لما لم يصرف العباد عما يختارونه من ذلك مع ما يحدث في نفوسهم من كثرة رغباتهم، أو غناهم بحسب المصالح فكأنهما وقعا بإرادته تعالى، كما مر القول فيما وقع من الآيات والاخبار الدالة على أن أفعال العباد بإرادة الله تعالى ومشيته، وهدايته وإضلاله، وتوفيقه وخذلانه ; ويمكن حمل بعض تلك الاخبار على المنع من التسعير والنهي عنه ; بل يلزم الوالي أن لا يجبر الناس على السعر ويتركهم و اختيارهم، فيجري السعر على ما يريد الله تعالى.


[ 152 ]

قال العلامة رحمه الله في شرحه على التجريد: السعر هو تقدير العوض الذي يباع به الشئ، وليس هو الثمن ولا المثمن، وهو ينقسم إلى رخص وغلاء، فالرخص هو السعر المنحط عما جرت به العادة مع اتحاد الوقت والمكان، والغلاء زيادة السعر عما جرت به العادة مع اتحاد الوقت والمكان، وإنما اعتبرنا الزمان والمكان لانه لا يقال: إن الثلج قد رخص سعره في الشتاء عند نزوله لانه ليس أوان سعره، ويجوز أن يقال: رخص في الصيف إذا نقص سعره عما جرت عادته في ذلك الوقت، ولا يقال: رخص سعره في الجبال التي يدوم نزوله فيها لانها ليست مكان بيعه، ويجوز أن يقال: رخص سعره في البلاد التي اعتيد بيعه فيها، واعلم أن كل واحد من الرخص والغلاء قد يكون من قبله تعالى بأن يقلل جنس المتاع المعين، ويكثر رغبة الناس إليه فيحصل الغلاء لمصلحة المكلفين، وقد يكثر جنس ذلك المتاع ويقلل رغبة الناس إليه تفضلا منه وإنعاما، أو لمصلحة دينية فيحصل الرخص، وقد يحصلان من قبلنا بأن يحمل السلطان الناس على بيع جميع تلك السلعة بسعر غال ظلما منه أو لاحتكار الناس، أو لمنع الطريق خوف الظلمة، أو لغير ذلك من الاسباب المستند إلينا فيحصل الغلاء، وقد يحمل السلطان الناس على بيع السلعة برخص ظلما منه، أو يحملهم على بيع ما في أيديهم من جنس ذلك المتاع فيحصل الرخص. (باب 6) * (السعادة والشقاوة والخير والشر وخالقهما ومقدرهما) * الايات، هود ” 11 ” فمنهم شقي وسعيد * فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * ” إلى قوله تعالى “: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها. الآية 105 – 108. المؤمنين ” 23 ” ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون. قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين 105 – 106. الزمر ” 39 ” وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم


[ 153 ]

وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين 71. التغابن ” 64 ” هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن 3. تفسير: قال البيضاوي: ” فمنهم شقي ” وجبت له النار بمقتضى الوعيد ” وسعيد ” وجبت له الجنة بموجب الوعد. وقال الطبرسي رحمه الله: ” غلبت علينا شقوتنا ” أي شقاوتنا وهي المضرة اللاحقة في العاقبة، والسعادة: المنفعة اللاحقة في اللاحقة في العاقبة، والمعنى: استعلت علينا سيئاتنا التي أوجبت لنا الشقاوة. وقال الزمخشري: قالوا: بلى أتونا وتلوا علينا، ولكن وجبت علينا كلمة الله بسوء أعمالنا كما قالوا: ” غلبت علينا شقوتنا ” فذكروا عملهم الموجب لكلمة العذاب وهو الكفر والضلال. 1 – لى: أبى، عن علي، عن أبيه، عن صفوان ين يحيى، عن الكناني، عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الشقي من شقي في بطن أمه. الخبر. 2 – ب: محمد بن عيسى، عن القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله قابضا على (1) شيئين في يده، ففتح يده اليمنى ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من الرحمن الرحيم في أهل الجنة بأعدادهم وأحسابهم وأنسابهم مجمل (2) عليهم، لا ينقص منهم أحد، ولا يزاد فيهم أحد. ثم فتح يده اليسرى فقال: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من الرحمن الرحيم في أهل النار بأعدادهم وأحسابهم وأنسابهم مجمل (3) عليهم إلى يوم القيامة لا ينقص منهم أحد، ولا يزاد فيهم أحد، وقد يسلك بالسعداء طريق الاشقياء حتى يقال: هم منهم، هم هم، ما أشبههم بهم ! ثم يدرك أحدهم سعادته قبل موته ولو بفواق ناقة، وقد يسلك بالاشقياء طريق أهل السعادة حتى يقال: هم منهم، هم هم، ما أشبههم بهم، ثم يدرك أحدهم شقاه ولو قبل موته ولو بفواق ناقة، فقال النبي صلى الله عليه وآله: العمل بخواتيمه، العمل بخواتيمه، العمل بخواتيمه. (4) ” ص 13 “


(1) في المصدر: قابضا شيئين بدون على. (2، 3) في نسخة: يجمل. (4) سيأتي الحديث بألفاظ أخرى تحت رقم 13 و 15.

[ 154 ]

بيان: قال الجزري: في حديث القدر: كتاب فيه أسماء أهل الجنة وأهل النار أجمل على آخرهم، تقول: أجملت الحساب: إذا جمعت آحاده وكملت أفراده، أي احصوا فلا يزاد فيهم ولا ينقص. وقال الفيروز آبادي: الفواق كغراب: ما بين الحلبتين من الوقت، ويفتح، أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع. 3 – ب: ابن عيسى، عن البزنطي قال: سألت الرضا عليه السلام أن يدعو الله لامرأة من أهلنا بها حمل: فقال: قال أبو جعفر عليه السلام: الدعاء ما لم يمض أربعة أشهر ; فقلت له: إنما لها أقل من هذا فدعا لها، ثم قال: إن النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوما، و تكون علقة ثلاثين يوما، وتكون مضغة ثلاثين يوما، وتكون مخلقة وغير مخلقة ثلاثين يوما، وإذا تمت الاربعة أشهر بعث الله تبارك وتعالى إليها ملكين خلاقين يصورانه، و يكتبان رزقه وأجله شقيا أو سعيدا ” ص 154 – 155 ” بيان: قال البيضاوي في قوله تعالى: ” مخلقة وغير مخلقة “: مسواة لا نقص فيها ولا عيب وغير مسواة ; أو تامة وساقطة ; أو مصورة وغير مصورة انتهى. أقول: لعل المراد بالخبر أن في ثلاثين يوما بعد المضغة إما أن يبتدأ في تصويره بخلق عظامه، أو يسقط، أو إما أن يسوى بحيث لا يكون فيه عيب، أو يجعل حيث يكون فيه عيب. ثم اعلم أن هذا الخبر يمكن أن يكون تفسيرا لقوله صلى الله عليه وآله: الشقي من شقي في بطن أمه ; أي يكتب شقاوته، وما يؤول إليه أمره عليه في ذلك الوقت. 4 – ب: بالاسناد قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: جف القلم بحقيقة الكتاب من الله بالسعادة لمن آمن واتقى، والشقاوة من الله تبارك وتعالى لمن كذب و عصى. ” ص 156 ” 5 – ل: ماجيلويه، عن عمه، عن البرقي، عن أبيه، عن وهب بن وهب، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام أنه قال: حقيقة السعادة أن يختم الرجل عمله بالسعادة، وحقيقة الشقاء أن يختم المرء عمله بالشقاء. 6 – ع: المظفر العلوي، عن جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، عن علي بن الحسن، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن علي بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين


[ 155 ]

صلوات الله عليه قال: تعتلج النطفتان (1) في الرحم فأيتهما كانت أكثر جاءت تشبهها، فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه أخواله، وإن كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه. وقال: تحول النطفة في الرحم أربعين يوما فمن أراد أن يدعوا الله عزوجل ففي تلك الاربعين قبل أن تخلق، ثم يبعث الله عزوجل ملك الارحام فيأخذها فيصعد بها إلى الله عزوجل فيقف منه ما شاء الله، (2) فيقول: يا إلهي أذكر أم انثى ؟ فيوحي الله عزوجل (3) من ذلك ما يشاء ويكتب الملك، ثم يقول: إلهي أشقي أم سعيد ؟ فيوحي الله عزوجل (3) من ذلك ما يشاء ويكتب الملك، فيقول: اللهم كم رزقه وما أجله ؟ ثم يكتبه ويكتب كل شئ يصيبه في الدنيا بين عينيه، ثم يرجع به فيرده في الرحم ; فذلك قول الله عزوجل: ” ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها “. ” ص 43 ” 7 – ن: المفسر بإسناده إلى أبى محمد عليه السلام قال: قال الرضا عليه السلام: قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله هلك فلان، يعمل من الذنوب كيت وكيت، (4) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله. بل قد نجا ولا يختم الله تعالى عمله إلا بالحسنى، وسيمحو الله عنه السيئات، ويبدلها له حسنات إنه كان مرة يمر في طريق عرض له مؤمن قد انكشف عورته وهو لا يشعر فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل، ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواه فقال له: أجزل الله لك الثواب، (5) وأكرم لك المآب، (6) ولا ناقشك الحساب (7)


(1) اعتلجت الوحش: تضاربت، واعتلج القوم: اقتتلوا واصطرعوا. أقول: فيه ايعاز منه عليه السلام إلى وجود الحيوانات الصغار الحية في النطفة. (2) في المصدر: حيث يشاء الله. م (3) بفتح التاء وقد يكسر: يكنى بها عن الحديث والخبر، وتستعملان بدون الواو أيضا ولا تستعملان الا مكررتين. (4) في نسخة: فيوحى الله عزوجل إليه. (5) أي أكثره وأوسعه. (6) المآب: المرجع والمنقلب. (7) ناقشه الحساب وفى الحساب: استقصى في حسابه.

