قوانين الأصول

الميرزا القمي


[ 1 ]

قوانين الاصول للمحقق الفقيه ميرزا أبو القاسم القمي المتوفى سنة 1231 –


[ 2 ]

ليت إبن سينا درى إذ جاء مفتخرا * باسم الرئيس بتصنيف لقانون * إن الاشارات والقانون قد جمعا * مع الشفا في مضامين القوانين هذا كتاب قوانين الاصول بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا إلى أصول الفروع وفروع الاصول وأرشدنا إلى شرائع الاحكام بمتابعة الكتاب وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وقفا هما ببيان أهل الذكر ومعادن التنزيل الذين هم الخلفاء من آل الرسول صلى الله عليه وعليهم صلاة كثيرة متتالية مقترنة بالكرامة متلقاة بالقبول ما دامت عقد المشكلات منحلة بأنامل الدلائل وظلم الشبهات منجلية بأنوار العقول. أما بعد فهذه نبذة من المسائل الاصولية وجملة من مباني المسائل الفقهية جعلتها تذكرة لنفسي وللطالبين وتبصرة لمن إسترشد في سلوك نهج الحق المبين وذخيرة مرجوة لاجل فقري وفاقتي يوم الدين حداني إلى رسمها مذاكرة جمع من فضلاء الاصحاب ومباحثة جملة من أزكياء الاحباب وكان ذلك عند قرائتهم علي أصول كتاب معالم الدين للفاضل المحقق المدقق الشيخ حسن بن الشيخ زين الدين حشرهما الله مع الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين فافتلذت ثمار تحقيقات عند التنزه في بساتين عوائده ووضعت هذه الوريقات على ترتيبه وأضفت مسائل إلى مسائله وفوائد إلى فوائده ونبهت على ما في بعض إفاداته واعرضت عن كثير من زوايده وإذا وجدت وضع شئ منها على خلاف المعهود من مصنفات القوم فعذره الحرص على تكثير الفايدة مع عدم إقتضاء المقام إلا لذلك فاقتصرت بادنى مناسبة في الاقحام بجعل الزوايد إما مقدمة لاصل أو خاتمة أو غير ذلك وربما أضفت أصلا عليه حسب ما ساعدني الوقت والمجال وأفردت قانونا في هذه القاعدة التي لم تذكر فيه على وفق مقتضى الحال وسميته بالقوانين المحكمة ورتبته على مقدمة وأبواب وخاتمة وهذا الكتاب مع أن مؤلفه قصير الباع وقاصر الذراع وليس محسوبا من جملة من يرتكب هذا الشان ويؤسس هذا البنيان وليس في مضمار الاستباق إلا كراكب القصب أو كراجل إلتفت ساقه بالساق بالساق فهو من فضل الله مشتمل على ما لم يشتمل عليه زبر السابقين ومخرج لجواهر ما اختفى من الحقائق في كنوز كلمات الفائقين فإن وجدتها بعد


[ 5 ]

إستيفاء الفكر وإستقصاء النظر حقيقا بالقبول فلله الحمد على ذلك وإلا فالملتمس منك الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. أما المقدمة ففي بيان رسم هذا العلم وموضوعه ونبذ من القواعد اللغوية. واعلم أن قولنا اصول الفقه علم لهذا العلم وله إعتباران من جهة الاضافة ومن جهة العلمية فأما رسمه بإعتبار العلمية فهو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام الشرعية فخرج بالقواعد العلم بالجزئيات وبقولنا الممهدة المنطق والعربية وغيرهما مما يستنبط منه الاحكام ولكن لم يمهد لذلك وبالاحكام ما يستنبط منها الماهيات وغيرها وبالشرعية العقلية وبالفرعية الاصولية وأما رسمه بإعتبار الاضافة فالاصول جمع أصل وهو في اللغة ما يبتنى عليه شئ وفي العرف يطلق على معان كثيرة منها الاربعة المتداولة في ألسنة الاصوليين وهي الظاهر والدايل ؟ والقاعدة والاستصحاب والاولى هنا إرادة اللغوي ليشتمل أدلة الفقه إجمالا و غيرها من عوارضها ومباحث الاجتهاد والتقليد وغيرهما والفقه في اللغة الفهم وفي العرف هو العلم بالاحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية والمراد بالاحكام هي النسب الجزئية وبالشرعية ما من شأنه أن يؤخذ من الشارع وإن إستقل بإثبات بعضها العقل أيضا فخرج بالشرعية العقلية المحضة التي ليس من شانها ذلك كبيان أن الكل أعظم من الجزء والنقيضان لا يجتمعان وبالفرعية ما يتعلق بالعمل بلا واسطة فخرج بها الاصولية وهو ما لا يتعلق بالعمل بلا واسطة وإن كان لها تعلق بعيد و ههنا إشكال مشهور بناء على تعريف الحكم الشرعي بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين مع كون الكتاب من أدلة الاحكام وهو أيضا خطاب الله فيلزم إتحاد الدليل والمدلول واستراح الاشاعرة عن ذلك بجعل الحكم هو الكلام النفسي والدليل هو اللفظي وفيه مع أن الكلام النفسي فاسد في أصله ان الكتاب مثلا حينئذ كاشف عن المدعى لا أنه مثبت للدعوى فلا يكون دليلا في الاصطلاح والذي يخالجني في حله هو جعل الاحكام عبارة عما علم ثبوته من الدين بديهة بالاجمال والادلة عبارة عن الخطابات المفصلة فإنا نعلم أولا بالبديهة أن لاكل الميتة وأكل الربا وغيرهما حكما من الاحكام ولكن لا نعرفه بالتفصيل إلا من قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وحرم الربوا ونحو ذلك وهيهنا إشكال آخر وهو أن الاحكام كما ذكرت هي النسب الجزئية فموضوعاتها خارجة وقد تكون نفس العبادة ولا ريب أن معرفة ماهية العبادة وظيفة الفقه فلا ينعكس الحد ويمكن دفعه لالتزام الخروج لان تلك الموضوعات من جزئيات موضوع العلم وتصور الموضوع وجزئياته من مبادئ العلم والمبادئ قد تبين في ذلك العلم وقد تبين في غيره وتصور المضوع وأجزائه وجزئياته يحصل غالبا في أصل العلم ولا منافاة بين خروجه عن تعريف


[ 6 ]

العلم ودخوله في طي مسائله وقولنا عن أدلتها من متعلقات العلم لا الاحكام فخرج علم الله وعلم الملائكة والانبياء عليهم السلام ويمكن إخراج الضروريات أيضا عن ذلك فإنها من جملة القضايا التي قياساتها معها ولا يسمى ذلك في العرف إستدلالا لا العلم الحاصل معها علما محصلا من الدليل وإن كان تلك الضرورة علة لتلك العلوم في نفس الامر وأما إخراج مطلق القطعيات عن الفقه كما يظهر من بعضهم فلا وجه له إذ الاستدلال قد يفيد القطع وقبله لم يكن قطع بالحكم وخرج بالتفصيلية علم المقلد في المسائل فإنه ناش عن دليل إجمالي مطرد في جميع المسائل وهو أن كلما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقي هكذا قرره القوم أقول ويرد عليه أن ذلك الدليل الاجمالي بعينه موجود للمجتهد وهو أن كلما أدى إليه ظني فهو حكم الله في حقي وحق مقلدي فإن قلت نعم ولكن له أدلة تفصيلية ايضا مثل أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ونحوهما والمراد هنا تلك وليس مثلها للمقلد قلت للمقلد أيضا أدلة تفصيلية فإن كل واحد من فتاوي المفتي في كل واقعة دليل تفصيلي لكل واحد من المسائل فالاولى في الاخراج التمسك بإضافة الادلة إلى الاحكام وإرادة الادلة المعهودة فإن الاضافة للعهد فيكون التفصيلية قيدا توضيحيا ثم أن ما ذكرته بناء على عدم الاغماض عن طريقة القوم رأسا وإلا فأقول إن ما ذكره القوم من كون التفصيلية إحترازا عن علم المقلد إنما يصح إذا كان ما ذكروه من الدليل الاجمالي للمقلد دليلا لعلمه بالحكم وليس كذلك بل هو دليل لجواز العمل به ووجوب إمتثاله وكونه حجة عليه كما أن الدليل الاجمالي الذي ذكرناه للمجتهد هو أيضا كذلك فلا يحصل بذلك إحتراز عما ذكروه ويمكن أن يقال ان قيد التفصيلية لاخراج الادلة الاجمالية كما بينا سابقا من أن ثبوت الاحكام في الجملة من ضروريات الدين فما دل على ثبوت الاحكام إجمالا من الضرورة وغيرها مثل عمومات الآيات والاخبار الدالة على ثبوت التكاليف إجمالا أدله لكن إجمالا لا تفصيلا وهذا لا يسمى فقها بل الفقه هو معرفة تلك الاحكام الاجمالية من الادلة التفصيلية والعجب من فحول العلماء كيف غفلوا عن ذلك ولم يسبقني إلى ما ذكرته احد فيما أعلم ثم أنهم أوردوا على الحد بأمرين الاول أن الفقه أكثره من باب الظن لابتنائه غالبا على ما هو ظني الدلالة أو السند فما معنى العلم وأجيب عنه بوجوه أوجهها أن المراد بالاحكام الشرعية أعم من الظاهرية والنفس الامرية فإن ظن المجتهد بعد إنسداد باب العلم هو حكم الله الظاهري بالنسبة إليه كالتقية في زمان المعصوم عليه السلام فإذا سمع المكلف من لفظه في حال التقية يحصل العلم به مع أنه ليس بحكم الله النفس الامري ولكن هو حكم الله بالنسبة إليه وإلى ذلك ينظر قول من قال أن الظن في طريق الحكم لا في نفسه وإن ظنية الطريق لا ينافي


[ 9 ]

قطعية الحكم وذلك لا يستلزم التصويب كما توهمه بعض الاصحاب ومنها أن المراد بالعلم هو الظن أو الاعتقاد الراجح فيشمل الظن ومجاز يبعد إستعماله في الحدود ومنها أن المراد به العلم بوجوب العمل به ومنها أن المراد العلم بأنه مدلول الدليل وكلها بعيد والثاني أن المراد بالاحكام إن كان كلها كما هو مقتضى ظاهر اللفظ فيخرج عنه أكثر الفقهاء لو لم يخرج كلهم وإن كان البعض فيدخل فيه من علم بعض المسائل بالدليل. والجواب انا نختار أولا إرادة الكل ولكن المراد بالعلم التهيؤ والاقتدار والملكة التي بها يقتدر على إستنباط الاحكام من الادلة ولا ينافي ذلك ما مر من الاجوبة عن السؤال الاول من جهة أنها مبتنية على جعل العلم بمعنى الادراك كما هو الظاهر فيما ذكر متعلقه سواء كان الادراك يقينيا أو ظنيا والملكة لا تتصف بالظنية والعلمية لانا نقول الملكة معنى مجازي للعلم بمعنى الادراك فتتصف بالظنية والعلمية بإعتبار الادراك أيضا فنقول بناء على جعل العلم بمعنى اليقين أن المراد الملكة التي يقتدر بها (على الادراكات اليقينية على جعله بمعنى الظن) على الادراكات الظنية غاية الامر أنه يلزم على إرادة الظن من العلم سبك مجاز من مجاز فالعلم بالحكم مجاز عن الظن به والظن به مجاز عن ملكة يقتدر بها على تحصيل الظن به وكذلك يلزم ذلك على الوجهين الاخيرين فالعلم على أول الوجهين إستعارة للظن بمشابهة وجوب العمل كما أن في الصورة السابقة (الملكة التي يقتدر بها) كان إستعارة بمشابهة رجحان الحصول أو مجازا مرسلا بذكر الخاص وإرادة العام ثم يترتب على ذلك إرادة الملكة من ذلك بعلاقة السببية والمسببية ويظهر من ذلك الكلام في الوجه الاخير أيضا وهو أردء الوجوه وأما على ما اخترناه من الوجه الاول فلا يلزم ذلك وثانيا إرادة البعض و تقول إما أن يمكن تحقق التجزي بأن يحصل للعالم الاقتدار على إستنباط بعض المسائل عن المأخذ كما هو حقه دون بعض أو لا يمكن فعلى الثاني فلا ينفك الفرض عن المجتهد في الكل وعلى الاول كما هو الاظهر فإما أن نقول بحجيته وجواز العمل به كما هو الاظهر أو لا وعلى الاول فلا إشكال أيضا لانه من افراد المحدود وعلى الثاني فإن قلنا أن التعريف لمطلق الفقه فيصح أيضا وإن قلنا أنه للفقه الصحيح فيقع الاشكال في إخراجه واستراح من جعل العلم في التعريف عبارة عما يجب العمل به بأن ذلك خرج عن العلم فإنه ليس بذلك ويمكن دفعه على ما اخترناه أيضا بأنه لم يثبت كون ما أدركه حكما شرعيا حقيقيا ولا ظاهريا لان الدليل لم يقم على ذلك فيه وأما موضوعه فهو أدلة الفقه وهي الكتاب والسنة والاجماع والعقل وأما الاستصحاب فإن اخذ من الاخبار فيدخل في السنة وإلا فيدخل في العقل وأما القياس فليس من مذهبنا قانون اللفظ قد يتصف بالكلية والجزئية بإعتبار ملاحظة المعنى كنفس المعنى فما يمنع نفس تصوره عن وقوع الشركة فجزئي وما لا يمنع فهو كلي فإن تساوى صدقه في


[ 10 ]

جميع أفراده فمتواط وإلا فمشكك وهذا التقسيم في الاسم واضح واما الفعل والحرف فلا يتصفان بالكلية والجزئية في الاصطلاح ولعل السر فيه أن نظرهم في التقسيم إلى المفاهيم المستقلة التي يمكن تصورها بنفسها والمعنى الحرفي غير مستقل بالمفهومية بل هو أمر نسبي رابطي وآلة لملاحظة حال الغير في الموارد المشخصة المعينة لا يتصور إنفكاكها أبدا عن تلك الموارد فهي تابعة لمواردها وكذلك الفعل بالنسبة إلى الوضع النسبي فإن له وضعين فبالنسبة إلى الحدث كالاسم وبالنسبة إلى نسبته إلى فاعل ما كالحرف وأما أسماء الاشارة والموصولات والضماير ونحوها فإن قلنا بكون وضعها عاما والموضوع له خاصا فيشبه الحروف لمناسبتها في الوضع فلا بد أن لا يتصف بالكلية والجزئية وإنما المتصف هو كل واحد من الموارد الخاصة ولعل ذلك هو السر في عدم إلتفات كثير منهم في تقسيماتهم للمعاني وللالفاظ إليها وأما على القول بكون الموضوع له فيها عاما كالوضع كما هو مذهب قدماء أهل العربية فهو داخل في الكلي (فيكون) مجازا بلا حقيقة لان الاستعمال لم يقع إلا في الجزئيات ثم أن اللفظ والمعنى إما أن يتحدا بأن يكون لفظ واحد له معنى واحد له معنى واحد فاللفظ متحد المعنى والمعنى متحد اللفظ أولا فان تكثر كل منهما فالالفاظ متباينة سواء توافقت المعاني أو تعاندت وإن تكثرت الالفاظ واتحد المعنى فمترادفة وإن اتحد اللفظ وتكثرت المعاني فإن وضع لكل منهما مع قطع النظر عن الآخر ومناسبته سواء كان مع عدم الاطلاع كما لو تعدد الواضعون أو عدم التذكر أو مع التذكر ولكن لم يلاحظ المناسبة فمشترك ويدخل فيه المرتجل وربما جعل قسيما له نظرا إلى أن المشترك هو ما لا يلاحظ فيه المعنى الاخر وإن كان من جهة عدم المناسبة أيضا بخلاف المرتجل فيلاحظ فيه عدم المناسبة فيحصل فيه نوع تبعية وفيه تعسف فعلى هذا يخرج المبهمات من المشترك على القولين لعدم تعدد الوضع المستقل بالنسبة إلى كل واحد من الجزئيات أما على قول قدماء أهل العربية فظاهر واما على القول الاخر فلان الملحوظ حين الوضع هو المعنى الكلي ووضع لكل واحد من الجزئيات بوضع واحد لا متعدد ولا ينافي ذلك ثبوت الاشتراك في الحروف بالنسبة إلى المفهومات الكلية كالتبعيض والتبيين وإن لم نقل بإشتراكها في خصوص الموارد الجزئية وإن إختص الوضع المستقل بواحد فهو الحقيقة والباقي مجاز إن كان الاستعمال فيها بمجرد المناسبة والعلاقة مع القرينة وإن كانت مجرد الشهرة ليدخل المجاز المشهور كما سيجئ أو منقول إن ترك المعنى الحقيقي اولا ووضع لمعنى آخر بمناسبة الاول أو إستعمل في المعنى المجازي وكثر إستعماله إلى أن وصل إلى حد الحقيقة فالمنقول قسمان تخصيصي و تخصصي والثاني يثمر بعد معرفة تأريخ التخصيص وهذا كله في الاسماء ظاهر وأما الافعال والحروف


[ 13 ]

فالحقيقة والمجاز فيها إنما هو بملاحظة متعلقاتها وتبعيتها كما في نطقت الحال وليكون لهم عدوا هذا بحسب المواد وأما الهيئة فقد يتصف الفعل بالحقيقة والمجاز والاشتراك والنقل كالماضي للاخبار والانشاء والمضارع للحال والاستقبال والامر للوجوب والندب ولا يذهب عليك ان الحيثية معتبرة في هذه الاقسام فقد يكون المشترك مبائنا أو مرادفا والمرادف مبائنا إلى غير ذلك فلاحظ ولا تغفل قانون اللفظ إن إستعمل فيما وضع له من حيث هو كذلك فحقيقة وفي غيره لعلاقة فمجاز والحقيقة تنسب إلى الواضع وفي معنى الوضع إستعمال اللفظ في شئ مع القرينة مكررا إلى أن يستغنى من القرينة فيصير حقيقة فالحقيقة بإعتبار الواضعين والمستعملين في غير ما وضع له إلى حد الاستغناء عن القرينة تنقسم إلى اللغوية والعرفية الخاصة مثل الشرعية والنحوية والعامة وكذلك المجاز بالمقايسة واعلم أن المجاز المشهور المتداول في ألسنتهم المعبر عنه بالمجاز الراجح يعنون به الراجح على الحقيقة يريدون به ما يتبادر به المعنى بقرينة الشهرة وأما مع قطع النظر عن الشهرة فلا يترجح على الحقيقة وإن كان إستعمال اللفظ فيه أكثر وسيجئ تمام الكلام وأما المجاز الذي صار في الشهرة بحيث يغلب على الحقيقة ويتبادر ولو مع قطع النظر عن الشهرة فهو حقيقة كما بينا قانون اعلم أن الجاهل بكل إصطلاح ولغة إذا أراد معرفة حقائق ألفاظه ومجازاته فله طرق الاول تنصيصهم بأن اللفظ الفلاني موضوع للمعنى الفلاني وإن إستعماله في الفلاني خلاف موضوعه الثاني التبادر وهو علامة الحقيقة كما أن تبادر الغير علامة المجاز والمراد بالتبادر أن الجاهل بمصطلح هذه الطائفة إذا تتبع موارد إستعمالاتهم ومحاوراتهم وعلم من حالهم أنهم يفهمون من لفظ خاص معنى مخصوصا بلا معاونة قرينة حالية أو مقالية ولو كان شهرة في الاستعمال في المعنى الغير الموضوع له وعرف ان ذلك الفهم من جهة نفس اللفظ فقط يعرف ان هذا اللفظ موضوع عندهم لذلك المعنى وينتقل إليه إنتقالا انيا فيكون التبادر معلولا للوضع وأما العالمون بالاوضاع فلا يحتاجون إلى اعمال هذه العلامة إلا من جهة إعلام الجاهل ولما كان إستناد الانفهام إلى مجرد اللفظ وعدم مدخلية القرينة فيه أمرا غامضا لتفاوت الافهام في التخلية وعدمه وتفاوت القرائن في الخفاء والوضوح فمن ذلك يجئ الاختلاف في دعوى التبادر من (الاجانبة) ؟ بالاصطلاح المذكور فقد يكون الانفهام عند أهل هذا الاصطلاح من جهة القرائن الخفية ويدعي الغافل التبادر بزعم إنتقاء القرينة ويدعي خصمه التبادر في معنى آخر وهكذا ولذلك أوجبوا إستقراء غالب موارد الاستعمال ليزول هذا الاحتمال فالاشتباه والخلط إما لعدم إستفراغ الوسع في الاستقراء وإما لتلبيس الوهم و


[ 14 ]

اخفاء القرينة على المدعى ولذلك قالوا ان الفقيه متهم في حدسه بالنسبة إلى العرف وان كان هو من اهل العرف لكثرة وفور الاحتمالات وغلبة مزاولة المتخالفة من الاستعمالات مع ما يسنحه من المنافيات من جهة الادلة العقلية والنقلية فلذلك قد يدعي احدهم ان الامر بالشى ء لا يدل على النهى عن ضده الخاص عرفا باحد من الدلالات كما هو الحق ويدعي اخر دلالته لما التبس عليه الامر من جهة الادلة العقلية التي قربت إليه مقصوده وكذلك في مقدمة الواجب فلابد ان يرجع إلى عرف عوام العرب فانهم هم اللذين لا يفهمون شيئا الا من جهة نفس وضع اللفظ فالفقيه حينئذ كالجاهل بالاصطلاح وان كان من جملة اهل هذا الاصطلاح وبالجملة لابد من بذل الجهد في معرفة ان انفهام المعنى انما هو من جهة اللفظ لاغير وبما ذكرناه يندفع ما يتوهم ان التبادر كما هو موجود في المعنى الحقيقي فكذلك في المجاز المشهور فلا يكون علامة للحقيقة ولا لازما خاصا لها بل هو اعم من الحقيقة وتوضيح ذلك ان المجاز المشهور هو ما يبلغ في الاشتهار بحيث يساوي الحقيقة في الاستعمال أو يغلب ثم ان ال الامر فيه إلى حيث يفهم منه المعنى بدون القرينة ويتبادر ذلك حتى مع قطع النظر عن ملاحظة الشهرة ايضا فلا ريب انه يصير بذلك حقيقة عرفية كما ذكرنا سابقا وهذا ايضا وضع فالتبادر كاشف عنه وان لم يكن كذلك بل كان بحيث يتبادر المعنى باعانة الشهرة وسببيته وان لم يلاحظ تفصيلا وهو الذي ذكره الاصوليون في باب تعارض الاحوال واختلفوا في ترجيحه على الحقيقة المرجوحة في الاستعمال فالحق ان هذا مجاز والتبادر الحاصل في ذلك ليس من علائم الحقيقة والذي اعتبر في معرفة الحقيقة هو التبادر من جهة اللفظ مع قطع النظر عن القرائن وان كانت القرينة هي الشهرة والموجود فيما نحن فيه انما هو من جهة القرينة وبعدما بينا لك سابقا لا مجال لتوهم ان يقال ان الجاهل بالاصطلاح إذا رأى ان اهل هذا الاصطلاح يفهم من اللفظ هذا المعنى ولا يظهر عليه ان ذلك من جهة الشهرة أو من جهة نفس اللفظ فينفي القرينة باصل العدم ويحكم بالحقيقة مع انه في نفس الامر مجاز فالتبادر لا يثبت الحقيقة فقط وذلك لان اصل العدم لا يثبت الا عدم العلم بالقرينة وما ذكرنا مبني على لزوم العلم بعدم القرينة حتى يختص بالحقيقة هذا إذا قلنا بلزوم تحصيل العلم في الاصول واما على القول بعدمه كما هو الحق والمحقق فهذا الظن الحاصل من الاصل مع التتبع التام في محاورات اهل ذلك الاصطلاح يقوم مقام العلم كما في سائر المسائل الاصولية والفقهية وغيرها فاعتقاد كونها حقيقة مع كونها مجازا في نفس الامر غير مضر مع ان هذا لا يتصور الا في فرض نادر كما لا يخفى فلا يوجب القدح في القواعد المبتنية على الغالب وينبه على ما ذكرنا البناء على اصالة الحقيقة فيما لم يظهر قرينة المجاز وان كان المراد هو المجاز في نفس الامر فان قلت


[ 17 ]

فاي فايدة في هذا الفرق وما الفرق بين المجاز المشتهر إلى ان يفهم منه المعنى مع قطع النظر عن الشهرة وما يتبادر منه المعنى مع ملاحظة الشهرة بل هذا مجرد اصطلاح ولا يثمر ثمرة في الاحكام قلت الفرق واضح فان الحقيقة في الاول مهجورة وفي الثاني غير مهجورة فان قلت إذا كان الحقيقة الاولى محتاجة في الانفهام إلى القرينة فهو ايضا في معنى المهجورة فيصير معنى مجازيا كالصورة الاولى قلت ليس كذلك اما اولا فلان احتياج الحقيقة حينئذ إلى القرينة انما هو لعدم ارادة المعنى المجازي فان دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي موقوف على انتفاء قرينة المجاز حقيقة أو حكما ولا شبهة في ذلك فان انفهام الحيوان المفترس من الاسد موقوف على فقدان يرمي مثلا ولما لم يمكن ازالة الشهرة التي هي قرينة في هذا المجاز حقيقة فيكتفى بانتفائها حكما بنصب قرينة تدل على المعنى الحقيقي كما اشار إليه الفاضل المدقق الشيرواني واما ثانيا فلان اللفظ يستعمل في المعنى الحقيقي حينئذ ايضا بلا قرينة غاية الامر حصول الاحتمال فينوب مناب الاشتراك ولا يسقط عن كونه حقيقة ولا يلزم الاشتراك المرجوح ايضا الا ترى ان صاحب المعالم ره مع انه جعل الامر في اخبار الائمة عليهم السلام مجازا راجحا في الندب مساويا للحقيقة من جهة التبادر وعدمه لم يقل بصيرورته مجازا في الوجوب في عرفهم فان الذي يصح ان يحمل كلامه عليه دعوى شيوع استعمال الامر في كلامهم في الندب خاليا عن القرينة وانفهام ارادة الندب من رواية اخرى أو اجماع أو غير ذلك فان كثرة الاستعمال مع القرينة لا يستلزم ما ذكره كما لا يخفى وهو لا ينكر ان الامر في كلامهم (عليهم السلام) ثم ايضا مستعمل في الوجوب بلا قرينة وان علم الوجوب من الخارج ولا يتفاوت الامر حينئذ بين تبادر المجاز الراجح أو حصول التوقف والظاهر ان من يقول بتبادر المجاز الراجح ايضا لا يقول بعدم جواز الاستعمال في اللفظ بلا قرينة غاية الامر توقف الفهم على القرينة ومطلق ذلك التوقف لا يستلزم المجازية ولذلك اختلفوا في مبحث تعارض الاحوال في حكم اللفظ إذا دار الامر بين الحقيقة والمجاز الراجح فقيل بتقديم الحقيقة من جهة رجحان جانب الوضع وقيل بتقديم المجاز الراجح لترجيح جانب الغلبة فان الظن يلحق الشئ بالاعم الاغلب ومثل ما ذكرنا مثل المشترك إذا اشتهر في احد معانيه مثل العين في الباصرة أو هي مع الينبوع أو هي مع الذهب فانه لاريب انه عند اطلاقها ينصرف الذهن إلى احد المذكورات لا إلى غيرها من المعاني ومع ذلك فلا يجوز الاعتماد على هذا الانصراف وبالجملة التبادر مع ملاحظة الشهرة لا يثبت كونها حقيقة ولا يخرج الحقيقة الاولى عن كونها حقيقة فتأمل وافهم واستقم وبالتأمل فيما حققنا تعلم معنى كون تبادر الغير علامة للمجاز الثالث صحة السلب يعرف بها المجاز كما تعرف الحقيقة بعدمها والمعتبر فيه ايضا اصطلاح التخاطب فصحة السلب وعدمها في اصطلاح لا يدل الا على كون


[ 18 ]

اللفظ مجازا أو حقيقة في ذلك الاصطلاح كما عرفت في التبادر والمراد صحة سلب المعاني الحقيقية عن مورد الاستعمال وعدمها مثل قولهم للبليد ليس بحمار وعدم جواز ليس برجل وزاد بعضهم في نفس الامر احترازا عن مثل قولهم للبليد ليس بانسان ولا حاجة إليه لان المراد صحة سلب المعاني الحقيقية حقيقة والاصل في الاستعمال الحقيقة فالقيد غير محتاج إليه وان كان مؤداه صحيحا في نفس الامر وقد اورد على ذلك باستلزامه الدور المضمر بواسطتين فان كون المستعمل فيه مجازا لايعرف الا بصحة سلب جميع المعاني الحقيقية ولا يعرف سلب جميع المعاني الحقيقية الا بعد معرفة ان المستعمل فيه ليس منها بل هو معنى مجازي لاحتمال الاشتراك فانه يصح سلب بعض معاني المشترك عن بعض وهو موقوف على معرفة كونه مجازا فلو اثبت كونه مجازا بصحة السلب لزم الدور المذكور واما لزوم الدور في عدم صحة السلب فان عدم صحة سلب المعنى الحقيقي موقوف على معرفة المعنى الحقيقي فلو توقف معرفة المعنى الحقيقي على عدم صحة سلب المعنى الحقيقي لزم الدور هكذا قيل والحق ان الدور فيه ايضا مضمر لان معرفة كون الانسان حقيقة في البليد موقوف على عدم صحة سلب المعاني الحقيقية للانسان عنه وعدم صحة سلب المعاني الحقيقية للانسان عنه موقوف على عدم معنى حقيقي للانسان يجوز سلبه عن البليد كالكامل في الانسانية ومعرفة عدم هذا المعنى موقوف على معرفة كون الانسان حقيقة في البليد نعم لو قلنا ان قولنا عدم صحة سلب الحقائق علامة الحقيقة سالبة جزئية كما هو الظاهر فلا يحتاج إلى اضمار الدور لكنه لا يثبت الا الحقيقة في الجملة وبالنسبة كما سنذكره وعلى هذا فلم لم يكتفوا في جانب المجاز ايضا بالموجبة الجزئية ويقولوا ان صحة سلب بعض الحقايق علامة للمجاز في الجملة وبالنسبة وقد اجاب عنه بعضهم بان المراد انا إذا علمنا الحقيقي للفظ ومعناه المجازى ولم نعلم ما اراد القائل منه فانا نعلم بصحة سلب المعنى الحقيقي عن المورد ان المراد المعنى المجازي وذلك ظاهر ثم قال ان ذلك الدور لا يمكن دفعه في جانب جعل عدم صحة السلب علامة للحقيقة وعدم جريان هذا الجواب فيه ويبقى الدور فيه بحاله فانا إذا علمنا المعنيين ولم نعلم ايهما المراد فلا يمكن معرفة كونه حقيقة لعدم صحة سلب المعنى الحقيقي فان العام المستعمل في فرد مجاز مع امتناع سلب معناه الحقيقي عن مورد استعماله وانت خبير بما فيه اما اولا فلانه خروج عن محل البحث فان الكلام فيما علم المستعمل فيه ولم يتميز الحقايق من المجازات لافيما علم الحقيقة والمجاز ولم يعلم المستعمل فيه ولاريب ان الاصل في الثاني هو الحمل على الحقيقة واما ثانيا فلان صحة سلب المعنى المجازي حينئذ ايضا يدل على ارادة المعنى الحقيقي فلا اختصاص لهذه العلامة بالمجاز لا يقال ان المجازات قد تتعدد فنفي الحقيقة لا يوجب تعيين بعضها لان هذا القائل قد


[ 21 ]

عين المجاز والمفروض ايضا ارادة تعيين شخص المجاز لا مطلقه مع ان لنا ايضا ان نقول سلب مطلق المعنى المجازي علامة لمطلق الحقيقة فافهم واما ثالثا فما ذكره في عدم صحة السلب للحقيقة فمع انه يرد عليه ما سبق من كونه خروجا عن المبحث فيه ان العام إذا استعمل في الخاص فهو انما يكون مجازا إذا اريد منه الخصوصية لا مطلقا ومع ارادة الخصوصية فلا ريب في صحة سلب معناه الحقيقي بهذا الاعتبار وانما يختلف ذلك باعتبار الحيثيات وقد اجيب ايضا بان المراد سلب ما يستعمل فيه اللفظ المجرد عن القرينة وما يفهم منه كذلك عرفا إذ لاشك في انه يصح عرفا ان يقال للبليد انه ليس بحمار ولا يصح ان يقال ليس برجل ولا ببشر أو بانسان وفيه ان ذلك مجرد تغيير عبارة ولا يدفع السؤال فان معرفة ما يفهم من اللفظ عرفا مجردا عن القرائن هو بعينه معرفة الحقائق سواء اتحد المفهوم العرفي وفهم معينا أو تعدد بالاشتراك ففهم الكل اجمالا وبدون التعيين وذلك يتوقف على معرفة كون المستعمل فيه ليس هو عين ما يفهم عرفا على التعيين أو من جملة ما يفهم عرفا على الاجمال فيبقى الدور بحاله ويمكن ان يقال لا يلزم من نفى المعاني الحقيقية العلم بكون المستعمل فيه مجازا بل يكفي عدم ثبوت كونه حقيقة بسبب عدم الانفهام العرفي فإذا سلب ما علم كونه حقيقة يحكم بكون المستعمل فيه مجازا لان احتمال الاشتراك مدفوع بان الاصل عدمه والمجاز خير من الاشتراك فهذه العلامة مع هذا الاصل والقاعدة يثبت المجازية وفيه انه مناف لاطلاقهم بان هذه علامة المجاز أو الحقيقة فان ظاهره كونه سببا تاما لفهم المجازية أو الحقيقية لاجزء سبب مع ان ذلك انما يتم عند من يقول بكون المجاز خيرا من الاشتراك وظاهرهم الاطلاق والذي يختلج بالبال في حل الاشكال وجهان الاول ان يقال ان المراد بكون صحة السلب علامة المجاز ان صحة سلب كل واحد من المعاني الحقيقية عن المعنى المبحوث عنه علامة لمجازيته بالنسبة إلى ذلك المعنى المسلوب فان كان المسلوب الحقيقي واحدا في نفس الامر فيكون ذلك المسلوب عنه مجازا مطلقا وان تعدد فيكون مجازا بالنسبة إلى ما علم سلبه عنه لا مطلقا فإذا استعمل العين بمعنى النابعة في الباصرة الباكية لعلاقة جريان الماء فيصح سلب النابعة عنها ويكون ذلك علامة كون الباكية معنى مجازيا بالنسبة إلى العين بمعنى النابعة وإن كانت حقيقة والباكية أيضا من جهة وضع آخر فإن قلت أن سلب العين بمعنى الذهب عنها بمعنى الميزان لا يفيد كون الميزان معنى مجازيا لها لعدم العلاقة قلت هذا لو أردنا كونه مجازا عنها بالفعل وأما إذا كان المراد كونه مجازا بالنسبة إليها لو استعمل فيه فلا يرد ذلك وهو كاف فيما أردنا وما ذكرنا في المثال إنما هو من باب المثال فافهم وبالجملة قولهم للبليد ليس بحمار إذا أريد به سلب الحيوان الناهق الذي هو معنى حقيقي للحمار في الجملة


[ 22 ]

جزما فيكون البليد معنى مجازيا بالنسبة إلى ذلك المعنى الحقيقي وإن احتمل أن يكون الحمار موضوعا بوضع أخر للحيوان القليل الادراك ويكون البليد حقيقة بالنسبة إليه فلا يكون سلبه بالمعنى الاول موجبا لمجازيته بالنسبة إلى هذا المعنى لكونه حقيقة بالنسبة إليه حينئذ ومما ذكرنا يظهر حال عدم صحة السلب بالنسبة إلى المعنى الحقيقي فان المراد عدم صحة سلب المعني الحقيقي في الجملة فيقال انه علامة لكون ما لا يصح سلب المعني الحقيقي عنه معنى حقيقيا بالنسبة إلى ذلك المعنى الذي لا يجوز سلبه عنه وإن احتمل أن يكون للفظ معنى حقيقي آخر يصح سلبه عن المبحوث عنه فيكون مجازا بالنسبة إليه فلا يتوقف معرفة كون المبحوث عنه حقيقة على العلم بكونه حقيقة حتى يلزم الدور وكيف يتصور صدق جميع الحقائق على حقيقة لو فرض كون اللفظ مشتركا حتى يجعل ذلك منشأ للاشكال كما توهم في جانب المجاز إذ هذا التصور مبني على جعل قولهم عدم صحة سلب الحقايق سلبا كليا كما في المجاز وأما لو جعل سلبا جزئيا فلا يرد ذلك ولا يحتاج إلى إضمار الدور ولكنه لا يناسب حينئذ إثبات الحقيقة مطلقا بل يناسب إثباتها في الجملة فليعتبروا في المجاز أيضا كذلك ويضيفوا إليه ملاحظة النسبة حتى يرتفع الدور والحاصل أن معرفة كونه حقيقة في هذا المعنى الخاص موقوف على معرفة الحقيقة في الجملة وذلك لا يستلزم دورا الثاني أن يكون المراد من صحة السلب وعدم صحة السلب سلب المعنى الحقيقي وعدمه عما احتمل فرديته له بأن يعلم للفظ معنى حقيقي ذو أفراد وشك في دخول المبحوث عنه فيها وعدمه وحاصله أن الشك في كون ذلك مصداق ما علم كونه موضوعا له لا في كون ذلك موضوعا له ام لا مثل انا نعلم أن للماء معنى حقيقيا و نعلم أن الماء الصافي الخارج من الينبوع من أفراده ونعلم أن الوحل خارج منها ولكن نشك في ماء السيل الغليظ أنه هل خرج عن هذه الحقيقة أم لا وكذا الجلاب المسلوب الطعم والرائحة هل دخل فيها أم لا فيختبر بصحة السلب وعدمها وهذا أيضا لا يستلزم الدور فافهم ذلك وهذان الوجهان مما لم يسبقني إليهما أحد فيما أعلم والحمد لله الرابع الاطراد وعدم الاطراد فالاول علامة للحقيقة والثاني للمجاز فنقول هيئة الفاعل حقيقة لذات ثبت له المبدء فالعالم يصدق على كل ذات ثبت له العلم وكذا الجاهل والفاسق وكذلك إسئل موضوع لطلب شئ عمن شأنه ذلك فيقال إسئل زيدا أو إسئل عمرا إلى غير ذلك بخلاف مثل إسئل الدار فنسبة السؤال مجازا إلى شئ وإرادة أهلها غير مطرد فلا يقال إسئل البساط وإسئل الجدار وبيان ذلك يحتاج إلى تمهيد مقدمة هي أن الحقائق وضعها شخصي والمجازات وضعها نوعي والمراد بالاول أن الواضع عين اللفظ الخاص المعين بإزاء معنى خاص معين سواء كان المعنى عاما أو خاصا وسواء كان وضع اللفظ بإعتبار المادة أو الهيئة


[ 25 ]

أما ما وضع بإعتبار المادة فيقتصر فيه على السماع بخلاف ما وضع بإعتبار الهيئة فيقاس عليه كأنواع المشتقات إلا ما خرج بالدليل كالرحمن والفاضل والسخي والمتجوز ونحوها للمنع الشرعي وإن أسماء الله تعالى توقيفية والمراد بالثاني أن الواضع جوز إستعمال اللفظ فيما يناسب معناه الحقيقي بأحد من العلائق المعهودة فالمجازات كلها قياسي لعدم مدخلية خصوص المادة والهيئة فيها بل المعتبر فيها هو معرفة نوع العلاقة بينها وبين المعاني الحقيقية وبعبارة أخرى لا يحتاج المجاز إلى نقل خصوصياته من العرب بل يكفي أن يحصل العلم أو الظن برخصة ملاحظة نوع العلاقة في الاستعمال فيها من إستقراء كلام العرب فيقاس عليه كلما ورد من المجازات الحادثة وغيها ولا يتوقف على النقل وإلا لتوقف أهل اللسان في محاوراتهم على ثبوت النقل ولما احتاج المتجوز إلى النظر إلى العلاقة بل كان يكتفى بالنقل ولما ثبت التجوز في المعاني الشرعية المحدثة مع عدم معرفة أهل اللغة بتلك المعاني وبطلان اللوازم بين ومذهب جماعة إلى إشتراط نقل آحادها لوجهين أحدهما أنه لو لم يكن كذلك للزم كون القرآن غير عربي وقد قال الله تعالى إنا أنزلناه قرآنا عربيا توضيحه أن ما لم ينقل من العرب فهو ليس بعربي والقرآن مشتمل على المجازات فلو لم يكن المجازات منقولة عنهم يلزم ما ذكر وفيه أولا النقض بالصلاة والصوم وغيرهما على مذهب غير القاضي و ثانيا أن ما ذكر يستلزم كون مجازات القرآن منقولا عن العرب لا جميع المجازات وثالثا لا نسلم إنحصار العربي فيما نقل بشخصه عن العرب بل يكفي نقل النوع ورابعا لا نسلم كون القرآن بسبب إشتماله على غير العربي غير عربي لان المراد كونه عربي الاسلوب مع أنه منقوض بإشتماله على الرومي والهندي والمعرب كالقسطاس والمشكوة والسجيل وخامسا لا نسلم بطلان كونه غير عربي فإنه مسلم لو أريد بضمير أنزلناه مجموع القرآن لم لا يكون المراد البعض المعهود كالسورة التي هذه الاية فيها بتأويل المنزل أو المذكور لان القرآن مشترك معنوي بين الكل والبعض فيطلق على كل واحد من أجزائها وثانيهما أنه إن كان نقل نوع العلاقة كافيا لجاز إستعمال النخلة في الحائط والجبل الطويلين للشباهة والشبكة للصيد وبالعكس للمجاورة والابن للاب وبالعكس للسببية و المسببية وهكذا والتالي باطل فالمقدم مثله وقد أجيب عن ذلك بأن ذلك من جهة المانع لا عدم المقتضي وإن لم يعلم المانع بالخصوص أقول الصواب في الجواب أن يقال أن المقتضي غير معلوم فإن الاصل عدم جواز الاستعمال لكون اللغات توقيفية إلا ما ثبت الرخصة فيه فنقول إن المجاز على ما حققوه هو ما ينتقل فيه عن الملزوم إلى اللازم فلا بد فيه من علاقة واضحة توجب الانتقال ولذلك


[ 26 ]

إعتبروا في الاستعارة أن يكون وجه الشبه من أشهر خواص المشبه به حتى إذا حصل القرينة على عدم إرادته انتقل إلى لازمه كالشجاعة في الاسد فلا يجوز إستعارة الاسد لرجل بإعتبار الجسمية أو الحركة ونحوهما وكذلك الحال في المشبه فلا بد أن يكون ذلك المعنى أيضا فيه ظاهرا ولذلك ذهب بعضهم إلى كون الاستعارة حقيقية فإن التجوز في أمر عقلي وهو أن يجعل الرجل الشجاع من أفراد الاسد بأن يجعل للاسد فردان حقيقي وإدعائي فالاسد حينئذ قد أطلق على المعنى الحقيقي بعد ذلك التصرف العقلي وهذا المعنى مفقود بين النخلة والحائط والجبل فإن المجوز لاستعارة النخلة للرجل الطويل هو المشابهة الخاصة من حصول الطول مع تقاربهما في القطر وهو غير موجود في الجبل والحائط وهكذا ملاحظة المجاورة فإن المجاورة لا بد أن يكون بالنسبة إلى المعنيين معهودا ملحوظا في الانظار كالماء والنهر والميزاب لا كالشبكة والصيد فان المجاورة فيهما إتفاقية بل المستفاد من المجاورة المعتبرة هو المؤانسة والتنافر بين الشبكة والصيد واضح وأما الاب والابن فعلاقة السببية والمسببية فيهما أيضا خفية عرفا وليس أظهر خواص الابن والاب حين ملاحظتهما معا السببية والمسببية نعم التربية والرياسة والمرؤسية من الخواص الظاهرة فيهما مع أن التقابل الحاصل من جهة التضايف يوجب قطع النظر عن سائر المناسبات وبالجملة لما كان الغرض من المجاز الانتقال من الملزوم إلى اللازم فلم يظهر من العرب إلا تجويز العلاقة الظاهرة ألا ترى أن إستعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ليس بمحض علاقة الجزئية والكلية بل لوحظ فيه كمال المناسبة بين الجزء والكل بأن يكون مما ينتفي بإنتفاء الجزء كالرقبة للانسان والعين للربئية بإعتبار وصف كونه ربئية وبالجملة الرخصة الحاصلة في النوع يراد بها الحاصلة في جملة هذا النوع وإن كان في صنف من أصنافها أو في أفرادها الشايعة الظاهرة وهكذا فالاستقراء في كلام العرب لم يحصل منه الرخصة في مثل هذه الافراد من الشباهة والسببية والمجاورة ونحوها لا أنه حصل الرخصة في نوعها بعمومه وخرج المذكورات بالدليل فلاحظ وتأمل إذا تقرر ذلك فنقول قد أورد على كون الاطراد دليل الحقيقة النقض بمثل اسد للشجاع فإنه مطرد ومجاز فيتخلف الدليل عن المدلول وعلى كون عدم الاطراد دليل المجاز النقض بمثل الفاضل والسخي فإنهما موضوعان لذات ثبت له الفضيلة والسخاء ولا يطلق عليه تعالى مع وجودهما فيه والقارورة فإنها موضوعة لما يستقر فيه الشئ ولا يطلق على غير الزجاجة وأجيب عن الثاني مضافا إلى ما ذكرنا بأن الفاضل موضوع لمن من شأنه الجهل والسخاء موضوع لمن من شأنه البخل فلا يشمله تعالى بالوضع والقارورة للزجاج لا كل ما يستقر فيه الشئ أقول والقارورة منقولة وقد ترك المعنى الاول وإلا لجاز الاطراد والتحقيق أن يقال إن أريد بكون عدم


[ 29 ]

الاطراد دليل المجاز أنه يقتصر فيه بما حصل فيه الرخصة من نوع العلاقة ولو في صنف من أصنافه فلا ريب أن المجاز حينئذ ينحصر فيما حصل فيه الرخصة وهو مطرد وإن أريد أنه بعد حصول الرخصة في النوع غير مطرد فقد عرفت أنه ليس كذلك فنقول أن عدم جواز إسئل الجدار مثلا إنما هو لعدم مناسبة الاهل للجدار المناسبة الظاهرة المعتبرة في المجاز وكذلك إسئل الشجر وإسئل الابريق ونحو ذلك فذلك لعدم إنفهام الرخصة فيه لا لوجود المانع كما نقلنا عن بعضهم ألا ترى انه يجوز أن يقال إسئل الدار وإسئل البلدة وإسئل الرستاق وإسئل المزرعة وإسئل البستان وغير ذلك ومثله إطراد الاسد لذات ثبت له الشجاعة وإن كان من سائر أفراد الحيوان غير الانسان وبالجملة المجاز أيضا بالنسبة إلى ما ثبت نوع العلاقة فيه مطرد ولو كان في صنف ذلك النوع قانون إذا تميز المعنى الحقيقي من المجازي فكلما استعمل اللفظ خاليا عن القرينة فالاصل الحقيقة أعني به الظاهر لان مبنى التفهيم والتفهم على الوضع اللفظي غالبا ولا خلاف لهم في ذلك وأما إذا استعمل لفظ في معنى أو معان لم يعلم وضعه له فهل يحكم بكونه حقيقة فيه أو مجازا أو حقيقة إذا كان واحدا دون المتعدد أو التوقف لان الاستعمال أعم المشهور الاخير وهو المختار لعدم دلالة الاستعمال على الحقيقة والسيد المرتضى رحمة الله عليه على الاول لظهور الاستعمال فيه وهو ممنوع والثاني منقول عن إبن جني وجنح إليه بعض المتأخرين لان أغلب لغة العرب مجازات والظن يلحق الشئ بالاعم الاغلب وهو أيضا ممنوع ولو سلم فمقاومته للظن الحاصل عن الوضع ممنوع والثالث مبني على أن المجاز مستلزم للحقيقة فمع الاتحاد لا يمكن القول بمجازيته وأما مع التعدد فلما كان المجاز خيرا من الاشتراك فيؤثر فيه ويترتب على ذلك لزوم إستعمال إمارات الحقيقة والمجاز في التمييز وحيث لم يتميز فالوقف ورد بمنع إستلزام المجاز للحقيقة بل إنما هو مستلزم للوضع كالرحمن والحقيقة مستلزم للاستعمال وإن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ثم إعلم أن عدم العلم بالوضع مع العلم بالمستعمل فيه يتصور على وجهين الاول أن يعلم لفظ استعمل في معنى واحد أو في معان متعددة ولم يعلم أنه موضوع لذلك المعنى أو المعاني أم لا فيحتمل عندنا أن يكون المستعمل فيه نفس الموضوع له ويحتمل أن يكون له معنى آخر وضع له ويكون هذا مجازا عنه فلا يعرف فيه الموضوع له أصلا لا معينا ولا غير معين وعلى هذا يترتب القول بكون مبنى القول الثالث على كون المجاز مستلزما للحقيقة لا على الوجه الآتي ولكن ذلك الفرض مع وحدة المستعمل فيه فرض نادر بل لم نقف عليه أصلا والثاني أن يعلم الموضوع له الحقيقي في الجملة وهو يتصور أيضا على وجهين أحدهما إنا نعلم أن له معنى حقيقيا ونعلم أنه استعمل في معنى خاص أيضا ولا نعلم أنه هل هو أو غيره وذلك


[ 30 ]

الجهالة إنما هو بسبب جهالة نفس الموضوع له لا بسبب جهالة الوضع مثل أنا نعلم أن ليلة القدر موضوعة لليلة خاصة واستعمل فيها ايضا مثل قوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر ولكن لا نعلمها بعينها فإذا أطلقها الشارع على ليلة النصف من شعبان مثلا أو ليلة الاحدى والعشرين من رمضان مثلا فهل يحكم بمجرد ذلك الاطلاق انها هي الوضوع له اللفظ أو يقال أن الاستعمال أعم من الحقيقة إذ يمكن ان يكون إطلاقها عليها من باب الاستعارة ويكون نفس الموضوع له اللفظ شيئا آخر هذا إذا لم يكن من باب التنصيص أو الحمل الظاهر في بيان الموضوع له كما لو إنحصر الاستعمال في الواحد وقال بأن ليلة القدر هي هذه وذلك مثل أن يقول إقرء في ليلة القدر (مثل) ؟ الليلة فلانا ولو تعدد المستعمل فيه حينئذ فيتضح عدم دلالة الاستعمال على شئ ويلزم السيد ومن قال بمقالته القول بتعدد الموضوع له لو عمموا المقال حينئذ وهو كما ترى والثاني إنا نعلم أن اللفظ مستعمل في معنى أو أكثر ونعلم أن له معنى آخر حقيقيا معينا في نفس الامر أيضا ولكن نشك في أن المستعمل فيه أيضا حقيقة أم لا وذلك يتصور على وجهين أحدهما أن نشك في أنه هل هو فرد من أفراد المعنى الحقيقي أو مجاز بالنسبة إليه وثانيهما أن نشك في أن اللفظ هل وضع له أيضا بوضع عليحدة فيكون مشتركا أم لا مثل انا نعلم أن للصلاة معنى حقيقيا في الشرع قد استعمل فيه لفظها وهو المشروط بالتكبير والقبلة والقيام فإذا استعملت في الافراد المشروطة بالطهارة والركوع والسجود منها أيضا نعلم جزما أنها من معانيها الحقيقية وإذا أطلقت على صلاة الميت فهل هذا الاطلاق علامة الحقيقة بمعنى أن المعنى الحقيقي للصلاة هو المعنى الاول العام لا المشروط بالطهارة والركوع والسجود أيضا أو أنها موضوعة بوضع عليحدة لصلاة الميت أيضا أو الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز فالمشهور على التوقف لان الاستعمال أعم من الحقيقة والسيد يحملها على الحقيقة فإن ظهر عنده أنها من أفراد الحقيقة المعلومة فيلحقها بها وإلا فيحكم بكونها حقيقة بالوضع المستقل فيكون مشتركا لفظيا وكذلك إذا رأينا إطلاق الخمر على الفقاع ويظهر الثمرة في عدم إجراء حكم الحقيقة على المشكوك فيه على المشهور وإجرائه على مذهب السيد على الاحتمال الاول والتوقف في أصل حكم الحقيقة حتى يظهر المراد منها بالقرائن على الثاني مثلا إذا رأينا أن الشارع حكم بوجوب نزح تمام ماء البئر للخمر الخالية عن قرينة المراد مع علمنا بأن المسكر المأخوذ من العنب خمر حقيقة فيتردد الامر بين أن يكون المراد أن الفقاع مثل الخمر في الحرمة فيكون مجازا فلا يثبت جميع أحكام الحقيقة فيه ليتفرع على نزح جميع ماء البئر وبين أن يكون المراد منه الخمر الواقعي إما بمعنى أن الخمر هي إسم للقدر المشترك بينهما فيدخل الفقاع في الخمر المطلق المحكوم عليها بوجوب نزح الجميع أو بمعنى أن الخمر كما أنه موضوع للمتخذ من العنب المسكر فكذلك موضوع


[ 31 ]

للفقاع أيضا فحينئذ يتوقف حتى يظهر من القرينة أن أي المعنيين هو المراد في الخمر المطلق المحكوم عليها بوجوب نزح الجميع فظهر بما ذكرنا أن المراد بالمعنى في قولنا أما إذا استعمل لفظ في معنى أو معان ماذا وإن المراد بالمعاني ماذا وإن الاول إنما يتم بالنظر إلى الوجه الاول إذا اتحد المستعمل فيه المعلوم وأما مثل كلمة الرحمن فهو خارج عن المتنازع فيه فإن المجازية فيه مسلمة إنما النزاع في أن له حقيقة أم لا وذلك لا ينافي القول بصيرورتها حقيقة عرفية فيه تعالى أو مما حققنا ظهر لك أنه لا منافاة بين قول مشهور بوجوب التوقف لان الاستعمال أعم من الحقيقة في صورة تعدد المستعمل فيه وقولهم بأن المجاز خير من الاشتراك أما في صورة التردد بين كون المستعمل فيه مجازا أو فردا من أفراد ما هو القدر المشترك بينهما فظاهر لعدم إشتراك لفظي هناك يرجح المجاز عليه وهو غالب موارد قولهم ان الاستعمال أعم من الحقيقة يعنون بذلك أنه لا يثبت حكم ما هو من أفراد الكلي حقيقة لهذا المشكوك فيه بمجرد إطلاق الاسم عليه وأما في صورة التردد بين كون المستعمل فيه حقيقة أو مجازا كما لو سلم كون صيغة إفعل حقيقة في الوجوب وشك في كونه حقيقة في الندب أيضا لاجل الاستعمال فمرادهم بقولهم أن الاستعمال لا يدل على الحقيقة وأنه أعم للرد على السيد ومن قال بمقالته فإذا قطعنا النظر عن غير الاستعمال فلا بوجب الاستعمال إلا التوقف لا أنه لا يمكن ترجيح المجازية بدليل آخر فلذلك يقولون بأن الصيغة في الندب مجاز ولا يتوقفون في ذلك فتبصر حتى لا يختلط عليك الامر ولا بأس أن نشير إلى بعض الغفلات فمنها ما وقع عن صاحب المدارك قال في منزوحات البئر واعلم أن النصوص إنما تضمنت نزح الجميع في الخمر إلا أن معظم الاصحاب لم يفرقوا بينه وبين سائر المسكرات في هذا الحكم واحتجوا عليه بإطلاق الخمر في كثير من الاخبار على كل مسكر فيثبت له حكمه وفيه بحث فإن الاطلاق أعم من الحقيقة والمجاز خير من الاشتراك إنتهى ونظير ذلك أيضا قال في رد من أوجب نزح الجميع للفقاع مستدلا بإطلاق الخمر عليه في الاخبار وأنت خبير بعدم صحة الجمع بين قوله فإن الاطلاق أعم وقوله والمجاز خير من الاشتراك ويظهر وجه بالتأمل فيما حققناه وأما نظر جمهور علمائنا رحمهم الله في الاستدلال بتلك الاخبار فليس إلى كون المسكرات خمرا حقيقة أو الفقاع خمرا كذلك بل وجه إستدلالهم هو أن الاستعارة والتشبيه المطلق يقتضي إعتبار المشابهة في جميع الاحكام لوقوعه في كلام الحكيم أو الاحكام الظاهرة الشايعة ومنها حكم النجاسة ومقدار النزح فقد ذكروا في مثل ذلك وجوها ثلاثة أحدها الاجمال لعدم تعيين وجه الشبه و الثاني العموم لوقوعه في كلام الحكيم والثالث التشريك في الاحكام الشايعة وهو أظهر الاحتمالات ومن هذا القبيل قولهم الطواف في البيت صلاة قانون قد ذكرنا أن الاصل في التفهيم والتفهم هو الوضع


[ 32 ]

وأيضا الاصل والظاهر يقتضيان عدم إرادة الزايد على المعنى الواحد وعدم وضع اللفظ لاكثر من معنى حتى يكون مشتركا أو منقولا وعدم إرادة معنى آخر من اللفظ غير المعنى الاول بسبب علاقة حتى يكون مجازا فحيث علم وجود هذه المخالفات وإرادة هذه الامور من اللفظ بقرينة حالية أو مقالية فهو وإن احتمل إرادة هذه الامور ولم يكن قرينة عليها فلا ريب أنه يجب الحمل على الموضوع له الاولى كما تقدم واما لو كان الاحتمال والتردد بين هذه الامور المخالفة لاصل الموضوع له المتجددة الطارية له الحاصلة بسبب دواع خارجية فيتصور هناك صور عديدة يعبر عنها الاصوليون بتعارض الاحوال يحصل من دوران اللفظ بين بعض من الاشتراك والنقل والتخصيص والاضمار والمجاز وبعض أخر والتخصيص والاضمار وإن كانا قسمين من المجاز لكنه لما كان لهما مزيد إختصاص وإمتيازا فردوهما من أقسام المجاز وجعلوهما قسيما له وذكروا لكل واحد منهما مرجحا على الاخر مثل أن المجاز أرجح من الاشتراك لكثرته وأوسعيته في العبارة وكونه أفيد لانه لا توقف فيه أبدا بخلاف المشترك والاشتراك أرجح من المجاز من حيث أبعديته عن الخطأ إذ مع عدم القرينة يتوقف بخلاف المجاز فيحمل على الحقيقة وقد يكون غير مراد في نفس الامر وإن المجاز يصح من كل من المعنيين فيكثر الفايدة بخلاف المجاز والاشتراك أرجح من النقل لان النقل يقتضي الوضع في المعنيين على التعاقب ونسخ الوضع الاول بخلاف الاشتراك والنسخ يقتضي بطلان المنسوخ والاشتراك يقتضي التوقف فيكون أولى وإن الاشتراك أكثر من النقل والاضمار أرجح من الاشتراك لاختصاص الاجمال الحاصل بسبب الاضمار ببعض الصور وذلك حيث لا يتعين المضمر وتعميمه في المشترك وإن الاضمار أوجز وهو من محاسن الكلام والتخصيص أرجح من الاشتراك لانه خير من المجاز وهو خير من الاشتراك والمجاز أرجح من النقل لاحتياج النقل إلى إتفاق أهل اللسان على تغيير الوضع والمجاز يفتقر إلى قرينة صارفة وهي متيسرة والاول متعسر والمجاز فوايده أكثر من النقل ويظهر من ذلك ترجيح الاضمار عليه أيضا والتخصيص أرجح من النقل لانه أرجح من المجاز وهو أرجح من النقل والتحصيص أرجح من المجاز لحصول المراد وغيره مع عدم الوقوف على قرينة التخصيص والمجاز إذا لم تعرف قرينة يحمل على الحقيقة وهي غير مرادة والتخصيص أرجح من الاضمار لكونه أرجح من المجاز المساوي للاضمار إلى غير ذلك من الوجوه التي ذكروها وفي كثير منها نظر إذ أكثرها معارض بمثلها والبسط في تحقيقها وتصحيحها لا يسعه هذا المختصر وحاصل غرض المستدل في الترجيح بهذه الوجوه إبداء كون صاحب المزية الكاملة أولى بالارادة للمتكلم فلا بد من حمل كلامه على ما هو أكمل وأحسن وأتم فايدة فلا يختار المتكلم ما هو أخس وأنقص وأقل فايدة إلا في حال الضرورة وحال الضرورة نادرة بالنسبة إلى غيرها والظن يلحق


[ 35 ]

الشئ بالاعم الاغلب وفيه أنا نمنع أن غالب المتكلمين في أغلب كلماتهم يعتبرون ذلك فإن قيل الحكماء منهم يعتبرون ذلك وما يجدي للاصولي هو ملاحظة كلام الشارع وهو حكيم فيقال أن الحكمة لا تقتضي ذكر الاتم والاحسن غالبا بل ربما يقتضي ذكر الانقص نعم إذا كان المراد إظهار البلاغة للاعجاز ونحوه فيعتبر ما له مزيد دخل بموافقة مقتضى المقام والخلوص عن التعقيد اللفظي والمعنوي وما يرتبط بالمحسنات اللفظية والمعنوية ولكن مقتضى المقامات مختلفة وما هذا شأنه من كلامهم ليس له مزيد دخل في بيان الاحكام الشرعية الذي هو محط نظر الاصولي ومع تسليم ذلك فنمنع حجية مثل هذا الظن و التحقيق أن المجاز في نفس الامر أغلب من غيره من المذكورات في أكثر كلام المتكلمين ولا يمكن إنكار هذه الغلبة وكذلك التخصيص أغلب أفراد المجاز في العام لا مطلقا وأما حصول الغلبة في غيرهما فغير معلوم بل وندرتها معلومة وعلى هذا يقدم المجاز على الاشتراك والنقل بل ولا يبعد ترجيحه على الاضمار أيضا ويقدم التخصيص على غيره من أقسام المجاز وغيرها لان الظن يلحق الشئ بالاعم الاغلب وأما حجية مثل هذا الظن فيدل عليه ما يدل على حجية اصالة الحقيقة مع إحتمال إرادة المجاز وخفاء القرينة فكما أن الوضع من الواضع فهذه الامور المخالفة له الطارئة عليها أيضا من جانب الواضع ولذا يقال أن المعنى المجازي وضع ثانوي فكما يكتفى في المعنى المجازي بالقرائن المعهودة المعدودة فكذا يكتفى في معرفة أن ذلك اللفظ مجاز لا مشترك ولا منقول بقرينة الغلبة سيما والاصل عدم الوضع الجديد و عدم تعدده وعدم الاضمار وغير ذلك ولم نقف على من منع إعتبار مثل هذا الظن من الفقهاء وبالجملة فلا مناص عن العمل بالظن في دلالة الالفاظ خصوصا على قول من يجعل الاصل جواز العمل بالظن إلا ما خرج بالدليل مع أنه يظهر من تتبع تضاعيف الاحكام الشرعية والاحاديث إعتبار هذا الظن فلاحظ وتأمل وإن شئت أرشدك إلى موضع واحد منها وهو ما دل على حلية ما يباع في أسواق المسلمين وإن أخذ من يد رجل مجهول الاسلام فروى إسحاق بن عمار في الموثق عن العبد الصالح عليه السلام أنه قال لا بأس بالصلاة في فرو يماني وفيما صنع في أرض الاسلام قلت فإن كان فيها غير أهل الاسلام قال إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس ويدل على ذلك العرف أيضا فلاحظ قانون كل لفظ ورد في كلام الشارع فلا بد أن يحمل على ما علم إرادته منه ولو كان معنى مجازيا وإن لم يعلم المراد منه فلا بد من أن يحمل على حقيقة إصطلاحه سواء ثبت له إصطلاح خاص فيه أو لم يثبت بل كان هو إصطلاح أهل زمانه وإن لم يعلم ذلك أيضا فيحمل على اللغوي أو العرفي إن وجد أحدهما بضميمة أصالة عدم النقل فإذا وجد واحد منهما (واتحد) فهو إن تعدد فيتحرى في تحصيل


[ 36 ]

الحقيقة بإستعمال إماراتها أو القرينة المعينة للمراد ثم يعمل على مقتضاه من الترجيح أو التوقف وإن وجد كلاهما فإن كان المعنى العرفي هو عرف المتشرعة فهو محل النزاع في ثبوت الحقيقة الشرعية وإلا فالمشهور تقديم العرف العام لافادة الاستقراء ذلك وقيل يقدم اللغة لاصالة عدم النقل والاول أظهر وأما ثبوت الحقيقة الشرعية ففيه خلاف والمشهور بينهم أن النزاع في الثبوت مطلقا والنفي مطلقا والحق كما يظهر من بعض المتأخرين التفصيل وتحرير محل النزاع هو أن كثيرا من الالفاظ المتداولة على لسان المتشرعة أعني بهم من يتشرع بشرعنا فقيها كان أو عاميا صار حقايق في المعاني الجديدة التي إستحدثها الشارع ولم يكن يعرفها أهل اللغة مثل الصلاة في الاركان المخصوصة والصوم في الامساك المخصوص إلى غير ذلك فهل ذلك بوضع الشارع إياها في إزاء هذه المعاني بأن نقلها من المعاني اللغوية ووضعها لهذه المعاني الجديدة أو إستعملها مجازا في هذه المعاني مع القرينة وكثر إستعمالها فيها إلى أن استغنى عن القرينة فصارت حقائق أو لم يحصل الوضع الثانوي في كلامه باحد من الوجهين وكان إستعماله فيها بالقرينة ويظهر ثمرة النزاع إذا وجدت في كلامه بلا قرينة فإن قلنا بثبوت الحقيقة فلا بد من حملها على هذه المعاني وإلا فعلى اللغوي وقد طال التشاجر بينهم في الاستدلال ولكل من الطرفين حجج واهية و أقوى أدلة النافين أصالة عدم النقل وأقوى أدلة المثبتين الاستقراء فيدور الحكم مدار الاستقراء وقد يستدل بالتبادر بأنا إذا سمعنا هذه الالفاظ في كلام الشارع يتبادر في أذهاننا تلك المعاني وهو علامة الحقيقة وهذا الاستدلال من الغرابة بحيث لا يحتاج إلى البيان إذ من الظاهر أن المعتبر من التبادر هو تبادر المعنى من اللفظ عند المتحاورين بذلك اللفظ فإذا سمع النحوي لفظ الفعل من اللغوي وتبادر إلى ذهنه ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الازمنة الثلاثة لا يلزم منه كونه حقيقة فيه عند اللغوي أيضا وربما زاد بعضهم مصادرة وقال الظاهر ان ذلك التبادر لكثرة إستعمال الشارع لا لاجل ألف المتشرعة بهذا المعنى ثم أغرب وقال أن التبادر معلوم وكونه لاجل أمر غير الوضع غير معلوم يعني وضع الشارع وهو مقلوب عليه بأن التبادر معلوم وكونه من أجل وضع الشارع غير معلوم وعلى المستدل الاثبات ولا يكفيه الاحتمال وكيف كان فالحق ثبوت الحقيقة الشرعية في الجملة وأما في جميع الالفاظ والازمان فلا والذي يظهر من إستقراء كلمات الشارع ان مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج والركوع والسجود ونحو ذلك قد صارت حقايق في صدر الاسلام بل ربما يقال إنها كان حقائق في هذه المعاني قبل شرعنا أيضا لكن حصل إختلاف في الكيفية وحصولها فيها وفي غيرها من الالفاظ الكثيرة الدوران في زمان الصادقين عليهما السلام ومن بعدهما مما لا ينبغي التأمل


[ 39 ]

فيه كما صرح به جماعة من المحققين وأما مثل لفظ الوجوب والسنة والكراهة ونحو ذلك فثبوت الحقيقة فيها في كلامهما عليهما السلام ومن بعدهما أيضا محل تأمل فلابد للفقيه من التتبع والتحري ولا يقتصر ولا يقلد ثم أن ما ذكرناه من الوجهين في كيفية صيرورتها حقيقة فالاول منهما في غاية البعد بل الظاهر هو الوجه الثاني وعليه فلا تحصل الثمرة إلا فيما علم أنه صدر بعد الاشتهار في هذه المعاني إلى أن استغنى عن القرينة فإن علم أنه كان بعده فيحمل على الحقيقة وإلا فيمكن صدوره قبله وحينئذ فيمكن إرادة المعاني الجديدة واختفى القرينة ويمكن إرادة المعنى اللغوي والاصل عدمها فيحمل على اللغوي وهذا أقرب فليرجع إلى التفصيل الذي ذكرنا وليتأمل وليتتبع لئلا يختلط الامر والله الهادي ثم اعلم أنه قد نسب إلى بعض المنكرين للحقيقة الشرعية القول بأن الشارع لم يستعمل تلك الالفاظ في المعاني المخترعة بل يقول أنه إستعملها في المعاني اللغوية والزوايد شروط لصحة العبادة فالصلاة مثلا مستعملة في الدعاء وكونه مقترنا بالركعات شرط لصحة الدعاء والشرط خارج عن المشروط وكذلك الغسل هو غسل مشروط بزوايد وهكذا فلا نقل عنده ولا حقيقة جديدة ورد بأنه يلزم أن لا يكون المصلي مصليا إذا لم يكن داعيا فيها كالاخرس أو لم يكن متبعا كالمنفرد وهو باطل ويلزم هذا القائل نفي التركيب والماهيات المخترعة عند الشارع ويظهر الثمرة في إمكان جريان أصل العدم في إثبات الاجزاء والشرائط وعدمه وبيان ذلك أنه لا خلاف ولا ريب في كون الاحكام الشرعية توقيفية لا بد أن يتلقى من الشارع وأما موضوعات الاحكام فإن كان من قبيل المعاملات فيرجع فيها إلى العرف واللغة وأهل الخبرة كالبيع والارش ونحوهما وكذلك كل لفظ يستعمل في كلام الشارع لافادة الحكم أو لافادة بيان ماهية العبادة كالغسل بفتح الغين والمسح ونحوهما وإن كان من قبيل العبادات كالصلاة والغسل ونحوهما فهو أيضا كنفس الاحكام فإنها حقايق محدثة من الشارع لا يعلمها إلا هو وأما هذا القائل فيرجع فيها أيضا إلى اللغة والعرف كالمعاملات لانه لم يقل بكونها منقولات غاية الامر أن يقارنها بما يثبت عنده من الشرايط فإن قلنا بجعل الماهيات الجديدة من جانب الشارع وإحداثها فيصير العبادات من باب مركب ذي أجزاء ينتفي بإنتفاء أحد أجزائه فلا بد في حصول الامتثال به من حصول العلم بجميع أجزائه وشرائطه فإذا شك في كون شئ جزء له أو شرطا له فلا يمكن القول بأن الاصل عدم المدخلية للزوم العلم بالاتيان بالماهية المعينة ولا يكفي في ذلك عدم العلم بعدم الاتيان وأما على القول بعدم تركيب جديد فالمكلف به هو المعنى اللغوي ولا تأمل فيه والباقي أمور خارجة عنه يمكن نفي ما شك في ثبوته من الشرائط الخارجة بأصل العدم كالمعاملات وإما بناء دفع كلام هذا القائل بالبناء على


[ 40 ]

القول بثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه بأن يقال بطلان قوله على القول بثبوت الحقيقة الشرعية واضح فإن الصلاة إسم لهذا المركب وكذا الغسل والوضوء فكيف يحملها على الدعاء والغسل بفتح الغين وعلى القول بعدمها فبعد وجود القرينة الصارفة عن اللغوي لا بد أن يحمل على الشرعي لكونه أشهر مجازاته وأشيعها فهو غريب لما عرفت من أنه منكر للحقيقة الشرعية بل منكر للماهيات المحدثة ثم بعد القول ببطلان مذهب هذا النافي والبناء على المشهور من كون تلك العبادات ماهيات محدثة فهل يجوز إجراء اصل العدم فيها بمعنى أنا إذا شككنا في كون شئ جزء لها أو شرطا لصحتها فهل يمكن نفيه بأصالة العدم أو لا بد من الاتيان بما يوجب اليقين بحصول الماهية في الخارج فيه خلاف ولا بد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمة وهي أنهم إختلفوا في كون العبادات أسامي للصحيحة أو الاعم منها وهذا الخلاف أيضا لا يتوقف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية فيها بل يكتفى فيه بثبوت الحقيقة المتشرعة ومطلق إستعمال الشارع تلك الالفاظ فيها فالنزاع في الحقيقة في أنه متى أطلق لفظ دال على تلك الماهية المحدثة فهل يراد الصحيحة منها أو الاعم والثمرة في هذا النزاع تظهر فيما لم يعلم فساده فهل يحصل الامتثال بمجرد عدم العلم بالفساد لصدق الماهية عليها أو لابد من العلم بالصحة مع الشك في مدخلية شئ في تلك الماهية جزء كان أو شرطا فلا يحكم بمجرد فقدان ذلك بالبطلان على الثاني بخلاف الاول للشك في الصحة وما يظهر من كلام بعضهم من التفرقة بين الشك في الجزء والشرط وإن الاول مضر على القول الثاني أيضا فلعله مبني على أن المركب لايتم إلا بتمام الاجزاء فكيف يقال بصدق الاسم على الثاني مع الشك في جزئية شئ آخر له وفيه أن مبنى كلام القوم على العرف وإنتفاء كل جزء لا يوجب إنتفاء المركب عرفا ولا يوجب عدم صدق الاسم في التعارف ألا ترى أن الانسان لا ينتفي بإنتفاء اذن منه أو إصبع عرفا بخلاف مثل رأسه ورقبته والحاصل أنه لا ريب في أن الماهيات المحدثة أمور مخترعة من الشارع ولا شك أن ما أحدثه الشارع متصف بالصحة لا غير بمعنى أنه بحيث لو اتى به على ما اخترعه الشارع يكون موجبا للامتثال للامر بالماهية من حيث هو أمر بالماهية لكنهم إختلفوا هذا الاختلاف بوجهين أحدهما أن نقول إذا وضع الشارع أسماء لهذه المركبات أو استعمل فيها بمناسبة فهو يريد تلك الماهية على الوجه الصحيح بالمعنى المذكور من الحيثية المذكورة وهذا القدر متيقن الارادة ولكنه لما كان الماهية عبارة من المركب عن الاجزاء بأجمعها من دون مدخلية الشرائط والشرائط خارجة عنها ولا مانع من وضع اللفظ بإزاء الماهية مع قطع النظر عن كونها جامعة للشرائط ولا من وضعه بإزاء الماهية مع ملاحظة


[ 43 ]

إجتماعها لشرائط الصحة فاختلفوا في أن الالفاظ هل هي موضوعة للماهية مع إجتماع الشرائط أو الماهية المطلقة فمراد من يقول أنها أسام للصحيحة منها أنها أسام للماهية مجتمعة لشرائط الصحة الزايدة على الصحة الحاصلة من جهة الماهية من حيث هي ومراد من يقول بأنها أسام للاعم انها أسام لنفس الماهية الصحيحة من حيث هي القابلة للصحة الزايدة على هذه الحيثية وعدمها والحاصل أن الاول يقول بأن الصلاة مثلا إسم للاركان المخصوصة حالكونها جامعة للشرائط مثل الطهارة عن الحدث والخبث والقبلة ونحو ذلك لا أنها إسم للاركان المخصوصة والشرائط معا والثاني يقول بأنها إسم للصلاة بدون إشتراط إجتماعها للشرائط ولا مع الشرائط فحينئذ تظهر الثمرة فيما لو حصل الشك في شرطية شئ لصحة الماهية فعلى القول بكونها أسامي للصحيحة الجامعة لشرائط الصحة فلا بد من العلم بحصول الموضوع له في إمتثال الامر بها ولا يحصل إلا مع العلم بإجتماعه لشرائط الصحة وأما على القول الاخر أعني وضعها لنفس الاجزاء المجتمعة مع قطع النظر عن الشرائط فيحصل إمتثال الامر الوارد بالعبادة بمجرد الاتيان بها بما علم من شرائطها وما يقال أن الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط معناه الشك في تحقق الشرط المعلوم الشرطية لا الشك في أن لهذا الشئ شرطا يتوقف صحته عليه أم لا والوجه الثاني أن مع قطع النظر عن الشرائط أيضا قد يحصل الاشكال بالنظر إلى ملاحظة الاجزاء فإن النقص في أجزاء المركب قد لا يوجب سلب إسم المركب عنه عرفا كما ذكرنا في الانسان المقطوع الاذن أو الاصبع فالصلاة إذا كانت في الاصل موضوعة للماهية التامة الاجزاء ولكن لم يصح سلبها عنه بمجرد النقص في بعض الاجزاء فيتم القول بكونها إسما للاعم من الصحيحة فيرجع الكلام إلى وضعها لما يقبل هذا النقص الذي لا يوجب خروجها من الحقيقة عرفا وذلك لا يستلزم كون الناقصة مأمورا بها ومطلوبة لان مجرد صدق الاسم عند الشارع لا يوجب كونها مطلوبة له ويظهر الثمرة حينئذ فيما فلو نذر أحد أن يعطي شيئا بمن رآه يصلي فراى من صلى ونقص طمأنينته في إحدى السجدتين مثلا أو لم يقرء السورة في إحدى الركعتين (فبر) ؟ النذر بذلك لا يستلزم كون تلك الصلاة مطلوبة للشارع ومأمورا بها فكونها مصداق الاسم معنى وكونها مأمورا و مطلوبا يحصل به الامتثال معنى آخر إذ لا بد في الامتثال مضافا إلى صدق الاسم كونها صحيحة أيضا ويتفاوت الاحكام بالنسبة إلى الامرين ويظهر الثمرة فيما لو أريد إثبات المطلوبية والصحة حينئذ بمجرد صدق الاسم فيما لو شك في جزئية شئ للصلاة ولم يعلم فسادها بدونه فعلى القول بكونها إسما للاعم يتم المقصود وعلى القول بكونها إسما للصحيحة التامة الاجزاء الجامعة للشرائط فلا لعدم معلومية


[ 44 ]

تمامية الاجزاء حينئذ وجامعيته لشرائط الصحة من الحيثية التي قدمنا ذكرها وغيرها من سائر شرائط الصحة ثم أن الاظهر عندي هو كونها أسامي للاعم بالمعنيين كما يظهر من تتبع الاخبار ويدل عليه عدم صحة السلب عما لم يعلم فساده وصحته بل وأكثر ما علم فساده ايضا وتبادر القدر المشترك منها ويلزم على القول بكونها أسامي للصحيحة لزوم القول بألف ماهية لصلاة الظهر مثلا فصلاة الظهر للمسافر شئ و للحاضر شئ آخر وللحافظ شئ وللناسي شئ آخر وكذلك للشاك وللمتوهم والصحيح والمريض والمحبوس والمضطر والغريق إلى غير ذلك من أقسام الناسي في جزئيات مسائل النسيان والشاك في جزيئات مسائله وهكذا إلى غير ذلك وأما على القول بكونها أسامي للاعم فلا يلزم شئ من ذلك لان هذه أحكام مختلفة ترد على ماهية واحدة مع أن الصلاة شئ والوضوء والغسل والوقت والساتر والقبلة وغيرها أشياء اخر وكذلك إتصاف الصلاة بالتلبس بها فالظاهر أن لكل شئ منها إسما آخر ولا دخل في إشتراط شئ بشئ إعتباره في تسميته به ومما يؤيد كونها أسامي للاعم إتفاق الفقهاء على أن أركان الصلاة هي ما تبطل الصلاة بزيادتها ونقصانها عمدا أو سهوا إذ لا يمكن زيادة الركوع مثلا عمدا إلا عصيانا ولا ريب في كونه منهيا عنه ومع ذلك يعد ركوعا لا يقال أن مرادهم صورة الركوع لا الركوع الحقيقي وإن لم يكن صحيحا فإن من إنحنى في الصلاة بمقدار الركوع لاجل أخذ شئ من الارض سيما مع وضع اليد على الركبة بحيث يحسب الناظر أنه قد ركع فلا يوجب بطلان الصلاة من أجل زيادة الركن فالمراد إطلاق الاسم في عرف المتشرعة حقيقة وهو لا يتحقق إلا مع كون الركوع إسما للاعم من الصحيحة واحتجوا بالتبادر وصحة السلب عن العاري عن الشرائط وكون الاصل في مثل لا صلاة إلا بطهور الاستعمال في نفي الحقيقة لانه المعنى الحقيقي وفي الاولين منع ولعل المدعى لذلك إنما غفل من جهة الاوامر فإن الامر لا يتعلق بالفاسد وهذا فاسد لعدم إنحصار محل النزاع في الاوامر فالامر قرينة لارادة الصحيحة وذلك لا يستلزم وضعها لها وأما قوله عليه السلام لا صلاة إلا بطهور فيتوجه المنع فيما ادعوه في خصوص هذا التركيب كما لا يخفى على من لاحظ النظائر كقوله عليه السلام لا عمل الا بنية ولا نكاح إلا بولي ولا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وغير ذلك فإن القدر المسلم في اصالة الحقيقة إنما هو في مثل لا رجل في الدار وأما مثل هذه الهيئات التركيبية التي نفس الذات موجودة فيها في الجملة جزما وليس المراد فيها إلا نفي صفة من صفاتها فلا يمكن دعوى أصل الحقيقة فيها وفيما يشكل كونه من هذه الجملة مثل ما اقحم فيه خصوص الصلاة والصيام ونحوهما مما يحتمل فيه هذا الاحتمال السخيف وهو كونها أسامي للصحيحة بحيث يمكن عرفا نفي الذات بمجرد إنتفاء شرط من شروطها بل ومع الشك في حصول شرط من شروطها فهو لا يخرج هذه الهيئة عما هو ظاهر فيه في العرف ولذلك تداولها العلماء هذا


[ 47 ]

التداول في مبحث المجمل والمبين ولم يحتملوا إرادة نفي الحقيقة والذات إلا على تقدير هذا القول الضعيف وذلك ليس لان الاصل الحمل على الحقيق بل الاصل هنا خلافه بل لان دعوى كون هذه الالفاظ أسامي للصحيحة صارت قرينة لحمل هذه العبادة على مقتضى الحقيقة القديمة التي هي الموضوع له لكلمة لا فقالوا بأن حملها على نفي الذات حينئذ ممكن فحينئذ نقول حمل هذه العبارة على نفي الذات مع كونها ظاهرة في نفي صفة من صفاتها إنما يمكن إذا ثبت كون الصلاة إسما للصحيحة وإلا فهي منساقة بسياق نظائرها سيما مثل قوله عليه السلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فإذا أردنا إثبات كون الصلاة إسما للصحيحة بسبب مقتضى الحقيقة القديمة فذلك يوجب الدور إلا أن يكون مراد المستدل أن أصالة الحقيقة يقتضي ذلك خرجنا عن مقتضاه في غيرها بالدليل وبقي الباقي فبهذا نقول أن مثل قوله عليه السلام لا صلاة إلا بطهور مما كان الفعل المنفي عبادة خارج عن سياق النظائر وباق على مقتضى الاصل فلا ريب أن ذلك خلاف الانصاف فإن هذه في جنب الباقي ليست الا كشعرة سوداء في بقرة بيضاء ولذلك لم يتمسك أحد من العلماء الفحول في ذلك المبحث لاثبات نفي الاجمال بأصالة الحقيقة و تمسكوا بالقول بكونها موضوعة للصحيحة من العبادات والانصاف أن كون هذه منساقة بسياق النظائر من الادلة على كون العبادات أسامي للاعم فهو على ذلك أدل مما أراده المستدل وأيضا نقول بعد التسليم أن هذا إنما يدل على أن الصلاة التي لا طهور لها ولا فاتحة فها ليست بصلاة ولا يدل على أن الصلاة إسم للصحيحة كما لا يخفى إذ لو حصل الفاتحة والطهور للصلاة وشككنا أن السورة أيضا واجبة مع الفاتحة أم لا فهذا الحديث لا ينفي كون الصلاة الخالية عنها صلاة ولا يدل على أن الصلاة إسم لكل ما جامع جميع الشرائط ثم اعلم أن الشهيد رحمه الله قال في قواعد الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم وسائر العقود ولا يطلق على الفاسد إلا الحج لوجوب المضي فيه فلو خلف على ترك الصلاة أو الصوم إكتفى بمسمى الصحة وهو الدخول فيها فلو أفسدها بعد ذلك لم يزل الحنث ويحتمل عدمه لانه لا يسمى صلاة شرعا ولا صوما مع الفساد وأما لو تحرم في الصلاة أو دخل في الصوم مع مانع من الدخول لم يحنث قطعا إنتهى والظاهر أن مراده إكتفى بمسمى الصحة في الحنث يعني لو حلف على ترك الصلاة مثلا في مكان مكروه يحصل الحنث بمجرد الدخول وأقول يظهر من قوله رحمه الله إلا الحج لوجوب المضي فيه أن كلامهم في الاوامر والمطلوبات الشرعية إن مرادهم أن الفاسد لا يكون مطلوبا له إلا في الحج فإنه يجب المضي في فاسده لا في مطلق التسمية والاصطلاح ولو لاغراض أخر مثل كونها علامة للاسلام وموجبا لجواز أكل الذبيحة بمجرد ذلك حيث قلنا بذلك ونحو ذلك


[ 48 ]

وذلك لانه رحمه الله إن كان أراد من الاطلاق أعم من الاطلاق الحقيقي فلا ريب أن إطلاق الصلاة مثلا على الفاسدة وإستعمالها فيها في كلام الشارع والمتشرعة فوق حد الاحصاء وإن أراف منه الاطلاق الحقيقي فلا معنى لتخصيص الحقيقة بالحج والتفصيل إذ محض الامر بالمضي لا يوجب كون اللفظ حقيقة فيه فظهر أن مراده الاطلاق على سبيل الطلب والمطلوبية فإن التسمية في كلام الشارع مما لا يقابل بالانكار ولنشر إلى بعض ما يفيد ذلك وهو ما رواه الكليني في الموثق كالصحيح لابان بن عثمان عن الفضل بن يسار عن أبي جعفر عليه الصلاة والسلام قال بني الاسلام على خمس الصلاة و الزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد أحد بشئ كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه يعني الولاية فإن الظاهر الواضح أن المراد بالاربع هو الاربع من الخمس والتحقيق أن عبادة هؤلاء فاسدة كما دل عليه الاخبار وكلام الاصحاب فالاخذ بالاربع على هذا الوجه لا يمكن إلا مع جعلها أسامي للاعم وذلك لا ينافي كون المطلوب في نفس الامر هو الصحيح والاكتفاء في التسمية بالاعم كما نشير إليه من أن التسمية عرفية وإن كان المسمى شرعيا ومن جملة ما ذكرنا قوله عليه السلام دعي الصلاة ايام إقرائك فإن صيرورة الصلاة صحيحة إنما يكون بأن لا تكون في أيام الحيض والتسمية بالصلاة إنما كانت قبل هذا النهي وليس المعنى أن الصلاة التي لا تكون في حال الحيض اتركيها في حال الحيض بل المعنى أتركي الصلاة في حال الحيض وإدعاء أن التسمية وإثبات الشرط هنا قد حصلا بجعل واحد يكذبه الوجدان السليم لتقدم التسمية وضعا وطبعا وما ذكر إنما يصح إذا قيل معناه أن الاركان المخصوصة التي هي جامعة لجميع الشرائط ولكونها في غير هذه الايام وإسمها صلاة على القول بكونها إسما للصحيحة لا تفعليها في هذه الايام والمفروض أن كونها في غير هذه الايام إنما استفيد من قوله لا تفعليها في هذه الايام وأما على القول بكونها إسما للاعم فلا يرد شئ من ذلك إذ يصح المنع عن الصلاة مع قطع النظر عن كونها في هذه الايام ومما ذكرنا يظهر ما في قوله رحمه الله لانه لا يسمى صلاة شرعا ولا صوما مع الفساد ولعل نظره ونظر من وافقه إلى أن الظاهر من حال المسلم في نذر الفعل والحلف عليه هو قصد الفعل الصحيح فالحنث إنما هو لاجل الصحة وعدم الصحة لا لانه ليس بصلاة فتعدوا من عدم الصحة إلى نفي الذاب فلو نذر احد أن يصلي ركعتين في وقت خاص فالقائلون بكونها إسما للاعم أيضا يقولون بأن الفاسدة لا تكفي وكذا لو نذر أن يعطي مصليا شيئا فلا يبر نذره بإعطائه لمن علم فساد صلاته ويظهر الثمرة فيما لو جهل حاله بالخصوص من جهة نفس الامر لعدم المعرفة بحال المصلي أو من جهة نفس الحكم للاختلاف الحاصل من جهة الادلة في حقيقة العبادة ولا مرجح عنده


[ 51 ]

لاعتبار الصحة عنده أو عند المصلي الذي يريد ان يعطيه مثلا وعلى هذا فلو حلف أو لا يبيع الخمر فيحنث ببيعها وإن كان بيعها فاسدا كما ذهب إليه الاكثر لاجل تحقق البيع لا ينافي ذلك حمل فعل المسلم على الصحة كما كان ينافيه في المثال المتقدم والظاهر أن ذلك أيضا لكون البيع إسما للاعم وسنشير إلى جريان الخلاف في المعاملات ايضا ومما يؤيد كونها أسامي للاعم أنه لا إشكال عندهم في صحة اليمين على ترك الصلاة في مكان مكروه أو مباح مثلا وحصول الحنث بفعلها ويلزمهم على ذلك المحال لانه يلزم حينئذ من ثبوت اليمين نفيها فإن ثبوتها يقتضي كون الصلاة منهيا عنها والنهي في العبادة مستلزم للفساد وكونها فاسدة مستلزم لعدم تعلق اليمين بها إذ هي إنما تتعلق بالصحيحة على مفروضهم فيحكم بصحتها وبعد تعلق اليمين لا يتحقق الحنث لعدم تحقق الصلاة الصحيحة والقول بأن المراد الصلاة الصحيحة لولا اليمين لا يجعلها صحيحة في نفس الامر حقيقة كما هو مراد القائل ويجري هذا الكلام في المعاملات أيضا إن قلنا بدلالة النهي على الفساد فيها أيضا ومما يؤيده أيضا أنه يلزم على القول بكونها أسامي للصحيحة أن يفتش عن أحوال المصلي إذا أراد أن يعطيه شيئا لاجل النذر إذا لم يعلم مذهبه وصحة صلاته في نفس الامر فإن حمل فعل المسلم على الصحة لا يكفي هنا فإن غاية ذلك حمل فعل المسلم على الصحيح عنده والصحة قد تختلف بإختلاف الاداء فإذا رأى من نذر شيئا للمصلي رجلا صالحا يصلي بجميع الاركان والاجزاء ولكن لا يدري أنه هل صلى بغسل غير الجنابة بلا وضوء أو مع الوضوء وهو يرى بطلان الصلاة به وذلك الصالح قد يكون رأيه أو رأي مجتهده الصحة والمفروض أن المعتبر في وفاء الناذر على تكليفه ملاحظة الصحيح عنده المطابق لنفس الامر بظنه وكذلك ملاحظة غيره من الاختلافات في الاجزاء وسائر الشروط ولاريب أن الصحيح من العبادة ليس شيئا واحدا حتى يبنى عليه في المجهول الحال على حمل فعل المسلم على الصحة ولم نقف إلى الان على من إلتزم هذه التفحصات و التدقيقات ويعطون على من ظاهره الوفاء وليس ذلك إلا لاجل كونها أسامي للاعم ولعله لاجل ذلك لا يتفحص المؤمنون في الاعصار والامصار عن مذهب الامام في جزئيات مسائل الصلاة مثل أنه هل يعتقد ووب السورة أو ندبها أو وجوب القنوت أو ندبه ويأتمون به بعد ثبوت عدالته نعم إذا علم المخالفة فلا يصح الاقتداء فيما يعتقده باطلا مثل ما لو ترك الامام السورة أو نحو ذلك فما لم يعلم بطلانه يجوز الاقتداء به ويصح صلاته لانه إئتم بمن يحكم بصحة صلاته شرعا والقدر الثابت من المنع هو ما علم بطلانه وإن كان صحيحا عند الامام فليس هذا إلا من جهة كفاية مسمى الصلاة ما لم يعلم المأموم بطلانها على مذهبه لا أنه لا يصح الاقتداء حتى يعلم أنه صحيح على مذهبه بقي الكلام في بيان


[ 52 ]

بعض ما أشار إليه الشهيد رحمه الله وهو أمور الاول أنه يستفاد منه أن الحقايق الشرعية كما تثبت في العبادات تثبت في المعاملات أيضا وهو كذلك وقد يظهر من بعضهم إختصاص ذلك بالعبادات وهو ضعيف وعلى هذا فيمكن عطف قوله رحمه الله وسائر العقود على تالييه لا الماهيات الجعلية أيضا الثاني أن الخلاف في كون الالفاظ أسامي للصحيحة أو الاعم لا يختص بمثل الصلاة والصوم بل يجري في سائر العقود أيضا وهو أيضا كذلك قال المحقق رحمه الله في الشرائع في كتاب الايمان إطلاق العقد ينصرف إلى العقد الصحيح دون الفاسد ولا يبر بالبيع الفاسد لو حلف ليبيعن وكذا غيره من العقود وقال الشهيد الثاني رحمه الله في شرحه عقد البيع وغيره من العقود حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد لوجود خواص الحقيقة والمجاز فيهما كمبادرة المعنى إلى ذهن السامع عند إطلاق قولهم باع فلان داره وغيره ومن ثم حمل الاقرار به عليه حتى لو إدعى إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا وعدم صحة السلب وغير ذلك من خواصه ولو كان مشتركا بين الصحيح والفاسد لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الالفاظ المشتركة وإنقسامه إلى الصحيح والفاسد أعم من الحقيقة أقول ويمكن حمل كلام المحقق على ما ذكرنا من أن الظاهر والغالب في المسلمين إرادة الصحيح فينصرف إليه لا لان اللفظ حقيقة فيه فقط فلا ينصرف إلى غيره لكونه مجازا وأما ما ذكره الشارح من دعوى التبادر فإن أراد به ما ذكرنا فلا ينفعه وإن أراد كونه المعنى الحقيقي ففيه المنع المتقدم وعدم سماع دعوى الفساد في صورة الاقرار أيضا لما ذكرنا كنظائره وأما تمسكه بعدم صحة السلب فلم تحقق معناه لانا لا ننكر كونه حقيقة انما الكلام في الاختصاص وهو لا يثبته وأما قوله رحمه الله وإنقسامه إلى الصحيح والفاسد أعم من الحقيقة فإن أراد أن التقسيم ليس بحقيقة في تقسيم المعنى فيما أطلق المقسم بل أعم من تقسيم اللفظ والمعنى ففيه أن المتبادر من التقسيم هو تقسيم المفهوم والمعنى لا ما يطلق عليه اللفظ ولو كان مجازا وإن أراد أن الدليل لما دل على كون الفاسد معنى مجازيا فلا بد أن يراد من المقسم معنى مجازي يشملهما فهو مع أنه لا يساعده ظاهر كلامه رحمه الله أول الكلام الثالث أن الدخول في العمل على وجه الصحة يكفي في كونه صحيحا أقول والاظهر عدم الاكتفاء فإن الدخول على وجه الصحة غير الاتيان بالفعل الصحيح و المفروض أن الحلف إنما وقع على الثاني فإن الصلاة والصيام ليسا من باب القران المحتمل وضعه للمجموع وللكلام المنزل على سبيل الاعجاز المتحقق في ضمن كل من أبعاضه بل هما إسمان للمجموع وعلى ما ذكره يلزم الحنث وإن لم يتمها فاسدا أيضا وهو كما ترى بل هذا لا يصح على المختار أيضا بل يمكن أن يقال أنه لا يحصل الحنث على المختار لو أتمه فاسدا أيضا عالما بالفساد لما ذكرناه في توجيه كلامه رحمه الله ومن وافقه من إرادة الصحيحة في أمثال ذلك وإن بنى على المختار إذا عرفت هذا فاعلم أن الظاهر أنه لا إشكال


[ 55 ]

في جواز إجراء اصل العدم في ماهية العبادات كنفس الاحكام والمعاملات بل الظاهر أنه لا خلاف فيه كما يظهر من كلمات الاوايل والاواخر ولم نقف على تصريح بخلافه في كلام الفقهاء وأما ما نراه كثيرا في كلماتهم من التمسك بالاحتياط وإستصحاب شغل الذمة فهو إما مبني على مسألة الاحتياط والقول بوجوبه وستعرف ضعفه أو تأييد الدليل به فلاحظ الانتصار وقد يتمسك بالاجماع وطريقة الاحتياط في إثبات أصل الحكم كما تمسك به في وجوب صلاة العيدين خلافا للشافعي وفي مسألة المنع عن صلاة الاضحى وغير ذلك وأما إستدلالهم بالاصل في مهية العبادات فهو فوق حد الاحصاء وكيف كان فالمتبع هو الدليل ولا ينبغي التوحش مع الانفراد إذا وافقنا الدليل فكيف وجل الاصحاب إن لم نقل كلهم متفقون في عدم الفرق فمن يعمل بالاصل لا يفرق بين العبادات وغيرها فنقول أن من اليقينيات إنا مكلفون بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله من الاحكام والشرائع والعبادات وكما أن سبيل القطع بمعرفة الاحكام كما وردت منسد لنا فكذلك بمعرفة مهية العبادات وكما يمكن أن يقال التكليف بالعبادات أمر بشئ غير معلوم لنا ولا يحصل الامتثال بها إلا بإتيانها بماهياتها كما وردت فكذلك سائر الاحكام الشرعية غير معلوم لنا ولا يحصل الامتثال بها إلا بإتيانها بماهياتها كما وردت وكما أن إنسداد باب العلم مع بقاء التكليف بالضرورة وقبح تكليف ما لا يطاق يوجب جواز العمل بالظن في الاحكام بعد التفحص والتجسس عن الادلة وحصول الظن بسبب رجحان الدليل على المعارضات أو بسبب أصالة عدم معارض آخر فكذلك في ماهية العبادات وكما لا يمكن في ماهية العبادات التمسك بالاصل قبل الفحص والتفتيش وإستفراغ الوسع فكذلك لا يمكن ذلك في نفس الاحكام وسيجئ الكلام في ذلك مستقصى في مباحث التخصيص ومباحث الاجتهاد والتقليد فنقول أنه لا مانع من إجراء أصالة العدم في إثبات مهية العبادات كنفس الاحكام إذ لو قيل أن المانع هو أن إشتغال الذمة بالعبادة في الجملة قاطع لاصالة العدم السابق فيصير الاصل بقاء شغل الذمة حتى يثبت المبرء فمثله موجود في الاحكام أيضا فإن إشتغال الذمة بتحصيل حقيقة كل واحد من الاحكام الذي علم إجمالا بالضرورة من دين محمد صلى الله عليه وآله قاطع ولذلك إشترطوا في إعمال أصل البرائة وأصالة العدم في الاحكام الشرعية الفحص عن الادلة اولا فنحن نعلم جزما أن لغسل الجمعة مثلا حكما من الشارع لا نعلمه فبعد البحث والفحص وعدم رجحان دليل الوجوب نقول الاصل عدم الوجوب والاصل عدم معارض آخر يترجح على ما ظهر علينا من أدلة الاستحباب ولا يمكننا ذلك قبله ولا يوجب إمتزاج أمور متعددة وثبوت حكم فيها الفرق في ذلك فكما نتفحص من حكم المفرد وبعد إستفراغ الوسع نستريح إلى أصل


[ 56 ]

البرائة وأصل العدم في عدم ما يدل على خلاف ما فهمناه وظنناه من قبل الادلة فكذلك في ماهية العبادات المركبة فإذا حصل لنا من جهة الاخبار والاجماعات المنقولة بإنضمام ما وصل إلينا من سلفنا الصالحين يدا بيد ان مهية الصلاة لا بد فيها من النية والتكبير والقرائة والركوع والسجود وغيرها من الاجزاء المعلومة وشككنا في أن الاستعاذة قبل القرائة في الركعة الاولى مثلا هل هو أيضا من الواجبات كما ذهب إليه بعض العلماء أم لا ورأينا أن دليله على الوجوب معارض بدليل آخر على الندب فمع تعارضهما وتساقطهما فيبقى إحتمال الوجوب لامكان ثبوت دليل آخر يدل عليه فحينئذ يجوز لنا نفيه بأصل العدم وأصالة عدم الوجوب فإنه يفيد الظن بالعدم ويحصل من مجموع الامرين الظن بأن مهية العبادة هو ما ذكر لا غير وإن قلت بلزوم تحصيل اليقين قلنا بمثله في نفس الحكم مع أنا نقول لم يثبت إنقطاع أصل البرائة السابقة وعدم إشتغال الذمة السابقة إلا بهذا القدر فكيف يحكم بإنقطاعه رأسا حتى يقال لا يمكن التمسك بالاصل لانقطاعه بالدليل مع أن ذلك يجري في الحكم الشرعي أيضا فإن من المعلوم أن أصل العدم في الاحكام الشرعية أيضا القطع بثبوت حكم مجمل لكل واحد من الموضوعات فكيف يحكم بأن الاصل عدم هذا الحكم وثبوت حكم آخر و الحاصل أنا إذا بنينا على كفاية الظن عند إنسداد باب العلم فلا فرق بين الحكم ومهية العبادات هذا مع أن لنا أن نقول في الاخبار أيضا ما يدل على بيان المهية وأن العبادات هي هذه مثل صحيحة حماد الواردة في بيان اداب الصلوة ونحوها فحينئذ يتضح عدم الفرق بينها وبين نفس الاحكام في اجراء اصالة العدم وقد ظهر مما ذكرنا إمكان اثباب مهية العبادات بضميمة أصل العدم مطلقا سواء حصل لنا ظن من جهة خبر أن هذا هو المهية أو حصل الظن من جهة مجموع ما ورد من الادلة في خصوص جزء جزء وأصالة عدم شئ آخر وأما ما يقال أن السبيل منحصر في الاجماع فلا نفهم معناه فإن أراد أنه لا بد أن ينعقد الاجماع على أن هذا هو المهية لا غير فلا سبيل لنا إلى مثل هذا الاجماع ولم يدعه احد من العلماء وإن إدعاه أحد فهو أيضا ظن مثل الظن الحاصل من تلك الرواية أو من الاصل ولا يتم إلا بضميمة أصالة عدم دليل آخر يدل على ثبوت جزء آخر له أو شرط آخر له وإن أراد أن ما حصل الاجماع على صحته فالماهية موجودة فيه جزما ففيه أن هذا ليس إثبات المهية وتعيينها بل هو إثبات لما اندرج فيه المهية جزما لاحتمال إشتمالها على المستحبات التي ليست داخلة في ماهية العبادة مع أن ذلك مما لا يمكن غالبا كما لو دار الامر بين الوجوب والحرمة في شئ من الاجزاء مثل الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة الاخفاتية وبطلان الصلاة بتذكر إسقاط الركوع بعد إكمال السجدتين


[ 57 ]

مع ملاحظة القول بلزوم حذفهما وتدارك الركوع فيما بعده وربما يتكلف في دفع هذا الاشكال بأن المخالف في المسألة إذا سلم أنه لو كان دليله باطلا لكان المهية هي على وفق ما اقتضاه دليل خصمه سواء صرح بذلك التسليم أم لا فهذا يكفي في كون المهية إجماعية عند الخصم إذا ظهر له بطلان دليل المخالف وغفلته عن الحق وفيه مع أن هذا إنما يتم بالنسبة إلى المخالفة الخاصة دون سائر المخالفات وذلك لا يثبت المهية مطلقا أن ظهور بطلان دليل المخالف غالبا إنما هو بحسب إجتهاد الخصم وقد يكون الغفلة في نفس الامر من جهة الخصم لا المخالف مع أن هذا الاحتمال حاصل بالنسبة إلى المخالف أيضا بالنظر إلى دليل الخصم فيصير الاجماع تابعا لاجتهاد المجتهد وهو كما ترى ويزيد شناعة ذلك لو تعدد الاقوال أزيد من إثنين كما في الجهر ببسم الله فإن الاقوال فيه ثلاثة الحرمة والوجوب والاستحباب وإن قلت الاجماع حينئذ يحصل بتكرير الصلاة فيصير الامر أشنع ومال هذا القول إلى وجوب الاحتياط وهو مع أنه لم يقم عليه دليل من العقل والنقل يوجب العسر والحرج أو الترجيح بلا مرجح وأما ما أورد على أعمال الاصل في ذلك بأنه إنما يتم إذا جاز العمل بالاستصحاب حتى في نفس الحكم الشرعي مع أنه معارض بأصالة عدم كونها العبادة المطلوبة وإن شغل الذمة اليقيني مستصحب حتى يثبت خلافه ففيه مع أن المحقق في محله كما سيجئ إنشاء الله تعالى حجية الاستصحاب مطلقا أن مرادهم من عدم حجيته في إثبات نفس الحكم الشرعي أن يكون الاستصحاب مثبتا لنفس الحكم مثل أن يقال أن المذي غير ناقض للوضوء مثلا لاستصحاب الطهارة السابقة فإستصحاب الطهارة هو المثبت لعدم كون المذي ناقضا وأصل العدم منفردا لا يثبت به المهية بل هي بضميمة سائر المثبتة لها كما لا يخفى مع أنه مقلوب على المعترض بأنه كيف يجوز التمسك في إثبات إستحباب غسل الجمعة مثلا بعد تعارض الادلة بأصالة عدم شئ آخر يدل على الوجوب فيحكم بالاستحباب فإن الذي يثبت من نفس أدلة الطرفين إنما هو القدر الراجح لاشتراكهما في الرجحان فيبقى نفي الوجوب وتعيين نفس الاستحباب مستفادا من نفس الاستصحاب وأصالة العدم إذ ليس مطلق الرجحان معنى الاستحباب وأما المعارضة بأصالة عدم كونها العبادة المطلوبة ففيه أن الموجود الخارجي كما يحتمل كونه غير العبادة المطلوبة يحتمل كونه هي فجعل أحدهما هو الاصل دون الاخر ترجيح بلا مرجح نعم يمكن أن يقال الاصل عدم تحقق العبادة المطلوبة في الخارج بمعنى عدم حصول اليقين بالاتيان بالعبادة المطلوبة ولا محصل لهذا الاستصحاب إلا بقاء المكلف به في الذمة وهو يرجع إلى إستصحاب شغل الذمة اليقيني وجوابه ان إشتغال الذمة اليقيني مقتض لليقين بإبراء الذمة إذا أمكن والظن الاجتهادي الحاصل من الاصل


[ 58 ]

بضميمة سائر الادلة قائم مقام اليقين كما هو متفق عليه عندهم مع ان شغل الذمة بأزيد من ذلك لم يثبت من الادلة وأصل البرائة السابق لم ينقطع إلا بمقدار ما ثبت إشغال الذمة به وما ثبت علينا من الادلة وسلمناه هو إشتغال ذمتنا بما يظهر علينا من الظنون الاجتهادية ثبوته وقد يتمسك في إثبات ماهية العبادات بطريق أخر وهو أن يرجع إلى إصطلاح المتشرعة ويقال المتبادر في إصطلاحهم هو هذا فهو مطلوب الشارع أما على القول بثبوت الحقيقة الشرعية فظاهر وأما على القول بالعدم فمع القرينة الصارفة عن اللغوي يحمل عليه لكونه أقرب مجازاته وأشيعها لكن يشكل ذلك على القول بكون ألفاظ العبادات أسامي للصحيحة الجامعة لشرائط الصحة مطلقا وعلى القول بكونها إسما للاعم من الصحيحة لو كان الاشكال و التشكيك في الاجزاء وأما لو كان الاشكال في ثبوت شرط لها فيصير مثل المعاملات في جواز الاكتفاء بما يفهم منه عرفا وينفي الشرط المحتمل بالاصل وإنما قلنا أنه لو كان الحيرة والاشكال في الاجزاء فلا يتم هذا الطريق على القول بكونها أسامي للاعم فلان غاية ما يتبادر من الصلاة مثلا هو ذات الركوع و السجود فيخرج صلاة الميت وكذلك يمكن عندهم سلب إسم الصلاة عن صلاة وقع فيها فعل كثير بمحو صورة الصلاة ولا يثبت بهما ماهية الصلاة بتمامها كما لا يخفى وفيه نظر من وجوه أما أولا فلان دعوى الحقيقة الشرعية وثبوت الحقيقة المتشرعة إنما هو في المعنى المحدث الذي أبدعه الشارع في مقابل المعنى اللغوي ويكفي في تصور إرادة ذلك المعنى دون المعنى اللغوي أو معنى أخر التصور في الجملة فلا يلزم في ذلك تصوره بالكنه وبجميع الاجزاء والشرائط وما ذكره من الرجوع إلى عرف المشترعة والشارع إنما يناسب تمايز المعاني بوجه ما لا من جميع الوجه بحيث يكون تصور الكنه شرطا في كونه مرادا من اللفظ فالتفصيل المذكور لا دخل له في إثبات ما هو بصدده وأما ثانيا فمنقول إذا بنينا بيان المهية بالرجوع إلى مصطلح المتشرعة أو الشارع فنقول هيهنا مقامان من الكلام الاول بيان تلك المهية المخترعة وتميزها من بين ما هي منه صنفه من المخترعات مثل أن يقال المعنى المخترع الذي نقل الشارع إسم الصلاة إليه هل هو ذات الركوع والسجود أو المشروط بالقبلة والقيام فنرجع إلى عرف المتشرعة ونثبت به مراد الشارع والثاني أن بعد بيان أن المراد أيهما قد يقع الاشكال في كون بعض ما يحتمل كونه فردا للموضوع له فردا له مثل إنا نعلم أن ذات الركوع والسجود هو معنى الصلاة لكن نشك في أن الصلاة المذكورة إذا كانت بحيث وقع في بينها فعل كثير غاية الكثرة هل هو فرد حقيقي لها أم لا نظير ما تقدم في ماء السيل في مسألة عدم صحة السلب والذي يناسب ما نحن فيه هو المقام الثاني


[ 59 ]

لا المقام الاول فذكر تبادر ذات الركوع والسجود وصلاة الميت لا يناسب المقام وأما ثالثا فنقول لا يتفاوت الحال بتعدد القولين في ألفاظ العبادات إذ حقيقة المتشرعة تابعة لما هي عليها عند الشارع فإن كانت عند الشارع هي الصحيحة فكذلك عند المتشرعة وإن كانت الاعم فكذلك عند المتشرعة وإختلاف عرف المتشرعة وعدم إنتظامها لا يوجب عدم الاعتداد بها وقد بينا سابقا أن الاختلاف اليسير غير مضر في الحقيقة عرفا وإن أضر بها عقلا والمعيار هو العرف خرج ما ثبت فساده بالدليل وبقي ما شك في فساده تحت الحقيقة العرفية لا يقال أن هذه التسمية شرعية وليست بعرفية حتى يجعل من الامور العرفية لانا نقول المسمى شرعية والتسمية ليست بشرعية فالتسمية مبنية على طريق العرف والعادة فإن الشارع أيضا من أهل العرف فالمسمى وإن كان من الامور التوقيفية المحدثة من الشارع لكن طريق التسمية هو الطريق العرفي فافهم وبالجملة لا فرق بين العبادات والمعاملات في ذلك ألا ترى أنهم إستشكلوا في المعنى العرفي للغسل فقيل يدخل فيه العصر في الثياب وقيل يدخل في ماهيته إخراج الماء منه وقيل يحصل بالماء المضاف وقيل يشترط المطلق وهكذا وبعضهم فرق بين صب الماء والغسل ونحو ذلك فكما يؤخذ في ألفاظ المعاملات بما هو المتداول عند عامة أهل العرف وأغلبهم فكذلك يؤخذ في ألفاظ العبادات ما هو المتداول عند المتشرعة سواء قلنا بأنها أسام للصحيحة أو الاعم فنقول مثلا المتبادر عند المتشرعة لو كان الصلاة المتلبسة بالركوع والسجود والقرائة والقيام والتشهد والسلام مع كونها مصاحبة للطهارة من الحدث و الخبث وحصل الشك في أن المهية هل تتم بهذا المجموع أم يجب فيه كون المصلي في مكان مباح أيضا فيمكن إجراء أصل العدم فيه نظير إشتراط الدلك في غسل غير الثياب والعصر فيها وكذا لو قلنا أن المتبادر من الصلاة هو ذات التكبير والقيام والفاتحة والركوع والسجود وشككنا في كون التشهد والسلام أيضا جزء لها أم لا وفي كون السورة أيضا جزء لها أم لا أو هل هو مشروط بشرط آخر أم لا نعم إذا علمنا مدخلية شئ آخر فيه ولم نعلمه بعينه فلا يمكن إجراء الاصل حينئذ ويجب إبراء الذمة بالاتيان بالمحتملات وهذا غير ما نحن فيه ثم أن الفرق بين الشك في الجزء والشرط أيضا قد عرفت أنه لا وجه له لما نبهناك عليه هنا وأشرنا إليه في المقدمة أيضا مع أن تحديد الشرط والجزء في غاية الاشكال ولعل نظر من فرق بينهما إلى أن الشرط خارج عن المهية والجزء داخل فيها وأنت خبير بأن الشرط أيضا قد يكون داخلا في المهية فإن قولنا الطمأنينة بمقدار الذكر شرط في صحة الركوع في قوة قولنا يجب الكون الطويل بالمقدار المعلوم في حال الركوع وكما يمكن أن يقال يجب الطمأنينة في القيام بعد الركوع يمكن أن


[ 60 ]

يقال يجب المقدار الزايد عن تحقق طبيعة القيام بعد الركوع وهكذا تنبيه يمكن أن يستفاد مما ذكرنا في هذا المقام من باب التائيد والاشارة والاشعار كون مهية الصلاة مثلا هو التكبير والقيام والركوع والسجود ويكفي في تحقق كل ذلك مجرد حصول المهية وأما الزايد على الماهية وغيرها من الواجبات فشروط وزوايد ولعله إلى ذلك ينظر إصطلاح العلماء في الاركان وجعل الركن في كل من المذكورات المسمى وإن بإنتفاء كل منها ينتفي المركب وجعل لباقي الواجبات أحكام أخر فليتأمل تذنيبان الاول قد ذكرنا تقديم عرف الشارع على غيره وهو فيما خص به مما حصل فيه الحقيقة الشرعية واضح لان تعيينه ووضعه لهذا المعنى الذي أحدثه إنما هو لاجل تفهيم المكلفين المخاطبين فإذا خاطبهم به فلا بد أن يحمل على إرادة هذا المعنى وأما فيما لم يخص به بل كان عرفا لاهل زمانه فكذلك أيضا كالدينار وقد يقع الاشكال فيما لو إختلف عرفه الخاص الذي لا يختص به بل يوافقه طائفة من قومه مع عرف طائفة أخرى منهم كلفظ الرطل الذي إختلف فيه أهل المدينة والعراق فإذا خاطب الامام عليه السلام مع كونه من أهل المدينة مع من كان من أهل العراق فهل يقدم عرف الراوي أو المروي عنه فيه إشكال والحق الرجوع إلى القرائن الخارجية ومع عدمها التوقف الثاني إذا أطلق الشارع لفظا على شئ مجازا مثل قوله صلى الله عليه وآله الطواف بالبيت صلاة وتارك الصلاة كافر وكذا تارك الحج ونحو ذلك فالظاهر أن المراد منه المشاركة في الحكم الشرعي وفيه وجوه القول بالاجمال لعدم ما يدل على التعيين والقول بالعموم للظهور ولئلا يلغو كلام الحكيم والقول بتساويهما في الاحكام الشائعة لو كان للمشبه به حكم شايع وإلا فالعموم والاوجه الوجه الاخير والظاهر أنه إذا قال فلان بمنزلة فلان أيضا كذلك بل هو أظهر في العموم لصحة الاستثناء مطلقا قانون إختلفوا في جواز إرادة أكثر من معنى من معاني المشترك في إطلاق واحد على أقوال وتحقيق الحق في ذلك يتوقف على بيان مقدمات الاولى أن المشترك حقيقة في كل واحد من معانيه وقد عرفت أن الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له أي فيما عين الواضع اللفظ للدلالة عليه بنفسه في إصطلاح به التخاطب وقيد الاستعمال مبني على إعتبار الاستعمال في الحقيقة والقيد الثاني لاخراج المجاز فإن دلالته على المعنى ليس بنفسه بل انما هو من جهة القرينة واما المشترك فانه وان كان قد عين في كل وضع للدلالة على المعنى بنفسه لكن الاجمال وعدم الدلالة إنما نشاء من جهة تعدد الوضع فالقرينة في المشترك إنما هي لاجل تعيين أحد المعاني المدلول عليه إجمالا لا لنفس الدلالة فإن الدلالة حين الاطلاق حاصلة إجمالا لكنها غير معينة حتى تنصب القرينة


[ 63 ]

بخلاف المجاز فإنا إذا علمنا من قرينة أن المعنى الحقيقي غير مراد فنتوقف في المعنى المراد حتى يعين بقرينة أخرى ولا يتحقق لنا من نفسه شئ لا إجمالا ولا تفصيلا وهذا معنى ما يقال أن المجاز يحتاج إلى قرينتين صارفة ومعينة بخلاف المشترك وقد يكتفى بقرينة واحدة إذا إجتمع فيه الحيثيتان لا أقول أن مدلول المشترك عند الاطلاق واحد من المعنيين غير معين كما يتوهم من ظاهر كلام الكساكي بل مدلوله واحد معين عند المتكلم غير معين عند المخاطب لطريان الاجمال بسبب تعدد الوضع وأما القيد الاخير فهو لاخراج الاستعمال فيما وضعت له في إصطلاح آخر فإستعمال الفعل في مطلق الحدث في إصطلاح النحوي ليس حقيقة وإن كان مستعملا فيما وضع له في الجملة وقد يستغنى عنه بإعتبار الحيثية كما أشرنا إليه في أول الكتاب الثانية أن اللفظ المفرد أعني ما ليس بتثنية وجمع إذا وضع لمعنى كلي أو جزئي حقيقي فمقتضى الحكمة في الوضع أن يكون المعنى مرادا في الدلالة عليه بذلك اللفظ منفردا توضيحه ان غرض الواضع من وضع الالفاظ هو التفهيم بنفسه فلو كان في دلالة اللفظ الموضوع بإزاء معنى كلي أو جزئي مدخليته لشئ أخر أو كان للمعنى شريك أخر في إرادة الواضع بأن يريد دلالة اللفظ عليه أيضا لما كان ذلك المعنى هو تمام الموضوع له ولا بد من التنبيه عليه لا أقول أن الواضع يصرح بأني أضع ذلك اللفظ لهذا المعنى بشرط أن لا يراد معه شئ آخر وبشرط الوحدة ولا يجب أن ينوي ذلك حين الوضع أيضا بل أقول إنما صدر الوضع من الواضع مع الانفراد وفي حال الانفراد لا بشرط الانفراد حتى تكون الوحدة جزء للموضوع له كما ذكره بعضهم فيكون المعنى الحقيقي للمفرد هو المعنى في حال الوحدة لا المعنى والوحدة فلا يتم ما يفهم من بعض المحققين أيضا من أن الموضوع له هو المعنى لا بشرط الوحدة ولا عدمها فقد يستعمل في الواحد وقد يستعمل في الاكثر والموضوع له هو ذات المعنى في الصورتين فإن الموجود الخارجي الذي هو الموضوع له مثلا هو جزئي حقيقي وإن كان قد يكون الموضوع له كليا بالنسبة إلى أفراده وإعتبار الكلية والجزئية الجعليتين والحاصلتين من ملاحظة إنضمامه مع الغير وعدمه إنما هو بإعتبار المعتبر ومع عدم الاعتبار فالمتبع هو ما حصل العلم بكونه موضوعا له وهو ليس إلا المعنى في حال الانفراد لا بشرط الانفراد ولا لا بشرط الانفراد فإن شئت توضيح ذلك فاختبر نفسك في تسميتك ولدك هل تجد من نفسك الرخصة بأن تقول أني وضعت هذا الاسم له بشرط أن يراد الوحدة أو لا بشرط الوحدة ولا عدمها فهذا الاطلاق والتقييد إنما هو بإعتبار الوضع لا الموضوع له والمفروض عدم ثبوت ذلك الاعتبار من الواضع والاصل عدم والحاصل أن المعنى الحقيقي توقيفي لا يجوز التعدي فيه عما علم وضع الواضع له وفيما نحن فيه لا نعلم كون غير المعنى الواحد


[ 64 ]

موضوعا له اللفظ فلا رخصة لنا في إستعمال اللفظ بعنوان الحقيقة إلا في المعنى حالة الوحدة لا بشرط الوحدة الثالثة المجاز مثل الحقيقة في أنه لا يجوز التعدي عما حصل الرخصة من العرب في نوعه فإن الحقيقة كما أنها موضوعة بوضع شخصي فالمجاز موضوع بوضع نوعي ولا بد من ملاحظة الوضع النوعي أيضا وإن الرخصة في أي نوع حصل والحاصل أنه لا يجب الرخصة من العرب في كل واحد من الاستعمالات الجزئية إذا حصل الرخصة في كليها وهذه الرخصة ليست بنص من العرب وتصريح منه بل يحصل لنا من إستقراء إستعمالاته الجزئية العلم بتجويزه لهذا النوع من الاستعمالات في ضمن أي فرد من أفراد ذلك النوع وقد ذهب المحققون من علماء الادب إلى عدم وجوب الرخصة في الجزئيات إذا عرفت هذا فاعلم أنه قد يوجد تلك الاستعمالات في جزئيات صنف من أصناف نوع من العلاقات المعتبرة في المجاز أو نوع من انواع جنس منها ولم يوجد في صنف آخر من ذلك النوع ولا نوع آخر من ذلك الجنس فالذي نجد الرخصة من أنفسنا هو الحكم بتجويز فيما لم نطلع عليه من سائر جزئيات ذلك الصنف المستعمل في بعضها بسبب إستقراء ما وجد فيه الاستعمال لا في جزئيات الصنف الاخر وهكذا الكلام في النوع من الجنس مثلا إذا رأينا العرب يستعمل اللفظ الموضوع للجزء في الكل لكنا وجدنا ذلك فيما كان للكل تركب حقيقي خارجي وكان الجزء مما له قوام في تحقق الكل كالرقبة في الانسان والعين في الربيئة فلا يجوز القياس بإستعمال سائر الاجزاء في المركبات الحقيقية وجميع الاجزاء في المركبات الاعتبارية وكذلك وجدنا أنهم يستعملون اللفظ الموضوع للكل في الجزء إذا كان المركب مركبا حقيقيا كالاصابع في الانامل في قوله تعالى يجعلون أصابعهم في آذانهم واليد في الاصابع إلى نصف الكف في آية السرقة وإلى المرفق في آية الوضوء وإلى الزند في آيه التيمم فلا يجوز القياس في غير المركبات الحقيقية وأيضا انا وجدنا العرب يستعمل الالفاظ الموضوعة للمعاني الحقيقية في المعاني المجازية مع القرينة الصارفة منفردا منفردا أعني لا يريد في الاستعمال الواحد إلا معنى مجازيا واحدا وبالجملة المجازات المستعملة وحداني غالبا ولم يحصل لنا العلم بترخيصهم في إستعمال اللفظ في مجازين وعدم العلم بالرخصة كاف في عدم جواز الاستعمال فإن جواز الاستعمال مشروط بحصول العلم أو الظن بالرخصة الرابعة المتبادر من التثنية والجمع هو الفردان أو الافراد من ماهية واحدة لا الشيئان أو الاشياء المتفقات في الاسم فيكون حقيقة في ذلك فإن التبادر علاقة الحقيقة وعدم تبادر الغير من علائم المجاز فإن شئت اختبر نفسك في مثل رأيت مسلمين أو مسلمين فإنه يتبادر منه رجلان مسلمان أو رجال مسلمون لا الرجلان


[ 67 ]

المسميان بمسلم والرجال المسمون بمسلم فيعتبر في الاعلام المثنيات والمجموعات مفهوم كلي في مفردها مجازا مثل المسمى بمسلم أو المسمى بزيد مثلا ثم يثنى ويجمع ويؤيد ما ذكرنا ويؤكده أنه لو قلنا بكفاية مجرد إتفاق اللفظ في التثنية والجمع للزم الاشتراك في مثل عينين إذا جوزنا إستعماله حقيقة في الشمس والميزان أو البصر والينبوع فلا بد من التوقف فيلزم هيهنا قرينة أخرى لان التثنية للنوعين لا للفردين من نوع والمجاز خير من الاشتراك فيتكثر الاحتياج إلى القرائن الخامسة المتبادر من النكرة المنفية المفيدة للعموم هو نفي أفراد ماهية واحدة وأيضا الاسم المنكر إذا اعتبر خاليا عن اللام والتنوين وعلامة التثنية والجمع حقيقة في الماهية لا بشرط شئ وإذا لحقه التنوين يراد به فرد من أفراد تلك الماهية غير معين وإذا لحقه الالف والنون أو الواو و النون مثلا يراد به فردان أو أفراد من تلك المهية وإذا لحقه الالف واللام فأما أن يشار بها إلى الفرد أولا فالثاني يراد به تعريف الجنس وتعيينه والاول فإما أن يراد به الاشارة إلى فرد غير معين فهو المعهود الذهني وهو في معنى النكرة أو إلى فرد معين فهو المعهود الخارجي أو إلى جميع الافراد فهو الاستغراق إذا عرفت هذا فاعلم أن دخول حرف النفي على النكرة لا تفيد إلا نفي أفراد تلك المهية و إذا ثبت أن اللفظ المشترك حقيقة في كل واحد من المعاني منفردا منفردا فلا شئ يوجب دخول معنى آخر من معانيه فيما دخله حرف النفي إذا تمهد لك هذه المقدمات فنقول إستعمال المشترك في أكثر من معنى يتصور على وجوه منها إستعماله في جميع المعاني من حيث المجموع ومنها إستعماله في كل واحد منها على البدل بأن يكون كل واحد منها مناطا للحكم والفرق بينهما الفرق بين الكل المجموعي والافرادي ومنها إستعماله في معنى مجازي عام يشمل جميع المعاني وقد يسمى ذلك بعموم الاشتراك والظاهر أنه لا إشكال كما أنه لا خلاف في جواز الاخير وأما الاول فالظاهر أنه لا إشكال في عدم الجواز اما حقيقة فظاهر وأما مجازا فلاشتراط إستعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل بكون الجزء مما ينتفي الكل بإنتفائه مع إشتراط كون الكل مما له تركب حقيقي كما مرت إليه الاشارة وهو منتف فيما نحن فيه وأما المعنى الثاني فهو محل النزاع فقيل فيه أقوال ثالثها الجواز في التثنية والجمع دون المفرد ورابعها الجواز في النفي دون الاثبات ثم إختلف المجوزون على أقوال ثالثها كونه مجازا في المفرد وحقيقة في التثنية والجمع والاظهر عندي عدم الجواز مطلقا أما في المفرد فعدم الجواز حقيقة لما عرفت في المقدمة الثانية من أن اللفظ المفرد موضوع للمعنى حال الانفراد والعدول عنه في إستعماله فيه في غير حال الانفراد ليس إستعمالا فيما وضع له حقيقة وأما عدم الجواز مجازا فلما عرفت في المقدمة الثالثة من عدم ثبوت


[ 68 ]

الرخصة في هذا النوع من الاستعمال فلو ثبت إرادة أكثر من معنى فلا بد من حمله على معنى مجازي عام يشمل جميع المعاني وأما ما ذكره بعضهم من أن العلاقة فيه هو أن اللفظ الموضوع للكل وهو كل واحد من المعاني مع الوحدة المعتبرة في الموضوع له قد استعمل في المعنى باسقاط قيد الوحدة وهو جزء الموضوع له فيظهر ما فيه مما ذكرنا في المقدمات مع أن ذلك يستلزم وجود سبعين مجازا في إستعمال واحد في مثل العين بالنسبة إلى سبعين حقيقة وهو اجنبي بالنسبة إلى موارد إستعمالات العرب وأما في التثنية والجمع حقيقة فلما عرفت في المقدمة الرابعة من أنهما حقيقتان في فردين أو أفراد من ماهية لا في الشيئين المتفقين في اللفظ والاشياء كذلك وللزوم الاشتراك وتكثر الاحتياج إلى القرائن لو كان كذلك والمجاز خير من الاشتراك واما مجازا فلعدم ثبوت الرخصة في هذا المجاز فإن الظاهر أن المجاز في التثنية والجمع إنما يرجع إلى ما لحقه علامتهما لا إلى العلامة والملحق به معا فإن الالف والنون ونحوهما لا يتفاوت فيهما الحال في حال من الاحوال فإن لفظ عينان أو عينين مثلا يراد به الشيئان سواء أردت منهما الفردين من عين أو شيئين مسميين بالعين إنما التفاوت في لفظ العين فيراد في أحد الاستعمالين منهما أعني الاستعمال الحقيقي الماهية المعينة الواحدة ويشار بالالف والنون ونحوهما إلى الفردين منها أو أكثر وفي الاستعمال الاخر لا يمكن إرادة كل واحد بأن يكون مجازا مرسلا من باب إستعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء فلا بد أن يراد منها المسمى بالعين ليكون كليا له أفراد فيشار بالالف والنون حينئذ إلى الفردين من المسمى بالعين أو أكثر وهذا واضح مما ذكرنا وهذا المجاز خارج عن المتنازع ويكون من قبيل عموم الاشتراك أللهم إلا أن يقال أن مدلول العلامات ليس مجرد الاشارة إلى الاثنينية أو التعدد بل الاثنينية الخاصة والتعدد الخاص أعني ما يراد بها إثنان من مهية أو أفراد منها فيكون التثنية والجمع مستبدا بوضع عليحدة فيمكن حينئذ القول بالتجوز في هذا اللفظ بأجمعه فيستعمل اللفظ الموضوع لافادة الفردين من ماهية أو الافراد من مهية في شيئين متفقين في الاسم لا لكونهما فردين من المسمى بهذا الاسم بل لكونهما مشابهين لفردين من مهية معينة وعلاقة المشابهة إشتراكهما في الاسم وصدق الاسم عليهما لفظا وإن لم يرتبطا معنى والحاصل تشبيه الاشتراك اللفظي بالمعنوي فيكون إستعارة إلا أن ذلك لا يثمر فايدة بعد تجويز إرادة الفردين من المسمى بالعين مجازا وذلك لان ثمرة النزاع في إستعمال اللفظ حقيقة ومجازا يحصل بذلك المجاز فإذا علم بالقرينة إرادة المعنى الحقيقي فيصح الحمل على هذا المجازي أعني عموم الاشتراك فثبوت المجاز الاخر الذي هو داخل في محل النزاع غير


[ 69 ]

معلوم وعدم الثبوت يكفي في ثبوت العدم غاية الامر جوازه وهو لا يفيد وقوعه فتأمل مع أن المجاز الاول أقرب وأشيع فهو أولى بالارادة لا يقال يمكن القول بوجود ثمرة ضعيفة حينئذ نظير الثمرة الحاصلة في الفرق بين قول المعتزلة والاشاعرة في الواجب التخييري لان مورد الحكم هنا الفردان على التقديرين لا الطبيعة كما لا يخفى على المتأمل فتأمل ولم أقف على من ذهب إلى المذهب إلذي ذكرته في مجازية التثنية والجمع من كونه من باب الاستعارة وأما في النفي فيظهر الكلام فيه مما مر وأنه حقيقة في نفي جميع أفراد مهية واحدة وإن التجوز فيه إنما يكون بإرادة فرد من أفراد المسمى بالعين مثلا فيكون خارجا عن المتنازع ويجري التكلف الذي ذكرته في التثنية والجمع من إعتبار الاستعارة ثم أن بعض من جوز إستعمال المشترك في أكثر من معنى حقيقة أفرط في القول حتى قال أنه ظاهر في الجميع عند التجرد عن القرائن فلا إجمال عنده في المشترك عند التجرد عن القرينة واستدل على ذلك بقوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي وأن الله يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس فإن الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار والسجود من الناس وضع الجبهة على الارض ومن غيرهم على نهج أخر و أجيب عن ذلك بوجوه الاول منع ثبوت الحقيقة الشرعية فالمراد هو المعنى اللغوي أعني غاية الخضوع أو جعل ذلك من باب عموم الاشتراك لو سلم ثبوت الحقيقة الشرعية فيراد منه غاية الخضوع ومن الصلاة الاعتناء بإظهار الشرف والمراد من غاية الخضوع ما يعم الخضوع التكليفي والتكويني ولهذا لم يذكر في الاية جميع الناس مع ثبوت الخضوع التكويني في الكل الثاني أن ذلك مجاز لا حقيقة وهذا الجواب لا يتم على ما اخترناه الثالث أنه على فرض تسليم كون ذلك حقيقة أيضا لا يتم الاستدلال بهما على ظهورهما في إرادة الجميع عند التجرد عن القرائن إذ القرينة على إرادة الجميع هيهنا موجودة وأما حجج سائر المذاهب فيظهر بطلانها من ملاحظة ما ذكرنا واحتج من جوز الاستعمال حقيقة مطلقا بأن الموضوع له هو كل واحد من المعاني لا بشرط الوحدة ولا عدمها وهو متحقق في حال إرادة الواحد والاكثر والجواب عنه أن الموضوع له هو كل واحد من المعاني في حال الانفراد كما مر في المقدمات واحتج من جوز في المفرد مجازا وفي التثنية والجمع حقيقة أما على الجواز في المفرد فبأن المانع منتف لضعف ما تمسك به المائع كما سيجئ واما على كونه مجازا فيتبادر الوحدة منه عند الاطلاق فيكون الوحدة جزء للموضوع له فإذا استعمل فيه عاريا عن الوحدة فيكون مجازا لانه إستعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء وأما على كونه حقيقة في التثنية والجمع فبأنهما في قوة تكرار المفرد ولا


[ 70 ]

يشترط فيهما الاتفاق في المعنى بل يكفي الاتفاق في اللفظ كما يقال زيدان وزيدون وفيه أن المانع ليس منحصرا فيما تمسك به المانع بل المانع هو ان اللغات توقيفية والوضع لم يثبت في المفرد إلا في حال إنفراد المعنى في الارادة كما حققنا سابقا وأما مجازيته فيتوقف على حصول الرخصة في نوع هذا المجاز كما أشرنا وإن كان ولابد فالاولى أن يقال العلاقة هو إستعمال اللفظ الموضوع للخاص في العام كما لا يخفى وأما كونه حقيقة في التثنية والجمع ففيه أن المتبادر منهما هو الاتفاق في المعنى كما بينا سابقا وحجة من خص المنع بالمفرد دون التثنية والجمع أن التثنية والجمع متعددان في التقدير فيجوز تعدد مدلوليهما بخلاف المفرد والمدعى في المفرد حق والجواب عن التثنية والجمع يظهر مما مر إلا أن يراد به ما ذكرنا من الاستعارة وحجة من خص الجواز بالنفي أن النفي يفيد العموم فيتعدد بخلاف الاثبات ومدعاه في المثبت حق وجوابه عن التجويز في النفي أنه إنما يفيد عموم النفي في أفراد المهية المثبتة لا في المشتركات في الاسم كما حققناه الا أن يراد الاستعارة كما أشرنا واحتج المانع مطلقا بأنه لو جاز الاستعمال في المعنيين لكان ذلك بطريق الحقيقة إذ المراد بالمعنى هو المعنى الحقيقي فيلزم التناقض إذ يكون حينئذ له ثلاثة معان هذا وحده وهذا وحده وهما معا وإرادتهما معا مستلزم لعدم إرادة هذا وحده وهذا وحده وبالعكس والمفروض إستعماله في المعاني الثلاثة وأجيب عنه بأن المراد ليس إرادة المعاني مع بقائه لكل واحد منها منفردا بل نفس المدلولين مع قطع النظر عن الانفراد فيرجع النزاع إلى أن ذلك ليس إستعمالا في المعنيين وهذا مناقشة لفظية والاولى في الاستدلال على المنع ما ذكرنا قانون إختلفوا في جواز إستعمال اللفظ في المعنى الحقيقي و المجازي على نهج إستعمال المشترك في أكثر من معنى بأن يكون كل واحد منهما محلا للحكم وموردا للنفي والاثبات فمنهم من منع مطلقا ومنهم من جوز مجازا ومنهم من جعله حقيقة ومجازا بالنسبة إلى المعنيين والاقوى المنع مطلقا لما عرفت في مقدمات المسألة السابقة من أن وضع الحقايق و المجازات وحدانية نظرا إلى التوظيف والتوقيف فمع القرينة المانعة عن إرادة ما وضعت له و إرادة معنى مجازي لا يمكن إرادة ما وضعت له كما ذكرنا بل ولا غيره من المعاني المجازية الاخر ويتم بذلك عدم جواز إرادة المعنيين من اللفظ وقد يستدل على ذلك بأن المجاز ملزوم للقرينة المعاندة للمعنى الحقيقي وملزوم معاند الشئ معاند له ومناط هذا الاستدلال عدم جواز إجتماع الارادتين عقلا كما أن مناط ما ذكرنا عدم الرخصة من الواضع وقد اعترض على هذا الاستدلال بأن غاية ما ثبت كون المجاز ملزوما لقرينة مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي منفردا وأما عن إرادة المعنى


[ 71 ]

الحقيقي مطلقا فلا يعني أن يرمي في قولنا رأيت أسدا يرمي يدل على أن المراد من الاسد ليس الحيوان المفترس فقط وأما هو مع الرجل الشجاع فلا وأيضا فقد يستعمل اللفظ الموضوع للجزء في الكل مثل الرقبة في الانسان ولاريب في ثبوت إرادة المعنى الحقيقي مع المجازي وكما يمكن دفع ذلك بأن مرادنا من القرينة المانعة عن إرادة المعنى الحقيقي هي المانعة عن إرادته بالذات لا مطلقا فكذا يمكن أن يقال بأن مرادنا منها المانعة عن إرادته منفردا فمن أين يحكم بأن المراد هو الاول لا الثاني فكما لا يجب كونها مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي في ضمن المجازي كذا لا يجب كونها مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي مع المجازي بحيث يكون كل منهما موردا للنفي والاثبات أقول ويمكن الجواب عن الاول بأن ذلك مبني على كون اللفظ موضوعا للمعنى لا بشرط الانفراد ولا عدمه حتى يصح القول بكون اللفظ مستعملا حينئذ في المعنى الحقيقي والمجازي وقد عرفت في الاصل السابق بطلانه ولكن يدفعه أن ذلك مناقشة لفظية فإن مأله يرجع على عدم تسمية ذلك إستعمالا في المعنى الحقيقي والمجازي مع بقاء المعنى الحقيقي على حقيقته وإلا فلا ريب أنه يصدق عليه أنه إستعمال في المفهومين كما مر نظير ذلك في جواب حجة المانع مطلقا في المبحث السابق فالاولى في الاستدلال هو ما ذكرنا وأما الجواب عن الثاني فبان إرادة الجزء في المركب كإرادة الرقبة من الانسان إذا استعملت واريد منها الانسان غير معلوم لا مجتمعا مع الكل ولا بالذات بل عدمه معلوم غاية الامر إنفهامها بالتبع لا بمعنى القصد إليها بدلالة الالتزام أو إنفهامها من اللفظ عرفا كما في دلالة التنبيه بل بمعنى كونه لازم المراد فيكون من باب دلالة الاشارة الغير المقصودة من اللفظ كدلالة الايتين على أقل الحمل وهذه الدلالة متروكة في نظر أرباب الفن وأيضا المراد من الاستعمال في الشئ هو الاستعمال قصدا لا الاستعمال فيما يستتبعه ويستلزمه تبعا كما لا يخفى وقد يعترض أيضا بأن النزاع المفيد في هذا المقام هو أنه هل يجوز إستعمال اللفظ في الموضوع له وغيره أم لا وليس يلزم في كل ما استعمل في غير الموضوع له أن يكون له قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له غاية الامر أن يسمى ذلك إستعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والكنائي لا الحقيقي و المجازي فإن الكناية أيضا إستعمال اللفظ في غير الموضوع له مع جواز إرادة ما وضع له فلم يثبت عدم جواز الاستعمال بإلتزام القرينة المعاندة للحقيقة لعدم ضرورة الالتزام والجواب عن ذلك اما أولا فبما قيل أنه إنما يتم لو قلنا أن الكناية هي إرادة المعنى الغير الموضوع له من اللفظ مع جواز إرادة الموضوع له فيتم حينئذ جواز إرادة المعنيين من اللفظ بلا إحتياج إلى القرينة المانعة وأما إن قلنا بأنها إرادة المعنى الحقيقي لينتقل منه إلى المعنى المجازي فلا إذ لا ينفك حينئذ إستعمال اللفظ في غير ما وضع له


[ 72 ]

عن القرينة المانعة عن إرادة ما وضع له فلا يصح فرض المعترض إذ اللفظ لم يستعمل حينئذ في المعنى الموضوع له والغير الموضوع له معا وصرح بأن لهم في تعريف الكناية طريقين للمحقق التفتازاني في شرح المفتاح وأما ثانيا فبأنا نجعل البحث فيما يتناقضان وقامت القرينة المانعة فلا يمكن جعله من باب الكناية ويدفعه أنه إن أريد بقيام القرينة المانعة قيام ما يمنع عن إرادة المعنى الحقيقي منفردا ومجتمعا مع المعنى المجازي فهو خارج عن محل النزاع فإن النزاع في هذه المسألة مثل المسألة السابقة فيما يمكن إرادة المعنيين بالذات لا فيما لا يمكن أصلا وإن أريد كونها مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي منفردا فهو لا ينافي كونه من باب الكناية فتأمل وقد يعترض أيضا بأن القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة في المجاز إنما تمنع عن إرادتها بتلك الارادة بدلا عن المعنى المجازي واما بالنظر إلى إرادة آخرى منضمة إليها فلا إذ المراد من إرادة المعنى الحقيقي والمجازي من اللفظ معا هو كون كل واحد منهما مرادا بإرادة عليحدة بالاعتبارين وهذا الاعتراض مستفاد من كلام سلطان العلماء رحمه الله وفيه أن دخول المجاز في الارادة حينئذ إنما هو من باب دخول الخاص في العام الاصولي على ما صرح هو رحمه الله به في حواشي المعالم وقال أنه هو المراد في المشترك أيضا ولا يخفى أن إرادة كل واحد من الافراد في ضمن العام ليس بإرادة ممتازة عن غيره بل المراد كل واحد منها بعنوان الكل الافرادي وليس هنا إرادتان متضامتان فيعود المحذور من لزوم إجتماع المتنافيين نعم له وجه إن أريد من البدلية إرادة هذا وهذا لا كل واحد كما هو التحقيق مع أن من الظاهر أن الاستعمال لا تعدد فيه وظاهر كلمات علماء البيان أن المجاز يستلزم قرينة معاندة لاستعمال اللفظ في المعنى الحقيقي فالاستعمال واحد وإنما هو لاجل الدلالة على المعنى والارادة تابعة له واحتج من قال بالجواز بعدم تنافي إرادة الحقيقة والمجاز معا فإذا لم يكن هناك منافاة فلم يمتنع إجتماع الارادتين عند المتكلم ويظهر جوابه مما تقدم ولعله نظر إلى إرادة وقد عرفت بطلانه وزاد من قال مع ذلك بكونه حقيقة ومجازا بأن اللفظ مستعمل في كل واحد من المعنيين فلكل واحد من الاستعمالين حكمه وفيه مع ما عرفت أن الاستعمال لا تعدد فيه مع أنه لو صح فإنما يتم على القول بكون اللفظ موضوعا للمعنى لا بشرط وقد عرفت بطلانه واحتج من قال بكونه مجازا بأن ذلك يستلزم سقوط قيد الوحدة المعتبرة في الموضوع له فيكون مجازا يعني أن المعنى الموضوع له هو المعنى الحقيقي وحده فإذا أريد كل واحد من المعنيين من اللفظ على سبيل الكل الافرادي كما هو محل النزاع فيستلزم ذلك إسقاط قيد الوحدة فيكون مجازا إلا أنه يراد به معنى ثالث يشمل المعنيين حتى يكون من باب عموم المجاز الذي لا نزاع فيه والجواب عن ذلك بعد بطلان


[ 75 ]

أصل الجواز واضح وأما ما فصل بأن المراد في محل النزاع من المعنى المستعمل فيه إن كان هو المعنى الحقيقي حتى مع قيد الوحدة فالمانع مستظهر لان المجاز معاند للحقيقة حينئذ من وجهين من جهة القرينة المانعة ومن جهة إعتبار الوحدة وإن أرادوا مطلق المدلول من دون إعتبار الانفراد إتجه الجواز لان المعنى الحقيقي حينئذ يصير مجازا بإسقاط قيد الوحدة فالقرينة اللازمة للمجاز لا تعانده ففيه مع أن ذلك يستلزم عدم الفرق بين الكناية والمجاز حينئذ لان المفروض أن المجازية إنما حصلت بإسقاط قيد الوحدة ومع إسقاطه صحت إرادته مع المعنى المجازي إن القرينة كما أنها مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي لا بد أن تكون مانعة عن إرادة المعنى المجازي الاخر أيضا وإلا لم يتعين المراد إلا أن يقال أن القرينة مانعة عن المجازات الاخر إلا أن يقوم قرينة على إرادة بعضها كما فيما نحن فيه فإن المفروض وجوب إقامة قرينة أخرى على إرادة المعنيين معا كما في المشترك أيضا وإلا فكيف يعلم إرادة المعنيين من اللفظ وما ما عرفت من كون أوضاع الحقائق والمجازات وحدانية فالامر اوضح قانون المشتق كإسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة حقيقة فيما تلبس بالمبدء دون ما وجد المبدء فيه في حال التكلم فقط كما توهمه بعضهم حتى يكون قولنا زيد كان قائما فقعد أو سيصير قائما مجازا والظاهر أن هذا (وفاقي) ؟ كما إدعاه جماعة ومجاز فيما لم يتلبس بعد سواء أريد بذلك إطلاقه على من يتلبس بالمبدء في المستقبل بأن يكون الزمان مأخوذا في مفهومه أو إطلاقه عليه بعلاقة أوله إليه والظاهر أن ذلك أيضا إتفاقي كما صرح به جماعة وقد يتوهم أن إطلاق النحاة مثلا على مثل الضارب في قولنا زيد ضارب غدا ينافي دعوى الاجماع وهو باطل لما حققنا سابقا من أن الاستعمال أعم من الحقيقة و فيما إنقضى عنه المبدء أعني إطلاق اللفظ المشتق وإرادة ما حصل له المبدء في الماضي من الازمنة بالنسبة إلى زمان حصول النسبة في المشتق إلى من قام به خلاف وقد يعبر بإرادة ما حصل له المبدء وانقضى قبل زمان النطق فيعتبر المضي بالنسبة إلى زمان النطق وما ذكرناه أحسن ويظهر الثمرة في مثل قولنا كان زيد قائما فقعد فعلى ما ذكرنا حقيقة وعلى ما ذكره هذا القائل يكون محلا للخلاف نعم إذا قلنا كان زيد قائما امس باعتبار كونه قائما قبل الامس فيصير محلا للخلاف على ما ذكرنا ايضا ومن هذا يظهر جواز إجراء هذين التعبيرين فيما لم يتلبس بعد بالمبدء أيضا فتأمل وهناك تعبيران آخران أحدهما إستعمال المشتق في المنقضي عنه المبدء بعلاقة ما كان عليه وثانيهما إستعماله فيما حصل له المبدء في الجملة أي ما خرج من العدم إلى الوجود من دون إعتبار القدم والحدوث والبقاء والزوال والظاهر أن المعنى الاخير أيضا مما وقع فيه النزاع كما سيظهر بعد ذلك وأما المعنى الاول فالظاهر عدم الخلاف


[ 76 ]

في كونه مجازا والمشهور بينهم في محل الخلاف قولان المجاز مطلقا وهو مذهب أكثر الاشاعرة والحقيقة مطلقا وهو المشهور من الشيعة والمعتزلة وهناك أقوال أخر منتشرة والظاهر أنها محدثة من إلجاء كل واحد من الطرفين في مقام العجز عن رد شبهة خصمه ففصل جماعة وفرقوا بين ما كان المبدء من المصادر السيالة كالتكلم والاخبار وغيره فاشترطوا البقاء في الاول دون غيره وأخرى ففرقوا بين ما لو كان المبدء حدوثيا أو ثبوتيا فاشترطوا البقاء في الاول دون الثاني وأخرى ففرقوا بين ما طرء الضد الوجودي على المحل سواء ناقض الضد الاول كالحركة والسكون أو ضاده وغيره فاشترطوا البقاء في الاول دون الثاني وفصل بعضهم بين ما كان المشتق محكوما عليه أو به فاشترط في الثاني دون الاول والاقوى كونه مجازا مطلقا لنا وجوه الاول تبادر الغير منه وهو المتلبس بالمبدء وهو علامة المجاز والثاني أنه لا ريب في كونه حقيقة في حال التلبس فلو كان حقيقة فيما إنقضى عنه أيضا للزم الاشتراك والمجاز خير منه كما مر مرارا وما يقال من أن المشتق إنما يستعمل في المعنى الاخير من الثلاثة المتقدمة وهو أعم من الماضي والحال وإستعمال العام في الخاص حقيقة إذا لم يرد منه الخاص من حيث الخصوصية فلا مجاز ولا إشتراك ففيه أنه مناف لكلمات أكثرهم وكثير منهم إدعى الاجماع على كونه حقيقة في الحال ولو كان حقيقة في ذلك المعنى العام أيضا للزم الاشتراك أيضا ومما ينادي ببطلان ذلك أن المستدلين بكونه حقيقة فيما إنقضى عنه المبدء يستدلون بإستعمال النحاة فإنهم يستعملونه في الماضي وفي الحال وفي المستقبل (الاستقبال) ولا يريدون به المعنى الاعم جزما الثالث أنه إذا كان جسم أبيض صار أسودا فينعدم عنه حينئذ مفهوم الابيض جزما وإلا للزم إجتماع المتضادين فإطلاق لفظ الابيض حين إنعدام مفهومه إطلاق على غير ما وضع له ويرد على أنه إنما يسلم لو لم يكن مراد من لا يشترط بقاء المبدء هو المعنى العام وإلا فلا منافاة حينئذ ولا يلزم إجتماع الضدين الرابع إنا لا نفهم من لفظ المشتق إلا الذات المبهمة والحدث والنسبة ولكن يتبادر منه حصول المبدء في زمان صدق النسبة الحكمية ولا يذهب عليك أن هذا الزمان ليس بأحد من الازمنة المعهودة بل هو أعم من الجميع فلسنا ندعي دلالته على زمان كيف وقد أجمع أهل العربية على أن الدال على الزمان إنما هو الفعل ألا تريهم أنهم يقيدون حد الفعل بأنه ما يقترن بأحد الازمنة الثلاثة ليخرج إسم الفاعل وما في معناه ولا منافاة بين ذلك وبين ما يقولون إن إسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال يعمل عمل النصب وبمعنى الماضي لا يعمل فإن مرادهم بالاقتران بأحد الازمنة في حد الفعل إنما هو بسبب الوضع ومرادهم في إسم الفاعل إنما هو بالقرينة فيكون مجازا وقد يوجه بأن هذا هو مقتضى الوضع الثانوي


[ 77 ]

الحاصل بسبب كثرة الاستعمال وأما في الفعل فمبقتضى الوضع الاول وهو بعيد فإن غاية ما يمكن أن يدعى فيه الوضع الثانوي والتبادر من جهته إنما هو الحال فتأمل فإن ذلك أيضا لا ينطبق على الزمان المعهود كما ذكرنا بل المتبادر هو التلبس والحاصل أن تحقق المبدء شرط في صحة الاطلاق حين النسبة كالجوامد بعينها فلا يقال للهواء المنقلب عن الماء هو ماء حقيقة ومرادنا من هذه النسبة أعم من الخبرية الصريحة أو اللازمة للنسبة التقييدية فإن قولنا رأيت ماء صافيا يتضمن النسبة الخبرية ويستلزم الاخبار عن الماء بالصفاء فيلاحظ حال هذه النسبة ويعتبر الاتصاف بالمبدء حين تحقق هذه النسبة وذلك فيما نحن فيه في الزمان الماضي فهو حقيقة وإن صار في زمان التكلم كدرا وقد يكون كذلك في الحال وقد يكون في الاستقبال كقولك سأشتري ماء صافيا وكذلك الحال في الجوامد كقولك إشتريت عبدا أو خمرا أو سأشتري خمرا فإنه حقيقة وإن كان ما سيشير به لم يصر حين التكلم خمرا حجة القائلين بكونه حقيقة أن المشتق قد استعمل في الازمنة الثلاثة والاصل في الاستعمال الحقيقة خرج الاستقبال بالاتفاق وبقي الباقي وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة كما بينا سابقا وقد إستدل بعضهم بعد الاستدلال بذلك بأن معنى المشتق من حصل له المشتق منه أي خرج من القوة إلى الفعل فيشمل الماضي حقيقة وفيه مع أنه ينافي الاستدلال الاول لان مفاده إرادة الخصوصية لا المعنى العام منع قد عرفته حجة مشترطي بقاء المبدء فيما لم يكن المبدء من المصادر السيالة إمتناعه فيها لانها تنقضي شيئا فشيئا فهو قبل حصول إجرائه غير متحقق وبعده منعدم والحق إعتبار العرف في ذلك لا ريب أن العرف يحكم على من يتكلم وهو مشتغل به ولو بحرف منه أنه متكلم ولا يضره السكوت القليل بمقدار التنفس أو ازيد بل بمقدار شرب الماء أيضا في بعض الاحيان وحجة من إشترط البقاء في الحدوثي دون الثبوتي أنه لو كان شرطا مطلقا للزم أن يكون إطلاق المؤمن على النائم مجازا إذ لا تصديق في حال النوم وأجيب عن ذلك بأن ما حصل للنفس من التصديق هو حاصل في الخزانة حال النوم وإن لم يكن حاصلا في المدركة حينئذ وحجة من خص الاشتراط بما طرء على المحل ضد وجودي أنه لو لم يكن كذا يلزم كون إطلاق النائم على اليقظان والحامض على الحلو بإعتبار النوم السابق والحموضة السابقة حقيقة وهو خلاف الاجماع وأيضا يلزم أن يكون أكابر الصحابة كفارا حقيقة وقد يجاب عن الثاني بأن ذلك إنما هو من جهة الشرع لا اللغة والحق المنع في الجميع لغة وعرفا أيضا وحجة من إشترط البقاء في المحكوم به دون المحكوم عليه هو أنه لو إشترط في المحكوم عليه أيضا للزم عدم جواز الاستدلال بمثل قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا والسارق والسارقة فاقطعوا ونحو ذلك بالنسبة إلى


[ 78 ]

من لم يكن زانيا أو سارقا حال الاطلاق بل المعتبر إتصافه في أحد الازمنة الثلاثة ووجه هذا الاستدلال إنهم يستدلون بهذه الايات وظاهرهم إرادة الحقيقة فيكون المشتق حينئذ حقيقة في كل واحد من الازمنة أقول ويلزم من ذلك أن ذلك القائل يقول بكون المشتق حقيقة في المستقبل أيضا وقد يوجه بأن مراده حينئذ أن المحكوم عليه حقيقة فيما تلبس بالمبدء في الجملة يعني المعنى العام السابق أو ما هو أعم منه ليشمل الاستقبال وكيف كان فهو باطل أما اولا فلان هذا الكلام مبني على أن المراد بالحال وأخويه في محل النزاع هو حال النطق وما قبله وما بعده وقد عرفت خلافه وأما ثانيا فلان المشتق كونه حقيقة في الحال مع الخصوصية مما لا خلاف فيه وإن كان محكوما عليه فلو جعلناه حقيقة في القدر المشترك أيضا للزم الاشتراك والمجاز أولى منه وكونه محكوما عليه قرينة للمجاز مع أن الاستدلال بها على من لم يتلبس بعد حين الاطلاق أو لم يوجد أيضا هو من قبيل الاستدلال بالخطابات الشفاهية فإن تلك الخطابات لا تثبت إلا أصل التكليف وأما خصوص تكليفنا فإنما يثبت بدليل خارج كالاجماع وغيره وأما على ما حققنا موضع النزاع من عدم مدخلية الزمان أصلا وعدم إعتبار حال النطق فلا إشكال إذ المراد أن المتلبس بالزنا أو السرقة مثلا حكمه كذا سواء كان تلبسه حال النطق أو قبله أو بعده ولا يضر ثبوت الحكم بعد حال الانقضاء وإن طال المدة لان إجراء الحكم ثابت حينئذ بالاستصحاب وغيره من الادلة تتميم ينبغي أن يعلم أن مبادئ المشتقات مختلفة فقد يكون المبدء حالا كالضارب والمضروب وقد تكون ملكة وقد يعتبر مع كونه ملكة كونه حرفة وصنعة مثل الخياط والنجار والبناء ونحوها وقد يكون لفظ يحتمل الحال والملكة والحرفة كالقارى والكاتب والمعلم والتلبس وعدم التلبس يتفاوت في كل منها فالذي يضر بالتلبس في الملكة هو زوالها بسبب حصول النسيان وفي الصناعة الاعراض الطويل بدون قصد الرجوع وأما الاعراض مع قصد الرجوع ولو كان يوما أو يومين بل وشهرا أو شهرين أيضا مع إرادة العود فغير مضر ويصدق على من لم ينس ومن أعرض وقصد العود في العرف أنه متلبس بالمبدء فيهما وإن طرء الضد الوجودي لاصل ذلك الفعل أيضا وأما في الاحوال فالتلبس فيها أيضا يختلف في العرف فأما في المصادر السيالة فيكفي الاشتغال بجزء من أجزائه وأما في غيرها كالسواد والبياض وغيرهما من الصفات الظاهرة والباطنة فالمعتبر بقاء نفس الصفات وقد إختلط على بعض المتأخرين واشتبه عليه الامر واحدث مذهبا في التفصيل فقال إن إطلاق المشتق بإعتبار الماضي حقيقة إن كان إتصاف الذات بالمبدء أكثريا بحيث يكون عدم الاتصاف بالمبدء مضمحلا في جنب الاتصاف ولم يكن الذات معرضا عن المبدء وراغبا عنه سواء كان


[ 81 ]

المشتق محكوما عليه أو به وسواء طرء الضد الوجودي أو لا لانهم يطلقون المشتقات على المعنى المذكور من دون نصب القرينة كالكاتب والخياط والقارى والمتعلم والمعلم ونحوها ولو كان المحل متصفا بالضد الوجودي كالنوم ونحوه والقول بأن الالفاظ المذكورة ونحوها كلها موضوعة لملكات هذه الافعال مما يأبى عنه الطبع السليم في أكثر الامثلة وغير موافق لمعنى مباديها على ما في كتب اللغة إنتهى وبعد ما حققنا لك لا يخفى عليك ما فيه إذا تحقق ذلك فنقول أن ما جعلوه ثمرة النزاع من مثل كراهة الجلوس تحت الشجرة المثمرة ينبغي التأمل في موضع الثمرة منها فإن المثمرة يجوز أن يكون المبدء فيها هو الملكة فإن للشجرة أيضا يتصور نظير ما يتصور للانسان وعلى هذا فلا يضر عدم وجود الثمرة بالتلبس بالمبدء فيها إلا أن يحصل للشجرة حالة لا يحصل معها الثمرة أصلا بالتجربة ونحوها شبيه النسيان للانسان ويجوز أن يكون هو الحال والحال أيضا يحتمل معنيين أحدهما صيرورته ذا ثمرة مثل اغد البعير والثاني المعنى المعهود الحالي فعليك بالتأمل والتفرقة في كل موضع يرد عليك الباب الاول في الاوامر والنواهي وفيه مقصدان الاول في الاوامر قانون الامر على ما ذكره أكثر الاصوليين هو طلب فعل بالقول إستعلاء والاولى إعتبار العلو مع ذلك كما اختاره جماعة و سنشير إليه في آخر المبحث والمراد بالعالي من كان له تفوق يوجب إطاعته عقلا أو شرعا وقيل هو الطلب من العالي وما قيل بإشتراكه مع ذلك بين الفعل والشأن وغير ذلك بعيد لعدم تبادرها و المجاز خير من الاشتراك والاستعمال أعم من الحقيقة وظني أن من يقول بأن الامر أعني المركب من أمر حقيقة في الوجوب هو ممن يقول بالقول الاول ولابد أن يقول به ليناسب تعريفه الاصطلاحي معناه العرفي إذ الاستعلاء ظاهر في الالزام إذ لا معنى لا ظهار العلو في المندوب وإدعائه كما لا يخفى و هو الاظهر عندي للتبادر وللآيات والاخبار مثل فليحذر الذين يخالفون إلخ وما منعك أن تسجد إذ أمرتك ولولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك وقوله صلى الله عليه وآله لبريرة بعد قولها أتأمرني يا رسول الله حيث طلب عليه السلام مراجعتها إلى زوجها لا بل إنما أنا شافع فكلما ثبت كونه أمرا وصدق عليه هذا المفهوم يستفاد منه الوجوب لان كون المشتقات من هذا المبدء حقيقة في الوجوب وكون المبدء أعم منه كما ترى فالوجوب مأخوذ في مفهوم الامر فالتعريف الاول مناسب لمعناه العرفي المتبادر منه ومن يقول بعدم إفادته الوجوب ولا يأخذ الوجوب في مفهوم الامر فهو إما ممن يقول بأن الامر هو الطلب من العالي لا من حيث أنه مستعمل وقد عرفت بطلانه أو يأخذ الاستعلاء في مفهوم الندب أيضا ويجعله أعم من الندب وستعرف بطلانه واحتج من قال بعدم إفادة لفظ الامر الوجوب بتقسيم


[ 82 ]

الامر إلى الواجب والندب وهو لا يستلزم كونه حقيقة فيهما إذ لو أريد أن الامر الحقيقي ينقسم فهو غير مسلم وإن أريد الاعم فلا ينفع مع أنه ينقسم إلى ما ليس بحقيقة فيه إتفاقا كالتسخير والتعجيز ونحوهما وكذلك الكلام في قولهم أن المندوب طاعة والطاعة فعل المأمور به فإن الطاعة إما فعل المأمور به الحقيقي أو فعل المندوب لا فعل المأمور به الحقيقي فقط وإن أريد الاعم من المأمور به الحقيقي فلا يجد بهم نفعا ولما كان العالي قد يطلب الشئ ولكن لا على سبيل الاستعلاء كالمندوب فإنه إرشاد وهداية ولا يلزم فيه إعتبار الاستعلاء فلا بد أن يميز بين أقسام طلبه بالتمييز بين الالفاظ التي يطلب بها حتى يعلم أيها أمر وأيها ندب وإرشاد وقد ظهر لك أن الطلب إذا كان بما يشتق من أصل الامر كقوله آمرك بكذا أو أنت مأمور بكذا ونحو ذلك يفيد الوجوب وهو أمر حقيقة وأما إذا كان الطلب من العالي بغير ما يشتق من لفظ الامر كالصيغ الموضوعة للطلب مثل إفعل وأخواته و رويد وأخواته فهو الذي جعله الاصوليون أصلا عليحدة ومحل نزاع برأسه فنزاعهم في دلالة هذه الالفاظ على الوجوب يتصور على صور إحديها أن العالي إذا طلب شيئا بهذا اللفظ يفهم منه الالزام والحتم الذي يستلزم مخالفته الذم والعقاب الذين هما لازم مخالفة السافل للعالي حين الالزام حتى يثبت خلافه فيكون حقيقة في ذلك أو مطلق الرجحان أو غير ذلك وثانيتها أن هذه الالفاظ مع قطع النظر عن القائل والقرينة هل تفيد الالزام والحتم أم لا مثل أن يسمع لفظ إفعل من قائل من وراء الجدار ولم يعرف حال المتكلم والمخاطب فهل يفهم منه الالزام ثم يعرف الذم واللوم على الترك وعدمهما بعد معرفة حالهما أم لا وثالثتها الصورة بحالها ولكنه هل يفهم منه الالزام من العالي المستحق تاركه اللوم والعقاب أو لا وبعبارة أخرى يفهم منها أن القائل بها شخص عال اوجب الفعل على المخاطب أم لا ومرجع الاولى إلى الثانية إذ الذي ظهر من الصيغة هو مجرد الحتم والالزام وحصول الذم والعقاب على الترك إنما هو من لوازم خصوص المقام وعلى هذا فيمكن إجراء النزاع في الصيغة إذا صدرت عن السافل والمساوي أيضا فإن طلبهما أيضا قد يكون على سبيل الحتم واللزوم وقد يكون غير فلك من المعاني وعلى هذا فما استدل به بعض القائلين بكونها حقيقة في الندب من أن الفرق بين الامر والسؤال ليس إلا تفاوت رتبة الطالب فالوجوب شئ زايد والسؤال إنما يدل على الندب فكذا الامر فجوابه التحقيقي بعد منع إختصاص الفرق بذلك لما عرفت ثم تسليمه هو أن النزاع إنما هو في الصيغة والقائل بكونها للوجوب يقول به في السؤال أيضا يعني به الحتم والالزام غاية الامر أن حصول الذم والعقاب ثمة يحصل بالترك بخصوص المقام دون ما نحن فيه والحاصل أن صيغة إفعل مع قطع النظر عن القرائن تفيد الوجوب اللغوي وبضميمة المقام يتم الوجوب الاصطلاحي هذا هو مراد


[ 83 ]

القائل بكونها حقيقة في الوجوب نعم يمكن الفرق بين الصورتين الاوليين بإمكان المناقشة في الصورة الاولى بأن الدلالة على الالزام لعلة يكون من جهة أنه صدر عن العالي فلا يتم القول بالدلالة على الالزام لغة في السؤال أيضا ولا يظهر من ذلك حال الصيغة إذا صدرت عن السائل إنها حقيقة فيه أو مجاز فاستدلالهم في دلالة الصيغة على الوجوب بذم العقلاء على الترك إذا قال السيد لعبده إفعل ولم يفعل كما سيجئ ليس على ما ينبغي أللهم إلا أن يجعل النزاع في خصوص الصيغة إذا صدرت عن العالي وهو لا يلائم الجواب المذكور عن دليل القائل بالندب أيضا وأما على الصورة الثالثة فلا يرد السؤال المتقدم أصلا ولا يتمشى الجواب المتقدم قطعا كما لا يخفى والفرق بين الصورتين هو ان حصول الذم والعقاب خارج عن مدلول اللفظ في الصورة الاولى وداخل فيه في الصورة الاخيرة فلا بد أن يكون إفعل مثلا حقيقة في كل من الامر والسؤال والالتماس إذا أراد كل منهم اللزوم والحتم على الصورة الاولى وحقيقة في الامر فقط على الصورة الاخيرة فيكون إستعماله في الالتماس والسؤال مجازا والذي يترجح في النظر القاصر هو الصورة الاخيرة وإن لم يساعدها تحرير محل النزاع في كلام كثير منهم واعلم أن ما ذكرناه من الصور الثلاث يجري في لفظ أم ر أيضا والكلام فيه الكلام في الصيغة بعينه ويظهر الثمرة في كون هذا اللفظ من الملتمس والسائل مجازا أو حقيقة أيضا وعليك بالتأمل فيما ذكرنا والتحفظ به فإن كلام القوم هيهنا مشوش فربما وقع الاشتباه بين المادة والصيغة وربما حصل الخلط وعدم التمييز بين الصور المتقدمة والله الهادي قانون إختلف الاصوليون في صيغة إفعل وما في معناه على أقوال المشهور بين الاصوليين أنه حقيقة في الوجوب لغة وذهب جماعة إلى أنها حقيقة في الندب وقيل بالاشتراك بينهما معنى وعلم الهدى رحمه الله بالاشتراك بينهما لفظا لغة وبكونها حقيقة في الوجوب في عرف الشارع وتوقف بعضهم في الوجوب والندب وقيل بالاشتراك بينهما والاباحة لفظا وقيل معنى وهيهنا مذاهب أخر ضعيفة والاقرب للاول للتبادر عرفا ويثبت في اللغة والشرع بضميمة أصالة عدم النقل لا يقال إنا لا نفهم من الصيغة غير طلب الفعل ولا يخطر ببالنا الترك فضلا عن المنع منه فإن معنى الوجوب غيره أمر بسيط إجمالي وهو الطلب الحتمي الخاص ولكنه ينحل عند العقل باجزاء كسائل المهيات المركبة كالانسان والفرس وغيرهما فهذا الطلب البسيط الاجمالي الخاص إذا تحلل عند العقل ينحل إلى طلب الفعل مع المنع من الترك فانظر إلى العرف ترى أن السيد إذا قال لعبده إفعل كذا فلم يفعل عد عاصيا وذمه العقلاء للترك وإن لم يكن هناك قرينة تدل على الوجوب وما يتوهم من منافاة ذلك لاستعمال الشارع إياها متعلقا بأمور كثيرة بعضها واجب وبعضها مندوب مثل قوله إغتسل للجمعة وللزيارة


[ 84 ]

وللجنابة ولمس الميت وغير ذلك مدفوع بأنه لا يتصور في ذلك قبح إلا لزوم تأخير البيان عن وقت الخطاب سيما فيما له ظاهر وقبحه ممنوع وكون ذلك في كل المواضع موضع الحاجة سيما موضع معرفة الوجه وإعتقاد ان هذا واجب وذلك مندوب أيضا غير ظاهر والحاصل أن الدليل قام على تعيين الحقيقة ولا مانع من إستعماله في المعنى المجازى وهو عموم المجاز بقرينة من خارج ولا يجب وجود القرينة في اللفظ وكذلك إستعمال الصيغة في المندوبات فقط بدون قرينة في اللفظ وقد استدل أيضا بآيات منها قوله تعالى فليحذر الذين إلخ هدد سبحانه مخالف الامر وحذره من العذاب وهو يفيد الوجوب وما ذكرنا هو مدلول السياق لا صيغة ليحذر ليستلزم الدور والمصدر المضاف يفيد العموم حيث لاعهد فلا يرد أن الامر لا عموم فيه والعموم الافرادي لا المجموعي ليرد النقض بترك مجموع المندوبات لكونه معصية و كل واحد منها على البدلية لا السالبة الكلية بمعنى لا يأتون بشئ من أوامره ليرتفع بالموجبة الجزئية فيلزم عدم العقاب على بعضها والاولى أن يقال المراد بالامر الطبيعة الكلية وهو مستلزم للعموم لوجودها في ضمن كل فرد وكيف كان فهذه الاية إنما على وجوب الامر الشرعي لا الوجوب لغة و أيضا لا تدل على دلالة الصيغة على الوجوب بل الامر وما قيل من أن الامر حقيقة في الصيغة المخصوصة و التهديد على مخالفة ما صدق عليه الامر من الصيغ ففيه ما لا يخفى إذ الامر إنما يسلم صدقه على الصيغة إذا كان الطلب بها على سبيل الاستعلاء المستلزم للوجوب وأما إذا أريد منها مجرد الندب أو الارشاد أو الاذن أو غيرذلك فلا يصدق عليه أنه والحاصل أن قولهم في تعريف الامر مطابقا لمعناه العرفي طلب بالقول على سبيل الاستعلاء أو طلب بالقول من العالي يعتبرون في ذلك حيثية العلو سيما في التعريف الاول وهو مستلزم للوجوب عرفا ولاريب أن صيغة إفعل الصادرة عن العالي ليس يعتبر فيها الاستعلاء في جميع موارد إستعمالها فكيف يقال بإستلزام دلالة الامر على الوجوب دلالة الصيغة المطلقة عليه حتى يجدي في المواضع الخالية عن القرينة التي هي محط نظر الاصولي وأيضا فعلى هذا فلا معنى للنزاع في دلالة صيغة افعل على الوجوب ويكفي في ثبوت ذلك إثبات دلالة لفظ الامر عليه وهو كما ترى خلاف ما اتفقت عليه كلمة الاصوليين والتحقيق أن لفظ الامر حقيقة في الطلب الاستعلائي على سبيل الوجوب وهو المتبادر منه عرفا وصيغة إفعل كثيرا ما تستعمل في غير هذا المعنى فكون الامر حقيقة في الوجوب لا يستلزم كون إفعل حقيقة فيه ولذلك افردوا البحث في كل منهما فما اخترناه من كون الصيغة للوجوب إنما هو للتبادر في الصيغة لا من أجل كونها مصداقا للامر وإن كنا نقول بكون الامر أيضا حقيقة في الوجوب لما دللنا عليه سابقا ومما ينادي بذلك قوله صلى الله عليه وآله لولا أن أشق على أمتي


[ 87 ]

لامرتهم بالسواك فإن طلبه عليه السلام للسواك بصيغة إفعل في غاية الكثرة وأما ما يقال أنه لا بد من تضمين الاعراض ونحوه ليكون متعلقا بكلمة المجاوزة فهذا لا يدل إلا على التهديد على المخالفة على سبيل الاعراض والتولي وهو يتم إذا كان الامر للندب أيضا ففيه أن ذلك ليس إلا من جهة صحة التركيب النحوي ولا يشترط في ذلك إعتبار التولي كما لا يخفى ومنها قوله تعالى وما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك فإن الاستفهام إنكاري لاستحالته على الله وهو يفيد التهديد والتهديد لا يجوز إلا على ترك الواجب وهذه الاية ايضا لا تدل إلا على دلالة الامر على الوجوب بل وخصوص أمر الشارع إلا أن يقال المراد به قوله تعالى اسجدوا قبل هذا وإن المتبادر من التعليل هو كون العلة مخالفة الامر من حيث أنه أمر لا من حيث هو أمره تعالى فتأمل وما يتوهم من أن التهديد لعله من جهة إكتناف الصيغة بقرينة حالية تدل على الوجوب لا من جهة دلالة نفس الصيغة يدفعه أصالة عدمه لا يقال إن هذا إنما يتم لو ثت إتحاد عرفنا مع عرف الملائكة لان حكاية أحوال كل أهل لسان لاخرين إنما تصح من الحكيم إذا تكلم بما يفيد المطلب من لسان الاخرين ويستعمل حقيقتهم في حقيقتهم ومجازهم في مجازهم وهو ظاهر وما يقال أيضا أن الاستفهام تقريري لاتمام الحجة فالغرض إقرار إبليس بإستكباره وإن المخالفة إنما كانت من جهة الاستكبار حيث قال أنا خير منه وهذا يتم إذا كان الامر للندب أيضا ففيه أن الاستكبار من إبليس لعنه الله ليس على الله بل على آدم عليه السلام فيرجع بالنسبة إلى الله إلى محض المخالفة التبعية الغير المقصودة بالذات المتولدة من المخالفة الحاصلة من الحمية والعصبية وهذه شئ ربما يعد من تبعها نفسه في عداد المقصرين فافهم و منها قوله تعالى وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ذمهم سبحانه على مخالفة الامر وإحتمال كون الذم على ترك الامر مشاقة تكذيبا خلاف الظاهر وقوله تعالى بعد ذلك ويل يومئذ إلخ لا يدل على ذلك لجواز ذمهم على الجهتين إن كانوا المكذبين وإختصاص الذم بهم والويل للمكذبين إن كانوا غيرهم وإحتمال ثبوت القرينة على الوجوب ينفيه الاصل واحتج من قال بكونها حقيقة في الندب بما مر في القانون السابق وبقوله صلى الله عليه وآله وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم فإن الرد إلى مشيتنا يفيد الندب وفيه أن الاستطاعة غير المشية بل لعل ذلك يفيد الوجوب مع أن بيان المعنى يشعر بعدم كونها حقيقة في الندب وإلا لما احتاج إلى البيان ولو سلم جميع ذلك فإنما يدل على أن أمر الشارع كذلك لا أن الامر في اللغة كذا و الكلام في عدم دلالته على حكم الصيغة نظير ما مر حجة القول بكونها حقيقة في الطلب مضافا إلى ما مر في أوائل القانون مع جوابه أن الحقيقة الواحدة خير من الاشتراك والمجاز لو قيل بوضعها لكل منهما عليحدة أو لاحدهما فقط وجوابه أن المصير إلى المجاز في الندب لدلالة الدليل الذي قدمناه وأنه


[ 88 ]

خير من الاشتراك بينه وبين الوجوب مع أن المجاز لازم على ما ذكروا أيضا إذا استعمل في كل من المعنيين بقيد الخصوصية مع أن لزوم المجاز حينئذ أكثر لان المجاز على المختار مختص بالندب إلا أن يقال بالتساوي من جهة الاستعمال في عموم المجاز على المختار أيضا وهو مجاز شايع لا شذوذ له كما توهمه صاحب المعالم حجة الاشتراك اللفظي بينهما لغة الاستعمال فيهما والاصل فيه الحقيقة وقد عرفت أن الاستعمال أعم منها ونحن قد دللنا على كونها حقيقة في الوجوب فقط وحجة الدلالة على الوجوب شرعا إحتجاج بعض الصحابة على بعض في المسائل بالاوامر المطلقة من غير نكير وإجماع الامامية على ذلك والاول مدفوع بأن الظاهر أن إستدلالاتهم من جهة دلالته لغة والاصل عدم طرو وضع جديد والاجماع لو سلم فلا ينفي كونها حقيقة فيه في اللغة أيضا وقد يستدل على ذلك ببعض الآيات والاخبار مثل قوله تعالى ومن يعص الله ورسوله فأن له نار جهنم فإن إمتثال الامر طاعة وترك الطاعة عصيان وفيه منع كلية الكبرى مع أنه لم تم ذلك لتم في الدلالة عليه لغة أيضا ولا إختصاص لذلك بالشرع إذ الواجب ليس إلا ما يعد تاركه عاصيا ومثل قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم مضافا إلى الآيات الدالة على مذمة من لم يطعهم مثل من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ومثل الاخبار الدالة على وجوب إطاعة الائمة عليهم السلام وإن إطاعتهم مفترضة وهي كثيرة وفيه أن الطاعة هو الانقياد للامر والاذعان بما يحكم إن واجبا فواجب وإن ندبا فندب والحاصل أنا لا نسلم دلالة هذه الايات والاخبار إلا على عدم جواز المخالفة وهولا يستلزم إيجاب جميع ما طلبوا بصيغة إفعل وما في معناها مع أن الظاهر أن المراد من الاخبار أنهم عليهم السلام أحق بالاتباع من الجبت و الطاغوت وأشياعهما كما قيل والاتباع أعم من المدعى كما لا يخفى حجة التوقف عدم ثبوت كونها حقيقة في شئ لان الطريق منحصر في النقل والآحاد منه لا يفيد العلم والمتواتر منه مفقود لان العادة تقضي بالاطلاع لمن يبحث ويجتهد وليس فليس والجواب منع إشتراط العلم أولا بل يكفي الظن ومنع الانحصار ثانيا لثبوته بما ذكرنا من الادلة ويظهر حجة الباقين بملاحظة ما ذكرنا وكذا جوابه تنبيه قال في المعالم يستفاد من تتبع تضاعيف أحاديثنا المروية عن الائمة عليهم السلام إن إستعمال صيغة الامر في الندب كان شايعا في عرفهم بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي إحتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند إنتفاء المرجح الخارجي فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الامر به عنهم وتبعه بعض من تأخر عنه كصاحب الذخيرة ويرد عليه أن هذا إنما يصح إذا ثبت إستعمالهم في الندب بلا قرينة حالية أو لفظية ونفهم إرادة الندب من دليل آخر ولم يثبت وأيضا قد عرفت أن المجاز