[ 156 ]

فاستجاب الله له فيه، فهذا العبد لا يختم له إلا بخير بدعاء ذلك المؤمن، فاتصل قول رسول الله صلى الله عليه وآله بهذا الرجل فتاب وأناب وأقبل إلى طاعة الله عزوجل فلم يأت عليه سبعة أيام حتى اغير على سرح المدينة (1) فوجه رسول الله صلى الله عليه وآله في أثرهم (2) جماعة ذلك الرجل أحدهم فاستشهد فيهم. 8 – يد: الدقاق، عن الكليني، عن علي بن محمد، رفعه، عن شعيب العقرقوفي عن أبي بصير قال: كنت بين يدي أبى عبد الله عليه السلام جالسا وقد سأله سائل فقال: جعلت فداك يا بن رسول الله من أين لحق الشقاء أهل المعصية حتى حكم لهم في علمه بالعذاب على عملهم ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيها السائل علم الله عزوجل أن لا يقوم أحد من خلقه بحقه فلما علم بذلك وهب لاهل محبته (3) القوة على معصيتهم لسبق علمه فيهم، ولم يمنعهم إطاقة القبول منه لان علمه أولى بحقيقة التصديق فوافقوا ما سبق لهم في علمه، و إن قدروا (4) أن يأتوا خلالا ينجيهم عن معصيته وهو معنى شاء ما شاء وهو سر. ” ص 365 – 366 ” بيان: هذا الخبر مأخوذ من الكافي، وفيه تغييرات عجيبة تورث سوء الظن بالصدوق وإنه إنما فعل ذلك ليوافق مذهب أهل العدل (5)، وفي الكافي هكذا: أيها السائل حكم الله عزوجل لا يقوم أحد من خلقه بحقه فلما حكم بذلك وهب لاهل محبته القوة على معرفته، ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله، ووهب لاهل المعصية القوة على معصيتهم لسبق علمه فيهم، ومنعهم إطاقة القبول منه فوافقوا ما سبق لهم في علمه، ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه لان علمه أولى بحقيقة التصديق وهو معنى شاء ما شاء وهو سره. قوله عليه السلام: لا يقوم أحد أي تكاليفه تعالى شاقة لا يتيسر الاتيان بها إلا بهدايته


(1) أغار عليهم: هجم وأوقع بهم. سرح المدينة: فنائها. (2) بفتح الهمزة وكسرها: بعدهم. (3) الموجود في التوحيد المطبوع هكذا: وهب لاهل محبته القوة على معرفته، ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ماهم أهله، ووهب لاهل المعصية القوة على معصيتهم إ ه‍. فالظاهر أنها كانت ساقطة عن نسخته قدس سره. (4) في نسخة كما في التوحيد المطبوع: ولم يقدروا. (5) هذا البيان ناش عن سقوط سطر من نسخة المؤلف – رحمه الله – والصدوق (ره) أثبت وأضبط.

[ 157 ]

تعالى ; أو كيفية حكم الله وقضائه في غاية الغموض، لا تصل إليها عقول أكثر الخلق. قوله عليه السلام: ومنعهم إطاقة القبول قيل: هو مصدر مضاف إلى الفاعل أي منعوا أنفسهم إطاقة القبول، والظاهر أنه على صيغة الماضي أي منع الله منهم غاية الوسع والطاقة بالالطاف والهدايات التي يستحقها أهل الطاعة بنياتهم الحسنة لا أنه سلبهم القدرة على الفعل والله يعلم. 9 – يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن أسباط، عن البطائني، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: ” قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ” قال: بأعمالهم شقوا. ” ص 366 ” 10 – يد: محمد بن أحمد العلوي، عن ابن قتيبة، عن الفضل، عن ابن أبي عمير قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه ; فقال: الشقي من علم الله (1) وهو في بطن أمه أنه سيعمل أعمال الاشقياء، والسعيد من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل أعمال السعداء. قلت له: فما معنى قوله صلى الله عليه وآله: اعملوا فكل ميسر لما خلق له ؟ فقال: إن الله عزوجل خلق الجن والانس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه، وذلك قوله عزوجل ” وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ” فيسر كلا لما خلق له، فالويل لمن استحب العمى على الهدى. ” ص 366 ” 11 – يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن يزيد، عن صفوان، عن ابن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزوجل خلق السعادة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه فمن علمه الله (2) سعيدا لم يبغضه أبدا. وإن عمل شرا أبغض عمله ولم يبغضه، وإن علمه شقيا لم يحبه أبدا، وإن عمل صالحا أحب عمله وأبغضه لما يصير إليه، فإذا أحب الله شيئا لم يبغصه أبدا، وإذا أبغض شيئا لم يحبه أبدا. ” 367 ” سن: أبي، عن صفوان مثله. ص ” 279 “


(1) في المصدر: من علمه الله وكذا في قوله عليه السلام: والسعيد من علم الله. م (2) في المحاسن فمن خلقه الله. م

[ 158 ]

بيان: خلق السعادة والشقاوة أي قدرهما بتقدير التكاليف الموجبة لهما. قوله عليه السلام: فمن علمه الله سعيدا في الكافي: فمن خلقه الله أي قدره بأن علمه كذلك، وأثبت حاله في اللوح أو خلقه حالكونه عالما بأنه سعيد. 12 – يد: ابن الوليد، عن الصفار وسعد معا، عن أيوب بن نوح، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: ” واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ” قال: يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حق وقد قيل: إن الله تعالى يحول بين المرء وقلبه بالموت، (1) وقال أبو عبد الله عليه السلام: ” إن الله ينقل العبد من الشقاء إلى السعادة، ولا ينقله من السعادة إلى الشقاء. ” ص 367 – 368 ” 13 – ير: إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن سيف، عن أبيه، عن أبي القاسم، عن محمد بن عبد الله قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله الناس ثم رفع يده اليمنى قابضا على كفه فقال: أتدرون ما في كفي ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: فيها أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة ; ثم رفع يده اليسرى فقال: أيها الناس أتدرون ما في يدي ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال: أسماء أهل النار، وأسماء آبائهم، وقبائلهم إلى يوم القيامة ; ثم قال: حكم الله وعدل، وحكم الله وعدل، فريق في الجنة وفريق في السعير (2). 14 – سن: أبي، عن النضر، عن الحلبي، عن ابن مسكان، عن ابن حازم قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: أيحب الله العبد ثم يبغضه ؟ أو يبغضه ثم يحبه ؟ فقال: ما تزال تأتيني بشئ ! فقلت: هذا ديني وبه أخاصم الناس، فإن نهيتني عنه تركته. ثم قلت له: هل أبغض الله محمدا صلى الله عليه وآله على حال من الحالات ؟ فقال: لو أبغضه على حال من الحالات لما ألطف له حتى أخرجه من حال إلى حال فجعله نبيا ; فقلت: ألم تجبني منذ سنين عن الشقاوة والسعادة أنهما كانا قبل أن يخلق الله الخلق ؟ ! قال: بلى وأنا الساعة أقوله ; قلت: فأخبرني عن السعيد هل أبغضه الله على حال من الحالات ؟ فقال: لو أبغضه على حال من


(1) الظاهر أن جملة ” وقد قيل ان الله الخ ” من كلام الصدوق مدرجة بين الحديثين. (2) تقدم الحديث بألفاظ اخرى تحت رقم 2 ويأتى بعد أيضا.

[ 159 ]

الحالات لما ألطف له حتى يخرجه من حال إلى حال فيجعله سعيدا ; قتل: فأخبرني عن الشقي هل أحبه الله على حال من الحالات ؟ فقال: لو أحبه على حال من الحالات ما تركه شقيا ولاستنقذه من الشقاء إلى السعادة، قلت: فهل يبغض الله العبد ثم يحبه أو يحبه ثم يبغضه ؟ فقال: لا. ” ص 279 – 280 15 – سن: النضر، عن يحيى الحلبي، عن معلى أبي عثمان، عن على بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اختصم رجلان بالمدينة: قدري ورجل من أهل مكة فجعلا أبا عبد الله عليه السلام بينهما فأتياه فذكرا كلامهما فقال: إن شئتما أخبرتكما بقول رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقالا: قد شئنا، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: كتاب كبته الله بيمينه – وكلتا يديه يمين – فيه أسماء أهل الجنة بأسمائهم و أسماء آبائهم وعشائرهم ويجمل عليهم (1)، لا يزيد فيهم رجلا ولا ينقص منهم رجلا (2)، وقد يسلك بالسعيد في طريق الاشقياء حتى يقول الناس: كان (3) منهم، ما أشبهه بهم ! بل هو منهم، ثم تداركه السعادة ; وقد يسلك بالشقي طريق السعداء حتى يقول الناس: ما أشبهه بهم ! بل هو منهم، ثم يتداركه الشقاء، من كتبه الله سعيدا ولو لم يبق من الدنيا (4) إلا فواق ناقة ختم الله له بالسعادة. ” ص 280 ” يد: أبي، عن سعد، عن البرقي، عن أبيه، عن النضر، عن الحلبي، عن معلى أبي عثمان، عن ابن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يسلك بالسعيد طريق الاشقياء إلى آخر الخبر. ” ص 366 – 367 ” 16 – سن ابن فضال، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام قال: إن الله خلق قوما لحبنا، وخلق قوما لبغضنا، فلو أن الذين خلقهم


(1) في المصدر: مجمل عليهم، بدون الواو. (2) في المصدر: ولا ينقص منهم احدا أبدا. وكتاب كتبه الله فيه اسماء اهل النار باسمائهم واسماء آبائهم وعشائرهم مجمل عليهم لا يزيد فيهم رجلا ولا ينقص منهم رجلا. م (3) في المصدر: كانه منهم. م (4) في المصدر: من الدنيا شئ. م

[ 160 ]

لحبنا خرجوا من هذا الامر إلى غيره لاعادهم إليه وإن رغمت آنافهم، وخلق قوما لبغضنا فلا يحبوننا أبدا. ” ص 280 ” 17 – سن: الوشاء، عن مثنى، عن أبى بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله خلق خلقه، فخلق خلقا لحبنا لو أن أحدا خرج من هذا الرأي لرده الله إليه، وإن رغم أنفه، وخلق قوما لبغضنا فلا يحبوننا أبدا. (1) ” 280 ” 18 – سن: ابن محبوب، وعلي بن الحكم، عن معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن مما أوحى الله إلى موسى وأنزل في التوراة: إني أنا الله لا إله إلا أنا، خلقت الخلق وخلقت الخير وأجريته على يدي من أحب، فطوبى لمن أجريته على يديه، وأنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخلق وخلقت الشر وأجريته على يدي من أريد فويل لمن أجريته على يديه. ” ص 283 ” 19 – سن: أبي، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حكيم، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن في بعض ما أنزل الله في كتبه: إني أنا الله لا إله إلا أنا، خلقت الخير وخلقت الشر فطوبى لمن أجريت على يديه الخير، وويل لمن أجريت على يديه الشر، وويل لمن قال: كيف ذا ؟. وكيف ذا ؟ ” 283 ” 20 – سن: محمد بن سنان، عن حسين بن أبي عبيد، وعمرو الافرق الخياط، (2) وعبد الله بن مسكان كلهم، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله يقول: أنا الله لا إله إلا أنا، خالق الخير والشر، وهما خلقان من خلقي، فطوبى لمن قدرت له الخير: وويل لمن قدرت له الشر، وويل لمن قال: كيف ذا ؟. ” ص 283 “


(1) اتحاده مع ما قبله ظاهر. وليس في المصدر: إليه. (2) أورده الشيخ في كتابه الفهرست واستظهر الميرزا كونه عمرو بن خالد الحناط الافرق المترجم في رجال النجاشي بقوله: عمرو بن خالد الحناط، لقبه الافرق، مولى، ثقة، عين، روى عن أبى عبد الله عليه السلام، له كتاب اه‍ وأما الحسين بن أبى عبيد فلم نظفر بترجمته.

[ 161 ]

21 – سن: الحسن بن علي، (1) عن داود بن سليمان الجمال (2) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وذكر عنده القدر وكلام الاستطاعة – فقال: هذا كلام خبيث، أنا على دين آبائي، لا أرجع عنه، القدر حلوه ومره من الله، والخير والشر كله من الله. ” ج 1 ص 283 ” 22 – سن: أبو شعيب المحاملي، (3) عن أبي سليمان الحمار، (4) عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شئ من الاستطاعة فقال: يا أبا محمد الخير والشر حلوه ومره وصغيره وكثيره من الله. ” ج 1 ص 284 ” بيان: المراد بخلق الخير والشر إما تقديرهما كما مر، أو المراد خلق الآلات والاسباب التي بها يتيسر فعل الخير وفعل الشر كما أنه تعالى خلق الخمر، وخلق في الناس القدرة على شربها، أو كناية عن أنهما إنما يحصلان بتوفيقه وخذلانه فكأنه خلقهما ; أو المراد بالخير والشر النعم والبلايا ; أو المراد بخلقهما خلق من يعلم أنه يكون باختياره مختارا للخير، ومختارا للشر، والله يعلم. 23 – سن: البزنطي، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من زعم أن الله يأمر بالفحشاء فقد كذب على الله، ومن زعم أن الخير والشر إليه فقد كذب على الله. (5) ” ج 1 ص 284 ” شى: عن أبي بصير مثله.


(1) في المصدر: الحسين بن على. م (2) في المحاسن المطبوع أيضا (الجمال) وكذا فيما يأتي بعده، والصحيح فيما (الحمار) ونقل عن خط الشهيد ضبطه بالحاء المهملة، والميم المشددة، والراء أخيرا، قال النجاشي في 115 من رجاله: داود بن سليمان، أبو سليمان الحمار، كوفى ثقة، روى عن أبى عبد الله عليه السلام إه‍ أقول: الحديث لا يخلو عن شبهة الارسال، لظهور اتحاده مع الاتى بعده. (3) كنية صالح بن خالد المحاملى. (4) كنية داود بن سليمان المتقدم. (5) الخير موجود مخلوق من غير شك وأما الشر فليس بموجود ولا مخلوق بالاصالة وإنما يتحقق بالعرض وبمقايسة شئ إلى شئ نحوا من المقايسة، والدليل على ذلك قوله تعالى: ” والله *

[ 162 ]

(باب 7) * (الهداية والاضلال والتوفيق والخذلان) * الايات، الفاتحة ” 1 ” إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم 6. البقرة ” 2 ” إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 6 – 7 ” وقال تعالى “: يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين 26 ” وقال تعالى “: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب 213 – 214 ” وقال تعالى “: الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور 257 ” وقال “: والله لا يهدي القوم الظالمين 258 ” وقال “: والله لا يهدى القوم الكافرين 264. آل عمران ” 3 ” قل إن الهدى هدى الله 73 ” وقال تعالى “: كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدى القوم الظالمين 86. النساء ” 4 “: ولهديناهم صراطا مستقيما 68. المائدة ” 5 “: ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم 41 ” وقال تعالى “: فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم


* خالق كل شئ ” الاية وقوله: ” الذى أحسن كل شئ خلقه ” الاية حيث عد كل شئ خلقا لنفسه ثم عده حسنا غير سئ، وقال تعالى: ما أصابك من سيئة فمن نفسك الاية فعد بعض الاشياء كالبلايا و الامراض سيئات وذكرها بالمساءة، مع أنها من حيث وجودها وخلقها حسنة فليست مساءتها إلا من جملة العرض والمقايسة. فالاشياء أعم من الخيرات والشرور من حيث وجودها وخلقها مستندة إليه تعالى كما ذكر في خبر المحاسن رقم 21 وكذلك مع المقايسة إذا كان الاستناد أعم مما بالذات وبالعرض والشرور من حيث هي شرور لا تستند إليه تعالى بالاصالة كما ذكر في هذا الخبر. ط (*)

[ 163 ]

ببعض ذنوبهم 49 ” وقال تعالى “: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم 54 ” وقال تعالى “: إن الله لا يهدي القوم الكافرين 67 ” وقال تعالى “: والله لا يهدي القوم الفاسقين 108. الانعام ” 6 ” ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا 25 ” وقال تعالى “: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين 35 ” وقال تعالى “: وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها 123 ” وقال تعالى “: من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم 39 ” وقال تعالى “: و كذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا 53 ” وقال تعالى “: و نقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون * ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون * وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون * ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون 110 – 113 ” وقال تعالى “: فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون 125 ” وقال تعالى “: إن الله لا يهدي القوم الظالمين 144 ” وقال تعالى “: فلو شاء لهديكم أجمعين 149. الاعراف ” 7 ” إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون 27 ” وقال تعالى “: من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون * ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون 178 – 179 ” وقال تعالى “: فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة 30 ” وقال تعالى “: سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها


[ 164 ]

غافلين 146 ” وقال تعالى “: من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون 186. الانفال ” 7 ” فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى 17 ” وقال تعالى “: واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه 24. (1) التوبة ” 9 ” والله لا يهدى القوم الظالمين 19 ” وقال تعالى “: والله لا يهدي القوم الفاسقين 24 ” وقال تعالى ” وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون 87 ” وقال تعالى “: صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون 127. يونس ” 10 ” والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم 25 ” وقال تعالى ” كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون 33 ” وقال تعالى “: ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون * ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون * إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون 42 – 43 ” وقال تعالى “: إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم 96 – 97. هود ” 11 ” وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب 88 ” وقال تعالى “: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين 118 – 119 ” وقال تعالى “: ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون 34. (2)


(1) قال الرضى رحمه الله: هذه استعارة على بعض التأويلات المذكورة في هذه الاية، والمعنى: أن الله أقرب إلى العبد من قلبه، فكأنه حائل بينه وبينه من هذا الوجه، أو يكون المعنى أنه قادر على تبديل قلب المرء من حال إلى حال، إذ كان سبحانه موصوفا بأنه مقلب القلوب، والمعنى أنه ينقلها من حال الامن إلى حال الخوف، ومن حال الخوف إلى حال الامن، ومن حال المساءة إلى حال السرور، ومن حال المحبوب إلى حال المكروه. (2) الاغواء: هو الدعاء إلى الغى والضلال، وذلك غير جائز على الله سبحانه لقبحه، وورود أمره بضده، فهو من قبيل الاستعارة، والمراد هنا تخييبه سبحانه لهم من رحمته لكفرهم به، و ذهابهم عن أمره، وخذلانهم عن سبيل الرشاد، ويجوز أن يكون بمعنى الهلاك، كما يجوز أن يكون بمعنى الحكم بالغواية عليهم.