[ 89 ]

الراجح رجحانه إنما هو مع قطع النظر عن الوضع وأما معه فمساواته مع الحقيقة إلا إذا غلب في المجاز بحيث يصير وضعا جديدا فيصير حقيقة في المعنى الثاني وأنى له بإثباته فيما نحن فيه مع أنه لم يدعه أيضا والحاصل أن مجرد كثرة الاستعمال في المعنى المجازي لا يوجب الخروج عن الحقيقة وإن كان الاستعمال في غاية الكثرة بل وأكثر من إستعماله في الحقيقة بكثير ألا ترى أن الالفاظ التي أدعوا صيرورتها حقايق شرعية في المعاني الشرعية إستعمالها في المعاني الشرعية أكثر من اللغوية ومع ذلك يحملها المنكرون عند التجرد عن القرينة على المعاني اللغوية وهو رحمه الله منهم وكذلك العام مع أنه بلغ في التخصيص إلى أن قيل ما من عام إلا وقد خص وأيضا تلك الكثرة إنما حصلت بملاحظة مجموع روايات مجموع الرواة عن مجموع الائمة عليهم الصلاة والسلام والذي يضر على سبيل التسليم هو الكثرة بالنسبة إلى كل واحد واحد فافهم قانون إذا وقع الامر عقيب الحظر أو في مقام ظنه أو وهمه فاختلف القائلون بدلالته على الوجوب في كونه حقيقة في الوجوب أو مجازا في الندب أو الاباحة أو التوقف أو تابعيتها لما قبل الحظر إذا علق الامر بزوال علة عروض النهي والاقوى كونه للاباحة بمعنى الرخصة في الفعل ويلزمه بينا رفع المنع السابق للتبادر بمعنى أرجحيته في النظر من الوجوب إذ ما نقدم من تقدم الحقيقة على المجاز إتفاقا إنما هو إذا دار الامر بين المعنى الحقيقي والمجازي إذا خلا المقام عن قرينة مرجحة لاحدهما واما مع القرينة الموجبة للجزم بإرادة المجاز فيقدم المجاز إتفاقا وكذا مع إفادتها الظن به مع كون أصل الحقيقة في النظر أيضا فالمقصود أن ملاحظة المقام والالتفات إلى هذه القرينة أعني وقوع الصيغة عقيب الحظر يوجب تقديم إرادة المعنى المجازي وهو الاباحة على الحقيقي فيدور ترجيح المعنى الحقيقي أو المجازي مع القرينة على حصول الترجيح والظهور ولما كان قرينة الشهرة ليست من قبيل القرائن الاخر وكانت منضبطة أفردوا الكلام فيها في باب تعارض الاحوال وإلا فالدوران والتعارض حاصل في جميع القرائن لكنها غير منضبطة فالترجيح فيها يتفاوت بالنسبة إلى تفاوت الناظرين وبالنسبة إلى المقامات فاضبط ذلك ويدل على ذلك أيضا تتبع موارد الاستعمال فإنك لو تتبعتها وتأملتها بعين الانصاف تجد ما ذكرنا ولو بقي لك شك في موضع فألحقه بالغالب لان الظن يلحق الشئ بالاعم الاغلب وهذه قاعدة نفيسة مبرهن عليها بالعقل والعرف والشرع قد حرم عن فوايدها من لم يصل إلى حقيقتها وقد أشرنا إليه سابقا أن بعضهم لاحظ مثل قول المولى لعبده أخرج من المحبس إلى المكتب ومثل قوله تعالى فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله وأمر الحائض والنفساء بالصلاة والصوم بعد رفع


[ 90 ]

المانع وقال بالوجوب مضافا إلى أن المقتضي وهو الادلة على دلالتها على الوجوب موجود والمانع منه مفقود لان الاباحة لا تنافي الوجوب وفيه أنا نقول أن المراد من الامر هنا مجرد رفع الحظر لما ذكرنا فلا دلالة فيها على أزيد من ذلك وأما عدم منافاته لثبوت الوجوب فهم مسلم لكن الوجوب ليس من جهة هذا الامر فالمانع عن الدلالة من جهة هذا الامر موجود وأكثرهم قد قرروا هذا الدليل على نهج آخر أضعف وهو أن المقتضي موجود أعني صيغة الامر لما تقدم من الادلة والمانع لا يصلح للمانعية وهو ما ذكره الخصم من أن الوجوب ضد للحظر ولا يجوز الانتقال منه إليه لان الاباحة أيضا ضد له أقول بل المانع هو قرينة المقام كما بينا ودلالة الادلة على دلالة مطلق الصيغة على الوجوب لا تنافي عدم دلالتها عليه في خصوص موضع بإعتبار القرينة كما في سائر المجازات وأما المثال المذكور والآيات المذكورة فالجواب عنها أن محل النزاع هو ما إذا حظر عن شئ تحريما أو تنزيها ثم أمر به من دون إكتنافه بشئ آخر يخرجه عن حقيقة الجنسية أو النوعية والمراد من قولنا أن ما ورد الامر به حينئذ ليس واجبا بل إنما هو أمر مرخص فيه أن الوجوب لا يراد من هذا الامر من حيث هو هذا الامر ولا نمنع من ثبوت الوجوب من موضع آخر فحينئذ نقول مثل قول المولى للعبد بعد نهيه عن الخروج عن المحبس اخرج إلى المكتب خارج عن موضع النزاع فإن الامر ليس بعين ما نهى عنه بل المحظور خروجه من المحبس من حيث هو خروج عن المحبس و المأمور به هو خروجه ذاهبا إلى المكتب ولا يضر هذا بدلالة الامر على الوجوب وأما قوله تعالى فاقتلوا المشركين فهو لرفع الحظر لا غير والوجوب إنما هو لثبوته قبل الحظر وعدم حصول النسخ فيرجع إلى الحكم السابق وهذا ليس من دلالة اقتلوا على الوجوب في شئ وكذلك ترخيص الحائض والنفساء ووجوب الحلق بعد النهي عنه أيضا ثابت بدليل خارجي لانه أيضا من النسك ولعلك بالتأمل فيما ذكرنا تقدر على إستخراج أدلة القائلين بالتابعية لما قبله والتوقف والجواب عنها وأما القائل بالندب فلعله نظر إلى أن الندب أقرب المجازات للوجوب فإذا إنتفى الدلالة عليه ببعض ما ذكر فيحمل عليه وأنت بعد ملاحظة ما ذكرنا تقدر على إبطال ذلك أيضا وأما توهم إختصاص كونها حقيقة في الاباحة في عرف الشارع فهو ضعيف لعدم الفرق بينه وبين العرف العام قانون المشهور أن صيغة إفعل لا تدل إلا على طلب الماهية وقيل تدل على التكرار مدة العمر ان أمكن عقلا وشرعا ويكون تركه اثما وقيل على المرة ويظهر من بعضهم أن مراد القائلين بالمرة هو الدلالة على المهية المقيدة بالوحدة لا بشرط التكرار ولا عدمه فالزايد على المرة لا يكون إمتثالا ولا مخالفة ومن بعضهم دلالتها على عدم التكرار فتكون الزيادة إثما والقائلون بالماهية أيضا بين مصرح بحصول


[ 91 ]

الامتثال لو اتى به ثانيا وثالثا وهكذا فلا إثم على ترك الزيادة على المرة ويحصل الثواب بفعل الزايد وبين قائل بأن الامتثال إنما يحصل بالمرة ولا معنى للامتثال عقيب الامتثال وحينئذ فيمكن أن يكون من قبيل الاحتمال الاول في المرة فلم يكن عقاب كما لم يكن ثواب فينتفي ثمرة النزاع بينهما ويمكن أن يكون من قبيل الاحتمال الثاني فيها فينتفي ثمرة النزاع بينهما أيضا وما ذكرنا من الاحتمالين ينشأ من القول بكون ما لم يرد عليه من الشارع دليل تشريعا حراما كما هو المشهور المحقق وعدمه والحق هو الاول وعلى هذا فلا يظهر بين القولين في المرة أيضا ثمرة والاقرب عندي أنها لا تدل إلا على طلب الماهية وإن الامتثال إنما يحصل بالمرة الاولى لان الامر يقتضي الاجزاء والاتيان به ثانيا وثالثا تشريع محرم لكون أحكام الشرع توقيفية موقوفة على التوظيف لنا أن الاوامر وسائر المشتقات مأخوذة من المصادر الخالية عن اللام والتنوين وهي حقيقة في الطبيعة لا بشرط شئ إتفاقا كما صرح به السكاكي وما قيل من أن إسم الجنس موضوع للماهية مع قيد الوحدة المطلقة فإنما يسلم إذا كان مع التنوين والوحدة والتكرار مثل سائر صفات الطبيعة قيود خارجة عنها فلا دلالة للفظ الدال على الطبيعة الكلية على شئ من قيودها لان العام لا يدل على الخاص والهيئة العارضة لهذه المادة لا تفيد أزيد من طلبها بحكم العرف والتبادر بعنوان الايجاب والالزام كما مر والاصل عدم إرادة شئ آخر معها فما قيل من أن المادة إن لم تدل على القيد فالهيئة تدل عليه في معرض المنع ومقايسة القائلين بالتكرار الامر بالنهي بجامع الطلب باطل لانه في اللغة ومع الفارق لان نفي الحقيقة كما هو مدلول النهي يقتضي إستغراق الاوقاف كما سيجئ بخلاف إيجادها والتروك تجامع كل فعل بخلاف تكرار المأمور به وقولهم بأنه لو لم يكن الدلالة على التكرار لما تكرر الصوم والصلاة مع أنه معارض بالحج مدفوع بأنه من دليل خارج كما توضحه كيفية التكرار المقررة وإحتجاجهم بأن الامر يستلزم النهي عن الضد والنهي يفيد دوام الترك ويلزمه دوام فعل المأمور به فيه منع الاستلزام أولا إن أريد الخاص كما سيجئ ومنع إستلزام دوام الترك دوام الفعل ثانيا وفي ضدين لا ثالث لهما كالحركة والسكون لعدم إستحالة إرتفاع الضدين مطلقا فلا يتم الاطلاق ومنع دلالة النهي على التكرار مطلقا ثالثا كما سيجئ ومنع دلالة خصوص النهي الذي في ضمن الامر على الدوام دائما بل إنما هو تابع للامران دائما فدائما وإن في وقت ففي وقت وإن أريد من الضد العام أعني الترك فيسقط المنعان الاولان ويجئ عليه الباقي وإحتجاج القائل بالمرة بإمتثال العبد عرفا لو أمره السيد بدخوله الدال فدخل مرة مردود بأن ذلك لعله من جهة الاتيان بالطبيعة كما ذكرنا لا لان الامر ظاهر في المرة واعلم أن ما ذكرنا من حصول الثمرة وعدمها فيما بين


[ 92 ]

القول بالمرة والماهية إنما هو في الاتيان بالافراد متعاقبة وأما لو أوجد أفرادا متعددة في آن واحد مثل أن يقول المأمور بالعتق لعبيده المتعددة أنتم أحرار لوجه الله فقيل على القول بالمهية يحصل الامتثال بالجميع وأما على القول بالمرة فاما على القول الثاني فيها فيبنى ذلك على جواز إجتماع الامر والنهي مع إختلاف الجهة فإن قلنا بجوازه كما هو الاصح فيستخرج المطلق بالقرعة لو احتيج إلى التعيين ويكون غيره معصية فإن الظاهر أن المراد بالمرة هو الفرد الواحد لا مجرد كونه في الزمان الواحد وإن لم نقل بجوازه فلا يحصل الامتثال أصلا وأما على القول الاول فلا إثم ويستخرج المطلوب بالقرعة أيضا هذا وقد ذكرنا أن الاقوى بالنظر إلى هذا القول أيضا حصول الاثم بقي الكلام في قول من يصرح بحصول الامتثال بالاتيان ثانيا وهكذا مع قوله بالماهية كصاحب المعالم رحمه الله والتحقيق أنه إن أراد حصول الامتثال في الجملة أي ولو في ضمن المرة الاولى فحسن وإلا فنقول أنه لا معنى للامتثال عقيب الامتثال فإن الامتثال قد حصل بالاولى جزما وما يتوهم أنه يكون من باب الواجب المخير بين الواحد والاثنين والازيد ففيه أنه إن أريد التنجيز المستفاد من العقل في الواجبات العينينة فإن الكلي المكلف به عينا لا يمكن الاتيان به إلا بإتيان الافراد فيكون الافراد من باب مقدمة الواجب والعقل يحكم بجواز الاتيان بأي فرد يتحقق في ضمنه الكلي فلا ريب أنه مع ذلك يوجب الاتيان بالمرة الاولى سقوط الواجب عن ذمة المكلف فلا يبقى بعد واجب حتى يمكن الاتيان بمقدمته فضلا عن الوجوب وإن أريد التخييز المستفاد من النقل المدلول عليه بهذا الامر ففيه منع ظاهر مع أنه لا معنى للتخيير بين فعل الواجب وتركه وليس هذا من باب التخيير بين القصر والاتمام في الاماكن الاربعة فإنهما حقيقتان مختلفتان ولو بالقصد والنية وجعل الشارع بخلاف ما نحن فيه بل ليس من قبيل التسبيحة والثلث في الركوع والسجود والركعة فإذا عرفت هذا فيرد على هذا القائل أيضا أنه إن كان يقول بإتصاف المرة الثانية والثالثة وهكذا بالوجوب فهو قول بالتكرار وان كان يقول بالندب فمع أنه قول جديد مستلزم لاستعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي على القول بكون الصيغة حقيقة في الوجوب وأنت بعد التأمل فيما ذكرنا من التحقيق تعرف أنه لا يتم ما نقلناه آنفا من القول بحصول الامتثال في الجميع على القول بالماهية في صورة الاتيان بالافراد مجتمعة أيضا وكذلك تتمة ما نقلناه من البناء على إجتماع الامر والنهي على القول الثاني في المرة وغيره فتأمل حتى يظهر لك حقيقة الامر تذنيب الامر المعلق على شرط أو صفة يتكرر بتكرر الشرط والصفة عند القائلين بدلالته على التكرار قولا واحدا لوجود المقتضي عدم المانع غاية الامر


[ 95 ]

تقليل التكرار بالنسبة إلى الامر المطلق وأما غيرهم فذهبوا إلى أقوال ثالثها دلالته عليه مع فهم العلية يعني كون الشرط أو الوصف علة فيكون من باب المنصوص العلة والسيد المرتضى رحمه الله هنا أيضا من المانعين مطلقا لعدم إعتباره المنصوص العلة مطلقا وسيجئ إنشاء الله تعالى أن الحق حجيتها فالاقرب إذا التفصيل وتحرير المقام إن كل ما دل على العموم من أدوات الشرط مثل كلما ومهما ونحوهما فلا ينبغي التأمل في تكرر الام بتكرر الشرط وأما ما لم يدل على العموم مثل إن وإذا فلا يفيد التكرار أصلا إلا أن يقال بحملها على العموم لوقوعها في كلام الحكيم وكون الشرط لغوا لولاه وأما الصفة فهي أيضا لما لم تدل على العلية على ما هو التحقيق كما سيجئ إنشاء الله تعالى بل فيها إشعار بالعلية والمعتبر هو العلة الثابتة كما صرحوا به فلا إعتبار بها أيضا وأما إذا فهم العلية الثابتة بمعونة الخارج فيفيد العموم و التكرار بتكرر العلة سواء كان في الشرط أو الصفة مثل الزانية والزاني فاجلدوا وإن زنى فاجلدوا ونحوهما واحتج القائلون بالتكرار مطلقا بالاستقراء فإن قوله تعالى وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن لم تجدوا ماء فتيمموا والزانية والزاني فاجلدوا والسارق والسارقة فاقطعوا إلى غير ذلك من الآيات والاخبار يتكرر الامر فيها بتكرر الشرط فكذا فيما يحصل الشك إلحاقا بالغالب وفيه أن حمله على التكرار فيما ذكر انما هو لاجل فهم العلية وهو مسلم عندنا واحتج النافي بمثل إن دخلت السوق فاشتر اللحم أو أعط هذا درهما إن دخل الدار فلا يفهم منه التكرار وفيه أن ذلك لعدم فهم العلية وذلك لا يستلزم الاطراد وقيل أن ذلك للقرينة فإن من قال لعبده إذا شبعت فاحمد الله فهم منه التكرار وهو مقلوب عليه بل ذلك أيضا لفهم الغلبة قانون لا دلالة لصيغة الامر على وجوب الفور كما ذهب إليه جماعة وليست مشتركة بينه وبين جواز التراخي كما ذهب إليه الشهيد رحمه الله بل هي لطلب الماهية وأيهما حصل حصل الامتثال كما ذهب إليه جماعة من المحققين وأما القول بتعيين التراخي فلم نقف على مصرح به لنا نظير ما مر في القانون السابق وإستدلال القائلين بالفور بمذمة العبد إذا أخر في السقي عند قول مولاه اسقني مدفوع بأنه للقرينة ولا نزاع فيه مثل إستدلالهم بذم إبليس لعنه الله على تركه السجود بقوله تعالى ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك مع إمكان أن يعتذر بعدم دلالة الامر على الفور لان الفاء في قوله فقعوا يفيد التوقيت فلم يثبت دلالتها على الفور وإن الذم لعله من جهة الاستكبار وأيضا ينافيه قوله خلقتني من نار وخلقته من طين لانه كاشف عن الاعراض اولا وأما إستدلالهم بأنه لو جاز التأخير لجاز إلى وقت معين وإلا لزم أن يجوز إلى آخر وقت الامكان وهو مجهول وتكليف المكلف بعدم التأخير عن وقت


[ 96 ]

لا يعلمه تكليف بالمحال ولا دلالة في الصيغة على وقت معين فأجيب عنه مرة بأنا نجوز التأخير إلى حصول ظن الموت وهو ممكن الحصول غالبا كساير الواجبات الممتدة بإمتداد العمر ومرة بالنقض بصورة التصريح بجواز التأخير وأخرى بأن جواز التأخير لا يستلزم وجوبه فالامتثال ممكن وأورد عليه أن هذا وإن كان يرفع تكليف المحال إلا أنه إلتزام بوجوب الفورفي العمل لتحصيل برائة الذمة وإن لم يثبت كونه مدلول الصيغة لغة إذ جواز التأخير حينئذ مشروط بمعرفة لا يمكن تلك المعرفة فينحصر الامتثال بالمبادرة فيجب الفور ورد بان جواز التأخير ليس بمشروط بمعرفة المكلف بآخر أزمنة الامكان بل إنما يتوقف على عدم كونه آخر أزمنة الامكان والموقوف على معرفة آخر أزمنة الامكان إنما هو العلم بجواز التأخير لا نفس الجواز فإن الجواز في نفس الامر لا يتوقف على العلم بالجواز بل يكفي فيه عدم العلم بالمنع على ما يقتضيه أصالة الاباحة وعلى هذا فيصير مال كلام المجيب تسليم أنه يجب عدم تأخير الفعل عن آخر أزمنة الامكان ويمكن تحصيل البرائة بالمبادرة مع عدم لزوم وجوب المبادرة فلو بادر فيخرج عن عهدة التكليف ولو لم يبادر وفعله ثانيا فكذا وهكذا ولو لم يفعل حتى خرج الوقت فيصير آثما فلم يلزم من ذلك فور ولا خروج الواجب عن الوجوب وتوهم كون البدار مقدمة للواجب أعني عدم تأخير الفعل من آخر أزمنة الامكان مدفوع بمنع التوقف نعم إنما يتوقف حصول العلم بعدم تأخيره مع آخر أزمنة الامكان في أول زمان التكليف بذلك ووجوبه ممنوع وما يقال من ان تحصيل البرائة اليقينية المسببة عن شغل الذمة يقينا يستلزم الفور لامكان أن يفاجأه الموت في الجزء الثاني من الوقت فضلا عن غيره فيأثم بالترك فهو ممنوع مثل سائر الواجبات الموسعة أو الممتدة بإمتداد العمر فإن غاية الامر وجوب تحصيل اليقين بالمأمور به وأما وجوبه فورا فيحتاج إلى الدليل نعم يتم ذلك على القول بوجوب الاحتياط مع إحتمال وجوب الفور اما بإشتراطه في الصحة أو في مجرد حصول الاثم وهو ممنوع وكيف كان فهذا الدليل مع تمامه لا يدل على كون الصيغة للفور بل يدل على وجوب العمل بالفور من الخارج واستدلوا أيضا بالاستقراء فإن مقتضى النسب الخبرية مثل زيد قائم وعمرو عالم والانشائية كأنت طالق وهو حر قصد الحال فكذا الامر إلحاقا له بالاعم الاغلب وظنه بعضهم قياسا ورده بأن القياس غير جايز سيما في اللغة وسيما مع الفارق فإن الامر لا يمكن توجيهه إلى الحال لاستحالة طلب الحاصل بل إلى الاستقبال وهو إما الاقرب إلى الحال المعبر عنه بالفور أو ما بعده فلا يتعين الاول إلا بدليل ورد بعدم إرادة الحال الحقيقي والحال العرفي متحقق في الامر أيضا والكلام في الاستفهام


[ 97 ]

نظير الكلام في الامر فإن التفهيم لا يمكن في آن الاستفهام وكذلك النهي وفيه أن ذلك يستلزم تفاوت مدلولات المواد المستقرئة فيها إذ الفرق واضح بين هو حر وهي طالق وبين الاستفهام والقدر المشترك لا يثبت المطلق إلا أن يقال أن المعلوم من هذه المواد إرادة أحد المعنيين اما حصول مدلولها مقارنا لحصولها أو في الآن المتصل بها ولما لم يكن الاول في الامر فتعين الثاني و التحقيق مطلوب المستدل إن كان حصل له من الاستقراء إن النسب الخبرية والانشائية الصادرة عن المتكلم حاصلة في الحال الحاضر فهو لا يجديه لانه لا إشكال في أن النسبة الانشائية في الامر وهي الطلب القائم بنفس المتكلم حاصلة في الحال فلا يمكن النزاع فيه وإن كان إن مفاد تلك الجمل ومدلولاتها حاصلة في الحال كقيام زيد وعلم عمرو وطلاق هند وحرية بلال فهو مع أنه منقوض بمثل كان زيد قائما وعمرو سوف يجئ وموقوف على كون المشتق حقيقة في الحال المقابل للاستقبال لا حال التلبس كائنا ما كان وقد عرفت أن التحقيق خلافه لا يمكن الوثوق على مثل هذا الاستقراء في إثبات اللغة وهناك طريق آخر يمكن إثبات المطلق به وهو ان النحاة ذكروا أن الامر للحال وغرضهم من إقتران معنى الفعل باحد الازمنة هو المعنى الحدثي وإن شئت قلت إنتسابه إلى الفاعل مقترن بأحد الازمنة وأما نسبة المتكلم فكلها واقعة في حال التكلم فعلى هذا إذا إنضم إلى ذلك أصالة عدم النقل فيثبت كونها للحال لغة فيثبت الفور ولكنه مدفوع بأن كلام النحاة مع أنه لم يثبت إتفاقهم على ذلك يضعفه خلاف علماء الاصول والبيان فالظاهر إن نظرهم إلى الاغلب من إمكان حصول الطبيعة في الحال والحاصل أن الامر مأخوذ من المضارع ولا فرق بينهما في الاشتراك بين الحال والاستقبال وقد إستدلوا أيضا بقوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم الآية وبقوله تعالى فاستبقوا الخيرات الآتية بتقريب أن المراد من المغفرة سببها لاستحالة المسارعة إلى فعل الله وفعل المأمور به سبب إذ قد يكون بعض الواجبات سببا لازالة الذنوب كما ورد في الصلوات الخمس والحج وغيرهما سيما على القول بالاحباط كما هو الحق ويثبت في الباقي بعدم القول بالفصل فلا يرد أن سبب المغفرة إنما هو التوبة وهو فوري إتفاقا ولا حاجة إلى الاستدلال ولا يتم المطلوب بعدم القول بالفصل أيضا لاتفاق الفريقين فيه وكذا لا يرد على إرادة فعل المأمور به بناء على الاحباط أن هذا إنما يتم فيما حصل الذنب فلا يعم جميع الاوامر وأما ما يقال من أن بعض المستحبات مما ورد كونه سببا للمغفرة فلا بد من حمل الامر على الاستحباب ففيه أن العام يخصص والمطلق يقيد والتخصيص والتقييد أولى من غيرهما من المجازات وكذلك الكلام في قوله تعالى فاستبقوا الخيرات وقد يجاب عن الايتين


[ 98 ]

بالحمل على الاستحباب لمنافاة مدلول الهيئة للمادة لو حملت على الوجوب لعدم إطلاق المسارعة وإلاستباق عرفا الا على الموسع فالحكم بوجوب الفور إثبات للتضييق والاتيان بالمضيق عرفا ليس بمسارعة وإستباق فإن المأمور بصوم رمضان إذا صام فيه لا يقال أنه مسارع وفيه أنه كما يمكن تحقيق المسارعة عرفا بملاحظة الوسعة في زمان الرخصة كذلك يمكن تحققها بملاحظة الوسعة في زمان الصحة فعلى القول بالصحة في صورة التأخير في الفوري يصدق عرفا المسارعة بإتيانه في أول زمان الصحة كما يقال لمن حج في العام الاول من الاستطاعة أنه سارع في حجه وكذلك لمن عجل في أداء دينه حين القدرة ومطالبة الداين وهذا واضح مع أن قابلية الاوامر المطلقة للتوسعة يكفي في صدق المسارعة عرفا ولا يلزم ثبوتها بالفعل بالتحقيق في الجواب بعد منع نهوض هذا الاستدلال على إثبات الفور لغة وعرفا بل ولا شرعا أن الايتين لو سلم ظهورهما في الوجوب مع ملاحظة هذه المذكورات فهو ظهور وما ذكرنا من التبادر في الماهية في الاوامر المطلقة ظهور ولا ريب أن هذا أقوى منه فيحمل الاتيان على الاستحباب فكيف ولا ظهور في آية المسارعة اصلا فإن الامر بالمسارعة إلى سبب المغفرة كما هو مناط الاستدلال لا يفيد إلا وجوب المسارعة إلى السبب في الجملة فإذا تعدد الاسباب كما فيما نحن فيه فإن احد الاسباب فيه التوبة التي فوريتها مجمع عليها فلا يفيد إلا فورية احدها وهو لا يستلزم المطلوب كما لا يخفى واحتج السيد رحمه الله بالاستعمال وإن الاصل فيه الحقيقة ويحسن الاستفهام ولا يحسن إلا مع الاحتمال في اللفظ وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة وتبادر الماهية لا بشرط ينفي غيرها وإن الاستفهام يحسن على القول بالماهية أيضا إحتياطا عن أن يكون مراد الامر بعض الافراد مجازا لشيوع إستعمال الكلي في الفرد مجازا وذلك لا يدل على عدم إنفهام الماهية مستقلة ووجوب التوقف حتى يثبت الاشتراك بل إنما ذلك لرجحان الاحتياط ولذلك يصح التخيير في الجواب مع عدم إرتكاب خلاف الظاهر خلافا لصورة الاشتراك فإنه إما لا يجوز كما اخترناه وحققناه سابقا أو يجوز مجازا ثم أن الفور على القول به تحديده موكول إلى العرف ويتفاوت بتفاوت المأمور به ونحوه كالسفر القريب الغير المحتاج إلى زمان معتد به للتهيؤ والبعيد المحتاج إليه إن لم نقل بأن الكلام في المجرد عن القرائن وهذه الامور قرائن لجواز التأخير (والمهلة) ؟ فتأمل تذنيب إختلف القائلون بكون الامر الامر للفور في ثبوت التكليف على من ترك الامتثال فورا في الزمان المتأخر وعدمه وفرعوا الكلام فيه على معنى إفعل هل هو إفعل في الزمان الثاني إن لم تفعل ففي الثالث وهكذا أو معناه إفعل في الزمان الثاني مع السكوت عما بعده واما كون المعنى عدم الفعل في الزمان المتأخر فلم نقف على مصرح به قيل وهذا الكلام غير


[ 99 ]

مفيد والفائدة في بيان صحة المبنى والتحقيق أن أدله القول بالفور على تسليمها صنفان منها ما يدل على أن الصيغة بنفسها دالة على الفور منها ما يدل على وجوب المبادرة بالامتنان كآية المسارعة و الاستباق فمن اعتمد على الاول فيلزمه القول بالسقوط لصيرورته من باب الموقت ومن اعتمد على الثاني فيلزمه القول بالثبوت لاطلاق أصل الامر ورده بعض المحققين بمنع صيرورته كالموقت على الاول لاحتمال إرادة التعجيل بالمأمور به فإن لم يفعل التعجيل أيضا في الزمان الثاني وهكذا ومنع عدم وجوب الموقت مع فوات الوقت على تقدير تسليم كونه من قبيله وبأن وجوب الفور إن إقتضى التوقيت وخصوصية الزمان المعين فلا يتفاوت الامر بين ما ثبت وجوبه من الصيغة أو من الخارج كما إذا ثبت التوقيت من دليل خارج في الموقت فإن من يقول بفوات الموقت بفوات وقته لا يفرق بين ما ثبت التوقيت من خارج أم لا فالاولى تفريع المسألة على أن التكليف بالموقت هل هو تكليف واحد أو تكليفان وهل ينتفي المقيد بإنتفاء القيد أم لا كما ذكروا في مسألة تبعية القضاء للاداء وعدمها أقول والظاهر من الصيغة على القول بدلالتها بنفسها على الفور هو الوجوب في أول الوقت لا ما ذكره والظاهر هو الحجة وهو تكليف واحد والحق أن المقيد ينتفي بإنتفاء القيد فلا يبقى تكليف مع أن الاصل عدمه ولا يجب التنصيص بالتوقيت وثبوت وجوب الموقت بعد فوات الوقت خلاف التحقيق لان الجنس لا بقاء له بعد إنتفاء الفصل كما حقق في محله فالحق أن القضاء في الموقت إنما هو بفرض جديد وما ذكر أنه لا يتفاوت الامر بين ما ثبت وجوبه من الصيغة أو من الخارج ففيه أن في الثاني تكليفين فالاول لا ينتفي بإنتفاء الثاني بخلاف الاول لانه تكليف واحد وقياسه بالموقت قياس مع الفارق إذ ربما يفهم من الموقت عدم الوجوب بعد الوقت أيضا ويسلم المساواة لو كان معنى الموقت مجرد الوجوب في الوقت وبالجملة عدم الحكم أما من جهة عدم الدليل عليه أو من جهة الدليل على العدم والظاهر أن الموقت من الثاني وما يثبت فيه الفور من دليل خارج من الاول ولذلك ترى الاصوليين نازعوا في حجية مفهوم الزمان وعدمها ومعنى حجية المفهوم المخالف هو كون اللفظ ذا دلالتين منطوقية ومفهومية متخالفتين في النفي والاثبات فافهم ذلك وانتظر لزيادة توضيح في مباحث المفاهيم قانون إختلف الاصوليون في أن الامر بالشئ هل يقتضي إيجاب مقدماته مطلقا أم لا على أقوال ثالثها إقتضاء الايجاب في السبب دون غيره ورابعها في الشرط الشرعي دون غيره و تحقيق هذا الاصل يقتضي تمهيد مقدمات الاولى أن الواجب كما أنه ينقسم بإعتبار المكلف إلى العيني والكفائي وبإعتبار المكلف به إلى العيني والتخييري وبإعتبار الوقت إلى الموسع والمضيق


[ 100 ]

وبإعتبار المطلوبية بالذات وعدمها إلى النفسي والغيري وبإعتبار تعلق الخطاب به بالاصالة وعدمه إلى الاصلي والتبعي وغير ذلك فكذا ينقسم بإعتبار مقدماته إلى المطلق والمشروط وقد يطلق عليه المقيد وتسمية الثاني بالواجب مجاز في الحقيقة تسميته بإسم ما يؤل إليه ولذلك لم نقيد الامر في صدر المبحث بالمطلق مع كون المبحث مختصا بمقدماته والواجب المطلق هو ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده وإن كان في العادة أو في نظر الامر والمقيد ما توقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده كذلك الثانية إن الامر المطلق حقيقة في الواجب المطلق على الاصح للتبادر وإستحقاق العبد التارك للامتثال المعتذر بأن أمر المولى لعله كان مشروطا بشرط للذم ولاصالة عدم التقييد ويظهر من السيد المرتضى رحمه الله القول بالاشتراك فيلزمه التوقف حتى يظهر من الخارج ودليله الاستعمال و الجواب أن الاستعمال أعم من الحقيقة نعم استثنى السيد الواجب بالنسبة إلى السبب فقال بكونه مطلقا بالنسبة إليه مطلقا لعدم إمكان الاشتراط لعدم إنفكاك المسبب عن السبب وستعرف الكلام فيه الثالثة ما يتوقف عليه الواجب إما سبب أو شرط والسبب هو ما يلزم من وجوده وجود الشئ ومن عدمه عدمه لذاته فخرج الشرط والمانع فإن الشرط هو ما يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجوده والمانع ما لا يلزم من عدمه عدم شئ بل يلزم من وجوده عدم شئ وأما التقييد بقولنا لذاته إحتراز عن مقارنة وجود السبب عدم الشرط أو وجود المانع فلا يلزم الوجود أو قيام سبب آخر حالة عدم الاول مقامه فلا يلزم العدم ويدخل في الشرط جميع العلل الناقصة من المقدمات العقلية والعادية والشرعية والسبب والشرط قد يلاحظان بالنسبة إلى الحكم الشرعي فيكونان من الاحكام الوضعية وقد يلاحظان بالنسبة إلى موضوع الحكم ولا يتوقفان على وضع الشارع حينئذ وإن كان قد يكون بوضعه وكلامنا انما هو في الثاني وبعبارة أخرى إنما الكلام في مقدمات الواجب لا في مقدمات الوجوب وكل منهما إما شرعي أو عقلي أو عادي فالسبب الشرعي كالصيغة بالنسبة إلى العتق الواجب والوضوء والغسل بالنسبة إلى الطهارة عن الحدث والغسل بالنسبة إلى إزالة الخبث والعقلي كالنظر المحصل للعلم الواجب والعادي كجز الرقبة في القتل الواجب والشرط الشرعي كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة والعقلي كترك الاضداد في الاتيان بالمأمور به والعادي كغسل شئ من العضد لغسل اليد في الوضوء وشاع التمثيل لذلك بأمر المولى عبده بالكون على السطح فالسلم ونصبه من الشروط والصعود سبب إذا عرفت هذا يظهر لك أن ما يستفاد من بعض الكلمات أن السبب هو ما يستحيل إنفكاكه عن المسبب مطلقا مساوقا للعلة التامة والجزء لاخير منها ليس كما ينبغي وخلاف ما صرحوا به في الكتب الاصولية ثم أن مقدمة الواجب تنقسم إلى


[ 101 ]

ما يتوقف عليها وجوده كما مر أو يتوقف عليها صحته كالطهارة للصلاة على القول بكون العبادات أسامي للاعم أو يتوقف عليها العلم بوجوده لتوقف العلم بالاتيان بالصلاة إلى القبلة عند إشتباهها على الاتيان بأكثر من صلاة ولو إعتبرنا كون الواجب هو تحصيل العلم فيكون هذا أيضا مقدمة للوجود وأيضا المقدمة إما تكون فعلا أو تركا ومن المقدمات الفعلية تكرار نفس الواجب كالصلاة إلى أكثر من جانب وفي أكثر من ثوب عند إشتباه القبلة والثوب الطاهر ومن المقدمات التركية ترك الانائين المشتبهين ونظيره من الشبهة المحصورة الرابعة الواجب بالنسبة إلى كل مقدمة غير مقدورة مشروط فتقييد كثير من الاصوليين المقدمات بالمقدورة هيهنا لا وجه له إلا توضيح هذا المعنى وإلا فليس مقدمات الواجب المشروط مما يتنازع في وجوبها بل عدم وجوبها مجمع عليه والمقدورية أعم من المقدورية بالذات أو بواسطة فالافعال التوليدية كلها مقدورة إذا حصل القدرة على المباشرية واعلم أن الاطلاق والتقييد للواجبات إضافية بالنسبة إلى المقدمات فقد يكون الشئ واجبا مطلقا بالنسبة إلى مقدمة ومشروطا بالنسبة إلى أخرى الخامسة قد يقال الواجب المطلق ويراد منه الاطلاق بالنسبة إلى اللفظ وقد يضاف إلى ذلك إقتضاء الحكمة والعدل ذلك أيضا وإلا لزم التكليف بالمحال وهذا أخص من الاول وأيضا النزاع في وجوب مقدمات الواجب يجري في ما يثبت وجوب الواجب من غير لفظ إفعل وما في معناه أيضا كالاجماع والعقل وغيرهما وإن كان سياق الاستدلال بتفاوت في بعض المواد السادسة الوجوب المتنازع فيه هو الوجوب الشرعي لان الوجوب العقلي بمعنى توقف الواجب عليه وأنه لا بد منها في الامتثال مما لا ريب فيه ذو مسكة و المراد من الوجوب الشرعي هو الاصلي الذي حصل من اللفظ وثبت من الخطاب قصدا وبالجملة النزاع في أن الخطاب بالكون على السطح هل هو تكليف واحد وخطاب بشئ واحد أو تكليفات وخطاب بأمور أحدها الكون والثاني نصب السلم والتدرج بكل درجة درجة وغيرهما ويظهر الثمرة فيما لو وجب عليه واجب بالنذر واليمين ونحوهما وفي ثبوت العقاب والثواب على ترك كل من المقدمات وفعلها وربما يقال أن القائل بوجوب المقدمة أيضا لا يقول بترتب الثواب والعقاب على فعل المقدمات وتركها بل الثمرة تظهر في جواز الاجتماع مع الحرمة فلو كانت المقدمة واجبة شرعا فلا يجوز أن يجتمع مع الحرام وفيه مع أنه خلاف ما صرح به بعضهم ان وجوب المقدمة من باب التوصل و الواجب التوصلي يجتمع مع الحرام غاية الامر عدم الثواب حينئذ وأما البطلان فلا نعم يمكن ذلك فيما لو كانت المقدمة أيضا من العبادات التوقيفية كالوضوء والغسل ولا ريب أن ذلك حينئذ إنما هو من


[ 102 ]

جهة كونها مطلوبة بالذات مع جهالة علة تخصيصها بإشتراط الواجب بها وتوقفه عليها لا من جهة الوجوب الحاصل من إيجاب ذي المقدمة فإن الواجب قد يجتمع فيه التوصلية والتوقيفية بالاعتبارين ومما يؤيد ما ذكرنا من أنهم يقولون بثبوت العقاب إستدلالهم في دلالة الامر بالشئ على النهي عن الضد بأن ترك الضد واجب من باب المقدمة فيكون فعله حراما فثبت حرمة الضد ويترتب عليه أحكامه من الفساد وغيره فإن القائل بأن الامر بالشئ يقتضي النهي عن الضد ليس مراده طلب الترك التبعي كما سنحققه بل مراده الخطاب الاصلي و وجه التائيد إن النهي المستلزم للفساد ليس إلا ما كان فاعله معاقبا السابعة دلالة الالتزام إما لفظية وإما عقلية واللفظية على قسمين إما بين بالمعنى الاخص كدلالة صيغة إفعل على الحتم وإلالزام عند من يدعي التبادر فيه كما هو الحق والمراد به دلالة اللفظ عليه وكونه مقصودا للافظ أيضا واما بين بالمعنى الاعم كدلالة الامر بالشئ على النهي عن الضد العام بمعنى الترك فبعد التأمل في الطرفين والنسبة بينهما يعرف كون ذلك مقصود المتكلم أيضا بذلك الخطاب وأما العقلية فهو أن يحكم العقل بعد التأمل في الخطاب وفي شئ أخر كون ذلك الشئ لازما مرادا عند المتكلم وإن لم يدل عليه ذلك الخطاب بالوضع ولم يقصده المتكلم أيضا بذلك الخطاب بل ولم يستشعر به أيضا كوجوب المقدمة على ما سنحققه ودلالة الايتين على أقل الحمل ونحو ذلك فهذا الحكم وإن كان انما حصل من العقل لكن حصل بواسطة خطاب الشرع ويقال لذلك أنه خطاب حصل بتبعية الخطاب الشرعي وإن كان الحاكم باللزوم هو العقل ولا يخفى أن هذه الدلالة معتبرة أيضا محكمة في المسائل سواء كان من أحكام الوضع كأقل الحمل المستفاد من الايتين أو من أحكام الطلب وأما الوجوب المذكور أي وجوب المقدمة فلما كان هو أيضا تبعيا كأصل الخطاب به بمعنى أنه لازم لاجل التوصل إلى ذي المقدمة وحكمه حكم الخطابات الاصلية التوصلية كانقاذ الغريق واطفاء الحريق وغسل الثوب النجس للصلوة فلم يحكم بكونه واجبا أصليا ولم يثبت له أحكام الواجب الاصلي الذاتي فلا عقاب عليه لعدم ثبوت العقاب على الخطاب التبعي كما سنشير إليه ويجتمع مع الحرام لاجل كونه توصليا نظير الانقاذ والغسل الواجبين لاستخلاص النفس المحترمة والصلاة في الثوب الطاهر ولذلك يحصل المطلق بالحرام أيضا بل بفعل الغير أيضا فيرجع هذه الدلالة أيضا إلى البين بالمعنى الاعم لكن بالنسبة إلى المأمور به لا الامر نظير توابع الماهية في الوجود وغاياتها وأما القائل بوجوب المقدمة فلابد أن يقول بوجوب أخر غير الوجوب التوصلي ويقول بكونه مستفادا من الخطاب الاصلي وإلا فلا معنى للثمرات التي أخذوها


[ 103 ]

لمحل النزاع فلابد لهم من القول بأنها واجبة في حد ذاتها أيضا كما أنها واجبة الموصول إلى الغير ليترتب عليه عدم الاجتماع مع الحرام وأن يكون بالخطاب الاصلي ليترتب العقاب عليه وأنى لهم بإثباتها ثم إن هيهنا معنى آخر للاستلزام العقلي وهو أن العقل يحكم بوجوب المقدمة عند وجوب ذي المقدمة يعني أن وجوب أصل الفعل يحصل من الامر ووجوب مقدمته يحصل من العقل وهو من أدلة الشرع فهيهنا خطابان أصليان للشارع تعالى أحدهما بلسان الرسول الظاهر وثانيهما بلسان الرسول الباطن وإلى هذا ينظر إستدلالهم الاتي على إثبات وجوب مطلق المقدمة وانت خبير بأن ذلك لايتم حين إنفراد كل منهما عن الاخر حتى يثبت الوجوب الذاتي للمقدمة فتأمل ولعلنا نتكلم بعض الكلام في تتميم هذا المراد في مباحث المفهوم والمنطوق الثامنة قد أشرنا أن وجوب المقدمة من التوصليات و المراد بالواجب التوصلي هو ما علم أن المراد به الوصول إلى الغير وليس هو مطلوبا في ذاته ولذلك يسقط وجوب الامتثال به بفعل الغير أيضا كغسل الثوب النجس للصلاة وبالاتيان به على الوجه المنهي عنه كالغسل بالماء المغصوب ونحو ذلك وهذا هو السر في عدم إشتراط النية فيها دون الواجبات التي لم يحصل العلم بإنحصار الحكمة منها في شئ أو علم أن المراد منها تكميل النفس ورفع الدرجة وحصول التقريب فإنها لا تصح بدون النية (ابد) ؟ حصول الامتثال عرفا إلا بقصد إطاعة الامر إذا عرفت هذا فاعلم أن المقدمة لا ينحصر فيما كان مقدورا للمكلف أو فيما أتى به أو فيما تفطنه وكان مستشعرا به وقد ذكرنا سابقا ان الواجب بالنسبة إلى المقدمات الغير المقدورة مشروط وكلامنا هنا في مقدمات الواجب المطلق لكن لا بد أن يعلم أنه قد يكون الغير المقدور مسقطا عن المقدور وفعل الغير نائبا عن فعل المكلف وما لا يتفطنه ولا يستشعر به أيضا من المقدمات فإن من وجب عليه السعي في تحصيل الماء للوضوء إن فاجأه من أعطاه الماء فسقط عنه ذلك السعي ويكون فعل الغير نائبا عن فعله فالمقدمة هو القدر المشترك بين المقدور وغيره والقدر المشترك بينهما مقدور وثمرة النزاع إنما تحصل فيما كان مقدورا للمكلف وفعله فالقائل بوجوب المقدمة إنما يقول بوجوب القدر المشترك والكلام في حصول الثواب وعدمه بالنسبة إلى مثل هذه المقدمة هو الكلام في مثل حصوله على غسل الغير ثوبه من دون إطلاعه نعم يثاب على نيته لو نوى ذلك ثم ناب عنه فعل الغير فظهر من جميع ذلك أن الواجب قد يكون مطلقا وإن كان مقدمته قدر المشترك بين المقدور وغير المقدور فليكن على ذكر (هناك) ؟ إذا تمهد هذا لك فنقول القول بالوجوب مطلقا لاكثر الاصوليين وبعدمه مطلقا نقله البيضاوي في المنهاج عن بعض الاصوليين والشهيد الثاني رحمه الله في تمهيد القواعد وبوجوب الشرط الشرعي لابن الحاجب و


[ 104 ]

بوجوب السبب دون غيره للواقفية ونسبه جماعة إلى السيد رحمه الله وهو وهم لانه جعل الواجب بالنسبة إلى السبب مطلقا وبالنسبة إلى غيره محتملا للاطلاق والتقييد فيحكم بوجوب السبب مطلقا لعدم إحتمال التقييد ويتوقف في غير الاحتمال كون الوجوب مقيدا بالنسبة إليه وهذا بعينه قول المشهور في مقدمات الواجب المطلق والاقرب عندي عدم الوجوب مطلقا لنا الاصل وعدم دلالة الامر عليه بإحدى من الدلالات اما المطابقة والتضمن فظاهر وأما الالتزام فلانتفاء اللزوم البين وأما الغير البين فهو أيضا منتف بالنسبة إلى دلالة اللفظ إذ لا يقال بعد ملاحظة الخطاب والمقدمة والنسبة بينهما أن هيهنا خطابين وتكليفين كما هو واضح ولذلك يحكم أهل العرف بأن من أتى بالمأمور به إمتثل إمتثالا واحدا وإن أتى بمقدمات لا تحصى وكذا لو ترك المأمور به لا يحكم إلا بعصيان واحد ولا يحكم العقل والعرف بترتب المذمة والعقاب على ترك المقدمة في نفسها إذ المذمة والعقاب أما لقبحه أو لحصول العصيان بتركها ولا يستحيل العقل كون ترك شئ قبيحا بالذات ولا يكون ترك مقدمته قبيحا بالذات وحصول العصيان يدفعه فهم العرف كما بينا نعم يمكن القول بإستلزام الخطاب لارادتها حتما بالتبع بمعنى أنه لا يرضى بترك مقدمة ولا يجوز تصريح الامر بعدم مطلوبيتها للزوم التناقض من باب دلالة الاشارة ولا يستلزم إستفادة شئ من الخطاب كونه مقصودا للامر مشعورا به له حتى يقال أنه ربما نأمر بشئ ولا يخطر ببالنا المقدمة فكيف يكون واجبا ألا ترى انا نحكم بإستفادة كون أقل الحمل ستة أشهر من الايتين مع عدم كونه مقصودا في الآيتين والحاصل أنه لا مانع من إستفادة وجوب المقدمة تبعا بالمعنى المتقدم ولا يكون على تركها ذم ولا عقاب بل يكون الذم والعقاب على ترك ذي المقدمة وقد سبقنا إلى هذا التحقيق جماعة من المحققين وأما المدح والثواب على فعلها فالتزمه بعض المحققين ونقله عن الغزالي ولا غائلة فيه ظاهر إلا أنه قول بالاستحباب وفيه إشكال إلا أن يقال بإندراجه تحت الخبر العام فيمن بلغه ثواب على عمل فعمله إلتماس ذلك الثواب اوتيه وإن لم يكن كما بلغه فإنه يعم جميع اقسام البلوغ حتى فتوى الفقيه فتأمل احتج الاكثرون بالاجماع نقله جماعة وربما إدعى بعضهم الضرورة وبأن المقدمة لو لم تكن واجبة لجاز تركها وحينئذ فإن بقي التكليف لزم التكليف بالمحال وإلا لزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا وكلاهما باطلان وإن العقلاء يذمون تارك المقدمة مطلقا والجواب عن الاول ان الاجماع في المسائل الاصولية غير ثابت الحجية ودعوى بعضهم الضرورة مع دعوى الجماعة الاجماع يقرب كون مراد الاكثرين أيضا الوجوب بالمعنى الذي إخترناه لا الوجوب الاصلي لغاية بعده وعن الثاني إنا نختار الشق الاول ونجيب أولا بالنقض أو ترك عصيانا على القول بالوجوب


[ 105 ]

إذ المدخلية للوجوب في القدرة فإن قلت العصيان موجب لحصول التكليف بالمحال ولا مانع منه إذا كان السبب هو المكلف كما فيمن دخل دار قوم غصبا أو زنى بإمرئة فهو مكلف بالخروج وعدمه و إخراج فرجه من فرجها وعدمه قلنا فيما نحن فيه أيضا صار المكلف هو سببا للتكليف بالمحال لان الفعل كان مقدورا له أولا فهو بنفسه جعله غير مقدور وثانيا بالحل وهو أن المقدور لا يصير ممتنعا إذ الممتنع هو التكليف بشرط عدم المقدمة لا حال عدم المقدمة نظير تكليف الكفار بالفروع حال الكفر وإن فرضت الكلام في أخر أوقات الامكان على ما هو مقتضى جواز الترك فنلتزم بقاء التكليف أيضا لعدم إستحالة مثل هذا التكليف لانه بنفسه تسبب للتكليف بالمحال وصير المقدور ممتنعا بإختياره ولا يستحيل العقل مثل ذلك ولا يذهب عليك ان هذا الجواب يوهم أنا نقول بجواز تصريح الامر بجواز ترك المقدمة فحينئذ يستظهر القائل بالوجوب ويقول إن ذلك قبيح من الحكيم فكيف يجوز تجويز الترك منه وما لا يجوز تجويز تركه يكون واجبا ولكنا إنما قررنا هذا الدليل والجواب على مذاق القوم و اما على ما اخترناه وحققناه فلا يرد ما ذكر لانا لا نقول بجواز تجويز ترك المقدمة وإن قلنا بجواز التصريح بعدم العقاب على ترك المقدمة وإن العقاب إنما هو على ترك ذي المقدمة ولا يستلزم ذلك عدم الوجوب التبعي أيضا وأما على مذاق القوم فقد يجاب عن هذا الاشكال بأن هذا التجويز إنما هو بحكم العقل لا الشرع حتى يكون سفها وعبثا وإنا وإن إستقصينا التأمل في جواز إنفكاك حكم العقل هيهنا من الشرع فلم نقف على وجه يعتمد عليه وقد يوجه ذلك بأن أصالة البرائة التي هي حكم العقل تقتضي جواز الترك فيما لا نص فيه وهو بمعزل عن التحقيق إذ المراد من حكم العقل هنا إن كان مع قطع النظر عن ورود الامر من الشرع بوجوب ذي المقدمة فلا إختصاص له بالعقل واما معه فلا يمكن الحكم للعقل أيضا إذ هو من أدلة الشرع مع أنه لا يجري فيما يستقل بوجوبه العقل كمعرفة الله تعالى ولا قائل بالفرق وبالجملة لا بد من التفرقة بين قول المولى للعبد كن على السطح وأجزت لك أن لا تنصب السلم أو لا تصعد وبين قوله كن على السطح وإن لم تكن عليه فاعاقبك على ترك الكون ولا أعاقبك على ترك النصب ولا على ترك الترقي على كل واحد من الدرجات والذي نجوزه هو الثاني والذي يرد عليه الاعتراض هو الاول وعن الثالث منع كون المذمة على ترك المقدمة لذاتها بل إنما هو لاجل ترك ذي المقدمة حيث لا ينفك عن تركها ولهم حجج أخرى ضعيفة أقويها ما ذكرنا حجة القائلين بوجوب السبب دون غيره أما في غير السبب فما مر وأما في السبب فهو أن المسبب لا يتخلف عن السبب وجودا وعدما فالقدرة لا تتعلق بالمسبب بل القدرة على المسبب بإعتبار القدرة على السبب لا بحسب ذاته فالخطاب الشرعي وإن تعلق على الظاهر بالمسبب


[ 106 ]

إلا أنه يجب صرفه بالتأويل إلى السبب إذ لا تكليف إلا بالمقدور من حيث هو مقدور فإذا كلف المكلف كان تكليفا بإيجاد سببه لان القدرة إنما تتعلق بالمسبب من هذه الحيثية بخلاف ما إذا كانت المقدمة شرطا للواجب غير مستلزم إياه كالطهارة للصلاة والمشي للحج فإن الواجب هيهنا يتعلق به القدرة بحسب ذاته فلا يلزم أن يكون إيجابه إيجابا للمقدمة وحاصله أن المسبب لا ينفك عن السبب قطعا ووجوده واجب حينئذ ويمتنع عند عدمه فالتكليف بالمسبب إما تكليف بإيجاد الموجود أو الممتنع وكلاهما محال فلا يصح تعلق التكليف به فالتكليف متعلق بالسبب وجوابه أن المقدور لا يصير ممتنعا فإن الوجوب بالاختيار لا ينافي وكذلك الامتناع بالاختيار وبالجملة المسبب مقدور وإن كان بواسطة السبب ولذلك ذهب المحققون إلى جواز كون المطلوب بالاوامر هو المفهومات الكلية وإن لم يمكن وجودها الا في ضمن الفرد مع أن الامتناع بالمعنى المذكور يتمشى في الشروط أيضا وقد يورد عليه ايضا بأن ذلك مستلزم لارتفاع التكليف إذ كل سبب مسبب أيضا لاحتياج الممكن إلى المؤثر حتى ينتهي إلى الواجب وقد يجاب بأن المراد بالمسبب هيهنا ما له واسطة مقدورة بينه وبين المكلف لا كل ما له علة وإنتهاء العلل إلى الواجب تعالى لا يستلزم الجبر كما يشهد به الضرورة والشبهة المشهورة لا يعتنى بها في مقابلة البديهة وما يقال أن النزاع في السبب قليل الجدوى لان تعليق الامر بالمسبب نادر بل الغالب التعليق بالاسباب كالامر بالوضوء والغسل دون رفع الحدث ففيه ما لا يخفى إذ التعليق بالمسببات ايضا كثير إن لم نقل بكونه أكثر كالامر بالكفارة والامر بالعتق ونحوهما فإن الصيغة سبب العتق والعتق سبب الكفارة ولاحظ تعلق التكاليف بالكليات مع أن الفرد إنما هو السبب لوجود الكلي فالحاصل أن المختار عدم دلالة الامر بالمسبب على وجوب السبب كغيره من المقدمات بدلالة ما قدمنا سابقا نعم يمكن أن يقال أن الامر بالمسبب أمر بالسبب إذا كان المسبب فعل الغير مثل الامر بالاحراق فإنه حقيقة أمر بإلقاء الحشيش في النار مثلا لان الاحراق إنما هو فعل النار ولكن الظاهر إن المراد بالاحراق هنا هو ما يمكن حصوله من المكلف من المبادئ المستلزمة للاحراق مجازا لا أن يكون نفس الاحراق مأمورا به ويكون دالا على وجوب السبب باللزوم العقلي من جهة إستحالة حصول الاحراق عنه وهذا هو مقتضى إستدلال المستدل أيضا فعلى هذا يخرج الكلام عن موضوع هذا الاصل ومحل النزاع فإن الظاهر أن من يقول بدلالة الامر على وجوب السبب لا يقول بدلالته عليه مطابقة فالامر حقيقة إنما يوجه هناك إلى السبب مطابقة وإن كان باللفظ المجازي فافهم ذلك فإنه دقيق ثم أن ما ذكرنا مبني على أن لا يكون الافعال التوليدية مستندة إلى العلة الاولى حقيقة وإلا


[ 107 ]

فلا مانع من إسناد الاحراق إلى المخاطب كما في أمر الملك أحد أمرائه بفتح البلاد فلا يتفاوت المقام في دعوى كون الامر بالمسبب مستلزما للامر بالسبب بعنوان اللزوم العقلي لا الدلالة المجازية المطابقية ولكن ظاهر كلام المستدل هو المعنى الثاني فيختلف موضع النزاع بالنسبة إلى السبب وغيره من المقدمات و مع ذلك فقد عرفت بطلان دليله بما لا مزيد عليه حجة القول بتخصيص الوجوب بالشرط الشرعي أنه لو لم يكن واجبا لم يكن شرطا والتالي باطل فالمقدم مثله أما الملازمة فلانه لو لم يجب لجاز تركه وحينئذ فإما أن يكون الآتي بالمشروط آتيا بتمام المأمور به أم لا والثاني باطل لان المفروض أن المأمور به منحصر في المشروط فيلزم تمامية المأمور به بدون الشرط فيلزم عدم توقفه على الشرط هف وأما بطلان التالي فواضح والدليل على عدم الوجوب في غيره يظهر مما تقدم والجواب إختيار الشق الثاني وإن عدم الاتيان بتمام المأمور به لا يلزم أن يكون من حهة عدم الاتيان ببعض المأمور به بل يجوز أن يكون لفوات وصف من أوصاف المأمور به يختلف كيفية المأمور به بسببه وكون ما يستلزم عدمه عدم المأمور به واجبا أول الكلام وسيجئ بيان أن علة الحرام ليست بحرام كما تقدم أن سبب الواجب ليس بواجب ومن هذا يندفع ما قيل أو الواجب هو الصلاة المتصفة بكونها صادرة عن المتطهر فالاركان المخصوصة مع الطهارة حينئذ يكون سببا لايجاد الهيئة المحصلة لحقيقة المأمور به فيكون واجبا لكونه سببا مع أن ذلك إنما يتم إذا قلنا أن الجزء يجب بوجوب الكل وسيجئ الكلام فيه وتحقيق المقام هو ما تقدم من إثبات الوجوب الحتمي والتبعي ولكنه ليس بمحل النزاع في شئ ثم ان سوق هذه الحجة يجري في غير الشرط الشرعي من المقدمات العقلية والعادية أيضا ولا إختصاص لها بالشرط الشرعي والجواب الجواب تنبيهات الاول ربما يتوهم أنه لا خلاف في وجوب المقدمة إذا كانت المقدمة هو إتيان امور يحصل الواجب في ضمنها كالصلوة إلى أكثر من جانب والاتيان بالظهر والجمعة معا عند من إشتبه عليه المسألة وأوجب الاحتياط ونحو ذلك لانه عين الاتيان بالواجب بل هو منصوص في بعض الموارد كالصلوة إلى أربع جهات وفيه ما لا يخفى على المتأمل سيما بعد ما بينا من معنى الوجوب وثمرة النزاع والاجماع المتوهم ممنوع وأما الكلام في النص الوارد في بعض هذه الموارد فنحن أيضا لانتحاشى عن القول بالوجوب هناك ولا إختصاص به بهذا المورد بل الكلام فيه هو الكلام في مثل الوضوء إذا لوحظ وجوبه المستفاد من النص إذ الوجوب فيهما الحاصل من النص عليه هو الوجوب الغيري والفرق بين المنصوص وغير المنصوص إنما يحصل في كون الخطاب به أصليا أو تبعيا فوجوب سائر المقدمات تبعي ووجوب مثل ذلك أصلي ولا يذهب عليك أن ما ذكرنا هنا لا ينافي ما سبق منا من منع


[ 108 ]

وجوب الشرط الشرعي من المقدمات إذ الشرطية غير الوجوب كما هو مصرح به في كلام الاعلام مع أن ما تقدم من الكلام إنما هو في الوجوب المستفاد من إيجاد نفس الواجب وهو باق بحاله بالنسبة إلى مثل الوضوء أيضا والحاصل انا نقول بأن الامر بالصلوة ليس أمرا بالوضوء وذلك لا ينافي كون الوضوء شرطا من قبيل الشارع ولا كونه مأمورا به بخطاب عليحدة بل لا نضائق في ترتب العقاب على ترك الوضوء من جهة خصوص الامر به وإن كان وجوبه للغير كما هو مدلول أصل لفظ الامر ومصرح به في كلام جماعة من المحققين ونفي الخلاف في وجوب هذا القسم الذي تعلق به الوجوب على حدة المحقق الشيرازي في حاشية العضدي الثاني صرح جماعة بوجوب التروك المستلزمة للترك الواجب كالمطلقة المشتبهة فيما بين الاربع أو أقل والدينار المحرم في الدنانير المحصورة ونحوهما من باب المقدمة والذي يترجح في النظر هو عدم الوجوب وإن قلنا بوجوب المقدمة إذ الواجب إنما هو الاجتناب عما علم حرمته لا عن الحرام النفس الامري لعدم الدليل على ذلك والاصل والاخبار المعتبرة يساعدنا وكيف ما كان فالذي نمنع وجوبه هو إجتناب الجميع وأما إذا بقي منه بمقدار نجزم بإرتكاب الحرام فلا نجوزه وتمام التحقيق في ذلك يجئ في أواخر الكتاب إنشاء الله تعالى الثالث الظاهر أن الكلام في دلالة الواجب على وجوب جزئه كالكلام في سائر مقدماته والقدر المسلم من الدلالة هو التبعي إلا أن ينص عليه بالخصوص بعنوان الوجوب كما مر في حكم المقدمة الخارجة وربما نفى الخلاف عن الوجوب في الجزء لدلالة الواجب عليه تضمنا وهو ممنوع وقد جعل العلامة من فروع المسألة الصلاة في الدار المغصوبة من جهة أن الكون الذي هو جزء الصلوة واجب بسبب وجوب الواجب فلا يجوز أن يكون منهيا عنه قانون الحق أن الامر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده الخاص مطلقا وأما الضد العام فيقتضيه إلتزاما وتوضيح المقصد يقتضي رسم مقدمات الاولى الضد الخاص للمأمور به هو كل واحد من الامور الوجودية المضادة له عقلا أو شرعا وأما العام فقد يطلق على أحد الاضداد الوجودية لا بعينه وهو يرجع إلى الاول وقد يطلق على الترك اما بجعله عبارة عن الكف أن مجازا للمناسبة والمجاورة والمراد في هذا المبحث هو المعنى الثاني الثانية أن ترك الضد مما يتوقف عليه فعل المأمور به لاستحالة وجود الضدين في محل واحد فوجود أحدهما يتوقف على إنتفاء الاخر عقلا فالتوقف عقلي وإن كان الضد شرعيا إذ المراد بعد فرضه ضدا وقد أغرب بعض المحققين فأنكر كونه مقدمة وقال أنه من المقارنات الاتفاقية فلو كان ترك الضد مقدمة لفعل ضده فكون فعل الضد مقدمة لترك ضده أولى بالاذعان ولما كان منشأ توهم التوقف هو المقارنة الاتفاقية حصل ذلك الاشتباه في المقامين مع أنه محال وغرضه من المقام الثاني هو شبهة الكعبي الاتية فإنه جعل فعل المباح مقدمة لترك الحرام يعني


[ 111 ]

أنه لما قارن ترك الحرام لفعل المباح فتوهم أن المباح مقدمة له فكما أن ذلك باطل من باب محض الاتفاق فكذا فيما نحن فيه وأنت خبير بأن الفرق بينهما في كمال الوضوح فإن ترك الحرام قد يتخلف عن جميع الافعال مع وجود الصارف ومع عدم التخلف فلا يتوقف عليه غالبا بخلاف فعل المأمور به فإنه لا يمكنه التخلف أبدا وقوله مع أنه محال الظاهر أنه أراد منه لزوم الدور وهو أغرب من سابقه لان المقامين متغايران وإن أراد ان ترك الضد كما أنه مقدمة لفعل الضد الاخر على ما قلت ففعل الضد الاخر أيضا علة لترك هذا الضد ففيه أن في هذا الكلام إشتباه التوقف بالاستلزام فإن ترك احد الضدين لا يتوقف على فعل الضد الاخر لجواز خلو المكلف عنهما جميعا نعم فعل الضد الاخر يستلزم ترك الاخر وأين هذا من التوقف و الظاهر أن منشاء توهمه النظر إلى أن ترك الضد يتخلف غالبا من فعل ضده فحسب من ذلك أنه لا مدخلية لترك الضد في فعل ضده وحسب أن مقدمة الشئ هي ما يتوقف عليه الفعل في نظر المكلف مع تفطنه بكونه مما يتوقف عليه وأما مع وجود الصارف عن المكلف به وعدم حصوله في الخارج فلا يتحقق واجب في الخارج حتى يتحقق توقف ثم طرد الكلام غفلة إلى حال الاشتغال والتفطن وأنكر التوقف هنا أيضا وأنت خبير بأن عدم تفطن المكلف بالتوقف لا يوجب عدم التوقف في نفس الامر والثاني إنما هو معنى ما لا يتم إلا به لا الاول مع أن هذا الكلام يجري في سائر المقدمات أيضا فإن قلت إذا ترك الواجب لصارف عنه فينتفي الواجب فما معنى وجوب المقدمة مع أن وجوبه للتوصل إلى الواجب فإذا كان معنى المقدمة هو ما يتوقف عليه الواجب في نفس الامر سواء تفطن به المكلف أم لا وسواء أتى بالواجب أم لا فكيف يصح لك الحكم بالوجوب شرعا حينئذ كما هو مقتضى القول بوجوب المقدمة على ما ذكرت قلت علم الآمر بعدم الامتثال لا يؤثر في قدرة المكلف وإلا لزم الجبر وتوهم كون الخطاب بالمقدمة حينئذ قبيحا لان مع عدم الواجب لا معنى لطلب المقدمة لانها ليست مطلوبة في نفسها ومع وجود الصارف لا يمكن صدره مدفوع بالنقض بأصل الواجب أولا وبمنع إمتناع الواجب ثانيا وبأن التكليف للامتحان ثالثا فاللازم على القائل بوجوب المقدمة القول بالعقاب على ترك المقدمات التي لو فعل الواجب كان موقوفا عليه وعدم وجود الواجب وعدم التأثير في الوجود في الخارج وفي نظر المكلف لا يضر وهذا من أفضح ما يلزم القائل بوجوب المقدمة فإن إجراء أحكام الواجب على تلك المقدمات أصعب شئ فمن كان عليه أداء دين مع المطالبة وكان له صارف عن أدائه يلزمه عدم صحة عباداته من أول العمر إلى آخره غاية ما في الباب أنه لا يترتب ثواب على ترك الضد لو لم يتفطن المكلف له في صورة الامتثال بالمأمور به لو قلنا بأن الامتثال


[ 112 ]

بالنهي إنما يكون بالكف لا بنفس أن لا يفعل وذلك مع أنه غير مسلم كما سيجئ لا ينفي ترتب العقاب على فعله على القول بوجوب المقدمة الثالثة المباح يجوز تركه خلافا للكعبي فإنه قال بوجوب المباح و المنقول عنه مشتبه المقصود فقد يقال أن مراده أن كل ما هو مباح عند الجمهور فهو واجب عنده لا غير وقد يقال أن مراده أن كلما كان مباحا بالذات فهو واجب بالعرض وعلى أي التقديرين فالنزاع معنوي والمنقول عنه في دليله وجهان أحدهما أن ترك الحرام واجب وهو متلازم الوجود مع فعل من الافعال فكل ما يقارنه فهو واجب لامتناع إختلاف المتلازمين في الحكم وثانيهما أنه لا يتم ترك الحرام إلا بإتيان فعل من الافعال وهو واجب فذلك الفعل أيضا واجب لان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب و الجواب عن الاول منع ذلك فإن الممتنع هو إجتماع الضدين في محل واحد لا في المتقارنين في الوجود إلا في العلة والمعلول عند بعضهم وأما الثاني فأجيب عنه بوجوه الاول ان هذا لا يختص بالمباح فقد يتم بالواجب وفيه أنه لا يرفع الاشكال لانه يقول حينئذ بكونه أحد أفراد الواجب المخير والثاني أنه يلزم كون الحرام واجبا (كالشرب) ؟ لترك القذف والواجب حراما كالصلاة لترك الواجب ويدفعه إعتبار الجهتين والثالث منع وجوب المقدمة والتحقيق في الجواب أن ذلك ليس بمقدمة مطلقا إذ الصارف يكفي في ترك الحرام نعم لو تحقق فرض لا يمكن التخلص إلا بإتيان شئ فنقول بوجوبه إن قلنا بوجوب المقدمة وذلك لا يثبت الكلية المدعاة خصوصا إن قلنا بأن المراد من ترك الحرام هو نفس أن لا يفعل فإنه يحصل غالبا ولا يحتاج إلى شئ اصلا بل وقد يكون المكلف حينئذ خاليا عن كل فعل إن قلنا ببقاء الاكوان وعندم إحتياج الباقي إلى المؤثر فكذلك إن قلنا بكونه الكف إذ كثيرا ما لا يتصور فعل الحرام حتى يجب الكف عنه فحينئذ لا يكون المباح أحد أفراد الواجب المخير أيضا أللهم إلا أن يقال بالنظر إلى ما حققناه سابقا في مقدمات القانون السابق من أن المقدمات قد تكون غير مقدورات وأنه قد يقوم غير المقدور مقام المقدور ان المباح احد أفراد الواجب المخير ولكن قد يقوم مقامه ومقام سائر أفراده بعض الامور الغير المقدورة مثل عدم شرط الحرام ووجود المانع عنه ونحو ذلك فالصارف أيضا من أحد أفراد الواجب المخير لو كان هو ترك الارادة بالاختيار ومن جملة ما يقوم مقام تلك الافراد لو كان شيئا خارجا عن الاختيار وأنت خبير بأن هذا في الحقيقة تخيير بين الامور المقدورة والغير المقدورات مسقطات لها لا أنه تخيير بين المقدورات وغير المقدورات كما قد يتوهم مع أنا لو سلمنا التخيير مطلقا فلا نأبى عن كونه أحد أفراد الواجب المخير بهذا المعنى ولكن ليس هذا مراد الكعبي وأما ما ذكره المحقق السابق الذكر من أنه لا مدخلية للمباح في ترك الحرام أصلا ومطلقا وأنه من مقارناته الاتفاقية مطلقا ففيه ما فيه إذ كثيرا ما نجد من أنفسنا توقف ترك الحرام على فعل وجودي بحيث لو لم نشتغل به لفعلنا الحرام ولا يمكن إنكاره وأطلنا الكلام في إبطال توهمه وتوضيحه فيما


[ 113 ]

علقناه على تهذيب العلامة الرابعة موضع النزاع ما إذا كان المأمور به مضيقا والضد موسعا ولو كانا موسعين فلا نزاع وأما لو كان مضيقين فيلاحظ ما هو الاهم وقد يفصل بأن الفعلين إما كلاهما من حق الله أو حق الناس أو مختلفان وعلى التقديرات أما معا موسعان أو مضيقان أو مختلفان فمع ضيق أحدهما الترجيح له مطلقا ومع سعتهما التخيير مطلقا وأما الثاني فمع إتحاد الحقيقة التخيير مطلقا إلا إذا كان أحدهما أهم في نظر الشارع كحفظ بيضة الاسلام ومع إختلافهما فالترجيح لحق الناس إلا مع الاهمية إذا تمهد هذا فنقول يكثر النزاع في إقتضاء الامر بالشئ (النهي) ؟ عن ضده بكل من المعنيين و عدمه وفي كيفية الاقتضاء بالعينية أو التضمن أو الاستلزام اللفظي أو العقلي ولما كان بعض الخلافات والاقوال في المسألة في غاية السخافة فنقتصر الكلام في بيان مقامين الاول الاقوى أن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ترك المأمور به إلتزاما لا تضمنا كما توهم بعضهم إذ المنع من الترك ليس جزء مفهوم الامر فإن معنى إفعل هو الطلب الحتمي الجازم ويلزمه إذا صدر عن الشارع ترتب العقاب على تركه والممنوعية عنه فالمنع عن الترك لو سلم كونه جزء معنى الوجوب لا يلزم منه كون جزء معنى إفعل كما توهم وبتذكر ما أسلفنا في مباحث دلالة الصيغة على الوجوب تتبصر هنا فالصيغة تدل عليه إلتزاما بينا بالمعنى الاعم والقول بالعدم منقول عن السيد رحمه الله وبعض العامة محتجا بأن الامر قد يكون غافلا فلا يتحقق النهي و فيه أن الغفلة مطلقا حتى إجمالا ممنوع وهو يكفي ولذلك قلنا بكون اللزوم بينا بالمعنى الاعم مع أن القصد غير معتبر في الدلالة كما في دلالة الاشارة ولكن ذلك خارج عن محل النزاع وكما أن القول بالعينية في الضد الخاص إفراط فهذا القول تفريط ولا ثمرة في هذا النزاع الثاني الحق عدم دلالة الامر بالشئ على النهي عن الضد الخاص والمثبتون بين من يظهر منه الالتزامية اللفظية ومن يظهر منه الالتزامية العقلية لنا أنه لا دلالة لقولنا أزل النجاسة عن المسجد على قولنا لا تصل ونحوه بإحدى من الدلالات الثلاث أما المطابقة فظاهر وكذا التضمن وقد مر ما يمكن لك إبطاله به بطريق أولى وأما الالتزام فاللزوم البين بالمعنى الاخص فيه منتف كما هو ظاهر ولم يدعه الخصم أيضا كما يظهر من أدلتهم الاتية وأما البين بالمعنى الاعم فأيضا غير موجود لانه لا يلزم من تصور الامر وتصور الضد والنسبة بينهما كون الآمر قاصدا حرمة الضد وسنبطل ما تشبث به الخصم في ذلك نعم يدل عليه دلالة تبعية من قبل دلالة الاشارة ولكن ذلك ليس مما يثمر فيما نحن فيه فإن ترك الضد من مقدمات المأمور به ووجوب تركه تبعي والوجوب التبعي لا يفيد إلا أن ترك الضد مطلوب للآمر تبعا بمعنى ان المقصود بالذات هو الاتيان بالمأمور به وطلب ترك الضد إنما هو لاجل الوصول إليه فلا يثبت بذلك عقاب على ترك


[ 114 ]

الترك بمعنى فعل الضد فلا يثبت فساد كما مرت الاشارة واحتج المدعون للدلالة اللفظية بأن أمر الايجاب طلب فعل يذم على تركه إتفاقا ولا ذم إلا على فعل لانه المقدور وهو ليس إلا الكف وفعل ضده والذم بأيهما كان يستلزم النهي عنه إذ لاذم بما لم ينه عنه لانه معناه وفيه منع إنحصار الذم على الفعل لما سنحققه من أن مطلق ترك الفعل أيضا مقدور بسبب القدرة على إستمراره ولا نحتاج إلى الكف مع أن الكف لا يتحقق في ترك المأمور به عرفا فالمدخلية الزجر والاكراه في مفهومه وإن أريد به مطلق صرف عنان الارادة فيكفي في ذلك الكف ولا يثبت بذلك حرمة الاضداد الخاصة لعدم إنفكاكها عنه بهذا المعنى سلمنا لكن نقول أن هذا الاستلزام تبعى لا اصلى كما مر ولا (يضر) ؟ بل القدر المسلم في الكف أيضا هو ذلك والذي هو مراد القائلين هو الحكم الاصلي لا التبعي كما يظهر من ترتب الثمرات في الفقه واحتج المثبتون للاستلزام العقلي بوجوه ويريدون بالاستلزام العقلي أن العقل يحكم بأن مراد المتكلم ذلك أصالة لا العقلي بمعنى التبعي فإنه ليس من محط النزاع في شئ الاول ان ترك الضد مما لا يتم فعل المأمور به إلا به فيكون فعله حراما وهو معنى النهي عنه وقد أجاب عنه بعض المحققين بمنع كون ترك الضد من مقدمات المأمور به وقد عرفت بطلانه بما لا مزيد عليه والتحقيق في الجواب منع وجوب المقدمة أصالة وتسليمه تبعا وهو لا ينفع المستدل كما تكرر الاشارة وقد أجيب أيضا بأن وجوب المقدمة توصلي والوجوب للتوصل يقتضي إختصاصه بحالة الامكان ومع وجود الصارف عن فعل المأمور به لا يمكن التوصل إليه بترك الضد وفيه ما لا يخفى إذ إختيار الصارف بالاختيار لا ينفي إمكان تركه و إختيار الفعل والتوصل إليه بالمقدمة كما في تكليف الكافر بالعبادة فكما أنه مكلف بأصل الواجب مكلف بإتيان ما يتوصل إليه على القول بوجوب المقدمة وقد مر في المقدمة الثانية ما ينفعك هنا وقد أجيب أيضا بأن دليل القول بوجوب المقدمة لو سلم فإنما يسلم في حال ارادة الفعل وإذا كان له صارف فلا يريد الفعل فلا يلزم تكليف ما لا يطاق أو خروج الواجب عن الواجب وفيه أنه يدل على الوجوب في حال إمكان الارادة ولا يشترط فعليتها نعم وجودها لا بد أن يكون في حال الارادة فهو غير محل النزاع ويظهر ما ذكرنا أيضا من التأمل في المقدمة الثانية الثاني أن فعل الضد مستلزم لترك المأمور به المحرم والمستلزم للمحرم محرم وقد أجيب بأن الاستلزام إن أريد به محض المقارنة في الوجود وعدمه الانفكاك في الوجود الخارجي فنمنع الكبرى وإلا لثبت قول الكعبي بإنتفاء المباح وإن أريد به كونه من جملة مقدماته وإن لم يكن سببا وعلة ففيه أيضا منع الكبرى بل الصغرى أيضا وإن أريد علية فعل الضد لترك المأمور به أو كونهما معا معلومين لعلة ثالثة فهو إن كان يستلزم ذلك لاستبعاد


[ 115 ]

حرمة المعلول من دون العلة كوجود المسبب من دون السبب ولان إنتفاء التحريم في احد المعلولين يستدعي إنتفائه في العلة فيختص المعلول الاخر الذي هو المحرم بالتحريم من دون علته ولكنهما ممنوعان فيما نحن فيه إذ العلة في ترك المأمور به إنما هو الصارف وعو عدم الارادة فهو المانع أبدا سيما بملاحظة أنه مقدم على فعل الضد طبعا إلا أن يجبر على فعل الضد وكان الصارف منتفيا وهو خارج عن محل النزاع لسقوط التكليف حينئذ فليس فعل الضد علة ولا هو مع ترك المأمور به معلولا لعلة ثالثة إذ ما يتصور كونه علة لهما هو الصارف عن المأمور به وهو ليس علة لفعل الضد بل قد يكون من مقدماته أقول الظاهر أن مراد المجيب من العلة هو السبب والتحقيق أن منا ذكره أيضا لا يستلزم التحريم لو ثبت فكيف ولم يثبت فإنك قد عرفت أن وجوب المسبب لا يدل على وجوب السبب ومثله الكلام في علة الحرام بل الظاهر أنه كذلك لو أراد من العلة العلة التامة أيضا وكذلك إذا كانا معلولين لعلة واحدة إذ إنتفاء التحريم معلول إنما يقتضي عدم تحريم علته من حيث أنها علته فلا يلزم عدم تحريمها مطلقا فيكون حراما بالنسبة إلى المعلول الاخر وبالجملة ولا دليل على كون علة الحرام حراما فإن ذلك إما من جهة كونها مقدمة للحرام فيدل على حرمتها النهي عن ترك الواجب وفيه ان توقف تحقق ترك الواجب عليها ممنوع أولا سلمنا لكن الخطاب تبعي توصلي عقلي وقد تقدم أنه لا يثبت التحريم المقصود نظير وجوب المقدمة وأما من جهة إستفادة ذلك من سائر أحكام الشرع وتتبع مواردها وفيه أنا لم نقف على ما يفيد ذلك بل المستفاد من تتبعها خلافه ويرشدك إلى ذلك ملاحظة فتوى الفقهاء بكراهة صنائع تنجر إلى الحرام وأما من جهة حكم العقل صريحا وهو أيضا ممنوع لان العقل لا يستحيل كون الشئ حراما من دون علته بلا لا يستبعد فلا مانع من الحكم بحرمة الزنا مع حلية أكل الطعام الذي يوجب القوة عليه إلا من باب التكليف التبعي الثالث لو لم يحرم الضد وتلبس به كالصلوة بالنسبة إلى إزالة النجاسة مثلا فإن بقي الخطاب بالازالة لزم التكليف بالمحال وإلا خرج الواجب المضيق عن وجوبه وقد أجيب بأن الاوامر الدالة على وجوب الازالة ونحوها فورا مخصوصة بما لم يكن المكلف متلبسا بواجب والاولى في الجواب إختيار الشق الاول وتسليم جواز هذا التكليف لكون المكلف هو الباعث عليه فيعاقب على ترك الازالة ويحكم بصحة الصلوة ولا منافاة تنبيهات الاول ان بعض المحققين ذكر أدلة المثبتين والنافين وضعفهما ثم قال ولو ابدل النهي عن الضد الخاص بعدم الامر به فيبطل لكان أقرب وحاصله أن الامر بالشئ وإن لم يقتض النهي عن ضده لكن يقتضي عدم الامر بالضد إقتضاء عقليا لامتناع الامر بالمتضادين في وقت واحد


[ 116 ]

فإذا لم يكن الضد مأمورا به فيبطل لان الصحة إنما هو مقتضى الامر وبدونه يبطل فإن الاصل عدم الصحة وفيه أولا أن ذلك على تسليم صحته إنما يتم في العبادات وأما في المعاملات فلا يتم مطلقا وثانيا منع إقتضائه عدم الامر مطلقا إذ الذي يقتضيه الامر بالشئ عدم الامر بالضد إذا كان مضيقا وأما إذا كان موسعا كما هو المفروض فلا ولا إستحالة في إجتماع الامر المضيق والامر الموسع فإن معنى الموسع أنه يجب أن يفعل في مجموع ذلك الوقت بحيث لو فعل في أي جزء منه إمتثل ولم يتعين عليه الاتيان في آن معين من آناته وهذا نظير ما سيجئ تحقيقه من جواز إجتماع الامر والنهي في الشئ الواحد مع تعذر الجهة فإن ذلك من سوء إختيار المكلف كما إذا اختار المكلف إيقاع مطلق الصلوة في خصوص الدار الغصبي الثاني ان النزاع في أن النهي عن الشئ هل هو أمر بضده أم لا بعينه هو النزاع في الامر في إدعاء العينية والاستلزام ويمكن إستنباط الادلة بملاحظ ما سبق والحق عدم الاقتضاء ولو دل لدل على الامر بضدها بخلاف الامر فإنه يقتضي النهي عن جميع الاضداد والامر الندبي أيضا فيه قولان وقد يقال لو دل على النهي عن الضد تنزيها لصار جميع المباحات مكروهة لاستحباب إستغراق الوقت بالمندوبات فتأمل والحق عدم الدلالة فيه أيضا ويظهر من ذلك الكلام في المكروه وضده أيضا قانون لا خلاف في ورود الامر بواحد من أمرين أو أمور على سبيل التخيير ظاهرا واختلفوا في المأمور به فذهب أصحابنا وجمهور المعتزلة إلى أنه كل واحد منها على البدل فلا يجب الجميع ولا يجوز الاخلال بالجميع وأيها فعل كان واجبا في نفسه لا أن يكون بدلا عما هو واجب وذهب الاشاعرة إلى أنه أحد الابدال لا بعينه وهناك أقوال أخر شاذة فمنها أنه هو الجميع ويسقط بفعل البعض ومنها أنه معين عند الله ولكن يسقط به وبالاخر وهما أيضا للمعتزلة ومنها ما تبرء كل من الفريقين منه ونسبه إلى الاخر وهو أن ما يفعله المكلف ويختاره فهو الواجب عند الله فيختلف بإختلاف المكلفين وكلها باطلة مخالفة للاجماع والاعتبار فأجود الاقوال القولان الاولان ولكن الاشكال في تحقق معنى التخيير على مذهب الاشاعرة من جهة أن الكلي لا تعدد فيه ولا تخيير فهى وإلا لزم التخيير بين فعل الواجب وعدمه ويندفع بأن المراد المخير في أفراده فالوصف بحال المتعلق ويشكل هذا بالواجبات العينية فانها ايضا كليات مخير في افرادها ويمكن دفعه بأن الكلي في المخير جعلي منتزع من الافراد تابع لها في الوجود كأحد الابدال بخلافه في العينيات فإنه متأصل وعلة للافراد سابق عليها طبعا وقد يجتمع الاعتبار ان كالكفارة بالنسبة إلى الخصال فالخطاب بالكفارة عيني يستتبع التخيير في أفرادها والخطاب بإحدى الخصال تخييري ويبقى الكلام في ثمرة النزاع بين الفريقين فربما قيل أن


[ 117 ]

النزاع لفظي وليس كذلك ولكنه قليل الفايدة في الفقه ومما يمكن أن يكون ثمرة النزاع أنه إذا نذر أن يأتي بثلث واجبات شرعية تعلق الوجوب من الشارع بها بنفسها فيبر نذره بالاتيان بخصال الكفارة الثلث مطلقا على الاول بخلاف مذهب الاشاعرة فإن الخطاب لم يتعلق بالخصال بل بالمفهوم الكلي المنتزع منها وأما الدليل على المذهبين فالاولون يتمسكون بالتبادر من قوله تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن الظاهر منه إيجاب الاطعام والكسوة والتحرير على سبيل البدلية والاشاعرة يقولون كلمة أو لاحد الشيئين أو الاشياء مبهما وإذا جاز تعلق الامر بواحد مبهم كما هو محقق ومستقيم والنص دل بظاهره عليه يجب العمل بمقتضى ظاهره ولكل وجه ولما كان أصل هذا المبحث قليل الفائدة فلنقتصر على ذلك ولا نطيل الكلام بالكلام في سائر الاقوال وعليها وقد أطلنا الكلام في تعليقاتنا على التهذيب فايدة قد عرفت أن المكلف بالواجبات العينية أيضا مخير في إتيانها في ضمن أي فرد شاء و هذا التخيير عقلي فاعلم أن الافرادقد يكون بعضها أزيد من بعض فالامتثال بالامر بالتصدق يمكن بدرهم وبدينار وبمطلق الذكر في الركعتين الاخيرتين على القول به يحصل بتسبيحة وبأكثر وهكذا وكذا الواجبات التخييرية فقد تكون متفقات في الحقيقة مختلفات في الزيادة والنقصان كالقصر والاتمام في المواطن الاربعة والاربعين والخمسين في بعض منزوحات البئر والستة والخمسة في ضرب التأديب واختلفوا في إتصاف الزايد بالوجوب على أقوال أظهرها ثالثها وهو أنه إن كان حصوله تدريجيا بحيث يوجد الناقص قبل القدر الزايد كما في التسبيحة في الاول والاربعين في الثاني فالمتصف بالوجوب هو الاول لا غير لحصول الطبيعة في الاول وبه يحصل الامتثال وحصول أحد الافراد في الثاني وإن لم يكن ذلك فواجب كله لكونه فردا من الواجب نعم إختياره مستحب لكونه أكمل الافراد فيكون ثوابه أزيد وهذا هو دليل من أطلق الوجوب وغفل عن صورة التدريج وأما القائل بإستحباب الزايد فيستدل بأنه يجوز تركه لا إلى بدل فلا يجب وفيه أن الاقل بدل عن المجموع وعلى ما ذكره يلزم تكرار المسح فيمن يمسح بثلث أصابع إذا قصد كون الاثنين مستحبا والواحد واجبا وعلى ما ذكرنا فالواجب واحد وهو أكمل أفراده ويمكن جعل التمام ماهية مخالفة للقصر فلا يكون تخييرا بين مجرد الزايد والناقص ولذلك لا يجوز الاكتفاء بالركعتين إذا نوى التمام أولا فتدبر في الامثلة والامكنة فلا تغفل قانون لا خلاف في جواز الامر بالشئ في وقت يساويه كصوم رمضان كما لا إشكال في عدم جواز الامر بشئ في وقت ينقص عنه للزوم المحال وإطلاق الاداء على مجموع الصلوة المدرك ركعة منها في الوقت إصطلاح أو من


[ 118 ]

جعل الشارع للنص الصحيح المستفيض بأن من أدرك ركعة من الوقت قد أدرك الوقت فيكون ذلك شرعا بمنزلة إدراك الوقت أجمع ويتفرع عليه كونه مؤديا للجميع ويضعف كونه قاضيا مطلقا أو لما وقع في خارج الوقت كما صرح به في تمهيد القواعد واختلفوا في جواز الامر بشئ في وقت يزيد عليه ويطلق عليه الواجب الموسع والحق وقوعه وفاقا لاكثر المحققين لامكانه عقلا ووقوعه شرعا اما جوازه عقلا فلانه لا مانع منه إلا ما تخيله الخصم من لزوم ترك الواجب وهو باطل جزما لانه يلزم لو ترك في جميع الوقت فكما أنه يجوز تخيير الشارع بين أفراد مختلفة الحقائق فيجوز تخييره بين أفراد متفقة الحقائق متمايزة بخصوصيات أجزاء الوقت ونظير ذلك التوسعة في المكان كوقوف عرفات و غيرها وأما وقوعه فللامر بصلوة الظهر وصلوة الزلزلة وغيرهما فلما كان تطبيق أول جزء من الفعل بأول جزء من الوقت وآخره بآخره غير مراد إجماعا وغير ممكن عادة في الاغلب وكذا تكريره إلى إنقضاء الوقت ولا مرجح لاحد من الاجزاء على الاخر فينبغي أن يراد ما ذكرنا جوازه عقلا وهو التخيير بين الايقاعات الممكنة في أجزاء ذلك الوقت والخصم لما أحال التوسيع للزوم خروج الواجب عن الواجب فيلزمه التجشم في تأويل أمثال هذه الاوامر فافترقوا على مذاهب فذهب بعض الشافعية إلى إختصاص الفعل بأول الوقت ونقل لك عن ظاهر المفيد وإبن أبي عقيل بل نقل عنهما العقاب على التأخير وصيرورته قضاء والظاهر أن مرادهم بالعقاب هو ما إذا تركه رأسا لا بمعنى كون العقاب على الترك في الجميع لكي يرتفع النزاع بل بمعنى العقاب على الترك في الاول ولكنهم يقولون بالعفو حتما بعد فعله ثانيا ولا كذلك المضيقات فإنه لا عفو حتميا فيها فالتوسعة في وقت العفو احتجوا بأنه لو لم يكن الوقت هو الاول للزم كونه قبل الوقت وهو باطل كما في الصلوة قبل الزوال وفيه أنه انما يتم في مقابل من خصه بالاخر مع أن بطلان التالي على قوله أيضا ممنوع للنقض بتقديم الزكاة نفلا وتقديم غسل الجمعة يوم الخميس وأما نحن ففي فسحة عن ذلك وغيره وبعض الحنفية إلى إختصاصه بالاخر محتجا بلزوم المعصية في التأخير لولاه وهو منفي بالاجماع وفيه أن الاجماع ممنوع لو أريد أصل المعصية ومع حصول العفو فلا يضر كما ورد أن أول الوقت رضوان الله واخره عفو الله فحصل الفارق وقيل أنه مراعى فإن أدرك آخر الوقت ظهر كونه واجبا وإلا فهو نفل ففعله في الاول نفل لكنه قد يسقط الفرض ولعله أراد أن الوجوب مشروط بإدراك مجموع الوقت وهو في غاية الوهن بعدما بينا وقد ذكروا في تفسيره وجوابه وجوها ذكرناها في حواشي التهذيب لا فائدة في ذكرها وعلى ما اخترناه من كونه من باب التخيير في الايقاعات فهل يجب في كل من التروك بدلية العزم عليه ثانيا حتى يتضيق الوقت فيتعين الواجب أو لا قولان


[ 119 ]

أظهرهما العدم لعدم الدليل وعدم دلالة الامر عليه بأحد من الدلالات وأما سائر الادلة فمدخولة مثل أنه لا بد من مساواة البدل والمبدل والفعل واحد والعزم متعدد ومن لزوم تساويهما في الحكم والفعل مسقط للتكليف دون العزم وفيهما معا أن المبدل منه هو الايقاعات إلى أن يتضيق فيتعين ومثل دعوى القطع بأن الامتثال بالفعل يحصل من غير جهة البدلية وفيه أن ثبوت البدلية لا يقتضي قصد الفعل من جهتها وقد يجاب ايضا بان البدل هيهنا تابع مسبب عن ترك مبدله كالتيمم بدل الوضوء وكخصال الكفارة على القول بالترتيب وكتحصيل الظن بوقوع الكفائي عند تركه فإطلاق البدل عليه إصطلاح وجهة البدلية لا يعتبر في مثل ذلك احتجوا بأنه لو جاز الترك بلا بدل لما فصل عن المندوب وفيه أنه لا كلام لنا في الفرد الاخير وأما الباقي فالبدل محقق وهو كل واحد من الجزئيات المتمايزة بالوقت وبلزوم خلو الترك عن بدل فيما إذا مات فجأة ولا إثم لجواز التأخير و فيه أن الواجب ما يستحق تاركه العقاب في الجملة ويصدق عليه أنه لو لم يفعله ولا سائر الافراد مع ظن الموت أو مع فرض بقائه إلى آخر الوقت لاستحق العقاب وسيجئ أنه يجوز التأخير مع ظن السلامة فالموت فجأة مع عدم التقصير لا يخرجه عن الوجوب وبأنه لولاه لزم تساويه في الوقت وقبله فيخرج عن الوجوب وفيه أن تركه في الوقت ليس بدون البدل وهو الجزئي الاخر من جنسه بخلاف ما قبل الوقت وبأنه ثبت فيه حكم خصال الكفارة لسقوط كل بفعل الاخر وحصول العصيان بتركهما وفيه أن سقوط كل بفعل الاخر بمجرده لا يستلزم الوجوب إن أريد مجرد الرخصة في الترك و إن أريد حصول العصيان أيضا بتركهما فهو أول الكلام فإن الكلام إنما هو قبل تضييق الوقت مع أن كون الرخصة في الترك لاجل إختيار العزم لا الفرد الآخر أول الكلام ومع تسليم وجوب العزم فقد يقال أنه ليس من جهة أنه بدل الفعل بل لان غير الغافل يجب عليه العزم على الواجبات إجمالا أو تفصيلا حين إستشعرها كذلك وهو من أحكام الايمان ولوازم (المؤمن) ؟ ولا إختصاص له بالواجب الموسع ولا بها بعد الوقت بل يجب ولو قبل عشرين (ستة) ؟ فوجوب العزم ليس من جهة أنه بدل الواجب ولكن لما كان العزم على الفعل بعد وقوعه ممتنعا فيتوهم بعد الفعل أنه كان أحد الواجبين التخييرتين واسقطه الاخر مع أنه قد يتأمل في أصل وجوبه أيضا لان غاية الامر أنه يجب على المؤمن أن لا يعزم على الترك حين الالتفات وأما وجوب العزم على الفعل ففيه إشكال ولا تلازم بينهما كما توهم لثبوت الواسطة ويؤيدة ما قيل أنه لو وجب العزم فيلزم إنضمام بدل آخر في بعض الاحيان مثل العزم على صوم رمضان أو إختيار سفر مباح ولم يقل به أحد


[ 120 ]

تتميم التوسعة في الوقت إما محدود كالظهر أو غير محدود مثل ما وقته العمر كالحج وصلوة الزلزلة والنذر المطلق ويتضيق الاول بتضيق وقته أو بظن الموت والثاني بظن الموت ومثل ظن الموت الظن بعدم التمكن فيعصي من ضاق عليه الوقت بالتأخير إتفاقا لان اليقين بالبرائة لا يحصل إلا بذلك وتحصيله واجب عند إشتغال الذمة يقينا والمراد اليقين في موافقة الامر والاطاعة لا أن برائة الذمة لا يحصل بالاتيان فيما بعد لو ظهر بطلان الظن فافهم ذلك ثم لو ظهر بطلان الظن فالظاهر بقاء المعصية لانه مكلف بالعمل بالظن وقد خالفه فصار عاصيا كما لو وطئ امرأته بمظنة الاجنبية وشرب خلا بمظنة الخمر ونحو ذلك فلاريب في العصيان إنما الاشكال في أنه قضاء أو أداء الاشهر الاقوى الثاني لانه وقع في وقته وقيل أنه قضاء لوقوعه بعد الوقت بحسب ظنه وضعفه ظاهر واما ظان السلامة الذي فاجأه الموت فلا عصيان عليه بالتأخير وقيل بالعصيان فيما وقته العمر للزوم خروجه عن الوجوب لولاه بخلاف الموقت فإنه يجوز التأخير فيه إلى أن تضيق الوقت وتعين الوجوب وهو تحكم بحت لان ذلك يرد في المحدود لو ظن السلامة إلى آخر الوقت مع أن غير المحدود أيضا يتضيق وقته ويتعين عند ظن الموت تنبيه ومما يتفرع على توسيع الوقت والتخيير فيه التخيير في لوازمه بدلالة الاشارة فلا يمكن التمسك بإستصحاب ما يلزم المكلف في أول الوقت في جزء آخر فالمكلف في أول الظهر إنما هو مكلف بمطلق صلوة الظهر فعلى القول بإعتبار حال الوجوب في مسألة القصر في السفر لا يمكن التمسك بإستصحاب وجوب التمام أول الوقت لان المكلف مخير في أول الوقت بأداء مطلق صلوة الظهر في أي جزء من الاجزاء ويمكن المخالفة في الاجزاء في نفس الامر بالقصر والاتمام والصلوة بالتيمم والغسل والوضوء وصلوة الخوف وصلوة المريض وغير ذلك فتخيير المكلف بإيقاعها في هذه الاجزاء تخيير في لوازمها فافهم ذلك واضبطه وإن شئت تقريرا أوضح فاعتبر الاشارة من ملاحظة ما دل على توسيع الظهر مع ما دل على إباحة السفر مطلقا مثلا كما يستفاد أقل الحمل من الايتين فتأمل قانون الواجب الكفائي ما قصد به غرض يحصل بفعل البعض ولا يتعلق الغرض بحصوله من كل واحد من المكلفين أو بعض معين منهم كخصائص النبي صلى الله عليه وآله ولا ريب في جوازه عقلا ووقوعه شرعا كالجهاد المقصود منه حفظ الاسلام وإذلال الكفار وصلوة الميت المقصود منه إحترام الميت والحق أنه واجب على الجميع ويسقط بفعل البعض لا كما قيل بتعلقه بالمجموع ولا كما قيل بتعلقه بالبعض الغير المعين لنا أنهم لو تركوا جميعا لذموا بالترك واستحقوا العقاب جميعا بإتفاق الخصم وهو معنى الوجوب وأما السقوط بفعل البعض فإجماعي حجة القول الثاني أنه لو تعين على


[ 121 ]

كل واحد كان إسقاطه عن الباقين رفعا للطلب بعد تحققه فيكون نسخا فيفتقر إلى خطاب جديد ولا خطاب فلا نسخ فلا يسقط بخلاف الايجاب على الجميع من حيث هو فإنه لا يستلزم الايجاب على كل واحد ويكون التأثيم للجميع بالذات ولكل واحد بالعرض وأجيب بأن سقوط الامر قبل الاداء قد يكون بغير النسخ كإنتفاء علة الوجوب كإحترام الميت مثلا فإنه يحصل بفعل البعض ولهذا ينسب السقوط إلى فعل البعض وبأن الوجوب لو لم يتعلق بكل واحد فكيف ينوي كل واحد منهم الوجوب وحجة الاخرين وجوه الاول أن الوجوب لو كان على الكل لما سقط بفعل البعض وفيه أنه إستبعاد محض ومثله يجري في الواجبات العينية أيضا كإسقاط دين رجل بإداء متبرع عنه الثاني كما أنه يجوز الامر بواحد مبهم إتفاقا يجوز الامر ببعض مبهم فإن ما يحصل مانعا هو الابهام وقد لغى وقد يسقط بفعل أي بعض كان فيكون واجبا على بعض مبهم وفيه أنه قياس مع الفارق لانكم تقولون بتأثيم الكل على ترك ذلك البعض المبهم فيما نحن فيه بخلاف الامر بواحد مبهم فإن التأثيم ليس إلا على ترك الواحد بل التأثيم للكل حين ترك الكل دليل على الوجوب على الكل ولا معنى لعقاب شخص عن شخص آخر فثمرة النزاع إذا إنما هو في إتصاف كل واحد منها بالوجوب وعدمه إذا صدر عن الكل ويتفرع عليه ثمراته الثالث قوله تعالى ولو لا نفر من كل فرقة الآية فإن التنديم والتهديد على طائفة منكرة مبهمة وأجيب بان المراد بيان ما يسقط الوجوب جمعا بين الادلة مع أن إشتغال الجميع يوجب إختلال النظام والعسر والحرج وكما أن الشروع واجب فالاتمام أيضا واجب فالسقوط إنما هو بعد التفقه ثم أن الواجب الكفائي لا يسقط إلا مع حصول العلم بفعل الاخر وهو يعتبر الظن الشرعي مثل شهادة العدلين ونحوها فيه قولان الاقرب الاعتبار والظاهر أن مجرد العلم بحصول الفعل من مسلم يكون كافيا حملا لفعله على الصحة بمقتضى الادلة القاطعة فلا يعتبر العدالة وتمام هذا الكلام في الفروع قانون إختلفوا في أن الامر المعلق بالكلي ظاهرا هل المطلوب به هو الماهية أو الجزئي المطابق للماهية الممكن الحصول وصرح بعضهم بوصفه بالحقيقي أيضا لانه هو الموجود في الاعيان والاقرب الاول للتبادر عرفا ولان الاوامر مأخوذة من المصادر الخالية عن اللام و التنوين وهي حقيقة في المهية لا بشرط شئ ونقل فيه السكاكي إجماع اهل العربية ولا يفيد الهيئة إلا طلب ذلك الحدث مع أن الاصل عدم الزيادة والظاهر أن من يدعي أن المطلوب هو الفرد أيضا لا ينكر ذلك بحسب اللفظ والعرف واللغة ولكنه يدعي ذلك بثبوت القرينة على خلافه من جهة العقل فقد تريهم لا ينكرون ذلك في شئ من الموارد مثل أنهم يقولون في مبحث إفادة


[ 122 ]

الامر للمرة أو التكرار أو الفور وعدمه وغير ذلك أن الامر لا يقتضي إلا طلب المهية فلعل مرادهم أن حقيقة اللفظ وإن كان يقتضي ذلك إلا أن العقل يحكم بأن المراد هنا هو الفرد لان مطلوب الشارع هو ما أمكن وجوده وما لا يمكن وجوده يستحيل طلبه من الشارع للزوم التكليف بالمحال و الماهية مما لا وجود له في الاعيان فثبت أن المطلوب هو الفرد وجوابه أن المستحيل وجوده في الخارج هو الطبيعة بشرط أن لا يكون مع قيد وتشخص وأما هي لا بشرط شئ فيمكن وجودها بإيجاد الفرد والممكن بالواسطة ممكن فيجوز التكليف به فيكون الفرد من مقدمات حصولها فيجب من باب المقدمة وذلك لا يستلزم نفي مطلوبية الطبيعة فإن قلت النزاع في هذا الاصل متفرع على النزاع في وجود الكلي الطبيعي وعدمه وما ذكرته إنما يتم على تقدير تسليم وجوده ولعل الخصم لا يسلم ذلك قلت أولا أن ما حققه المحققون هو وجوده وإن وجوده غير وجود الافراد وبينوه في محله وثانيا أن المقام يتم بدون ذلك أيضا فإن منكري وجود الكلي الطبيعي لا ينكرون أن العقل ينتزع من الافراد صورا كلية مختلفة تارة من ذواتها وأخرى من الاعراض المكتنفة بها بحسب إستعدادات مختلفة وإعتبارات شتى كما صرحوا به وإن لم يكن لتلك الصور وجود إلا في العقل وتلك الصور هو الكلي الطبيعي على مذاق هؤلاء ولا ريب أن له نوع إتحاد مع الفرد لصدقها عليه عرفا وعدم وجودها في الخارج إنما يظهر بعد التدقيق الفلسفي وأما أهل العرف فلا يفهمون ذلك ولا يفرقون بين ما كان وجوده متأصلا ومتحققا أو بالاضافة والاعتبار فيفهمون من الامر أن مطلوب الامر هو هذه الطبيعة المطلقة لا بشرط غاية الامر استحالة تحققها في نفس الامر إلا بإيجاد الفرد ولا ضير فيه مع القدرة عليه بالواسطة ويكفي في إنفهامهم ذلك تولد الامر الانتزاعي مما به الانتزاع وإن كان أمرا إعتباريا وحاصل المرام أن أهل العرف يفهمون من ذلك أن الخصوصيات المعينة لا مدخلية لها في الامتثال ويكفي تحقق هذا المفهوم في الخارج على أي نحو يكون وإن كان إعتقادهم بتحققه في الخارج فاسدا في نفس الامر ولا يضر فساد هذا الاعتقاد في حصول الامتثال نعم هذا النزاع يثمر في المسائل الحكمية على أنا نقول غاية ما دل عليه دليلكم أن المطلوب لا بد أن يكون هو الفرد وأما تعينه وتشخصه وإرادة فرد معين فلم يدل عليه دليل لا من اللفظ ولا من العقل ولا ريب أن فردا ما من الطبيعة أيضا كلي و لا تحقق له في الخارج على مذاقكم وإرادة فرد خاص تحكم بحت فإن قلت إنا نريد من فرد ما أحد الافراد بمعنى أن المطلوب هو كل واحد من الجزئيات المعينة المشخصة على سبيل التخيير فيتعلق الطلب بكل واحد منها على سبيل التخيير وليس ذلك من باب التعلق بالكلي قلت قد مر الفرق بين الواجب التخييري


[ 123 ]

والعيني وإن تخيير المكلف في أفراد الواجب العيني ليس من باب الوجوب التخييري وإلا لما بقي فرق بينهما مع أنهم نازعوا في الواجب التخييري على أقوال شتى ولم ينازعوا فيما نحن فيه أصلا وهو من أعظم الشواهد على أن المطلق هنا شئ واحد وان التخيير بين الافراد إنما هو من باب حكم العقل من جهة وجوب المقدمة أو من جهة خطاب الشرع أيضا بخطاب تبعي لا أن يكون خطابا متأصلا كما هو مقتضى قول الخصم فإنه يقول إن مطلوب الشارع في الامر المتعلق بالكلي هو الافراد تخييرا بالاصالة ونحن نقول بأن وجوب المقدمة يقتضي الرخصة في إتيان أيها شاء تبعا للخطاب بالكلي وأيضا الافراد في الواجبات التخييرية لا بد أن تكون منظورة بالذات ومفصلة والمطلوب هنا التخيير في إتيان هذه الطبيعة في ضمن أي فرد من الافراء شاء فالتخيير بينهما ليس من حيث أنها أشياء متأصلة بذاتها بل من حيث انها مصاديق لهذا المفهوم فيؤل الكلام في وجوبها إلى تحصيل الامتثال بإيجاد المفهوم وتحصيله في الخارج ولو في نظر أهل العرف ومما يلزمهم كون أكثر خطابات الشرع مجازا فإن قلت على ما ذكرت من كفاية مطلق إتحاد الكلي مع الفرد فيصح إطلاق الكلي وإرادة الفرد حقيقة وإن كان الاتحاد غير واقع في نفس الامر فلا مجاز قلت فرق بين بين قولنا ايتني برجل وأتاني رجل وسلم أمري إلى الرجل لا إلى المرئة والمسلم في كون الكلي حقيقة في الفرد هو الصورة الاولى وفي الثانية إشكال فإن المراد منه شخص خاص وإنما علق الحكم على المطلق اولا ليسري إلى الفرد والمطوي في ضمير المتكلم إنما هو الرجل الخاص مثل قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة فلم يعلق الحكم أولا على الفرد الخاص ولم يقصد من اللفظ دلالته على الخصوصية وبذلك يمكن إدراجه تحت الحقيقة أيضا وأما الثالثة فلا إلتفات فيه إلى الفرد لا أولا وبالذات و لا ثانيا ولكن لما لم يمكن الامتثال إلا بالفرد وجب من باب المقدمة ولا ريب أن الاوامر من قبيل الثالث فلا ريب أن إرادة الفرد من ذلك مجاز فتأمل وانتظر لتمام التحقيق في باب العموم والخصوص وأما ما قيل من أن الخلاف في هذا الاصل إنما نشاء من عدم التمييز بين المهية لا بشرط وبينها بشرط لا وحمل كلام النافي على إرادة الثاني فهو بعيد من أنظار العلماء تنبيه وتحقيق إعلم أن صيغة الامر مثل اضرب لها إعتبارات ثلث يلاحظ الكلية والجزئية بالنسبة إليها الاول ملاحظة كونها كليا بالنسبة إلى الطلب الراجح فعلى القول بكونه حقيقة فيه فاستعماله في كل واحد من الوجوب والندب إستعمال في أفرادها والثاني ملاحظتها بالنسبة إلى افراد الضرب والثالث ملاحظتها بالنسبة إلى المخاطبين وهذه المواضع متغايرة بالذات والحكم ووضعها بالنسبة إلى الثالث حرفي نسبي والموضوع له هو الافراد فلا مجاز في إستعمالها في الافراد على ما هو التحقيق في وضع الافعال والحروف وأما الاولان فقد


[ 124 ]

عرفت حكم الثاني منهما هيهنا مفصلا والوضع هنا وضع المشتقات والملحوظ فيه هو المادة وأما الاول فالظاهر أنه من باب وجاء رجل من أقصى المدينة وكونه حقيقة حينئذ إنما هو لاجل التعلق بالطبيعة والظاهر أن الوضع فيه ايضا كسابقه وإنما هو متعلق بالهيئة لا بالمادة ولكن مع قطع النظر عن النسبة إلى الفاعل وقد إشتبه الامر على بعض الفحول فحسب وضع الامر من حيث كيفية الطلب وضعا حرفيا كوضعه بالنسبة إلى ملاحظة النسبة إلى الفاعل فتأمل وإنتظر لتمام الكلام قانون الحق عدم جواز الامر مع العلم بإنتفاء شرطه وتنقيح ذلك يستدعي رسم مقدمة وهي أن الواجب المشروط أعني ما توقف وجوبه على ما توقف عليه وجوده اما ان يعلم بتنصيص الامر على الاشتراط مثل قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلا ويجب الصيام على من كان حاضرا ونحو ذلك أو يعلم بحكم العقل مثل توقف الواجب على التمكن منه فيتوقف عليه وجوبه أيضا لئلا يلزم تكليف ما لا يطاق ومعنى الشرطية أي التعليق على ما يفهم منه هنا مما لا يصح على العالم بالعواقب ولا يحسن الشرط منه على ظاهره فإن ظاهره الجهل بالوقوع وهو ينافي العلم فينحل الاشتراط حينئذ إلى حكمين مطلقين ثبوتي بالنسبة إلى الواحد وسلبي بالنسبة إلى الفاقد نعم إشتراطه إنما هو بالنسبة إلى المكلف والآمر الجاهلين فالعمومات الشاملة بظاهرها لكل المكلفين منها ما يحصل العلم بكونها مطلقا وهو إذا جمع المكلف جميع الشرائط العقلية والشرعية ومضى من الوقت مقدار ما يتمكن من أدائه فيه ومنها ما يحصل العلم بكونها مطلقا بالنسبة إلى الشروع فيه كالفرض السابق في أول الوقت لمن لم يخبره صادق ببقائه إلى التمام ومنها ما يحصل الظن بالاطلاق بالنسبة إليهما كالصحيح السليم الذي يظن بقائه إلى أن يتم الواجب ولا ريب أنه مع هذا الظن يجب الاقدام على الواجب بعد دخول وقته بل قبل الدخول فيما يتوقف عليه أيضا كالحج من البلد (النائي) ؟ وهذا مما لا ريب فيه بل مما لا يمكن صحة التكاليف الشرعية إلا بذلك سيما في المضيقات ومدار إرسال الرسل وإنزال الكتب وشرع الشرائع بل مدار نظام العالم وإنتظام عيش بني آدم على ذلك فيكفي الظن ويجب التعبد به والقول بأن التكليف يتجزى بالنسبة إلى أجزاء المكلف به فهو مع أنه في محل المنع بالنسبة إلى الدلالات المقصودة من اللفظ كما ذكرنا في مقدمة الواجب لا يتم العلم قبل حصول ذلك الجزء وبعد تحققه يخرج من المتنازع فيه مع أن الكلام في نفس التكليفات لا أجزائها والمراد بالشرط في محل النزاع هو شرط الوجوب سواء كان شرطا للوقوع أيضا كالقدرة والتمكن من المقدمات العقلية المحضة وعدم السفر وعدم الحيض للصوم فيما جعله الشارع شرطا للوقوع أولا كتملك النصاب من الزراعة في الزكاة وأما جعل إرادة المكلف من ذلك فهو لايتم إلا على مذهب الجبرية وبالجملة


[ 125 ]

وكلام فيما كان مقدمة للوقوع فقط كالطهارة بالنسبة إلى الصلوة لانه يجب تحصيله كالواجب ولا يلزم من أمر الآمر إذا علم إنتفائه نقص وقبح وإن علم أنه يتركه إختيارا لان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار إذا تقرر هذا فنقول أن هيهنا مقامين (من الكلام) الاول أنه هل يجوز توجيه الامر إلى المكلف الفاقد للشرط مع علم الآمر بإنتفائه وإن لم يكن المراد نفس الفعل المأمور به بل كان المراد مصلحة اخرى حاصلة من نفس الامر من العزم على الفعل وتوطين النفس على الامتثال والابتلاء والامتحان أم لا والثاني أنه هل يجوز إرادة نفس المأمور به مع العلم بعدم الشرط أم لا والظاهر أنه كليهما مما وقع النزاع فيه ولكن المتداول في ألسنة الاصوليين المفيد في تعريفاتهم هو النزاع الثاني وقد إختلط المقامان على كثير منهم كما يظهر من إستدلالاتهم والحق في الاول الجواز ولا يحضرني الان كلام من أنكر جواز ذلك إلا العميدي رحمه الله في شرح التهذيب حيث قال إن ذلك غير جائز لما يتضمن من الاغراء بالجهل لما يستلزم من إعتقاد المأمور إرادة الآمر الفعل المأمور به منه ويظهر ذلك من صاحب المعالم أيضا في أواخر المبحث وفيه أنه لا قبح في ذلك أما اولا فلما بينا أنه قلما يحصل العلم للمأمور بكونه مكلفا بأصل الفعل لاحتمال إنتفاء شرط التمكن بل المدار على الظن فلا يستلزم الاعتقاد الجازم ولا يضر الظن مع إنكشاف فساده كما هو المشاهد في العمومات الشاملة لقاطبة المكلفين مع أن كثيرا منهم لا يتمكن عن الاتمام وإلا لانتفى الواجب المشروط غالبا غاية الامر كون ذلك الاستعمال مجازيا تأخرت عنه قرينته وتأخيرها إنما يقبح إذا كان عن وقت الحاجة وأما عن وقت الخطاب فلا قبح فيه كما سيجيئ تحقيقه وأما ثانيا فذلك يستلزم نفي النسخ المجمع عليه ظاهرا فإن ظاهر الحكم التأبيد وعلى القول بجوازه قبل حضور وقت العمل فالملازمة أظهر والحاصل أن الامر حقيقة في طلب نفس الفعل ومجاز في طلب العزم عليه والتوطين له لقصد الامتحان وغيره وإنكشاف عدم الشرط قرينة على ذلك متأخرة عن الخطاب وما قيل أن الامتحان لا يصح في حقه تعالى لانه عالم بالعواقب ففيه ما لا يخفى إذ لا تنحصر فايدة الامتحان في خصوص حصول العلم للامر بل قد يكون للغير وللمكلف ولاتمام الحجة كما لا يخفى وبما ذكرنا يعلم الجواب عما يقال في هذا المقام أيضا بأنه لو جاز الامر لمجرد مصلحة في نفس الامر مما ذكر لما دل الامر على وجوب المقدمة ولا النهي عن ضده ولا على كون المأمور به حسنا فإن الدلالة على المذكورات إنما هي من خواص الصيغة فلا يخرج عنها إلا بالقرينة على المجاز ومجرد الاستعمال لا يوجب الحقيقة حتى يحصل الاشتراك الموجب للاجمال المانع عن الدلالة ومن عدم إرادة المذكورات في بعض الاحيان لا يلزم عدم دلالة اللفظ من حيث هو وأما المقام الثاني فذهب أصحابنا فيه إلى عدم الجواز و


[ 126 ]

جمهور العامة على الجواز وربما أفرط بعضهم فجوزه مع علم المأمور بإنتفاء الشرط أيضا لنا أنه تكليف بما لا يطاق أما فيما إنتفى فيه ما يتوقف عليه الفعل عقلا فواضح وأما فيما إنتفى فيه ما جعله الشارع شرطا للوجوب والوقوع معا كعدم السفر والحيض ونحوهما فلانه رخص في السفر ومنع في حال الحيض فبعد إختيار السفر يحرم الصوم فلا يجوز فعله فيمتنع شرعا وكذلك يحرم في حال الحيض فيمتنع فعله شرعا فتكليفه بالوجوب والحرمة معا مع إتحاد الجهة ممتنع كما سيجئ ولا فرق عندنا بين الممتنع بالذات و الممتنع بالغير في قبح التكليف به إلا فيما صار الامتناع من جهة سوء إختيار المكلف فلا يردما أجاب به إبن الحاجب وغيره بأن ما لا يصح التكليف به هو المحال الذاتي لا الاضافي ولا ما أورده من النقض بلزوم عدم صحة التكليف مع جهل الامر أيضا لاشتراك إمتناع الامتثال وفيه أنا لا نقول بإنحصار جهة قبح التكليف في إمتناع الامتثال بل هو ذلك مع علم الامر به والقبح إنما هو في هذه الصورة احتجوا بوجوه الاول أن حسن الامر قد يكون لمصالح تتعلق بنفسه دون المأمور به كالعزم والتوطين ونحوهما وفيه أن هذا خروج عن المتنازع والثاني أنه لو لم يصح التكليف بما علم عدم شرطه لم يعص أحد واللازم باطل بالضرورة من الدين وأما الملازمة فلان كل ما لم يقع فقد إنتفى شرط من شروطه وأقلها إرادة المكلف وفيه أن الكلام في شرط الوجوب والارادة من شرط الوقوع لا غير نعم يصح ذلك على القول بكون العبد مجبورا لا في الارادة وبطلانه بديهي والثالث لو لم يصح لم يعلم أحد أنه مكلف وهو باطل بالضرورة أما الملازمة فلانه مع الفعل وبعده ينقطع التكليف عنه وقبله لا يحصل العلم ببقائه على صفات التكليف إلى التمام والمراد العلم بالاتيان به فيما بعد فلا يضر حصول العلم بالواجب الموسع بعد تقضي الوقت بمقدار الواجب مستجمعا للشرائط مع عدم الفعل فيلاحظ هذا الكلام بالنسبة إلى جزء جزء من الزمان يمكن إيقاع الفعل فيه وفيه منع الملازمة لو أراد من العلم أعم من الظن المعلوم الحجية كما مرت الاشارة إليه ومنع بطلان التالي لو أراد خصوص العلم ودعوى الضرورة فيه مكابرة وعناد مع أن إنقطاع التكليف حال الفعل أيضا محل كلام والرابع لو لم يصح لم يعلم إبراهيم عليه السلام وجوب ذبح ولده لانتفاء شرطه عند وقته وهو عدم النسخ وقد علمه قطعا وإلا لم يقدم على قتل ولده ولم يحتج إلى فداء وأجيب عنه بالمنع من تكليف إبراهيم عليه السلام بالذبح الحقيقي بل إنما كلف بمقدماته كالاضجاع وتناول المدية ونحو ذلك بدليل قوله تعالى قد صدقت الرؤيا وأما جزعه فلاشفاقه عن أن يؤمر بعد ذلك بالذبح نفسه لجريان العادة بذلك وأما الفداء فيجوز أن يكون عما ظن أنه سيؤمر به أو عما لم يؤمر به من المقدمات إذ لا يجب أن يكون الفدية من جنس المفدى وفيه أن ذلك لا يناسب إمتحان مثل إبراهيم عليه السلام وإشتهاره


[ 127 ]

بالفضل لذلك وكذا ولده إسميعيل عليه السلام ولا إشتهاره بذبيح الله ولا ما ورد أن المراد بذبح عظيم هو الحسين صلوات الله وسلامه عليه والاستشهاد بتصديق الرؤيا معارض بأني أذبحك مع كون المجاز في الاول أظهر كما لا يخفى وقد يجاب أيضا بأن ذلك من باب البداء الذي يقول به الشيعة وهو مشكل لان البداء إنما هو في الافعال التكوينية الالهية لا الاحكام والذي يجري في الاحكام هو النسخ نعم قد يطلق كل منهما على الاخر مجازا فيقال أن السنخ بداء في الاحكام كما أن البداء نسخ في الافعال ويمكن توجيهه بأن المراد حصول البداء فيما ظهر له من الله تعالى وعلم من قبله أنه يذبحه ويصدر عنه الذبح بقرينة قوه تعالى اني أرى في المنام أني أذبحك لا أمرني تعالى ثم بدا لله فلم يقع في الخارج مثل اخبار عيسى عليه السلام عن موت العروس ثم ظهور خلافه لكن يرد عليه أن رؤيته عليه السلام ذبحه في المنام مسببة عن أمره تعالى به فيدور الكلام ويشهد بذلك قوله تعالى حكاية عن إسماعيل عليه السلام يا أبت افعل ما تؤمر فالاولى جعله إمامن باب النسخ والقول بجوازه قبل العمل سيما عند حضور وقته أو من باب إرادة العزم والتوطين فتأمل مع أن حصول العلم لابراهيم عليه السلام في معرض المنع لم لا يكون بسبب الظن المتبع في مثل هذا المقام مع أن الوجوب الشرطي فيما لو كان المكلف واحدا والحال واحدا أيضا مشكل فتدبر ومما يتفرع على المسألة لزوم القضاء على المكلف إذا دخل القوت وجن أو حاضت المرئة قبل مضي زمان يسع الصلوة وانتقاض التيمم من وجد الماء وإن لم يمض زمان يتمكن عن المائية أو منع عنها مائع فلا يكون مكلفا بالمائية فلا ينتقض و المشهور إنتقاضه ولعله من جهة ظواهر النصوص ومنها ما لو منع عن الحج في العام الاول ثم مات أو تلف ماله فلا قضاء وفروع المسألة كثيرة وربما جعل منها لزوم الكفارة على من أفطر في شهر رمضان ثم فرض في ذلك اليوم أو حصل له مفطر أخر من سفر ضروري أو غير ضروري ونحو ذلك وفيه إشكال إذ لا دليل على إنحصار الكفارة في إفطار الصوم التام النفس الامري بل قد يجب لانه فعل فعلا حراما وافطر صوم رمضان بحسب ظنه الذي عليه المعول في التكليف ولذلك وقع الخلاف فيه بين الاصحاب قانون إختلفوا في أن الشارع إذا وجب شيئا ثم نسخ وجوبه هل يبقى الجواز أم لا والظاهر أن الجواز الثابت بالبرائة الاصلية ثابت حينئذ جزما وإنما الاشكال في بقاء الجواز الذي أستفيد من الامر فمحل النزاع هو ثبوت حكم أخر شرعي من الاباحة بالمعنى الاخص أو الاستحباب وعدمه فالاقوى عدمه بل يرجع إلى الحكم السابق من البرائة أو الاباحة أو التحريم بالنظر إلى الموارد مثل أن يكون من العبادات فيحرم لكونها تشريعا بدون الاذن أو العادات والتلذذات فيكون مباحا أو المعاملات فالاصل البرائة من اللزوم لاصالة عدم ترتب الاثر أو بالنظر إلى الاقوال فيما لم يرد فيه نص فإن منهم من قال فيه


[ 128 ]

بالتحريم ومنهم من قال غير ذلك فما يتوهم من أن المراد رجوع الحرمة المنسوخة مثلا لو فرضت ثبوتها قبله أيضا باطل وبالجملة المراد عدم بقاء الجواز المستفاد من الامر بالدلالة التضمنية مطلقا لا رجوع الحكم السابق وإن كان حكما شرعيا منسوخا ومحل النزاع ما إذا قال نسخت الوجوب أو رفعته أو نسخت المنع عن الترك ونحوها اما لو حرمه أو صرح بنسخ مجموع مدلول الامر فلا إشكال احتجوا على بقاء الجواز بأن الامر الايجابي دل على الجواز مع المنع من الترك فالمقتضي للجواز موجود ونسخ الوجوب لا يحصل معه اليقين برفعه لحصول معناه برفع المنع عن الترك فإن رفع المركب يحصل برفع أحد جزئيه وعدم بقاء الجنس مع إنعدام الفصل إنما يسلم لو لم يخلفه فصل آخر ولا ريب إن رفع المنع عن الترك يستلزم جواز الترك فمع إنضمامه إلى جواز الفعل يحصل الاباحة وفيه أن الجنس والفصل وجودهما في الخارج متحد ووجود هما إنما هو في ضمن الفرد فلا معنى فلا معنى للتفكيك بينهما مع أن المحققين منهم صرحوا بكون الفصل علة لوجود الجنس مع أن الاحكام منحصرة في الخمسة فلا يتصور الانفكاك عن واحد من الفصول الاربعة التي يتركب الجواز معها وما قيل في الاحتجاج من نيابة الفصل الاخر ففيه ان تحصل الجنس في ضمن الفصل الاول غير تحصله في ضمن فصل آخر فإذا إنتفى التحصيل الاول فما الذي أوجب حصوله ثانيا فإن قلت أن وجوده مستصحب قلت علية الفصل لوجود الجنس و التفرقة بين التحصلين لا يجامع القول بالاستصحاب وإن تقارن رفع الفصل وجود فصل آخر في الخارج سلمنا لكنه معارض بإستصحاب عدم القيد فإن جواز الترك حال ثبوت الوجوب كان منعدما يقينا وحصوله الآن مشكوك فيه فإن قلت لا ريب في حصول القيد لان جواز الترك حاصل برفع الوجوب مطلقا فمع إستصحاب الجواز يتم المطلوب قلت سلمنا ذلك لكن الاصل عدم الارتباط والتقييد فإن قلت الارتباط والتقييد أمر إعتباري وبعد حصول الطرفين وإتحاد المورد فلا معنى لعدم إعتبار ذلك قلت سلمنا ذلك لكن نقول الاصل عدم تيقن اللحوق وهو مستصحب غاية الامر حصول باللحوق بالاستصحاب ولا يقين لا لان الانضمام في نفسه يحتاج إلى دليل بل لان اليقين بالانضمام يحتاج إلى اليقين بثبوت المنضم إليه وهو غير متيقن كما يحتمل تعلق النسخ بالمنع عن الترك فقط يحتمل التعلق بالمجموع فلا يبقى قيد ولا مقيد فعدم اليقين بالانضمام إنما هو لعدم اليقين ببقاء المنضم إليه فكما أن بقاء المنضم إليه أعني الجواز مستصحب حتى يثبت اليقين بخلافه فكذلك عدم لحوق القيد به متيقن حتى يثبت اليقين بخلافه والاستصحاب لا يوجب اليقين فيتعارض الاستصحابان و يتساقطان فيبقى المورد بلا حكم وبعبارة أخرى فكما أن الاصل بقاء الجواز الذي في ضمن الوجوب فالاصل


[ 129 ]

عدم تحقق الاباحة بالمعنى الاخص والاستحباب فإن جميع الاحكام الشرعية الاصل عدمها ومن طريق بيان المبحث علم ان الباقي على القول بالبقاء هو الاستحباب لا الاباحة ولا غيرها مما توهم فإن جنس الوجوب هو الطلب الراجح ثم أن هذا الاصل وإن قل فروعه بل لا يحضرني الآن له فرع ما توهمه بعض الاصحاب من تفريع جواز الجمعة بعد إنتفاء الوجوب العيني بسبب فقد شرطه أعني حضور الامام عليه السلام أو نائبه أو تحريمه لبقائه بلا دليل والعبادة بلا دليل حرام وهو باطل كما ستعرفه لكن له نظير كثير الفروع عظيم الفائدة وهو ما إشتهر في ألسنتهم من أن بطلان الخاص لا يستلزم بطلان العام والتحقيق خلافه كما بينا فمن فروعه أن القضاء تابع للاداء والتحقيق خلافه ومنها أن الوضوء لا يجزي عن الغسل إذا تعذر ومنها أنه لو نذر إيقاع صلوته في مكان لا رجحان فيه والتحقيق أنه لو نذر إيقاع صلوة الظهر مثلا أو نافلته في مكان لا رجحان فيه فلا ينعقد على القول بإشتراط الرجحان في النذر وأما لو نذر ايقاع ركعتين مبتدئة في المكان المذكور فينعقد لا لان عدم إعتبار الخاص لا يستلزم عدم إعتبار العام فلابد أن ينعقد ويفعلها ولو في غير ذلك الموضع بل لان مورد النذر هو ذلك الفرد وهو راجح بإعتبار الكلي الموجود فيه ومنها ما لو باع العبد المأذون أو أعتقه ففي (الاذن أو) إنعزاله وجهان بل الوجهان يجريان لو صرح بكونه وكيلا أيضا فإن الاذن الحاصل من جهة كونه مالكا قد إرتفع وبقي كلي الاذن إلى غير ذلك من الفروع مثل أن ينذر أضحية حيوان خاص فمات قبل ذلك فلا يجب آخر بل الظاهر أنه كما لا يجري الاستصحاب في الاجزاء العقلية لاثبات الاحكام الشرعية كذلك لا يمكن الاستدلال عليه بمثل قولهم عليهم السلام ما لا يدرك كله لا يترك كله والميسور لا يسقط بالمعسور وإذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم بخلاف الاجزاء الخارجية فيجب غسل الاقطع بقية العضو في الوضوء ونحو ذلك وأما إنتفاء الشرط فليس مما نحن فيه في شئ فبإنتفائه ينتفي المشروط رأسا وهو ليس بنسخ جزما وبديهة لتجدده آنا فآنا في جميع الازمان ومسألة صلوة الجمعة المتقدمة من هذا القبيل ومما قررنا يظهر لك بعد التأمل حال نسخ الاستحباب ونسخ الكراهة وغيرهما وكذلك الكلام في أقسام العام والخاص قانون الحق أن الامر يقتضي الاجزاء وتحقيق هذا الاصل يقتضي رسم مقدمات الاولى الاجزاء هو كون الفعل مسقطا للتعبد به وإنما يكون إذا أتى المكلف به مستجمعا لجميع الامور المعتبرة فيه وقيل هو عبارة عن إسقاط القضاء كما سيجئ نظيره في الصحة وهو أخص من الصحة إذ مورد الصحة أعم من موارد التعبد فيشمل العقود والايقاعات بخلاف الاجزاء فإنه مختص بموارد التعبد فالظاهر أن الاجزاء في العبادات هو اللازم المساوي للصحة فيها وتعريف الاجزاء بهذا اللفظ قد وقع في كلام بعضهم وهو موهم لخلاف المقصود والاولى أن يعبر عن المعنى الاول بحصول


[ 130 ]

الامتثال وعن الثاني بسقوط فعله ثانيا أعم من الاعادة والقضاء فإن ما لا يكون مسقطا للقضاء لا يكون مسقطا للاعادة بطريق أولى والظاهر أن مراد من عبر بما ذكر هو ذلك أيضا وإن لم يساعده العبارة ويشهد بذلك إتفاقهم على دلالة الامر على الاجزاء بالمعنى الاول دون الثاني الثانية كون الامر مقتضيا للاجزاء هو إذا أتى به المكلف على ما هو مقتضى الامر والمفهوم منه مستجمعا لشرائطه المستفادة له من الشرع بحسب فهمه وعلى مقتضى تكليفه كما عرفت ولكن الاشكال في حقيقة الامر وتعيينه فإن التكليف قد يكون بشئ واحد في نفس الامر وقد حصل العلم به للمكلف واستجمع جميع الامور المعتبرة فيه على سبيل اليقين وقد يكون كذلك ولكن المكلف لم يحصل له سوى الظن به وبإستجماع تلك الامور كما يحصل للمجتهد في الفتاوى فإن إعتماده على الظن المستفادة حجيته عموما من العقل والنقل وقد يكون كذلك ولكن الشارع نص بالخصوص على كفاية الظن عن اليقين كالطهارة المظنونة بسبب الشك في حصول الحدث وكذلك قد يكون التكليف بشئ أولا مع الامكان وببدله ثانيا مع عدمه كالتيمم عن الماء والاشكال في أن المكلف مكلف بالعمل بالظن ما دام غير متمكن عن اليقين ومحكوم بإجراء عمله كذلك أو مطلقا وبعبارة أخرى هل هو مكلف باليقين والعمل بمقتضاه في الحال والماضي إلا في حال عدم التمكن منه أو هو منقطع بالظن ولا يترتب على الماضي شئ وكذلك الكلام في المبدل والبدل فمن تيمم لعذر ثم تمكن من الماء في الوقت فإن قلنا أن المكلف به هو الوضوء في الوقت إلا في حال عدم التمكن منه وبعبارة أخرى أنه مكلف بابداله بالتيمم ما دام متعذرا فيجب عليه الاعادة في الوقت وإن قلنا ان التكليف الاول إنقطع والتكليف الثاني أيضا مطلق فلا والظاهر أن هذا لا يندرج تحت أصل ويختلف بإختلاف الموارد فلا بد من ملاحظة الخارج ثم أن الظاهر أن التكليف يتعدد بحسب إختلاف الازمان والاحوال والمكلف به في الاوامر المطلقة إنما هو الطبيعة لا بشرط المرة ولا التكرار والطبيعة تتحصل بوجود فرد منها فصلوة الظهر قد تجب مع الوضوء في وقت ومع التيمم في آخر فبأيهما حصلت فقد حصلت فحينئذ نقول موضع الخلاف إن كان بالنسبة إلى كل واحد من الحالات فلا إشكال في الاجزاء بمعنييه لحصول الامتثال وعدم وجوب الاعادة والقضاء بسبب نقصان بالنسبة إلى ذلك التكليف وإنما يكون عدم الاجزاء بالنسبة إلى الامر الاخر فوجوب القضاء أو الاعادة لمن إنكشف فساد ظن طهارته إنما هو لعدم حصول الصلوة بالطهارة اليقينية لا للاختلال في الصلوة بالطهارة الظنية ففعلها ثانيا إنما هو لعدم الاتيان بالاولى لا الثانية وكذلك فعل الصلوة ثانيا بالمائية لاجل إختلال المبدل لا البدل ولذلك لا تعاد بالطهارة الترابية وإن كان بالنسبة إلى


[ 131 ]

مطلق الامر أعم من المبدل والبدل فلا أظن مدعي الدلالة على سقوط القضاء يدعي السقوط حتى بالنسبة إلى المبدل ولعل النزاع في هذه المسألة لفظي فإن الذي يقول بالاجزاء إنما يقول بالنظر إلى كل واحد من الاوامر بالنسبة إلى الحال التي وقع المأمور به عليها ومن يقول بعدمه إنما يقول بالنسبة إلى مطلق الامر الحاصل في ضمن البدل والمبدل الثالثة محل النزاع في هذه المسألة يحرر على وجهين الاول هو ان اتيان المأمور به على وجهه هل هو مسقط للتعبد به بمعنى انه لا يقتضي ذلك الامر فعله ثانيا قضاء أم لا والظاهر أن المخالف حينئذ يقول أنه لا مانع من إقتضائه فعله ثانيا قضاء في الجملة لا أنه لا بد ان يقتضي فعله ثانيا دائما كما لا يخفى والثاني أن يكون معنى إسقاط القضاء أنه لا يجوز أن يكون معه آخر يفعله ثانيا قضاء أو يجوز والظاهر أن النزاع على الثاني يكون لفظيا إذ لا يمكن إنكار إمكان ذلك فيعود النزاع في تسميته ذلك قضاء ونحن أيضا نسقط هذا التقرير ونجري في الاستدلال على التحرير الاول ونقرر الادلة على ما يطابقه ثم ان هذا الكلام مع قطع النظر عن الخلاف الاتي في كون القضاء تابعا للاداء أو بفرض جديد فالخلاف يجري على القولين كما لا يخفى وكذلك مع قطع النظر عن كون الامر للطبيعة أو المرة أو التكرار إذ نفي المرة للغير إنما هو بالتنصيص وإسقاط القضاء على القول بالاجزاء إنما هو من جهة عدم الدليل إذ بعد حصول الاجزاء حصل الامتثال فلا امر يمتثل به ثانيا فيسقط لانه تشريع وكذلك ثبوت فعله ثانيا في التكرار انما هو بالاصالة والتكرار فيما نحن فيه على القول بعدم دلالته على الاجزاء إنما هو من باب القضاء أو الاعادة الرابعة القضاء يطلق على خمسة معان الاول هو الفعل كقوله تعالى إذا قضيت الصلوة وإذا قضيتم مناسككم الثاني فعل ما فات في الوقت المحدود بعد ذلك الوقت سواء كان وجب عليه في الوقت كتارك الصلوة عمدا مع وجوبه عليه أم لم يجب كالنائم والناسي والحائض والمسافر في الصوم أو وجب على غيره كقضاء الولي وهذا هو المعنى المصطلح عليه المنصرف إليه الاطلاق الثالث إستدراك ما تعين وقته إما بالشروع فيه كالاعتكاف أو بوجوبه فورا كالحج إذا أفسد فيطلق على المأتي به ثانيا القضاء وإن لم ينو به القضاء الرابع ما وقع مخالفا لبعض الاوضاع المعتبرة فيه كما يقال التشهد والسجدة يقضى بعد التسليم الخامس ما كان بصورة القضاء المصطلح عليه في فعله بعد خروج الوقت المحدود كقولهم الجمعة يقضى ظهرا إذا تمهد هذه المقدمات فنقول إختلف الاصوليون في أن إتيان المأمور به على وجهه هل يقتضي الاجزاء بمعنى سقوط القضاء بعد إتفاقهم على إقتضائه الامتثال على قوله المشهور نعم وخالف فيه أبو هاشم و عبد الجبار لنا أن الامر لا يقتضي إلا طلب المهية المطلقة


[ 132 ]

بدون إعتيار مرة ولا تكرار كما مر تحقيقه ومعناه أن المطلوب به إيجاد الطبيعة وهو يحصل بإيجاد فرد منه والمفروض حصوله فحصل المطلوب فلا يبقى طلب آخر فقد سقط الوجوب بل المشروعية أيضا لما مر تحقيقه في نفي دلالة الامر على التكرار فلو قيل أن حصول الامتثال بالنسبة إلى ذلك الامر إنما هو بالنسبة إلى بعض الاحوال دون بعض وإنما الساقط هو الامر بالبدل دون المبدل فأقول إن ذلك باطل من وجهين الاول أن ذلك خروج عن المتنازع إذ ما ذكرته يصير أمرين وكلامنا في الامر الواحد والثاني أن المكلف بالصلوة مع الوضوء مثلا إنما هو مكلف بصلوة واحدة كما هو مقتضى صيغة الامر من حيث أن المطلوب بها المهية لا بشرط فإذا تعذر عله ذلك فهو مكلف بهذه الصلوة مع التيمم وهو أيضا لا يقتضي إلا فعلها مرة وظاهر الامر الثاني إسقاط الامر الاول فعوده يحتاج إلى دليل والاستصحاب وأصالة العدم وعدم الدليل كلها يقتضي ذلك مضافا إلى فهم العرف واللغة وما ترى أن الصلوة بظن الطهارة تقتضي بعد إنكشاف فساد الظن فإنما هو بأمر جديد ودليل خارجي نعم لو ثبت من الخارج أن كل مبدل إنما يسقط عن المكلف بفعل المبدل ما دام غير متمكن عنه فلما ذكر وجه وأنى لك بإثباته بل الظاهر الاسقاط مطلقا فيرجع النزاع في المسألة إلى إثبات هذه الدعوى لا أن الامر مطلقا يقتضي القضاء أو يفيد سقوطه فالمسألة تصير فقهية لا أصولية وقد إستدلوا على المشهور أيضا بوجهين آخرين الاول أنه لو كان مكلفا بذلك الامر بعينه بفعل ما أتى به على وجهه ثانيا فيلزم تحصيل الحاصل وهو محال وإن كان مكلفا بذلك الامر بإتيان غير المأتي به أولا فيلزم أن لا يكون المأتي به أولا تمام المأمور به هف أما الثاني فظاهر وأما الاول فهو مبني على ما حققناه من أن حصول الامتثال لا يبقى معه طلب أخر فتحصيل الامتثال الثاني لا يتم إلا بإعادة الامتثال الاول وهو تحصيل الحاصل وبذلك يندفع ما يقال أن فعله ثانيا مثل المأتي به أولا لا نفسه فإن ذلك إنما يصح لو كان فعله ثانيا بأمر آخر كما يستفاد من التحرير الثاني في محل النزاع و أما على التحرير الاول فلا يبقى طلب وأمر حتى يستدعي إثباته ثانيا بحيث يكون غير الاول وأما ما قيل في رده من أن المطلوب هو الطبيعة لا الافراد ولا شك في أن تحصيل الطبيعة بعد حصوله أولا تحصيل للحاصل فهو قريب من الهذيان إذ ذلك يستلزم أن يكون فعل جميع الانواع المندرجة تحت جنس بعد فعل واحد منها تحصيلا للحاصل الثاني أنه لو لم يكتف بإتيان المأمور به على وجهه في حصول الامتثال واقتضى الامر فعله ثانيا لزم كون الامر للتكرار وهو خلاف التحقيق أو خلاف المفروض ويرد عليه أن منكر الدلالة على الاجزاء لا يقول بأن الامر يقتضي ذلك بحيث لا يتخلف منه بالذات كما يقوله


[ 133 ]

القائل بالتكرار بل يقول أنه لا مانع من إقتضائه ذلك كما أشرنا في المقدمات وأيضا التكرار على القول به إنما هو على مقتضى العقل والعادة إلا أن يمنع مانع عنه كما مر في مبحثه وما نحن فيه ليس كذلك احتج المانع بوجوب إتمام الحج الفاسد فلو كان الامر مقتضيا للاجزاء لكان إتمامه مسقطا للقضاء و فيه أن القضاء للفائت وهو الحج الصحيح وإتمام الفاسد أمر على حدة ولا يجب له قضاء وبأنه لو كان مسقطا للقضاء لما وجب القضاء على من صلى بظن الطهارة ثم إنكشف فساد ظنه وقد أجيب من ذلك بوجوه ضعيفة منها أن تسمية ذلك قضاء مجاز بل هو أمر عليحدة وفيه أنه مستلزم للواسطة بين القضاء والاداء وليس بإعادة أيضا ومنها منع بطلان اللازم والتحقيق في الجواب يظهر بعد التأمل فيما ذكرنا فنقول أن هذا القضاء إنما يجب من جهة دلالة الدليل على ان المطلق هو الصلوة بالطهور ويجوز الاكتفاء بالظن ما لم يحصل اليقين بخلافه فإذا حصل فيقضي الفائت فالقضاء إنما هو للمبدل بالدليل لا البدل فيصح إطلاق القضاء المصطلح عليه حقيقة هذا وإني لم أقف في كلماتهم على تصريح بما ذكرنا ووجدنا كلماتهم مختلطة في بيان المقصود فعليك بالتأمل فيما يرد عليك من الفروع لكي لا تخبط والله الهادي قانون إختلفوا في أن الامر إذا كان مقيدا بوقت إذا فات فيه فهل يجب بعده بذلك الامر أم لا وهذا هو الخلاف المشهور بينهم من أن القضاء تابع للاداء أو بفرض جديد والحق أن الامر لا يقتضي إلا الاتيان في الوقت ووجوب القضاء يحتاج إلى أمر جديد وبنى العضدي ال‍ مسألة على أن قولنا صم يوم الخميس المركب في اللفظ والذهن من شيئين هل المأمور به فيه شيئان فيبقى أحدهما بعد إنتفاء الاخر أو شئ واحد وقال إن هذا الخلاف أعني كون المطلق والمقيد شيئين في الوجود الخارجي أو شيئا واحدا مبني على الخلاف في أن الجنس و الفصل متمايزان في الوجود الخارجي أم لا والظاهر أن مراده التنظير وإلا فالقيد أعني الزمان خارج عن الماهية ورده بعض المحققين بأن كونهما شيئين في الخارج لا يقتضي كون القضاء بالفرض الاول ولا ينافي كونه بفرض جديد لاحتمال أن يكون غرض الآمر إتيانهما مجتمعا فمع إنتفاء أحدهما ينتفي الاجتماع وكذا لا يجدي كونهما شيئا واحدا في نفي كون القضاء بالفرض الاول وإثبات كونه بفرض جديد لاحتمال كون المراد المطلق لا بشرط الخصوصية وذكر الخاص لكونه محصلا للمطلق بلا نظر إلى خصوصية الشئ المذكور فلا ينتفي المطلق بإنتفاء هذا القيد فالنافي لكون القضاء بالفرض الاول مستظهر لثبوت الاحتمال الغير المستلزم للقضاء وعلى المثبت نفي ذلك الاحتمال وفيه أن إحتمال إعتبار الاجتماع و إن كان يعضده أصالة البرائة عن القضاء ولكن يعضد الاحتمال الاخر أصالة عدم إعتبار الاجتماع


[ 134 ]

وإستصحاب البقاء فإشتغال الذمة بمجمل التكليف مستصحب لا يحصل البرائة منه إلا بالقضاء ولا يكفي فيه البرائة الاحتمالية وإحتمال إرادة المطلق من المقيد لا يكفي في نفي البرائة الاصلية مع أن الظاهر من المقيد هو الفرد الخاص بشرط الخصوصية والحجة إنما هو الظاهر هذا ولكن يرد عليه العضدي أيضا أن مجرد تمايز الجنس والفصل في الخارج لا يجدي في كون القضاء بالفرض الاول إلا إذا ثبت جواز إنفكاك أحدهما عن الآخر ومجرد التمايز في الوجود الخارجي لا يوجب الانفكاك سيما على القول بكون الفصل علة للجنس وأما على القول بعدمه فنقول أن المفروض عدم تحقق الجنس في الخارج إلا في ضمن أحد الفصول فمع إنتفاء أحدها ينتفي الجنس ونيابة الفصل الاخر عنه الاصل عدمه كما مر تحقيقه في مسألة نسخ الوجوب ونظير الجنس والفصل فيما نحن فيه هو الصوم وإيقاعه في يوم الخميس أو في يوم آخر ونيابة يوم آخر عن الخميس يحتاج إلى جعل الشارع وما يتوهم أن يوما ما مأخوذ في الصوم فلا ينفع في المقام في شئ إذ الصوم الذي هو عبارة عن إمساك يوم ما يعتبر تقييده بالخميس أو يوم ما غير الخميس لا يوم ما مطلقا الذي كان مأخوذا في مفهوم الصوم فإذا إنتفى الخميس فلا يبقى الا إمساك يوم ما مطلقا ولا وجود له في الخارج فإن شئت توضيح ذلك فاجعل قولك صم يوم الخميس بمعنى أمسك يوم الخميس متلبسا بالشرائط المقررة والتحقيق أن الفرق بين ما نحن فيه وبين الجنس والفصل واضح ولا يصح التنظير ولا التفريع لامكان تحقق المقيد بدون القيد بخلاف الجنس بدون الفصل فيمكن الامتثال بمطلق الامساك في المثال المذكور وكذلك بمطلق صلوة ركعتين في قولنا صل ركعتين يوم الجمعة بخلاف مثل نسخت الوجوب كما مر فالحق والتحقيق اما في حكاية الجنس والفصل فما مر من عدم التمايز وإلا لما جاز الحمل (بهو بهو) ؟ وانه لا يبقى الجنس بدون الفصل وأن الاصل عدم لحوق فصل آخر وأما فيما نحن فيه فإن المتبادر من المقيد هو شئ واحد والتبادر هو الحجة فلا نفهم من قول الشارع صم الخميس إلا تكليفا واحدا والزايد منفي بالاصل فإذا إنتفى الخميس فينتفي المأمور به بل يستفاد منه على القول بحجية مفهوم الزمان ومفهوم اللقب وغيرهما الدلالة على العدم أيضا ومن ذلك يظهر أنه لا يمكن إجراء الاستصحاب فيه أيضا لانتفاء الموضوع ولا قولهم عليهم السلام ما لا يدرك كله لا يترك كله والميسور إلخ ونحو ذلك وكذلك الكلام في غير الوقت من القيود فلا فرق بين المفعول فيه كما نحن فيه والمفعول به والحال و غيرهما فلا يصح تفريع بعضهم على ذلك وجوب الغسلات الثلث بالقراح لو فقد السدر والكافور إلا أن يثبت بدليل من خارج وقد استدل على المختار أيضا بأن الامر قد يستتبع القضاء كاليومية وقد لا يستتبع كالجمعة والعيد فهو أعم والعام لا يدل على الخاص وفيه ما لا يخفى إذ ذلك إنما يصح لو كان


[ 135 ]

الاستتباع من جهة الامر الاول وهو ممنوع وقد يوجه بأن المراد ان مقتضى الشئ لا يتخلف عنه فالتخلف عنه شاهد على عدم الاقتضاء وفيه أيضا ما لا يخفى إذ التخلف لعله من جهة دليل آخر فهو مقتض إلا أن يمنع مانع وقد يستدل أيضا بلزوم كون القضاء أداء ومساويا للاول لو كان بالامر الاول فلا يعصي بالتأخير وفيه أن الخصم يدعي الترتيب لا التخيير والتسوية احتجوا بوجوه الاول أن الزمان ظرف من ظروف المأمور به غير داخل فيه فلا يؤثر إختلاله في سقوطه ويعلم جوابه مما سبق مع أنه لو لم يكن له مدخلية لجاز تقديمه عليه أيضا فتأمل الثاني أن الوقت كأجل الدين فكما يجب أدائه بعد إنقضاء الاجل فكذا المأمور به إذا لم يؤد في الوقت وفيه أنه قياس مع الفارق إذ وجوب أداء الدين توصلي والمصلحة المطلوبة باقية وهي برائة الذمة وإيصال الحق إلى صاحبه بخلاف العبادات فإن المصالح فيها مخفية ولعل للوقت مدخلية في حصول مصلحتها وبالجملة العبادات توقيفية لا يجوز التجاوز فيها عن التوظيف بخلاف المعاملات وسيجئ تحقيقه الثالث لو وجب بأمر جديد لكان أداء لانه أمر بالفعل لا بعد الوقت فيكون مأتيا به في وقته وجوابه أن الاداء ما لا يكون إستدراكا لمصلحة فائتة وما نحن فيه إستدراك للمصلحة الفائتة قانون الاظهر أن الامر بالامر أمر فإذا قال القائل لغيره مر فلانا أن يفعل كذل أو قل له أن يفعل كذا فهذا أمر بالثالث مثل أن يقول ليفعل فلان كذا لفهم العرف و التبادر وإحتمال أن يكون المراد أوجب عليه من قبل نفسك بعيد مرجوح وإن كان ما ذكرنا مستلزما للاضمار وهو من قبلي ويؤيده إنا مأمورون بأوامر الرسول صلى الله عليه وآله عن الله تعالى بل إذا اطلع الثالث على الامر قبل أن يبلغه الثاني ولم يفعل واطلع الآمر على ذلك فيصح أن يعاقبه على الترك وأن يذمه العقلاء على ذلك احتجوا بقوله صلى الله عليه وآله مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع فإنه لا وجوب على الصبيان إجماعا وبأن القائل لو قال لغيره مر عبدك بأن يتجر لم يتعد ولم قال لذلك العبد لا تتجر لم يناقض كلامه الاول والجواب عن الاول أن الاجماع أوجب الخروج عن الظاهر وعن الثاني أن القرينة دالة على أنه للارشاد ولذلك نقول بإستحباب عبادة الصبي ونضعف كونها محض التمرين ومن فروع المسألة ما لو قال زيد لعمرو مر بكرا بأن يبيع هذا الفرس فهل لبكر قبل أن يأمره عمرو أن يتصرف فيه أم لا وهل يصح بيعه أم لا وأما الآمر بالعلم بالشئ فهل يستلزم حصول ذلك الشئ في تلك الحالة أم لا الاظهر لا فإن الامر طلب ماهية في المستقبل فقد يوجد وقد لا يوجد فقول القائل اعلم إني طلقت زوجتي لا يوجب الاقرار بالطلاق بالنظر إلى القاعدة ولكن المتفاهم في العرف في مثله الاقرار وإن لم يتم على تلك القاعدة فافهم المقصد الثاني في النواهي قانون النهي هو طلب ترك الفعل


[ 136 ]

بقول من العالي على سبيل الاستعلاء ويدخل فيه التحريم على ما هو المتبادر من هذه المادة في العرف أيضا وأما مثل اكفف عن الزنا فيدخل في الامر من حيث ملاحظة الكف بالذات وأنه فعل من الافعال ونهي من حيث أنه آلة لملاحظة فعل آخر وهو الزنا وحال من الاحوال وربما قيل بكونه مشتركا بين التحريم والكراهة أو قدر مشترك بينهما والاقرب الاول ويظهر وجهها مما تقدم في الامر وأما صيغة لا تفعل وما معناها فالاشهر الاظهر إنها أيضا حقيقة في الحرمة وقيل بأنها حقيقة في الكراهة وقيل بالاشتراك لفظا وقيل معنى وقيل بالوقف لنا التبادر عرفا وكذلك لغة وشرعا لاصالة عدم النقل والاحتمالات المتقدمة في صيغة الامر آتية هنا فعليك بالتأمل وتطبيقها على ما نحن فيه وكذلك يظهر أدلة سائر الاقوال وأجوبتها مما تقدم وربما يستدل على المشهور بقوله تعالى وما نهيكم عنه فانتهوا فإن صيغة إفعل للوجوب ووجوب الانتهاء عن الشئ ليس إلا تحريم فعله فدل على تحريم المنهي عنه وفيه أن هذا إنما يتم لو قلنا كل صيغة لا تفعل نهي وهو مسلم إن لم نقل بكون النهي بلفظه مأخوذا في معناه التحريم وهو خلاف التحقيق كما عرفت فحينئذ فلا يصدق النهي على صيغة لا تفعل إلا ما علم إرادة الحرمة منه والنزاع في صيغة لا تفعل مجردة عن القرائن لا فيما علم كونه للحرمة فحينئذ يكفي صدق النهي عليها في إفادة الحرمة ولا حاجة إلى دليل آخر كما مر نظيره في الامر وإن لم يجعل لفظ نهى ينهي مأخوذا في معناه الحرمة كما هو مبني الاستدلال ظاهرا ففيه أولا ما بيناه من أن الحق خلاف ذلك وثانيا أن هذا الاستدلال يدل على عدم الدلاله لغة وإلا لما احتاج إلى الاستدلال وأما في خصوص نهيه صلى الله عليه وآله فصيرورته بذلك مدلولا حقيقيا له أيضا محل الكلام بل يصير ذلك من باب الاسباب والعلامات ولا يفيد أن مدلول لا تفعل في كلامه يصير كذلك حقيقة بل إنما يدل على ان كل ما منعه بقوله لا تفعل يجب الانتهاء عنه وثالثا أن حمل الامر على الاستحباب مجاز وتخصيص كلمة الموصول مجاز آخر ولا محالة لا بد من إخراج المكروهات ولا ترجيح لاحدهما على الاخر وأرجحية التخصيص يعارضه لزوم إخراج الاكثر مع أنه يحتمل أن يكون المراد أنه يجب الاذعان على مقتضى مناهيه وإمتثالها على طبق مدلولاتها إن حرمة فبالانزجار البت وإن كراهة فبالانزجار تنزيها والاعتقاد على مقتضاهما في المقامين وبالجملة المطلوب الاذعان على مقتضاه ورابعا أنه لا يدل إلا على حكم مناهي الرسول صلى الله عليه وآله و إنفهام حرمة مخالفة الله تعالى عن حرمة مخالفته صلى الله عليه وآله بالفحوى لا يدل على دلالة لفظ لا تفعل في كلامه تعالى على ذلك لعدم الملازمة بينهما كما هو واضح بين إلا أن يتشبث بعدم القول بالفصل وفيه أيضا إشكال ثم ان صاحب المعالم رحمه الله ومن تبعه تأملوا في دلالة المناهي الواردة في كلام إئمتنا عليهم السلام


[ 137 ]

على الحرمة بعد تسليمها في أصل الصيغة لما ذكروه في صيغة الامر من جهة كثرة الاستعمال في المكروهات و صيرورتها فيها من المجازات الراجحة المساوية للحقيقة والجواب عنه هو نفس الجواب عما تقدم في الامر فلاحظ قانون إختلفوا في أن المراد من النهي هو الكف أو نفس أن لا تفعل والاقرب الثاني لنا صدق الامتثال عرفا بمجرد ترك العبد ما نهاه المولى مع قطع النظر عن ملاحظة أنه كان مشتاقا إلى الفعل فكف نفسه عنه فإن قلت العدم الازلي سابق ويمتنع التأثير فيه للزوم تحصيل الحاصل مع أن أثر القدرة متأخر عنها قلت الممتنع هو ايجاد العدم السابق لا إستمراره وأثر القدرة يظهر في الاستمرار فإذا ثبت إمكان رفعه بإتيان الفعل فيثبت إمكان إبقائه بإستمرار الترك إذ القدرة بالنسبة إلى طرفي النقيض متساوية وإلا لكان وجوبا أو إمتناعا فإن قلت لو كان المطلوب هو العدم لزم أن يكون ممتثلا ومثابا بمحض الموافقة الاتفاقية أو بسبب عدم القدرة على الفعل و عدم إرادته أو غير ذلك قلت أولا أنه معارض بالكف بقصد الربا وثانيا أن الكلام إنما هو على ظاهر حال المسلم وثالثا انا لا ندعي الكلية بل ندعي إمكان حصول الامتثال بمجرد ترك الفعل فإن الثواب موقوف على الامتثال سواء كان محتاجا في الترك إلى الكف أو فعل ضد آخر أو لم يكن بل يكفي في ذلك قوة الداعي الحاصل بتوطين النفس على الامتثال والانتهاء عن كل ما نهي عنه وإن لم يكن قادرا على الفعل بل وغير مستشعر أيضا ويؤيد ذلك أنه لو لم يكن نفي الفعل مقدورا للزم عدم العقاب على ترك الواجب إلا مع الكف عنه وهو باطل جزما فإن قلت على ما ذكرت أيضا يؤل الكلام إلى أن المكلف به ليس نفس ترك الفعل كيف كان بل هو أمر وجودي وهو إبقاء العدم وإستمراره ولو كان بمجرد توطين النفس على الامتثال بمجرد تصور تمكن أن يصدر عنه الفعل وإن لم يكن قادرا عليه بالفعل أيضا وإلا فقد يكون مكلفا بالكف وقد يكون مكلفا بفعل أحد الاضداد الوجودية غير الكف فالذي يكون (مقدورا) ؟ له هو أحد هذه الامور على التفصيل فالمطلوب إنما هو ذلك الامر الوجودي كالامر بإحراق الحطب فإنه حقيقة أمر بإلقاء الحطب في النار قلت قد مر الكلام في نظيره في مقدمة الواجب فتذكر ونقول هنا أن ذلك من قبيل طلب حركة المفتاح المقدورة بحركة اليد ولا مانع منه لان المقدور بواسطة المقدور مقدور وإن كان غير مقدور بلا واسطة فعدم الفعل في الآن الثاني من التكليف مقدور بواسطة أحد الامور المذكورة فهو المكلف به بالذات وسائر الامور مكلف بها بالتبع من باب المقدمة ومن جميع ما ذكرنا يظهر حجة القول الاخر وجوابه وعدم حسن الاقتصار على الكف فقط فائدتان الاولى قد عرفت أنهم إختلفوا في دلالة النهي عن الشئ على الامر بضده على حذو ما ذكروه في الامر و


[ 138 ]

يشكل الفرق بين هذا المقام وما تقدم وعلى القول بكون المطلوب هو الكف يتوجه القول بالعينية هنا ويمكن الفرق بأن الكلام ثمة كان في دلالة لفظ النهي على الامر مع قطع النظر عن الادلة الخارجية مثل إمتناع تعلق التكليف بالعدم ونحوه بخلافه هيهنا وهو أيضا مشكل لعموم الكلام ثمة أيضا وعلى أي تقدير فهيهنا إشكال آخر وهو أنه على القول بكون المطلوب بالنهي هو الكف يؤل الامر إلى النهي عن ضد الكف أيضا على القول بأن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده فيلزم الدور فتأمل الثانية إختلفوا في أن هذا الترك هل هو من قبيل الفعل أم لا ذهب المحققون إلى الاول ويظهر الثمرة في مثل ما لو علق الظهار على فعل ليس فيه رضى الله فتركت صوما أو صلوة وما لو ألقى في النار وتمكن عن الخلاص فلم يتخلص حتى مات فهو قاتل نفسه وإلا فيجب القصاص له قانون إختلفوا في دلالة النهي على التكرار على قولين فعن الاكثر أنه للتكرار والاقوى العدم لنا ما مر مرارا من أن الاوامر و النواهي وغيرها مأخوذة من المصادر الخالية عن اللام والتنوين وهي حقيقة في المهية لا بشرط شئ ولا يزيد الهيئة على المادة إلا الطلب الحتمي التحريمي أو الايجابي والاصل عدم شئ آخر فمن يدعيه فعليه بالبيان مع أنا نرى بالعيان إستعماله في كل واحد من المعنيين كالزنا وصلوة الحائض ونهي الطبيب عن الضار في المرض فاللفط قابل لهما ومستعمل فيهما والمجاز والاشتراك خلاف الاصل حتى يثبت بالدليل واحتجوا بأن النهي طلب ترك الطبيعة ومنع المكلف عن إدخال المهية في الوجود وهو إنما يتحقق بالامتناع عن إدخال كل فرد كما ان الطلب الايجابي يحصل الامتثال فيه بإتيان فرد وفيه أن ذلك لا يفيد ذلك ولو كان مدخول الطلب التحريمي المهية بشرط الوحدة أو بشرط العموم المجموعي أيضا مع كونهما مفيدين للعموم في الجملة فضلا عما لو كان المدخول هو الطبيعة المطلقة كما هو القدر المسلم في مبدء الاشتقاق إذ كما أن المطلوب يحتمل الاطلاق والتقييد كذلك الطلب أيضا يحتملهما فكما يصح أن يقال طلب منك عدم الزنا الحاصل ما دام العمر أو عدم الزنا في شهر أو سنة كذلك يصح أن يقال أطلب منك ما دام العمر ترك الزنا أو أطلب في هذا الشهر منك ترك الزنا ولا دلالة في اللفظ على أحد التقييدين فطلب ترك الطبيعة إنما يقتضي ترك جميع أفراد الطبيعة في الجملة لا دائما وأين المطلقة من الدائمة فلا يمكن إثبات الدوام والتكرار للنهي لا من جهة المادة ولا من جهة طلب الترك أللهم إلا أن يتشبث بالتبادر العرفي كما يظهر من بعضهم وهو خلاف ما ذكره المستدل مع أنه في معرض المنع أو يتشبث في ذلك بأن طلب الترك مطلق وإرادة ترك الطبيعة في وقت غير معين اغراء بالجهل فوقوعه في كلام الحكيم يقتضي حمله على العموم وهذا وجه وجيه


[ 139 ]

ولكنه أيضا خلاف ظاهر المستدل وعلى هذا فما أنكرناه هو دلالة الطبيعة عليه بإعتبار الدلالة اللفظية كما هو المعيار في نظائر المبحث وإلا فلا نمنع الحمل على العموم وحينئذ فصلوة الحائض وما نهاه الطبيب قد قيد أولا بالوقت والزمان المطلوب تركه فيه ولوحظ مقيدا بذلك ثم وقع عليه النهي ولذلك يحمل إطلاقه في ذلك الزمان بالنسبة إلى جميع أجزائه وإن كان مطلقا بالنسبة إليها ولا يذهب عليك أنه لا يمكن إجراء هذه الطريقة في الامر وادعاء حمل مطلقه على الدوام لحصول الامتثال هنا بفرد ما وعدم لزوم اللغو والقبح في كلام الحكيم بخلاف ما نحن فيه نعم يجري هذا الكلام في مثل أحل الله البيع كما سيجئي هذا ولكن لك أن تمنع إجراء هذه الطريقة في النهي أيضا بأن يقال لا يلزم من الاطلاق في الصيغة كون المطلوب ترك الطبيعة في وقت غير معين حتى يلزم الاغراء القبيح بل نقول المراد مطلق طلب ؟ مطلق الطبيعة وربما يحصل الامتثال بترك جميع أفراد المنهي عنه في الآن المتأخر عن النهي في زمان يمكن حصول الفعل فيه ثم أن التكليف بترك الطبيعة وتكراره على القول بالتكرار هل هو تكليف واحد أو تكليفان فيحصل الامتثال بتركه على الثاني دون الاول مقتضى الاستدلال على التكرار بأن المطلوب ترك الطبيعة وهو لا يحصل إلا بتركه دائما عدم الامتثال بالترك في بعض الاوقات ومقتضى ما ذكرنا من إنفهام التكرار من وقوع المطلق في كلام الحكيم هو حصول الامتثال بموافقة مطلق النهي وإن عصى بترك إستمراره وأما على الاستدلال بالتبادر فلا بد من التأمل فإن تبادر مع تقييد التروك المفروضة بحسب الاوقات بعضها ببعض فلا يحصل الامتثال الا بالدوام وإلا فيحصل الامتثال بفعل البعض وترتب العقاب على ترك الاخر والحق على ما اخترناه حصول الامتثال بالترك في الجملة إلا ما أخرجه الدليل كترك الاكل في الصوم وليس في ذلك لدلالة النهي بخلاف قوله تعالى لا تقربوا الزنا فإن الامتثال يحصل بتركه في شهر أو عام أو أقل أو أكثر ثم ان ما ذكرنا من حصول الامتثال بترك الطبيعة في الجملة إنما هو بالنسبة إلى الزمان والافراد المتعاقبة بحسب تماديه وأما الافراد المتمايزة بسائر المشخصات فكلا فمن ترك الزنا بإمرئة معينة وارتكب الزنا مع الاخرى فلا يحصل له الامتثال حينئذ لاجل ذلك الترك فإن الطبيعة لم تترك حينئذ مع أن الامتثال بالترك الاخر حينئذ ممنوع لعدم المقدورية لان المقدور ما يتساوى طرفاه فكما لا يمكن تحصيل زنائين في آن واحد لا يمكن ترك أحدهما في آن إرتكاب الاخر وبالجملة فلا بد من ترك الطبيعة رأسا في آن من الاوان ليتحقق الامتثال ولا يحصل إلا بترك جميع الافراد تنبيه كل من قال بكون النهي للدوام لا بد أن يقول بكونه للفور ليتحقق الدوام وأما من لا يقول به فلا يلزمه عدم القول به من هذه الجهة فما ادعاه بعضهم من أن كل من لا يقول بالتكرار يلزمه عدم القول بالفور


[ 140 ]

وفيه ما فيه مع أن الشيخ في العدة ذهب إلى كونه للفور ولا يقول بالتكرار نعم ذهب العلامة في التهذيب إلى عدم الفور مع عدم قوله بالتكرار ولا يلزم أن يكون ذلك للتلازم بين القولين فمن يقول بالفور مع عدم قوله بالتكرار فلعله يدعي التبادر في الفور ويقول أن العقلاء يذمون العبد المسوف لامتثال المولى في النهي وأما على ما ذكرنا من إخراج الكلام عن الاغراء بالجهل فيلزم القول بالفور أيضا قانون إختلف العلماء في جواز إجتماع الامر والنهي في شئ واحد وموضع النزاع ما إذا كان الوحدة بالشخص لكن مع تعدد الجهة وأما الواحد بالشخص الذي لم يتعدد الجهة فيه بأن يكون مأمورا لهما من جهة واحدة فهو مما لا نزاع في عدم جوازه إلا عند بعض من يجوز التكليف بالمحال وربما منعه بعضهم تمسكا بأنب هذا التكليف محال لا أنه تكليف بالمحال ولعله نظر إلى كون الامر والطلب مسبوقا بالارادة وإجتماع إرادة الفعل والترك محال وأما الواحد بالجنس فهو أيضا مما لا نزاع في جواز الاجتماع فيه بالنسبة إلى أنواعه وأفراده كالسجود لله تعالى وللشمس والقمر وإن منعه بعض المعتزلة أيضا نظرا إلى جعل الحسن و القبح من مقتضيات المهية الجنسية وهو في غاية الضعف وكما أن المخالف الاول أفرط فهذا قد فرط ثم ان القول بجواز الاجتماع هو مذهب أكثر الاشاعرة والفضل بن شاذان رحمه الله من قدمائنا وهو الظاهر من كلام السيد رحمه الله في الذريعة وذهب إليه جملة من فحول متأخرينا كمولانا المحقق الاردبيلي وسلطان العلماء والمحقق الخوانساري وولده المحقق والفاضل المدقق الشيرواني والفاضل الكاشاني والسيد الفاضل صدر الدين وأمثالهم رحمهم الله تعالى بل ويظهر من الكليني حيث نقل كلام الفضل بن شاذان في كتاب الطلاق ولم يطعن عليه رضائه بذلك بل ويظهر من كلام الفضل ان ذلك كان من مسلمات الشيعة وإنما المخالف فيه كان من العامة كما أشار إلى ذلك العلامة المجلسي رحمه الله في كتاب بحار الانوار أيضا وانتصر هذا المذهب جماعة من أفاضل المعاصرين والقول بعدم الجواز هو المنقول عن أكثر أصحابنا والمعتزلة وهذه المسألة وإن كانت من المسائل الكلامية ولكنها لما كانت يتفرع عليها كثير من المسائل الفرعية ذكرها الاصوليون في كتبهم فنحن نقتفي أثارهم في ذلك والذي يقوى في نفسي و يترجح في نظري هو جواز الاجتماع وقد جرى ديدنهم في هذا المقام بالتمثيل بالصلوه في الدار المغصوبة فإن المفروض انها شئ واحد شخصي ومحط البحث فيها هو الكون الذي هو جزء الصلوة فهذا الكون هو شئ واحد فإنه هو الذي يحصل به الغصب ويحصل به جزء الصلوة فهذا الكون شئ واحد له جهتان فمن حيث انه من أجزاء الصلوة مأمور به ومن حيث أنه تصرف في مال الغير وغصب منهي عنه لنا على الجواز وجوه الاول أن الحكم إنما تعلق بالطبيعة على ما أسلفنا لك تحقيقه فمتعلق الامر طبيعة الصلوة ومتعلق النهي طبيعة الغصب وقد أوجدهما المكلف بسوء إختياره في شخص واحد


[ 141 ]

ولا يرد من ذلك قبح على الآمر لتغائر متعلق المتضادين فلا يلزم التكليف بالمتضادين ولا كون الشئ الواحد محبوبا ومبغوضا من جهة واحدة فإن قلت الكلي لا وجود له إلا بالفرد فالمراد بالتكليف بالكلي وهو إيجاد الفرد وإن كان متعلقا بالكلي على الظاهر وما لا يمكن وجوده في الخارج يقبح التكليف بإيجاده في الخارج قلت إن أردت عدم إمكان الوجود في الخارج بشرط لا فهو مسلم ولا كلام لنا فيه و إن أردت إستحالة وجوده لا بشرط فهو باطل جزما لان وجود الكلي لا بشرط لا ينافي وجوده مع ألف شرط فإذا تمكن من إتيانه في ضمن فرد فقد تمكن من إتيانه لا بشرط غاية الامر توقف حصوله في الخارج على وجود الفرد والممكن بالواسطة لا يخرج عن الامكان وإن كان ممتنعا بدون الواسطة وهذا كلام سار في جميع الواجبات بالنسبة إلى المقدمات فالفرد هنا مقدمة لتحقق الكلي في الخارج فلا غائلة في التكليف به مع التمكن عن المقدمات فإن قلت سلمنا ذلك لكن نقول إن الامر بالمقدمة اللازم من الامر بالكلي على ما بنيت عليه الامر يكفينا فإن الامر بالصلوة أمر بالكون والامر بالكون أمر بهذا الكون الخاص الذي هو مقدمة الكون الذي هو جزء الصلوة فهذا الكون الخاص مأمور به وهو بعينه منهي عنه لانه فرد من الغصب والنهي عن الطبيعة يستلزم النهي عن جميع افراده ولو كان ذلك أيضا من باب مقدمة الامتثال بمقتضى النهي فإن مقدمة الحرام حرام أيضا فعاد المحذور وهو إجتماع الامر و النهي في شئ واحد شخصي قلت نمنع أولا وجوب المقدمة ثم نسلم وجوبه التبعي الذي بيناه في موضعه ولكن غاية الامر حينئذ توقف الصلاة على فرد ما من الكون لا الكون الخاص الجزئي وإنما اختار المكلف مطلق الكون في ضمن هذا الشخص المحرم فإن قلت نعم لكن ما ذكرت من كون الامر بالكلي مقتضيا للامر بالفرد يقتضي كون كل واحد مما يصدق عليه فرد ما مأمورا به من باب المقدمة ايضا والامر وإن لم يتعين تعلقه بالكون الخاص عينا لكنه تعلق به تخييرا فعاد المحذور لان الوجوب التخييري أيضا بقبح إجتماعه مع الحرام قلت أما أولا فهذا ليس بواجب تخييري كما حققنا لك في مبحث الواجب التخييري و إلا لم يبق فرق بين الواجبات العينية والتخييرية وحاصله أن التخيير في أفراد الواجب العيني بحكم العقل ووجوب الافراد فيه تابع لوجوب الكلي والامر في التخييري بالعكس فوجوب الافراد في العيني توصلي ولا مانع من إجتماعه مع الحرام كما يعترف به الخصم وثانيا إنا نمنع التخيير بين كل ما يصدق عليه الفرد بل نقول إذا أمر الشارع بالكلي فإن إنحصر في فرد أو انحصر الفرد المباح في فرد فيصير الفرد والشخص أيضا عينيا كأصل الكلي وإلا فإن كان الكل مباحا فالتخيير بين الجميع وإلا ففي الافراد المباحة فليس ذلك الفرد الغير المباح مطلوبا ولكنه لا يلزم منه بطلان الطبيعة الحاصلة في ضمنه لان الحرام قد يصير


[ 142 ]

مسقطا عن الواجب في التوصليات بل التحقيق أن قولهم ان الواجب التوصلي يجتمع مع الحرام على مذاق الخصم لا بد أن يكون معناه أنه مسقط عن الواجب لا أنه واجب وحرام كما لا يخفى وقد حققنا لك في مقدمة الواجب أن المقدمة التي هي موضع النزاع في الوجوب وعدمه هي المقدورات المباحة التي كانت من أفعال المكلف وإلا فقد يصير مقدمة الواجب شيئا غير مقدور بل من غير فعل المكلف مثل غسل الثوب الذي حصل من الغير من دون إطلاعه وقد يكون شيئا حراما ويتم الواجب به فغاية الامر سقوط التكليف هنا بسبب حصول الطبيعة في الخارج وذلك لا يستلزم كون المقدمة مطلقا مطلوبا للآمر وكل واحد مما يمكن أن يتحقق به الواجب واجبا تخييريا نعم لو فرض إنحصار تحقق الصلوة مثلا في الدار المغصوبة فنحن ايضا نقول بإمتناع الاجتماع فلا بد إما من الوجوب أو التحريم فإن قلت هذا إنما يتم على القول بوجود الكلي الطبيعي وهو ممنوع قلت مع أن الثابت في موضعه عن المحققين هو الوجود قد بينا لك في مسألة تعلق الامر بالكلي المناص عن ذلك على القول بعدمه أيضا فإن قلت القدر المشترك الانتزاعي من الافراد التي من جملتها المحرم كيف يجوز طلبه وكيف يمتاز عن الحرام ويتخلص عنه قلت ان ماهية الصلوة المنتزعة من الافراد إنما هي منتزعة عنها بإعتبار أنها أفراد للصلوة لا بإعتبار أنها غصب والمنتزع عنها من هذا الاعتبار هو ماهية الغصب الثاني أنه لو لم يجز ذلك لما وقع في الشرع وقد وقع كثيرا منها العبادات المكروهة فإن الاستحالة المتصورة إنما هي من جهة إجتماع الضدين والاحكام الخمسة كلها متضادة بالبديهة فلو لم يكن تعدد الجهة في الواحد الشخصي مجديا للزم القبح والمحال وهو محال على الشارع الحكيم مع أن هذا يدل على المطلوب بطريق اولى إذ النهي في المكروهات تعلق بالعبادات دون ما نحن فيه وبعبارة أخرى المنهي عنه بالنهي التنزيهي اخص من المأمور به مطلقا بخلاف ما نحن فيه فإن النسبة بينهما فيما نحن فيه عموم من وجه ومن كل ذلك ظهر أن العقل لا يدل على إمتناع الاجتماع في المنهي عنه تحريما أيضا لو كان أخص من المأمور به مطلقا أيضا وإن أمكن إثباته من جهة فهم العرف كما سنحققه إنشاء الله تعالى ولذلك أفرد الاصوليون الكلام في المسئلتين وما نحن فيه أشبه بالمقاصد الكلامية وإن كان لادراجه في المسائل الاصولية أيضا وجه ولكن المسألة الاتية أنسب بالمسائل الاصولية لابتنائه على دلاله الالفاظ وإن كانت راجعة إلى الاصول الكلامية أيضا على بعض الوجوه فلنرجع إلى تحرير الدليل ونقول معنى قول الشارع لا تصل في الحمام ولا تتطوع وقت طلوع الشمس إن ترك هذه الصلوة أرجح من فعلها كما هو معنى المكروه مع أنها واجبة أو مستحبة ومعنى الوجوب والاستحباب هو رجحان الفعل إما مع المنع من الترك أو عدمه ورجحان الترك ورجحان الفعل متضادان لا يجوز إجتماعهما في محل واحد وقد أجيب عن ذلك بوجوه الاول إن


[ 143 ]