[ 165 ]

الرعد ” 13 “: قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب 27 ” وقال تعالى “: أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا 31 ” وقال تعالى “: ومن يضلل الله فماله من هاد 33. ابراهيم ” 14 ” فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء 4 وقال تعالى “: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء 27. النحل ” 16 ” ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون 93 ” وقال تعالى “: وأن الله لا يهدي القوم الكافرين * أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون 107 – 108. الاسرى ” 17 ” ومن يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه 97 ” وقال تعالى “: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا 16. الكهف ” 18 ” من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا 17. مريم ” 19 ” قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا 75 ” وقال تعالى “: ويزيد الله الذين اهتدوا هدى 76 ” وقال تعالى “: ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا 83. النور ” 24 ” ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم 21 ” وقال تعالى “: ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور 40 ” وقال تعالى “: والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم 46. الفرقان ” 25 ” ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا 18. الشعراء ” 26 ” كذلك سلكناه في قلوب المجرمين * لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم 200 – 201. النمل ” 27 ” إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون 4. القصص ” 28 ” وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار 41 ” وقال تعالى “: إنك لا تهدي


[ 166 ]

من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين 56. الروم ” 30 ” فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين 29 ” وقال سبحانه: كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون 59. التنزيل ” 32 ” ولو شئنا لآتينا كل نفس هديها ولكن حق القول مني لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين 13. سبا: ” 34 ” قال: إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب 50. فاطر ” 35 “: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء 8 ” وقال سبحانه ” إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور 22. يس ” 37 ” لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون * إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الاذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 7 – 10. الزمر ” 39 ” إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار 3 ” وقال تعالى “: ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فماله من هاد 23 ومن يهد الله فما له من مضل 37 ” وقال تعالى “: أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين 57. المؤمن ” 40 ” ومن يضلل الله فماله من هاد 33 ” وقال تعالى “: كذلك يضلل الله من هو مسرف مرتاب 34 ” وقال تعالى “: كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار 35 ” وقال تعالى “: كذلك يضل الله الكافرين 74. السجدة ” 41 ” وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس إنهم كانوا خاسرين 25. حمعسق ” 42 ” الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب 13 ” وقال تعالى “: ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده 44 ” وقال تعالى “: ومن يضلل الله فما له من سبيل 46.


[ 167 ]

الزخرف ” 43 ” ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا 32 ” وقال تعالى “: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين 36 ” وقال تعالى “: أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين 40. الجاثية ” 45 ” أفرأيت من اتخذ إلهه هويه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون 23. محمد ” 47 ” اولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم 14 ” وقال تعالى “: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتيهم تقويهم 17 ” وقال تعالى “: اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم 23. الصف ” 61 ” والله لا يهدي القوم الظالمين 7. المنافقين ” 63 ” فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون 3. الدهر ” 76 ” إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا 3. تفسير: قوله تعالى: ” ختم الله على قلوبهم ” قال البيضاوي: الختم: الكتم، سمي به الاستيثاق من الشئ بضرب الخاتم عليه لانه كتم له والبلوغ آخره، نظرا إلى أنه آخر فعل يفعل في إحرازه. والغشاوة فعالة من غشاه: إذا غطاه، بنيت لما يشتمل على الشئ كالعصابة والعمامة، ولا ختم ولا تغشية على الحقيقة، وإنما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم هيئة تمرنهم على استحباب الكفر والمعاصي، واستقباح الايمانوالطاعات بسبب غيهم وانهماكهم في التقليد، وإعراضهم عن النظر الصحيح فيجعل قلوبهم بحيث لا ينفذ فيها الحق، وأسماعهم تعاف استماعه فتصير كأنها مستوثق منها بالختم، وأبصارهم لا تجتلي لها الآيات المنصوبة في الآفاق والانفس، كما تجتليها أعين المستبصرين، فتصير كأنها غطي عليها وحيل بينها وبين الابصار، وسماه على الاستعارة ختما وتغشية ; أو مثل قلوبهم ومشاعرهم المؤوفة بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها ختما وتغطية. وقد عبر عن إحداث هذه الهيئة بالطبع في قوله تعالى: “: اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ” (1) وبالاغفال في قوله تعالى:


(1) النحل: 108

[ 168 ]

” ولا تطع من أغفلنا قلبه ” (1) وبالاقساء في قوله تعالى ” وجعلنا قلوبهم قاسية ” (2) وهي من حيث إن الممكنات بأسرها مستندة إلى الله واقعة بقدرته استندت إليه، ومن حيث إنها مسببة مما اقترفوه بدليل قوله: ” بل طبع الله عليها بكفرهم ” (3) وقوله تعالى: ” ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ” (4) وردت الآية ناعية عليهم (5) شناعة صفتهم ووخامة عاقبتهم، واضطرت المعتزلة فيه فذكروا وجوها من التأويل: الاول: أن القوم لما أعرضوا عن الحق وتمكن ذلك في قلوبهم حتى صار كالطبيعة لهم شبه بالوصف الخلقي المجبول عليه. الثاني: أن المراد به تمثيل حال قلوبهم بقلوب البهائم التي خلقها الله تعالى خالية عن الفطن أو قلوب مقدر ختم الله عليها ; ونظيره: سال به الوادي: إذا هلك، وطارت به العنقاء: إذا طالت غيبته. الثالث: أن ذلك في الحقيقة فعل الشيطان، أو الكافر لكن لما كان صدوره عنه بإقداره تعالى إياه أسنده إليه إسناد الفعل إلى السبب. الرابع: أن أعراقهم لما رسخت في الكفر واستحكمت بحيث لم يبق طريق إلى تحصيل إيمانهم سوى الالجاء والقسر ثم لم يقسرهم إبقاءا على غرض التكليف عبر عن تركه بالختم، فإنه سد لايمانهم، وفيه إشعار على ترامي أمرهم في الغي وتناهي انهماكهم في الضلال والبغي. الخامس: أن يكون حكاية لما كانت الكفرة يقولون مثل: ” قلوبنا في أكنة مما تدعوننا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ” (6) تهكما واستهزاءا بهم، كقوله تعالى: ” لم يكن الذين كفروا ” (7) الآية.


(1) الكهف: 28 (2) المائدة: 13. (3) النساء: 155. (4) المنافقون: 3. (5) نعى عليه شهواته: عابه بها. ونعى عليه ذنوبه: ظهرها وشهرها. (6) حم السجدة: 5 أقول: أكنة جمع الكن، وهو وقاء كل شئ وستره، قال الشيخ الطوسى في التبيان: وانما قالوا: ذلك ليؤيسوا النبي صلى الله عليه وآله من قبولهم دينه، فهو على التمثيل فكأنهم شبهوا قلوبهم بما يكون في غطاء فلا يصل إليه شئ مما وراءه، وفيه تحذير من مثل حالهم في كل من دعى إلى أمر لا يمتنع أن يكون هو الحق، فلا يجوز أن يدفعه بمثل هذا الدفع، ” وفى آذاننا وقر ” أي ثقل عن استماع هذا القرآن ” ومن بيننا وبينك حجاب ” قيل: الحجاب: الخلاف الذى يقتضى أن نكون بمعزل عنك، قال الزجاج: معناه: حاجز في النحلة والدين، أي لا نوافقك في مذهب. (7) البينة: 1.