المناهي التنزيهية راجعة إلى شئ خارج من العبادة بخلاف التحريمية بحكم الاستقراء فالنهي عن الصلوة في الحمام إنما هو عن التعرض للرشاش وفي معاطن الابل عن إنفار البعير وفي البطايح عن تعرض السيل ونحو ذلك فلم يجتمع الكراهة والوجوب وفيه أولا منع هذا الاستقراء وحجيته وثانيا أن معنى كراهة تعرض الرشاش أن الكون في معرض الرشاش مكروه وهذا الكون هو بعينه الكون الحاصل في الصلوة فلا مناص عن إجتماع الكونين في كون واحد وإن قلت أن مطلق الكون في معرض الرشاش لا كراهة فيه إنما المكروه هو التعرض له حال الصلوة قلت أن المعنى حينئذ أن الصلوة في الحمام منهي عنها لكونها معرض الرشاش فالنهي أيضا تعلق بالصلوة وعاد المحذور وإن قلت أن مطلق التعرض للرشاش مكروه و النهي عن الصلوة في الحمام لانه من مقدماته وعلله فيعود المحذور أيضا وثالثا أن الفرق بين قولنا لا تصل في الحمام ولا تصل في الدار المغصوبة تحكم بحت قلنا ان نقول أن حرمة الصلوة في الدار المغصوبة إنما هو لاجل التعرض للغصب وهو خاج عن حقيقة الصلوة وإتحاد كون الغصب مع كون الصلوة ليس بأوضح من إتحاد كون التعرض للرشاش مع كون الصلوة ورابعا أن هذا لا يتم في كثير من الحمامات وفي كثير من الاوقات وتخصيص ما دل على كراهة الصلوة بما لو كان في معرض الرشاش والحكم بعدم الكراهة في غيرها أيضا في غاية البعد وكون العلة والنكتة هو ذلك في اصل الحكم كرفع أرياح الاباط في غسل الجمعة لا يستلزم كون الكراهة دائما لذلك كما نشاهد في غسل الجمعة هذا كله فيما ورد من (الشارع) ؟ النهي عنه وأما في مثل الصلوة في مواضع التهمة مما يكون من جزئيات عنوان هذا القانون فلا يجري فيه هذا الكلام فلا بد للخصم أن يقول ببطلانها جزما ولم يعهد ذلك منه ولا مناص له عن ذلك بوجه فهذا أيضا يدل على بطلان مذهبه الثاني أن المراد بالكراهة هو كونه أقل ثوابا يعني أن الصلوة في الحمام مثلا أقل ثوابا منها في غيره ومرادهم أن لمطلق الصلوة مع قطع النظر من الخصوصيات ثوابا وقد يزيد عن ذلك من جهة بعض الخصوصيات كالصلوة في المسجد وقد ينقص كالصلوة في الحمام وقد يبقى بحاله كالصلوة في البيت فلا يرد ما يقال أنه يلزم من ذلك كون جل العبادات مكروهة لكون بعضها دون بعض في الثواب فيلزم كراهة الصلوة في مسجد الكوفة مثلا لانها أقل ثوابا منها في المسجد الحرام وحاصل هذا الجواب أن مراد الشارع من النهي أن ترك هذه الصلوة وإختيار ما هو أرجح منها أحسن فاترك الصلوة في الحمام واختر الصلوة في المسجد أو البيت وأنت خبير بأن ذلك أيضا مما لا يسمن و لا يغني فإن الترك المطلوب المتعلق بهذا الشخص من الصلوة من جهة هذا النهي لا يجتمع مع الفعل المطلوب من جهة مطلق الامر بالصلوة مع أنك إعترفت بأن الخصوصية أوجبت نقصا لهذا الفرد


[ 144 ]

الموجود عن أصل العبادة فمع هذه المنقصة إما أن يطلب فعلها بدون تركها أو تركها بدون فعلها أو كلاهما فعلى الاول يلزم عدم الكراهة وعلى الثاني عدم الوجوب وعلى الثالث يلزم المحذور وان قلت أن المراد بالنهي ليس هو الطلب الحقيقي بل هو كناية عن بيان حال الفعل بأنه أقل ثوابا عن غيره فلا طلب حتى يلزم إجتماع الامر والنهي قلت مع أن هذا تعسف بحت لا يجدي بالنسبة إلى نفس الامر فنقول مع قطع النظر عن دلالة هذا النهي على طلب الترك فهل هذا الفعل في نفس الامر مطلوب الفعل أو مطلوب الترك أو مجتمعهما إلى آخر ما ذكرنا على أنا نقول ترك الفرد لكونه أقل ثوابا وإختيار ما هو أعلى منه إنما يصح فيما له بدل من العبادات وأما في ما لا بدل له كالتطوع في الاوقات المكروهة على القول بها والتطوع بالصيام في السفر أو الايام المكروهة فلا يصح ما ذكرت بوجه لان كل آن يسع لصلوة ركعتين يستحب فيه ركعتان وكذلك كل يوم من الايام يستحب فيه الصيام وما يقال لان الاحكام واردة على طبق المعتاد وعادة أغلب الناس بل كاد أن يكون كلهم عدم إستغراق أوقاتهم بالنوافل فإن كان المراد منه أنه لم يكلف في هذا الوقت الذي يصلي فيه بدلا عن الصلوة المكروهة بنافلة وهذا الذي يوقعها فيه هو الصلوة التي كانت وظيفة الوقت المرجوح فهذا ليس بأولى من أن يقال أن هذا هو الصلوة التي هي وظيفة هذا الوقت ولم يكلف في الوقت المكروه بصلوة وإن كان المراد أنه لما علم الشارع أنه لا يستغرق أوقاته بالنوافل فقال له لا تصل وظيفة هذا الوقت المكروه وصل وظيفة الوقت الاخر فهذا إعتراف منك بأن الراجح ترك الصلوة المكروهة من دون بدل مع أن هذا الكلام في مثل صوم يوم الغدير وأول رجب وأيام البيض والايام المخصوصة من شعبان وغيرها كما ترى فإن صوم مثل الغدير الذي يتفق مرة في عرض السنة ليس مما يخالف العادة ويترقبه المؤمنون بل يتبرك به الفساق ومع ذلك ينهى عنه الشارع في السفر ولا يريد منه بدله الذي لا وجود له أصلا بل لا معنى له مطلقا كما عرفت فإن قلت فما تقولون أنتم في العبادات المكروهة فهل يترجح فعلها على تركها أو بالعكس قلت المناهي التي وردت عن العبادات تنزيها كلها إنما تعلقت بها بإعتبار وصفها وليس فيها ما تعلقت بذاتها وإن فرضت تعلقها بذاتها مثل أن تقول ان قرائة القرآن مكروهة للحائض على التقريب الذي سنبينه في جعل صلوة الحائض من جملة ما نهي عنه لذاتها فلا إشكال عندنا في رجحان تركها ومرجوحية فعلها ولا حاجة فيه إلى تكلف أصلا وإما لم نحكم صريحا بكونها كالصلوة لاحتمال أن يقال أن المنهي عنه هو قرائة ما زاد على سبع أو سبعين فيرجع إلى النهي بإعتبار الوصف أيضا والحاصل أن المفروض إن كان المتعلق بالذات فقد عرفت وإلا فلنا أن نقول برجحان الفعل على الترك وبالمرجوحية ولا إشكال في أحد


[ 145 ]

منهما العقل لا يستبعد من أن يكون لاصل العبادة مع قطع النظر عن الخصوصيات رجحان و للخصوصية التي تحصل معها في فرد خاص مرجوحية من جهة تلك الخصوصية وهذه المرجوحية قد توازي الرجحان الثابت لاصل العبادة وتساويه أو تزيد عليه أو تنقص عنه فعلى الاول يصير متساوي الطرفين وعلى الثاني يصير تركه راجحا على فعله وعلى الثالث بالعكس ففيما له بدل من العبادات كالصلوة في الحمام فلا إشكال لان النهي عن الخصوصية لا يستلزم طلب ترك الماهية فنختار غير هذه الخصوصية سواء فيه الاقسام الثلثة المتقدمة وأما فيما لا بدل له كالصيام في الايام المكروهة والنافلة في الاوقات المكروهة فنقول هي إما مباحة أو مكروهة على ما هو المصطلح فيكون تركه راجحا على فعله بل الثاني هو المتعين هناك لئلا يخلو النهي عن الفائدة على ظاهر اللفظ فيغلب المرجوحية الحاصلة بسبب الخصوصية على الرجحان الحاصل لاصل العبادة ويرفعه ولذلك كان المعصومون عليهم الصلوة والسلام يتركون تلك العبادات وينهون عنها وإلا فلا معنى لتفويتهم عليهم السلام تلك الرجحان والمثوبة على أنفسهم وعلى شيعتهم بمحض كونها أقل ثوابا من سائر العبادات سيما إذا لم يتداركه بدل كما عرفت في دفع التوجيه المتقدم فإن قلت فكيف يمكن بهانية التقرب وكيف يصير ذلك عبادة مع أن العبادة لا بد فيها من رجحان جزما قلت أن القدر المسلم في إشتراط الرجحان إنما هو في أصل العبادات وماهيتها وأما لزوم ذلك في جميع الخصوصيات فلم يثبت وأما قصد التقرب فهو أيضا يمكن بالنسبة إلى أصل العبادة و إن كان لم يحصل القرب لعدم إستلزام قصد التقرب حصول القرب وإلا فلا يصح أكثر عباداتنا التي لا ثواب فيها أصلا لو لم نقل بأن فيها عقابا من جهة عدم حضور القلب ووقوع الخزازات الغير المبطلة على ظاهر الشرع فيها مع أن قصد التقرب لا ينحصر معناه في طلب القرب والزلفى والوصول إلى الرحمة فإن من معانيه موافقة أمر الامر فهذه العبادة من حيث أنها موافقة لامر الامر يمكن قصد التقرب بها وإن لم يحصل القرب بها من جهة مزاحمة منقصة الخصوصية ألا ترى أن الامام موسى بن جعفر عليهما الصلوة والسلام كان يترك النوافل إذا اهتم أو إغتم كما ورد في الروايات وأفتى بمضمونه في الذكرى فترك التكلم والمخاطبة مع الله سبحانه متكاسلا ومتشاغلا أولى من فعله ولذلك إرتكبه الامام عليه السلام ولو كان مع ذلك فيه رجحان لكان تركه بعيدا عن مثله سيما متكررا وسيما في مثل الرواتب المتأكدة غاية التأكيد المتممة للفرائض ومع ذلك فلا ريب في صحتها لو فعل بهذه الحالة وجواز قصد التقرب بها وأما الفرائض فعدم جواز تركها مع ذلك فإنما هو لحماية الحمى ولئلا يفتح سبيل تسويل النفس ومكيدة الشيطان فيما هو بمنزلة العمود لفسطاط الدين فإن أكثر أحكام الشرع


[ 146 ]

من هذا الباب كتشريع العدة مطلقا وإن كان العلة فيها عدم إختلاط الانساب فلعل صورة العبادة تكفي في صحة قصد التقرب ما لم يثبت له مبطل من الخارج وإن لم يكن مما يحصل له ثواب في الخارج فحينئذ فإن ورد في أمثال هذه العبادات المكروهة معارض فلا بد من طرحها كما ورد في بعض الاخبار الضعيفة أن الامام عليه السلام صام في السفر في شعبان مع أنه ليس بصريح في كونه مندوبا بل ربما كان منذورا بقيد السفر أو غير ذلك من الاحتمالات فاما لا بد من نفي الكراهة فيما لا بدل له أو من القول برجحان تركه مطلقا والاظهر في صوم السفر الكراهة وفي التطوع في الاوقات المكروهة العدم ففيما يثبت الكراهة فالكلام فيه ما مر وفيما لم يثبت فلا إشكال الثالث أن المراد بكراهة العبادات مرجوحيتها بالنسبة إلى غيرها من الافراد وسماه بعضهم بخلاف الاولى فرجحانها ذاتية والمرجوحية إضافية ولا منافاة بينهما كالقصر في المواطن الاربعة فهو مرجوح بالنسبة إلى التمام مع كونه أحد فردي الواجب المخير وكما أنه يجتمع الوجوب النفسي مع الاستحباب للغير كإستحباب غسل الجنابة للصلوة المندوبة على القول بوجوبه لنفسه وكذلك الوجوب الغيري مع الاستحباب النفسي على القول الآخر فكذا يجتمع الرجحان الذاتي مع الكراهة للغير كصلوة الصائم مع إنتظار الرفقة والمكروهات للغير كثيرة مثل الاتزار فوق القميص للصلوة ومصاحبة الحديد البارز لها ونحوهما وفيه أن المراد بالمرجوحية الاضافية إن كانت مع حصول منقصة في ذاتها أيضا يستحق الترك بالنسبة إلى ذاتها أيضا فيعود المحذور وإلا فيصير معناه كون الغير أفضل منه وأرجح وحينئذ فنقول ذلك الغير ربما يكون مما يوازي أصل الطبيعة في الثواب فيصير ما نحن فيه مرجوحا بالنسبة إلى أصل الطبيعة أيضا فيحصل بذلك لهذا الفرد أيضا منقصة ذاتية لا يقال ان هذه المنقصة إنما هي من جهة الخصوصية لا من جهة أصل العبادة لان ذلك خلاف أصل المجيب فإن مبناه عدم إعتبار تعدد الجهة ثم ان الكلام لا يتم في غير هذه الصورة أيضا أعني ما كان مرجوحا بالنسبة إلى سائر الافراد التي لها مزية على أصل الطبيعة ولا يجدي ما ذكره المجيب إذ نقول حينئذ بعد تسليم كونه راجحا بالذات ومرجوحا بالنسبة إلى الغير فإما أن يكون فعل ذلك مطلوبا أو تركه أو كلاهما إلى آخر ما ذكرنا في رد الجواب الثاني فإن قلت مطلوب فعله لذاته ومطلوب تركه من جهة أنه مفوت للمصلحة الزايدة الحاصلة في الغير فقد كررت على ما فررت عنه فإن المطلوب شئ واحد ولا يعتبر عندك تعدد الجهة فإن قلت لما جاز الفعل والترك معا فلا يلزم التكليف بالمحال قلت انا نتكلم فيما لو أراد الفعل واختار الفرد المرجوح وجواز الفعل والترك لا يجوز إجتماع


[ 147 ]

المتضادين في صورة إختياره وهو واضح مع أنه لا فارق بين قولنا لا تصل في الدار المغصوبة ولا تصل في الحمام فاعتبر فيه الرجحان الذاتي والمرجوحية الاضافية أيضا وما يقال أن الفارق أن الصلاة ثمة (عين) ؟ الغصب وهيهنا غير الكون في الحمام مع ما فيه من التكليف الواضح وإن ذلك إنما هو بعد تسليم أن الاتحاد في الوجود الخارجي يوجب إرتفاع الاثنينية في الحقيقة يرد عليه أن ذلك مبني على الخلط بين ما عنون به القانون وبين ما سيجئي فيما بعد فالنهي ثمة تعلق بالصلوة في الدار المغصوبة لا بالصلوة لانها غصب بعينها والغصب منهي عنه والذي ذكرناه من النقض انما كان من باب الاولوية والاكتفاء بلزوم إجتماع المتنافيين مطلقا وليس مثالنا في العبادة المكروهة مطابقا في النوع ولزم مما ذكرنا القول بذلك فيما لو كان المنهي عنه أخص من المأمور به أيضا وإن شئت تطبيق المثال على المقامين فطابق بين قولنا صل ولا تغصب وبين قولنا ولا تكن في مواضع التهمة وطابق بين قولنا لا تصل في الحمام ولا تصل في الدار المغصوبة فإن كنت تقدر على أن تقول ان المرجوحية في الصلوة في مواضع التهم إضافية بالنسبة إلى غيرها في المثال الاول فنحن أقدر بأن نقول مرجوحية الصلوة في الدار الغصبية إضافية بالنسبة إلى الصلوة في غيرها في المثال الثاني والنقض الاول الذي أوردناه في الاستدلال إنما هو بالفقرة الاولى من المثال الثاني على الفقرة الاولى من المثال الاول والمعارضة التي ذكرناها في دفع جوابك إنما هو بالفقره الثانية من المثال بالنسبة إلى ما ذكرته في الفقرة الاولى منه وما دفعت به المعارضة يناسب لو أردنا بالمعارضة المعارضة بالفقرة الاولى من المثال الاول بالنسبة إلى الفقرة الاولى من المثال الثاني قوله وكما أنه يجتمع إلخ فيه أنه رجوع عن أول الكلام فإن المرجوحية بالنسبة إلى الغير غير المرجوحية للغير وكذلك الوجوب والاستحباب وقد إختلطا في هذا المقام ويشهد به التشبيه بالغسل (مطلقا والذي ذكرته في رفع تلك المعارضة لو تم فإنما يناسب فيما لو كان بينهما عموما وخصوصا صح) والتمثيل بالاتزار مع أن الكلام في الواجب النفسي والغيري أيضا هو الكلام فيما نحن فيه وهو أيضا من المواضع التي أشرنا إلى ورودها في الشرع بملاحظة إعتبار الجهة ولا يصح ذلك إلا بهذه الملاحظة مع أن الاستحباب النفسي على القول بالوجوب لغيره إنما هو إذا لم يدخل وقت مشروط بالطهارة وبعد دخوله فيجب للغير فيختلف الزمان وأما على القول الاخر فالاستحباب الغيري معناه أنه يستحب أن يكون هذا الفعل في حال كون المكلف مغتسلا لا أنه يستحب الغسل له إلا أن يقال إستحباب الفعل في حال الغسل لا يتم إلا بالغسل وما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب فيستحب الغسل فالمناص هو إعتبار تعدد الجهة وإلا فلا يصح التكليف لان المكلف به على مذهب المجيب هو الفرد وهو شئ واحد شخصي لا تعدد فيه (أصلا) ومن المواضع التي ذكرناها هو الصلوة في المسجد فإن المستحب والواجب


[ 148 ]

أيضا متضادان وكذلك افضل أفراد الواجب التخييري فإنه واجب من حيث كونه فردا من الكلي و مستحب من حيث الشخص وما أدري ما يقول المجيب هنا (قبالا) ؟ لما ذكره في الفرد المرجوح اللهم الا ان يقول الفرد الافضل راجح بالنسبة إلى الفرد الاخر وإن كان فاقدا لذلك الرجحان والمزية الموجودة في الافضل بالنظر إلى أنه أحد فردي المخير لا بالنسبة إلى ذاته فحينئذ يخرج عن المقابلة ومنها ما ورد في الاخبار الكثيرة وأفتى به الفقهاء من تداخل الاغسال الواجبة والمستحبة وكذلك الوضوءات ونحو ذلك واضطرب فيه كلام الاصحاب في توجيه هذا المقام وذهب كل منهم إلى صوب والكل بعيد عن الصواب وأما على ما اخترناه فلا إشكال وقد بينا ذلك في كتاب مناهج الاحكام الثالث أن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان مخصوص ثم خاطه في ذلك المكان فإنا نقطع أنه مطيع عاص لجهتي الامر بالخياطة والنهي عن الكون وأجيب عنه بأن الظاهر في المثال المذكور إرادة تحصيل خياطة الثوب بأي وجه اتفق سلمنا لكن المتعلق فيه مختلف فإن الكون ليس جزء من مفهوم الخياطة بخلاف الصلوة سلمنا لكن نمنع كونه مطيعا والحال هذه ودعوى حصول القطع بذلك في حيز المنع حيث لا نعلم إرادة الخياطة كيفما إتفقت وفيه أن هذا الكلام بظاهره مناقض لمطلب المجيب من تعلق الحكم بخصوصية الفرد فإن إرادة الخياطة بأي وجه إتفق هو معنى كون المطلوب هو الطبيعة وأيضا فإنما الكلام في جواز إجتماع الامر والنهي في نفس الامر عقلا وعدمه والظهور من اللفظ لا يوجب جوازه إذا كان مستحيلا عقلا أللهم إلا أن يقال مراد المجيب أن وجوب الخياطة توصلي ولا مانع من إجتماعه مع الحرام وهذا معنى قوله بأي وجه إتفق وفيه ما اشرنا من أن المحال وارد على مذهب المجيب في صورة الاجتماع توصليا كان الواجب أو غيره نعم يصير الحرام مسقطا عن الواجب لا أن الواحد يصير واجبا وحراما وليس مناط الاستدلال نفس الصحة بأن يتمسك بها في جواز الاجتماع حتى يجاب بالانفكاك في التوصلي ويقال بأنه صحيح من أجل إسقاط الحرام ذلك لا لجواز الاجتماع فلا يدل مطلق الصحة على جواز الاجتماع مطلقا بل مناطه أن الامتثال العرفي للامر بنفسه شاهد على جواز الاجتماع وكلام المستدل من قوله مطيع عاص من جهتي الامر والنهي صريح في أن حصول الاطاعة من جهة موافقة الامر لا لان الحرام مسقط عن الواجب فلا فايدة في هذا الجواب وبالجملة فالقول بإجتماع الواجب التوصلي مع الحرام على مذهب المجيب إنما يصح إذا أريد به سقوط الواجب عنه بفعل الحرام وأما على المذهب المنصور فيصح بإرادة ذلك وإرادة حصول الاطاعة من جهة كونه من أفراد المأمور به في بعض الاحيان أيضا هذا كله مع ما ذكرنا من أن وجوب الفرد من باب المقدمة فيكون هو أيضا


[ 149 ]

توصليا سيما ومحل البحث الذي هو الكون الذي هو جزء الصلوة وجوبه بالنسبة إلى أصل (للصلاة توصلي) فما ذكرنا في مقدمة الواجب نعم قد يحصل للجزء وجوب غيري أيضا كما أشرنا في ذلك المبحث وبسببه يختلف الحكم قوله فإن الكون ليس جزء من مفهوم الخياطة فيه إن إنكار كون تحريك الاصبع وإدخال الابرة في الثوب وإخراجه عنه جزء للخياطة والفرق بينه وبين حركات القيام والركوع والسجود مكابرة ولعله حمل الكون في كلام المستدل على خصوص الكون الذي هو من لوازم الجسم فإنه هو الذي يمكن منع جزئيته كما يمكن منع ذلك في الصلوة أيضا ولا ريب أن مراد المستدل المنع من جميع صور الكون في هذا المكان أو ما يشتمل عليه الخياطة لينطبق على مدعاه قوله حيث لا نعلم إرادة الخياطة كيفما اتفقت فيه أن أهل العرف قاطعون بأنه ممتثل حينئذ ولو عاقبه المولى على عدم الامتثال من جهة الخياطة لذمه العقلاء أشد الذم ولكن لو عاقبه على الجلوس في المكان لم يتوجه عليه ذم نعم لو علم أن مراده الخياطة في غير هذا المكان وان الخياطة في هذا المكان ليست مطلوبة لكان لما ذكره وجه وأما بمجرد عدم العلم بإرادة الخياطة كيفما اتفقت فمنع الامتثال بعد ملاحظة فهم العرف مكابرة ومع ذلك كله فذلك مناقشة في المثال فلنمثل بما ذكره بعض المدققين بأمر المولى عبده بمشي خمسين خطوة في كل يوم ونهاه عن الدخول في الحرم فإذا مشى المقدار المذكور إلى داخل الحرم يكون عاصيا مطيعا من الجهتين احتجوا بأن الامر طلب لايجاد الفعل والنهي طلب لعدمه فالجمع بينهما في أمر واحد ممتنع وتعدد الجهة غير مجد مع إتحاد المتعلق إذ الامتناع إنما نشاء من لزوم إجتماع المتنافيين في شئ واحد وذلك لا يندفع إلا بتعدد المتعلق بحيث يعد في الواقع أمرين هذا مأمور به وذلك منهي عنه ومن البين أن التعدد في الجهة لا يقتضي ذلك والكون الحاصل في الصلوة في الدار المغصوبة شئ واحد ويمتنع أن يكون مأمورا به ومنهيا عنه فتعين بطلانها وأيضا كيف يجوز على الله تعالى أن يقول للمصلي إذا أراد الصلوة في الدار المغصوبة لا تركع فإذا ركعت لعاقبتك ويقول أيضا اركع هذا أو غيره وإلا لعاقبتك أقول ويظهر الجواب عن ذلك بالتأمل فيما مر ونقول هيهنا أيضا قوله فالجمع بينهما في أمر واحد ممتنع إن أراد أن المر بالصلوة من حيث أنه هو هذا الفرد الذي بعينه هو الغصب والنهي عن الغصب الذي بعينه هو الكون الحاصل في الصلوة ممتنع الاجتماع فهو كما ذكره لكن الامر والنهي لم يرد إلا مطلقين والحاصل أن جهتي الامر والنهي هنا تقييديتان لا تعليليتان كما أشار إليه بعض المحققين وما ذكره من عدم اجداء تعدد الجهة ممنوع قوله بحيث يعد في الواقع أمرين إن أراد بذلك لزوم تعددهما في الحس ففيه منع ظاهر وإن


[ 150 ]

أراد مطلق التعدد فلا ريب أنهما متعددان ولم ينتف إحدى الحقيقتين في الخارج بسبب إتحاد الفرد و لم يصيرا شيئا ثالثا أيضا بل هما متغايران في الحقيقة متحدان في نظر الحس في الخارج وذلك كاف في إختلاف المورد وقد عرفت ورودها في الشرع في غاية الكثرة فإن الجنب الذي يغتسل يوم الجمعة غسلا واحدا عن الجنابة والجمعة يجوز ترك هذا الغسل له من حيث أنه جمعة ولا يجوز تركه من حيث أنه جنابة ولا تعدد في الخارج في نظر الحس مطلقا وكذلك المكروهات وغيرها مما مر قوله وأيضا كيف يجوزاه قد عرفت أن الشارع لا يقول له لا تركع ولا أركع هذا أو غيره بل يقول لا تغصب ويقول اركع ولا يقول اركع هذا الركوع لما مر أن التخيير اللازم بإعتبار وجوب المقدمة إنما هو بالنسبة إلى الافراد المباحة نعم ذلك مسقط عن المباح كما أشرنا والتكليف الباقي في حال الفعل على تسليم تعلقه حال الفعل إنما هو بإتمام مطلق المكلف به لا مع إعتبار الخصوصية وبشرطها فلا يرد أنه يستلزم مطلوبية الفرد الخاص فإن قلت أن الحكيم العالم بعواقب الامور المحيط بجميع أفراد المأمور به كيف يخفى عليه هذا الفرد فإذا كان عالما به فمقتضى الحكمة أنه لا يريده فلا يكون من أفراد المأمور به فيكون باطلا قلت لعل هذا البحث إستدراك من أجل ما ذكرنا من كون دلالة الواجب على مقدماته تبعيا ومن باب الاشارة وأن محاورات الشارع على طبق محاورات العرف والمعتبر في الدلالة هو المقصود من اللفظ وهو إستدراك حسن لكنا نجيب عنه بأن المأمور به إيجاد الطبيعة لا الفرد ولا نقول نحن أن هذا الفرد مما أمر به الشارع وإيجاد الطبيعة لا يستلزم خصوصية هذا الفرد فإن قلت نعم لكن لما رخص الشارع في إيجاد الطبيعة مطلقا وأمرنا بإيجادها في ضمن الافراد من باب المقدمة فلا بد أن يكون إيجادها في ضمن هذا الفرد مستثنى من الايجادات قلت كاشفا للحجاب عن وجه المطلوب و رافعا للنقاب عن السر المحجوب أنه لا إستحالة في أن يقول الحكيم هذه الطبيعة مطلوبي ولا أرضى يإيجادها في ضمن هذا الفرد أيضا ولكن لو عصيتني وأوجدتها فيه لعاقبتك لما خالفتني في كيفية الايجاد لا لانك لم توجد مطلوبي لان ذلك الامر المنهي عنه شئ خارج عن العبادة فهذا معنى مطلوبية الطبيعة الحاصلة في ضمن هذا الفرد لا أنها مطلوبة مع كونها في ضمن الفرد فقد اسفر الصبح وارتفع الظلام فإلى كم قلت وقلت ومن ذلك يظهر الجواب عن الاشكال في نية التقرب لان قصد التقرب إنما هو في الاتيان بالطبيعة لا بشرط الحاصلة في ضمن هذا الفرد لا بإتيانه في ضمن هذا الفرد الخاص المنهي عنه ثم أن هيهنا تنبيهين الاول أن مقتضى عدم جواز إجتماع الامر والنهي في شئ واحد عدم إمكان كون الشئ الواحد مطلوبا ومبغوضا وأما إقتضاء ذلك


[ 153 ]

تخصيص الامر بالنهي والحكم بالبطلان دون العكس فكلا فإن قول الشارع صل مطلق والامر يقتضي الاجزاء في ضمن كل ما صدق عليه المأمور به كما مر وقوله لا تغصب أيضا مطلق يقتضي حرمة كل ما صدق عليه أنه غصب والقاعدة المبحوث عنها بعد إستقرارها على عدم الجواز لا يقتضي إلا لزوم إرجاع أحد العامين إلى الاخر فما وجه تخصيص الامر والقول بالبطلان كما إختاروه بل لنا أن نقول الغصب حرام إلا إذا كان كونا من أكوان الصلوة كما تقول الصلاة واجبة إلا إذا كانت محصلة للغصب ولذلك ذهب بعض المتأخرين إلى الصحة مع القول بعدم جواز الاجتماع في أصل المسألة ويؤيده بعض الاخبار الدالة على أن للناس من الارض حقا في الصلوة فلا بد من الرجوع إلى المرجحات الخارجية وقد ذكروا في وجه ترجيح النهي وجوها منها أن دفع المفسدة اهم من جلب المنفعة وهو مطلقا ممنوع إذ في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا تعين ومنها أن النهي أقوى دلالة لاستلزامه إنتفاء جميع الافراد بخلاف الامر وقد مر ما يضعفه في مبحث تكرار النهي ومنها ما يقال أن الاستقراء يقتضي ترجيح محتمل الحرمة على محتمل الوجوب كحرمة العبادة في أيام الاستظهار والتجنب عن الانائين المشتبهين ونحو ذلك وفيه أنه لم يظهر أن هذا الحكم أمثال ذلك لاجل ترجيح الحرمة على الوجوب بل لعله كان لدليل آخر مع أن الحرمة في الانائين مقطوع بها بخلافه هنا بل يمكن للقلب بأن الاجتناب عن النجاسة واجب وترك الوضوء حرام مع أن ذلك الاستقراء على فرض ثبوته لم يثبت حجيته مع معارضته بأصل البرائة وكذلك ما دل من الاخبار على تغليب الحرام على الحلال معارض بما دل على أصل الاباحة فيما تعارض فيه النصان وبالجملة فلا بد من مرجح يطمئن إليه النفس ثم الحكم على مقتضاه بالصحة أو البطلان الثاني أن ما عنون به القانون هو الكلام في شئ ذي جهتين يمكن إنفكاك كل منهما عن الاخر وأما ما يمكن الانفكاك عن أحدهما دون الاخر كقوله صل ولا تصل في الدار المغصوبة فقد مرت الاشارة إلى جواز الاجتماع فيه عقلا ولغة وإن فهم العرف خلافه وسيجئي الكلام فيه وأما ما لا يمكن الانفكاك عن أحد الطرفين مثل من دخل دار غيره غصبا ففيه أقوال الاول أنه مأمور بالخروج وليس منهيا عنه ولا معصية في الخروج والثاني أنه عاص لكن لم يتعلق به النهي عن الخروج والثالث أنه مأمور به ومنهي عنه أيضا ويحصل العصيان بالفعل والترك كليهما وهو مذهب أبي هاشم وأكثر أفاضل متأخرينا بل هو ظاهر الفقهاء وهو الاقرب فإنهما دليلان يجب إعمالما ولا موجب للجمع والتقييد إذ الموجب إما فهم العرف كما في العام والخاص المطلقين على ما أشرنا إليه وسنبينه أو العقل كما لو دخل في دار الغير سهوا فإن الامر بالخروج والنهي عنه موجب لتكليف ما لا يطاق فهو مأمور بالخروج لاغير وأما فيما نحن فيه فإنه وإن كان يلزم


[ 154 ]

تكليف ما لا يطاق أيضا ولكن لا دليل على إستحالته إن كان الموجب هو سوء إختيار المكلف كما يظهر من الفقهاء في كون المستطيع مكلفا بالحج إذا أخره إختيارا وإن فات إستطاعته لا يقال أن الخروج أخص من الغصب مطلقا وفهم العرف يقتضي الجمع بين العام والخاص إذا كانا مطلقين لانا نقول ان الخروج ليس مورد الامر من حيث هو خروج بل لانه تخلص عن الغصب كما أن الكون في الدار المغصوبة ليس حراما إلا من جهة أنه غصب والنسبة بين الخروج والغصب عموم من وجه والظاهر أن ذلك الامر إنما استفيد من جهة كونه من مقدمات ترك الغصب الواجب ومقدمة الترك أعم من الخروج وإن إنحصر أفراده في الخروج بحسب العادة فإن الظاهر أن العام الذي أفراده الموجودة في الخارج منحصرة في الفرد بحسب العادة بل في نفس الامر أيضا لا يخرج عن كونه عاما في باب التعارض فلو فرض ورود الامر بالخروج أيضا بالخصوص فالظاهر أنه من جهة أنه الفرد الغالب الوجود لامكان التخلص بوجه أخر إما بأن يحمله غيره على ظهره ويخرجه من دون إختياره أو غير ذلك فليضبط ذلك فإنه فائدة جليلة لم أقف على تصريح بها في كلامهم وأما القول الاول فاختاره إبن الحاجب وموافقوه مستدلين بأنه إذا تعين الخروج للامر دون النهي بدليل يسدل عليه فالقطع بنفي المعصية عنه إذا خرج بما هو شرطه من السرعة وسلوك أقرب الطرق وأقلها ضررا إذ لا معصية بإيقاع المأمور به الذي لا نهي عنه وفيه ما عرفت أنه لا وجه لتخصيص النهي بذلك الامر فالنهي باق بحاله ويلزمه حصول المعصية أيضا وأما القول الثاني فاختاره فخر الدين الرازي وقال أن حكم المعصية عليه مستصحب مع إيجابه الخروج وفيه أنه لا معنى للمعصية إلا في ترك المأمور به أو فعل المنهي عنه فإذ لا نهى فلا معصية مع أن النهي أيضا مستصحب ولا وجه لتخصيصه كما مر ثم يمكن أن يقال على أصولنا أن النزاع بين هذا القول وبين ما اخترناه لفظي إذ مبنى ما اخترناه من إجتماع الامر والنهي جعل التكليف من قبيل التكليف الابتلائي والتنبيه على إستحقاق العقاب لا طلبا للترك في نفس الامر مع علم الآمر بأنه لا يمكن حصوله مع إمتثال الامر ومراد المنكر هو طلب حصول الترك في الخارج وقد يوجه كلامه بوجه آخر بعيد قانون إختلف الاصوليون في دلالة النهي على الفساد في العبادات والمعاملات على أقوال وتحقيق المقام يستدعي رسم مقدمات الاولى المراد بالعبادات هنا ما احتاج صحتها إلى النية وبعبارة أخرى ما لم يعلم إنحصار المصلحة فيها شئ سواء لم يعلم المصلحة فيها أصلا أو علمت في الجملة وإحتياجها إلى النية وهو قصد الامتثال والتقرب من جهة ذلك فإن إمتثال الامر لا يحصل إلا بقصد إطاعته في العرف والعادة والموافقة الاتفاقية لا تكفي نعم لو علم إنحصار المصلحة في شئ خاص فبعد حصوله لا يبقى


[ 155 ]

وجوب الامتثال لكونه لغوا فيسقط الموافقة الاتفاقية الاتيان بالفعل ثانيا لان ذلك هو نفس الامتثال والمراد بالمعاملات هنا ما قابل ذلك أي ما لا يحتاج صحتها إلى النية سواء كان من الواجبات كغسل الثياب والاواني أو من العقود أو الايقاعات فإن المصالح فيها واضحة لا يتوقف حصولها على قصد الامتثال وإن لم يحصل الثواب في الواجبات وحصل العقاب في إتيانها المعاملات على الطريق المرحم ولذلك لا يكلف من غسل ثوبه بماء مغصوب أو بإجبار غيره عليه أو بحصوله من مسلم دون إطلاعه بإعادة الغسل وكذلك ترتب الاثار على الافعال المحرمة في المعاملات كترتب المهر والارث والولد لمن دخل بزوجته في حال الحيض وغير ذلك الثانية الاصل في العبادات والمعاملات هو الفساد لان الاحكام الشرعية كلها توقيفية ومنها الصحة والاصل عدمها وعدمها يكفي في ثبوت الفساد وإن كان هو أيضا من الاحكام الشرعية لان عدم الدليل دليل على العدم وأما إستدلال بعض الفقهاء بأصالة الصحة وأصالة الجواز في المعاملات فالظاهر أن مراده من الاصل العموم أو مطلق القاعدة وإن كان مراده غير ذلك فهو سهو إلا أن يراد به أصالة جواز إعطاء ماله بغيره وأخذ مال غيره مثلا لان الناس مسلطون عل أموالهم ولكن ذلك لا يفيد الصحة الشرعية بمعنى اللزوم وترتب الآثار وما يقال أن الاصل في معاملات المسلمين الصحة فهو معنى آخر والمراد به ان ما تحقق صحيحه عن فاسده في نفس الامر ولم يعلم أن ما حصل في الخارج هل هو من الصحيح أو الفاسد فيحمل على الصحيح إذا صدر من مسلم إلا بمعنى أن صحة أصل المعاملة تثبت بمجرد فعل المسلم فالمذبوح المحتمل كونه على الوجه المحرم والمحلل يحمل على المحلل إذا صدر عن مسلم إلا أن الاصل في الذبح أن يكون صحيحا بل الاصل عدم التذكية والحرمة حتى تثبت التذكية الصحيحة وصدوره عن المسلم قائم مقام ثبوت التذكية الصحيحة في نفس الامر وهذا الاصل إجماعي مدلول عليه بالادلة المتينة القويمة مصرح به في الاخبار الكثيرة الثالثة محل النزاع في هذا الاصل ما تعلق النهي بشئ بعد ما ورد عن الشارع له جهة صحة ثم ورد النهي عن بعض أفراده أو خوطب به عامة المكلفين ثم إستثنى عنه بعضهم فمثل الامساك ثلثة أيام والقمار ونحو ذلك ليس من محل النزاع في شئ إذ الكلام والنزاع في دلالة النهي على الفساد و عدمه وما ذكر فاسد بالاصل لان الاصل عدم الصحة وأما الفساد فيدل عليه عدم الدليل ومما ذكرنا يظهر أن ما تقدم من إجتماع الامر والنهي فيما كان بين المأمور به والمنهي عنه عموم من وجه سواء إتحدا في الوجود أم لا أيضا خارج عن هذا الاصل ولذا أفرده القوم وأفردناه بالذكر وبالجملة النزاع في هذا الاصل فيما كان بين المأمور به والمنهي عنه أو المأمور والمنهي عموم وخصوص مطلق ثم إعلم


[ 156 ]

أن النهي المتعلق بكل واحد من العبادات والمعاملات إما يتعلق به لنفسه أو لجزئه أو لشرطه أو لوصفه الداخل أو لوصفه الخارج أو لشئ مفارق له متحد معه في الوجود أو لشئ مفارق غير متحد معه في الوجود والمراد بالمتعلق به لنفسه أن يكون المنهي عنه طبيعة تلك العبادة أو المعاملة مع قطع النظر عن الافراد والعوارض والاوصاف كالزمان والمكان وغير ذلك مثاله النهي عن صلوة الحائض وصومها ونحو ذلك لا يقال ان النهي هنا تعلق بالصلوة بإعتبار وقوعها حال الحيض فالمنهي عنه هو الصلوة الكاينة في حال الحيض فالنهي إنما تعلق بها لوصفها ويؤيده ما قيل أن مفهوم الصيغة إنما يرد على المادة بعد إعتبار قيودها أو حيثياتها فقولنا زيد أعلم من عمرو في الهيئة وعمرو أعلم من زيد في الطب معناه أن علم الهيئة في زيد أكثر من عمرو وعلم الطلب في عمرو أكثر من زيد وبذلك يندفع ما أورد على قولهم ان صيغة التفضيل تقتضي الزيادة في أصل الفعل مع قطع النظر عن الافراد من أنه يلزم أن يرجع العقل عما فهمه أولا في مثل ذلك المثال فيكون معنى قولنا لا تصل الحائض ان الصلوة الحاصلة في حال الحيض منهي عنها فيكون المنهي عنه لنفسه منحصرا في مثل المثالين المتقدمين لانا نقول أن الحيض من مشخصات الموضوع لا المحمول وما ذكر في التائيد من جعل القيود من متعلقات المادة ممنوع سلمنا عدم كونه قيدا للموضوع لم لا يكون من قيود الحكم والنسبة الحكمية فإن سلمنا كون القضية عرفية عامة بأن يكون المراد الحائض منهية عن الصلوة ما دامت حائضا فليس معناه أنها منهية عن الصلوة الكاينة في حال الحيض بل المراد أنها منهية في حال الحيض عن الصلوة والحاصل أن المنهي عنه لنفسه إنما هو بعد ملاحظة حال المكلف لا مطلقا فالظاهر مكلف بالصلوة والحائض منهية عنها وأما ما وقع النهي عنه مع قطع النظر عن ملاحظة حال المكلف أيضا كالامساك ثلثة أيام فيما هو في صورة العبادة والزنا والقمار فيما هو في صورة المعاملة فهو خارج عن محل النزاع كما ذكرنا وأما المعاملة المنهي عنها لنفسها فمثل نكاح الخامسة لمن عنده أربع وبيع العبد والسفيه ونحو ذلك ويظهر وجهه مما تقدم في صلوة الحائض وأما المنهي عنه لجزئه فكالنهي عن قرائة العزائم في الصلوة وكبيع الغاصب مع جهل المشتري على القول بأن البيع هو (نفس) ؟ الايجاب والقبول الناقلين للملك وأما على القول الاخر فالامثلة كثيرة واضحة والنهي عن الجزء أيضا يحتمل أن يكون لجزئه أو لشرطه إلى آخر الاحتمالات ويظهر حكمها بملاحظة أحكام أصل الاقسام وكذلك الشرط وأما المنهي عنه لشرطه فإما بأن يكون لفقدان الشرط كالصلوة بلا طهارة وبيع الملاقيح فإن القدرة على التعليم حال البيع شرطه وهو مفقود فيه أو لكون الشرط منهيا عنه لوصفه اللازم أو المفارق أو غير ذلك من


[ 157 ]

الاحتمالات مثل كون الساتر غصبا في الصلوة والوضوء بالماء المتغير للصلاة وكالنهي عن الذبح بغير الحديد في غير الضرورة وأما المنهي عنه لوصفه الداخل ويقال له الوصف اللازم كالجهر والاخفات للقرائة فإنها لا تنفك عن احدهما فالنهي عن كل منهما نهي عن الوصف اللازم والنهي عن صوم يوم النحر فكون الصوم في يوم النحر من أوصافه اللازمة وكبيع الحصاة وهو أن يقول بعتك ثوبا من هذه الاثواب والمبيع ما وقع عليه هذه الحصاة إذا رميت فإن النهي عن ذلك البيع لوصفه الذي هو كون تعيين المبيع فيه بهذا النهج وكالنهى عن ذبح الذمي وكالبيع المشتمل على الربوا وأما المنهي عنه لوصفه الخارج فهو مثل قوله (لا تصل) في الدار المغصوبة فإن كون الصلاة في الدار الغصبية وصف خارج عن حقيقة الصلاة وليس من مقوماتها ومميزاتها نعم كونها في هذه الدار من أحد مقوماتها كالدار الاخرى والمكان الاخر لكن إعتبار وصف كونها دار الغير وكونها غصبا لا مدخلية له في ذلك والظاهر أن قوله لا تصل متلقنا أيضا مثل ذلك إذا لم يعلم قبل النهي إعتبار هذا النوع من الوصف في الصلاة من الشارع وجودا ولا عدما فهو نهي عن وصف خارج أيضا وكالنهي عن ذبح مال الغير وبيع العنب ليعمل خمرا وبيع تلقي الركبان وأما المنهي عنه لشئ مفارق اتحد معه في الوجود فكقول الشارع صل ولا تغصب والنهي عن المكالمة مع الاجنبية وإجراء صيغة البيع معها على القول بكون المعاطاة بيعا وكالبيع وقت النداء إن قلنا بأن النهي إنما هو تفويت الجمعة وإلا فهو من القسم الاول وأما المنهي عنه لشئ مفارق غير متحد معه في الوجود فكالنهي عن النظر إلى الاجنبية حال الصلاة أو البيع وهذان القسمان خارجان عن محل النزاع في هذه المسألة وذكرناهما تطفلا وقد تقدم الكلام في الاول منهما مستقصى وكلام القول في تفصيل الاقسام والامثلة مغشوشة مختلطة أعرضنا عن ذكره والكلام فيه وإنما إستوفيناها لذلك وإلا فلا يتفاوت الحال بين تلك الاقسام في أكثر الاقوال الآتية الرابعة إختلف الفقهاء والمتكلمون في معنى الصحة والفساد في العبادات فعند المتكلمين هو موافقة الامتثال للشريعة وعند الفقهاء إسقاط القضاء وذكروا في ثمرة النزاع ما لو نذر أن يعطي من صلى صلاة صحيحة درهما فهل يبر بأن أعطى من صلى بظن الطهارة إذا ظهر له كونه فاقدا لها في نفس الامر فعلى الاول نعم لانه موافق للشريعة ومطابق للامتثال بما أمر به الشارع في هذا الحال وعلى الثاني لا لانه غير مسقط للقضاء فلو علم به بعد الصلاة يجب عليه القضاء وما يقال أنه مسقط للقضاء بالنسبة إلى هذا الامر أعني الامر بالصلاة المظنون الطهارة وإن الذي لا يسقط قضائه هو الصلاة مع يقين الطهارة فيمكن دفعه بأن المراد إسقاط القضاء بالنسبة إلى كلي التكليف المحتمل وقوعه على وجوه


[ 158 ]

متعددة بعضها مقدم على بعض بحسب التمكن والعجز وظن الطهارة ويقينها لا يؤثران في وحدة الصلاة الظهر بحسب النوع وقد يجاب أن ذلك الاعتراض مبني على كون القضاء تابعا للاداء وهو باطل وفيه ما لا يخفى إذ لا يمكن ثبوت القضاء لهذه الصلاة الواقعة بظن الطهارة بالفرض الجديد أيضا على المعنى المصطلح الا مع فوت هذه الصلاة أيضا فهي مسقطة للقضاء على القولين والظاهر أن مراد الفقهاء إسقاط القضاء يقينا وفي نفس الامر وإلا فالصلاة بظن الطهارة أيضا مسقطة للقضاء ظنا فلا بد على مذهبهم أما القول باختلاف وصف الفعل بالصحة والفساد بإعتبار زمان (طهور) ؟ الخلاف وعدمه فيصح في آن دون آن أو يجعله مراعى فلا يوصف بالصحة فيما لو ظن الطهارة إلا إذا حصل اليقين أو بكونه صحيحا ويحكم عليه بالصحة إلى أن ينكشف الفساد فيحكم بالفساد من أول الامر وكلامهم في ذلك غير محرر ولعل مرادهم هو الاحتمال الاخير ومراد المتكلمين من موافقة الشريعة هو الموافقة ولو ظنا وإلا فالتكليف في نفس الامر إنما هو بالصلاة مع الوضوء الثابت في نفس الامر وإنما قام الظن بكون هذه الصلاة هي الصلاة مع الطهارة الثابتة في نفس الامر مقام اليقين به بتجويز الشارع فلا منافاة بين موافقة الشريعة وثبوت القضاء مع كون القضاء إنما يتحقق بفوات الاداء لان المكلف يجوز له التعبد بالظن ما دام غير متمكن عن اليقين وعلى هذا فلا بد أن يكون مراد الفقهاء من القضاء هو الاعم من الاعادة فإن الاعادة واجبة على من حصل له العلم بعدم الوضوء بعد الصلاة في الوقت أيضا بل بطريق أولى فما اسقط القضاء في تعريفهم كناية عن عدم إختلال المأمور به بحيث يوجب فعله ثانيا لو ثبت في الشريعة وجوب فعله ثانيا إما من جهة عدم حصول الامتثال فيجب إعادته مطلقا إن قلنا بكون القضاء تابعا للاداء أو ثبت بأمر جديد بالفعل خارج الوقت أيضا وفي الوقت فقط إن لم يكن كذلك وإما من جهة أمر جديد وإن حصل الامتثال ظاهرا أو المراد من قولهم ما أسقط القضاء هو ما أسقط القضاء إن فرض له قضاء فلا يرد النقض في عكس التعريف بصلاة العيد الصحيحة إن أريد بما أسقط القضاء في الحد هو ما ثبت له قضاء في الشريعة ولا في طرده بفاسدته إن اريد بما أسقط القضاء ما ثبت معه القضاء وإن كان من جهة عدم مشروعية القضاء وأما في العقود والايقاعات فهي عبارة عن ترتب الاثر الشرعي عليها كتملك العين في البيع وجواز التزويج بآخر في الطلاق ونحو ذلك وقد يعرف مطلق الصحة بذلك ولا بأس به وحينئذ فلابد من بيان المراد من الاثر في العبادات عند الفقهاء وعند المتكلمين بأنه حصول الامتثال أو سقوط القضاء وأما البطلان فهو مقابل الصحة ويعلم تعريفه بالمقايسة وهو مرادف


[ 159 ]

للفساد خلافا للحنفية حيث يجعلون الفساد عبارة عما لم يكن مشروعا بأصله دون وصفه كالبيع الربوي فيصححونه مع إسقاط الزيادة والبطلان عبارة عما لم يكن مشروعا بأصله ووصفه كبيع الملاقيح ومثلوا للباطل بالصلاة في الدار المغصوبة وللفاسد بصوم العيد ووجهه غير معلوم إلا أنه لا مشاحة في الاصطلاح إن كان بنائهم على تغيير الاصطلاح إذا تمهد ذلك فنقول الاقوال في ال‍ مسألة خمسة الاول الدلالة على الفساد مطلقا والثاني عدمها مطلقا نقله فخر الدين عن أكثر أصحابه والاول عن بعضهم وهو مذهب جمهور الشافعية والحنابلة والثالث الدلالة في العبادات لا في المعاملات مطلقا وهو مذهب أكثر أصحابنا وبعض العامة والرابع الدلالة فيها شرعا لا لغة وهو مذهب السيد رحمه الله وإبن الحاجب والخامس الدلالة في العبادات شرعا لا لغة وقد نسبه بعض الاصحاب إلى أكثرهم والاقرب القول الثالث لنا على دلالته على الفساد في العبادات أن المنهي ليس بمأمور به فيكون فاسدا إذ الصحة في العبادات هو موافقة الامر ولا يمكن لك إلا مع الامتثال وإذ لا أمر فلا إمتثال فإن قلت إن هذا إنما يتم لو لم يكن أمر أصلا ولكن الامر موجود وهو الامر بالعام فيكفي موافقة العمومات فالصلاة في الدار المغصوبة وإن لم يكن مأمورا بها بالخصوص لكنها مأمورا بها بالعموم فثبت الصحة وهو موافقة الامر بل وإسقاط القضاء أيضا لان القضاء المصطلح لا يتحقق إلا مع فوات المأمور به كما مر الاشارة في مبحث دلالة الامر على الاجزاء فلا مانع من كونها مأمورا بها ومنهيا عنها من جهتين كما أشرنا في مسألة إجتماع الامر والنهي قلت نعم لا يستحيل العقل ذلك ولا مانع أن يقول الشارع صل ولا تصل في الدار المغصوبة ولكن لو صليت فيها لعاقبتك على إيقاعها فيها ولكنك أتيت بمطلوبي ولا يدل اللغة أيضا على خلافه ولم يثبت إصطلاح من الشارع فيه أيضا ولكن المتبادر في العرف من مثل ذلك التخصيص بمعنى أن هذا الفرد من العام خارج عن المطلوب والعرف إنما هو المحكم لا أن المنهي عنه محض الصفة دون الموصوف كما يقول الحنفية هذا في غير المنهي عنه لنفسه و أما هو فالتخصيص فيه اظهر وأوضح لان التخصيص فيه بالنسبة إلى المكلفين لا التكليف كما أشرنا و أما النقض بالمعاملات بأن التجارة أيضا قد تكون واجبة وقد تكون مستحبة ولا أقل من الاباحة ولا ريب في تضاد الاحكام فلا بد فيه من التخصيص أيضا ففيه أن منافاة الوجوب والاستحباب للتحريم لا تنافي صحة المعاملات بمعنى ترتب الاثر فالتجارة بالنسبة إلى الوجوب والاستحباب من العبادات أو بطلانها من هذه الحيثية بمعنى عدم الثواب أو حصول العقاب لا ينافي صحتها من جهة ترتب الاثر وكذلك الكلام في الاباحة فإن منافاة التحريم معها لا تنافي ترتب الاثر عليها وسيجئ تمام


[ 160 ]

الكلام وأما عدم الدلالة على الفساد في المعاملات فلان مدلول النهي إنما هو التحريم هو لا ينافي الصحة بمعنى ترتب الاثر كما لا يخفى فيصح أن يقال لا تبع بيع التلقي ولا بيع الملاقيح ونحو ذلك ولكنك لو بعت لعصيت ولكن يصير الثمن ملكا لك والمثمن ملكا للمشتري وما يقال من أن التصريح بذلك قرينة للمجاز وإن الظاهر عن النهي ليس بمراد ففيه أن القرينة دافعة للمعنى الظاهر من اللفظ ومناقضة له كما في يرمي بالنسبة إلى الاسد ولا مناقضة هنا ولا مدافعة كما لا يخفى فلم يدل على الفساد عقلا ولم يثبت دلالته من جانب الشرع أيضا كما سيجئ وأما اللغة والعرف فكذلك أيضا لعدم دلالته على الفساد بأحد من الدلالات أو الاولان فظاهر وأما الالتزام فلعدم اللزوم وقد يفصل بأن ما كان مقتضى الصحة فيه من المعاملات منحصرا فيما يناقض التحريم فيدل على الفساد فيه دون غيره وتوضيحه أن المعاملة مما لم يخترعه الشارع بل كانت ثابتة قبل الشرع فما جوزه الشارع وقرره و أمضاه فيترتب عليه الاثار الشرعية سواء كان ذلك الاثر أيضا ثابتا قبل الشرع أو وضعه الشارع وما لم يجوزه فلا يترتب عليه الاثار الشرعية فإن كان تجويزه بلفظ يناقض التحريم مثل الحلية و الاباحة والوجوب ونحو ذلك كما في أحل الله البيع وتجارة عن تراض المستثنى عن النهي عن أكل المال بالباطل وأوفوا بالعقود ونحوها فالنهي في أمثال ذلك يدل على الفساد لان النهي يدل على الحرمة فإذا كان بيع مخصوص حراما أو عقد مخصوص كذلك فلا يكون ذلك من جملة ما أحل الله ولا مما يجب الوفاء به لامتناع إجتماع الحرمة والحلية والحرمة والوجوب فيخصص عموم أحل وأوفوا مثلا بذلك فيخرج عما يثبت له مقتضى الصحة فيصير فاسدا من جهة رجوعه إلى الاصل وهو عدم الدليل على الصحة وقد مر في المقدمات ان عدم الدليل على الصحة هو الدليل على الفساد وما كان من جهة أخرى لا تناقض التحريم فلا يدل كما في قوله عليه السلام إذا إلتقى الختانان وجب المهر فلا ينافي في وجوب المهر للحرمة في حال الحيض ونحو ذلك وهذا إنما يتم بناء على ما سلمناه وحققناه من التنافي عرفا وإنفهام التخصيص وإلا فلا منافاة ولا إستحالة في إعتبار الجهتين في غير ما كان المنهي عنه نفس المعاملة بعين ما مر ويشكل بأن إنحصار المقتضي في البيع في مثل أحل الله ونحوه ممنوع لم لا يكون المقتضي فيه مثل قوله عليه السلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا وكذلك سائر العقود ولا يمكن التمسك بأصالة تأخر ذلك إذ الاصل في كل حادث التأخر فإن قلت لما كان الاصل في المعاملات الفساد كما مر في المقدمات فهو يعاضد كون المقتضي مما يوجب الفساد لان غاية الامر تعارض الاحتمالين وتساقطهما قلت لا تعارض بينهما ولا تناقض حتى يوجب الترجيح والاصل إعمال الدليلين مع الامكان


[ 161 ]

فيخصص النهي عموم أحل ويبقي مدلول قوله البيعان بالخيار بحاله مستلزما للزوم بعد الافتراق و إن كان حراما وقلما كان عقد من العقود يخلو عن مثل ذلك ثم ان ذلك المفصل جعل ذلك عذرا للفقهاء حيث يستدلون بالنهي على الفساد في البيوع والانكحة ردا على من إدعى إجماع العلماء على دلالة النهي على الفساد حيث يستدلون في جميع الاعصار والامصار بالنهي على الفساد وقال إن ذلك الاستدلال إنما هو في الموضع المذكور لا في كل موضع وأنت خبير بأن أكثر تلك الاستدلالات في البيع والنكاح ونحوهما وقد عرفت الحال والتحقيق أن النهي لا يدل على الفساد فيها مطلقا ويحتاج ثبوت الفساد إلى دليل من خارج من إجماع أو نص أو غير ذلك من القرائن الخارجية حجة القول بالدلالة مطلقا في العبادات والمعاملات أن العلماء كانوا يستدلون به على الفساد في جميع الاعصار و الامصار من غير نكير ورد بأنه إنما يدل على الفساد شرعا والحق في الجواب أن عمل العلماء ليس بحجة إلا أن يكون إجماعا وهو غير معلوم وان الامر يقتضي الصحة والاجزاء والنهي نقيضه والنقيضان مقتضاهما نقيضان فالنهي يقتضي الفساد الذي هو نقيض الصحة وفيه مع عدم جريانه فيما ليس مقتضيها الامر وإن أصل المقايسة باطلة لان الامر يقتضي الصحة لاجل موافقته والامتثال به والفساد المستفاد من النهي لو سلم فإنما هو لاجل مخالفته وتسليم التناقض أو حمل التناقض في الاستدلال على مطلق التقابل انا نمنع كون مقتضى المتناقضين متناقضين أو متقابلين إذ قد يشتركان في لازم واحد سلمنا لكن نقيض قولنا يقتضي الصحة لا يقتضي الصحة لا أنه يقتضي عدم الصحة والذي يستلزم الفساد هو الثاني ومقتضى الدليل هو الاول حجة القول بالدلالة مطلقا شرعا فقط إستدلال العلماء كما مر ومر جوابه مع أن ذلك لا يستلزم كونه من جهة الشرع فلا وجه للتخصيص وإدعاء الحقيقة الشرعية في الفساد كما يظهر من بعضهم أيضا في معرض المنع احتجوا أيضا بأنه لو لم يفسد لزم من نفيه حكمة يدل عليها النهي ومن ثبوته حكمة يدل عليها الصحة واللازم باطل لان الحكمتين إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا وكان الفعل وعدمه متساويين فيمتنع النهي عنه لخلوة عن الحكمة وإن كانت حكمة النهي مرجوحة فهو اولى بالامتناع لانه مفوت للزايد من مصلحة الصحة وهو مصلحة خالصة إذ لا معارض لها من جانب الفساد كما هو المفروض وإن كانت راجحة فالصحة ممتنعة لخلوها عن المصلحة بل لفوات قدر الرجحان من مصلحة النهي وهو مصلحة خالصة لا يعارضها شئ من مصلحة الصحة وجوابه إن كون مصلحة أصل النهي راجحة لا يقتضي مرجوحية ترتب الاثر بالنسبة إلى عدمه فترك الفعل أولا راجح على فعله أما لو فعل وعصى فترتب الاثر عليه راجح على عدمه ولا منافاة بينهما أصلا (إذ) ؟ رجحان النهي إنما هو على الفعل و


[ 162 ]

رجحان الترتب إنما هو على عدم الترتب وهاتان المصلحتان ثابتتان للنهي وترتب الاثر بالذات لا أنه يعرض مصلحة الترتب بعد إختيار الفعل كما توهم المدقق الشيرازي وقد يستدل بما ورد في بعض الاخبار من صحة عقد المملوك إذا كان بغير إذن مولاه ثم رضي به معللا بأنه لم يعص الله تعالى بل عصى سيده فإنه يدل على أنه إذا كان فيه معصية بالنسبة إله تعالى وكان منهيا عنه فيكون فاسدا وفيه أنه على خلاف المطلوب أدل فإن المراد من المعصية في الرواية لا بد أن يكون هو مجرد عدم الاذن والرخصة من الشارع وإلا فمخالفة السيد أيضا معصية والحاصل أنه لما كان في مثل هذا العقد إذن من الله تعالى من جهة العمومات وغيرها مما يدل على صحة الفضولي بعد الاجازة فيصح وعدم إذن السيد غير مضر وبالجملة المراد أن ليس العقد خاليا عن مقتضى الصحة وإن كان معلقا على إذن المولى أيضا واحتجوا على عدم الدلالة لغة بأن فساد الشئ عبارة عن سلب أحكامه ولا دلالة للنهي على ذلك بوجه وهو مسلم في المعاملات على ما حققناه وأما في العبادات فقد بيناه ويشكل الجمع بن هذا لاحتجاج والاحتجاج السابق لان مقتضاه كون الفساد من مقتضيات التحريم وهو مدلول النهي اللغوي فكيف ينكر دلالته عليه لغة إلا أن يكون مراد المستدل نفي الدلالة اللفظية والذي إقتضاه التحريم إنما هو من باب الاستلزام العقلي أو أنه مبني على القول بكون دلالة النهي على التحريم أيضا شرعيان فقط حجة القول بعدم الدلالة مطلقا وهو عدم إستحالة النهي ثم التصريح بالصحة كما مر ويظهر الجواب مما مر وأما القول الخامس فلم يقف له على حجة يعتد بها ويمكن إستنباط دليل والجواب عنه مما تقدم تذنيبات الاول انهم إختلفوا في المنهي عنه لوصفه فذهب أبو حنيفة إلى أنه يرجع إلى الوصف لا الموصوف فصوم يوم النحر حسن لانه صوم وقبيح لانه في يوم النحر ويلزمه القول بحلية البيع الربوي والمبيع به بعد إسقاط الزيادة والشافعي وأكثر المحققين على أنه يرجع إلى الموصوف أيضا وهو الحق بناء على ما حققناه من فهم العرف في التخصيص وإن كان العقل لا يحكم به ومناط من أرجع الكراهة إلى الوصف في المناهي التنزيهية دون التحريمية لعله هو إدعاء الاستقراء وقد عرفت بطلانه الثاني المنهي عنه لشرطه إن كان من جهة فقدان الشرط فليس الفساد فيه من جهة النهي بل إنما هو لان فقدان الشرط يستلزم إنتفاء المشروط وإن كان بإعتبار (خزازة) ؟ في الشرط بأن يكون منهيا عنه لوصفه أو لجزئه أو نحو ذلك فلا يتم الحكم بالفساد أيضا مطلقا وإن قلنا بإمتناع إجتماع الامر والنهي ويكون النهي دالا على الفساد في الجملة أيضا إذ قد يكون الشرط من قبيل المعاملات ويكون وجوبه توصليا كغسل الثوب والبدن ونحو ذلك ولا يضره كونه منهيا عنه نعم إنما يصح فيما كان من قبيل العبادات


[ 163 ]

كالوضوء ومما ذكرنا في مسألة إجتماع الامر والنهي يظهر أن هذا الاشكال يجري في المنهي عنه لجزئه أيضا في الجملة فراجع وتأمل الثالث أفرط أبو حنيفة وصاحباه فقالا بدلالة النهي على الصحة وهو في غاية الظهور من البطلان لان النهي حقيقة في التحريم وليس ذلك عين الصحة ولا مستلزما لها بوجه من الوجوه والظاهر انهم أيضا لم يريدوا أن النهي يدل على الصحة بل مرادهم أن النهي يستلزم إطلاق الاسم فقول الشارع لا تصم يوم النحر وللحائض لا تصل يستلزم إطلاق الصوم على ذلك الصوم وكذلك الصلاة والاصل في الاطلاق الحقيقة وذلك مبني على كون العبادات وما في معناها من المعاملات التي ثبت لها حدود وشرائط من الشارع أسامي للصحيحة منها فلو لم يكن مورد النهي صحيحا لم يصدق تعلق النهي على أمر شرعي فيكون المنهي عنه مثل الامساك والدعاء ونحو ذلك وهو باطل إذ نحن نجزم بأن المنهي عنه أمر شرعي وفيه أولا منع كونها أسامي للصحيحة سلمنا لكن المنهي عنه ليس الصلاة المقيدة بكونها صلاة الحائض مثلا بل المراد أن الحائض منهي عن مطلق الصلاة الصحيحة فإن قالوا أن الحائض إما تتمكن من الصلاة الجامعة للشرائط أولا والثاني باطل لاستلزامه طلب غير المقدور لاستحالة تحصيل الحاصل وإستمرار العدم مع عدم القدرة على الايجاد لا يجدي في مقدوريتها فتعين الاول والنهي لا يدل على الفساد فهي باقية على صحتها قلنا نختار الاول ونقول أنها متمكنة عن الصلاة الصحيحة الشرعية في الجملة وإن لم تكن صحيحة بالنسبة إلى خصوص الحائض ولا ريب أن الصلاة الجامعة للشرائط غير عدم كونها في أيام الحيض صحيحة بالنظر إلى سائر المكلفين وبالنظر إليها قبل تلك الايام وعدم تمكنها من الصلاة الصحيحة بالنسبة إلى نفسها وإمتناعها عنها إنما هو بهذا المنع والنهي وطلب ترك الممتنع بهذا المنع لا مانع منه مع أن قاعدتهم منقوضة بصلاة الحائض ونكاح المحارم إتفاقا وتخصيص الدليل القطعي مما لا يجوز وحمل المناهي الواردة عن صلاة الحائض على المنع اللغوي غلط لاستحباب الدعاء لها بالاتفاق وكذلك حمل النكاح على مجرد الدخول إرتكاب خلاف ظاهر لا دليل عليه والله الهادي الباب الثاني في المحكم والمتشابه والمنطوق والمفهوم وفيه مقصدان الاول في المحكم والمتشابه قال العلامة رحمه الله في التهذيب اللفظ المفيد إن لم يحتمل غير معناه فهو النص وهو الراجح المانع عن النقيض وإن إحتمل وكان راجحا فهو الظاهر والمشترك بينهما وهو مطلق الرجحان المحكم وإن تساويا فهو المجمل ومرجوح الظاهر المأول والمشترك بينه وبين المجمل وهو نفي الرجحان المتشابه وفسر الشارح العميدي المفيد بالدال على المعنى بالوضع وزاد قيدا آخر وهو أن الاحتمال وعدم الاحتمال إنما هو بالنظر إلى اللغة التي وقع بها التخاطب قال وإنما قيدنا


[ 164 ]

بذلك لان اللفظ قد يكون نصا بالنظر إلى لغة لعدم إحتمال إرادة غير معناه بحسب تلك اللغة و مجملا بالقياس إلى لغة أخرى ومثل للظاهر بلفظ الاسد وللمجمل بلفظ القرء ولم يمثل للنص قال شيخنا البهائي رحمه الله في زبدته اللفظ إن لم يحتمل غير ما يفهم منه لغة فهو نص وإلا فالراجح ظاهر والمرجوح مأول والمساوي مجمل والمشترك بين الاولين محكم وبين الاخيرين متشابه ومثل الشارح الجواد رحمه الله للنص بالسماء والارض وللظاهر في أواخر الكتاب بالاسد والغائط والصلاة بالنسبة إلى اللغة والعرف و الشرع على الترتيب وقال شيخنا البهائي في الحاشية على قوله لغة أي بحسب متفاهم اللغة نحو له ما في السموات وما في الارض فقوله لغة قيد لقوله لم يحتمل ويجوز أن يكون قيدا للفعلين معا أما جعله قيدا للاخير أعني يفهم دون الاول فلا لقيام الاحتمال العقلي في أكثر النصوص إنتهى ثم مثل في الحاشية أيضا للظاهر والمأول بقوله تعالى وأمسحوا برؤسكم وأرجلكم فحملها على المسح ظاهر و على الغسل (الخفيف) ؟ كما فعله في الكشاف مأول وظاهر كلام العميدي تخصيص هذا التقسيم بالدال بالوضع لغة فلا يشمل المجازات وكلام غيره أعم وهو أقرب لان المجازات أيضا تنقسم إلى هذه الاقسام فإن القرائن قد تفيد القطع بالمراد وقد لا تفيد إلا الظن وقد يكون مجملا ثم أن كلام القوم هنا لا يخلو عن إجمال فإن الفرق بين السماء والارض والاسد بجعل الاولين نصا و الثالث ظاهرا تحكم بحت إذ إحتمال التجوز هو الداعي إلى ظنية الدلالة وكون اللفظ ظاهرا وهو قائم في السماء والارض كما لا يخفى إذ ليس هذا التقسيم بالنظر إلى الوضع الافرادي فإن القطع فيه وعدم القطع إنما هو من جهة ثبوت اللغة بالتواتر والآحاد وبعد الثبوت فالتقسيم إنما هو بالنظر إلى الوضع التركيبي وفي إفادة المراد من اللفظ في الكلام المؤلف كما لا يخفى فكما يجوز إحتمال المجاز في إطلاق الاسد في قولك رأيت أسدا بإرادة الرجل الشجاع وينفى بأصالة الحقيقة فكذلك يجوز في قولك انظر إلى السماء وانظر إلى الارض بإرادة مطلق الفوق والتحت كما لا يخفى فالتمثيل بالسماء والارض كما وقع من الشارح الجواد (ليس) ؟ في محله ولعل (غفل) ؟ عن مراد شيخنا البهائي بتمثيله بقوله تعالى وله ما في السموات وما في الارض والفرق واضح وتحقيق المقام أن هذا التقسيم لا بد أن يعتبر بالنسبة إلى دلالة اللفظ مطلقا حقيقة كان أو مجازا ولا بد أن يناط القطع في الارادة والظن بها بالقرائن الخارجية فإن دلالة اللفظ على ما وضع له حقيقة موقوفة على عدم القرينة على إرادة المجاز فإن ثبت القرينة على عدم إرادة المجاز فنقطع بإرادة المعنى الحقيقي وإذا لم يكن هناك قرينة على نفي التجوز فبأصالة العدم وأصالة الحقيقة يحصل الظن بإرادة الحقيقة فإرادة المعنى الحقيقي


[ 167 ]

من اللفظ قد يكون قطعيا وقد يكون ظنيا ولعل مراد شيخنا البهائي رحمه الله أن السموات والارض في هذا التأليف نصف في المخلوقين المعلومين بسبب قرينة المقام وهو أيضا محل تأمل لاحتمال إرادة العالم العلوي والسفلي وإن إشتمل على هذين المخلوقين أيضا من باب عموم المجاز وإن أراد جميع الكلام فالتأمل فيه أظهر ثم ان مراده من التقييد بقوله لغة لا بد أن يكون هو ما قابل العقلي لا اللغة فقط ثم إن أراد بهذا التقييد جواز الاحتمال العقلي بمعنى أن العقل يجوز أن يراد من ذلك اللفظ غير المعنى الموضوع له مع قطع النظر عن هذا الاستعمال الخاص فهو صحيح ولكنه لا دخل له فيما نحن فيه إذ الكلام في الاستعمال الخاص وإن أراد تجويز العقل بالنظر إلى هذا الاستعمال الخاص مع صحته فهو ليس بقطعي بالنظر إليه بملاحظة تلك اللغة أيضا ومع كونه غلطا فهو خارج عن مورد كلامهم أيضا إذ الغلط في الكلام لا يصدر عن الحكيم الذي كلام الاصوليين على كلامه وإن أراد بذلك تفاوت الظهور فلا ريب أن مراتب الظواهر مختلفة وذلك لا يجعل الاظهر نصا بالنسبة إلى الظاهر وهكذا ولا يحصل التغاير فالنص هو ما لا يحتمل غير المعنى عقلا أيضا بالنظر إلى هذه اللغة والاستعمال وهذا القطع يحصل بحسب القرائن الخارجية ويتفاوت بتفاوتها واعلم أن النصوصية والظهورية أمور إضافية فقد ترى الفقهاء يسمون الخاص نصا والعام ظاهرا وقد يطلقون القطعي على الخاص والظني على العام مع أن الخاص أيضا عام بالنسبة إلى ما تحته مع إحتمال إراده المجاز من الخاص أيضامن جهة أخرى غير التخصيص وكونه ظاهرا بالنسبة إلى المعنى المجازي فلاحظ أكرم العلماء ولا تكرم الاشتقاقيين لاحتمال إرادة البصريين من الاشتقاقيين دون الكوفيين وإحتمال إرادة الصرفيين منهم لمشابهتهم في العلم فالمراد بالنصوصية هو بالنسبة إلى العام يعني أن دلالة الاشتقاقيين عليهم قطعي من حيث تصورهم في الجملة وان كان بعنوان المجاز بخلاف دلالة العلماء عليهم فان دلالته عليهم إنما هي بضميمة أصالة الحقيقة وأصالة عدم التخصيص وهما لا يفيدان إلا الظن المقصد الثاني في المنطوق والمفهوم وهما وصفان للمدلول ويظهر من بعضهم إنهما من صفات الدلالة و الاول أظهر ولا مشاحة في الاصطلاح فالمنطوق هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق والمفهوم هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق هكذا عرفوهما وفيه مسامحة فإن المعيار في الفرق بينهما هو كون ما له المدلول أي الموضوع في محل النطق وعدمه والمقصود من المدلول هو الحكم أو الوصف فلا يتم جعل قوله في محل النطق حالا من الموصول إلا بإرتكاب نوع من الاستخدام ولو جعل الموصول كناية عن الموضوع يلزم خروجه عن المصطلح وإرتكاب نوع إستخدام في الضمير المجرور وكيف كان


[ 168 ]

فالامر في ذلك سهل فالمهم بيان الفرق فنقول أن المنطوق هو مدلول يكون حكما من أحكام شئ مذكور وحالا من أحواله وأما نفس ذلك المدلول فقد لا يكون مذكورا في المنطوق أيضا كما ستعرف والله الهادي قانون المنطوق إما صريح أو غير صريح فالاول هو المعنى المطابقي أو التضمني ولي في كون التضمني صريحا إشكال بل هو من الدلالة العقلية التبعية كما مرت الاشارة إليه في مقدمة الواجب فالاولى جعله من باب الغير الصريح وأما الغير الصريح فهو مدلول الالتزامي وهو على ثلثة أقسام المدلول عليه بدلالة الاقتضاء والمدلول عليه بدلالة التنبيه والايماء والمدلول عليه بدلالة الاشارة لانه إما أن يكون الدلالة مقصودة للمتكلم أولا فأما الاول فهو على قسمين الاول ما يتوقف صدق الكلام عليه كقوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي الخطاء و النسيان فإن المراد رفع المؤاخذة عنها وإلا لكذب أو صحته عقلا كقوله تعالى واسئل القرية فلو لم يقدر الاهل لما صح الكلام عقلا أو شرعا كقول القائل أعتق عبدك عني علي ألف أي مملكا لي على ألف إذ لا يصح العتق شرعا إلا في ملك وهذا يسمى مدلولا بدلالة الاقتضاء واعلم أن الذي يظهر من تمثيلهم بالامثلة المذكورة أن دلالة الاقتضاء مختصة بالمجاز في الاعراب أو ما يكون قرينته العقل ولم يكن لفظيا فعلى هذا فدلالة قولنا رأيت أسدا يرمي على الشجاع ونحو ذلك يكون من باب المنطوق الصريح أو لا بد من ذكر قسم آخر ليشتمل سائر المجازات والثاني ما لا يتوقف صدق الكلام ولا صحته عليه ولكنه كان مقترنا بشئ لو لم يكن ذلك الشئ علة له لبعد الاقتران فيفهم منه التعليل فالمدلول هو علية ذلك الشئ لحكم الشارع مثل قوله صلى الله عليه وآله كفر بعد قول الاعرابي هلكت و أهلكت واقعت أهلي في نهار رمضان فيعلم من ذلك أن الوقاع علة لوجوب الكفارة عليه وهذا يسمى مدلولا بدلالة التنبيه والايماء وهذا في مقابل المنصوص العلة فيصير الكلام في قوة أن يقال إذا واقعت فكفر وأما التعدية إلى غير الاعرابي وغير الاهل فإنما يحصل تنقيح المناط وحذف الاضافات مثل الاعرابية وكون المحل أهلا وغير ذلك وربما يفرط في القول فيحذف الوقاعية ويعتبر محض إفساد الصيام وتمام الكلام في ذلك سيجئ إنشاء الله تعالى في أواخر الكتاب وأما الثاني فهو ما يلزم من الكلام بدون قصد المتكلم على ظاهر المتعارف في المحاورات مثل دلالة قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا مع قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين على كون أقل الحمل ستة أشهر فإنه غير مقصود في الايتين والمقصود في الاولى بيان (نعب) ؟ الام في الحمل والفصال وفي الثانية بيان أكثر مدة الفصل هذه أقسام المنطوق وأما المفهوم فاما أن يكون الحكم المدلول عليه بالالتزام موافقا


[ 171 ]

للحكم المذكور في النفي والاثبات فهو مفهوم الموافقة كدلالة حرمة التأفيف على حرمة الضرب و يسمى بلحن الخطاب وفحوى الخطاب وسيجئ الكلام في بيانه في أواخر الكتاب وإلا فهو مفهوم المخالفة ويسمى بدليل الخطاب وهو أقسام مفهوم الشرط والغاية والصفة والحصر واللقب وغير ذلك و سيجئ تفصيلاتها ثم أن تقسيم المنطوق والمفهوم كما ذكرنا هو المشهور وربما يتأمل في الفرق بين المفهوم والمنطوق الغير الصريح فيجعل ما سوى الصريح مفهوما ولعل وجهه كون ماله المدلول غير مذكور في بعض الامثلة التي ذكروها للمنطوق الغير الصريح فإن أقل الحمل مثلا غير مذكور في الايتين فإنه هو الموضوع لا مطلق الحمل وكذلك حرمة الضرب حكم من أحكام الوالدين وهما مذكوران صريحا في الاية وقد يذب عن ذلك باعتبار الحيثيات والاعتبارات فإن جعل المفهوم في آية التأفيف هو الحرمة وموضوعه هو الضرب فهو غير مذكور وان جعل المفهوم هو حرمة الضرب والموضوع هو الوالدين فهو مذكور وكذلك الحمل وأقل الحمل قانون إختلف الاصوليون في حجية مفهوم الشرط ولابد في تحقيق هذا الاصل من رسم مقدمات الاولى أن لفظ الشرط يستعمل في معان قال في الصحاح الشرط معروف وكذلك الشريطة والجمع شروط وشرائط وقد شرط عليه كذا بشرط ويشرط وإشترط عله ويفهم من ذلك أنه أراد به مجرد الالزام والالتزام ولو بمثل النذر واليمين وعن القاموس إلزام الشئ وإلتزامه في البيع ونحوه وإستعمله النحاة فيما تلا حرف الشرط مطلقا أو ما علق عليه جملة وجودا يعني حكم بحصول مضمونها عند حصوله وقد يستعمل في العلة و في مصطلح الاصوليين ما يستلزم إنتفائه إنتفاء المشروط به ولا يستلزم وجوده وجود المشروط فمن مصاديق الاستعمال الاول النذر والعهد ونحوهما والشرط في ضمن العقد مثاله أنكحتك إبنتي وشرطت عليك أن لا تخرجها عن البلد ومن مصاديق الثاني ما عملت من خى تجز به وإن كان مثقال ذرة وقد تسميه النحاة أن الوصلية ومثل لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ومثل إن كان هذا إنسانا كان حيوانا ومن مصاديق الثالث وإن كنتم جنبا فاطهروا ومن مصاديق الرابع الوضوء شرط الصلاة والقبض في المجلس شرط صحة الصرف وحلول الحول شرط لوجوب الزكاة وأما العلامة فقد جعله بعضهم من جملة إطلاقاته ولكنه خلاف ما صرح به أهل اللغة فإن اشراط الساعة هي جمع شرط بالتحريك وهو العلامة وكذلك بعض الاستعمالات الاخر مثل شرط الحجام إذا شق الجلد بمبضعته ولم يدم مأخوذ من المتحرك الثانية الجملة الشرطية أيضا تستعمل في معان كثيرة أحدها ما يفيد تعليق وجود الجزاء على وجود الشرط فقط مثل قولهم إن كان


[ 172 ]

هذا إنسانا كان حيوانا وليس عدمه معلقا على عدمه ومنه قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وهذا الاستعمال مبني على قاعدة أهل الميزان حيث يجعلون هذا التركيب لبيان الدليل على العلم بإنتفاء المقدم بسبب إنتفاء التالي ويقولون أن إستثناء نقيض التالي ينتج رفع المقدم بخلاف العكس يعني يعلم من إنتفاء الحيوانية إنتفاء الانسانية ومن إنتفاء الفساد إنتفاء تعدد الالهة و الثاني ما يفيد تعليق عدم الجزاء على عدم الشرط أيضا مثل إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ فعدم التنجيس وجوده معلق على وجود الكرية وإنتفائه معلق على إنتفائه وهذا هو مصطلح أهل العربية ومتعارف لسان العرب فظاهر هذا الاستعمال كون الاول سببا للثاني والنظر إنما هو على ظاهر الحال مع قطع النظر عن نفس الامر وما قيل من أن الاول إذا كان سببا فلا يفيد إنتفائه إنتفاء المسبب لجواز تعدد الاسباب بل العكس أولى بالاذعان كما يشهد به قوله تعالى لو كان فيهما آلهة ففيه أولا أنه ناش من الخلط بين الاصطلاحين وقوله بل العكس اولى فيه إن العكس هو كون إنتفاء الثاني علة لانتفاء الاول ولم يقل به أحد بل هو علة للعلم بإنتفاء الاول فلا وجه لهذا الكلام بظاهره وثانيا أن المراد إنحصار السبب في الظاهر وثالثا أن الاصل عدم سبب أخر وإذا علم له سبب أخر فالسبب هو أحدهما لا بعينه لا معينا ومن هذا الباب لولا علي لهلك عمر وقول الحماسي ولو طار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر فإن رفع المقدم لا ينتج رفع التالي على قاعدة أهل الميزان وحينئذ يبقى الاشكال في إطلاق الشرط على السبب وللظاهر أنه لان قولنا مفهوم الشرط حجة معناه مفهوم الجملة الشرطية أي ما يقول له النحاة شرطا وهو الواقع بعد آن واخواته معلقا عليه حصول مضمون الجملة التي بعده كما هو محل نزاع الاصوليين كما يشهد به قولهم الامر المعلق بكلمة إن عدم عند عدم شرط ونحو ذلك لا إذا كان ذلك الواقع بعد إن واخواته شرطا أصوليا أيضا فإن الواقع بعد هذه الحروف قد يكون شرطا وقد يكون سببا فكما يجوز أن يقال إن قبضت في المجلس يصح الصرف يجوز أن يقال إذا غسلت ثوبك من البول فيطهر مع أنه إذا كان ذلك الواقع شرطا أصوليا فلا معنى لكون إنتفاء الحكم بإنتفائه مفهوما له بل هو معنى الشرط نفسه فالحاصل أن حدوث تلك الهيئة يغيره عن معناه ويصيره سببا على الظاهر فقولهم مفهوم الشرط حجة معناه أن ما يفهم من تلك الجملة الشرطية التي يسمونها النحاة شرطا في محل السكوت حجة وبعبارة أخرى تعليق الحكم على شئ بكلمة ان وأخواتها يقيد إنتفاء الحكم بإنتفاء ذلك القيد بدلالة الالتزامية لفظية (بينة) ؟ فيكون حجة سواء فهم منه الشرطية المصطلحة للاصوليين أو السببية فلا منافاة إذن بين الشرطية والسببية لتغائر الموضوعين بالنظر إلى


[ 175 ]

الاصطلاح فما يقال من أن قولنا إن قبضت في المجلس يصح الصرف هو عبارة أخرى عن قولنا شرط صحة الصرف القبض في المجلس والفرق هو الاسمية والحرفية كالفرق بين من وإلى والابتداء و الانتهاء إن أريد به الشرط الاصولي كما هو الظاهر فلا يتم إذ قد بينا أن الظاهر من الجملة الشرطية على تقدير الحجية وفهم إنتفاء الحكم عند إنتفاء الشرط هو السببية كائنا ما كان فكيف يصير مساوقا للشرط الاصولي فحاصل قولنا مفهوم الشرط حجة أن مفهوم الجلمة الشرطية سببية الاولى للثانية وإلا لزم التناقض وإن أريد به معنى آخر مثل أن يقال المراد بالشرط هو ما علق على إنتفائه إنتفاء شئ أخر وتوقف وجود الآخر عليه ليشمل السبب أيضا وإن الجملة الشرطية أيضا تفيد هذا المعنى فهذا وإن كان أوجه من سابقه لكنه أيضا لا يتم لان الجملة الشرطية أخص من هذا إذ لا تفيد إلا السببية الثالث ما يكون شرطا لصدور الحكم على القائل لا لثبوته في نفس الامر مثل إن نزل الثلج فالزمان شتاء فإنه قد لا ينزل الثلج في الشتاء الثالثة قد أشرنا أن محل النزاع هو الجملة الواقعة عقيب إن وأخواتها فالظاهر أنه لا فرق بين أدوات الشرط وما دل على التعليق صريحا أو تضمنا فالاسماء المتضمنة معنى الشرط كالحروف مثل قوله تعالى فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات فمما ملكت أيمانكم وموثقة إبن بكير ناطقة بحجية مفهومها بالخصوص إذا تمهد ذلك فنقول ذهب الاكثرون إلى أن تعليق الحكم على شئ بكلمة إن واخواتها يدل على إنتفاء الحكم عند إنتفائه وذهب جماعة إلى العدم والاول أقرب لنا أن المتبادر من قولنا إن جائك زيد فأكرمه إن لم يجئك فلا يجب عليك إكرامه لا لا تكرمه فلا توهم وهو علامة الحقيقة فإذا ثبت التبادر في العرف ثبت في الشرع واللغة لاصالة عدم النقل وأما ما قيل معناه في العرف الشرط في إكرامك إياه مجيئه إياك فليس على ما ينبغي وكذا ما ذكره العلامة رحمه الله في التهذيب حيث قال الامر المعلق بكلمة إن يعدم عند عدم الشرط لانه ليس علة لوجوده ولا مستلزما له فلو لم يستلزم العدم العدم خرج عن كونه شرطا ويؤدي مؤداه كلام غيره أيضا وهذان الكلامان مبنيان على الخلط بين إصطلاح النحاة وإصطلاح الاصوليين في الشرط وقد عرفت أن المتبادر هو السببية ظاهرا وإن كان مدخول ان بالذات شرطا مع قطع النظر عن دخول إن فهذان الكلامان ناظران إلى إعتبار لفظ الشرط والغفلة عن أن الشرط معناه في الاصول هو ما ذكره لا مطلقا ونحن لما أثبتنا التبادر لهذه الهيئة التركيبية فنقول سائر الاستعمالات التي ذكرت كلها مجازات لتبادر غيرها ولانه خير من الاشتراك فما يقال من أنها مستعملة في جميع هذه المعاني والاشتراك والمجاز كلاهما


[ 176 ]

خلاف الاصل فلا بد أن يكون حقيقة في القدر المشترك وهو ما علق عليه وجود المشروط لا وجه له بعد وضوح الدليل هذا الكلام في الجملة الشرطية وأما لفظ الشرط فهو وإن كان خارجا عن محل النزاع لكن لما حصل الغفلة لبعض الفحول هنا فخلط الاصطلاحات فتحقيق القول به أن المتبادر منه في العرف احد المعنيين أما ما يتوقف عليه وجود شئ وينتفي بعدمه أعم من أن يكون وجوده علة أم لا وأما معنى الالزام والالتزام فلا وجه لحمله على المعنى الاصولي حيث ما ورد هذا واحتجوا على حجية مفهوم الشرط أيضا بأنه لو لم يفد التعليق إنتفاء الحكم عند إنتفاء الشرط لكان التعليق لغوا يجب تنزيه كلام الحكيم عنه وفيه أولا أن الخروج عن اللغوية لا ينحصر في إعتبار هذه الفايدة بل يكفي مطلقها وأصالة عدم الفايدة الاخرى لا تنفى إحتمالها مع أن الغالب وجود الفوائد وثانيا أن هذا لا يناسب القول بالحجية ولا يوافق القول بالدلالة اللفظية كما هو المعهود في هذا المقام في ألسنة القائلين بالحجية فإن المعيار في أمثال هذه المقامات إثبات الحقيقة والتشبث بأصالة الحقيقة ليكون قاعدة في اللفظ المخصوص ولا يخرج عن مقتضاه إلا فيما دل دليل على خلافه من الخارج ولذلك يتمسكون بالتبادر وفهم أهل اللسان كما يستفاد من إستدلالهم ببعض الاخبار المذكورة في كتب الاصول وأما إثبات الكلية اللفظية من جهة الدلالة العقلية بمعنى أن العقل يحكم بأن كل موضع لم يظهر للشرط فايدة أخرى سوى ما ذكر فلا بد من حمله على إرادة ذلك فمع أن ذلك لا إختصاص له بحجية المفاهيم فضلا عن خصوص مفهوم الشرط ولا يقتضي تأصيل أصل عليحدة لحكم مفهوم الشرط أو مطلق المفهوم بل هو يجري في جميع المواضع وإنه إنما يتم لو وجد مقام لم يحتمل فايدة أخرى توجب الخروج عن اللغوية وهو ممنوع يرد عليه أنه يؤل النزاع حينئذ بين المثبت والمنكر إلى تجويز اللغو في كلام الحكيم وعدمه لو وجد مثل هذا الفرض ولا أظن أحدا من المنكرين يرضى بذلك بل الظاهر مهم أنهم إما ينكرون وجود موضع لا يحتمل فايدة أخرى وإن ذلك إثبات اللغة بالعقل وما يقال من أن الاستقراء يحكم بأن كل ما وجد لفظ لا يتصور له فايدة سوى فايدة معينة فهو موضوع له فهو بمعزل عن التحقيق غاية الامر إستفادة كون المعنى مرادا من اللفظ وأما كونه مدلولا بالدلالة اللفظية فكلا فإن قيل إنما نحن نقول بأن مفهوم الشرط حجة إذا لم يظهر فائدة سوى إنتفاء الحكم عند إنتفائه ظهورا مساويا لها أو أزيد منها وبالجملة إذا كان هذه أظهر الفوائد لا إذا لم يحتمل فايدة أخرى قلنا هذا أيضا لا يثبت الدلالة اللفظية وأما العقلية الحاصلة بسبب القرائن الخارجية فالظاهر أن المنكر أيضا