[ 169 ]

السادس: أن ذلك في الآخرة، وإنما أخبر عنه بالماضي لتحققه وتيقن وقوعه ويشهد له قوله تعالى: ” ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ” (1) السابع: أن المراد بالختم وسم قلوبهم بسمة تعرفها الملائكة فيبغضونهم ويتنفرون عنهم وعلى هذا المنهاج كلامنا وكلامهم فيما يضاف إلى الله تعالى من طبع وإضلال و نحوهما. انتهى. أقول: بعد قيام البرهان على امتناع أن يكلف الحكيم أحدا ثم يمنعه عن الاتيان بما كلفه به ثم يعذبه عليه وشهادة العقل بقبح ذلك وأنه تعالى منزه عنه لابد من الحمل على أحد الوجوه التي ذكرها. وزاد الشيخ الطبرسي رحمه الله على ما ذكر وجهين آخرين: أحدهما ما سيأتي نقلا عن تفسير العسكري عليه السلام وقد مرت الاشارة إليه أيضا وهو أن المراد بالختم العلامة وإذا انتهى الكافر من كفره إلى حالة يعلم الله تعالى أنه لا يؤمن فإنه يعلم على قلبه علامة ; وقيل: هي نكتة سوداء تشاهدها الملائكة فيعلمون بها أنه لا يؤمن بعدها فيذمونه ويدعون عليه كما أنه تعالى يكتب في قلب المؤمن الايمان ويعلم عليه علامة تعلم الملائكة بها أنه مؤمن فيمدحونه ويستغفرون له، فقوله تعالى: ” بل طبع الله عليها بكفرهم ” يحتمل أمرين: أحدهما أنه طبع الله عليها جزاءا للكفر وعقوبة عليه، والآخر أنه طبع عليها بعلامة كفرهم كما يقال: طبع عليه بالطين، وختم عليه بالشمع. وثانيهما أن المراد بالختم على القلوب أن الله شهد عليها وحكم بأنها لا تقبل الحق كما يقال: أراك أنك تختم على كل ما يقوله فلان أي تشهد به وتصدقه، وقد ختمت عليك بأنك لا تفلح أي شهدت، وذلك استعارة. قوله تعالى: ” يضل به كثيرا ” قال الطبرسي رحمه الله: فيه وجهان: أحدهما: حكي عن الفراء أنه قال حكاية عمن قال: ما ذا أراد الله بهذا مثلا ” أي يضل به قوم ويهدي به قوم، ثم قال الله تعالى: ” وما يضل به إلا الفاسقين ” فبين تعالى أنه لا يضل إلا فاسقا ضالا، وهذا وجه حسن.


(1) اسرى: 97.

[ 170 ]

والآخر أنه كلامه تعالى ابتداءا وكلاهما محتمل، وإذا كان محمولا على هذا فمعنى قوله: يضل به كثيرا أن الكفار يكذبون به وينكرونه، ويقولون: ليس هو من عند الله فيضلون بسببه، وإذا حصل الضلال بسببه أضيف إليه، وقوله: ” ويهدي به كثيرا ” يعني الذين آمنوا به وصدقوه، وقالوا: هذا في موضعه، فلما حصلت الهداية بسببه أضيف إليه، فمعنى الاضلال على هذا تشديد الامتحان الذي يكون عنده الضلال فالمعنى أن الله يمتحن بهذه الامثال عباده فيضل بها قوم كثير، ويهدي بها قوم كثير، ومثله قوله: ” رب إنهن أضللن كثيرا من الناس (1) أي ضلوا عندها، وهذا مثل قولهم: أفسدت فلانة فلانا وأذهبت عقله، وهي ربما لم تعرفه ولكن لما ذهب عقله وفسد من أجلها أضيف الفساد إليها، وقد يكون الاضلال بمعنى التخلية على وجه العقوبة وترك المنع بالقهر ومنع الالطاف التي تفعل بالمؤمنين جزاءا على إيمانهم، وهذا كما يقال لمن لا يصلح سيفه: أفسدت سيفك ; أريد به أنك لم تحدث فيه الاصلاح في كل وقت بالصقل والاحداد. وقد يكون الاضلال بمعنى التسمية بالضلال والحكم به كما يقال: أضله إذا نسبه إلى الضلال، وأكفره: إذا نسبه إلى الكفر، قال الكميت: وطائفة قد أكفروني بحبكم. وقد يكون الاضلال بمعنى الاهلاك والعذاب والتدمير، ومنه قوله تعالى: ” إن المجرمين في ضلال وسعر ” (2) ومنه قوله تعالى: ” ءإذا ضللنا في الارض ” (3) أي هلكنا، وقوله: ” والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ” (4) أي لم يبطل فعلى هذا يكون المعنى: أن الله تعالى يهلك ويعذب بالكفر به كثيرا بأن يضلهم عن الثواب وطريق الجنة بسببه فيهلكوا ويهدي إلى الثواب وطريق الجنة بالايمان به كثيرا ; عن أبي على الجبائي قال: ويدل على ذلك قوله: ” وما يضل به إلا الفاسقين ” لانه لا يخلو من أن يكون أراد العقوبة على التكذيب كما قلناه، أو يكون أراد به التحيير والتشكيك، فإن أراد الحيرة فقد ذكر أنه لا يفعل إلا بالفاسق المتحير الشاك فيجب أن لا تكون الحيرة المتقدمة التي بها صاروا فساقا من فعله إلا إذا وجدت حيرة قبلها أيضا، وهذا يوجب وجود


(1) ابراهيم: 36. (2) القمر: 47. (3) الم السجدة: 10. (4) محمد: 4.

[ 171 ]

ما لا نهاية له من حيرة قبل حيرة لا إلى أول، أو ثبوت إضلال لا إضلال قبله، وإذا كان ذلك من فعله فقد أضل من لم يكن فاسقا وهو خلاف قوله: ” وما يضل به إلا الفاسقين ” وعلى هذا الوجه فيجوز أن يكون حكم الله عليهم بالكفر وبراءته منهم ولعنته عليهم إهلاكا لهم، ويكون إهلاكه إضلالا، وكل ما في القرآن من الاضلال المنسوب إلى الله تعالى فهو بمعنى ما ذكرناه من الوجوه ولا يجوز أن يضاف إلى الله سبحانه الاضلال الذي أضافه إلى الشيطان وإلى فرعون والسامري بقوله: ” ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ” (1) وقوله: ” وأضل فرعون قومه ” (2) وقوله: ” وأضلهم السامري ” (3) وهو أن يكون بمعنى التلبيس والتغليط والتشكيك والايقاع في الفساد والضلال وغير ذلك مما يؤدي إلى التظليم و التجوير إلى ما يذهب إليه المجبرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وإذ قد ذكرنا أقسام الاضلال فلنذكر أقسام الهداية التي هي ضده. اعلم أن الهداية في القرآن تقع على وجوه: أحدها أن تكون بمعنى الدلالة والارشاد يقال: هداه الطريق وللطريق وإلى الطريق إذا دله عليه، وهذا الوجه عام لجميع المكلفين، فإن الله تعالى هدى كل مكلف إلى الحق بأن دله عليه وأرشده إليه لانه كلفه الوصول إليه فلو لم يدله عليه لكان قد كلفه ما لا يطيق ; ويدل عليه قوله تعالى: ” ولقد جاءهم من ربهم الهدى ” (4) وقوله: ” إنا هديناه السبيل ” (5) وقوله: ” أنزل فيه القرآن هدى ” (6) وقوله: ” وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ” (7) وقوله: ” وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ” (8) وقوله: ” وهديناه النجدين ” (9) وما أشبه ذلك من الآيات. وثانيها أن يكون بمعنى زيادة الالطاف التي بها يثبت على الهدى ; ومنه قوله تعالى: ” والذين اهتدوا زادهم هدى “. (10)


(1) يس: 62. (2) طه: 79. (3) طه: 85. (4) النجم: 23. (5) الدهر: 3. (6) البقرة: 185. (7) حم السجدة: 17. (8) الشورى: 52. (9) البلد: 10. (10) محمد: 17.

[ 172 ]

وثالثها أن تكون بمعنى الاثابة: ومنه قوله تعالى: ” يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم ” (1) وقوله تعالى: ” والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ” (2) والهداية التي تكون بعد قتلهم هي إثابتهم لا محالة. ورابعها: الحكم بالهداية كقوله تعالى: ” ومن يهدي الله فهو المهتد ” (3) وهذه الوجوه الثلاثة خاصة بالمؤمنين دون غيرهم لانه تعالى إنما يثيب من يستحق الاثابة وهم المؤمنون، ويزيدهم ألطافا بإيمانهم وطاعتهم، ويحكم لهم بالهداية لذلك أيضا. وخامسها أن تكون الهداية بمعنى جعل الانسان مهتديا، بأن يخلق الهداية فيه كما يجعل الشئ متحركا بخلق الحركة فيه، والله تعالى يفعل العلوم الضرورية في القلوب فذلك هداية منه تعالى، وهذا الوجه أيضا عام لجميع العقلاء كالوجه الاول، فأما الهداية التي كلف الله تعالى العباد فعلها كالايمان به وبأنبيائه وغير ذلك فإنها من فعل العباد، ولذلك يستحقون عليها المدح والثواب، وإن كان الله سبحانه قد أنعم عليهم بدلالتهم على ذلك وإرشادهم إليه ودعاهم إلى فعله وتكليفهم إياه وأمرهم به، فهو من هذا الوجه نعمة منه سبحانه عليهم، ومنة منه واصلة إليهم، وفضل منه وإحسان لديهم، فهو مشكور على ذلك محمود، إذ فعله بتمكينه وألطافه وضروب تسهيلاته و معوناته. وقال رحمه الله في قوله تعالى: ” والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ” (4): إن المراد به البيان والدلالة، والصراط المستقيم هو الاسلام ; أو المراد به: يهديهم باللطف فيكون خاصا بمن علم من حاله أنه يصلح به ; أو المراد به: يهديهم إلى طريق الجنة. وقال في قوله تعالى: ” متى نصر الله ” (5) قيل: هذا استعجال للموعود كما يفعله الممتحن، وإنما قاله الرسول استبطاءا للنصر على جهة التمني. وقيل: إن معناه الدعاء لله بالنصر. وقيل: إنه ذكر كلام الرسول والمؤمنين جملة وتفصيلا: قال المؤمنون متى نصر الله ؟ وقال الرسول: إلا إن نصر الله قريب.


(1) يونس: 9. (2) محمد: 4 و 5. (3) اسرى: 97. (4) النور: 46. (5) البقرة: 214.

[ 173 ]

وقال في قوله تعالى: ” يخرجهم من الظلمات إلى النور ” (1): أي من ظلمات الضلال والكفر إلى نور الهدى والايمان بأن هداهم إليه ونصب الادلة لهم عليه و رغبهم فيه وفعل بهم من الالطاف ما يقوي دواعيهم إلى فعله. وقال في قوله تعالى ” والله لا يهدي القوم الظالمين ” (2) أي بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد. وقيل: لا يهديهم إلى المحاجة كما يهدي أنبياءه. وقيل: لا يهديهم بألطافه وتأييده إذا علم أنه لا لطف لهم. وقيل: لا يهديهم إلى الجنة. وقال في قوله تعالى: ” كيف يهدي الله قوما “: (3) معناه: كيف يسلك الله بهم سبيل المهتدين بالاثابة لهم والثناء عليهم ؟ أو أنه على طريق التبعيد كما يقال: كيف يهديك إلى الطريق وقد تركته ؟ أي لا طريق يهديهم به إلى الايمان إ من الوجه الذي هداهم به وقد تركوه، أو كيف يهديهم الله إلى طريق الجنة والحال هذه ؟. أقول: الاظهر أن المعنى أنهم حرموا أنفسهم بما اختاروه الالطاف الخاصة من ربهم تعالى. وقال في قوله تعالى: ” ومن يرد الله فتنته ” (4): قيل: فيه أقوال: أحدها أن المراد بالفتنة العذاب أي من يرد الله عذابه كقوله تعالى: ” على النار يفتنون ” (5) أي يعذبون وقوله: ” ذوقوا فتنتكم ” (6) أي عذابكم. وثانيها أن معناه من يرد الله إهلاكه. وثالثها أن المراد به من يرد الله خزيه وفضيحته بإظهار ما ينطوي عليه.


(1) البقرة: 257. (2) البقرة: 258. (3) آل عمران: 86. (4) المائدة: 41 قال الشيخ في التبيان: – بعد نقل الاقوال الثلاثة الاولة – وأصل الفتنة: التخليص من قولهم: فتنت الذهب في النار أي خلصته من الغش والفتنة: الاختبار، ويسمى بذلك لما فيها من تخليص الحال لمن أراد الاضلال، وإنما أراد الحكم عليه بذلك بايراد الحجج ففيه تمييز وتخليص لحالهم من حال غيرهم من المؤمنين، ومن فسره على العذاب فلانهم يحرقون كما يحرق خبث الذهب فهم خبث كلهم، ومن فسره على الفضيحة فلما فيها من الدلالة عليهم التى يتميزون بها من غيرهم. (5) الذاريات: 13. (6) الذاريات: 14.

[ 174 ]

ورابعها أن المراد من يرد الله اختباره بما يبتليه من القيام بحدوده فيدع ذلك ويحرفه. والاصح الاول. ” فلن تملك له من الله شيئا ” أي فلن تستطيع أن تدفع لاجله من أمر الله الذي هو العذاب أو الفضيحة أو الهلاك شيئا ” أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ” معناه: اولئك اليهود لم يرد الله أن يطهر من عقوبات الكفر التي هي الختم والطبع والضيق قلوبهم، كما طهر قلوب المؤمنين منها، بأن كتب في قلوبهم الايمان، وشرح صدروهم للاسلام. وقيل: معناه: لم يرد أن يطهرها من الكفر بالحكم عليها بأنها بريئة منه، ممدوحة بالايمان. قال القاضي: وهذا لا يدل على أنه سبحانه لم يرد منهم الايمان لان ذلك لا يعقل من تطهير القلب إلا على جهة التوسع، ولان قوله: ” لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ” يقتضي نفي كونه مريدا، وليس فيه بيان الوجه الذي لم يرد ذلك عليه، و المراد بذلك أنه لم يرد تطهير قلوبهم مما يلحقها من الغموم بالذم والاستخفاف والعقاب ولذا قال عقيبه: ” لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ” ولو كان أراد ما قاله المجبرة لم يجعل ذلك ذما لهم ولا عقبه بالذم، ولا جعله في حكم الجزاء على ما لاجله عاقبهم وأراد ذلك فيهم. أقول: روى النعماني في تفسيره فيما رواه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنهم سألوه عن المتشابه في تفسير الفتنة فقال: منه فتنة الاختبار وهو قوله تعالى: ” الم أحسب الناس أن يتكروا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ” (1) وقوله لموسى: ” وفتناك فتونا “. (2) ومنه فتنة الكفر وهو قوله تعالى: ” لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الامور حتى جاء الحق وظهر أمر الله ” (3) وقوله سبحانه في الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك أن يتخلفوا عنه من المنافقين فقال الله تعالى فيهم: ” ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطو ” (4) يعني ائذن لي ولا تكفرني، فقال عزوجل: ” ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين “. (5)


(1) العنكبوت: 1 و 2. (2) طه: 40. (3) التوبة: 48. (4، 5) التوبة: 49. (*)

[ 175 ]

ومنه فتنة العذاب وهو قوله تعالى: ” يوم هم على النار يفتنون ” (19 أي يعذبون ” ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون ” (2) أي ذوقوا عذابكم. ومنه قوله تعالى: ” إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا ” (3) أي عذبوا المؤمنين. ومنه فتنة المحبة للمال والولد كقوله تعالى: ” إنما أموالكم وأولادكم فتنة “. (4) ومنه فتنة المرض وهو قوله سبحانه: ” أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ” (5) أي يمرضون ويقتلون. انتهى. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: ” فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ” قيل: في معناه أقوال: أحدها معناه: فاعلم يا محمد أنما يريد الله أن يعاقبهم ببعض أجرامهم، وذكر البعض والمراد به الكل، كما يذكر العموم ويراد به الخصوص. والثاني أنه ذكر البعض تغليظا للعقاب، والمراد أنه يكفي أن يؤخذوا ببعض ذنوبهم في إهلاكهم والتدمير عليهم. والثالث أنه أراد تعجيل بعض العقاب مما كان من التمرد في الاجرام لان عذاب الدنيا مختص ببعض الذنوب دون بعض، وعذاب الآخرة يعم. قوله تعالى: ” وجعلنا على قلوبهم أكنة ” قال الزمخشري: الاكنة على القلوب والوقر في الآذان مثل في نبو قلوبهم ومسامعهم عن قبوله واعتقاد صحته، ووجه إسناد الفعل إلى ذاته وهو قوله: ” وجعلنا ” للدلالة على أنه أمر ثابت فيهم لا يزول عنهم كأنهم مجبولون عليه، أو هي حكاية لما كانوا ينطقون به من قولهم: وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب وقال الطبرسي رحمه الله: قال القاضي أبو عاصم العامري: أصح الاقوال فيه ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي بالليل ويقرأ القرآن في الصلاة جهرا رجاء أن يستمع إلى قراءته إنسان فيتدبر معانيه ويؤمن به فكان المشركون إذا سمعوه آذوه ومنعوه عن الجهر بالقراءة، وكان الله تعالى يلقي عليهم النوم، أو يجعل


(1) الذاريات: 13. (2) الذاريات: 14. (3) البروج: 10. (4) التغابن: 15. (5) التوبة: 126.