[ 177 ]

العقلية الحاصلة بسبب القرائن الخارجية فالظاهر أن المنكر أيضا يعترف بحجيته ولكنه لا يصير قاعدة كلية بخصوص المقام كما هو مقتضى القواعد الاصولية فالذي يليق بقواعد الفن إثبات أظهريتها من بين (الفوائد) ؟ مطلقا لا أنه إذا كان اظهر الفوائد في موضع يكون حجة في ذلك الموضع واحتج النافون بأن (؟ شرط) ؟ هو تعليق الحكم به وليس يمتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط أخر ولا يخرج من أن يكون شرطا ألا ترى أن إنضمام أحد الرجلين إلى الاخر شرط في قبول شهادة الاخر وقد ينوب عنه إنضمام إمرأتين أو اليمين فلا يفيد تعليق الحكم بشرط إنتفاء الحكم عند إنتفائه لجواز ثبوت بدل له وظاهر هذا الاستدلال تسليم فهم السببية كما ذكرنا لكن المستدل به يتمسك في نفي الحجية بإحتمال النائب فلا يكفي مجرد تعليق الحكم بالشرط في نفي الحكم عند إنتفائه وأنت خبير بأن الاحتمال لا يضر بالاستدلال بالظواهر وإلا لانسد باب الاستدلال في الايات والاخبار فنقول فيما لم يثبت شرط آخر ولم يعلم تحقق سبب آخر الاصل عدمه لا يقال هذا ينافي ما ذكرت سابقا أن معنى حجية المفهوم هو كون ذلك المعنى مدلولا للفظ في محل السكوت وهذا ليس من قبيل دلالة اللفظ إذ لا يتم ذلك إلا بإنضمام أصالة عدم تعدد السبب لانا نقول التبادر يقتضي إنحصار المدلول ويفيد تعين السببية في الظاهر وذلك الاحتمال هو إحتمال التجوز في الكلام الذي يجري في جميع الالفاظ المستعملة في معانيها الحقيقية ولا يعتني به أبدا وإلا لما كان للتمسك بأصل الحقيقة معنى وهو خلاف الاجماع وإن ثبت من دليل آخر وجود سبب آخر كالمثال المذكور فحينئذ نقول الشرط أو السبب أحد المذكورات كما أن الظاهر من الامر الوجوب العيني فإذا ورد أمران متضادان في محل واحد نحملهما على التخيير وذلك لا يوجب خروج صيغة الامر عن كونها حقيقة في العيني واحتجوا أيضا بقوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا فإنه لا يجوز الاكراه مطلقا فلا يصح التعليق لو أريد به إنتفاء الحكم عند إنتفاء الشرط وجوابه أن السالبة هذا بإنتفاء الموضوع وما يقال ان الواسطة ممكن فلا يستلزم نفي إرادة التحصن إرادة البغاء حتى لا يمكن الاكراه فقد يحصل الذهول عنهما فهو مدفوع بأنها تنتفي عند التنبيه وقد يجاب أيضا بأن مفهوم الشرط إنما يكون حجة إذا لم يظهر له فائدة سواه وهو متحقق هنا مثل تنبيه الموالى على أنهن إن اردن التحصن مع ما بهن من الضعف والقصور فأنتم أولى بذلك ويظهر لك ما في هذا الجواب مما أسلفنا لك سابقا ويمكن أن يقال أن الشرط هنا ورد مورد الغالب إذ الغالب في تحقق الاكراه هو مع إرادة التحصن فلا حجة فيه كما سيأتي والاولى أن يقال ان مطلق الاستعمال لا يدل على الحقيقة وبعد ثبوت الحقيقة فهذا إستعمال مجازي لكون المجاز خيرا من


[ 178 ]

الاشتراك أو يقال أن اللفظ يقتضي ذلك ولكن القرينة الخارجية مانعة ولو لا القرينة على عدم إرادة المفهوم من الاجماع القاطع (لعملنا) ؟ على مفهومه فالاجماع هو القرينة على عدم إرادة ذلك وأولى المعاني التي يمكن حمل الآية عليها حينئذ هو التنبيه على علة الحكم فإن القيد الوارد بعد النهي على ما ذكره بعض المحققين إما أن يكون للفعل مثل لا تصل إلا إذا كنت محدثا أو للترك مثل لا تبالغ في الاختصار إن حاولت سهولة الفهم أو للعلة مثل لا تشرب الخمر إن كنت مؤمنا وما نحن فيه من هذا القبيل أقول ومن هذا القبيل قوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله الآية قانون إختلفوا في أن تعليق الحكم على وصف يدل على إنتفائه عند إنتفاء الوصف ام لا سواء كان الوصف صريحا مثل أكرم كل رجل عالم أو في السائمة زكاة ولي الواجد يحل عقوبته أو مقدرا كقوله عليه السلام لان يمتلى بطن الرجل قيحا خير من أن يمتلى شعرا فإمتلاء البطن من الشعر كناية عن الشعر الكثير فمفهومه أنه لا يضر الشعر القليل احتج المثبتون بمثل ما تقدم في مفهوم الشرط من لزوم اللغو في كلام الحكيم فلو لم يفد إنتفاء الحكم عند إنتفائه لعرى الوصف حينئذ عن الفايدة ولعده العقلاء مستهجنا مثل قولك الانسان الابيض لا يعلم الغيب وبأن أبا عبيدة الكوفي فهم من قول النبي صلى الله عليه وآله لي الواجد يحل عقوبته وعرضه أن لي غير الواجد لا يحل عرضه وقال أنه يدل على ذلك وهو من أهل اللسان والجواب عن الاول يظهر مما سبق فإنه يلزم اللغو لو لم يحتمل فايدة أخرى والفوائد المحتملة كثيرة مثل الاهتمام بحال المذكور مثل حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى أو احتياج السامع إليه أن سبق بيان غيره أو ليستدل السامع على المسكوت عنه فيحصل له رتبة الاجتهاد أو غير ذلك مما ذكروه فإن قيل نقول بذلك إذا كان ذلك أظهر الفوائد فيجاب عنه بما تقدم في مفهوم الشرط وبالجملة التعليل بلزوم العراء عن الفائدة وإخراج الكلام عن اللغوية لا يقتضي إلا ثبوت فائدة ما فاد اثبت من القرينة الخارجية أظهرية هذه الفائدة المتنازع فيها فلا أظن المنكر متحاشيا عن القول بمقتضاه أيضا وما يظهر إنكاره من بعضهم لاحتمال إرادة الغير كما يظهر نظيره من السيد رحمه الله في مفهوم الشرط حيث إكتفى في نفي الاستدلال بمجرد إحتمال تعدد السبب فهو ضعيف لما بينا ومن هذا القبيل قول أبى عبد الله عليه السلام في صحيحة الفضيل قال قلت له عليه السلام ما الشرط في الحيوان قال عليه السلام ثلاثة أيام للمشتري قلت وما الشرط في غير الحيوان قال عليه السلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا وأما الاستهجان فممنوع وما يتراى هجنة في المثال المذكور فإنما هو لكون أصل الحكم في هذا المثال من باب توضيح الواضحات كذلك ذكر الوصف هنا وإلا فقد يكون فايدة الوصف


[ 181 ]

مجرد التوضيح بل نقل عن الاخفش وجماعة من أئمة العرب أن وضع الصفة للتوضيح فقد لا للتقييد وإن مجيئها للتقييد خلاف الوضع غاية الامر تعارض ذلك مع ما نقل من فهم أبي عبيدة وظهور خلافه في افهامنا أيضا فيتساقطان فيبقى عدم الدلالة على المدعى وأما الجواب عن الثاني فيظهر مما ذكرنا من المعارضة مع أن فهمه لعله كان عن إجتهاده في اللغة وكلام اللغويين واحتج النافون بأنه لو دل لدل بإحدى الثلاث وكلها منتفية اما المطابقة والتضمن فظاهر وإلا لكان منطوقا واما الالتزام فلعدم اللزوم الذهني لا عقلا ولا عرفا ولي في المسألة التوقف وإن كان الظاهر في النظر أنه لا يخلو عن إشعار كما هو المشهور إذ التعليق بالوصف مشعر بالعلية لكن لا بحيث يعتمد عليه في الاحتجاج إلا أن ينضم إليه قرينة كما في صحيحة الفضيل المتقدمة ومن هذا القبيل القيود الاحترازية في الحدود والرسوم وأما مثل قوله تعالى اعتق رقبة مؤمنة فدلالته على عدم كفاية عتق الكافر ليس من جهة مفهوم الوصف كما توهم ولامن جهة مجرد الاجماع عليه كما نقله العلامة رحمه الله في النهاية بل لان إتحاد الموجب المطلق والمقيد مع كون التكليف شيئا واحدا يوجب العمل على المقيد لان العمل على المطلق ترك للمقيد بخلاف العكس وبالجملة القيد مطلوب فمع تركه لا يحصل الامتثال فعدم الامتثال بعتق الكافرة إنما هو لعدم صدق الامتثال بالمؤمنة التي ورد الخطاب بها مع كون المطلوب رقبة واحدة ثم أن هيهنا فوائد الاولى أنهم ذكروا أن حجية مفهوم الشرط والوصف ونحوهما إنما هو إذا لم يكن على طبق الغالب مثل وربائبكم اللاتي في حجوركم ولا يحضرني منهم كلام في بيان ذلك وعندي أن وجهه أن النادر إنما هو المحتاج حكمه إلى التنبيه والافراد الشايعة تحضر في الاذهان عند إطلاق اللفظ المعرى فلو حصل إحتياج في الانفهام من اللفظ فإنما يحصل في النادر فالنكتة في الذكر لا بد أن يكون شيئا آخر لا تخصيص الحكم بالغالب وهو فيما نحن فيه التشبيه بالولد ومما بينا ظهر السر في عدم إطراد الحكم فيما إذا ورد مورد الغالب في غير باب المفاهيم أيضا ألا ترى أنا لا نجوز التيمم لواجد الماء لمن منعه زحام الجمعة أن الخروج مع أن الشارع أطلق الحكم بالتيمم لمن منعه زحام الجمعة عن الخروج وأيضا قالوا بإشتراط عدم كون المخالف أولى بالحكم مثل ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق و النكتة فيه التنبيه على خطأهم في العلة والحجة ويمكن إرجاعه إلى القسم الاول وبالجملة المعتبر في دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي هو عدم القرينة الظاهرة على إرادة الخلاف فكلما ظهر قرينة على إرادة غيره فنحملها عليه لا لان الحجية إنما هو إذا لم يظهر للقيد فائدة اخرى كما هو مقتضى الدلالة العقلية بل لثبوت القرينة على الخلاف كما هو مقتضى الدلالة اللفظية الثانية قد توهم بعضهم


[ 182 ]

ان فائدة المفهوم وثمرة الخلاف إنما تظهر إذا كان المفهوم ومخالفا للاصل مثل ليس في الغنم المعلوفة زكاة أو ليس في الغنم زكاة إذا كانت معلوفة أو إلى أن تسوم وأما إذا كان موافقا للاصل كما في قوله في الغنم السائمة زكاة فلا لان نفي الزكاة هو مقتضى الاصل وقال أن دعوى الحجية إنما نشاء من الغفلة عن ذلك لكون المفهوم مركوزا في العقول من جهة الاصل واستشهد على ذلك بكون الامثلة المذكورة في إستدلا لاتهم من هذا القبيل وأنت خبير بما فيه لكمال وضوح الثمرة والفايدة في الموافق للاصل أيضا لان المدعي للحجية يقول بأن هيهنا حكمين من الشارع فلا يحتاج إلى الاجتهاد في طلب حكم المعلوفة كما أن المنكر يحتاج وكونه موافقا للاصل لا يكفي إلا بعد إستفراغ الوسع في تحصيل الظن بعدم الدليل كما سيأتي إنشاء الله تعالى في محله وأيضا الاصل لا يعارض الدليل ولكن الدليلين يتعارضان ويحتاج المقام إلى الترجيح فإذا إتفق ورود دليل آخر على خلاف المفهوم فيعمل عليه من دون تأمل على القول بعدم الحجية ويقع التعارض بينه وبين المفهوم على القول بالحجية وربما يترجح المفهوم على المناطيق إذا كان أقوى فضلا عن منطوق واحد وما جعله منشاء للغفلة هو غفلة عن المتوهم إذ كلماتهم مشحونة بالحكم في المخالف للاصل والموافق والامثلة واردة على القسمين كما لا يخفى على المتتبع الثالثة مقتضى المفهوم المخالف إنما هو رفع الحكم الثابت للمذكور على الطريقة الثابتة للمذكور وقد وقع هنا توهمان أحدهما ما أشرنا سابقا إليه من أن مفهوم قولنا إعط زيدا إن أكرمك لا تعطه إن لم يكرمك وهو باطل لان رفع الايجاب هو عدم الوجوب وهو أعم من الحرمة التي هي مقتضى النهي نعم إذا كان الحكم الموافق هو الجواز بالمعنى الاعم يكون مفهومه الحرمة كقوله صلى الله عليه وآله كل ما يؤكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب فإن مفهومه أن كل ما لا يؤكل لحمه لا يتوضاء من سؤره ولا يشرب فإنه وإن كان مفهومه الصريح نفي الجواز لكنه ملزوم للحرمة وثانيهما ما صدر عن جماعة من الفحول قال بعضهم إن مفهوم قولنا كل غنم سائمة فيه الزكاة ليس كل غنم معلوفة فيه الزكاة وان هذا يصدق على تقدير ان يجب في بعض المعلوفة الزكاة وعلى تقدير ان لا يجب في شئ منها ومفهوم قولنا بعض السائمة كذلك هو عدم صدق قولنا بعض المعلوفة كذلك ويلزمه أن يصدق قولنا لا شئ من المعلوفة كذلك ويلزمه أن يقول أن مفهوم قولنا لا شئ من المعلوفة كذلك هو بعض السائمة كذلك ورد بعضهم على صاحب المعالم حيث ادعى أن مفهوم قولنا كل حيوان مأكول اللحم يتوضاء من سؤره ويشرب منه هو أنه لا شئ مما يؤكل لحمه يتوضاء من سؤره ويشرب بأن هذه دعوى لا شاهد له عليها من العقل والعرف والعلامة على الشيخ رحمه الله كذلك وأنت خبير بأن ذلك


[ 185 ]

التوهم يشبه بأن يكون إنما نشاء من بعضهم من جعل المفهوم نقيضا منطقيا للمنطوق وإن كان صدور مثل ذلك في غاية البعد من مثلهم بل ممن دونهم بمراتب لاختلاف الموضوع ولذلك يتصادقان أيضا والظاهر أن مراد من أطلق النقيض على المفهوم كفخر الدين الرازي إنما هو أن المفهوم رافع لحكم المنطوق فإن نقيض كل شئ دفعه والمراد رفع ذلك الحكم من غير الموضوع والحق هو ما فهمه الشيخ و صاحب المعالم فإن الحكم المخالف في جانب المفهوم إنما يستفاد من جهة القيد في المنطوق فكل قدر يثبت فيه القيد وتعلق به من أفراد الموضوع فيفهم إنتفاء الحكم بالنسبة إلى ذلك القدر وإلا لبقي التعليق بالنسبة إليه بلا فايدة وما يقال من أن الفايدة تحصل في الجملة بثبوت المخالفة في الجملة فهو بمعزل عن التحقيق إذ يبقى التصريح بتعلقه بالجميع بلا فايدة فمفهوم قولنا كل غنم سائمة فيه الزكاة لا شئ من المعلوفة كذلك فإن وجوب الزكاة معلق على سوم كل غنم فيرتفع بمعلوفية كل غنم وما قيل ان ذلك لعله لعدم وجود أمر مشهور مشترك بين افراد المنطوق وبعض أفراد المسكوت عنه يعني أن جميع أفراد ما يؤكل لحمه مثلا يجوز الشرب والتوضأ من سؤره فنطق به في الكلام و إنما لم يشرك بعض الافراد الغير المأكول أيضا مع كونه شريكا للمنطوق لاجل عدم لفظ مشهور جامع لهما فيبقى بيانه إلى وقت الحاجة ففيه أنه لا ينحصر الافادة في وجود اللفظ المشهور المشترك فقد يصح أن يقال مثلا كل حيوان يجوز التوضأ من سؤره إلا الكلب مثلا وكذلك في قوله كل غنم سائمة فيه الزكاة مع ثبوت الحكم لبعض المعلوفة أيضا يمكن أن يقال كل غنم فيه الزكاة إلا النوع الفلاني فلا ينقطع المناص حتى يلتزم تأخير البيان وغيره من الخزازات فلا بد للقيد من فايدة والمفروض أنه ليس إلا نفي الحكم عن غير محل النطق مع أن القول بكون إستعمال القيد هنا لذلك لا لاخراج غير المقيد عن الحكم خروج عن مقتضى القول بحجية المفهوم إذ هو إما مبني على التبادر من اللفظ أو على لزوم خلو كلام الحكيم عن الفايدة لولاه كما تقدم وهو إنما يصح لو لم يكن هناك فائدة أخرى و أما ما ذكره بعضهم أن مفهوم قولنا بعض الغنم السائمة فيه الزكاة إلخ إن أراد به أن تكون السائمة صفة لبعض الغنم وبيانا له لا للغنم فقط كما هو المناسب لطريقة أهل الشرع فمفهومه أن ليس في البعض الاخر الذي هو المعلوفة زكاة ولا ما ذكره وإن أراد البعض الغير المعين بل يكون السائمة صفة للغنم لا للبعض كما هو الظاهر من كلامه وهو الموافق لطريقة أهل الميزان فحينئذ يتوجه الحكم نفيا وإثباتا إلى البعض فإنه القيد الاخير لا السوم والنفي والاثبات إنما يرجعان إلى القيد الاخير على التحقيق فمفهومه حينئذ أن البعض الاخر من السائمة ليس يجب فيه الزكاة وهذا مما يعز ويقل وروده في كلام


[ 186 ]

الشارع فإنه تكليف بمبهم مجهول وبالجملة فالمستفاد من العقل والعرف هو ما فهمه الشيخ وصاحب المعالم رحمه الله لا ما فهموه فالتحقيق أن يقال إن جعلنا السور من جملة الحكم وجعلنا الموضوع نفس الطبيعة المقيدة فالاقرب ما ذكره هؤلاء وإن جعلناه جزء الموضوع بأن يرجع القيد إلى كل واحد مما يشمله السؤر فالاقرب ما اخترناه مثلا اما نقول الحيوان المأكول اللحم حكمه أنه يجوز إستعمال سؤر كل واحد من أفراده أو نقول كل واحد من أفراد الحيوان المأكول اللحم حكمه جواز إستعمال سؤره فلا بد ان يتأمل في أن معنى قولنا كل ما يؤكل لحمه يتوضاء من سؤره موافق لايهما وأيهما يتبادر منه في العرف والاظهر الثاني للتبادر فيكون الوصف قيدا لكل واحد من الافراد فالمفهوم يقتضي نفي الحكم حيث إنتفى ذلك القيد الرابعة لا دلالة في قولنا في الغنم السائمة زكاة على نفي الزكاة من معلوفة الابل بإحدى من الدلالات واستدل فخر الدين على ذلك بأن دليل الخطاب نقيض المنطوق فلما تناول المنطوق سائمة الغنم كان نقيضه مقتضيا لمعلوفة الغنم دون غيرها وهذا الاستدلال ضعيف لما أشرنا إليه والاولى ما ذكرنا إحتج بعض الشافعية على الدلالة بأن السوم يجري مجرى العلة فيثبت الحكم بثبوتها وينتفي بإنتفائها وفهم العلية العامة ممنوع وإلا لكان وجها وجيها قانون الحق أن مفهوم الغاية حجة وفاقا لاكثر المحققين والظاهر أنه أقوى من مفهوم الشرط ولذلك قال به كل من قال بحجية مفهوم الشرط وبعض من لم يقل بها والمراد بالغاية هنا النهاية لا المسافة كما هو عند النحاة بخلافها في قولهم إلى لانتهاء الغاية فالمراد أن تعليق الحكم بغاية يدل على مخالفة حكم ما بعد النهاية لما قبلها وأما نفس النهاية ففيها خلاف آخر ذكروها في مبحث بيان أن إلى لانتهاء الغاية فلنقدم الكلام فيه لتقدمه على ما بعده فنقول اختلفوا فيه على أقوال ثالثها دخولها في المغيا إن كانتا من جنس واحد كقولك بعتك هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف وإلا فلا كقول القائل صوموا إلى الليل والظاهر أن دليلهم في ذلك عدم التمايز فيجب إدخاله من باب المقدمة كما في إدخال المرفق في الغسل بخلاف مالو إختلفا في الماهية وتميزا في الخارج فلا يظهر حينئذ ثمرة بين هذا القول وبين القول بالعدم مطلقا ورابعها التوقف لتعارض الاستعمالات وعدم الترجيح والحق عدم الدخول لانه الاصل بمعنى أن اللفظ لا يدل على الدخول والاصل عدم إرادة المتكلم ذلك و إلا فقد يكون الدخول موافقا للاصل بل المتبادر من اللفظ عدم الدخول فيكون ذلك أيضا مفهوما من التعليق بكلمة إلى وأما دخول المرفق في آية الوضوء فإنما هو من دليل خارج لا لان إلى بمعنى مع لان الحق أنه لانتهاء الغاية وكونه بمعنى مع مجاز وإنما يصار إليه من جهة الدليل الخارجي ثم ان التوقف


[ 187 ]

لا يستلزم القول بالاشتراك كما توهمه فخر الدين وأبطله بأنه لا يمكن القول بالاشتراك لعدم جواز وضع الشئ لوجود الشئ وعدمه اما أولا فلان الاستعمال أعم من الحقيقة والاجمال أعم من الاشتراك ولا ينحصر التوقف في صورة الاشتراك وأما ثانيا فلجواز الاشتراك بين الوجود والعدم كما في القرء وأما ما قاله فخر الدين من أنه لغو لخلو الكلام عن الفايدة حين التردد بين الوجود والعدم لان التردد بين النفي والاثبات حاصل لكل واحد قبل إطلاق اللفظ أيضا ففيه أنه قد يحصل الفايدة بمثل قول القائل إعتدي بقرء فتأمل في ذلك فإنه يمكن إرجاع الطهر إلى الوجودي أيضا إذا عرفت هذا فلنرجع إلى أصل المسألة والحق ما قلناه لان المتبادر من قول القائل صوموا إلى الليل أن اخر وجوب الصوم الليل ولا يجب بعده ومن قوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن عدم حرمة المقاربة بعد حصول الطهر فلو ثبت الصيام بعد الليل أيضا أو حرمة المقاربة بعد حصول الطهر أيضا لما كان الغاية غاية وهو خلاف المنطوق فإن قلت أنه لو كان خلاف المنطوق فيكون الكلام مع التصريح بعدم إرادة المفهوم مجازا ولم يقل به أحد وأيضا فإن كان المراد من قولك آخر وجوب الصوم الليل ما ينقطع عنده الصوم فقد صار هذا المفهوم من جملة المنطوق وإن كان المراد ما ينتهي عند الصوم سواء إنقطع أو لم ينقطع فلا يلزم خلاف المنطوق في المسكوت أعني ما بعد الغاية قلت إن اردت من التصريح بعدم إرادة المفهوم مثل أن يقول المولى لعبده سر إلى البصرة ولا أريد منك عدم السير بعنوان الوجوب بعده فهو مجاز وهو لازم كل من يقول بحجية مفهوم الغاية فكيف تقول بأنه لم يقل به أحد وإن علم من المتكلم إرادة الحقيقة فلا بد أن يحمل ذلك على النسخ إن قلنا بجواز النسخ فيما كان آخره معلوما خصوصا إذا كان قبل حضور وقت العمل وإلا فبقبح صدوره عن الحكيم وإن أردت من ذلك مثل أن يقول سر إلى البصرة ومنها إلى الكوفة ومنها إلى بغداد ففيه أن أمثال ذلك يقال في العرف لتحديد المنازل أو لاعلام المعالم فيتجدد المسافة من كل علم ومنزل فلكل مسافة مبدء ونهاية يلاحظان بالنسبة إليها ويعتبر أن بخصوصها فلا يرد تجوز ولا يحصل منه نقض على القاعدة وكذلك لا يتم النقض بمثل قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى مع ثبوت إسرائه إلى السماء وكذلك قول الفقهاء إذا صام المسافر إلى نصف النهار ثم سافر لا يجوز له الافطار كما صدر من بعض الفضلاء فإن القرينة قائمة على إرادة الخلاف و مطلق الاستعمال أعم من الحقيقة والاستعمال في المعنى المجازي لا يوجب خروج اللفظ عن كونه حقيقة في غيره والنكتة في الاول أن المحسوس المعاين في نظر الكفار (المتعنتين) ؟ إنما كان ذلك الذي ذكر في


[ 188 ]

في الاية وكان يمكن إثبات هذه الدعوى بما يحصل لهم المشاهدة كاخباره صلى الله عليه وآله عن (عيرهم) ؟ وعما وقع فيهم في أثناء الطريق وكان تحصل المعجزة بمجرد ذلك أيضا فالمذكور ما بعد إلى إنما هو المنتهى فيما هو مقصود البيان لهم الممكن التسليم عندهم وكذلك المراد من قولهم إذا صام المسافر إلى نصف النهار هو الامساك المخصوص المشروط بالشروط لا نفس الصوم وإلا فلا معنى للصوم الحقيقي إلى نصف النهار ففي الحقيقة مفهوم الغاية هنا حجة بمعنى أن المعتبر فيما له مدخلية في عدم جواز الافطار هو الامساك إلى نصف النهار فالامساك ما بعد نصف النهار لا مدخلية له في ذلك فكأنه قال الموجب لعدم الافطار إنما هو الامساك إلى نصف النهار وهكذا الكلام فيما يرد عليك من نظائر هذه وأما قولك وأيضا إلخ فنقول هناك شق ثالث وهو أن المراد هو الاخر والمنتهى لا بشرط من شئ مطلقا لا خصوص ملاحظة أن ما بعد الاخر ونفسه مخالف لما قبله وينقطع الحكم عنده ولا عموم ذلك بمعنى أن يلاحظ أن الليل اخر مثلا سواء كان ما بعد الدخول مخالفا أو موافقا منقطعا عنده الصوم أم لا ثم ندعي إستلزام ذلك المطلق كون حكم ما بعده مخالفا لما قبله احتج المنكرون بعدم دلالة اللفظ على ذلك بإحدى من الدلالات أما الاولان فظاهر وأما الالتزام فلعدم اللزوم وبالاستعمال فيهما معا فيكون للقدر المشترك لكون المجاز والاشتراك خلاف الاصل ويظهر الجواب عنهما بالتأمل فيما ذكرناه قانون مفهوم الحصر حجة والمراد به على ما ذكره جماعة من المحققين هو أن يقدم الوصف على الموصوف الخاص خبرا له مثل الامير زيد والشجاع عمرو فيستفاد منه الحصر لان الترتيب الطبيعي خلافه والعدول عنه إنما هو لذلك وقد يقال أن الاولى تعميم المبحث في كل ما قدم وكان حقه التأخير على ما ذكره علماء المعاني وفيه إشكال لتعدد الفايدة مثل الاهتمام بالذكر أو التلذذ أو غير ذلك فلا بد إما من دعوى التبادر وهو غير مسلم في الجميع أو ذكر دليل آخر وسيجئ الدليل في خصوص ما نحن فيه واختلفوا في كون الدلالة فيما نحن فيه من باب المفهوم أو المنطوق والصواب ترك هذا النزاع لان الحصر معنى مركب من إثبات ونفي وما له المدلول مذكور في احدهما فيستفاد المجموع من المجموع وإن جعل عبارة عن نفي الحكم المذكور عن الغير فلا ريب أنه مفهوم على ما مر والدليل على إفادة الحصر أمران الاول التبادر فإن المتبادر من قولنا العالم زيد أن العالمية لا يتجاوز عن زيد إلى عمرو وبكر وغيرهما و الثاني أنه لو لم يفد الحصر للزم الاخبار بالاخص عن الاعم وهو باطل وتقريره أن المراد بالصفة إن كان هو الجنس فيستحيل حمل الفرد عليه لان الحمل يقتضي الاتحاد والفرد الخاص ليس عين حقيقة الجنس فينبغي أن يراد منه مصداقه وهو ليس بفرد خاص لعدم العهد وعدم إفادة العهد الذهني


[ 189 ]

فيحمل على الاستغراق فيصير المعنى أن كل ما صدق عليه العالم فهو زيد وهذا لا يصح إلا إذا انحصر مصداقه في الفرد لاستحالة إتحاد الكثيرين مع الواحد وذلك إما حقيقة كما لو فرض إنحصار الامارة في الخارج و إما إدعاء ومبالغة كما في قولنا الشجاع عمرو والرجل بكر فالمراد هو المصداق الكامل وقد لا يحتاج إلى صرف الصفة إلى إستغراق الافراد بأن يدعي وحدة الجنس مع هذا الفرد كما في قولك هل سمعت بالاسد وتعرف حقيقته فزيد هو هو بعينه كما ذكره عبدالقاهر في الخبر المحلي باللام وهو الظاهر من الزمخشري في تفسير قوله تعالى أولئك هم المفلحون وهذا معنى أعلى من الحصر في المبالغة وهو بعينه جار في قولنا الامير زيد واحتج النافون بان ذلك لو صح لصح في العكس يعني في مثل زيد الامير وعمرو العالم لجريان ما ذكر فيه أيضا وبأنه لو كان الاصل مفيدا له دون العكس لتطرق التغيير في مفهوم الكلمة بسبب التقديم والتأخير مع عدم تطرق تغيير في المفردات وإنما وقع في الهيئة التركيبية أقول أما الجواب عن الاول فأما أولا فبالقول بالموجب كما صرح به علماء المعاني ويظهر وجهه مما سبق واما ثانيا فبالفرق بين صورة التقديم والتأخير فإن الموضوع هو الذات والمعروض والمحمول هو الوصف والعارض ولذلك اصطلح المتكلمون على إطلاق الذات على المبتداء والوصف على الخبر فإذا وقع الوصف مسندا إليه فالمراد به الذات الموصوفة به فالمراد بالامير في قولنا الامير زيد الذات المتصفة بالامارة فإذا إتحد الذاتان بحسب الحمل فيلزم الحصر أعني حصر الامارة في زيد وإن إقتضى قاعدة الحمل كون المراد بزيد هو المسمى ولم يفد إنحصار وصفه في الامارة وإذا وقع مسندا فالمراد به كونه ذاتا موصوفة به وهو عارض للاول والعارض أعم والحمل وإن كان يوجب الاتحاد لكن حمل الاعم على الاخص معناه صدق الاعم على الاخص وذلك لا يوجب عدم وجوده في ضمن غيره كما في الكلي الطبيعي بالنسبة إلى أفراده فالمراد من الاتحاد أن المحمول موجود بوجود الموضوع أو أن المحمول والموضوع موجودان بوجود واحد لا أنهما موجود واحد وبهذا يندفع ما يورد هنا أن الحمل لو إقتضى الاتحاد وأوجب القصر فيما نحن فيه للزم ذلك في الخبر المنكر أيضا مثل زيد إنسان فإن المراد من إنسان هو مفهوم فرد ما لا مصداقه كما إشتهر بينهم أن المراد بالمحمول هو المفهوم ومن الموضوع هو المصداق والمصداق هنا إما فرد معين هو زيد أو غير زيد وإرادة كل منهما محال لاستحالة حمل الشئ على نفسه وعلى غيره ومفهوم فرد ما قابل لجميع الافراد فإذا اتحد مع الموضوع في الوجود بسبب الحمل لزم الحصر لما ذكرنا أن ذلك لا يفيد إلا إتحاده مع الموضوع في الوجود لا أنهما موجود واحد والحق أن صورة العكس أيضا يفيد الحصر لا لافادة الحمل ذلك من حيث هو حتى يرد أن الاتحاد الحملي لا


[ 190 ]

يقتضي ذلك بل لان حمل الجنس أو الاستغراق يفيد ذلك أما الاستغراق فظاهر وأما الجنس فلان المقصود منه إن كان مجرد صدق هذا الجنس ولو من حيث أنه فرد منه لتم ذلك بحمل المنكر مثل زيد أمير فيبقى التعريف لغوا فعلم منه أن المقصود أن زيدا هو حقيقة الامير وماهيته فيفيد المعنى الذي هو أعلى من الحصر كما مر إليه الاشارة وأشار إلى ما ذكرنا المحقق الشريف في بعض حواشيه فظهر من جميع ما ذكر أن قولنا الامير زيد يدل على الحصر من وجهين أحدهما تقديم المتأخر بالطبع وإن صار موضوعا الان والثانى التعريف على ما مر بيانه وأما صورة العكس فمن جهة واحدة هو التعريف وأما الجواب عن الثاني فيظهر ما تقدم أيضا وتوضيحه منع بطلان التالي لو أريد به مجرد المغايرة في إرادة الذات و الصفة ومنع الملازمة إن أريد غير ذلك والتحقيق قد مر ثم ان الكلام لا يختص بالمعرف باللام بل كلما يراد به الجنس حكمه ذلك مثل قولك صديقي زيد حيث لا عهد خارجي فإنه يحمل على الجنس أو الاستغراق كما في قولك ضربي زيدا قائما فالجهتان المتقدمتان حاصلتان فيه وأما صورة العكس فلا يجري ما قدمنا في المعرف باللام فيه بل الظاهر أن معناه زيد صديق لي على طريق الاضافة اللفظية ثم قد ظهر لك مما مر من تعدد الجهتين ان المسند إليه إذا كان معرفا باللام يفيد حصره في المسند وإن لم يكن حقه التأخير أيضا كما في قولهم الكرم التقوى والعلماء الخاشعون والكرم في العرب والامام من قريش كما صرح به علماء المعاني ولا يلزم منه كون كل ما في العرب كريما ولا كل من في القريش إماما كما لا يلزم في زيد قائم أو إنسان إنحصار القائم والانسان في زيد وأما الحصر بإنما والمراد به نفي غير المذكور أخيرا كقولك إنما زيد قائم في قصر الموصوف على الصفة وإنما القائم زيد في العكس فالاشهر الاقوى فيه الحجية للتبادر عرفا ونقله الفارسي عن النحاة وصوبهم وكذلك لغة أيضا مع أصالة عدم النقل ويدل عليه أيضا إستدلال العلماء بمثل قوله صلى الله عليه وآله إنما الاعمال بالنيات وإنما الولاء لمن أعتق على نفي العمل من دون نية ونفي الولاء لغير المعتق من دون نكير وإن كان يمكن القدح فيه بأنه مقتضى التعريف في المسند إليه كما مر فقوله عليه السلام إنما الاعمال بالنيات في قوة الموجبة الكلية المناقضة للسالبة الجزئية وأنت خبير بكمال وضوح الفرق بين الملحوق بإنما وعدمه وإن قلنا بدلالة تعريف المسند إليه أيضا ولا أظن أن من يعتمد على دلالة تعريف المسند إليه على ذلك لا يعتمد على دلالة إنما عليه مع كمال وضوحه وكيف كان فالعمدة هو التبادر في سائر الموارد وقد يستدل بصحة إنفصال الضمير معه في مثل قوله الفرزدق وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي فإن الوجوه المجوزة للفصل مفقودة سوى أن يكون الفصل لغرض وهو أن يكون المعنى ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا وقد يستدل أيضا بان أن للاثبات وما


[ 191 ]

للنفي ولا يجوز أن يكونا لاثبات ما بعده ونفيه بل يجب أن يكونا لاثبات ما بعده ونفي ما سواه أو على العكس والثاني باطل بالاجماع فتعين الاول وهو ضعيف لان ان إنما هو لتأكيد الكلام نفيا كان أو إثباتا كقوله تعالى فإن الله لا يظلم الناس شيئا وما النافية لا تنفي إلا ما دخلت عليه بإجماع النحاة فهي كافة كما في ليتما ولعلما وغيرهما كما صرح به إبن هشام وغيره والتحقيق أنه كلمة متضمنة لمعنى ما وإلا بحكم التبادر وإستعمال الفصحاء وقد نوقض بقوله تعالى إنما المؤمنون الذي إذا ذكر الله وجلت قلوبهم لعدم إنحصار المؤمنين في المذكور وإنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس لعدم إنحصار إرادة الله في إذهاب الرجس عنهم وإنما أنت منذر من يخشيها أي الساعة لانذاره غيرهم أيضا وفيه أن المراد في الاول الكمل منهم وفي الثاني أن إرادة إذهاب الرجس مقصور على أهل البيت عليهم السلام في زمانهم لا غيرهم لانحصار مطلق إرادة الله في ذلك إذ عرفت أن النفي يرجع إلى غير المذكور أخيرا وفي الثالث الانذار النافع وعلى فرض التسليم فالمجاز خير من الاشتراك ومطلق الاستعمال بدل على الحقيقة وقد اثبت كونها حقيقة فيما ذكرنا واحتج منكر الحجية بأنه لا فرق بين أن زيدا قائم وإنما زيد وما زائدة فهي كالعدم وقد عرفت الفرق واختلف المثبتون أيضا فقيل أنه بالمنطوق لانه لا فرق بين إنما إلهكم الله وبين لا إله إلا الله ويظهر لك بطلانه مما مر في تعريف المفهوم و المنطوق وقد أشرنا إليه آنفا أيضا وأما ما وإلا فلا خلاف في حجية مفهومهما ظاهرا والظاهر أن الدلالة فيهما بالمنطوق فلاوجه لجعله من باب المفهوم قانون الحق أنه لا حجية في مفهوم الالقاب لعدم دلالة اللفظ عليه بإحدى من الدلالات ولانه لو دل لكان قولنا زيد موجود وعيسى رسول الله كفرا لاستلزامهما نفي الصانع ورسالة نبينا صلى الله عليه وآله واحتج الدقاق وبعض الحنابلة على الدلالة بأن التخصيص بالذكر لا بد له من مخصص ونفي الحكم عن غيره صالح له والاصل عدم غيره وأيضا قول القائل لست زانيا ولا أختي زانية يدل على أن المخاطب وأخته زانيان وأوجب الحنابلة الحد عليه لهذا والجواب عن الاول أن تعلق الارادة مخصص وليس الاسم واللقب قيدا زايدا في الكلام حتى يحتاج إلى زائدة خاصة في ذكره وفائدته فايدة أصل الكلام وعن الثاني أن القرينة قائمة على إرادة التعريض وأما مفهوم العدد فمذهب المحققين عدم الحجية فلو قيل من صام ثلاثة أيام من رجب كان له من الاجر كذا فلا يدل على عدمه إذا صام خمسة نعم يحتاج جوازه إلى الرخصة من الشارع لان العبادة توقيفية يحتاج إلى التوظيف لا لان القول الاول ناف له فإذا صام الزايد من باب عموم الصوم فلا ضرر أصلا وكذلك الكلام في عدد الاذكار والتسبيحات ولكن في بعض الاخبار المنع عن التعدي والظاهر أنه من جهة إعتقاد أن الزايدة


[ 192 ]

مثل المأمور به في الاجر لا لعدم الجواز وأما إذا قيل يجب عليك صوم عشرة أيام فلا يجوز الاكتفاء بالخمسة لعدم الامتثال بالمنطوق حينئذ لا لان المفهوم يقتضي ذلك ولورود الامر بخمسة أخرى فلا يعارض السابق بأن يقال أن مفهوم القول الاول يقتضي عدمها فلا بد من الترجيح وأما في بعض المواضع الذي لا يجوز التعدي إلى ما فوق وما تحت فإنما هو بدليل خارجي فعدم جواز زيادة الحد مثلا على الثمانين أو المأة جلدة فإنما هو لحرمة الايذاء من دون إذن من الشارع فيقتصر على التوظيف وعدم قبول الشاهد الواحد إنما هو لفقدان الشرط وهو الشاهدان فهو مقتضى المنطوق كما أشرنا وكذلك كون الماء أقل من كر أو أو قلتين في النجاسة ولذلك ترى أن الاكثر أيضا لا ينجس ولان المناط في الحكم هو الكثرة وعدم نقص الماء عن هذا المقدار لا عدم كونه أكثر من ذلك أيضا وبالجملة الاعداد المعتبرة في الشرع قد يتوافق حكمها مع الاقل والاكثر وقد يتخالف فإستعماله عام والعام لا يدل على الخاص وقد يتوهم أن تحديد أقل الحيض بالثلاثة وأكثره بالعشرة إنما استفيد من مفهوم العدد في قوله عليه السلام أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام فإنه لا يجوز التجاوز ولا الاقتصار بالاقل وفيه ما لا يخفى فإن تحديد الاقل لا يتم إلا بعدم تحقق الحيض في يومين وإلا لكان هو الاقل وبأن لا يكون الاربعة وإلا فلا يتحقق بثلاثة وليس هذا من مفهوم العدد في شئ وقس عليه حال الاكثر والظاهر أن الكلام في المقدار والمسافة وأمثالهما هو الكلام في العدد وأما مفهوم الزمان والمكان فهو أيضا كذلك وذهب إلى حجيتها جماعة و يظهر الاحتجاج والجواب مما تقدم فإن قلت إذا قيل بعه في يوم كذا وخالف الوكيل فالعقد غير صحيح وكذا غيره من العقود قلت لان التقييد في الوكالة تابع للفظ ومختص بما قيده لا من حيث المفهوم بل من حيث إنحصار الاذن في ذلك ولذلك لم يخالف من رد المفهوم في إختصاص الوكالة والوقف ونحوهما بما قيده وصفا وشرطا وزمانا ومكانا وغيرها وصرح بما ذكرنا الشهيد الثاني رحمه الله في تمهيد القواعد الباب الثالث في العموم والخصوص وفيه مقدمة ومقاصد أما المقدمة فالعام هو اللفظ الموضوع للدلالة على إستغراق إجزائه أو جزئياته كما عرفه شيخنا البهائي رحمه الله واحترز بقيد الموضوع للدلالة عن المثنى والجمع المنكر وأسماء العدد فإنها لم توضع للدلالة على ذلك وإن دلت وقوله أجزائه أو جزئياته لدخول مثل الرجال على كل واحد من المعنيين الاتيين من إرادة العموم الجمعي أو الافرادي وهذا إصطلاح وإلا فلا مانع من جعل العشرة المثبتة أيضا عاما كما يشهد به صحة الاستثناء بالعام على قسمين


[ 193 ]

إما كلي يشمل أفراده أو كل يشمل أجزائه والعام المعهود الغالب الاستعمال في كلامهم هو المعنى الاول ولذلك ذكروا أن دلالة العموم على كل واحد من أفراده دلالة تامة ويعبرون عنه بالكلي التفصيلي والكلي العددي والافرادي وليست من باب الكل اي الهيئة الاجتماعية المعبر عنه بالكلي المجموعي ويظهر الثمرة في المنفي فلو كان الجمع المضاف في قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم بمعنى الكلي المجموعي فلم يدل على حرمة قتل البعض بخلاف المعنى الاول نظيبر ضربت العشرة وما ضربت العشرة وسيجئ أن العموم قد يستفاد من جهة المقام لاقتضاء الحكمة ذلك وهو أيضا ليس من العام المصطلح وإن ترتب عليه أحكامه المقصد الاول في صيغ العموم قانون إختلفوا في كون ما يدعى كونها موضوعا للعموم من الالفاظ موضوعا له أو مشتركا بينه وبين الخصوص أو حقيقة في الخصوص على أقوال فقيل بالتوقف ثم القائلون بثبوت الوضع للعموم إتفقوا في بعض الالفاظ و اختلفوا في الاخر فلنقدم الكلام في الخلاف في أصل الوضع فالاشهر الاظهر كونها حقيقة في العموم لنا التبادر فإن أهل العرف يفهمون من قولنا ما ضربت احدا ومن دخل داري فله درهم ومتى جاء زيد فأكرمه ونحو ذلك العموم فلو قال السيد لعبده لا تضرب أحدا ثم ضرب العبد واحدا لاستحق بذلك عقاب المولى وللاتفاق على دلالة كلمة التوحيد عليه والاتفاق على لزوم الحنث على من حلف أن لا يضرب أحدا بضرب واحد وإن من إدعى ضرب رجل لو أردت تكذيبه قلت ما ضربت أحدا فلولا أنه سلب كلي لما ناقض الجزئية فإن سلب الجزئي لا يناقض الايجاب الجزئي و لقصة إبن الزبعري فإنه لما سمع قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قال لاخصمن محمدا صلى الله عليه وآله ثم جائه عليه السلام وقال يا محمد صلى الله عليه وآله أليس عبد موسى وعيسى والملائكة ففهمه دليل العموم لانه من أهل اللسان وأدل من ذلك جوابه صلى الله عليه وآله حيث قال ما أجهلك بلسان قومك أما علمت أن ما لما لا يعقل فلم ينكر العموم وقرره وأما إستعمال كلمة ما في ذوي العقول أو أعلى منهم كما في قوله تعالى والسماء وما بناها فإنما هو خروج عن الحقيقة لنكتة وفي رواية أخرى أجاب عليه السلام بأن المراد (عتاد) ؟ الشياطين التي أمرتهم بعبادة هؤلاء فنزل قوله تعالى الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون حجة القائلين بأنها حقيقة في الخصوص وجهان الاول أن الخصوص متيقن المراد من هذه الالفاظ حيث استعملت سواء أريد منها الخصوص فقط أو في ضمن العموم بخلاف العموم فإنه مشكوك الارادة وما كان الوضع مسلما للخصم ولا بد له من مرجح فالاولى أن يقول أنه موضوع للمتيقن المراد فإنه أوفق بحكمة الواضع حيث أن غرضه من الوضع


[ 194 ]

التفهيم وبهذا التقرير إندفع ما أورد على الدليل بأنه إنما يدل على تيقن الارادة لا على الوضع والجواب ان هذا إثبات اللغة بالترجيح العقلي وهو باطل لان طريقه منحصر في النقل اما صريحا محضا بالتواتر أو الآحاد أو بإعانة تصرف من العقل كما لو أستفيد من مقدمتين نقليتين وضع مثل عموم الجمع المحلى باللام فإنه ثبت بواسطة مقدمتين مستفادتين من النقل إحديهما ما ثبت من أهل اللغة جواز الاستثناء منه بأي فرد أمكن إرادته من الجمع واحتمل شموله له في كل موضع وثانيتهما ما ثبت ان الاستثناء هو اخراج ما لولاه لدخل ويحصل من ذلك أنه يجوز إخراج كل فرد من الجمع ثم العقل يحكم بأن الشئ ما لم يكن داخلا في شي ء لا يمكن إخراجه منه فثبت أن جميع الافراد داخل فيه وهو معنى كونه موضوعا للعموم وهكذا وأما العقل المحص فلا مدخلية له في إثبات اللغات وأما التبادر وصحة السلب ونحوهما فإنما هي أدلة للفرق بين الحقيقة والمجاز لا لاثبات أصل الوضع ولا بأس بتوضيح المقام وإن كان خارجا عما نحن فيه لتنبيه الغافلين فنقول ان الوضع لا يثبت إلا بالنقل عن الواضع لبطلان مذهب عباد بن سليمان الصيمري وأصحاب التكسير من أن دلالة اللفظ على المعنى إنما نشأت من مناسبة ذاتية وإلا لتساوت المعاني بالنسبة إلى اللفظ فإما أن يكون هناك تخصيص وترجيح في الدلالة على المعنى أو لا فعلى الثاني يلزم التخصص من غير مخصص وعلى الاول التخصيص بلا مخصص وهما محالان والجواب إما بأن المرجح هو الارادة إما من الله تعالى لو كان هو الواضع كخلق الحوادث في أوقاتها أو من الخلق لو كان هو الواضع كتخصيص الاعلام بالاشخاص أو بمنع إنحصار المرجح فيما ذكروه لم لا يكون شخص آخر مثل سبق المعنى إلى الذهن من بين المعاني في غيره تعالى ومصلحة أخرى فيه تعالى مع أنه يدفعه الوضع للنقيضين والضدين وإقتضاء اللفظ بالذات لذلك في وقت دون وقت أو شخص دون شخص مما لا معنى له لان الذاتي لا يتخلف ولذلك وجه السكاكى هذا المذهب وأوله بأن مراده أن الواضع لم يهمل المناسبة بين اللفظ والمعنى كما هو مذهب أهل الاشتقاق فذكروا أن الفصم بالفاء لكسر الشئ مع عدم الابانة والقصم بالقاف له مع الابانة للفرق بين الفاء والقاف في الشدة والرخاء كالقسمين من الكسر فثبت أن طريق ثبوت الوضع هو النقل لعدم إمكان حصول العلم به من جهة أخرى والمرجحات العقلية والمناسبات الذوقية مما لم يثبت جواز الاستناد إليها في إثبات الاشياء التوظيفية التوقيفية كالاحكام الشرعية الفرعية ولذلك لا يجوز إثباته بالقياس أيضا كما جوزه قوم من العامة فيما لو دار التسمية بالاسم مع معنى في المسمى وجودا وعدما كالخمر فإنها دائرة مع تخمير العقل وجودا وعدما فقبله عصير


[ 195 ]

وبعده خل والدوران (يعيد) ؟ العلية فكان الواضع قال سميت هذا خمرا لانه يخمر العقل فكأنه جوز تسمية كل ما فيه هذه العلة خمرا فيكون ترخيصا منه بالعموم وكترخيصه في سائر الكليات كما أشرنا إليه في أوائل الكتاب وهو باطل لعدم ثبوت حجية القياس مع أن جماعة ممن جوز العمل بالقياس لم يجوزه في اللغة و قد يقلب الدوران على المستدل بأن التسمية دارت مع المعنى وهو ماء العنب أيضا فإن المجموع إذا وجد وجدت التسمية فإذا إنتفى إنتفت فالعلة مركبة ثم لا يذهب عليك ان رفع كل فاعل لم يسمع رفعه من العرب ونصب كل مفعول لم يسمع نصبه ونحو ذلك وكذلك إطلاق الرجل على من لم يطلقه العرف وكذلك أقسام المجازات وأنواع العلائق ليس من باب القياس بل هو المستفاد من إستقراء كلام العرب وتتبع تراكيبهم بحيث حصل الجزم بتجويزهم ذلك وهذا مما لا خلاف في جواز الاعتماد عليه وأما الاعتماد على التبادر عدم صحة السلب ورجحان المجاز على الاشتراك و نحو ذلك فليس من باب إثبات الوضع بالعقل بل إنما هو للتميز والتفرقة بين الحقائق المجازات والحاصل أن الاجنبي بإصطلاح قوم الجاهل بأوضاع كلماتهم إذا رأى أنهم يستعملون لفظا في معان متعددة ولا يعرف ايها حقيقة وأيها مجاز فلا ريب أنه يعرف أن في ذلك الاصطلاح ألفاظا مفردة موضوعة للمعاني الشخصية أو النوعية وألفاظا مركبة موضوعة للمعاني النوعية وألفاظا مستعملة في غير الموضوعات لها بعلاقة مجوز نوعها من الواضع ونحو ذلك كما هو الدأب والديدن في جميع اللغات والاصطلاحات ويعلم أن ما يتكلمون به قد بلغ إليهم من واضع إصطلاحهم حقيقة كان أو مجازا أو لكنه يريد أن يميز بين الحقيقة والمجاز ويعرف ان المعاني المتعددة التي يستعملون فيها لفظا واحدا على التناوب أيها حقيقة وأيها مجاز فيتفحص عن أحوالهم فاما يصرحون له بنقل الوضع أو يظهر عليه من مزاولة محاوراتهم خواص الحقيقة في البعض وخواص المجاز في الاخر فمن خواص الحقيقة التبادر وعدم صحة السلب ومن خواص المجاز تبادر الغير وصحة السلب ومن العلم بالعرض الخاص يحصل العلم بالمعروض ومعرفة خاصة الشئ من خارج لا يحتاج إلى النقل من الواضع فالمقصود بالذات من إستعلام هذه الخواص تحصيل العلم بالوضع بعنوان الحقيقة لا تحصيل العلم بمطلق الوضع وإن حصل العلم بالوضع في ضمنه أيضا فإن القدر المشترك بين الوضع الحقيقي والمجازي حاصل لذلك الجاهل إنما إشكاله في تعيين الخصوصية فطلب تحصيل العلم بالقدر المشترك تحصيل الحاصل فإن قلت نعم ولكن لا ينفي القول بإثبات اللغة بالعقل فإن اللغة هو اللفظ الذي وضع لمعنى سواء كان بالوضع الشخصي أو النوعي الحقيقي أو المجازي فأيها ثبت بالعقل فيلزم ثبوت اللغة بالعقل والمفروض هنا إثبات المعنى الحقيقي مثلا بالتبادر وهو


[ 196 ]

دليل عقلي مع أن إثبات الوضع للخصوص على ما ذكره المستدل هنا أيضا إثبات للحقيقة لا لمطلق اللغة قلت المراد من عدم ثبوت اللغة بالعقل عدم إمكان الاستدلال عليه من طريق اللم من دون الاستناد إلى وضع الواضع من حيث هو وضع الواضع وأما طريق الان والاستناد إلى وضع الواضع من حيث هو فلا مانع منه فإن التبادر وعدم صحة السلب والنقل المتواتر والآحاد كلها معلولات للوضع ودلالتها انية غاية الامر كون بعضها قطعيا وبعضها ظنيا فلا بد أن يوجه ما ذكروه من أن طريق إثبات اللغة إما تواتر أو آحاد بأن مرادهم أن طريقه إما قطعي أو ظني فخبر الواحد والتبادر والتواتر وعدم صحة السلب والاستقراء يعني كون هذه الهيئة الخاصة مثلا مستعملا في معنى خاص في أكثر الموارد وأمثال ذلك كلها من الظنيات وكلها معلول للوضع وأما خامرية العقل وكون الاقل متيقن المراد وأمثالهما فهي على فرض تسليمها من العلل الموجدة للوضع التي يستدل بوجودها على العلم بوجود الوضع أيضا وهذا هو الممنوع ومثل التبادر واخواته في أدلة الوضع من جملة التوقيفيات قبالا للنقل المتواتر والاحاد مثل إتفاق العلماء الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام وتقرير الكاشف عنه قبالا للاخبار المتواترة والآحاد في الشرعيات فافهم ذلك واضبطه فلنرجع إلى ما كنا فيه فنقول وقد يعارض الدليل على فرض التسليم بأن العمل على العموم أحوط وهو باطل لان ذلك إنما يتم في الواجب فقد يكون التكليف بالاباحة هكذا قيل وأورد عليه بالمنع في الواجب مطلقا أيضا كما في أقتلوا المشركين فإن قتل النفس المحترمة أشد من مخالفة الامر الثاني أنه إشتهر في الالسن حتى صار مثلا أنه مأمن عام إلا وقد خص منه وهو وارد على سبيل المبالغة وإلحاق القليل بالعدم والظاهر يقتضي كونه حقيقة في الاغلب مجازا في الاقل تقليلا للمجاز وأجيب بأن إحتياج خروج البعض عنها إلى التخصيص بمخصص ظاهر في أنها للعموم ويوهن التمسك بمثل هذه الشهرة أقول فيه نظر أما في الاول فلان إحتياج الخروج إلى مخصص عند المستدل ليس لظهور العام في العموم بل لان اللفظ عنده موضوع لبعض ما صدق عليه مفهوم الصيغة من غير تعيين ولما كان ذلك البعض محتملا لكل واحد من الابعاض فالتخصيص إنما يحتاج إليه لبيان المراد من لفظ العام لان العام ظاهر في الجميع حتى يحتاج إرادة البعض إلى المخصص ولعل هذا التوهم نشأ من لفظ وقد خص منه وتعبير المستدل بذلك إنما هو ذهاب على ممشى الخصم وتكلم بإصطلاحه وإلا فحاصل مراد المستدل أن غالب إستعمال الالفاظ التي يدعى عمومها في بعض ما يصلح له اللفظ والغلبة علامة الحقيقة فالتحقيق في الجواب منع كون غلبة الاستعمال دليلا للحقيقة سلمنا لكنه يصير دليلا إذا لم يثبت الدليل على كونها حقيقة في الاقل وقد بينا الادلة وأما في الثاني


[ 197 ]

فلان متمسك المستدل ليس هو نفس الاشتهار بل لان ذلك المطلوب حقيقة له والمثل مطابق للواقع حتى أن ذلك المثل أيضا مخصص في نفس الامر بأن الله بكل شئ عليم وإنما قال وارد على سبيل المبالغة لانه لو كان المراد ظاهره لكان كاذبا باللزوم التخصيص في نفس المثل واحتج القائل بالاشتراك بالاستعمال فيهما وظاهر الاستعمال الحقيقة وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز كما مر مرارا وبأنه لو كانت حقيقة في العموم لعلم اما بالنقل أو بالعقل ولا مجال للعقل والنقل اما تواتر أو آحاد والآحاد لا يفيد اليقين ولو كان متواترا لاستوى الكل وفيه أن التمييز بين الحقيقة والمجاز لا ينحصر في نص الواضع أو النقل عنه صريحا بل قد يعلم بوجود الخواص كما أشرنا والخاصة موجودة فيها وهو التبادر كما بينا مع أنه لا دليل على وجود تحصيل اليقين ولا يلزم إستواء الكل في المتواتر لاختلاف الدواعي والموانع وحجة التوقف عدم ظهور المأخذ وقد عرفته قانون صيغ العموم على القول بوضع اللفظ له كثيرة منها لفظ كل والاظهر أنه حقيقة في العموم وإرادة الهيئة الاجتماعية منه مجاز لتبادر خلافه وهو العموم الافرادي وكذلك لفظ الجميع وما يتصرف منه كأجمع وجمع وجمعاء وأجمعين وتوابعه المشهورة و منها لفظ سائر على إطلاقيه وإن كان أظهر في إرادة الباقي فإنه ظاهر في تمام الباقي ومنها كافة وقاطبة ومن وما الشرطيتان والاستفهاميتان وأما الموصولتان فلا عموم فيهما إلا أن يتضمن معنى الشرطية ويفهم ذلك من الخارج وإلا فالاظهر الحمل على الموصولة ولا عموم إلا أن يجعل من باب إطلاق الجنس كما سيجئ في المفرد المحلى باللام والاظهر الاقوى أن ما حقيقة في غير أولي العلم ودعوى أنه حقيقة في الاعم منه كما ذهب إليه جماعة ممنوعة وكذلك النكرتان الموصوفتان لا عموم فيهما نحو مررت بمن أو بما معجب لك وعن بعضهم إلحاق ما الزمانية مثل إلا ما دمت عليه قائما والمصدرية إذا وصلت بفعل مستقبل مثل يعجبني ما تصنع ومنها أي في الشرط والاستفهام وعن جمهور الاصوليين أنها عامة في أولي العلم وغيرهم إلا أنها ليست للتكرار بخلاف كل فلو قال لوكيله أي رجل دخل المسجد فاعطه درهما اقتصر على إعطاء واحد بخلاف ما لو قال كل رجل فإنه يعطي الجميع فعلى هذا يكون عموم أي عموما بدليا كما في المطلق بخلاف كل ومنها مهما وإذ ما وإيان وأنى ومنها متى وحيث وأين وكيف وإذا الشرطية إذا إتصلت بواحد منها ما واما إذا كانت منفردة فقد يحمل على العموم إذا إقتضاه الحكمة مثل ان وهناك ألفاظ أخر مذكورة في تمهيد القواعد وغيره والمعيار في الكل التبادر (فإن فهم التبادر) فيثبت الحقيقة وإلا فإن إقتضاه الحكمة أيضا فكما عرفت وإلا فلا عموم وسنفرد الكلام في بعضها (للاشكال) والخلاف فيه بالخصوص قانون إختلف أصحابنا بعد إتفاقهم ظاهرا في إفادة الجمع المحلى باللام للعموم


[ 198 ]

في دلالة المفرد المحلى عليه وتنقيح المطلب يستدعي رسم مقدمات الاولى المراد بالمفرد هنا إسم الجنس ولا بد من بيان المراد من الجنس وإسم الجنس والفرق بين إسم الجنس وعلم الجنس (في) ؟ النكرة والمعرف بلام الجنس والجمع وإسم الجمع فاعلم أن المراد من الجنس هو الطبيعة الكلية المقررة في نفس الامر مع قطع النظر عن وضع لفظ له فمفهوم الرجل بمعنى ذات ثبت له الرجولية الذي هو مقابل مفهوم المرئة هو الجنس ولا يعتبر في تحقق مفهومه وحدة ولا كثرة بل ويتحقق مع الواحد وما فوقه والقليل والكثير ولفظ رجل إسم يدل على ذلك الجنس لكنهم إختلفوا في أن المراد بإسم الجنس هو المهية المطلقة لا بشرط شئ فيكون مطابقا للمسمى أوالمهية مع وحدة لا بعينها ويسمى فردا منتشرا والاقوى الاول وذلك لان الاسماء التي يتعاور عليها المعاني المختلفة بسبب تعاور الالفاظ الغير المستقلة عليها كاللام والتنوين والالف والنون وغيرها من التغييرات والمتممات لا بد أن يكون لها مع قطع النظر عنها معنى شخصي وضع اللفظ له كما أنه يحصل لها بسبب لحوق هذه اللواحق أوضاع نوعية مستفادة من إستقراء كلامهم فالقول بثبوت الوضع الشخصي بالنسبة إلى كل واحد من المعاني بملاحظة كل واحد من اللواحق في كل واحد من الاسماء لعله جزاف فيستفاد من ملاحظة تعاور المعاني المختلفة على اللفظ بسبب تعاور الملحقات بحسب المقامات ان هناك مفهوما مشتركا بينهما مع قطع النظر عن اللواحق يوجد منه شئ في الكل ويتفاوت بحسب المقامات وليس ذلك في مثل رجل إلا معنى الماهية لا بشرط لا يقال الاسم لا يخلو عن شئ من اللواحق ولا يجوز إستعمال بدون شئ منها فلم لا تقول بأن رجلا منونا مثلا موضوع لكذا ومعرفا باللام موضوع لكذا وملحقا به الالف والنون لكذا وهكذا فلا يجب فرض الرجل خاليا عن تلك اللواحق حتى يلزم له إثبات معنى ويقال أنه موضوع للجنس والماهية لا بشرط لانا نقول أولا أن مفهوم الرجل لا بشرط مع قطع النظر عن التعيين في الذهن مفهوم مستقل يحتاج إلى لفظ في التفهيم وثانيا أنه ايضا مستعمل في الاسماء المعدودة ولاريب أنه ليس بمهمل بل موضوع وليس له معنى إلا ما ذكرناه وثالثا أن كل اللواحق ليس مما يفيد معنى جديدا ولا يجب أن يؤثر في المعنى تأثيرا فمنشاء التوهم في هذه الاعتراض لزوم إتمام الاسم بأحد المذكورات ويدفعه أن تنوين التمكن أيضا مما يتم به الاسم ولكنه ليس الغرض منه إلا أمرا متعلقا بالاعراب كما في جائني زيد فقولك رجل جائني لا إمرأة إنما يراد به بيان المهية وكذلك أسد علي وفي الحروب نعامة وكيف كان فالظاهر أن لفظ رجل إذا خلا عن اللام والتنوين موضوع للماهية لا بشرط ويؤيده ما نقلنا سابقا عن السكاكي إتفاقهم على كون المصادر


[ 201 ]

الخالية عن اللام والتنوين حقيقة في المهية لا بشرط وعلى هذا فأصل مادة الرجل مع قطع النظر عن اللواحق إسم جنس وموضوع للماهية لا بشرط شئ وإذا دخل التنوين فيصير ظاهرا في فرد من تلك الطبيعة فالمراد به الطبيعة الموجودة في ضمن فرد غير معين ومن هنا غلط من أخذ الوحدة الغير المعينة في تعريف إسم الجنس وادخلها في معناه نظرا إلى أن المقصود من الوضع التركيب لا تفهيم المعنى والاسم لا يستعمل بدون التنوين واللام وغيرهما من المتممات وأنت خبير بان الخاص لا يدل على العام وكونه كذلك في بعض الاحيان لا يستلزمه مطلقا فإن ذلك لا يتم في مثل الرجل خير من المرأة فإن قلت إنما أخذ هذه في تعريف المنكر منه قلت مع أنه ينافي إطلاق القائل لا يتم في مثل المثالين المتقدمين وفي مثل قولك لمن يسئل عن شبح يتردد في كونه رجلا أو إمرأة أنه رجل فإن المراد من التنوين هيهنا ليس الاشارة إلى الفرد الغير المعين بل المراد أنه هذه الماهية لا غيرها وإلى هذا ينظر من قال ان إسم الجنس موضوع للماهية المطلقة فقولنا رجل في جائني رجل نكرة لا إسم جنس ولذا جعلوا النكرة قسيما لاسم الجنس وإلا فالنكارة قد تلاحظ بالنسبة إلى الطبيعة أيضا بحسب ملاحظة حضورها في الذهن وعدمه فرجل في المثال المتقدم نكرة بإعتبار عدم ملاحظة تعين الطبيعة وفي المثال المتأخر بإعتبار ملاحظة عدم تعين الفرد وبالجملة فهنا أربعة أمثلة رجل إذا خلا عن اللام والتنوين وهذا رجل يعني لا إمرأة وجائني رجل أو جئني برجل والرجل خير من المرأة أما الاول فالمراد به الطبيعة لا بشرط بلا ريب ولعل القائل بدخول الوحدة الغير المعينة غفل من هذا لان نظره إلى المركبات لا إلى مثل الاسماء المعدودة لندرة إستعمالها في المحاورات وإلا فلا بد أن يقول بدخول الوحدة فيه أيضا وأما الثاني فهو إسم جنس منكر بمعنى التنكير في أصل الطبيعة مقابل تعيينها في الذهن وأما الثالث فهو نكرة بمعنى أن المراد منه فرد ومن ذلك الجنس اما غير معين أصلا كما في جئني برجل أو عند السامع كما في جائني رجل وعلى قول من يقول بدخول الوحدة الغير المعينة في الجنس فيكون إسم جنس فلا يبقى فرق عند هذا القائل بين إسم الجنس والنكرة ولا يصح له جعل النكرة قسيما لاسم الجنس إذا كان المراد إسم الجنس الغير المعرف وأما الرابع فهو تعيين للطبيعة وإشارة إلى حضورها في الذهن على المختار ومعنى مجازي لاسم الجنس على القول الثاني لعدم إرادة الوحدة والكثرة جزما فقد استعمل في جزء ما وضع له وسيجئ الكلام في باقي أقسام المعرف باللام وحاصل الكلام وتتميم المرام أن رجلا مثلا مع قطع النظر عن اللام والتنوين له وضع والقول بأنه لا بد أن يكون الوضع إما مع التنوين أو اللام أو غيرهما يحتاج إلى دليل فإن لحوق تلك الملحقات في آحاد جميع الالفاظ ليس مسموعا من العرب بل المرخص فيه من العرب إنما هو نوعها ولا ريب أن هذه اللواحق تتعاور على


[ 202 ]

لفظ واحد على مقتضى المقام والقول بثبوت تقديم رخصة بعضها على بعض بأن يقال مثلا رخص العرب اولا في إستعمال اللفظ مع التنوين لافادة الوحدة ثم مع اللام لسلب ذلك وإرادة الماهية ثم مع الالف والنون لسلب ذلك وإرادة التثنية وهكذا جزاف وإعتساف فالقول بأن الجنس المعرف باللام كان أصله منونا ثم عرف باللام أو بالعكس وهكذا قول بلا دليل وترجيح بلا مرجح فلا بد من إثبات شئ خال عن جميع تلك العوارض يتساوى نسبته إلى الجميع فلا بد من القول بأن اللفظ مع قطع النظر عن اللواحق له معنى وإنما يتفاوت المعنى بسبب إلحاق الملحقات بمقتضى حاجة المتكلمين بحسب المقامات ولا ريب أنه إتفقوا في مثل رجل ان هذه الحروف الثلاثة بهذا الترتيب موضوعة للماهية المعهودة وإنما وقع الخلاف في إعتبار حصولها في ضمن فرد غير معين وعدمه والمانع مستظهر والوضع توفيقي مع أن السكاكي نقل إجماع أهل العربية على أن المصادر الخالية عن اللام و التنوين موضوعة للماهية لا بشرط شئ ويبعد الفرق بينها وبين غيرها فحينئذ نقول إسم الجنس عبارة عما دل على الماهية الكلية لا بشرط شئ وهو الاسم الخالي من الملحقات وقد يلحقه تنوين التمكن كما في مثل هذا رجل لا إمرأة ومنه قول الشاعر أسد علي وفي الحروب نعامة وقد يلحقه الاف واللام للاشارة إلى نفس الطبيعة وتعيينه في مثل الرجل خير من المرأة وفي هذه الامثلة التفات إلى جانب الفرد لا واحدا ولا أكثر وأما إذا لحقه التنوين المفيد للوحدة فحينئذ يصير نكرة ولا يقال له حينئذ إسم الجنس فالمراد به فرد من ذلك الجنس وإذا لحقه الالف والنون فيصير تثنية فالمراد به فردان من ذلك الجنس وهكذا الجمع وإذا لحقه الالف واللام فإن أريد بها الاشارة إلى فرد خاص بإعتبار العهد في الخارج فهو المعهود الخارجي وهو إما بإعتبار ذكره سابقا كقوله تعالى فعصى فرعون الرسول والمصباح في زجاجة فيقال له العهد الذكرى أو بإعتبار حضوره كقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم ومنه يا أيها الرجل وهذا الرجل كما يشار بهذه اللام إلى الفرد المعين المعهود فقد يشار بها إلى الصنف المعين من الجنس كما يستفاد ذلك من إرجاع المفرد المحلى باللام إلى الافراد المتعارفة وسنشير إليه وكما يمكن إرادة الفرد المعين من الطبيعة الداخلة عليها اللام بلام العهد هذه فيمكن إرادة احد معنيي المشترك اللفظي أيضا كما هو أحد الاحتمالين في الارجاع إلى الافراد الغالبة كما سنبينه إنشاء الله تعالى وإن اشير بها إلى تعيين الماهية فهي لتعريف الجنس وتعيينه من غير نظر إلى الفرد كما في قولك الرجل خير من المرأة وهو قسمان قسم يصح إرادة الافراد منه لكنه لم يرد كما في المثال المذكور وكما في المعرفات مثل الانسان حيوان ناطق وقسم لا يمكن إرادة الافراد منه كقولك الحيوان جنس والانسان نوع ثم قد يراد بذلك


[ 203 ]

الماهية بإعتبار الوجود يعني يطلق المعرف بلام الجنس ويراد منه فرد ما موجود في الخارج من دون تعيين لمعهوديته في الذهن وكونه جزئيا من جزئياتها مطابقا لها يصح إطلاقها عليه كما في قولك ادخل السوق واشتر اللحم وذلك إنما يكون إذا قام القرينة على عدم جواز إرادة الماهية من حيث هي ولا من حيث وجودها في ضمن جميع الافراد كالدخول فيما نحن فيه وهو في معنى النكرة وإن كان يجري عليه أحكام المعارف وقد يراد بها المهية بإعتبار وجودها في ضمن جميع الافراد كقوله تعالى إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وجعل المعهود الخارجي خارجا عن المعرف بلام الجنس هو المذكور في كلام القوم ووجهه أن معرفة الجنس لا يكفي في تعيين شئ من أفراده بل يحتاج إلى معرفة أخرى وفيه أن الاستغراق وإرادة فرد ما ايضا لا يكفي فيهما معرفة الجنس بل يحتاجان إلى أمر خارج وهو ما يدل على عدم إمكان إرادة الماهية من حيث هي فيهما وعدم إمكان إرادة البعض الغير المعين أيضا في الاستغراق فالاولى أن يجعل المقسم إسم الجنس إذا عرف باللام ويقال اما يقصد باللام محض تعيين الطبيعة والاشارة إليها كما هو أصل موضوع الالف واللام ولم يقصد أزيد منه باصل العدم فيما يحتمل غيره فهو تعريف الجنس واما أن يقصد به الطبيعة بإعتبار الوجود فاما أن يثبت قرينة على إرادة فرد خاص فهو العهد الخارجي وإلا فإن ثبت قرينة على عدم جواز إرادة جميع الافراد فهو للعهد الذهني وإلا فللاستغراق ويبقى الكلام في أمور الاول أنه هل يكفي مجرد المعهودية في الخارج في حمل اللفظ عليه أو يحتاج إلى شئ آخر والثاني أن الحمل على العهد الذهني كيف صار بعد عدم إمكان الحمل على الاستغراق والثالث ما وجه الحمل على الاستغراق إذا لم يعهد شئ في الخارج وهل هو من باب دلالة العقل واللفظ وسيجئ الكلام فيها ثم ان الفرق بين العهد الذهني والنكرة ليس إلا من جهة أن الدلالة على الفرد في العهد بالقرينة وفي النكرة بالوضع والظاهر أنه أيضا يستعمل في كلا معنيي النكرة أعني ما كان من باب جاء رجل من أقصى المدينة ومن باب جئني برجل وأما الفرق بين علم الجنس وإسم الجنس فهو إن علم الجنس قد وضع للماهية المتحدة مع ملاحظة (تعيينها) ؟ وحضورها في الذهن كاسامة فقد تراهم يعاملون معها معاملة المعارف بخلاف إسم الجنس فإن التعيين و التعريف إنما يحصل فيه بالآلة مثل الالف واللام فالعلم يدل عليه بجوهره وإسم الجنس بالآلة وأما الكلي الطبيعي فلا مناسبة بينه وبين إسم الجنس والمناسب له إنما هو نفس الجنس وليس كل جنس يكون كليا طبيعيا فالجنس أعم فإن الكلي الطبيعي معروض لمفهوم الكلي ونفس الكلي جنس فالجنس أعم مطلقا وأما الفرق بين إسم الجنس وإسم الجمع فهو إن إسم الجنس يقع على الواحد وإلاثنين بالوضع بخلاف إسم الجمع الثانية لا إختصاص للجنسية بالمفردات بل قد يحصل في الجمع أيضا لا بمعنى أن المراد من الجمع هو


[ 204 ]

الجنس الموجود في ضمن جماعة كما يقال في النكرة أنه الجنس والطبيعة مع قيد وحدة غير معينة بل بمعنى أن الجماعة أيضا مفهوم كلي حتى أن جماعة الرجال أيضا مفهوم كلي فلك تصوير جميع الصور المتقدمة فيه فيقال لفظ رجال مع قطع النظر عن اللام والتنوين موضوع لما فوق الاثنين وهو يشمل الثلاثة و الاربعة وجميع رجال العالم فقد ينون ويراد به الوحدة أعني جماعة واحدة مثل النكرة الافرادية في المفرد وقد ينون لمحض التمكن ويراد به الماهية بدون ملاحظة التعيين كما في قول الشاعر أقوم آل (حصن) ؟ أم نساء وقد يعرف ويراد به الجنس والماهية مثل والله لا أتزوج الثيبات بل الابكار إذا أراد جنس الجمع وقد يراد به الجمع المعهود إذا كان هناك عهد خارجي وقد يراد به العهد الذهني كقوله تعالى إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا إن قلنا بكون الجملة صفة للمستضعفين بل وقد يثنى ويقال رجالان وقد يجمع كرجاجيل وجمالات إلى غير ذلك وأما التثنية فلا يجري جميع ما ذكر فيه فإن القدر المشترك بين كل واحد من الجموع ومجموعها موجود وهو مفهوم جماعة الرجال بخلاف رجلان فإن مفهوم إثنان من الرجال مشترك بين كل واحد من الاثنينيات بخلاف المجموع فإنه ليس من أفراد إثنين من الرجال ولكن التثنية أيضا قد يراد به النكرة وقد يراد به العهد الخارجي بل العهد الذهني أيضا وقد يراد به الاستغراق فالجنسية تعرض الجمع كما أن الجمعية تعرض الجنس ثم أن الجمع المعرف باللام قد يراد به الجنس بمعنى أن الجمع يعرف بلام الجنس فيسقط عنه إعتبار الجمعية ويبقى إرادة الجنس فحينئذ يجوز إرادة الواحد أيضا عنه وإلى هذا ينظر قولهم في تعريف الحكم بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين حيث نقض بالخواص مثل وجوب صلاة الليل على النبي صلى الله عليه وآله بان المراد جنس الفعل وجنس المكلف ولكنه مجاز لان إنسلاخ معنى الجمعية لا يوجب كون اللفظ حقيقة في المفرد كما صرحوا بأن قولهم فلان يركب الخيل مجاز وبنوا فلان قتلوا فلانا وقد قتله واحد منهم مع أن إنسلاخ الجمعية لا يوجب إنسلاخ العموم فعلى القول بأنه حقيقة في العموم كما هو المشهور والمعروف فيكون حينئذ أيضا مجازا نعم يمكن أن يقال بعد التجوز وإرادة الجنس فلا يكون إرادة الواحد مجازا بالنسبة إلى هذا المعنى المجازي ومثل قوله تعالى الرجال قوامون على النساء يحتمل إنسلاخ الجمعية وجنس الجمع كليهما ولعل الثاني أظهر الثالثة قد علمت أن الالفاظ الموضوعة للمفاهيم الكلية لها وضع شخصي مع قطع النظر عن اللواحق ووضع نوعي بالنظر إلى لحوقها فاعلم أن الوضع النوعي الحاصل بسبب اللواحق قد يكون حقيقيا وقد يكون مجازيا كساير الحقائق والمجازات فيحصل الاشكال هنا في أن المعاني المستفادة بسبب لحوق اللام أو التنوين أو غيرهما أيها حقيقة وأيها مجازا إذ كما


[ 207 ]

ان وضع المجازات نوعي بإعتبار ملاحظة أنواع العلايق فقد يكون وضع الحقايق أيضا نوعيا بإعتبار الضم والتركيب فمعنى تعريف الماهية وتعيينها بسبب لحوق اللام ممالا ينبغي الريب في كونه معنى حقيقيا للمفرد المعرف باللام وأما دلالته على العهد الذهني أو الخارجي أو الاستغراق ففيه إشكال ويظهر من التفتازاني في المطول أن إستعماله في العهد الذهني حقيقة فإنه أطلق وأريد من الجنس وفهم الفرد من القرينة كما في قولك جاء رجل فإن المعنى المستعمل فيه اللفظ هو ما كان الغرض الاصلي من إستعمال اللفظ هو الدلالة عليه والمقصد الاصلي هنا إرادة الجنس لكن فهم إرادة فرد منه بإنضمام قرينة المقام ويلزم من ذلك كونه في الاستغراق أيضا حقيقة إذ هو أيضا من افراد تعريف الجنس وبسبب قيام القرينة على عدم إرادة فرد معين أو غير معين يحمل على بل ويلزم ذلك في العهد الخارجي أيضا على ما بيناه من عدم الفرق وضعف إخراجه عن تعريف الجنس وإدخال صاحبيه فيه ويظهر ذلك من غيره من العلماء أيضا وهذا إنما يتم لو جعلنا إسم الجنس هو المهية لا بشرط وإلا فعلى إعتبار الوحدة الغير المعينة فيه يصير مجازا بسبب التعريف لاسقاط الوحدة عنه وإراده الوحدة الثانية بسبب المقام في العهد الذهني أو الكثرة في الاستغراق إنما هو بقرينة المقام لا بسبب ما كان في أصل الموضوع له وإلا لم يتم في الاستغراق جزما وأنا أقول الظاهر أن المعرف بلام الجنس لا يصح إطلاقه على المذكورات بعنوان الحقيقة لان مدلول المعرف بلام الجنس هو الماهية المعراة عن ملاحظة الافراد مع التعين والحضور في الذهن وذكره وإرادة فرد منه إستعمال اللفظ في غير ما وضع له لا يقال التعرية عن ملاحظة الافراد ليس عبارة عن ملاحظة عدمها ولا منافاه كما يقال هذا رجل لا إمرأة وهو حقيقة جزما لانا نجيب عنه بنظير ما أشرنا إليه في مبحث إستعمال اللفظ المشترك في المعنيين من أن الوضع توقيفي كالاحكام الشرعية وأن اللفظ المشترك موضوع لكل من المعاني في حال الوحدة لا بشرط الوحدة وأنه لا رخصة في إرادة غيره معه ولا ريب أن حال عدم الملاحظة مغاير لحال إعتبار الملاحظة وذكر اللفظ الموضوع لمعنى وإرادة معنى آخر منه غير حمل اللفظ الموضوع لمعنى على معنى آخر مغاير له في الجملة والثاني قد لا يستلزم المجازية كما في قولك هذا رجل فإن المراد هنا صدق رجل على المشار إليه وغايته إفادة إتحاد وجودهما لا كونهما موجودا واحدا كما أشرنا في مفهوم الحصر فقولك زيد الرجل يغاير معنى زيد رجل ولذلك يحمل الاول على المبالغة لان معناه أن زيدا نفس الطبيعة المعينة ومعنى الثاني أنه يصدق عليه أنه رجل إذا عرفت عذا علمت أن القول بكون الاقسام المذكورة من أقسام المعرف بلام الجنس وأنه حقيقة في الكل غير صحيح فلا بد اما من القول بالاشتراك اللفظي أو كونه حقيقة في بعضها ومجازا في الآخر و


[ 208 ]

الذي يترجح في النظر هو كونه حقيقة في تعريف الجنس مجازا في غيره للتبادر في تعريف الجنس فمن يدعي الحقيقة في العهد أو الاستغراق لا بد له من إثبات وضع جديد للهيئة التركيبية أو يقول بإشتراك اللام لفظا في إفادة كل واحد منهما وتعيينها يحتاج إلى القرينة والتبادر وغيره مما سنذكر سيما أصالة عدم إرادة الفرد يرجح ما ذكرنا وعلى ما ذكرنا من التقرير في الجمع مطابقا للمفرد لا بد أن يقال أنه أيضا حقيقة في الجنس إذا عرف باللام لكن الغالب في إستعماله الاستغراق فلعله وضع جديد للهيئة التركيبية وسنحققه إنشاء الله تعالى وبقي الكلام في النكرة وأنه حقيقة في أي شئ فقولنا رجل جائني لا إمرئة وجائني رجل وجئني برجل ونحو ذلك أيها (نكرة) حقيقة وأيها مجاز أم مشترك بينهما لفظا أو معنى ويظهر الثمرة في الخالي عن القرينة كقولنا رجل جائني فيحتمل إرادة واحد من الجنس لا إثنين كما هو معنى النكرة المصطلحة المجعولة قسيما لاسم الجنس ويحتمل إرادة نفس الماهية بدون إعتبار حضورها في الذهن والظاهر أنه حقيقة في النكرة المصطلحة فإطلاقها على إسم الجنس المنكر يكون مجازا يحتمل كونها حقيقة في الاعم تنبيه. إعلم أن الاستعمال الكلي في الفرد يتصور على وجوه لا بد من معرفتها ومعرفة ان أيها حقيقة وأيها مجاز منها حمل الكلي على الفرد صريحا مثل أن يقال زيد إنسان فالانسان قد حمل على زيد ولكن لم يستعمل في زيد بل استعمل في مفهومه الكلي الذي زيد احد أفراده وتوينه تنوينه التمكن لا التنكير لا يقال أن الحمل يقتضي الاتحاد فإذا كان المراد بالانسان هو المفهوم الكلي فيلزم أن يكون الانسان منحصرا في زيد لانا نقول الاتحاد الحملي لا يقتضي إلا إتحاده مع الموضوع في الوجود ولا يقتضي كونهما موجودا واحدا وإلا لبطل قولهم الاعم ما يصدق على الاخص صدقا كليا دون العكس فالحاصل إن زيدا والانسان موجودان بوجود واحد وإن أمكن أن يوجد الانسان مع عمرو أيضا بوجود واحد وهكذا ولو أريد كونهما موجودا واحدا فلا ريب أنه لا يصح إلا على سبيل المبالغة وهذا هو مأل قولهم إن الانسان حمل على زيد مع الخصوصية يعني أن زيدا لا غير إنسان ويلزمه كونهما موجودا واحدا وبهذا الوجه يستفاد الحصر في مثل قولهم زيد الشجاع على أحد الوجوه وحينئذ فلا مجاز في اللفظ أصلا بل المجاز إنما هو في الاسناد وهو خارج عما نحن فيه ومن هذا يعلم حال قولنا زيد الانسان معرفا باللام وإن إسناده مجازي فالاولى أن يخرج هذا من أقسام إطلاق الكلي على الفرد ومنها أن يطلق الكلي و يراد به الفرد وهذا يتصور على أقسام مثل جائني رجل وجئني برجل وهذا الرجل فعل كذا فلو أريد إتحاد المفهوم مع الفرد في كل منها بأن يكون المراد جائني شخص هو الرجل لا غير بأن يكون مع الفرد موجودا واحدا ويكون هو هو فلا ريب أنه مجاز في الجميع وهذا معنى قولهم إذا اطلق العام على الخاص مع قيد


[ 209 ]

الخصوصية فهو مجاز وإن أريد كونهما موجودين بوجود واحد فهو حقيقة لكن فهم ذلك يحتاج إلى لطف قريحة وبيانه انا قد حققنا لك أن اللفظ الموضوع للكلي وهو الجنس أعني الشامل للقليل و الكثير المنشان بالشؤن المختلفة هو مادة اللفظ المفرد بدون اللام والتنوين أو إذا دخله تنوين التمكن أيضا في بعض الصور وأما فيما دخله تنوين التنكير فلا ريب أنه يحصل له معنى بوضع نوعي هو معنى النكرة كسائر التصرفات الاخر الموجبة لتنويع الاوضاع كالتثنية والجمع وغيرهما ففي قولنا جاء رجل أريد شخص معين في الخارج عند المتكلم غير معين عند المخاطب ومعناه حينئذ في ظرف التحليل جاء شخص متصف بأنه رجل فيستلزم تلك النسبة التقييدية المستفادة من المادة والتنوين نسبة خبرية وهو قولنا هو رجل بالحمل المتعارفي والكلام فيه هو الكلام في زيد إنسان كما مر ولا مجاز في أطرافه ولا في نسبته كما بيناه ولو أريد جاء شخص هو لا غير رجل فيستلزم المجاز في اللفظ بظاهر الاطلاق فإن الحبيب النجار لا غير مثلا معنى مجازي للفظ المركب من رج ل فإن قلت إرادة الخصوصية من الفرد لا يستلزم إنحصار الكلي في الفرد بل معناه أن هذا الشخص مع الخصوصية رجل فاستعمل اللفظ الموضوع للجزء في الكل بطريق الحمل المتعارفي وهو لا ينافي تحقق الرجل في غير هذا الشخص أيضا والحاصل أن اللفظ هنا استعمل في الفرد مع قيد الخصوصية وأطلق عليه والمفروض أنه لم يوضع إلا للماهية فإستعماله في الماهية والتشخص إستعماله في غير ما وضع له وهو مجاز وذلك لا يستلزم الحصر فما معنى قولك لا غير في هذا المقام قلت هذا كلام ناش عن الغفلة عن فهم الحقيقة والمجاز وتحقيق المقام أن الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضع له المستلزمة في طرف التحليل للحمل الذاتي فإنا إذا سمعنا أن العرب وضع لفظ الاسد لنوع من الحيوان واشتبه علينا هذا النوع فإذا وصف لنا هذا الحيوان وتميز من بين الحيوانات وقيل لنا هذا الاسد فلا ريب أن هذا حمل ذاتي وأن المجاز أيضا هو إستعمال اللفظ الموضوع لمعنى في معنى آخر بأن يعيد أن هذا ذاك بعنوان الحمل الذاتي لا الحمل التعارفي فإن أسدا في قولنا رأيت أسدا يرمي لم يستعمل إلا في الرجل الشجاع ولم يستعمل في زيد مثلا نعم استعمل الرجل الشجاع الذي أريد من هذا اللفظ في زيد على نهج يتضمن الحمل المتعارفي إذ النسبة إنما وقع بين مفهوم الاسد ومفهوم الرجل الشجاع بمعنى أن زيدا نسبة من جهة أنه رجل شجاع بالحيوان المفترس لا من حيث الخصوصية واستعير لفظ الاسد الموضوع له لزيد من حيث أنه رجل شجاع لا من حيث الخصوصية فلفظ أسد في هذا التركيب مجاز من حيث أنه أريد منه الرجل الشجاع وحقيقة من حيث إطلاقه على فرد منه فإطلاق أسد على زيد له جهتان من إحديهما مجاز وهو إطلاق عليه من حيث أنه رجل شجاع ومن الاخرى حقيقة وهو


[ 210 ]

إطلاقه عليه من حيث أنه فرد من أفراد الرجل الشجاع وهذا الاخير بعد جعل الاسد عبارة عن الرجل الشجاع ففي هذا المثال لم يوجد الحمل المتعارف في المعنى الحقيقي بالنسبة إلى زيد من حيث أنه رجل شجاع بل حمله ذاتي فإن الرجل الشجاع ليس من أفراد المعنى الحقيقي إلا على مذهب السكاكي من باب الادعاء حتى يمكن أن يقال حمل الاسد عليه لا يفيد إنحصار افراده فيه فظهر أن إطلاق المعنى الحقيقي على المعنى المجازي ليس إلا من باب الحمل الذاتي فإذا كان من باب الحمل الذاتي فهو يفيد كونهما موجودا واحدا إدعاء وهذا معنى إنحصار المحمول في الموضوع وإنحصار المستعمل في المستعمل فيه وإذا عرفت هذا في الاستعارة يظهر لك الحال في غيرها من أنواع المجاز فإن قولنا عينا الغيث اطلق فيه الغيث على النبات بعنوان الحمل الذاتي إدعاء يعني أن النبات غيث لا بمعنى أنه فرد من أفراد الغيث الحقيقي بل هو هو نعم لما أريد منه النبات الخاص الذي رعوه فإطلاق الغيث بعد جعله بمعنى النبات على الفرد حقيقة من باب اطلاق الكلي على الفرد بالحمل المتعارفي ولا منافاة بين كون اللفظ مجازا في معنى وحقيقة في حمله على بعض أفراد ذلك المعنى المجازي من جهة إطلاق الكلي على الفرد إذا تحقق لك هذا فاعلم أن إستعمال العام في الخاص يعني الكلي في الفرد إن كان من باب الحمل المتعارفي بأن كان المراد بيان إتحاد العام مع الخاص في الوجود لا كونهما موجودا واحدا وبعبارة أخرى اطلق العام على الفرد باعتبار الحصة الموجودة فيه فهو حقيقة كما بينا لان المجاز لا بد فيه من الحمل الذاتي وأما إذا أريد الخاص بشرط الخصوصية ومع إعتبار القيد فلا يمكن فيه الحمل المتعارفي إذ لا وجود للانسان بهذا المعنى في فرد آخر لاستحالة تحقق الخصوصية في موارد متعددة ضرورة وإمكان صدقه على عمرو بالحمل المتعارفي في إنما هو بإنسلاخ الخصوصية ومع الانسلاخ فهو معنى آخر هو الموضوع له لا هذا المعنى والمراد من الحمل المتعارفي حمل المشترك المعنوي على أفراده لا من قبيل حمل المشترك اللفظي على معانيه أو حمل المعنى الحقيقي والمجازي على معنييه ومن التأمل في جميع ما ذكرنا ظهر لك أن قولنا أن العام إذا اطلق على الخصوص بإعتبار الخصوصية معناه إدعاء كون العام منحصرا في الخاص وغفلة المعترض هنا تدعوه إلى أن يقول لا نسلم ذلك فإن إرادة الخصوصية هنا لا تمنع إستعماله في خصوصية أخرى فلا يفيد الحصر وقد عرفت بطلانه فإن ما يستعمل في غير هذه الخصوصية ليس هذا المعنى بل هو المعنى الحقيقي والخصوصية عنه منسلخة بالمرة حتى يصح إستعماله في الخصوصيات المتعددة وكلامنا في هذا المعنى المجازي فظهر بطلان قوله وهو لا ينافي تحقق هذا الرجل في غير هذا الشخص وعلى هذا فمدخول اللام الذي يفيد العهد الخارجي حقيقة في المشار إليه مثل هذا الرجل خير من هذه المرئة ونحو ذلك وذلك لان اللام للاشارة إلى شئ يتصف بمدخولها اما إتصافا


[ 211 ]

يستلزم الحمل الذاتي كما في تعريف الحقيقة أو الحمل المتعارفي كالعهد الخارجي وأيا ما كان فلفظ المدخول مستعمل في معناه الحقيقي ولا ينافي ذلك كون المعرف باللام حقيقة في تعريف الجنس مجازا في العهد الخارجي كما حققناه مع أن الكلام في كون لفظ الكلي حقيقة في الفرد أو مجازا ولفظ الكلي هو مدخول اللام فلا مدخلية في تحقق هذا الاطلاق للام وغيرها من العوارض فإن أشير باللام إلى الفرد كما في العهد الخارجي فيتضح المقصود وأما إذا أشير إلى تعيين الجنس فلا بد أن يراد من مدخوله نفس الطبيعة المعراة عن الفرد فما إشتهر بينهم من أن الفرد المحلى بلام الجنس إذا استعمل في إرادة فرد ما ويقال له المعهود الذهني فهو حقيقة غير واضح لان معيار كلامهم في ذلك هو أنه من باب إطلاق الكلي على الفرد وهو حقيقة ولا ريب أن المعرف بلام الجنس معناه الماهية المتحدة المتعينة في الذهن المعراة عن ملاحظة الافراد عموما وخصوصا وإطلاقه وإرادة الماهية بإعتبار الوجود خلاف المعنى الحقيقي فإن قلت أن الماهية المعراة عن ملاحظة الافراد لا تستلزم ملاحظة عدمها قلت نعم لكنها تنافي إعتبار وجود الافراد وإن لم تنافي تحققها في ضمن الافراد الموجودة مع أنه لا مدخلية للام في دلالة لفظ الكلي على فرده فيصير اللام ملغاة فإن اللفظ الموضوع الكلي من حيث هو كلي مدخول اللام لا المعرف باللام مضافا إلى أنه لا معنى لوجود الكلي في ضمن فرد ما لانه لا وجود له إلا في ضمن فرد معين مع أن المعرف باللام قد وضع للماهية المعراة في حال عدم ملاحظة الافراد ولذلك مثلوا له بقولهم الرجل خير من المرئة ورخصة إستعمالها في حال ملاحظة الافراد لم تثبت من الواضع كالمشترك في أكثر من معنى لا يقال يرد هذا في أصل المادة بتقريب أنها أيضا موضوعة للماهية في حال عدم ملاحظة الافراد لانا نقول أن إستعمالها على هذا الوجه أيضا مجاز وما ذكرناه من كونها حقيقة إنما كان من جهة الحمل لا من جهة الاطلاق وهو غير متصور فيما نحن فيه لعدم صحة حمل الطبيعة على فرد ما والحاصل ان وجود الكلي واتحاده مع الفرد انما يصح في الفرد الموجود الذي هو مصداق فرد ما لا مفهوم فرد ما والمطلوب هنا من المعرف بلام الجنس هو مفهوم فرد ما ومفهوم فرد ما لا وجود له حتى يتحقق الطبيعة في ضمنه وبالجملة مقتضى ما ذكروه أن المراد بالمعرف باللام إذا أطلق وأريد منه العهد الذهني هو الطبيعة بشرط وجودها في ضمن فرد ما لا حال وجودها في الاعيان الخارجية ولا معنى محصل لذلك إلا إرادة مفهوم فرد ما من الطبيعة من اللفظ ولا شبهة أن مفهوم فرد ما مغاير للطبيعة المطلقة ولا وجود له نعم مصداق فرد ما يتحد معها في الوجود وليس بمراد جزما فهذا من باب إشتباه العارض بالمعروض فإن قلت هذا بعينه يرد على قولك جئني برجل فإنه أريد منه الماهية بشرط الوجود في ضمن فرد ما يعني مصداق فرد ما


[ 212 ]

لا مفهوم فرد ما فلم قلت هنا أنها حقيقة ولم تقل فيما نحن فيه قلت كونه حقيقة من جهة إرادة النكرة الملحوظة في مقابل إسم الجنس وله وضع نوعي من جهة التركيب مع التنوين ونفس معناه فرد ما و هو أيضا كلي وطلبه يرجع إلى طلب الكلي لا طلب الفرد ولا طلب الكلي في ضمن الفرد فالمطلوب منه فرد ما من الرجل لا طبيعة الرجل الحاصلة في ضمن فرد ما إلا أن الاتيان بالكلي يتوقف على الاتيان بمصداق فرد ما وهو فرد معين في الخارج بتعيين المخاطب فلو أردت من قولك جئني برجل جئني بالطبيعة الموجودة في ضمن الفرد فهو مجاز أيضا لعدم الوجود بالفعل اللازم لصحة الاطلاق بالفعل بخلاف هذا الرجل مشيرا إلى الطبيعة الموجودة بالفعل في ضمن فرد وأما مثل جاء رجل فإن أريد منه النكرة فهو بعينه مثل هذا الرجل لانه أطلق على الطبيعة الموجودة فإن الرجل الجاني هو مصداق فرد ما لا مفهومه وطبيعة فرد ما موجودة في ضمنه وإن أريد منه إسم الجنس فيصح أيضا حقيقة لاطلاقه على الطبيعة الموجودة ومع هذا كله فالعجب من هؤلاء أنهم أخرجوا العهد الخارجي عن حقيقة الجنس وهو أولى بالدخول ولعلهم توهموا أن هيهنا لما أطلق وأريد الفرد بخصوصه فهو مجاز وهو توهم فاسد لان هذا ليس معنى إرادة الخصوصية كما بينا فإن قولنا هذا الرجل أيضا من باب العهد الخارجي الحضوري ولا ريب أن المشار إليه هو الماهية الموجودة في الفرد لا أن المراد أن المشار إليه هو هذا الكلي لا غير حتى يكون مجازا وظني أن توهم القول بكون المعرف بلام الجنس حقيقة في العهد الذهني إنما نشأ من أنهم لما رأوا الاحكام المتعلقة بالطبائع على أنواع منها ما يفيد حكما للماهية من حسن أو قبح أو حل أو حرمة ونحو ذلك مثل البيع حلال والربا حرام والصلاة واجبة والصوم جنة من النار (والخمر كذا) والخنزير كذا واللحم كذا وأمثال ذلك مما لا يحتاج إلى تصور معناه ولا تحققه إلى ملاحظة فرد ومنها ما يفيد طلب تحصيل (الهيئة) ؟ مثل صم وصل واشتر اللحم وجئني باللحم وغير ذلك وفي هذه الامثلة يدل الامر على إيجاد الماهية في ضمن الفرد والاتيان بفرد منها دلالة طبعية غير مقصودة بالذات من باب المقدمة وهذا لا يسمى مدولا حقيقيا للفظ فالمقصود بالذات من قول القائل إشتر اللحم طلب نقل طبيعة اللحم لا بشرط إلى المشتري من دون إلتفات إلى فرد ولكن يلزمه وجوب كون فرد ما مطلوبا بالتبع وهو عين المعرف بلام الجنس ولم يرد من اللفظ فرد ما مطلقا فظنوا أن هذا المعنى التبعي هو مدلول اللفظ فإن قلت إن مراد هؤلاء أيضا هو ما ذكرت لا غير قلت ليس كذلك بل صرحوا بأن المعرف باللام مستعمل في فرد ما لا ان العقل يحكم تبعا بوجوب إيجاد فرد ما وإن شئت لاحظ كلام التفتازانى في المطول وقد (ياتي) ؟ المعرف بلام الحقيقة لواحد من الافراد بإعتبار عهديته


[ 213 ]

في الذهن لمطابقة ذلك الواحد الحقيقة يعني يطلق المعرف بلام الحقيقة الذي موضوع للحقيقة المتحدة في الذهن على فرد موجود بإعتبار كونه معهودا في الذهن وجزئيا من جزئيات تلك الحقيقة مطابقا إياها كما يطلق الكلي الطبيعي على كل من جزئياته إلى آخر ما ذكره وصرح في موضع آخر بأنه إنما أطلق على الفرد الموجود منها بإعتبار أن الحقيقة موجودة فيه وفي موضع آخر والحاصل ان إسم الجنس المعرف باللام إما أن يطلق على نفس الحقيقة من غير نظر إلى ما صدقت الحقيقة عليه من الافراد وهو تعريف الجنس والحقيقة ونحوه علم الجنس كأسامة وأما على حصة غير معينة وهو العهد الذهني ومثله النكرة كرجل وإما على كل الافراد وهو الاستغراق ومثله كل مضافا إلى نكرة وقد صرح بذلك في مواضع أخر ثم قال في آخر كلامه فإن قلت المعرف بلام الحقيقة وعلم الجنس إذا أطلقا على واحد كما في أدخل السوق ورأيت أسامة مقبلة أحقيقة هو أم مجاز قلت بل حقيقة إذ لم يستعمل إلا فيما وضع له إلى أن قال و سيتضح هذا في بحث الاستعارة وحاصل ما ذكره هنا أن لفظ الاسد لم يوضع للرجل الشجاع ولا لمعنى عام يشمل الرجل الشجاع والحيوان المفترس كالحيوان المجتري وإلا لكان إستعمال الاسد في الرجل الشجاع في قولنا رايت أسدا يرمي حقيقة لا مجازا لغويا نقل هذا عن الجمهور واستشهد بذلك على أن إستعمال العام في الخاص حقيقة كما إذا رأيت زيدا فقلت رأيت إنسانا أو رجلا فلفظ إنسان ورجل لم يستعمل إلا فيما وضع له لكنه قد وقع في الخارج على زيد وكذا إذا قال القائل أكرمت زيدا و أطعمته وكسوته فقلت نعم ما فعلت ثم قال وقد سبق في بحث التعريف باللام إشارة إلى تحقيقه وهذا كله كما ترى يشهد بأنه أراد أن المعرف بلام الجنس إذا أطلق على فرد ما يكون حقيقة والحاصل أني أقول لو أريد من المعرف بلام الجنس فرد ما بل الطبيعة التي توجد في ضمن فرد ما فهو مجاز وهم يقولون إنه حقيقة (فتصير بعين) ؟ الاعتبار وانظر إلى ما قيل لا إلى من قال لا يقال كيف تجترى على مخالفة أئمة الفن في ذلك (واحدا) ؟ من مباحث الالفاظ لانا نقول هذا الكلام مبني على إجتهادهم في فهم إطلاق الكلي على الفرد وليس ذلك أمرا مقصورا على النقل بل فيه للفكر والاجتهاد مدخلية فتفكر وتدبر مع أن الفاضل الحلبي نقل الاعتراض على دعوى الحقيقة فالقول به أيضا غير عزيز مضافا إلى ما يظهر من غيره أيضا والحاصل أنهم إن أرادوا أن مثل أدخل السوق واشتر اللحم أو نحو إن الانسان لفي خسر لتعريف الجنس ولكن العقل يحكم بسبب المقام إن إتيان فرد ما مطلوب بالتبع وهو حقيقة من جهة أنه مستعمل في نفس الموضوع له وهو الجنس فنعم الوفاق لكنه غير موافق للكلمات المتقدمة فإنها صريحة في الاطلاق على الفرد وما يتوهم من الفرق بين الاطلاق والاستعمال بأن الاطلاق


[ 214 ]

يطلق على ما هو غير مقصود بالذات بخلاف الاستعمال فهو كلام يرجع حاصله إلى ما ذكرناه من الدلالة التبعية فلا ريب أن رجل في قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة ليس من هذا القبيل وكذلك رأيت أسدا ورجلا ونحو ذلك فكيف يحول تحقيق المقام على ما يذكره في باب الاستعارة وإن أرادوا أنه أطلق وأريد منه فرد ما أو جميع الافراد وهو حقيقة لوجود الكلي في ضمنها مثل رأيت إنسانا وجاء رجل فهو مجاز لا حقيقة لاستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما بينا فغاية الامر أن وجود الكلي في ضمن الفرد (علامة) ؟ للمجاز وكذا مناسبة الكلي لفرد ما علاقة له بقي الكلام في بيان مطلب من قال أن صيغة إفعل حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب الراجح لانه قد استعمل فيهما فلو كان حقيقة في احدهما أو كليهما لزم المجاز والاشتراك فهو للقدر المشترك وما أجيب عن ذلك بانه يلزم على هذا تعدد المجاز لو استعمل في كل منهما لان إستعمال ما هو موضوع للكلي في الفرد مجاز وما رد به من أن ذلك إذا أريد الفرد مع قيد الخصوصية لا مطلقا فإنه لا يخلو عن إشكال وإغلاق وذلك لان صيغة إفعل مشتملة على مادة وهيئة ووضعها بالنسبه إلى المادة عام والموضوع له عام واما بالنسبة إلى الهيئة فهي متضمنة لاسنادين أحدهما إسناد الفعل إلى المتكلم من حيث الطلب والثاني إسناده إلى المخاطب من حيث قيام الفعل به وصدوره عنه ووضعها بالنسبة إليهما وضع حرفي والمتصف بالوجوب و الندب والرجحان هو النسبة الطلبية الصادرة عن المتكلم فعلى هذا فالموضوع له كل واحد من الجزئيات على التحقيق في وضع الحروف فإذا استعمل الصيغة في الموارد الخاصة فهي مستعملة بنفسها فيما وضع له لا أنها من قبيل إستعمال العام في فرده بل هو إستعمال اللفظ الموضوع بإعتبار معنى عام للجزئيات الخاصة في تلك الحزئيات فكما أن كل طلب خاص من كل متكلم خاص وإنتساب الفعل إلى كل مخاطب خاص نفس الموضوع له للصيغة وإستعمال الصيغة فيها حقيقة مثل أن زيدا إذا قال لعمرو اضرب أو بكر قال لخالد اضرب وهكذا فكل منهما مستعمل فيما وضع له فكذلك الكيفية الطارية للنسبة في هذه المواضع من الوجوب والندب أو الطلب الراجح أيضا راجعة إلى نفس ما وضع له فلا يصح القول بأن ذلك إستعمال للعام في الخاص حتى يتفرع عليه الجواب المذكور أيضا فعلى هذا القول إن قلنا بأن الصيغة موضوعة لجزئيات الطلب الحتمي الايجابي بعد تصور ذلك المفهوم الكلي حين الوضع وجعله آلة لملاحظة الموضوع له فإذا استعمل في مورد خاص لافادة الايجاب مثل أن يقول زيد لعبده إفعل كذا فهو مستعمل في نفس ما وضع له وهكذا في الندب وكذا الطلب الراجح ولا فرق فالمستدل في هذا المقام إن أراد أن الملحوظ حين الوضع هو الطلب الراجح بمعنى عدم ملاحظة الوجوب والاستحباب


[ 215 ]

والغفلة عن وجه الرجحان وكيفيته فيكون أفراده حينئذ أيضا الطلبيات الراجحة الصادرة عن خصوصيات المتكلمين بدون قصد ندب وإيجاب فإن هذا ممكن بالنظر إلى الطلب وإن كان (المطلوب) ؟ لا يخلو في نفس الامر عن أحدهما فلا يخفى أن الافراد حينئذ إنما تتشخص وتتميز بتميز المتكلمين والمخاطبين لا بتفاوت الطلب وملاحظة الوجوب والندب فلو استعمل حينئذ في الوجوب أو الندب فيكون مجازا وإن أراد القدر المشترك المنتزع من الوجوب والندب بمعنى الامر الدائر بين الامرين فحينئذ يصح كلام المستدل من أنه حقيقة فيهما على المختار في الموضوع له ويظهر بطلان كلام المجيب ولعل المستدل أراد ذلك نعم لو فرض حينئذ إستعمال الصيغة في القدر المشترك بين الامرين بالمعنى الاول أعني الطلب الراجح الخالي من ملاحظة الوجوب والندب وعدم الالتفات إليهما أصلا فيكون مجازا كما يلزم هذا لو قيل بوضعها للوجوب فقط أو للندب فقط أيضا فعليك بالتأمل في موارد إطلاق الكلي وتمييز أنواعها وأقسامها حتى لا يختلط عليك الامر هدانا الله وإياك إلى صراط مستقيم الرابعة مقتضى ما ذكرنا من التقرير في الجمع أولا أن يكون عموم الجمع بالنسبة إلى الجماعات كالمفرد بالنسبة إلى الافراد فإن جنس الجماعة إذا عرف بلام الجنس وأريد منه الاستغراق لا بد أن يراد منه إستغراق لجميع ما يصدق عليه مدخوله فيكون عمومه يشمل الجماعات فيكون معنى جائني الرجال جائني كل جماعة من جموع الرجال وأورد عليه بأن ذلك يستلزم جواز صحته إذا لم يجئه رجل أو رجلان ورد بأن رجلا أو رجلين إذا إنضم إلى غيرهما ممن جاؤا أو بعضهم يصير أيضا جمعا آخر فلم يصدق مجئ كل جمع من الجموع والمراد ثبوت الحكم لآحاد كل جمع لا مجموع كل جمع حتى لا ينافي خروج الواحد والاثنين فلا يصح جائني جمع من الرجال بإعتبار مجئ فرد أو فردين وأورد عليه أيضا بأن إرادة ذلك تستلزم تكرارا في مفهوم الجمع المستغرق لان الثلاثة مثلا جماعة فتندرج فيه بنفسها وجزء من الاربعة والخمسة وما فوقهما فتندرج فيه أيضا في ضمنها بل نقول الكل من حيث هو كل جماعة فيكون معتبرا في الجمع المستغرق وما عداه من الجماعات مندرجة فيه فلو اعتبر كل واحد واحد منها أيضا لكان تكرارا محضا ولذلك ترى الائمة يفسرون الجمع المستغرق اما بكل فرد فرد وإما بالمجموع من حيث المجموع وأورد عليه أولا بالنقض بقوله تعالى كل جزب بما لديهم فرحون وكلما دخلت أمة لعنت أختها ونحو ذلك وفيه أن الحزب والامة في الايات قد أعتبرت منفردة منفردة ولم يعتبر فيه للاحزاب المتداخلة بإعتبار مفهوم الجزئية حكم عليحدة وهكذا في الامة فاليهود أمة والنصارى أمة والمجوس أمة وإن كان يصدق على كل واحد من أصناف اليهود أمة أيضا وهكذا غيرهم وثانيا بالحل وهو أنه إن أريد بالتكرار ان من يحكم


[ 216 ]

باكرام العلماء لا بد أن يلاحظ الحكم للثلاثة مرارا متعددة فهو باطل جزما وإن أريد أنه لا بد أن يكون الحكم ثابتا له في نفس الامر مرارا متعددة بحسب مقتضى اللفظ مع أنه ليس كذلك فهو أيضا ممنوع وإن أريد أن (لنا ان) نعتبر دخول الثلاثة في الحكم بإعتبارات فلا يضر على أنه يجوز أن يشترط حينئذ عدم تداخل الجماعات واجزائها لئلا يلزم التكرار المذكور فإعتبار العموم بالنسبة إلى كل فرد فردا إنما يكون مع إبطال الجمعية وإعتباره بالنسبة إلى كل واحد من الجموع مع بقائه على حالته الاصلية من إعتبار الجمعية والظاهر أنه أيضا يفيد عموم الافراد ضمنا وأما إعتباره بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع فلا يفيد ذلك فيصح أن يقال للرجال عندي درهم على هذا إذا كان الكل مشتركا في إستحقاق درهم واحد لا يثبت به لكل واحد منهم درهم إذا تمهد هذه فنقول اما الجمع المعرف باللام فالظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا في إفادته العموم ولا يضر في ذلك ما ذكرنا من جواز إرادة الجنس والعهد وغيره بل الظاهر ان المتبادر هو العموم الافرادي لا الجمعي ولا المجموعي فينسلخ منه معنى الجمعية فالظاهر أن هذا وضع مستقل للهيئة التركيبية عليحدة وصار ذلك سببا لهجر المعنى الذي كان يقتضيه لاصل المقرر في المقدمات من إرادة جنس الجمع على طريق المفرد المحلي وكيف كان فالدليل قائم على كونه حقيقة في العموم فيكون في غيره مجازا والدليل الاتفاق ظاهرا والتبادر وجواز الاستثناء مطرد لا يقال لعل جواز الاستثناء لاحتمال إرادة العموم وذلك لا يفيد إرادة العموم عند المتكلم لانا نقول المراد من جواز الاستثناء جوازه بالنظر إلى ظاهر اللفظ مطلقا في كل مقام لم يقم قرينة على خلافه لا الجواز العقلي بسبب إمكان أن يكون موردا للاستثناء كما لا يخفى و أما دلالة جواز الاستثناء مطردا على العموم فقد مر وكذلك الجمع المضاف عند جمهور الاصوليين ومن فروع المسئلتين ما لو أوصى للفقراء أو فقراء البلد فإن كانوا محصورين صرف إليهم جميعا مع الامكان وإلا فيصرف إلى ثلاثة فصاعدا لان المقام قرينة عدم إرادة الحقيقة وأما المفرد المعرف باللام فقيل بإفادته العموم وقيل بعدمه وطريقة تقسيمهم الجنس المعرف باللام إلى أقسامه تقتضي القول بكونه حقيقة في الجميع لكن لا على سبيل الاشتراك بل من باب إستعمال الكلي في الافراد كما أشرنا إليه وقد يستشم من بعضهم القول بالاشتراك اللفظي وأما القائل بإفادته العموم فمذهبه أنه حقيقة في الاستغراق ولعله يدعي وضع الهيئة التركيبية للاستغراق والاظهر عندي كونه حقيقة في الجنس للتبادر في الخالي عن قرينة العهد والاستغراق ولان المدخول موضوع للماهية لا بشرط إذا خلا عن التنوين و اللام واللام موضوع للاشارة والتعيين لا غير فمن يدعي الزيادة فعليه بالاثبات وحاصل هذا


[ 217 ]

الاستدلال يرجع إلى إعتبار الوضع الافرادي في كل واحد من اللام والمدخول والرخصة النوعية في مجرد التركيب مع قطع النظر عن خصوصيات التراكيب فلا يرد أن هذا إثبات اللغة بالترجيح إلا أنه يمكن أن يقال بعد الرخصة النوعية الحاصلة في أنواع الاشارة إحتمال إرادة المتكلم بالنسبة إلى الكل مساو فلا يجري أصل العدم في واحد منها والكلام في أن مدخول اللام حقيقة في الطبيعة لا بشرط والاصل الحقيقة لا يثبت الحقيقة في الهيئة التركيبية فالاولى التمسك بالتبادر نعم يمكن الاستدلال هكذا في مقابل من يعترف بكون تعريف الجنس معنى له إما متوحدا أو بكونه أحد المعاني المشترك فيها اللفظ إلزاما بأن يقال كونه حقيقة فيه إتفاقي والاصل عدم غيره والمجاز خير من الاشتراك ويبقى الكلام مع من يدعي كونه حقيقة في الاستغراق وسنبطله إنشاء الله تعالى ويدل عليه أيضا عدم إطراد الاستثناء بمعنى أنه لا يصح في العرف في كل موضع وإن لم يوجد هنا قرينة إرادة خلاف العموم أيضا لقبح جائني الرجل إلا البصري وأكرم الرجل إلا السفهاء وأما الاستدلال بجواز أكلت الخبز وشربت الماء وعدم جواز جائني الرجل كلهم فضعيف لان عدم إمكان أكل جميع الاخباز وشرب جميع المياه قرينة على عدم العموم وعدم جواز التأكيد بما يؤكد به العام لعله مراعاة للمناسبة اللفظية واحتجوا بما حكاه بعضهم عن الاخفش أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر وأجيب عنه بأنه لا يدل على العموم لان مدلول العام كل فرد ومدلول الجمع مجموع الافراد وفيه ما فيه لما عرفت من أن عموم الجمع أيضا إفرادي وبقوله تعالى إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وفيه أن ما يدل على كون اللفظ للعموم إطراد الاستثناء في جميع ما يحتمل اللفظ للعموم وغيره على السوية لا مطلق جواز الاستثناء والاستثناء هنا قرينة على إستعمال اللفظ في الاستغراق مجازا ومن ذلك يظهر التحقيق في الجواب عن الاول أيضا فإن التوصيف بالعام قرينة على إرادة الاستغراق ونحن لا ننكر مطلق الاستعمال وما يقال في الجواب عن الوجهين إن الظاهر أنه لا مجال لانكار إفادة المفرد المعرف باللام العموم في بعض الموارد حقيقة كيف ودلالة أداة التعريف على الاستغراق حقيقة وكونه أحد معانيها مما لا يظهر فيه خلاف بينهم فالكلام حينئذ إنما هو في دلالته على العموم مطلقا بحيث لو استعمل في غيره لكان مجازا على حد جميع صيغ العموم التي هذا شأنها والدليل لا يثبت إلا إفادته العموم في الجملة وهو غير المتنازع فيه فإنما هو مبني على الاشتراك اللفظي أو على إطلاق الكلي على الفرد وقد عرفت بطلانهما ثم اعلم إنا وإن ذهبنا إلى أن اللفظ لا يدل على العموم لكنه لازم ما اخترناه من كونه حقيقة في تعريف الجنس إذ الحكم إذا تعلق بالطبيعة من حيث هي والمفروض أنها لا تنفك عن شئ من أفرادها فيثبت الحكم لكل أفرادها والقول بأن الطبائع إنما تصير متعلقة للاحكام بإعتبار وجودها


[ 218 ]

كلام ظاهري بل الطبائع بنفسها تصير متعلقة للاحكام ومتصفة بالحسن والقبح وغاية ما يمكن أن يقال أنه لا وجود لها إلا بالافراد وفيه أنا نقول بتعلقها بها لا بشرط أن لا يكون معها شئ حتى لا يمكن التكليف بها وإذا تمكن المكلف من الاتيان بها في ضمن الفرد فيصدق عليه أنه متمكن منها كما أشرنا في مبحثه ولا فرق بين تعلق الامر به أو تعلق الحل والجواز والحرمة ونحوها نعم بعد الامتثال بفرد في الاوامر يسقط التكليف وذلك لا يستلزم عدم التخيير في الاتيان بأي فرد يمكن حصول الطبيعة في ضمنها وأما في مثل أحل الله البيع فلا سقوط للحل والجواز بمجرد ثبوته لفرد منه أو أفراد ومن لا يجوز تعلق الحكم بالطبائع فقد سلك هنا مسلكا آخر في إستفادة العموم إذا وقع المفرد المحلى في كلام الحكيم فقال بأن الطبيعة لما لم يمكن تعلق الحكم بها ولا عهد خارجي يكون مرادا بالفرض ولا فائدة في إرادة فرد ما للزوم الاغراء بالجهل فتعين إرادة الاستغراق وهذا الكلام يجري على مذاق من يقول بالاشتراك اللفظي وغيره وأما المفرد المضاف فالظاهر أن المراد به الطبيعة فيستفاد منه العموم بإعتبار الطبيعة على ما اخترناه وبإعتبار الحكمة على التقرير الاخر ثم أن الشهيد الثاني رحمه الله قال في تمهيد القواعد إذا احتمل كون أل للعهد وكونها لغيره كالجنس أو العموم حملت على العهد لاصالة البرائة عن الزائد ولان تقدمه قرينة مرشدة إليه ومن فروعها ما لو حلف لا يشرب الماء فإنه يحمل على المعهود حتى يحنث ببعضه إذ لو حمل على العموم لم يحنث ومنها إذا حلف لا يأكل البطيخ قال بعضهم لا يحنث بالهندي وهو الاخضر وهذا يتم حيث لا يكون الاخضر معهودا عند الحالف إطلاقه عليه إلا مقيدا ومنها الحالف لا يأكل الجوز لا يحنث بالجوز الهندي والكلام فيه كالسابق إذ لو كان إطلاقه عليه معهودا في عرفه حنث به إلا أن الغالب خلافه بخلاف السابق فإنه على العكس أقول بعد الاغماض عما بينا من أنه حقيقة في الجنس وأصالة الحقيقة تقتضي إرجاعه إلى إرادة الماهية نقول أن أصالة البرائة لا تقتضي الحمل على العهد مطلقا إذ قد تقتضي الحمل على الجنس أو العموم فإذا قال الشارع يجوز السجود على الحجر فإذا جوزنا السجود على أي حجر كان فلا يجب علينا تكلف تحصيل المعهود لو فرض حصول غير المعهود مثل المقناطيس وأمثلته في أحكام الشرع كثيرة مع أن ما ذكره في حكاية شرب الماء مع المناقشة في عدم كونه مثالا لما نحن فيه إذ العهد فيه إنما هو في الشرب لا الماء يقتضي خلاف ما إدعاه وبالجملة فأصالة البرائة قد تقتضي الحمل على المعهود كما في المثالين الاخيرين وقد تقتضي الحمل على العموم مع ان فيما يقتضي الحمل على العهد إنما يتم ما ذكره في الجنس إن أريد به ما يستلزم العموم كما حققناه و إن أريد به ما يشمل المعهود الذهني فلا توافقه أيضا لانه قد يكون أصالة البرائة مقتضية للتنكير و


[ 219 ]

أن حمل العهد في كلامه على الاعم من الذهني فمع بعده أيضا لا يتم لان أصالة البرائة قد تقتضي الحمل على العموم مع أنه لا يناسب قوله ولان تقدمه قرينة مرشدة إليه هذا كله مع أنه لا يقتضي ما ذكره إلا عدم ثبوت التكليف في غير المعهود لعدم العلم بأزيد منه لا أن المتكلم استعمل اللفظ في العهد فالاولى أن يقال في موضع أصالة البرائة اصالة عدم ثبوت الحكم إلا في المعهود يعني إذا دار الامر بين إرادة الجنس والعهد والعموم فالمعهود مراد بالضرورة لدخوله تحتهما والاصل عدم ثبوت الحكم في غيره وحينئذ يرد عليه أنه يتم لو لم يحتمل الجنس إرادة وجوده في ضمن فرد ما فإن المعهود حينئذ غير معلوم المراد جزما نعم لو أريد بالجنس ما يستلزم العموم كما بيناه سابقا فلذلك وجه لكن يبقى عليه الانظار الاخر وأما قوله ولان تقدمه قرينة مرشدة إليه ففيه أنه إن أراد أنه حصل العلم بسبب تقدمه أنه هو المراد أو الظن فيكون ذلك قرينة معينة لاحد المعاني المشتركة فحينئذ لا يبقى إحتمال لارادة المعاني الاخر ولا يناسب ذلك التمسك بمقتضى أصالة البرائة وإن أراد أن التقدم والمعهودية يجوز إرادة العهد ويصححه فهو ليس إلا جعل المقام قابلا للاحتمال وتحقيقا للاجمال بسبب إرادة كل واحد من المعاني المشتركة ومجرد صلاحية إرادة أحد المعاني من المشترك لا يرجح إرادته كما لا يخفى ثم ما يظهر لي أن ما لبس المقام وخلط الكلام في هذا المرام هو ما تعارف بينهم ان المطلق ينصرف إلى الافراد الشايعة فجعل الشهيد الثاني رحمه الله الافراد الشايعة معهودة وجعل الالف واللام إشارة إلى الصنف المعهود المتعارف في المحاورات ثم عمم الكلام في مطلق العهد ونظر إلى أن التقدم في اللفظ يرشد إلى إرادة المذكور سابقا في العهد الذكرى والتقدم في التعارف والاصطلاح يرشد إلى إرادة الافراد المتعارفة فيما كان العهد من جهة ذلك فعلى هذا يكون التقدم فرينة معينة للارادة لا مجوزة ويرد عليه حينئذ مضافا إلى ما سبق أن التقدم في الذكر لا يعين إرادة المذكور و إلا فلم يبق الاحتمال المذكور في صدر المقال وأما تعيين التعارف ذلك فالظاهر أنه لا مدخلية للالف واللام فيه بل هو لانصراف جوهر اللفظ إليه كما هو شأن المطلق وإنصرافه إلى الافراد الشايعة فلنقدم الكلام في معنى إنصراف المطلق إلى الافراد الشايعة حتى يتضح المرام فنقول أن ذلك لعله مبني على ثبوت الحقيقة العرفية لذلك اللفظ في الافراد المتعارفة بحيث هجر المعنى الحقيقي والمحقق فيما دار الامر بين أن يكون المراد في كلام الشارع هو الحقيقة العرفية أو اللغوية هو تقديم العرف وإثبات الحقيقة العرفية دونه خرط القتاد ولذلك لم يعتبر ذلك علم الهدى رحمه الله ويراعي أصل الوضع ويجري الحكم في جميع الافراد النادرة وأما إذا لم يثبت الحقيقة العرفية بمعنى هجر


[ 220 ]

اللغوي بل حصل حقيقة عرفية للفظ في المعاني المتعارفة مع بقاء المعنى الحقيقي أيضا فيصير اللفظ مشتركا بين الكلي وبعض الافراد لكن يكون إستعماله في أحد المعنيين أشهر كما في العين بالنسبة إلى الباصرة والنابعة من بين سائر المعاني أو حصل هناك مجاز مشهور بسبب غلبة الاستعمال فيشكل الحمل على الافراد الشايعة فقط لعدم مدخلية مجرد الشهرة في أحد معاني المشترك في ترجيحه ولمعارضة الشهرة في المجاز المشهور باصالة الحقيقة إلا أن إرادة الافراد الشايعة لما كان متحقق الحصول على أي تقدير فتعين إرادته ويصير الباقي مشكوكا فيه وذلك ليس لترجيح المجاز المشهور أو أحد معنيي المشترك بسبب إشتهاره بل لدخوله في اللفظ على أي التقديرين إذا تقرر هذا فنقول أن العهد الذي جعله معيار الكلام هو هذا المعنى وهذا لا مدخلية له في اللام أللهم إلا أن يكون اللام إشارة إلى أحد معنيي المشترك اللفظي كما أشرنا إلى إمكانه سابقا إلا انه ليس في ذلك كثير فائدة مع إفادة جوهر اللفظ ذلك وحينئذ يبقى الكلام في تعميم المقام بحيث يشمل العهد الذكري قانون المشهور أن الجمع المنكر لا يفيد العموم خلافا للشيخ فقال بإفادته العموم نظرا إلى الحكمة والجبائي يحمل المشترك عنده على جميع معانيه احتجوا بأنه قابل لآحاد الجماعات ومنها الجميع ودلالته على الجميع تحتاج إلى دليل والدلالة اللفظية مفقودة فإنها منحصرة في الثلاثة وإنتفاء الاولين معلوم وكذا الثالث لعدم اللزوم فإن العام لا يدل على الخاص نعم أقل المراتب معلوم المراد جزما ولا دلالة على ما فوقه احتج الشيخ بأن اللفظ يدل على القلة والكثرة فإذا صدر عن الحكيم ولم يبين القلة فعلم عدم إرادتها فيحمل على إرادة الكل حيث لا قرينة على غيره لئلا يلغو كلام الحكيم واحتج الجبائي بأنا لو حملناه على الجميع لحملناه على جميع حقائقه فكان أولى وأجيب عن الاول بأن الاقل معلوم الارادة جزما فيعمل عليه ويتوقف في الباقي حتى يتبين وهو لا ينافي الحكمة وعن الثاني بمنع كون اللفظ حقيقة في كل واحد من المراتب بل هو للقدر المشترك بينها مع أن ما ذكره من لزوم حمل المشترك على جميع المعاني إذا لم يظهر قرينة على التعيين فهو ممنوع بل التحقيق التوقف والاجمال حتى يظهر المراد أقول والتحقيق أن يقال أن الجمع المنكر يتصور إستعماله على صور الاولى الاخبار عنه بمثل جائني رجال وله علي دراهم والثانية الحكم عليه بشئ مثل أحل الله بيوعا والثالثة الامر بإيجاده مثل أقم نوافل و الرابعة جعله متعلقا للمأمور به مثل أعط ثلث مالي رجالا أو علماء أو اضفهم في أيام وصم أياما ونحو ذلك أما الصورة الاولى فقد لايراد من الاخبار معرفة حال المخبر عنه ولا يقصد إلا إسناد الفعل إليه والمقصود بيان تحقق ذلك الفعل من فاعل معين عند المتكلم غير متعين عند المخاطب


[ 221 ]

كما في قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة ففي مثل ذلك لا يقتضي الحكمة حمل اللفظ على العموم أصلا ويبقى في الجمع إفادة الكثرة ولما لم يتعين من اللفظ فيعلم أن الاقل مراد جزما فالذي نستفيده من المثالين الاولين بعنوان الجزم هو مجئ ثلاثة رجال وثبوت ثلاث دراهم وأما الصورة الثانية فإذا كان المراد بيان الحكم للبيوع فلا بد من معرفة أشخاصها بصيغة خاصة بها أو بما يعمها فلا يتأتى الجواب المذكور فيها وحملها على الاقل ينافي الحكمة لعدم التعيين إلا أن يرجع ذلك المثال أيضا إلى الصورة الاولى فيكون الاشكال في تعيين البيع لا في تعيين البيوع بأن يقال لا إجمال في بيان العدد بحيث ينافي الحكمة وهو المقصود بالذات في هذا المثال كما في جاء رجل من أقصى المدينة وإنما يحتاج إلى البيان في غيره وهو تعيين أشخاص البيع كتعيين الرجل فيحتاج في المثال المذكور إلى الذكر والتفصيل وهو خلاف المفروض فإن المفروض ان المقصود في مثله بيان حكم شخص البيع ومعلومية حاله كما هو شأن الحكيم في بيان الحكم ومما ذكرنا يظهر أن ما أورد على الجواب المذكور بالنقض بأنه إذا حصل عدم المنافاة للحكمة بحمل اللفظ على القدر المتيقن من مدلوله فيجري ذلك في المفرد المعرف أيضا فما وجه حمله على العموم نظرا إلى الحكمة لا يتم إلا أن ينزل كلام المستدل و المجيب على بعض هذه الصور لا مطلقا لان إرادة حلية بيع غير معين في قوله تعالى أحل الله البيع لا يعقل له فائدة وحكمة أصلا بخلاف الكلام في مطلق الجمع المنكر وأما الصورتان الاخيرتان فإن أريد منهما مثل ما اريد في قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة فالحكمة تقتضي الحمل على العموم وإن كنا نتيقن بإرادة الاقل بحسب العدد أيضا وإن أريد الاتيان به مع عدم قصد التعيين عند المتكلم فلا يحتاج إلى الحمل على العموم أصلا بل يحصل الامتثال بأقل الافراد إذ يحصل الامتثال بإيجاد الطبيعة في ضمن فرد فهو من باب التخييز المستفاد من الامر الكلي فكما أن قولك جئني برجل يقتضي الامتثال بإتيان أي رجل يكون فكذلك فيما نحن فيه إذ كما أن كل رجل يصدق عليه أنه رجل فكذلك كل رجال يصدق عليه أنه رجال ولما كان ذلك في معنى التخيير والتخيير بين الاقل والاكثر لا يقتضي إلا كون الاكثر أفضل فالاقل متيقن المراد فالعمدة في تحقيق المسألة إرجاع الامر إلى ان المراد بالجمع المنكر في الكلام هو المعين عند المتكلم المبهم عند المخاطب أو مجرد الطبيعة المبهمة فعلى الاول لا بد أن يحمل على العموم لئلا ينافي الحكمة وعلى الثاني يكتفي بالاقل لاصالة البرائة عن الزايد وحصول الامتثال بالاقل وأما حصول العلم بإرادة الاقل والشك في الباقي فهو مشترك بين المعنيين ثم لابد ان يعرف أن اللفظ أظهر في اي المعنيين والظاهر في الصورة الاولى بل المتعين هو الاول وكذا في الصورة الثانية وأما في باقي


[ 222 ]

الصور فالاظهر هو المعنى الثاني فيحمل عليه ويكتفي بالاقل إلى أن يظهر من الخارج إرادة التعيين فإما يحمل على العموم أو ينتظر البيان إن كان له مجال ثم أن ما ذكرنا أن الحكمة تقتضي الحمل على العموم فيما يحتاج إليه إنما هو إذا لم يكن الاجمال متقضى الحكمة وإلا فقد يكون مقتضاها الابهام إذا لم يكن وقت الحاجة إلى بيانه ولكن لما كان الاصل عدم تلك الحكمة والظاهر في أكثر الخطابات أنها وقت الحاجة فيحمل على العموم ثم أن كلام المجيب ظاهر في أن الاقل متيقن الارادة والباقي مشكوك فيه وهذا لا يتم مطلقا فان الامر الدال على التخيير في إيجاد الطبيعة لا يبقى معه شك في عدم وجوب الازيد من أقل الافراد فقول القائل أعط زيدا دراهم ما هو ظاهره من تعليق الحكم بالطبيعة المبهمة مطلقا لا يجعله ما باب جاء رجل من أقصى المدينة نص في أجزاء ثلاثة دراهم ولا يبقى معه شك في عدم وجوب الازيد ثم ان الظاهر أن مراد الجبائي الحمل على الجميع من حيث أنه مجموع معانيه المشترك فيهما لفظا لا من حيث أنه هو أحد معانيها فعلى هذا يصح معنى عمومه الافرادي والجمعي كليهما فيتجه الجواب بمنع الاشتراك أولا وبمنع الظهور في الجميع ثانيا وبمنع أولوية إرادة الجميع ثالثا والقول بأن الحمل على الجميع أحوط معارض بأنه قد يكون خلافه أحوط وعلى ما ذكرنا فلا يرد ما يقال أن منع الاشتراك اللفظي لا يضر المستدل إذ يكفيه كون هذه المراتب من أفراد الحقيقة وكون هذا الفرد يشمل جميع الافراد وقد ظهر من جميع ما ذكرنا أن القول بدلالة الجميع المنكر على العموم ليس من جهة دلالة اللفظ حقيقة بل على مذهب الجبائي أيضا فإن حمله على الجميع ليس من جهة أنه أحد معانيه بل لانه يشمل جميع المعاني فانقدح من ذلك أنه لا نزاع في عدم دلالة الجمع المنكر على العموم بجوهره بحيث يكون لو استعمل في غيره يكون مجازا فتأمل تذنيب الحق أن أقل ما يطلق عليه صيغ الجمع حقيقة ثلثة وقال بعض العامة أنه (إثنان) ؟ والقول بعدم جواز إطلاقها على الاثنين مطلقا شاذ ضعيف ولافرق في ذلك بين المكسر والسالم وضمائرهما والظاهر أنه لا نزاع في نحو نحن وإننا وجئنا لانه موضوع للمتكلم مع الغير ولم يوضع لتثنية المتكلم لفظ لنا تبادر الزايد على الاثنين عند الاطلاق وعدم تبادر الاثنين ويؤيد ذلك وضعهم للتمييز بين التثنية والجمع علامات وإمارات مثل الالف والنون والواو والنون وغير ذلك احتجوا بقوله تعالى فإن كان له إخوة فلامه السدس للاجماع على حجب الاخوين عما زاد عن السدس فاطلق الاخوة على الاخوين فما زاد والاصل في الاستعمال الحقيقة وفيه أن الاجماع إنما هو الدال على المطلوب لا الاية سلمنا لكنه بضم القرينة لا منفردا ومطلق الاستعمال أعم من الحقيقة وبقوله تعالى إنا معكم مستمعون والمراد موسى وهارون عليهما السلام وفيه منع الاختصاص بل هي لهما مع فرعون تغليبا مع أن الاستعمال أعم من الحقيقة كما في


[ 223 ]

مستمعون وبقوله عليه السلام الاثنان فما فوقهما جماعة وفيه أن المراد حصول فضيلة الجماعة مع أنه ورد في الخبر أن المؤمن وحده أيضا جماعة إذا لم يكن معه من يصلي معه مع أن بيان اللغات ليس من شأنه صلى الله عليه وآله فالمقصود بيان الحكم وقد يجاب أيضا أن النزاع إنما هو في صيغ الجمع لا في لفظ الجمع فإنه بمعنى مطلق ضم شئ إلى شئ وفيه أن المتبادر من لفظ الجماعة أيضا الثلاثة وما فوقها وكذلك لفظ الجمع إذا لم يقصد به المعنى المصدري أعني الانضمام والظاهر أنهما أيضا محل النزاع والذي هو خارج عن محل النزاع هو مادة ج م ع بمعنى مطلق الضم والالحاق فإن يصدق في الاثنين أيضا حقيقة قانون لا خلاف ظاهرا في أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم في الجملة ففي بعضها بالنصوصية وفي بعضها بالظهور أما الاول ففيما إذا وقعت بعد لا الكاينة لنفي الجنس وكذلك فيما كانت صادقة على القليل والكثير كشئ وفيما كانت ملازمة للنفي كأحد (ويد) ؟ أو مدخولة لمن ولا فرق بين كون النافي هو لا أو لم أو لن أو غيرها وأما الثاني فهو ما إذا وقعت بعد ليس وما ولا المشبهتين بليس وقد خالف فيه بعضهم و الحق أنها ظاهرة في العموم ففي الاول لا يجوز أن يقال لا رجل في الدار بل رجلان وما من رجل في الدار بل رجلان وجواز الاستثناء بأن يقال لا رجل في الدار إلا زيدا لا ينافي النصوصية كما توهم كما لا ينافيها في الاعداد بخلاف الثاني فيجوز أن يقال ليس في الدار رجل بل رجلان وما في الدار رجل بل رجلان بأن يراد بالتنوين الاشارة إلى الوحدة العددية المعينة ويكون النفي راجعا إلى الوحدة ولكن الظاهر منه الوحدة الغير المعينة فهو ظاهر في العموم فالمثال المذكور إخراج عن الظاهر كما لو قيل ما في الدار رجل إلا زيد وأما سلب الحكم عن العموم كقولنا ما كل عدد زوجا فليس حكما بالسلب عن كل فرد وهو مخرج عن هذه القاعدة كما لا يخفى والظاهر أنه لا فرق بين المفرد والجمع والتثنية في ذلك وإن الحكم في الظهور والنصوصية أيضا لا يختلف فيها فقولك لا رجال في الدار أيضا نص في العموم لكنه نص في أفراد الجموع وإن قلنا بكونه ظاهرا في عموم الافراد أيضا كالجمع المحلى بسلخ معنى الجمعية فللك يجوز أن يقال لا رجال في الدار بل رجلا ورجلان بخلاف المفرد كما مر والنهي كالنفي فيما ذكرنا والظاهر أن النكرة في سياق الاستفهام أيضا مثلها في سياق النفي في إفادة العموم وذهب جماعة من الاصوليين إلى عموم النكرة في سياق الشرط أيضا وفرعوا عليه ما لو قال الموصي إن ولدت ذكرا فله الالف وإن ولدت أنثى فلها المأة فولدت ذكرين أو أنثيين فيشرك بين الذكرين في الالف وبين الانثيين في المأة لانه ليس أحدهما أولى من الاخر فيكون عاما والاظهر أن مرجع ذلك إلى تعليق الحكم بالطبيعة فعمومه من هذه الجهة كما اخترناه في المفرد المحلى وإلا فلا يستفاد العموم من اللفظ


[ 224 ]

وأما النكرة في سياق الاثبات فلا يدل على العموم إلا بالنظر إلى الحكمة في بعض الموارد أو بكونه في معرض الامتنان عند بعضهم وأما لو كانت مدخولة للامر نحو أعتق رقبة فيفيد العموم على البدل لا الشمول وهذا العموم مستفاد من إنضمام اصالة البرائة عن إعتبار قيد زايد من الايمان وغيره فالاطلاق مع أصل البرائة يقتضيان كفاية ما صدق عليه الرقبة أي فرد يكون منه ولذلك يصح الاستثناء منه مطردا فالفرق بين العام والمطلق أن المطلق من حيث اللفظ لا يدل على العموم بخلاف العام فالعموم المستفاد من المطلق كالعموم المستفاد من تعليق الحكم على الطبيعة من حيث هي كما مر وهذان والوقوع في معرض الامتنان والوقوع في كلام الحكيم وأمثال ذلك مما يستفاد منها العموم وليس من جهة دلالة اللفظ بعنوان الوضع بل هو مستنبط من الخارج ولذلك نحملها على الافراد الشايعة لانها هي مورد الاستعمال في الاطلاقات ولخروج كلام الحكيم عن اللغوية بمجرد ذلك بخلاف ما دل عليه اللفظ بعنوان الوضع فإنها تشمل الافراد النادرة وإطلاق كلامهم يدل على ذلك أيضا إلا أن بعضهم صرح بعدم دخول الفرد النادر كما نقله في تمهيد القواعد وليس ببعيد والاولى التفرقة بين العروض النادرة فيقتصر في المطلقات ونحوها على الافراد الشايعة ويتعدى في العمومات إلى الافراد الغير الشايعة أيضا إن لم تكن في غاية الندرة وأما ما هو في غاية الندرة فيتوقف فيه و يحصل الاشكال فيما يستفاد من تعليق الحكم على الطبيعة فإن الطبيعة لا تنفك عن واحد من أفراده فيشمل الاندر أيضا إلا أن يقال لما كان الحكم على الطبيعة بإعتبار وجودها فينصرف إلى الوجود الغالب فتأمل لئلا تتوهم إن هذا رجوع عن القول بكون الطبائع متعلقة للاحكام كما أشرنا سابقا ثم انهم ذكروا في مقام الفرق بين المطلق والعام أن المطلق هو المهية لا بشرط شئ والعام هو الماهية بشرط الكثرة المستغرقة وهذا لا يخلو عن (حفاء) ؟ فإن المطلق على ما عرفوه في بابه هو الحصة الشايعة في جنسها وبعبارة أخرى هو الفرد المنتشر وقد صرح بعضهم بالفرق بين المطلق والنكرة أيضا بأن المطلق هو الماهية لا بشرط شئ والنكرة هو المهية بشرط الوحدة الغير المعينة وجعل الشخص المنتشر عبارة أخرى عنها وغلط من قال بأن المطلق هو الدال على واحد إلا بعينه وأنت خبير بأن ذلك ينافي ما ذكروه في تعريف المطلق وإتفاقهم على التمثيل بمثل اعتق رقبة ويمكن توجيه ما ذكروه في الفرق بين العام و المطلق بأن المراد من المطلق هو المهية لا بشرط والعام هو المهية بشرط شئ بأن يقال أن المراد برقبة في قوله أعتق رقبة هو مثل ما أريد بأسد في قول الشاعر أسد علي وفي الحروب نعامة أو رجل في مثل رجل جائني لا إمرئه كما أشرنا سابقا ومقتضاه حينئذ جواز عتق أكثر من واحد في كفارة واحدة ولكن لما


[ 225 ]

كان الامتثال يحصل بفرد من الكلي سيما إذا كان تدريجي الحصول فلا يعد ما بعد الواحد إمتثالا لانه مقتضى الامر ولا يبقى أمر بعد الامتثال كما حققناه في الواجب التخييري ومسألة إقتضاء الامر للاجزاء فليس الوحدة مرادا من اللفظ بل استفيد من خارج أو يقال أن الطبيعة لا بشرط إذا تصور لها قيود وشرايط متعددة فتقييدها ببعض القيود إنما يجعلها مقيدة بالنسبة إلى هذا القيد بخصوصه ولا يخرجها عن الاطلاق بالنسبة إلى سائر القيود فالرقبة في قوله اعتق رقبة مع قطع النظر عن التنوين موضوعة للطبيعة لا بشرط شئ من الوحدة والكثرة والايمان والكفر والصحة والمرض والصغر والكبر والبياض والسواد كما مر الاشارة إليه وبعد لحوق التنوين وصيرورته مدخول الامر في هذا الكلام يتقيد بإرادة فرد ما منه وهذا يخرجه عن الاطلاق بالنسبة إلى إرادة الوحدة ولكن يبقى بعد مطلقا وماهية لا بشرط بالنسبة إلى سائر القيود فلو قيل أعتق رقبة مؤمنة فيحصل هناك قيدان للطبيعة ويبقى الطبيعة بعد مطلقة بالنسبة إلى سائر القيود وهكذا ومرادهم في باب المطلق والمقيد هو الاطلاق بالنسبة إلى غير الوحدة فحينئذ يمكن توجيه كلام بعضهم في الفرق بين المطلق والنكرة أيضا بإعتبار الحيثية فرقبة مطلقة بالنسبة إلى عدم إعتبار غير الوحدة الغير المعينة ونكرة بإعتبار ملاحظة الوحدة الغير المعينة فافهم ذلك واغتنم تنبيه قالوا أن عموم المفرد أشمل من عموم المثنى والمجموع وهو في المثنى واضح فإن عموم المفرد يشمل كل فرد فرد وعموم المثنى يشمل كل إثنين إثنين وخروج فرد منه غير مضر إلا أن يعتبر منضما إلى الواحد من فردي الاثنينيات المعدودة كما أشرنا في عموم الجمع إلا أنه لا يتم في التثنية المنفية فيصدق لا رجلين في الدار إذا وجد فيها رجل واحد بخلاف لا رجل في الدار وأما عموم الجمع فيتم فيه ما ذكروه إذا أردنا منه العموم الجمعي على إشكال فيه أيضا كما أشرنا وأما العموم الافرادي كما بينا أنه هو الظاهر في الجمع المحلى فلا يتفاوت نعم قد يتفاوت بإعتبار النصوصية والظهور فالنكرة المنفية في المفرد نص في عموم الافراد مثل لا رجل في الدار وأما الجمع المنكر المنفي فإما لا يشمل بعض الآحاد كما يقال لا رجال في الدار بل رجل أو رجلان أو يكون ظاهرا فيه لو سلخنا عنه الجمعية والمفرد نص وأما ما في مثل ليس رجل في الدار وليس رجال في الدار فالمفرد أيضا أظهر في الشمول لان فيه إحتمالين إرادة الوحدة المعينة والغير المعينة وفي الجمع إحتمالات ثلاثة العموم كالمفرد بإنسلاخ الجمعية ونفي الجمع الواحد وإثبات الجماعات و نفي الجمع وإثبات الواحد أو الاثنين وأما المفرد المعرف والجمع المعرف فالامر فيه واضح مما مر لقلة الاحتمال في المفرد وكثرته في الجمع بإحتمال إرادة العموم الجمعي والمجموعي أيضا قانون ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقام نقله في التمهيد عن جماعة من المحققين وقال


[ 226 ]

أن أصل القاعدة من الشافعي ونقل عنه كلاما أخر يعارضه ظاهرا وهو أن حكايات الاحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الاجمال وسقط بها الاستدلال والاظهر أنه لا تعارض بينهما وإنهما قاعدتان مختلفتا المورد فالاولى هي ما كان جوابا عن سؤال بخلاف الثانية وتفصيل القول فيهما أما الاولى فهو أن السؤال إما عن قضية وقعت وهي محتملة أن تقع على وجوه مختلفة وإما عنها على تقدير وقوعها كذلك وعلى الاول فإما أن يعلم أن المسئول يعلم بالحال على النهج الذي وقع في نفس الامر أو لا يعلم سواء علم أنه لا يعلم أو جهل الحال أما الاول فلا عموم في الجواب بل هو وإنما ينصرف إلى الواقعة حسب ما وقع في نفس الامر وأما الثاني فإن كان للواقعة وجه ظاهر ينصرف إليه إطلاق السؤال فالظاهر أن الجواب ينزل عليه وإلا فيحمل على العموم لانه هو المناسب للارشاد وترك الاستفصال مع تفاوت الحال وظاهر إنصراف الجواب إلى إطلاق السؤال يستلزم الابهام والاضلال وهذا فيما علم عدم العلم واضح وأما فيما لم يعلم فهو كذلك لاصالة عدم العلم فإن علوم المعصومين عليهم السلام أيضا حادثة وكل حادث مسبوق بالعدم الازلي يقينا ولا يجوز نقض اليقين إلا بيقين مثله للاستصحاب ودلالة الاخبار الصحيحة وما يقال أن ثبوت علمهم عليهم السلام بنفس الامر في الجملة مما لا شك فيه وهو يناقض قولنا لا شئ من العلم بحاصل لهم فثبوت بعض العلوم لهم يقينا ينقض عدم ثبوت العلم لهم بشئ يقينا فلا يمكن الاستدلال بالقضية الكلية في المقام فهو كلام ظاهري إذ ملاحظة اليقين والشك بالنسبة إلى كل واحد واحد من العلوم لا بالنسبة إلى القضايا المنتزعة عنها فلا يجوز نقض اليقين بعدم كل علم إلا بحصول اليقين بحصوله وما يقال أن القضية الجزئية متيقنة الحصول وإن هذا الشك إنما حصل من جهة هذا اليقين ونقض اليقين السابق إنما هو بالشك الحاصل من يقين آخر ولا يظهر إندراج هذا الشك في النهي الوارد في قولهم عليهم السلام لا ينقض اليقين بالشك فهو أيضا في غاية الوهن أما أولا فلانا نمنع كون الشك حاصلا من جهة هذه القضية بل قد يحصل الشك مع عدم العلم بهذه القضية أيضا وأما ثانيا فلان لفظ الشك واليقين (عام) ؟ في الحديث ويشمل جميع الافراد وأما ثالثا فلان كل معلول يستحيل وجوده في الخارج بدون وجود علته وإن كانت العلة نفس الشك والوهم فالشك قد يحصل بسبب حصول الوهم وقد يحصل بسبب أمر يقيني وعلى أي التقديرين إنما تسبب عن شئ يقيني فإن بنى على ذلك لا يوجد مورد للرواية كما لا يخفى نعم يمكن توجيه كلام القائل بأن من (الاشياء) ؟ هو معلوم لهم جزما ومنها ما هو غير معلوم وقد إختلطا فعدم العلم يكون ذلك من المعلوم لا يوجب جواز الحكم بكون من غير المعلوم من أجل إستصحاب


[ 229 ]

عدم العلم وفيه أن ذلك إنما يتم إذا علمنا بأن فيما لا نعلم حاله من الاشياء من جهة المعلومية لهم وعدمها ما هو معلوم لهم وهو فيما نحن فيه ممنوع إذ لا نعلم نحن أن في زمرة ما لا نعلم حاله من المسؤلات ما يعلمه المعصوم عليه السلام وأما الثاني وهو السؤال عما لم يقع بعد فهو أيضا يحمل على العموم إن لم يكن له فرد ظاهر ينصرف إليه وإحتمال أن يكون المقام مقتضيا للابهام فلعل المسؤل أراد الحكم بالنسبة إلى بعض الاحوال وترك بيانه إلى وقت الحاجة مع أنه خلاف الاصل لا يلتفت إليه مع ثبوت الظهور في العموم فعدم العلم بكون المقام مقتضيا للابهام يكفي في الحمل على العموم وأما الثانية فهو إنه اما نقل فعل المعصوم عليه السلام سواء علم جهة الفعل كما لو أخذ مالا عن يد مسلم بشاهد ويمين أو لم يعلم كما لو أخذ المال عن يد أحد و لم يعلم وجهه فلا يجوز التعدي إلا أن يثبت بدليل من خارج أو نقل حكمه في مادة مخصوصة مع إحتمال وقوعها على كيفيات مختلفة يختلف باختلافها الحكم من دون سبق سؤال وهذه مما يقولون لها قضايا لاحوال وأنه لا عموم فيها فإنها محتملة لاقتصاره في المادة المخصوصة فتصير في غيرها مجمل الحكم فلا يصح الاستدلال وأما التعدي في مثل قوله عليه السلام في جواب الاعرابي كفر حيث سئله عن مواقعة أهله في نهار رمضان فهو من جهة فهم العلة كما أشرنا في باب المفهوم وسيجئ في باب القياس ولنذكر للقاعدتين مثالين الاولى أن إمرئة سئلت عنه عليه السلام عن الحج عن أمها بعد موتها فقال نعم ولم يستفصل هل أوصت أم لا والثانية حديث أبي بكرة لما ركع ومشى إلى الصف حتى دخل فيه فقال له النبي صلى الله عليه وآله زادك الله (حرضا) ؟ ولا تعد فلا يجوز الاستدلال بها على جواز المشي وإن كان كثيرا إذ يحتمل أن يكون مشي أبي بكرة قليلا فالقدر المتيقن هو ما لم يحصل الكثرة عادة قانون المعروف من مذهب الاصحاب أن ما وضع لخطاب المشافهة من قبيل يأ أيها الذين أمنوا ويا أيها الناس ونحو ذلك لا يعم من تأخر عن زمن الخطاب بل يظهر من بعضهم أنه إجماع أصحابنا وهو مذهب أكثر أهل الخلاف و ذهب الآخرون إلى العموم والشمول والحق هو الاول لنا أن خطاب المعدوم قبيح عقلا وشرعا وقول الاشاعرة بجوازه مكابرة ناشئة عن قولهم بقدم الكلام النفسي وجعلهم التكليف من جملته وفيه مع أن الكلام النفسي غير معقول أن التكليف طلب والطلب أمر إضافي نسبي لا يتحقق إلا بتحقق المنتسبين والمفروض إنعدام المطلوب منه فينتفي تعلق الطلب بإنتفاء المطلوب منه فينتفي الطلب بإنتفاء جزئه والقول بحدوث التعلق وقدم الطلب مع أنه لا معنى له لا يدفع إلتزام حدوث التكليف لانتفاء الكل في الاول بإنتفاء جزئه فيكون الكل حادثا وأيضا جواز التكليف مشروط بالفهم فإذا لم يجز تكليف الغافل والنائم والساهي بل الصبى المجنون فالمعدوم أولى بالعدم وكل ذلك عند القائلين بتحسين


[ 230 ]

العقل وتقبيحه واضح وأيضا المفروض كون تلك الالفاظ موضوعة للحاضر بحكم نص الواضع والتبادر و صحة سلب الخطاب عن مخاطبة المعدوم والملفق من الموجود والمعدوم فالاصل إرادة الحقيقة ولا يجوز العدول عنه إلا مع ثبوت المجاز وهو موقوف على جوازه أولا وعلى ثبوت القرينة ثانيا أما الاول فممنوع لما ذكرنا من إستحالة الطلب عن المعدوم فإن قلت أن الطلب من المعدوم قبيح إذا كان على سبيل الخطاب الحقيقي المنجز لم لا يجوز الطلب عنه على سبيل التعليق قلت أولا أن الطلب التعليقي أيضا لا محصل له في المعدوم لاقتضاء الطلب مطلوبا منه موجودا وإن حقيقة ذلك يرجع إلى إعلام الموجودين بان المعدومين يصيرون مكلفين بذلك حين وجودهم وبلوغهم لا الطلب عنهم بالفعل بإتيان المطلوب إذا وجدوا وإن ذلك ليس من قبيل أنت وزيد تفعلان كذا وثانيا على التسليم جواز ذلك أو أن المراد من التجوز هو إعلام الموجودين بأن المعدومين يصيرون مكلفين وأمرهم بتبليغهم ذلك إياهم نقول أن ذلك يستلزم كون جميع الخطابات الشفاهية مجازات إن أريد التغليب وهو كما ترى وإن أريد إستعمال اللفظ في الحقيقي والمجازي على البدل فهو غير جائز أيضا على ما حققناه سابقا من أن جميع الخطابات الشفاهية مجازات إن أريد التغليب وهو كما ترى وإن أريد إستعمال اللفظ في الحقيقي والمجازي على البدل فهو غير جائز أيضا على ما حققناه سابقا وما يقال في دفع ذلك عن أن جميع الخطابات معلقة على شرائط التكليف وهي مختلفة بالنسبة إلى آحاد المكلفين فمن حصلت له يدخل تحته وهذا أمر واحد لا تعدد فيه فلا يلزم إستعمال اللفظ في المعنيين الحقيقي والمجازي ففيه أن التحقيق أن الخطابات المشروطة لا تتعلق بفاقدي الشرائط قطعا كما حققناه سابقا والتعليق لا يصح من العالم بالعواقب وقد بينا في مباحث الاوامر معنى الواجب المشروط فلا نعيد فالخطابات المطلقة لا تتعلق إلا بالواجدين والغرض من التعليق بالشرط هو إعلام الحال وإن الفاقد للشرط إذا صار واجدا فيتعلق به الحكم حينئذ وقد بينا سابقا أن الاصل في الواجبات هو الاطلاق حتى يثبت التقييد بدليل فلم يتعلق المطلقات إلا بمن وجد الشرائط الثانية سواء قارن ذكر الشرط لاصل الخطاب أو ثبت من دليل خارج فثبت لزوم إرادة المعنيين الحقيقي والمجازي في الخطابات المتنازع فيها على ما ذكرت بخلاف الخطابات المشروطة وبطل التنظير والمقايسة وأما الثاني فمعدوم لان المفروض إنتفاء الدليل عليه والاشتراك في أصل التكليف مع كون الرسول صلى الله عليه وآله مبعوثا إلى الكافة لا يثبت كما لا يخفى ومما ذكرنا يظهر أن القول بأن تلك الخطابات بالنسبة إلى المعدومين من باب المكاتبة والمراسلة إلى (الثاني) ؟ فكما أنه يجوز الخطاب


[ 233 ]

في الكتاب إلى من لا يصل إليه إلا بعد سنة أو أزيد فكذا يجوز للعالم بالعواقب مخاطبة من سيوجد و لو بعد مدة بهذا الكتاب لا وجه له لان الكلام في المكاتبة والمراسلة بعينه هو ما ذكرنا لانها لا تصح إلا إلى الوجود الفاهم إذا أريد منه الطلب الحقيقي وإلا فيكون المراد من المكاتبة أيضا هو العمل على ما يشمله من الاحكام من باب الوصية لا التكلم والتخاطب مع أن إحتمال ذلك لا يكفي ولا بد للمدعي أن يثبت ذلك فإن قلت فإذا إمتنع الخطاب ولو على سبيل المجاز فما الذي يثبت التكاليف للمعدومين حين وجودهم وبلوغهم قلت أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله بأنهم إذا وجدوا يصيرون مخاطبين مكلفين بهذه الاحكام وأخبر رسوله صلى الله عليه وآله خلفائه عليهم السلام وهكذا ولا يلزم من ذلك إخبار المعدوم وحتى يلزم محذور القبح السابق الوارد في خطاب المعدوم لان ذلك إخبار الموجود بحال المعدوم وذلك معنى إدعائهم الاجماع على الاشتراك فالحاصل لا نقول بمخاطبة المعدومين بهذه الخطابات لا حقيقة وإلا مجازا بل نقول بإشتراكهم معهم في الحكم بدليل آخر من الاجماع و الضرورة والاخبار الواردة في ذلك المدعى فيها التواتر من غير واحد فإن قلت لو قلنا بجواز شموله للمعدومين مجازا بمعنى إخبار الموجودين بأن المعدومين مكلفون بذلك بقرينة إشتراكهم في التكليف الثابت بالاجماع والضرورة أو قلنا بعدم شموله أصلا وقلنا بالاشتراك من دليل آخر مثل الاجماع والاخبار الواردة في ذلك فأي ثمرة للنزاع بين القولين بكونه حقيقة في الاعم أو مجازا في خطاب الملفق من الموجود والمعدوم أو عدم الشمول أصلا وثبوت الاشتراك من الخارج قلت يظهر الثمرة في فهم الخطاب فإن خطاب الحكيم بما له ظاهر وإرادة غيره بدون قرينة قبيح فإن قلنا بتوجه الخطاب إلى المعدومين فلا بد لهم من أن يبنوا فهم الخطاب على إصطلاحهم وليس عليهم التفحص عن إصطلاح زمن الخطاب بل ولا يجوز لهم ذلك بخلاف ما لو إختص الخطاب بالحاضرين فيجب على المتأخرين التحري والاجتهاد في تحصيل فهم المخاطبين وطريقة إدراكهم ولو بضميمة الظنون الاجتهادية ومنها أصل عدم النقل وأصل عدم السقط والتحريف وعدم القرينة الحالية الدالة على خلاف الظاهر و أمثال ذلك وربما يذكر هنا ثمرة أخرى وهو أن شرط إشتراك الغائبين للحاضرين في الشرايع والاحكام مع قطع النظر عن الورود بخطاب الجمع هو أن يكونا من صنف واحد فوجوب صلاة الجمعة مثلا على الحاضرين مع كونهم يصلون خلف النبي صلى الله عليه وآله أو نائبه الخاص لا يوجب وجوبه على الغائبين الفاقدين لذلك لاختلافهم في الصنف من حيث أنهم مدركون للسلطان العادل أو نائبه بخلاف الغائبين فعلى القول بشمول الخطاب للغائبين يمكن الاستدلال بإطلاق الآية


[ 234 ]

على نفي إشتراط حضور الامام عليه السلام أو نائبه بخلاف ما لو إختص بالحاضرين لانهم واجدون للسلطان العادل أو نائبه فلا يمكن التعدي عنهم إلى الغائبين الفاقدين لاختلافهم في الصنف وأنت خبير بما فيه إذ إعتبار الاتحاد في الصنف لا يحده قلم ولا يحيط ببيانه رقم وإحتمال مدخلية كونهم في عصر النبي صلى الله عليه وآله أو أنهم كان صلاتهم خلفه وأمثال ذلك في الاحكام الشرعية وحصول التفاوت بذلك وعدم الحكم بإشتراك الغائبين معهم من جهة هذه المخالفة والتفاوت مما يهدم أساس الشريعة والاحكام رأسا كما لا يخفى ومدخلية حضور السلطان أو نائبه فيما نحن فيه على القول به إنما هو من دليل خارج من إجماع أو غيره فحينئذ نقول لو أورد على القول بإشتراط السلطان أو نائبه بإطلاق الآية واستدل به على إبطال الاشتراط أن وجه عدم التقييد في الآيه بهذا الشرط كون الخطاب مختصا بالحاضرين وورود الآية مورد الغالب وهو حصول الشرط يومئذ فالواجب بالنسبة إليهم مطلق بالنظر إلى هذا الشرط نعم لو كان الخطاب شاملا للغائبين لتم الاستدلال بإطلاق الآية في دفع الاشتراط للزوم القبيح بإيراد المطلق وإرادة المشروط والحاصل أن القول بأن الاجماع ثبت على الاشتراك إلا فيما وقع فيه النزاع لا معنى له إلا لزوم إدعاء الاجماع في كل واحد واحد من المسائل المعلوم إشتراك الفريقين فيها والقول بأن شرط الاشتراك إتحاد الصنفين المستلزم لبيان أمر وجودي هو ما به الاشتراك بينهما لا يمكن تفسيره بأن المراد أن الفريقين مشتركان إلا ما وقع النزاع فيه فيكون كل ما لم يقع فيه النزاع صنفهما متحدا وما وقع فيه النزاع مختلفا فتحقيق المقام أن المستفاد من الادلة هو ثبوت الاشتراك مطلقا ولزوم إدعاء الاجماع بالخصوص في كل واقعة واقعة مجازفة والواجب المشروط مطلق بالنسبة إلى واجد الشرط ومقيد بالنسبة إلى الفاقد ولا مدخلية في ذلك لزمان الحضور والغيبة من حيث هو فلو وجد الغائب الشرط يصير الواجب بالنسبة إليه مطلقا كما لو فقد الواجد في زمان الحضور وقد يتحصل الشرط بنفس زمان الحضور فيظن أن التفاوت إنما كان من جهة زمان الحضور وإن ذلك صار سببا لاختلاف الصنف فلو فرض في زمان النبي صلى الله عليه وآله اسر جماعة من المسلمين بغتة في أيدي الكفار وإذهابهم إلى بلاد الكفر من دون رخصته صلى الله عليه وآله إياهم في صلاة الجمعة فلا ريب أنه لا يجب عليهم صلاة الجمعة حينئذ على القول بالاشتراط ولو فرض ظهور صاحب الزمان صلوات الله عليه واليوم أو نائبه الخاص فلا ريب أنه يجب على من أدركه إقامة الصلاة فآل الكلام إلى أن الفارق والموجب لعدم الاشتراط هو وجدان الشرط وفقدانه لا الغيبة والحضور فبعد ثبوت الاشتراط لا فرق بين القول بشمول الخطاب للمعدومين وعدمه فالكلام إنما هو في إثبات الاشتراط


[ 237 ]

وعدمه وكون مجردا إحتمال مدخلية كونهم مدركين خدمة النبي صلى الله عليه وآله ومصلين خلفه مثبتا للشرط كما ترى إذ أمثال ذلك مما لا يحصى ولم يقل أحد بذلك في غير ما نحن فيه وبعد تسليم الشرط فلا فرق بين الفريقين نعم على القول بالاشتراك مطلقا بمعنى أن الواجب مطلق مع وجود الشرط مطلقا ومشروط مع فقده مطلقا ولكن وقع النزاع في ثبوت الشرط فإذا إستدل النافي للشرط على المثبت بإطلاق الآية فيمكنه حينئذ الرد بأن الخطاب مخصوص بالحاضرين مجلس الخطاب والاطلاق بالنسبة إليهم لعله لكونهم واجدين للشرط حين الخطاب ونحن فاقدون له فلا يجب علينا ولو كان الخطاب مع الغائبين أيضا لكان واجبا مطلقا لقبح الخطاب عن الحكيم بما له ظاهر وإرادة خلافه فالمستدل بإطلاق الآية يريد نفي الاشتراط مطلقا والمجيب بأن الخطاب مخصوص بالحاضرين يريد رفع دلالة ذلك على ما إدعاه لا إثبات الاشتراط من كون ذلك خطابا للحاضرين وهو صنف مخالف للغائبين فلا بد للمستدل للاشتراط التمسك بدليل آخر فإذا عورض ذلك الدليل بهذا الاطلاق فيجاب بان الاطلاق ليس متوجها إلى الغائبين فرجع الثمرة إلى فرع من فروع الثمرة الاولى وهو أن الخطاب إذا كان مع الغائبين فيجب أن يعملوا على مقتضى ظاهر الخطاب وهو الاطلاق كالحاضرين بخلاف ما لو لم يكن كذلك وبالجملة حاصل مراد من ذكر هذه الثمرة بعد تفسير إشتراط إتحاد الصنف بعدم كونه مما وقع النزاع فيه أو وقع الاجماع الاجماع على عدم الاتحاد أنه لا نزاع أن صلاة الجمعة مثلا واجبة على المشافهين لانهم كانوا يصلون مع الرسول صلى الله عليه وآله وعلى كل من هو مثلهم في وجوب المنصوب من المعدومين فهم مشاركون لهم إلى يوم القيامة فالقدر المسلم من الاجماع هو ذلك وأما المعدومون الفاقدون لذلك فلا إجماع على مشاركتهم فحينئذ يثمر القول بشمول الخطاب للمعدومين فعلى القول به يثبت الوجوب عليهم أيضا من غير تقييد بوجوب المنصوب لاطلاق الاية ويرد عليه أن المعيار في المشاركة إذا كان وهو الاجماع فلا ريب أن القدر المسلم الثابت للمشافهين من وجوب الصلاة هو ما داموا واجدين للصلاة خلف النبي صلى الله عليه وآله أو من ينصبه فإذا فقد هؤلاء المشافهون ذلك المنصب بمسافرتهم أو ممنوعيتهم عن ذلك بمثل فوت النبي صلى الله عليه وآله وغير ذلك فلاريب انه لا إجماع على مشاركتهم حينئذ مع المدركين فهم مشاركون للفاقدين من المعدومين فإذا أثمر القول بشمول الخطاب للمعدومين وجوب الصلاة على الفاقدين منهم أيضا لاجل العموم فلا بد أن يثمر القول بإختصاص الخطاب للموجودين وجوبها على الفاقدين منهم أيضا لاجل العموم فيصير هذا من ثمرات الاطلاق والتقييد والتعميم والتخصيص في الخطاب لا من ثمرات التعلق بالغائبين أو


[ 238 ]

الحاضرين ومع حصول الشك في عمومه للفاقدين على القول بإختصاصه للموجودين فلم لا يحصل الشك في عمومه للفاقدين على القول بشموله للمعدومين أيضا ولو فرض لك في ذلك توهم وتفرقة لفهم الخطاب للحاضرين والغائبين في العموم والخصوص فقد عرفت أن ذلك على تقدير صحته رجوع إلى الثمرة الاولى فثمرة نفي إشتراط إذن المعصوم عليه السلام إنما يترتب على ما ذكر على دعوى العموم لا على كون الخطاب متعلقا بالمعدومين يعني أن العموم لما كان غير مقيد بوجدان الاذن وهو شامل للفاقد والواجد فينتفي إشتراط الاذن لا أن الخطاب لما كان للمعدومين قاطبة فانتفى إشتراط الاذن ودعوى كونهما مساوقين بمعنى أن كل معدوم فهو فاقد وكل موجود فهو واجد مع بطلانه في نفسه ومغايرتهما في المفهوم فإختلاف الاحكام بالعنوانات وإن تصادفت مصاديقها قد عرفت فيه التخلف وعدم الاستلزام فإن قلت على القول بإختصاص الخطاب بالموجودين خرج الفاقدون منهم بالدليل قلت على القول بشموله المعدومين خرج الفاقدون منهم أيضا بالدليل فإن الدليل إن كان هو فقدان الشرط فهما مشتركان فيه وإن كان شئ آخر فلا بد من بيانه لا يقال ان التخصيص الاول مرضي دون الثاني لكون الباقي أقل لان المفروض عدم إختصاص الخطاب بالمعدومين ومع ملاحظة الموجودين والمعدومين معا وضعف المعدوم في جنب الموجود يندفع هذه الحزازة احتج المخالف بأن رسول المعدومين هو رسول الحاضرين بالضرورة ولا معنى للرسالة إلا بتبليغ الخطاب وبإحتجاج العلماء في جميع الاعصار بهذه الخطابات من بعد زمن الصحابة إلى الآن من دون نكير وذلك بإجماع منهم والجواب عن الاول منع المقدمة الثانية إن اريد بتبليغه على سبيل المشافهة وعدم لزوم الخطاب لو أريد ما يعم أيضا الموجودين بإخبار المعدومين ومشاركة الرسول بينهم لا تقتضي أزيد من ذلك والجواب عن الثاني منع أن إحتجاجهم عليهم من جهة أن الخطاب متوجه إليهم بل لاثبات أصل الحكم فيما جهل أصل الحكم أو إختلف فيه وبعد ثبوت أصل الحكم في الجملة فيعترفون بثبوته لما ثبت عندهم من إشتراكهم مع الحاضرين في الاحكام بالاجماع والضرورة ونظير ذلك في الفقه كثير غاية الكثرة ألا ترى أن المتخاصمين في إنفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة وعدمه إذا أورد أحدهما على الاخر برواية تدل على مذهبه في بعض الافراد كالرواية الدالة على أن الطير إذا وطئ العذرة ودخل في الماء القليل لا يجوز التوضى به للقائل بالنجاسة والرواية الدالة على عدم تنجس القربة بموت الجرذ فيها لخصمه لا يرد أحدهما على الاخر بأن ذلك في مورد خاص ولا يشمل العذرة الدم والبول ولا عدم جواز التوضى عدم الشرب وكذلك لا يشمل الجرذ غيرها من النجاسات و


[ 239 ]

لا القربة غيرها من المياه القليلة بل رفع احدهما دليل الاخر إنما هو من جهة القدح في السند أو الدلالة أو الاعتضاد أو غير ذلك وذلك لانهما يسلمان أن عدم الفرق بين أفراد النجاسة وأفراد المياه إجماعي فالغرض من الاستدلال إثبات نفس الحكم لا عمومه وشموله وبالتأمل في هذه النظائر يندفع إستبعاد بعض المتأخرين من عدم ذكر مستند الاشتراك حين الاستدلال بتلك الخطابات مع أنه هو العمدة وإدعاء أن ظهور المستند بحيث يعلمه كل واحد من الخصوم مما يحكم البديهة بفساده مع أن جماعة منهم إدعى أن الشراكة في الحكم بديهي معلوم بالضرورة من الدين وهو الحق الذي لا محيص عنه وبالجملة قد ثبت من الضرورة والاجماع بل الاخبار المتواترة على ما إدعى تواترها البيضاوي أيضا في تفسير قوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ان المعدومين مشاركون مع الحاضرين في الاحكام إلا ما أخرجه الدليل بل الظاهر أن الدليل المخرج إنما هو من جهة عدم حصول الشرط في المعدومين في الواجبات المشروطة كالجهاد وصلاة الجمعة على القول بإشتراط حضور السلطان أو نائبه لا من جهة تفاوت الحاضرين والغائبين بل لو فرض فقد الموجودين للشرط لكانوا كالغائبين ولو فرض وجدان الغائبين له لكانوا مثل الموجودين كما أشرنا سابقا وقد نص بذلك مولانا الصادق عليه الصلاة والسلام في رواية إبن أبي عمير والزبيدي في الجهاد لان حكم الله في الاولين والاخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون والاولون والاخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرايض عليهم واحدة يسئل الاخرون عن أداء الفرائض كما يسئل عنه الاولون الحديث ومما يوضح ما ذكرنا أن العلماء يستدلون في جميع الاعصار بالخطابات المفردة أيضا مثل إفعل وإفعلي ونحو ذلك فلا ريب في عدم شمولها فالمقصود إنما هو إثبات نفس الحكم وإحتجاج بعضهم بالروايات الواردة في أن كثيرا من تلك الخطابات نزلت في جماعة نشاؤا بعد النبي صلى الله عليه وآله وما ورد في أن كثيرا منها وردت في الائمة عليهم السلام مثل قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس مندفع بأن ذلك من البطون والكلام إنما هو في الظاهر مع أنه تعالى قال لليهود فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ولا ريب أن ذلك كله مجاز أريد به مطلق التبليغ ولا ينحصر التبليغ في الخطاب كما أشرنا ومن ذلك يندفع أيضا ما احتج به من ورود الامر بقول لبيك بعد قول يا أيها الذين آمنوا ولا بشئ من آلائك يا رب أكذب بعد قرائة فبأي آلاء ربكما تكذبان مع أن لبيك لا يدل على كون الخطاب معهم بل الظاهر أن المراد منه إظهار الايمان سيما مع ملاحظة عدم إستحبابه بعد قوله يا أيها الناس وإستحبابه بعد قوله يا ايها الذين آمنوا الا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي صلى الله عليه وآله وكذلك في الاية الثانية مع أن غير المكذبين مأمورون بذلك ألبتة والمكذبون لا يقولون ذلك وكذا إحتجاجه بمثل قوله تعالى لينذركم به ومن بلغ


[ 240 ]

ولعدم إنحصار الانذار في الخطاب كما مر وكذلك بقوله صلى الله عليه وآله فليبلغ الشاهد الغائب بل هو على خلاف مراده أدل وهيهنا كلمات واهية وإستدلالات سخيفة أخر لا تليق بالذكر منها الاستدلال بقول المصنفين في كتبهم أعلم وتدبر وتأمل ولا ريب أنه مجاز أريد به الايصاء بل هو نصب علامة علامة للاغلاق والاشكال كنصب الاميال للفراسخ وقد يقال أن تلك الخطابات مختصة بالحاضرين ولكن قام الكتاب والمبلغون واحدا بعد واحد مقام المتكلم بها فلم يخاطب بها إلا الموجود الحاضر فكان الكتابة نداء مستمرا من إبتداء صدور الخطاب إلى إنتهاء التكليف والسر فيه أن المكتوب إليه ينتقل من الوجود الكتبي إلى الوجود اللفظي ومنه إلى المعنى فمن حيث هو قار متكلم ومن حيث أنه من المقصودين بالخطاب مستمع ومخاطب وفيه أن ذلك مجرد دعوى لا دليل عليها ولا يستلزم ما ذكره كون الخطاب من الله تعالى في كل زمان بالنسبة إلى أهله وكما أن في زمان الحضور لا يجوز المخاطبة بتلك الالفاظ مع المعدومين لانتفاء أحد المنتسبين فكذلك في الازمنة المتأخرة لا يتحقق المخاطبة عن الله تعالى لانقطاعه وإمتداده بحسب الازمان أول الدعوى فلم يبق إلا بتبليغ نفس الحكم وهو مسلم قوله فمن حيث هو قار متكلم نعم متكلم لكنه حاك للخطاب المتقدم لا أنه مخاطب بكسر الطاء تنبيهان الاول قيل بشمول الخطابات المذكورة للمكلفين الموجودين وإن كانوا غائبين عن مجلس الوحي لان الخطاب عن الله تعالى ولا يتفاوت بتفاوت الامكنة ويظهر من بعضهم عدم الشمول ولعله ناظر إلى تفاوت أحوال الحاضرين والغائبين وكيفية فهم الخطاب فإن قوله تعالى وإذا قرء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا مثلا قد فسر في الاخبار الصحيحة بالقرائة خلف الامام فلعل في مجلس الوحي كان قرينة لارادة ذلك كان خافية عن الغائبين فمخاطبتهم بذلك مع إرادة الخاص قبيح فلا بد من القول بتشريكهم معهم بدليل آخر مثل الاجماع وغيره وليس ببعيد وعلى أي تقدير فيختص بالمكلفين فلا يشمل من بلغ حد التكليف بعد زمن الخطاب وإن كان موجودا حينئذ ويظهر الوجه مما تقدم الثاني الصيغ المفردة مثل إفعل وإفعلي وأمثال ذلك لا تشمل بصيغتها غير المخاطب بها وإنما المشاركة بالدليل الخارج وهو الاجماع على الاشتراك وكذلك خطاب الرجل لا يشمل المرئة ولا بالعكس ولكن الاجماع على الاشتراك أثبت الاشتراك في غير ما يختص بأحدهما يقينا كأحكام الحيض والنفاس ونحوهما بالمرأة وأحكام غيبوتة الحشفة وما يتعلق بالخصيان ونحوهما بالرجال وأما الاحكام المختلف فيها فقيل بأن الاصل فيها الاشتراك إلا ما أخرجه الدليل وقيل بالعكس والاول اظهر فإثبات الجهر في الصلاة الجهرية إنما ثبت إختصاصه بالرجل بسبب الدليل وكذلك إستحباب وضع اليدين على الفخذين فوق الركبتين حال


[ 241 ]