[ 176 ]

في قلوبهم أكنة ليقطعهم عن مرادهم، وذلك بعد ما بلغهم ما تقوم به الحجة وتنقطع به المعذرة، وبعدها علم الله تعالى أنهم لا ينتفعون بسماعه ولا يؤمنون به، فشبه إلقاء النوم عليهم بجعل الغطاء على قلوبهم، وبوقر آذانهم لان ذلك كان يمنعهم من التدبر كالوقر والغطاء، وهذا معنى قوله تعالى: ” وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ” ويحتمل ذلك وجها آخر وهو أنه تعالى يعاقب هؤلاء الكفار الذين علم أنهم لا يؤمنون بعقوبات يجعلها في قلوبهم تكون موانع من أن يفقهوا ما يستمعونه ; ويحتمل أيضا أن يكون سمي الكفر الذي في قلوبهم كنا تشبيها ومجازا وإعراضهم عن القرآن وقرا توسعا لان مع الكفر والاعراض لا يحصل الايمان والفهم، كما لا يحصلان مع الكن والوقر، ونسب ذلك إلى نفسه لانه الذي شبه أحدهما بالآخر كما يقول أحدنا لغيره إذا أثنى على إنسان وذكر مناقبه: جعلته فاضلا، وبالضد إذا ذكر مقابحه وفسقه يقول: جعلته فاسقا، (1) وقال الزمخشري في قوله تعالى: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ” أي بأن يأتيهم بآية ملجئة، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة. وقوله تعالى: ” ليمكروا فيها ” قال الطبرسي رحمه: اللام: لام العاقبة، وقال الزمخشري: معناه خليناهم ليمكروا وما كففناهم عن المكر ; وكذا قال: اللام لام العاقبة في قوله تعالى: ” ليقولوا ” أي عاملناهم معاملة المختبر ليشكروا أو يصبروا فآل أمرهم إلى هذه العاقبة. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: ” ونقلب افئدتهم وأبصارهم ” وجهين:


(1) أوردنا قبلا معنى الاية عن التبيان. ولنذكر هنا ما عن الرضى رحمه الله في كتابه مجازات القرآن قال: وهذه استعارة وليس هناك على الحقيقة شئ مما أشاروا إليه، وإنما أخرجوا هذا الكلام مخرج الدلالة على استثقالهم ما يسمعونه من قوارع القرآن وبواقع البيان فكأنهم من قوة الزهادة فيه وشدة الكراهية له قد وقرت أسماعهم عن فهمه، وأكنت قلوبهم دون علمه، وذلك معروف في عادة الناس أن يقول القائل منهم لمن يشنأ كلامه ويستثقل خطابه: ما أسمح قولك ولا أعى لفظك وإن كان صحيح حاسة السمع، الا أنه حمل الكلام على الاستثقال والمقت، وعلى هذا قول الشاعر: وكلام سيئ قد وقرت * إذنى عنه وما بي من صمم.

[ 177 ]

أحدهما أنه يقلبهما في جهنم على لهب النار وحر الجمر كما لم يؤمنوا به أول مرة في الدنيا ; والآخر أن المعنى: يقلب أفئدتهم وأبصارهم بالحيرة التي تغم وتزعج النفس. وقال الزمخشري: ” ونقلب أفئدتهم ونذرهم ” عطف على لا يؤمنون داخل في حكم وما يشعركم أنهم لا يؤمنون، وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم، أي نطبع على قلوبهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق، كما كانوا عند نزول آياتنا أولا، لا يؤمنون بها لكونهم مطبوعا على قلوبهم وما يشعركم أنا نذرهم في طغيانهم أي نخليهم وشأنهم لا نكفهم عن الطغيان حتى يعمهوا فيه. (1) وقال في قوله تعالى: ” إلا أن يشاء الله ” أي مشية إكراه واضطرار. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله: ” كذلك جعلنا ” وجوه: أحدها أن المراد كما أمرناك بعداوة قومك من المشركين فقد أمرنا من قبلك بمعاداة أعدائهم من الجن والانس. ومتى أمر الله رسوله بمعاداة قوم من المشركين فقد جعلهم أعداءا له. وثانيها: أن معناه حكمنا بأنهم أعداء وأخبرنا بذلك ليعاملوهم معاملة الاعداء في الاحتراز عنهم والاستعداد لدفع شرهم، وهذا كما يقال: جعل القاضي فلانا عدلا وفلانا فاسقا إذا حكم بعدالة هذا وفسق ذاك. وثالثها: أن المراد خلينا بينهم وبين اختيارهم العداوة، لم نمنعهم على ذلك كرها ولا جبرا، لان ذلك يزيل التكليف. ورابعها: أنه سبحانه إنما أضاف ذلك إلى نفسه، لانه سبحانه لما أرسل إليهم الرسل، وأمرهم إلى دعائهم إلى الاسلام والايمان وخلع ما كانوا يعبدونه من الاصنام والاوثان نصبوا عند ذلك العداوة لانبيائه، ومثله قول نوح عليه السلام: ” فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ” وقال: والعامل في قوله: ” ولتصغى ” قوله: ” يوحى ” ولا يجوز أن يكون العامل


(1) وهذه استعارة، لان تقليب القلوب والابصار على الحقيقة بازالتها عن مواضعها ” إقلاقها عن مناصبها لا يصح، والبنية صحيحة والجملة حية متصرفة، وإنما المراد – والله أعلم – أنا نرميها بالحيرة والمخافة جزاءا على الكفر والضلالة فتكون الافئدة مسترجعة لتعاظم أسباب المخاوف وتكون الابصار منزعجة لتوقع طلوع المكاره. وقد قيل: إن المراد بذلك تقليبهما على مرامض الجمر في نار جهنم وذلك يخرج الكلام عن حيز الاستعارة إلى حيز الحقيقة ; قاله الرضى رضى الله عنه.

[ 178 ]

فيه ” جعلنا ” لان الله سبحانه لا يجوز أن يريد إصغاء القلوب إلى الكفر ووحي الشياطين، إلا أن نجعلها لام العاقبة. وقال البلخي: اللام في: ولتصغى ” لام العاقبة، وما بعده لام الامر الذي يراد به التهديد. وقال رحمه الله في قوله تعالى: ” فمن يرد الله أن يهديه ” فيه وجوه: أحدها: أن معناه من يرد الله أن يهديه إلى الثواب وطريق الجنة يشرح صدره في الدنيا للاسلام بأن يثبت عزمه عليه ويقوي دواعيه على التمسك به، وإنما يفعل ذلك لطفا له ومنا عليه، وثوابا على اعتدائه بهدى الله وقبوله إياه ; ومن يرد أن يضله عن ثوابه وكرامته يجعل صدره في كفره ضيقا حرجا عقوبة له على تركه الايمان من غير أن يكون سبحانه مانعا له عن الايمان، بل ربما يكون ذلك داعيا إليه، فإن من ضاق صدره بالشئ كان ذلك داعيا إلى تركه. وثانيها: أن معناه فمن يرد الله أن يثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه الذي ذكرناه، جزاءا له على إيمانه واهتدائه، وقد يطلق الهدى ويراد به الاستدامة ; ومن يرد أن يضله أي يخذله ويخلي بينه وبين ما يريده، لاختياره الكفر وتركه الايمان يجعل صدره ضيقا حرجا بأن يمنعه الالطاف التي هو ينشرح لها صدره، لخروجه من قبولها بإقامته على كفره. وثالثها: أن معناه من يرد الله أن يهديه زيادة الهدى التي وعدها المؤمن يشرح صدره لتلك الزيادة لان من حقها أن يزيد المؤمن بصيرة، ومن يرد أن يضله عن تلك الزيادة بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه من أن تصح عليه يجعل صدره ضيقا حرجا لمكان فقد تلك الزيادة، لانها إذا اقتضت في المؤمن ما قلناه أوجب في الكافر ما يضاده، والرجس: العذاب. وقال في قوله تعالى: ” إنا جعلنا الشياطين ” أي حكمنا بذلك لانهم يتناصرون على الباطل كما قال: ” وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا “. وقال في قوله: ” ولقد ذرأنا لجهنم ” يعني خلقناهم على أن عاقبتهم المصير إلى


[ 179 ]

جهنم بكفرهم وإنكارهم وسوء اختيارهم، ويدل عليه قوله سبحانه: ” وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ” وقال الزمخشري: جعلهم في أنهم لا يلقون أذهانهم إلى معرفة الحق ولا ينظرون بعيونهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار، ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر كأنهم عدموا فهم القلوب وإبصار العيون واستماع الآذان وجعلهم لاغراقهم في الكفر وشدة شكائمهم فيه وأنهم لا يتأتى منهم إلا أفعال أهل النار مخلوقين للنار، دلالة على توغلهم في الموجبات، وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخول النار. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: ” فريقا هدى ” أي جماعة حكم لهم بالاهتداء بقبولهم للهدى، أو لطف لهم بما اهتدوا عنده، أو هداهم إلى طريق الثواب ” وفريقا حق ” أي وجب عليهم الضلالة، إذ لم يقبلوا الهدى، أو حق عليهم الخذلان لانه لم يكن لهم لطف تنشرح لهم صدورهم، أو حق عليهم العذاب أو الهلاك بكفرهم. وقال الزمخشري في قوله تعالى: ” ولكن الله قتلهم “: أي إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم ولكن الله قتلهم لانه هو الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب قي قلوبهم، وشاء النصر والظفر، وقوى قلوبكم، وأذهب عنها الفزع والجزع، وما رميت أنت يا محمد إذ رميت ولكن الله رمى، يعني أن الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة لانك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغ أثر رمي البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الاثر العظيم فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وآله، لان صورتها وجدت منه، ونفاها عنه لان أثرها الذي لا تطيقه البشر فعل الله فكأن الله هو فاعل الرمية على الحقيقة، و كأنها لم توجد من الرسول أصلا. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: ” ثم انصرفوا ” أي انصرفوا عن المجلس، وقيل انصرفوا عن الايمان به ” صرف الله قلوبهم ” عن الفوائد التي يستفيدها المؤمنون والسرور بها، وحرموا الاستبشار بتلك الحال. وقيل: معناه صرف الله قلوبهم عن رحمته وثوابه عقوبة لهم على انصراهم عن الايمان بالقرآن، وعن مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله. وقيل: إنه على وجه الدعاء عليهم أي خذلهم الله باستحقاقهم ذلك، ودعاء الله على عباده وعيد لهم وإخبار بلحاق العذاب بهم.


[ 180 ]

قوله تعالى: ” كذلك حقت كلمة ربك ” قال الزمخشري: ” إنهم لا يؤمنون ” بدل من الكلمة أي حق عليهم انتفاء الايمان وعلم الله منهم ذلك، أو حق عليهم كلمة الله أنهم من أهل الخذلان وأن إيمانهم غير كائن، أو أراد بالكلمة العدة بالعذاب. ” وأنهم لا بؤمنون ” تعليل بمعنى لانهم لا يؤمنون. وقال في قوله تعالى: إن الذين حقت عليهم كلمة ربك أي ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفارا فلا يكون غيره فتلك كتابة معلوم لا كتابة مقدر ومراد ; تعالى الله عن ذلك. وقال السيد المرتضى رضي الله عنه: إن سأل سائل فقال: ما عندكم في تأويل قوله تعالى: ” ولو شاء ربك ” لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ” يقال له: أما قوله تعالى: ” ولو شاء ربك ” فإنما عنى به المشية التي نيضم إليها الالجاء، ولم يعن المشية على سبيل الاختيار، وإنما أراد تعالى أن يخبرنا عن قدرته وأنه ممن لا يغالب ولا يعصى مقهورا، من حيث كان قادرا على الالجاء والاكراه على ما أراده من العباد، فأما لفظة ذلك في الآية فحملها على الرحمة أولى من حملها على الاختلاف لدليل العقل وشهادة اللفظ، فأما دليل العقل فمن حيث علمنا أنه تعالى كره الاختلاف والذهاب عن الدين ونهى عنه وتوعد عليه، فكيف يجوز أن يكون شائيا له ومجريا بخلق العباد إليه ؟ وأما شهادة اللفظ فلان الرحمة أقرب إلى هذه الكناية من الاختلاف، وحمل اللفظ على أقرب المذكورين أولى في لسان العرب، فأما ما طعن به السائل من تذكير الكناية فباطل لان تأنيث الرحمة غير حقيقي، وإذا كني عنها بلفظ التذكير كانت الكناية على المعنى لان معناها هو الفضل والانعام كما قالوا: سرني كلمتك، يريدون سرني كلامك. وقال الله تعالى: ” هذا رحمة من ربي ” ولم يقل: ” هذه ” وإنما أراد هذا فضل من ربي، وفي موضع آخر ” إن رحمة الله قريب من المحسنين ” ولم يقل: قريبة. أقول: ثم استشهد رحمه الله لذلك بكثير من الاشعار تركناها حذرا من الاطناب ثم قال: وقال زياد الاعجم: إن الشجاعة والمروة ضمنا * قبرا بمرو على الطريق الواضح


[ 181 ]

ويروي: أن السماحة والشجاعة ; فقال: ” ضمنا ” ولم يقل: ” ضمنتا ” قال الفراء لانه ذهب إلى أن السماحة والشجاعة مصدران، والعرب تقول: قصارة الثوب يعجبني لان تأنيث المصادر يرجع إلى الفعل وهو مذكر، على أن قوله تعالى: ” إلا من رحم ربك ” كما يدل على الرحمة يدل أيضا على أن يرحم فإذا جعلنا الكناية بلفظة ذلك عن أن يرحم كان التذكير في موضعه لان الفعل مذكر، ويجوز أيضا أن يكون قوله تعالى: ” ولذلك خلقهم ” كناية عن اجتماعهم على الايمان وكونهم فيه أمة واحدة لا محالة أنه لهذا خلقهم ويطابق هذه الآية قوله تعالى: ” وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ” وقد قال قوم في قوله تعالى: ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ” معناه أنه لو شاء أن يدخلهم أجمعين الجنة فيكونوا في وصول جميعهم إلى النعيم أمة واحدة، وأجرى هذه الآية مجرى قوله تعالى: ” ولو شئنا لآتينا كل نفس هديها ” في أنه أراد هداها إلى طريق الجنة، فعلى هذا التأويل يمكن أن ترجع لفظة ذلك إلى إدخالهم أجمعين إلى الجنة لانه تعالى إنما خلقهم للمصير إليها والوصول إلى نعيمها. فأما قوله: ” ولا يزالون مختلفين ” فمعناه الاختلاف في الدين والذهاب عن الحق فيه بالهوى والشبهات. وذكر أبو مسلم محمد بن بحر في قوله تعالى: ” ولا يزالون مختلفين ” وجها غريبا وهو أن يكون معناه أن خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم في الكفر لانه سواء قولك: خلف بعضهم بعضا وقولك: اختلفوا، كما سواء قولك: قتل بعضهم بعضا، واقتتلوا. ومنه قولهم: لا أفعل كذا ما اختلف العصران والجديدان أي جاء كل واحد منهما بعد الآخر ; فأما الرحمة فليست رقة القلب، لكنها فعل النعم والاحسان ; يدل على ذلك أن من أحسن إلى غيره وأنعم عليه يوصف بأنه رحيم وإن لم تعلم منه رقة قلبه عليه. فإن قيل: إذا كانت الرحمة هي النعمة وعندكم أن نعم الله تعالى شاملة للخلق أجمعين فأي معنى للاستثناء ” من رحم ” من جملة ” المختلفين ” إن كانت الرحمة هي النعمة ؟ وكيف يصح اختصاصها بقوم دون قوم وهي عندكم شاملة عامة ؟. قلنا: لا شبهة في أن نعم الله سبحانه شاملة للخلق أجمعين غير أن في نعمه أيضا ما


[ 182 ]

يختص بها بعض العباد، إما لاستحقاق أو لسبب يقتضي الاختصاص، فإذا حملنا قوله: إلا من رحم ربك على النعمة بالثواب فالاختصاص ظاهر لان النعمة به لا تكون إلا مستحقة فمن استحق الثواب بأعماله وصل إلى هذه النعمة، ومن لم يستحقه لم يصل إليها و إن حملنا الرحمة في الآية على النعمة بالتوفيق للايمان واللطف الذي وقع بعده فعل الايمان كانت هذه النعمة أيضا مختصة لانه تعالى إنما لم ينعم على سائر المكلفين بها من حيث لم يكن في معلومه أن لهم توفيقا، وأن في الافعال ما يختارون عنده الايمان فاختصاص هذه النعمة ببعض العباد لا يمنع من شمول نعم آخر لهم كما أن شمول تلك النعم لا يمنع من اختصاص هذه. انتهى كلامه رفع الله مقامه. وقال الزمخشري: ذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام الاول وتضمنه، يعني و لذلك التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره، وتمت كلمة ربك وهي قوله للملائكة: ” لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين ” لعلمه بكثرة من يختار الباطل. (1) وقال في قوله تعالى: أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله يعني مشية الالجاء والقسر لهدى الناس جميعا ومعنى ” أفلم ييئس “: أفلم يعلم ; قيل: هي لغة قوم من النخع، وقيل: إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه لان اليائس عن الشئ عالم بأنه لا يكون كما استعمل الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في معنى الترك لتضمن ذلك، ويدل عليه أن عليا وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين قرؤوا أفلم يتبين وهو تفسير أفلم ييأس ويجوز أن يتعلق أن لو يشاء بآمنوا أي أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولهداهم. وقال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الغرر والدرر: قال الله جل من قائل: ” وإذا أردنا أن نهلك قرية ” الآية، في هذه الآية وجوه من التأويل كلها منها يبطل الشبهة


(1) قال السيد الرضى في تلخيص البيان في قوله تعالى: ” وتمت كلمة ربك “: هذه استعارة والمراد ههنا بتمام كلمة الله سبحانه صدق وعيده الذى تقدم الخبر به وتمامه وقوع مخبره مطابقا لخبره.

[ 183 ]

الداخلة على بعض المبطليين فيها حتى عدلوا بتأويلها عن وجهه وصرفوه عن بابه: أولها أن الاهلاك قد يكون حسنا وقد يكون قبيحا فإذا كان مستحقا أو على سبيل الامتحان كان حسنا، وإنما يكون قبيحا إذا كان ظلما فتعلق الارادة لا يقضي تعلقها به على الوجه القبيح، ولا ظاهر الآية يقتضي ذلك، وإذا علمنا بالادلة العقلية تنزه القديم تعالى عن القبائح علمنا أن الارادة لم يتعلق إلا بالاهلاك الحسن. وقوله تعالى: ” أمرنا مترفيها ” المأمور به محذوف، وليس يجب أن يكون المأمور به هو الفسق، وإن وقع بعده الفسق، ويجري هذا مجرى قول القائل: أمرته فعصى ودعوته فأبى ; والمراد إنني أمرته بالطاعة ودعوته إلى الاجابة والقبول – ويمكن أن يقال على هذا الوجه: ليس موضع الشبهة ما تكلمتم عليه، وإنما موضعها أن يقال: أي معنى لتقدم الارادة فإن كانت متعلقة بإهلاك مستحق

اترك تعليقاً