الركوع في المرأة وما ذكرنا إنما هو المستفاد من الاخبار والادلة وإثبات دعوى أن الاصل الاشتراك إلا ما أثبته الاجماع دونه خرط القتاد لا يقال أن الاجماع لا يقبل التخصيص لكونه من الادلة القطعية لانا نقول انهم نقلوه بالعموم وعموم دعوى الاجماع مثل عموم الحديث معتبر لاشتراك الدليل وهو المستفاد من تتبع كلام الفقهاء وصرح به بعضهم ومنه المحقق الخونساري في شرح الدورس وببالي أنه في مبحث نجاسة الخمر والمحقق الاردبيلي رحمه الله في أوائل كتاب الحدود من شرح الارشاد واعلم أن الالفاظ المختصة بأحد الفريقين من الرجال والنساء مثل ذينك اللفظين مختصة بهما ومثل لفظ الناس وذرية آدم يشملهما ومثل المؤمنات والمسلمات يختص بها وأما مثل المؤمنين والمسلمين ففيه خلاف والاظهر الاختصاص لنص اللغة وفهم العرف واحتج الخصم بالاستعمال فيهما كالقانتين واهبطوا بعضكم لبعض عدو ونحو ذلك وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة والتغليب مجاز و يؤيده آية الحجاب وغيرها ومما ذكرنا يظهر أن خطاب النبي صلى الله عليه وآله بقوله تعالى يا أيها النبي ويا أيها المزمل وغيرهما لا يعم غيره المقصد الثاني في بيان بعض مباحث التخصيص وهو قصر العام على بعض ما يتناوله وقد يطلق على قصر ما ليس بعام حقيقة كذلك كالجمع المعهود من ذلك تخصيص مثل عشرة والرغيف بالنسبة إلى أجزائهما والتخصيص قد يكون بالمتصل وهو ما لا يستقل بنفسه بل يحتاج إن إنضمامه إلى غيره كالاستثناء المتصل والشرط والغاية والصفة وبدل البعض بالمنفصل وهوما يستقل بنفسه وهو إما عقلي كقوله خالق كل شئ والمراد غير ذاته تعالى وأفعال العباد واما لفظي كقوله تعالى خلق لكم ما في الارض جميعا ولا تأكلوا مما لم يذكر إسم الله عليه واختلفوا في منتهى التخصيص إلى كم هو الاشهر أنه لا بد من بقاء جمع يقرب من مدلول العام ويجوز الاستعمال في الواحد على سبيل التعظيم وقد يفسر الجمع القريب من مدلول العام بكونه أكثر من النصف سواء علم العدد بالتفصيل أو ظهر بالقرينة كون الباقي أكثر كقولك أكرم أهل المصر إلا زيدا وعمروا وقيل لا بد في ذلك من بقاء جمع غير محصور وذهب جماعة إلى جوازه حتى يبقى واحد وقيل حتى يبقى ثلاثة وقيل إثنان وقيل لا بد (في ذلك من بقاء جمع غير محصور وذهب جماعة إلى جوازه حتى) في صيغة الجمع من بقاء ثلاثة وفي غيرها يجوز إلى الواحد وقيل أن التخصيص إن كان بالاستثناء أو بدل البعض جاز إلى الواحد نحو له علي عشرة إلا تسعة وإشتريت العشرة أحدها وإن كان بمتصل غيرهما كالشرط والصفة والغاية أو كان بمنفصل في محصور قليل فيجوز التخصيص إلى الاثنين مثل أكرم بني تميم الطوال أو إن كانوا طوالا أو إلى أن يفسقوا وقتلت كل زنديق وهم ثلاثة ولعله ناظر إلى صدق تلك العمومات مع الثلاثة وأكثرها إثنان وهذا من


[ 242 ]

الشواهد على أن العام يطلق عندهم على الجماعة المعهودة كما أشرنا وإن كان التخصيص بمنفصل في عدد غير محصور أو في عدد محصور كثير فكقول الاكثر والاقرب عندي قول الاكثر لما تقدم من أن وضع الحقائق والمجازات شخصية كانت أو نوعية يتوقف على التوقيف ولم يثبت جواز الاستعمال إلى الواحد من أهل اللغة وعدم الثبوت دليل عدم الجواز والقدر المتيقن الثبوت هو ما ذكرنا غاية الامر التشكيك في مراتب القرب وهو سهل إذ ذاك في الاحكام الفقهية والاصولية ليس بعادم النظير كما في الافراد الخفية الفردية في العام واللوازم الغير البينة اللزوم فما ترجح جوازه في ظن المجتهد فيجوز وما ترجح عدمه فلا وما تردد فيه فيرجع فيه إلى الاصل من عدم الجواز والقول بأن الرخصة في نوع العلاقة في المجاز يوجب العموم في الجواز غفلة عما حققناه في أوائل الكتاب وفي أوائل الباب إذ قد عرفت أن نوع العلاقة إطراده غير معلوم بالنسبة إلى جميع الاصناف وفي جميع أنواع الحقائق وسنبطل ما استدل به المجوزون واحتج الاكثرون على ذلك بقبح قول القائل أكلت كل رمانة في البستان وفيه آلاف وقد أكل واحدة أو ثلاثا ولعل مرادهم إستقباح أهل اللسان وإستنكارهم ذلك من جهة ما ذكرنا من عدم ثبوت مثله عن العرب لا محض الغرابة والمنافرة الموجبتين لنفي الفصاحة إذ عدم الفصاحة لا يستلزم عدم الجواز إلا أن يراد إستقباحه في كلام الحكيم سيما الحكيم على الاطلاق الذي هو موضوع علم الاصول ولكن ذلك لا يثبت نفي الجواز لغة والقطع بعدمه في كلام الحكيم أيضا مطلقا غير واضح والمقام قد يقتضي ذلك احتج مجوزوه إلى الواحد بأمور الاول أن إستعمال العام في غير الاستغراق مجاز على التحقيق وليس بعض الافراد أولى من البعض فيجوز إلى أن ينتهي إلى الواحد ورد بمنع عدم أولوية البعض لان الاكثر أقرب إلى الجميع وعورض بأن الاقل متيقن الارادة مع الكل ومع الاكثر بخلاف الاكثر فإنه متيقن المراد من الكل خاصة على أن أقربية الكثر تقتضي أرجحية ارادته على إرادة الاقل لا إمتناع إرادة الاقل وفي أصل الاستدلال وجميع الاعتراضات نظر أما في الاعتراضات فإن مبناها على ترجيح المراد من العام المخصوص كما لا يخفى لا بيان جواز أي فرد من أفراد التخصيص وعدمه كما هو المدعى فإنما يتمشى هذه إذا علم التخصيص في الجملة فلو دار الامر بين التخصيصات المختلفة أمكن التمسك بأمثال ما ذكر ولا يمكن ذلك في إثبات أصل الجواز وعدمه بل لا يجري بعض المذكورات فيه أيضا مثلا إذا قيل (أقتلوا) ؟ المشركين والمفروض ان المشركين مأة واحد منهم مجوسي والباقون أهل الكتاب وورد بعد ذلك نهي عن قتل المجوس و رود نهي أخر عن قتل أهل الكتاب وفرضنا تساوي الخاصين من حيث القوة فمن يلاحظ الاقربية إلى الجميع فلا بد أن يبني على النهي الاول ومن يلاحظ تيقن الارادة فلا بد أن يبني على الثاني ولكنك خبير


[ 245 ]

بأنه لا معنى حينئذ لدخول الاقل في الاكثر فإن المجوس ليس من جملة أهل الكتاب كما لا يخفى نعم يمكن إجراء ذلك في المخصص بالمجمل مثل أقتلوا المشركين إلا بعضهم ولكنه لا ثمرة فيه لسقوط العام عن الحجية بقدر الاجمال نعم قد يجري ذلك فيما لو أريد من بعضهم النكرة المطلقة الموكول تعيينها إلى إختيار المخاطب ولكن ذلك لا يفيد قاعدة كلية تنفع للاصولي في جميع الموارد وكيف كان فلا دخل لما ذكر فيما نحن بصدده فالتحقيق في الجواب أن الاولوية إنما تثبت فيما حصل من الاستقراء جوازه كما بينا والمراد بلفظ الاولوية في كلام المستدل وفي جوابنا هو المستحق الممكن الحصول مقابل الممتنع مثل قوله تعالى وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض لا الارجح كما هو غالب الاستعمال والغفلة عن ذلك إنما هو الذي أوجب مقابلته بهذه الاجوبة والاعتراضات فحاصل مراده أن العلاقة المجوزة لاستعمال العام في الخصوص هو العموم والخصوص وهو في الكل موجود فما الوجه لتخصيص بعض الافراد بالجواز دون بعض وليس مراده بيان نفي المرجح بعد قبول الجواز حتى يقابل ما ذكر وحاصل جوابنا أن الذي ثبت عن إستقراء كلام العرب من الرخصة في جواز إستعمال العام في الخاص إنما هو الاستعمال في الجمع القريب بالمدلول لا مطلق علاقة العموم والخصوص حتى يتساوى الكل فيه وما يظهر من بعضهم أن العلاقة هو علاقة الكل والجزء وإستعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء غير مشروط بشئ كما اشترط في عكسه كون الجزء مما ينتفي بإنتفائه الكل وهو مساو في الجميع ففيه أن أفراد العام ليست أجزاء له فإن مدلول العام كل فرد لا مجموع للافراد مع أن إستعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء إنما يثبت الرخصة فيه فيما لو كان الجزء غير مستقل بنفسه ويكون للكل تركيب حقيقي وهو مفقود فيما نحن فيه ومن ذلك يظهر أن الكلام لا يجري في مثل العشرة أيضا رأسا فضلا عن صورة إبقاء الواحد وإتفاق الفقهاء على أن من قال له علي عشرة إلا تسعة يلزمه واحد لا يدل على صحة هذا الاطلاق كما سيجئ وجواز إبقاء الجمع القريب بالمدلول فيه أيضا لا يلزم أن يكون بسبب علاقة الجزئية فإن الحيثيات معتبرة والمعتبر هو علاقة العموم والخصوص وإن لم يكن من باب العموم المصطلح المشهور وإن كان يرجع إليه بوجه لان المراد بالعشرة في الحقيقة وهو مميزة مثل الدراهم والدنانير فيصير من باب الجمع المعهود فكان المعنى له علي دراهم عددها عشرة وكذلك الكلام في الاعداد التي مميزها في صورة المفرد فإن معناها جمع ومما ذكرنا ظهر أيضا أن العلاقة ليست من باب إستعمال الكلى في الجزئي أيضا وإنما هو في العام والخاص المنطقيين ثم أن صاحب المعالم رحمه الله أجاب عن أصل الدليل بأن العلاقة في ذلك المجاز إنما هو المشابهة لعدم تحقق الجزئية في افراد العام وهي إنما تتحقق في كثرة تقرب من مدلول العام فهذا وجه الاختصاص وفيه منع حصر العلاقة فيهما بل العلاقة إنما هو العموم والخصوص وكون ذلك من جملة العلائق


[ 246 ]

من الواضحات التي لا تحتاج إلى البيان مصرح به في كلام أهل الاصول والبيان والظاهر أن كونه علاقة إتفاقي وما يتراى من الخلاف من كلام بعضهم كالمحقق الكاظمي في شرح الزبدة حيث نسب كون العلائق خمسة وعشرين ومن جملتها العموم والخصوص إلى المشهور والمحقق البهائي رحمه الله في حاشية الزبدة حيث نسب إلى القدماء فهو ناظر إلى تغيير العبارات من حيث الايجاز والاطناب فبعضهم ردها إلى إثنين وبعضهم إلى خمسة وبعضهم إلى إثنى عشرة وكل ذلك إختلاف في اللفظ وإلا فلا خلاف ولاصحاب هذا القول أيضا حجج واهية أخرى منها قوله تعالى وإنا له لحافظون وفيه أنه من باب التشبيه لقصد التعظيم لا من باب ذكر العام وإرادة الخاص فكأنه لاجتماعه جميع صفات الكمالات الحاصلة في كل واحد سيما وصف الحافظية صار بمنزلة العام أو لان العظماء لما جرت عادتهم بأنهم يتكلمون عنهم وعن أتباعهم فيغلبون المتكلم فصار ذلك كناية عن العظمة ومنها قوله تعالى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم والمراد نعيم ين مسعود بإتفاق المفسرين وأجيب بمنع إتفاق المفسرين أولا وان الناس ليس بعام بل للمعهود ثانيا و الظاهر أن مراده عهد الجمع وفيه إشكال لان الناس إسم جمع وإطلاقه على الواحد على سبيل العهد غير واضح وهذا التفسير رواه أصحابنا عن أئمتهم عليهم السلام فلاوجه لرده والصواب في الجواب ان ذلك أيضا ليس من باب التخصيص بل من باب التشبيه فإن أبا سفيان لما خرج إلى ميعاد رسول الله صلى الله عليه وآله للحرب بعد عام أحد ألقى الله الرعب عليه فأراد الرجوع وكره أن يكون ذلك على وجه الصغار و الاحجام عن الحرب ويكون ذلك سببا لجرئة أهل الاسلام فأراد تثبيط رسول الله صلى الله عليه وآله عن الحرب على سبيل الخداع بأن يخوفهم حتى يتقاعدوا فلقي نعيم بن مسعود واشترط له عشرة من الابل على أن يثبطهم عن الحرب فجاء نعيم وقال لهم أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ووجه التشبيه أنه لما أخبر عن لسان الناس يعني أبا سفيان وجيشه وتكلم عن مقتضى مقصدهم وكان ذلك رسالة عنهم فكأنهم قالوا ذلك بأنفسهم وهذا مجاز شايع في المحاورات وفي تكرير المعرف باللام إيهام إلى المبالغة في الاتحاد ومنها أنه علم بالضرورة من اللغة صحة قولنا أكلت الخبز وشربت الماء ويراد به أقل القليل مما يتناوله الماء والخبز وفيه انا قد حققنا في أول الباب أن المفرد المحلى باللام حقيقة في الجنس ومجاز في غيره والقرينة قائمة هنا على إرادة الفرد المعين عند المتكلم المطابق للمعهود الذهني وهو نظير قولنا جاء رجل بالامس عندي لا من قبيل جئني برجل فكما أن للنكرة إطلاقين قد مر بيانهما فكذلك للعهد الذهني المساوق لها في المعنى والحاصل أن المراد به المعهود الذهني سواء قلنا بإشتراك المعرف باللام بين المعاني الاربعة ويعين ذلك بالقرينة أو قلنا بكونه حقيقة في الجنس واستعمل هنا في الفرد حقيقة


[ 247 ]

من باب إطلاق الكلي على الفرد مع قطع النظر عن الخصوصية فإن إستعمال الكلي في الفرد وإن كان على سبيل المجاز أيضا فهو من باب إستعمال العام المنطقي في الخاص لا العام الاصولي وكيف كان فهو خارج عن المبحث احتج مجوزوه إلى الثلاثة والاثنين بما قيل في الجمع وإن أقله ثلاثة أو إثنان وفيه منع واضح إذ لا ملازمة بين الجمع والعام في الحكم وقد يوجه بأن العام إذا كان جمعا كالجمع المعرف باللام فيصدق على الثلاثة والاثنين ولا قائل بالفصل وفيه أن من ينكر التخصيص إلى الواحد والاثنين والثلاثة لا يسلم ذلك في الجمع المعرف باللام أيضا وحجة التفصيل مع جوابه يظهر بالتأمل فيما ذكر وما سيجئ قانون إذا خص العام ففي كونه حقيقة في الباقي أو مجازا أقوال وقبل الخوض في المبحث لا بد من تمهيد مقدمات الاولى أن الغرض وضع الالفاظ المفردة ليس إفادة معانيها لاستحالة إفادتها لغير العالم بالوضع وإستفادة العالم بالوضع ايضا غير ممكن لا ستلزامه الدور لان العلم بالوضع مستلزم للعلم بالمعنى واللفظ ووضع اللفظ للمعنى فالعلم بالمعنى مقدم على العلم بالمعنى بل إنما المقصود من وضعها تفهيم ما يتركب من معانيها بواسطة تركيب ألفاظها الدالة عليها للعالم بالوضع فإن قلت فما معنى الدلالة عليها وما معنى قولهم الوضع تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه وجعل الدلالة عرضا للوضع ينافي ما ذكرت من نفي ذلك قلت لا منافاة فإن مراده من الدلالة على معنى هناك صيرورته موجبا لتصور الموضوع له و مرادهم ثمة في نفي كون إستفادة المعاني غرضا في الوضع التصديق بأن تلك المعاني قد وضعت لها تلك الالفاظ فمجمع القاعدتين أن الالفاظ قد وضعت بإزاء المعاني لاجل أن يحصل تصور المعاني بمجرد تصور الالفاظ ليتمكن من تركيبها حتى يحصل المعنى المركب ويحصل به تفهيم المعنى المركب ولما كان المقصود من وضع الالفاظ تفيهم المعاني المركبة الموقوفة غالبا على إستعمال الالفاظ وتركيب بعضها مع بعض ولا بد أن يكون الاستعمال أيضا على قانون الوضع ول ينفك الدلالة غالبا عن الارادة بمعنى أن المدلول غالبا لا بد أن يكون هو المراد ولا بد أن يكون المراد ما هو مدلول اللفظ ويحمل اللفظ عليه وإن لم يكن مرادا للافظ في نفس الامر ولا بد أن يكون المراد موافقا لقانون الوضع من حيث الكمية والكيفية فلا إستبعاد أن يقال مرادهم من الدلالة في تعريف الوضع هو الدلالة على مراد اللافظ ويتضح حينئذ عدم المنافاة غاية الوضوح وحينئذ فالمشترك لا يدل إلا على معنى واحد لان الوضع لم يثبت إلا لمعنى واحد وقد مر تحقيق ذلك في محله وإن أبيت إلا عن أن مرادهم من قولهم الوضع هو تعيين اللفظ للدلالة على معنى هو تعيينه لاجل تصور المعنى مطلقا وقلت أنه حاصل في المشترك إذا تصور معانيه بمجرد تصور لفظه فكيف ينكر دلالته عليه وعدم جواز إرادة أكثر من معنى في الاستعمال لا يستلزم عدم تصور الاكثر من معنى عند تصوره بل


[ 248 ]

تصور المعنى يحصل عند تصور اللفظ وإن لم يستعمل اللفظ أو إستعمله من لا إرادة له أصلا كالنائم و الساهي فنقول ان تصور معنى المشترك ليس عين تصور ما عين له اللفظ ليحصل من تصوره تصوره إذ الواضع قد عين اللفظ بإزاء كل منهما مستقلا فلم يثبت من الواضع إلا كون كل من المعنيين موضوعا له اللفظ في حال الانفراد والتعدي عنه خروج عن قانون الوضع فمدلول اللفظ يعني ما عين الواضع اللفظ لاجل الدلالة عليه ليس إلا معنى واحد فراجع ما حققنا لك في أوائل الكتاب و (تبصر) ؟ وإلى ما ذكرنا ينظر الكلام المحقق الطوسي رحمه الله في بيان عدم إحتياج حدود الدلالات إلى قيد الحيثية ولا بأس أن نشير إليه وإن كان خروجا عن مقتضى البحث فاعلم أن العلامة الحلي قدس سره في شرح منطق التجريد بعدما أورد الاشكال المشهور على حدود الدلالات بقوله واعلم أن اللفظ قد يكون مشتركا بين المعنى وجزئه أو بينه وبين لازمه وحينئذ يكون لذلك اللفظ دلالة على ذلك الجزء من جهتين فبإعتبار دلالته عليه من حيث الوضع يكون مطابقة وبإعتبار دلالته عليه من حيث دخوله في المسمى يكون تضمنا وكذا في الالتزام فكان الواجب عليه يعني على المصنف أن (يعيد) ؟ في الدلالات الثلاث دخوله من حيث هو كذلك وإلا إختلت الرسوم قال ولقد أوردت عليه قدس الله روحه هذا الاشكال فأجاب بأن اللفظ لا يدل بذاته على معناه بل بإعتبار الارادة والقصد واللفظ حين يراد منه معناه المطابقي لا يراد منه معناه التضمني فهو إنما يدل على معنى واحد لا غير وفيه نظر إنتهى وحاصل ما ذكره ذلك المحقق كما نقل عنه بالمعنى في موضع آخر أن دلالة اللفظ لما كانت وضعية كانت متعلقة بإرادة اللافظ إرادة جارية على قانون الوضع فاللفظ إن أطلق وأريد به معنى وفهم منه ذلك المعنى فهو دال عليه وإلا فلا فالمشترك إذا أطلق واريد به أحد المعنيين لا يراد به المعنى الاخر ولو أريد أيضا لم يكن تلك الارادة على قانون الوضع لان قانون الوضع أن لا يراد بالمشترك إلا أحد المعنيين فاللفظ أبدا لا يدل إلا على معنى واحد فذلك المعنى إن كان تمام الموضوع له فمطابقة وإن كان جزئه متضمن وإلا فإلتزام وتوضيحه أن التضمن التكلم بالالفاظ الموضوعة لما كان مقتضاه أن تكون صادرة على طبق قانون الوضع فلا بد أن يراد منها ما أراده الواضع على حسب ما أراده ومن المحقق أن وضع المشترك لكل واحد من معانيه مستقل غير ملتفت إليه إلى معناه الاخر فلم يحصل الرخصة من الواسع إلا في إستعماله في حال الانفراد فلم يوجد مادة يتوهم إستعمال المشترك في معنييه حتى يقال أنه اتحد مصداق الدلالة المطابقية والتضمنية مثلا حينئذ فاما يستعمل اللفظ في الكل أو في الجزء على سبيل منع الجمع وفي صورة إستعماله في الكل لم يرد منه إلا الكل وكون الجزء أيضا معنى اخر له لا يستلزم جواز إرادته منه حتى يدل عليه أيضا فلا دلالة للفظ حين إرادة الكل على المعنى الاخر الذي


[ 249 ]

هو الجزء وأما مجرد تصوره حينئذ فلا يستلزم كونه مدلولا له بالفعل على ما قدمنا لكون ذلك خلاف مقتضى الوضع وحينئذ فلا يراد من اللفظ إلا معنى واحد فإن اعتبر دلالته على ذلك المعنى بتمامه لمطابقة وإن اعتبر دلالته على جزئه من جهة كون الجزء في ضمن الكل فتضمن وإن إعتبر دلالته على لازم له إن كان له لازم بمعنى الانتقال من أصل المعنى إلى ذلك اللازم فهو إلتزام ولا يخفى إن الدلالة على الجزء بهذا المعنى يعني في ضمن الكل هو معنى التضمن لا إذا استعمل اللفظ في الجزء مجازا كما يتوهم وكذلك في الالتزام وأما إستعماله في الجزء منفردا إذا وضع له بوضع عليحدة فهو مطابقة جزما فعلى ما مر من التحقيق فاللفظ اما مستعمل في الكل سواء اعتبر فيه الدلالة التضمنية أو الالتزامية أم لا واما مستعمل في الجزء فلا (يمكن تصادق) ؟ الدلالة التضمنية الحاصلة في الصورة الاولى مع المطابقية التي هي الدلالة على هذا الجزء بعينه من جهة وضعه له على حدة وإستعماله فيه إذ تلك الدلالة التضمنية لا تنفك من المطابقية التي هي في ضمنه وهو أحد معنيي المشترك ولا يجوز مع إرادته إرادة المعنى الاخر الذي هو ذلك الجزء بعينه بوضع مستقل وظهر أيضا أنه لا ينتقض كل واحد من التضمن والالتزام بالاخر بأن يكون جزء أحد المعنيين لازما للاخر أو بالعكس لان صدق كل منهما على الاخر يستلزم جواز إرادة كل واحد من المطابقيين فلنفصل الكلام ليتضح المرام فنقول ان المعترض يقول أن اللفظ المشترك بين الكل والجزء إذا أطلق على الكل كان دلالته على الجزء تضمنا مع أنه يصدق عليها أنها دلالة اللفظ على تمام ما وضع له فينتقض بها حد المطابقة وإذا أطلق على الجزء كان دلالته عليه مطابقة ويصدق عليها أنها دلالة اللفظ على جزء ما وضع له اللفظ وكذا الحال في الملزوم واللازم وأقول إنا لا نسلم حينئذ أن دلالة اللفظ على الجزء في ضمن الكل وبتبعيته كما هو معنى دلالة التضمن يصدق عليها أنها دلالة اللفظ على تمام ما وضع له وإن كان ذلك تمام الموضوع له بوضع آخر لان الدلالة على تمام الموضوع له انما هو تابع جواز الارادة الجارية على قانون الوضع وقد ذكرنا أن المشترك إذا أريد منه أحد معانيه فلا يجوز إرادة الاخر معه مثلا في حوالينا رستاق مسمى بالكزاز (مشتمل على قرى كثيرة إحديها مسماة بالكزاز) فإذا أطلق الكزاز وأريد منه ذلك الرستاق فانفهام تلك القرية إنما هو بالتبع وفي ضمن إنفهام الكل ولا ريب أنه حينئذ لا يدل على تلك القرية الخاصة بخصوصها ولا يجوز إرادتها أيضا فهو غير مدلول اللفظ بالاستقلال حينئذ نعم لو جاز إرادة المعنيين ولم تخالف القانون الوضع لاحتاج حينئذ إلى قيد الحيثية والقول بأن تلك القرية من حيث أنه جزء أحد المعنيين المطابقيين مدلول تضمني ومن حيث أنه نفس أحدهما الاخر فهو مطابقي قوله وإذا اطلق على الجزء كان دلالته عليه مطابقة إلخ قلنا لا نسلم حينئذ صدق أنه دلالة اللفظ على جزء ما وضع له الذي هو الدلالة التضمنية إذ المراد بها


[ 250 ]

دلالته عليه في ضمن الكل وتبعيته وهو موقوف على جواز إرادة الكل الذي ذلك المعنى جزئه وهو ممنوع لما ذكرنا ومما ذكر يظهر الكلام في الملزوم واللازم وبالجملة فلزوم كون الدلالة المطابقية مطابقة لارادة اللافظ الجارية على قانون الوضع كاف في دفع إنتقاض حد كل واحد من الدلالات بالاخر ومما ذكرنا ظهر أن مراد المحقق الطوسي رحمه الله من قوله لايراد منه معناه التضمني فيما نقله العلامة رحمه الله عنه لا يراد منه معناه التضمني الحاصل بسبب ذلك المطابقى بإرادة مستقلة مطابقية أخرى بالنظر إلى وضعه الاخر ومن قوله فهو إنما يدل على معنى واحد لا غير أنه لا يدل إلا على معنى مطابقي واحد كما لا يخفى فإذا دل على أحد المطابقيين الذي هو الكل وتبعه فهم الجزء ضمنا فلا يدل على المطابقي الاخر الذي هو الجزء بالاستقلال ومن ذلك تقدر على توجيه أخر ما نقله عنه الناقل بالمعنى في توضيحه وبالتأمل فيما ذكرنا لك يظهر أن كثيرا من الناظرين غفلوا عن مراده واعترضوا عليه بأمور لا يرد عليه مثل إلزامه بإمتناع الاجتماع بين الدلالات الثلاث لما ذكره من إمتناع أن يراد بلفظ واحد أكثر من معنى واحد ويندفع بأن مراده إجتماع الدلالات التي تتوقف على الارادة وهي الدلالات المطابقيات والتضمن والالتزام ليس من هذا القبيل ومثل أنه يلزمه أن تكون الدلالة التضمنية والالتزامية موقوفتين على الارادة من اللفظ ويندفع مما مر أيضا إذ مطلق الدلالة لا يتوقف عنده على الارادة ومثل ما قيل أنه بعد تسليم عدم ورود ما ذكر أنه لا يفيد في هذا المقام لان اللفظ المشترك بين الجزء والكل إذا أطلق وأريد به الجزء لا يظهر أنه مطابقة أو تضمن وكذا المشترك بين اللازم والملزوم ويندفع بأنه لا ريب أنه حينئذ مطابقة كما يظهر مما تقدم هذا ما وصل إليه فهمي القاصر في تحقيق المرام وبعد هذا كله فالمتهم إنما هو فكري والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم إذا تقرر ذلك فلنعد إلى ما كنا فيه فنقول انهم قيدوا الالفاظ بالمفردة ومقتضاه أن الغرض من وضع الالفاظ المركبة هو إفادة معانيها ولا يلزم فيها الدور لمنع توقف إفادة الالفاظ المركبة لمعانيها على العلم بكونها موضوعة لها وقد يستند ذلك المنع بأنا متى علمنا كون كل واحد من تلك الالفاظ المفردة موضوعا لمعناه وعلمنا أيضا كون حركات تلك الالفاظ المفردة دالة على النسب المخصوصة لتلك المعاني فإذا توالت الالفاظ بحركاتها المخصوصة على السمع ارتسمت تلك المعاني المفردة مع نسب بعضها إلى بعض في ذهن السامع ومتى حصلت المعاني المفردة مع نسبة بعضها إلى بعض حصل العلم بالمعاني المركبة لا محالة أقول وتحقيق المقام أن المركبات لا وضع لها بالنظر إلى أشخاصها بل وضع المركبات من حيث أنها مركبات


[ 251 ]

نوعي وفائدة الوضع النوعي إفادة معاني أشخاصها فمن تحقق نوع التركيب في ضمن فرد خاص يعرف التركيب الخاص فالمركب من حيث إشتماله على الالفاظ المفردة حكمه ما تقدم ومن حيث إشتماله على النوع المعين من التركيب حكمه إفادة تحقق هذا النوع في ضمن هذا الشخص منه فهيئة تركب الفعل مع الفاعل والمفعول أيضا مثلا على النهج المقرر في الاعراب والتقديم والتأخير موضوعة لافادة صدور الفعل عن الفاعل ووقوعه على المفعول فإذا تشخص في مادة ضرب زيد (عمروا) أفادت صدور الضرب عن زيد ووقوعه على عمرو ضرورة حصول الكلي في ضمن الفرد وأما فهم معنى الضرب وزيد وعمرو فقد تقدم الكلام فيه وقد يحصل من جهة الهيئة التركيبية تفاوت في أوضاع المفردات كما في صورة التوصيف والتقييد والاستثناء ونحو ذلك فالمعتبر في وضع المركب هو ما اقتضاه الهيئة التركيبية لا خصوص وضع المفرادت الثانية الاستثناء من النفي إثبات وبالعكس خلافا للحنفية في الموضعين وقيل أن خلافهم إنما هو في الاول وأما في الثاني مثل له علي عشرة إلا ثلاثة فهم أيضا يقولون بإفادة النفي وربما اعتذر لذلك بأن قولهم بذلك إنما هو لاجل مطابقته لاصل البرائة لا لاجل إفادة اللفظ وقد أشرنا إلى مثل ذلك في مبحث المفاهيم وكيف كان فالمختار الافادة في المقامين للنقل عن أهل اللغة والتبادر ولان كلمة التوحيد يفيده بلفظه إتفاقا والقول بأن دلالتها شرعية ظاهر الفساد لان النبي صلى الله عليه وآله كان يقبل ذلك من أهل البادية الغير المطلعين بحال الشرع ولولا أنهم يريدون به ذلك لما قبله منهم واستدل الحنفية بقوله صلى الله عليه وآله لا صلاة إلا بطهور ولا نكاح إلا بولي والوجه في تقريره أنه لو كان كما قلتم لزم ثبوت الصلاة بمجرد الطهور وحصول النكاح بمجرد حصول الولي مع أن حصول الصلاة والنكاح يتوقف على أمور شتى وجوابه أنه لما لم يجز إستثناء الطهور عن الصلاة للمخالفة فلا بد من تقدير أما في جانب المستثنى يعني لا صلاة صحيحة الا صلاة متلبسة بطهور أو المستثنى منه يعني لا صلاة صحيحة بوجه من الوجوه إلا بإقترانها بالطهور والمطلوب نفي إمكان الصحة بدون الطهور والاستثناء يقتضي إمكان الصحة معه كما هو مقتضى الشرطية وحينئذ فالحصر بالنسبة إلى أحوال عدم الطهور وإن جامع جميع الكمالات المتصورة للصلاة لا إلى سائر شروط الصحة حتى يلزم إنحصار جهة الصحة في الطهور فيصير سببا للصحة ويلزم المحذور وقد يوجه بإرادة المبالغة في المدخلية والحصر الادعائي وما ذكرناه أوجه وبالجملة فهذا النوع من التركيب ظاهر فيما ذكرناه وهو عين ما جعلناه حقيقة في الاستثناء سلمنا عدم الظهور لكن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز خير من الاشتراك وقد أثبتنا الحقيقة فيما إدعيناه بالتبادر


[ 252 ]

فلا يضر الاستعمال في غيره ومن ذلك يظهر الجواب عما استدل بعضهم بقوله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطاء فإن إستثناء منقطع والمراد إخبار عن حال المؤمن أنه لا يفعل ذلك إلا خطاء أو المراد الرخصة فيما حصل له الظن بالجواز كما إذا حسبه المؤمن صيدا وقتله أو حربيا بسبب إختلاطه معهم ولا ينحصر الخطاء فيما لو لم يكن فيه قصد حتى لا يصح الاستثناء من عدم الرخصة الثالثة إختلفوا في تقرير الدلالة في الاستثناء من جهة كونه تناقضا بحسب الظاهر فقيل أن المراد بالعشرة مثلا في قولنا له علي عشرة إلا ثلاثة هو معناه الحقيقي ثم اخرج الثلاثة بحرف الاستثناء ثم اسند الحكم إلى الباقي أعني السبعة فليس في الكلام إلا إسناد واحد فلا تناقض اختاره العلامة رحمه الله وأكثر المتأخرين والاكثرون ومنهم السكاكي في المفتاح على أن المراد بالعشرة هو السبعة وحرف الاستثناء قرينة المجاز والقاضي أبو بكر على أن مجموع عشرة إلا ثلاثة إسم لسبعة كلفظ سبعة وأوسط الاقوال أوسطها لبطلان القولين الاخرين ولا رابع أما بطلان الاول فلانه يستلزم أن لا يكون الاستثناء من النفي إثباتا كما هو مذهب الحنفية وهو خلاف التحقيق كما مر فيلزم حينئذ أن لا يثبت في ذمة من قال ليس له علي شي ء إلا خمسة شئ لان الخمسة مخرجة عن شئ قبل إسناد النفي إلى شئ فهي في حكم المسكوت عنه بل يلزم أن لا يكون الاستثناء من الاثبات أيضا نفيا وأيضا فلو أشير إلى عشرة مجتمعة شخصية وقيل خذ هذه العشرة إلا ثلاثة منه فلا يتصور هناك إخراج إلا من الحكم فإن المفروض أنه لا يخرج أشخاص الثلاثة من جملة العشرة بل المراد إخراجها عنها بحسب الحكم فلا بد من القول بإخراجها عن الحكم المتعلق بالمجموع والمفروض أنه لا حكم إلا الاسناد الموجود في الكلام فإن قلت هذا كر على ما فررت منه من لزوم التناقض وكيف المناص عن ذلك على ما اخترت قلت وإني لاظنك غاقلا عن حقيقة التخصيص ملتبسا عليك أمره بالبداء فإنك إن أردت من الاخراج في قولهم الاستثناء هو إخراج ما لولاه لدخل هو الاخراج الحقيقي عن الحكم الصادر عن المتكلم بعنوان الجزم فهو لا يتحقق إلا في صورة البداء والاستدراك كما لو سهى المتكلم وغفل عن حال المخرج ثم تذكره بعد إيقاع الحكم على المخرج منه أو جهل بكونه داخلا وحكم بالمجموع ثم علم فاخرج وأنت خبير بأن أمثال ذلك لا يتصور في كلمات الله تعالى وأمنائه عليهم السلام في الاحكام الشرعية والتخصيص المذكور في ألسنة الاصوليين والفقهاء ليس ذلك جزما فإن قلت فعلى هذا فيكون الهيئة الاستثنائية إستعارة تمثيلية في التخصيص المصطلح فيكون مجازا وهو بعيد قلت كون معنى الاستثناء ذلك لا يوجب التجوز في الهيئة الاستثنائية كما لا يخفى وإن أردت من الاخراج أعم من الاخراج الواقعي


[ 253 ]

بأن يكون المراد الاخراج عما هو في صورة الثابت وإن لم يكن ثابتا في نفس الامر فلا تناقض أيضا وهو المراد في التخصيص وبيانه أن القائل يسند الحكم أولا بالباقي ولكن يؤديه بلفظ الاسناد إلى الكل لنكتة ثم يجئ بلفظ دال على الاخراج للقرينة على إرادة الباقي ويظهر بذلك أنه أراد به الاخراج عما هو ظاهر المراد لا عن نفس المراد وذلك بعينه مثل قولك رأيت أسدا يرمي فلا يريب أحد في أن المراد بالاسد حقيقة فيه هو الرجل الشجاع ويرمي للعدول عما هو ظاهر المراد من لفظ الاسد ولا يمكن فيه إرادة الحيوان المفترس إلا على جعل الاستعارة من باب المجاز العقلي كما هو مذهب السكاكي بجعل الاسد شاملا للاسد الادعائي مع أنه أيضا مجاز لغوي كما لا يخفى والمراد به غير ما هو مدلوله اللغوي جزما كما لا يخفى وأما النكتة التي أشرنا إليها فهو أن المتكلم إذا أراد النسبة إلى الباقي فذكره بعنوان الحقيقة يستلزم تعداد أسامي الباقي وهو متعذر غالبا أو متعسر فلا بد أن يجعل مقامه شيئا يتمكن به عن ذلك فيطلق عليه نفس العام مجازا مع نصب قرينة عليه وهو الاستثناء وما يجري مجراه من المخصصات المتصلة أو يأتي بإسم آخر للباقي إن كان له إسم كما هو موجود في الاعداد والعدول في الاعداد من الاسم إلى ذكر العام وقرينة الاخراج أيضا لا بد أن يكون لنكتة كما في قوله ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما مع التمكن عن قوله تسعمأة وخمسين عاما وهو أن عدد الالف مما يضرب به المثل للكثرة والمقام مقام بيان طول المكث والحاصل أن مقتضى إرادة التخصيص اللائق بكلام الله تعالى وأوليائه الذي هو محط نظر الاصولي هو إسناد الحكم إلى الباقي في نفس الامر مع تأديته بلفظ قابل للاخراج ثم الاخراج بملاحظة ظاهر الارادة وإن لم يكن إخراج في نفس الامر أصلا و ما ذكره بعض المدققين في رفع التناقض حيث قال ولك أن يزيد أنه مخرج عن النسبة إلى المتعدد بأن تريد جميع المتعدد وتنسب الشئ إليه فتأتي بالاستثناء لاخراجه عن النسبة ولا تناقض لان الكذب صفة النسبة المتعلقة للاعتقاد ولم ترد بالنسبة إفادة الاعتقاد بل قصدت النسبة لتخرج عنه شيئا ثم تفيد الاعتقاد فإن أراد به ما ذكرنا فهو وإلا فلا تركب في النسبة المستفادة من الكلام ليفك ويجعل بعضها متعلقا للاخراج وبعضها متعلقا للاعتقاد مع أنه لا يتأتى حينئذ على ما هو التحقيق من كون الاستثناء من النفي إثباتا وبالعكس كما لا يخفى على المتأمل ومما حققنا ظهر أنه لا وجه للايرادات التي أوردوها على المذهب المختار من لزوم الاستثناء المستغرق في قولك إشتريت الجارية إلا نصفها لو أردت بالجارية نصف كلها والتسلسل لو أريد ما بقي من النصف بعد الاخراج وهو الربع وإذا كان المراد بالنصف الربع فيكون المراد بالربع المستثنى منه الثمن وهلم جرا ومن أن ضمير


[ 254 ]

نصفها عائد إلى الجارية بكمالها قطعا وان المراد إلا نصف كلها فيكون المراد من الجارية كلها لا نصفها وذلك لان المراد بالجارية مع إنضمام الاستثناء إليه وهو القرينة نصفها لا المراد بالجارية وحدها وبعد ملاحظة الانضمام فلا يبقى إستثناء أخر ليلزم المحذور وأما ارجاع الضمير إلى كل الجارية فجوابه أن الاخراج إذا كان من ظاهر المراد لا نفس الامر على ما حققناه فالضمير أيضا يعود إلى ظاهر المراد من اللفظ على سبيل الاستخدام ويظهر مما ذكر الجواب عن سائر الايرادات التي لم نذكرها أيضا ثم أن هذا القول الذي أبطلناه كما ترى مخصوص في كتبهم بالاستثناء أو المخصص المتصل وزاد بعضهم تجويز هذا القول في المخصص المنفصل أيضا وقال أنه لا يمتنع أن يراد بلفظ العام الاستغراق ويسند الحكم إلى بعضه بمعونة الخارج من سمع أو عقل ودعوى قبحه دون التجوز باللفظ عن معنى لا يعلم إلا بعد الاطلاع على سمع أو عقل خارج تحكم فإن الكلام إنما هو في تصرف المتكلم في أنه هل تصرف في معنى اللفظ وأحال العلم به إلى الخارج أو تصرف في الحكم وأحال الامر إليه ولزوم الاغراء بالجهل مشترك وأقول مضافا إلى ما مر من بطلان هذا القول في المخصص المتصل المستلزم لبطلان ذلك بطريق أولى أن من مفاسد هذا القول لزوم اللغو في إرادة الحكيم فإن إرادة الاستغراق من اللفظ حينئذ لا فائدة فيه بل هو غلط فإنا قد بينا لك في المقدمة الاولى أن الغرض من وضع الالفاظ هو تركيب معانيها وتفهيم التراكيب والاحكام المتعلقة بمفاهيم تلك الالفاظ فإذا لم يرد في الكلام إسناد إلى نفس مفهوم العام ولا إسناده إلى شئ سواء كان إسنادا تاما أو ناقصا فما الفائدة في إرادتها فإن قلت ذكر العام وإرادة مفهومه أولا لاجل إحضاره في ذهن السامع ثم إسناد الحكم إلى بعضه وإخراج بعض آخر منه قلت إنما يتم هذا لو جعل العام في الكلام موضوعا لان يحمل عليه هذان الحكمان مثل أن يقال كل إنسان إما كاتب أو غير كاتب وأين هذا ما نحن فيه وليس معنى قولنا أكرم العلماء إلا زيدا ان العلماء يجب إخراج زيد من جملتهم وإكرام الباقي فإنه لا خلاف في صحته وكونه حقيقة حينئذ ودعوى كون معنى هذا التركيب هو ما ذكرنا يحتاج إلى الاثبات والذي هو محط نظر أرباب البلاغة في اداء المعاني وإيهاماتهم إنما هو بعد تصحيح اللفظ بل جعله فصيحا أيضا نعم ملاحظة إعتباراتهم في البلاغة يتم فيما اخترناه كما أشرنا من جعل الاسناد أولا متوجها إلى العام ثم نصب القرينة على خلافه للنكتة التي ذكرنا وغيرها وحاصل الكلام وفذلكة المرام أن علينا متابعة وضع الواضع أو رخصة في نوع المجاز والذي نفهمه من اللفظ كون لفظ العام موردا للاسناد ومقتضاه كون مفهومه موردا للاسناد وليس في الكلام إسناد آخر يتعلق بالباقي فلابد من التصرف في لفظ


[ 255 ]

العام بمعونة قرينة المخصص والعضدي أسس هنا أساسا جديدا في تحقيق المقام وبه اخرج كلام القوم عن ظاهره ورد الاقوال الثالثة إلى إثنين وحاصله أن هنا مفهومين أحدهما عشرة موصوفة بأنها اخرجت عنها الثلاثة وثانيهما الباقي من العشرة بعد إخراج الثلاثة فإن قلنا أن قولنا عشرة إلا الثلاثة معناه الحقيقي المفهوم الاول فيكون مجازا في السبعة كما هو مذهب الجمهور وإن قلنا إن معناه الحقيقي هو الثاني فيكون حقيقة في السبعة لا بمعنى أنه وضع له وضعا واحدا بل على أنه يعبر عنه بلازم مركب ثم رد القول الثالث الذي هو مختار إبن الحاجب والعلامة والمتأخرين إلى أحد هذين القولين وطريق الرد على ما فهمه التفتازاني أن القول الثالث بيان لمعاني مفردات الهيئة التركيبية قال وعلى أي حال فالمفردات مستعملة في معانيها الحقيقية إنما الخلاف في المركب فعند الجمهور مجاز في السبعة وعند القاضي حقيقة فيه هذا وقد ظهر لك بما حررنا ان الجمهور لا يقولون بمجازية لفظ العشرة التي هو أحد المفردات في السبعة مع أن تفسير قولهم بأنهم يريدون بالمركب العشرة الموصوفة بالاخراج المذكور مناف لوضع الاسثناء والمتبادر من الاخراج وغير ذلك أيضا وأما قول القاضي يعني كون مجموع المركب إسما للسبعة لا بمعنى كونه موضوعا له بوضع عليحدة حتى يرد عليه أنه خارج عن قانون اللغة إذ ليس في لغتهم إسم مركب من ثلاثة ألفاظ يعرب الجزء الاول منه وهو غير مضاف وأنه يلزم إعادة الضمير على جزء الاسم في إشتريت الجارية إلا نصفها مع عدم دلالة فيه بل بمعنى التعبير عنه بلازم مركب كالطائر الولود للخفاش ومثل ذلك أربعة مضمومة إلى الثلاثة لها ومثل بنت سبع وأربع وثلث لاربعة عشر وهكذا فيرد عليه ايضا أنه مستلزم لخلاف التحقيق من كون الاستثناء من النفي إثباتا وبالعكس وإن ذلك يتم لو كان معنى عشرة إلا ثلاثة الباقي من العشرة بعد إخراج الثلاثة وتبادر منه كما حرره العضدي وهو ممنوع ومستلزم لان لا يكون الاستثناء تخصيصا أيضا كما لا يخفى وتنزيل مذهب الجمهور الذي إخترناه على إرادة العشرة الموصوفة بإخراج الثلاثة عنه كما فهمه العضدي أيضا يستلزم وحدة الحكم فليس هناك نفي ولا إثبات وأنت خبير بأن جميع ذلك خروج من الظاهر ومخالف لقواعد العرف والعادة وإستقصاء الكلام في النقض والابرام على ما ذكره القوم في هذا المقام تضييع للايام الرابعة الاستثناء المستغرق لغو إتفاقا سواء ساوى المستثنى منه أو زاد عليه فيعمل على الحكم الوارد على جميع المستثنى منه وإستثناء الاقل من النصف صحيح إتفاقا أيضا واختلفوا في جواز إستثناء الاكثر والمساوي فقيل بوجوب كونه أقل وقيل بجواز المساوي والاكثرون على جواز الاكثر ويلزمهم جواز المساوي بطريق الاولى وقيل لا يجوز إلا الاقل في العدد دون غيره


[ 256 ]

فيجوز أكرم بني تميم إلا الجهال وإن كان العالم فيهم واحدا واعتبر المحقق في الجواز أن لا ينتهي الكثرة إلى حد يقبح إستثنائها عادة مثل أن يقال له على مأة إلا تسعة وتسعين ونصفا احتج الاكثرون بأمور الاول قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين مع قوله فبعزتك لاغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين فإن قلنا بإشتراط كون المستثنى أقل من المستثنى منه يلزم أن يكون كل من المخلصين والغاوين أقل من الآخر وهو محال فإن الآية الثانية تدلى على أن غير المخلصين كملهم عاوون لا واسطة فيكون الباقي من العباد بعد إخراج الغاوين في الآية الاولى هم المخلصين لعدم الواسطة ومما قررناه وحررناه في وجه الاستدلال يظهر لك فساد كل ما أورد عليه فلا نطيل ببيانه نعم يرد عليه أنه لا يدل على جواز إستثناء الاكثر لجواز التساوي وقد يقرر الاستدلال على وجه آخر وهو أن يضم إلى الآية الاولى قوله وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين بتقريب إن كلمة من بيانية و الغاوون المتبعون للشيطان وإذا كان أكثر الناس غير مؤمن بحكم الاية الثانية فيكون متبعوا الشيطان الغاوون أكثر الناس ورد بأن المراد من قوله تعالى عبادي هم المؤمنون لكون الاضافة للتشريف فيكون المستثنى منقطعا فلا إخراج سلمنا لكن لا نسلم أكثرية الغاوين لان من العباد الملائكة والجن وكل الغاوين أقل من الملائكة وأجيب بأن المنقطع مجاز ومتى أمكن الحمل على الحقيقة فلا يصار إلى المجاز ولذلك يحمل قول القائل له علي ألف درهم إلا ثوبا على قيمة وكون الاضافة للتشريف ممنوع وصرح المفسرون بأن المراد من العباد بنوادم الثاني إجماع العلماء على أن من قال له علي عشرة إلا تسعة يلزم بواحد فلولا صحته لحكموا بإلغاء الاستثناء وألزموه بعشرة كما في المستغرق الثالث قوله تعالى في الحديث القدسي كلكم جائع إلا مع أطعمته ووجه الاستدلال واضح ثم ان لي إشكالا في هذا المقام لم يسبقني إليه فيما أعلم أحد من الاعلام وتحقيقا في المخلص عنه من مواهب كريم المنعام ولكنه لا ينفع لما يرد من جهته على الاقوام وهو أنهم ذكروا الاختلاف في منتهى التخصيص وذهب المحققون من الجمهور إلى أنه لا بد من بقاء جمع يقرب من مدلول العام ثم ذكروا الاختلاف في هذه المسألة واسندوا القول بوجوب بقاء الاكثر إلى شاذ من العامة وجواز إستثناء الاكثر إلى أكثر المحققين فإن كان وجه التفرقة الفرق بين المتصل والمنفصل وإن الكلام في المبحث السابق كان فيما كان المخصص فيه منفصلا وفي هذا المبحث في المستثنى فهذا ينافي نقل القول بالفرق بين المتصل والمنفصل ثمة بين الاقوال وإن قلت انا نمنع كون الاستثناء تخصيصا والكلام في المبحث السابق إنما كان في التخصيص قلت مع أنه ينافي نقل القول بالتفصيل المذكور ثمة فيه أن جمهور الاصوليين قائلون بكون الاستثناء تخصيصا لما عرفت من أنهم


[ 257 ]

قائلون بكون المراد من العام هو الباقي والاستثناء قرينة له وهذا معنى التخصيص فعلى هذا يلزم أن يكون مختار الاكثرين في الاستثناء لزوم بقاء الاكثر وكون المخرج أقل وكيف يجتمع هذا مع إختيارهم جواز الاستثناء الاكثر وكيف يجمع بين أدلتهم في المقامين وما تحقيق الحال والذي يختلج بالبال أنهم قد غفلوا عما بنوا عليه الامر لظاهر هذه الادلة والتحقيق ما حققوه في المبحث السابق كما إخترناه وشيدناه وأما الجواب عن ذلك الادلة فيتوقف على تمهيد مقدمة وهي أنا قد بينا لك في أوائل الكتاب أن وضع الحقائق شخصية ووضع المجازات نوعية ونزيدك هيهنا أن الحقيقة والمجاز يعرضان للمركبات كما يعرضان للمفردات ووضع المركبات قاطبة نوعية حقيقة كانت أو مجازية والاوضاع النوعية إما هو للقدر المستفاد من تتبع كلماتهم من الرخصة فالاستثناء مثلا تركيب وضع بالوضع النوعي للاخراج بمعنى أنه لا يتوقف على سماع كل واحد من أفراده كما يتوقف في الحقائق المفردة والقدر الذي يستفاد من الرخصة في ذلك النوع إنما هو المتبع نظير ما بيناه في الحقائق المجازية ألا ترى أنهم يحكمون بأن الاستثناء المنقطع مجاز فعلم أنه في المتصل حقيقة و كذلك يحكمون بأن الاستثناء من النفي إثبات بعنوان الحقيقة لاجل التبادر وبالعكس وهكذا و القدر الذي تيقن ثبوته من أهل اللغة هنا هو لزوم الاخراج عن متعدد في الجملة وأما أنه يكفي في ذلك أي إخراج يكون أم لا بد أن يكون على وجه خاص من كون المخرج أقل من الباقي فلا بد من إقامة الدليل عليه وإثبات الرخصة فيه من جهة أهل اللغة وكما أن الحقيقة والمجاز في المفردات يرجع إلى النقل و التبادر وعدم صحة السلب وأمثالها فكذلك في المركبات كما عرفت في نظرائه ومجرد الاستعمال لا يثبت الحقيقة كما حققناه في محله وبينا أن الاستعمال أعم من الحقيقة فمجرد الاستعمال في إخراج الاكثر لا يدل على كونه حقيقة فيه والمقصود الاصلي للاصولي هو ذلك لا مطلق الاستعمال فحينئذ نقول القدر الثابت المتيقن هو ما لو كان المخرج أقل وكون ما لو كان المخرج أكثر من الباقي مما رخص فيه من العرب بعنوان الوضع الحقيقي ممنوع وعدم الثبوت دليل على العدم لكون الوضع توقيفيا وحينئذ فالصور المشكوكة مثل ما لو كان المخرج أكثر فيمكن كونها من أفراد الحقيقة وكونها من أفراد المجاز بأن يستعمل الاستثناء فيه بعلاقة مشابهة أو إدعاء القلة فيه للمبالغة في التحقير وإن كان كثيرا ونحو ذلك فلا يثبت كونها حقيقة مع أنه لا يبعد أن يدعى التبادر فيما لو كان المخرج أقل وهو علامة الحقيقة ولا ريب أن أهل العرف يعدون مثل قول القائل له علي مأة إلا تسعة وتسعين مستهجنا ركيكا لا لانه أطالة مملة بل لمخالفته لما بلغهم من الاستعمال نعم قد يقال ذلك في موضع السخرية والتمليح بل وكذلك له علي


[ 258 ]

عشرة إلا تسعة فضلا عن قوله الا تسعة ونصفا وثلثا ومما يؤيد ما ذكرناه أن المستثنى في معرض النسيان غالبا لقلته وأن الغالب الوقوع في الاستثناء البدائي كما هو الغالب في ألسنة العوام هو إخراج القليل وليس ذلك إلا لمطابقته لاصل وضع الاستثناء وحينئذ فقد ظهر لك بحمد الله تعالى أن التحقيق هو ما حققناه سابقا من لزوم بقاء جمع قريب من المدلول وغفلة الاكثرين إنما حصل من جهة الامثلة المذكورة وقد عرفت أن مجرد الاستعمال لا يدل على الحقيقة كما هو محط نظر الاصولي والحاصل أنه لم يثبت كون الاستثناء حقيقة في غير إخراج الاقل ولم يثبت جواز التجوز في المستثنى منه في غير إستعماله في الاكثر كما بيناه آنفا فلا بأس علينا أن نجيب من الامثلة المذكورة التي استدل بها الاكثرون ونقول يمكن دفع الاول بمنع الدلالة من جهة أن ظاهر العام قابل لاصناف كثيرة فإخراج صنف منه يكون أفراده أكثر من سائر الاصناف لا يستلزم كون نفس الاصناف الباقية أقل والمقصود هنا إخراج الصنف يعني أفراد صنف خاص من حيث أنها افراد ذلك الصنف الخاص فظاهر الآية إستثناء صنف من الاصناف لاافراد من جميع الافراد وأكثرية الصنف لا تستلزم أكثرية الافراد وبالجملة إذا لوحظ الصنف الواحد بالنسبة إلى العام القابل للاصناف فهو أقل من الباقي وإن فرض كونه بالنسبة إلى الافراد أكثر من الباقي وذلك يختلف بإختلاف الاعتبارات والحيثيات فيه ان عموم الجمع افرادي لا إضافي والذي يؤيد ما ذكرنا أن المقصد الاصلى لله تعالى لما كان هو الهداية والرشاد فجعل الغاوين مخرجا (حصلا) ؟ لما ليس موافقا للغرض الاصلي كالقليل الذي لا يعتنى به وفي إبليس (لعنه الله) ؟ بالعكس بل ذلك المعنى إنما يلاحظ بالنسبة إلى قابلية العام لا فعلية تحقق الاصناف فيه (ففي كل واحد) ؟ من الآيتين إستثناء الاقل من الاكثر ويوضح مابينا أن لو فرض أنك (أضفت) ؟ جماعة من العلماء والشعراء والظرفاء وكان عدد كل واحد من العلماء والشعراء ثلاثة وعدد الظرفاء مأة فإذا قيل جاء الاضياف إلا الظرفاء فيمكن تصحيحه بما ذكرنا لان الباقي حينئذ أكثر وأما لو قيل جاء الاضياف إلا زيدا وعمرا وبكرا وخالدا إلى آخر المأة من الظرفاء لعد قبيحا ودفع الثاني بأن إتفاقهم على إلزام الواحد لا يدل على إتفاقهم على صحة الاستثناء أو كونه حقيقة فإن فتوى الاكثرين لعله مبني على تجويزهم ذلك وبناء الباقين على أن الاقرار عبارة عما يفهم منه إشتغال الذمة بعنوان النصوصية ولو كان بلفظ غلط أو لفظ مجازي ولما كان الاصل برائة الذمة حتى يحصل اليقين بالاشتغال فمع قابلية اللفظ للدلالة على المراد وإنفهام المعنى عنه بمعونة المقام أو بسبب التشبيه بالاستثناء مع قرينة واضحة لا يحكم بإشتغال الذمة بالعشرة لكون


[ 261 ]

اللفظ غلطا كما أن في قولهم له علي عشرة إلا تسعة بالرفع لا يحكم بإشتغال الذمة بالعشرة لكون الاستثناء غلطا بخلاف الاستثناء المستغرق فإنه لغو بحث فيؤخذ بأول الكلام ويترك بآخره ودفع الثالث بأن المراد والله يعلم لعله أنه لا يقدر على الاطعام إلا أنا فكلكم يبقى على صفة الجوع لو أراد الاطعام من غيري وهذا معنى واضح على من كان له ذوق سليم وسليقة مستقيمة فلا دلالة فيه على مطلبهم إذا تمهد هذه فنقول لما كان موضوع المسألة في الاقوال المذكورة مختلفة فلا بد من تحرير محل النزاع بحيث يصح ورود الاقوال عليه وذلك لان بعض القائلين بالحقيقة يريدون كون العام مع المخصص حقيقة في الباقي وبعضهم يريدون كون نفس العام حقيقة وهؤلاء ايضا مختلفون في التقرير فلا بد أن يقال في تقرير محل النزاع أن لفظ العام في هذا التركيب هل استعمل في معنى مجازي أم لا فذهب الاكثرون إلى كون العام مجازا في الباقي وقيل حقيقة مطلقا وقيل حقيقة إن كان الباقي غير منحصر أي له كثرة يعسر العلم بقدرها وإلا فمجاز وقيل حقيقة إن خصص بغير مستقل كالشرط والصفة والغاية والاستثناء ومجاز إن خصص بالمستقل من عقل أو سمع وظاهر هؤلاء أنهم يريدون أن مجموع التركيب حقيقة في إرادة الباقي وهكذا ما في معناه من التفصيلين الذين بعده فلا يكون العام بنفسه حقيقة ولا مجازا وقيل حقيقة إن خصص بشرط أو إستثناء لا صفة و غيرها وقيل حقيقة ان خصص بلفظي اتصل أو انفصل وقيل حقيقة في تناوله ومجاز في الاقتصار عليه والاول أقرب لنا أنه لو كان حقيقة في الباقي كما كان في الكل لزم الاشتراك والمفروض خلافه وقد يقال ان إرادة الاستغراق باقية فلا يراد به الباقي حتى يلزم الاشتراك على تقدير كونه حقيقة فإن المراد بقول القائل أكرم بني تميم الطوال عند الخصم أكرم من بني تميم من قد علمت من صفتهم أنهم الطوال سواء عمهم الطول أو خص بعضهم ولذلك نقول وأما القصار منهم فلا تكرمهم ويرجع الضمير إلى بني تميم لا إلى الطوال منهم وكذلك معنى أكرم بني تميم إلى الليل أو إن دخلوا الدار الحكم على جميعهم غايته أنه ليس في جميع الازمنة في الاول وعلى جميع الاحوال في الثاني وكذا أكرم بني تميم إلا الجهال منهم الحكم على كل واحد بشرط إتصافه بالعلم وأنت خبير بأن ذلك كله تكلفات باردة وتجشم حمل الهيئة التركيبية على خلاف وضعه مع إستلزامه التجوز في بعض المفردات أيضا ليس بأولى من حمل العام فقط على المعنى المجازي ولا ريب أن الهيئة المفسرة مغايرة للهيئة المفسرة وكل منهما موضوع لمعنى وأول معنى قولنا رأيت أسدا يرمي مع قولنا رأيت شجاعا مثلا إلى أمر واحد لا يقتضي إتحادهما وكذلك تأدية التراكيب الحقيقية لمعنى واحد لا يوجب إتحادها في الدلالة وأما إرجاع الضمير


[ 262 ]

إلى بني تميم فجوابه يظهر مما مر في قولك إشتريت الجارية إلا نصفها وأما قوله أكرم بني تميم إلى الليل إلى آخره فهو من غرائب الكلام إذ التخصيص هنا ليس متوجها إلى بني تميم بل إلى زمان الاكرام المستفاد من الاطلاق وكذلك إن دخلوا إن لم يرد به الداخلين منهم والمثال المناسب لتخصيص الغاية أكرم الناس إلى أن يفسقوا أو أن يجهلوا أو غرابة تفسير الاستثناء بما ذكره لا يحتاج إلى البيان وما يقال أيضا أن هذا إنما يتم لو كان اللفظ مستعملا في الباقي أما إذا كان مستعملا في العموم وإرادة الباقي طرء بعد التخصيص بمعنى أن الاسناد وقع إلى الباقي بعد إخراج البعض من العام فلا يلزم الاشتراك و لا المجاز فلا يتم الدليل فيظهر ضعفه مما قدمناه في المقدمة الثالثة سيما في المخصصات المنفصلة كما نقلنا جريان القول فيه عن بعضهم ومما حققناه ثمة يظهر لك أنه لا يمكن أن يقال أيضا ان هذا إنما يتم لو بطل القول بكون المجموع حقيقة في الباقي إذ مقتضاه كون كل من المفردات حقيقة في معناه أو عدم كون واحد منها حقيقة ولا مجازا فلا يتم القول بكون العام مجازا في الباقي حجة القول بكونه حقيقة في الباقي مطلقا أن اللفظ كان متناولا ولا له حقيقة بالاتفاق والتناول باق على ما كان عليه لم يتغير إنما طرء عدم تناول الغير وأن الباقي يسبق إلى الفهم حينئذ وذلك دليل الحقيقة والجواب عن الاول أنه إن أراد من تناوله حقيقة ثبوت التناول في نفس الامر فهو لا يثبت الحقيقة المصطلحة المبحوث عنها وإن أراد تناولها بعنوان الحقيقة المصطلحة فنمنع ذلك أولا قبل التخصيص إذ المتصف بالحقيقة هو اللفظ بإعتبار تناوله للجميع لا للباقي وكون الباقي داخلا في المعنى الحقيقي لا يستلزم كون اللفظ حقيقة فيه لا من جهة أن الباقي جزء المجموع وإن الدلالة التضمنية ليست بنفس المعنى الحقيقي بل هو تابع له كما صرح به علماء البيان وجعلوه من الدلالة العقلية لا الوضعية حتى يقال ان الخاص ليس بجزء للعام بل لان دلالة العام على كل واحد من الافراد منفردا غير الموضوع له الحقيقي بل الموضوع له هو كل فرد بدون قيد الانفراد ولا قيد الاجتماع لا بمعنى إرادة كل فرد لا بشرط الانضمام ولا عدمه حتى يقال انه لا ينافي كونه حقيقة في المنفرد بل بمعنى أن الوضع إنما ثبت في حال إرادة جميع الافراد بعنوان الكلي التفصيلي الافرادي كما حققناه في مبحث إستعمال المشترك في معنييه فافهم ذلك فإنه لا ينافي ما حققناه سابقا من أن الدلالة العام على أفراده دلالة تامة ومما ذكرنا يظهر أنه لا معنى للتمسك بالاستصحاب إذ لم يكن تناول العام للباقي في حال تناوله للجميع بعنوان الحقيقة حتى يستصحب بل لانه كان تابعا للمدلول الحقيقي وهو الجميع ثم لو سلمنا كونه حقيقة فإنما يثبت ذلك في حال كونه في ضمن الجميع وقد تغير الموضوع والجواب عن الثاني بالمنع من السبق بلا قرينة وبدونها


[ 263 ]

يسبق العموم وسبق الغير علامة المجاز وما يقال ان إرادة الباقي معلومة بدون القرينة وإنما المحتاج إليها هو خروج غيره ففيه أن العلم بإرادة الباقي إنما هو لاجل دخوله تحت المراد وذلك لا يوجب كونه حقيقة فيه إنما الذي يقتضي كون اللفظ حقيقة هو سبق المعنى والعلم بإرادته على أنه نفس المراد ولا يحصل ذلك فيما نحن فيه إلا بالقرينة وهو معنى المجاز واحتج من قال بأنه حقيقة إن بقي غير منحصر أن معنى العموم حقيقة هو كون اللفظ دالا على أمر غير منحصر في عدد واجيب بمنع كون معناه ذلك بل معناه تناوله للجميع وقد صار الآن لغيره فصار مجازا مع أن الكلام في صيغ العموم لا في نفس العام فكما أن كون إفعل حقيقة في الوجوب لا يقتضي كون مفهوم الامر كذلك وكذلك لا يقتضي كون مفهوم الامر معتبرا فيه الايجاب كون صيغة إفعل حقيقة في الوجوب فهكذا ما نحن فيه ونظير ذلكم أيضا أن كون الهيئة الاستثنائية حقيقة في المنقطع لا يقتضي كون الاستثناء حقيقة فيه ليرد أنه ليس بإخراج ما لولاه لدخل احتج القائل بأنه حقيقة إن خص بغير مستقل بأن لفظ العام حال إنضمام المخصص المتصل ليس مفيدا للبعض أعني ما عدا المخرج بالمخصص لانه لو كان كذلك لما بقي شئ يفيده المخصص فلا يكون مجازا في البعض بل المجموع منه ومن المتصل يفيد البعض حقيقة وفيه انه إن أراد عدم إفادته البعض بخصوصه بحسب الوضع فلا كلام لنا فيه وإن أراد أنه لا يفيد البعض بحسب إرادة اللافظ فهو ممنوع غاية الامر عدم الافادة من حيث هو وأما مع إنضمام المخصص فلا ريب في إفادته ذلك كما هو المدار في المجازات وأما المخصص فهو يدل على إخراج البعض الآخر أيضا وأيضا يرجع هذا الكلام إلى اختيار مذهب القاضي في رفع التناقض عن الهيئة الاستثنائية ولفظ العام حينئذ إما حقيقة في معناه والنسبة إلى الباقي وقع بعد الاخراج وإما أنه ليس بحقيقة ولا مجاز إن قلنا بالوضع الجديد وقد عرفت بطلانهما سابقا واستدل أيضا بأنه لو كان التقييد بما لا يستقل موجبا لتجوز في نحو الرجال المسلمون وأكرم بني تميم إن دخلوا وأكرم الناس إلا الجهال لكان نحو المسلمون للجماعة والمسلم للجنس أو العهد وألف سنة إلا خمسين عاما مجازات واللوازم باطلة أما الاولان فإجماعا وأما الاخير فبإلتزام الخصم بيان الملازمة أن كل واحد من المذكورات يقيد بقيد هو كالجزء له وقد صار به لمعنى غير ما وضع له أولا وهي بدونه للمنقول عنه ومعه للمنقول إليه ولا يحتمل غيره وقد جعلتم ذلك موجبا للتجوز فالفرق تحكم والتحقيق في الجواب إنك إن أردت أن لفظة مسلم في المسلمون والمسلم حقيقة مع تغيير معناه بسبب القيد فهو ممنوع فيكف يدعي الاتفاق عليه وإن أردت أن المسلمون حقيقة في الجماعة والمسلم في الجنس أو العهد فهو إنما يثبت حقيقة


[ 264 ]

المركب من حيث التركيب لا من حيث أنه حقيقة في معنى منفرد وهو خارج عن المبحث وبيان ذلك أن المفردات مختلفة الاوضاع كما أشرنا سابقا فوضع الاعلام وأسماء الاجناس ونحوها وضع شخصي ووضع الافعال والمشتقات والتثنية والجمع ونحوها وضع نوعي كما أن وضع المركبات كلها نوعية ومنقسمة إلى الحقيقة والمجاز كما أشرنا وكما أن كون وضع المركبات حقيقة لا ينافي كون بعض مفرداتها مجازا لما ذكرنا في المقدمة الاولى كذلك كون وضع المفردات النوعية حقيقة لا ينافي كون بعض أجزائها مجازا فكما أنه لا ينافي كون العام مستعملا في المعنى المجازي على ما إخترناه كون الهيئة الاستثنائية حقيقة في الاخراج فلا ينافي كون المراد من مثل مسلمون جماعة من أفراد هذا الجنس يعني المسلم وبعبارة أخرى المسلم المتحقق في ضمن أفراد حقيقة كون لفظ المسلم في هذه الكلمة مجازا كما لا يخفى هذا إن إعتبرنا دلالة الكلمة على الجنس ودلالة علامة الجمع والعهد وتعيين المهية على مدلولها وإن جعلناها كلمة واحدة موضوعة بالاستقلال لمجموع هذا المعنى فوجه الدفع أن الاستدلال قياس مع الفارق لكون المقيس عليه كلمة مستقلة موضوعة بوضع واحد ولم يلاحظ فيها دلالة القيد والمقيد بل وضع مجموع اللفظ بإزاء مجموع المعنى بخلاف المقيس فإنه أريد من كل كلمة منه معنى عليحدة والقول بأن المجموع عبارة عن الباقي بعنوان الحقيقة فهو مع بطلانه كما بينا سابقا لا يلائم ظاهر الاستدلال من ملاحظة العلة المستنبطة في قياسه والحاصل أن المستدل إن أراد مقايسة المركبات المذكورة التى هي موضوعة بوضع حقيقي نوعي لمعان مركبة معهودة في كونها حقيقة في معانيها التركيبية الحقيقية على المفردات المشتقة الموضوعة بالوضع النوعي للمعاني المنحلة باجزاء متعددة مع قطع النظر عن ملاحظة مفرداتها وأجزائها فلا ريب انه ليس من محل النزاع في شئ وكون كل منهما حقيقة في معانيها متفق عليه وإن أراد مقايسة بعض أجزائها وهي المقيدات بباقي الاجزاء في كونها حقيقة على أجزاء المفردات المقيدة فثبوت الحقيقة في المقيس عليه أول الدعوى وإن إدعى في المفردات وضعا مستقلا فلا مناسبة حينئذ بين المقيس و المقيس عليه ولا جامع بينهما على ما هو ظاهر الاستدلال ومن هذا يظهر جواب من أراد الاستدلال بهذا الدليل على كون العام مع المخصص حقيقة في الباقي إذ الفرق واضح بين المقيس والمقيس عليه حينئذ وذلك الوضع لم يثبت في المقيس ولا معنى للقياس هنا في إثبات الوضع كما لا يخفى فإن الوضع لم يثبت حينئذ في المقيس عليه من جهة إختلاف المعنى بسبب القيد حتى يقال أنه موجود في المقيس بل بسبب جعل الواضع وهو فيما نحن فيه أول الكلام بقي الكلام في المثال الاخير وجعله مقيسا عليه ووجهه أن الخصم


[ 265 ]

يفرق بين أسماء العدد وغيرها والتحقيق في جوابه منه الفرق بينهما ووجهه ما تقدم في المقدمات وقد يجاب بأن الخصم لعله يقول في المثال المذكور بأن المراد بالالف تمام المدلول وإن الاخراج وقع قبل الاسناد والحكم وفيه مع ما عرفت من فساد هذه الطريقة أنه مبني على الفرق بين أسماء العدد وغيرها في ذلك وهو غير ظاهر الوجه والقائل وحجة التفصيل الثالث هو الحجة السابقة وإستثناء الصفة وغيرها لكونها عند القائل من قبيل المستقل وكذلك حجة التفصيل الرابع هو الحجة السابقة وضعفها غني عن البيان وأما حجة القول الاخير وهو قول فخر الدين فقال في البرهان والذي أراه إجتماع جهتي الحقيقة والمجاز في اللفظ لان تناوله لبقية المسميات لا تجوز فيه فهو من هذا الوجه حقيقة في المتناول وإختصاصه بها وقصوره عما عداها جهة في التجوز وضعفه ظاهر مما مر قانون العام المخصص بمجمل ليس بحجة إتفاقا فإن كل مجملا من جميع الوجوه ففي الجميع مثل قوله تعالى أحلت لكن بهيمة الانعام إلا ما يتلى عليكم ومثل اقتلوا المشركين إلا بعضهم وإن كان إجماله في الجملة ففي قدر الاجمال مثل إلا بعض اليهود فلا إجمال في غير اليهود وأما المخصص بمبين فالمعروف من مذهب أصحابنا الحجية في الباقي مطلقا ونقل بعض الاصحاب إتفاقهم على ذلك واختلف العامة فمنهم من قال بعدم الحجية مطلقا ومنهم من خص الحجية لما لو كان المخصص متصلا ومنهم من قال بحجيته في أقل الجمع ومنهم من قال بالحجية فيما لو كان العام منبئا عن الباقي قبل التخصيص كالمشركين بالنسبة إلى الحربي بخلاف مثل السارق فإنه لا ينصرف الذهن منه إلى من يسرق ربع دينار فما فوقها من الحرز ومنهم من خص الحجية بما لو كان العام قبل التخصيص غير محتاج إلى البيان كالمشركين قبل إخراج الذمي بخلاف أقيموا الصلاة قبل إخراج الحايض لنا ظهروه في إرادة الباقي بحيث لا يتوقف أهل العرف في فهم ذلك حتى ينصب قرينة أخرى عليه غير المخصص ولذلك ترى العقلاء يذمون عبدا قال له المولى أكرم من دخل داري ثم قال لا تكرم زيدا إذا ترك إكرام غير زيد أيضا وأيضا العام كان حجة في الباقي في ضمن الجميع قبل التخصيص بمعنى أنه كان بحيث يجب العمل على مقتضاه في كل واحد من الافراد خرج المخرج بالدليل وبقي الباقي فيستصحب حجيته في الباقي وأما ما ذكره بعضهم بأنه كان متناولا للباقي قبل التخصيص وهو مستصحب فإن أراد التناول الواقعي فهو غلط لعدم العلم به ولزوم البداء في المخصص وإن أراد التناول الظاهري فلا معنى لاستصحاب الظهور وإن أراد إستصحاب حكم التناول الظاهري فهو ما قلنا ولنا أيضا احتجاج السلف من العلماء وأهل العصمة عليهم السلام بالعمومات المخصصة بحيث لا يقبل الانكار وربما يستدل أيضا بأنه لو لم


[ 266 ]

يكن حجة في الباقي لكانت إفادة العام لدخول الباقي موقوفة على إفادته للمخرج فلو كانت إفادته للمخرج أيضا متوقفة على ذلك لزم الدور وإلا لزم الترجيح بلا مرجح وهو ضعيف لانه دور معية كالمتضائفين (واللبنتين المتساندتين) ؟ احتج المنكر مطلقا بوجهين الاول إن حقيقة العموم غير مراد والباقي أحد من المجازات فلا يتعين الحمل عليه لاحتمال إرادة سائر مراتب الخصوص ولا مرجح فيصير مجملا والثاني أنه خرج بالتخصيص عن كونه ظاهرا وما لا يكون ظاهرا لا يكون حجة والجواب عن الاول منع الاجمال وعدم المرجح إذ الاقربية إلى العام مرجح ومدار مباحث الالفاظ على الظنون فكما أن التبادر علامة الحقيقة فظهور العلاقة علامة تعيين المجاز ولذلك لو قيل رأيت أسدا يرمي لتبادر إلى الذهن معنى الشجاع لا (البخر) ؟ ولاريب أن العام المخصص سيما مع ملاحظة عدم ذكر مخصص آخر معه ينصرف منه إلى الباقي لكون أقرب إلى أصل المقصود المدلول وكفاك في المرجح ما ذكرنا من الادلة مع أن الوقوع في كلام الحكيم أيضا يصرفه عن الاجمال لا بمعنى أنه لا يقع المجمل في كلام الحكيم أبدا لوقوعه في الجملة كما لا يخفى بل بمعنى أن الاصل والقاعدة الناشئة عن الحكمة والاعتبار يقتضي عدمه حتى يثبت بالدليل وقوعه كحمل كلامه على خلاف الظاهر إذا دل الدليل عليه والحمل على أقل الجمع كما ذكره القائل به وإن كان يدفع الاجمال لكن الحمل على تمام الباقي أولى منه لضعف دليله لظهور الفرق بين الجمع والعام كما مر ولا قائل بإرادة غيرهما بالخصوص مضافا إلى ما سنذكره في بطلان ذلك القول أيضا ومما ذكرنا يظهر الجواب عن الثاني هذا ولكن الاشكال في أن مقتضى محل النزاع ان القول بعدم الحجية مطلق وهذا الدليل يقتضي إختصاصه بالقول بكون العام المخصوص مجازا في الباقي ولا ينهض على من قال بأنه حقيقة في الباقي وكيف ذلك وكيف يجتمع هذا مع كلام في القانون السابق فإن الكلام ثمة يقتضي حجيته في الباقي سواء كان حقيقة أو مجازا لان كلا من الحقيقة والمجاز ظاهر في معناه والكلام هيهنا يقتضي الخلاف في الحجية وقد يوجه هنا الاستدلال بحيث ينهض على القول بالحقيقة بأن مراد من قال ان العام المخصص حقيقة في الباقي أنه حقيقة فيه من حيث أنه احد أبعاض العام لا أنه حقيقة في الباقي من حيث أنه تمام الباقي فحينئذ يقال في الاستدلال أن تمام الباقي أحد الحقايق فلا يحمل عليه بخصوصه ورد بأنه لا يجري على القول بكون المجموع إسما للباقي فكما لا يقول أحد أن السبعة مثلا إسم لهذا العدد فما دونها كذلك لا ينبغي أن يجوز ذلك في عشرة إلا ثلاثة ولا على القول بأن الاسناد وقع بعد الاخراج فإن المراد بلفظ العام هو معناه الحقيقي الاصلي لا الباقي فقط فهو عين الحقيقة لا أحد الحقائق ولا على القول بأنه حقيقة في الباقي لاستصحاب التناول السابق وعدم منافاة


[ 269 ]

عدم تناول الغير لتناول الباقي فإن ظاهره أنه لم يطرء عليه شئ إلا خروج ما أخرجه المخصص فلا يبقى الاتمام الباقي وكذا لا يجري على الدليل الاخر الذي هو سبق الباقي إلى الذهن فإنه لا معنى لسبق أحد الابعاض من دون تعيين ولا على القول بكونه حقيقة فيما لو بقي غير منحصر لان هذا القول منهم ليس لانه أحد أبعاض العام كما هو مناط التوجيه في الاستدلال بل لانه هو عام فالظاهر أن النزاع هنا إنما هو على القول بمجازية لفظ العام في الباقي كما هو المختار في القانون السابق وقول المفصل بالمتصل والمنفصل أيضا مبني على ذلك فإنه مبني على أن المخصص بالمنفصل مجاز دون المتصل أقول و لعل التفصيلات الاخر في المسألة أيضا على هذا ناظرة إلى ملاحظة مناسبة بعض المجازات للعام دون بعض بحسب المقامات فإن ما (أنبأ) ؟ عن الباقي قبل التخصيص أقوى من غير المنبئ وكذلك ما لا يحتاج إلى البيان اقوى ممن يحتاج إليه ونظر من قال بالحجية في اقل الجمع هو ان اقل الجمع هو المتيقن من بين المجازات يعنى جميع افراد الباقي والزايد مشكوك فيه فصار حاصل الرد إنا إن قلنا بأن العام لم يستعمل في معنى مجازي وبنينا على القول بالحقيقة في القانون السابق فلا مناص عن الحجية وإن قلنا بالمجازية فيجئ فيه هذا الخلاف المذكور في هذا القانون وبما ذكر يندفع المنافاة المتوهمة بين الاصلين أيضا وأقول الانصاف أن ما ذكر في الترديد لا يدفع التوجيه المذكور لان مراد من يقول بأنه حقيقة في الباقي أنه حقيقة فيما لم يخرج عن حكم العام فلو فرض تخصيص تمام الباقي مرة أخرى وكرة بعد أولى بل وكرات متعددة ولم نطلع إلا على التخصيص الاول فاحتمال التخصيصات حاصل عند السامع ولا ريب ان القائل بكونه حقيقة في الباقي يقول بالحقيقة في المرة الاخيرة أيضا كما هو مقتضى دليله فالمراد بالباقي ما لم يثبت خروجه بهذا التخصيص وإن احتمل خروجه عنه بتخصيص آخر وحينئذ فالعام محتمل لحقائق متعددة فإذا قامت القرينة على عدم إرادة الجميع فيتساوى إحتمال سائر الحقائق ويتم الدليل إذ الكلام في هذا المقام بعد تسليم تصحيح هذا القسم من الحقيقة فيصير ذلك نظير إطلاق العام المنطقي على افراده من حيث وجوده في ضمن كل واحد لا من حيث الخصوص وبعد تسليم ذلك فمنع جريان الاستدلال مكابرة فيتم الكلام فيه مثل القول بالمجازية حرفا بحرف ومما ذكرنا تقدر بعد التأمل على إجراء الدليل على جميع الاقوال في الحقيقة فإن مراد من قال اأن عشرة إلا ثلاثة إسم للسبعة لعلة كون المستثنى والمستثنى منه إسما للباقي وذكر السبعة بعنوان المثال وسيجئ الكلام السابق في الباقي من أنه يحتمل مراتب متعددة كلها معنى حقيقي لمجموع التركيب على قول هذا القائل وكذلك الكلام على القول بكونه حقيقة في غير المحصور لان لغير المحصور أيضا مراتب متعددة كلها معنى حقيقي للعام على قول هذا القائل نعم يخدش في ذلك


[ 270 ]

أن ذلك إنما يتم فيما كان أفراد العام غير محصور واحتمل التخصيص مراتب متعددة منه وأما على القول بكون الاسناد إلى الباقي بعد الاخراج فأنت بعد التأمل فيما ذكرنا في بطلان هذا القول تعلم أن الكلام في الحجية وعدم الحجية إنما يرجع إلى الحكم والاسناد المتعلق باللفظ وقد فرض أنه ليس إلا بالنسبة إلى الباقي والتخصيص لم يتحقق فيه بالنسبة إلى لفظ العام بل إنما تحقق بالنسبة إلى الاسناد والحكم فإذا خص الاسناد بغير القدر المخرج فهو يحتمل المراتب المتعددة ويجري فيه الكلام السابق ومما ذكرنا يظهر إندفاع المنافاة بين الاصلين أيضا إذ الحقيقة والمجاز لا يستلزمان الظهور والحجية في جميع الاحوال بل إنما هو إذا لم يطرئهما إجمال فقد يحتاج الحقيقة إلى القرينة كما في المشترك وكذلك المجاز إذا تعددت المجازات وكذلك المشتري المعنوي إذا أريد منه فرد معين فإن معرفة أن المراد برجل في قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة هو الحبيب النجار يحتاج إلى القرينة مع أنه حقيقة على الظاهر كما بيناه في مباحث الاوامر و قد يقال أن الكلام في القانون السابق إنما هو بعد تسليم الحجية فلا منافاة وهو أيضا باطل ومما ينادي ببطلانه بناء إستدلالهم على عدم الحجية في هذا الاصل بتعدد المجازات وإجمالها وهو موقوف على كون المجازية مفروغا عنها في هذا القانون فكيف يختلفون بعد ذلك في الحقيقة والمجاز مع أنه كان ينبغي حينئذ تقديم هذا القانون على السابق وكتب الاصول التي حضرتنا الآن كلها متفقة في تقديم القانون السابق على هذا قيل والحق ان الخلاف فيما سبق مبني على فرض إرادة الباقي وأما ظهوره فغير لازم و القائل بكونه حقيقة يلزمه ظهوره والقائل بكونه مجازا على خلافه إذ المجاز قد يكون ظاهرا أو قد يكون غيره وقس عليه التفصيل فتأمل أقول ويظهر ما فيه بالتأمل فيما قدمناه إذ لو بنينا على التحقيق وإقتضاء الدليل فالحق ان الحقيقة والمجاز كليهما ظاهران في معناهما إذا اتحدا وتعين القرينة على كل منهما فيما احتاج إليه على فرض الاشتراك أو تعدد المجاز وقد بينا لك سابقا بطلان الحقيقة وتعين المجاز في تمام الباقي وإحتمال إرادة ما دون تمام الباقي خلاف الظاهر ولا يصار إليه ولو أعرضنا عن التحقيق وتماشينا مع الخصم في تصحيح الحمل على الحقيقة فلا يتفاوت الكلام في هذا القانون على القولين فتأمل ويؤيدها ذكرنا إستدلالهم الثاني فإنه لو لم يكن ناظرا إلى إحتمال الحقيقة لرجع إلى الدليل الاول ولكان تكراره لغوا إذ الاجمال من جهة تعدد المجاز أخص من عدم الظهور فإنه أعم من أن يكون من تلك الجهة أو من جهة إحتمال الحقايق فحينئذ يصير العام في محتملات الباقي على القول بالحقيقة مثل النكرة التي أريد بها فرد معين عند المتكلم غير معين عند المخاطب مثل قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة وكذلك كل أدلة القائلين بالحجية قابل للقولين من دعوى الظهور ولزوم الذم وإستصحاب التناول وغيرها كما


[ 271 ]

بيناها بل بعضها في الدلالة على القول بالحقيقة أظهر ثم ان هيهنا أمرا لا بد أن ينبه عليه وهو أن ظاهر كلام المستدل في أقل الجمع أن محل النزاع فيما وكل المتكلم تعيين أفراد المخرج والباقي إلى المخاطب كما لو قال كل البيضات إلا ثلاثة منها ونحو ذلك وعلى هذا يلزم على القول بجواز التخصيص إلى الواحد أن يكون العام حجة في الواحد لانه المتيقن أيضا ولم يستثنه المستدل وعمم في الاجمال ولعل نظر المستدل في ذلك إنما هو الصحيح لا نظر القائل بالحجية في أقل الجمع فإن الغالب الوقوع في كلام الحكيم في التخصيصات ملاحظة التعينات في الاحكام ولا بد أن يكون مراد من يجوز التخصيص إلى الواحد في القانون المتقدم أيضا التخصيص إلى واحد معين عند المتكلم لا أي واحد يكون وكذلك أقل الجمع عند القائل به ثمة مثلا قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير قد تعلق الاخراج عن نفي التحريم بهذه الثلاثة بخصوصها وكذلك إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير فإذا ورد النص بحرمة لحم الاسد ولحم الكلب فيجب الاخراج أيضا وهكذا وكما أن الحرمة تتعلق بالمخرج بخصوصه فكذلك نفي الحرمة لا بد أن يتعلق بالباقي بتعينه فلا بد أن يكون الباقي متعينا سواء كان واحدا خاصا أو أقل جمع خاص والى ما ذكرنا ينظر الكلام السابق على الاستدلال وإجرائه على القول بالحقيقة أيضا كما نبهنا عليه وسيجئ في القانون الآتي أيضا إشارة إلى ذلك ومما ذكرنا يظهر لك ضعف ما قد يعارض اقربية المجاز المرجحة للحجية في تمام الباقي على ما ذكرنا (باين) ؟ إرادة الواحد وأقل الجمع وكذلك ضعف هذه المعارضة في بيان عدم جواز التخصيص إلا بإرادة جمع يقرب من المدلول كما أشرنا إليه في محله هذا ولكني لم أقف في كلماتهم تنبيها على ما ذكرنا فإنهم ذكروا حجة المفصل بالحجية في أقل الجمع دون غيره كما ذكرنا ولم يتعرضوا لما فيه فلا بد لهم أن يجيبوا عنه بأن تيقن الاقل إنما يفيد الحجة إذا تعين فلا ثمرة لهذا الكلام وإن اعتمد المفصل في التعيين على قرينة أخرى فهذا ليس من حجية العام في الباقي في شئ كما لا يخفى بل الحجية حينئذ إنما ثبت في العام مع القرينة المذكورة تنبيه قد عرفت أن المخصص المتصل هو الاستثناء المتصل والغاية والشرط والصفة وبدل البعض ولا يخفى أن المخرج في الاستثناء والغاية هو المذكور بعد أداتهما وفي الباقيات هو الغير المذكور فالباقي في قولنا أكرم الناس إلا الجهال هو الناس العلماء وفي أكرم العلماء إلى أن يفسقوا هو غير من فسق من العلماء والمخرج في أكرم العلماء إن كانوا صلحاء هو غير الصالحين منهم وفي أكرم الرجال المسلمين هو غير المسلمين من الرجال وفي أكرم العلماء شعرائهم هو غير الشعراء منهم وأنت بعد ذلك خبير بطريق إجراء الكلام في المباحث السابقة فيها من بيان مورد الحقيقة والمجاز والحجية وعدم الحجية وغيرها


[ 272 ]

وتميز المختار والمزيف قانون الحق موافقا للاكثرين حتى إدعى عليه جمع منهم الاجماع عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص وقيل يجوز وعلى المختار فالحق الاكتفاء بالظن وقيل يجب تحصيل القطع ولا بد في تحرير محل النزاع وتحقيق المقام من تمهيد مقدمة ينكشف بملاحظتها غواشي الاوهام وهي أن الفرق الواضح حاصل بين حالنا وحال أصحاب النبي صلى الله عليه والائمة عليهم الصلاة والسلام في طريق فهم الاحكام ومعرفتها وأخذها منهم عليهم السلام ومن أحاديثهم لانهم كانوا مشافهين لهم ومخاطبين بخطابهم وعارفين بمصطلحهم واجدين للقرائن الحالية والمقالية عالمين لبعض الاحكام من الضرورة والبداهة آخذين ما لا يعلمونه من كلماتهم وكانوا قد يعلمون العموم ويشتبه عليهم الخصوصية في بعض الموارد ويسئلون عنه وقد يعلمون الخصوص من الخارج وأنه مخالف لباقي الافراد ويعرفون أن المراد من العام هو الباقي بقرينة ما سمعوه أو بقرينة المقام وأكثرهم كانوا محتاجين حين السؤال فمكالمة المعصوم عليه السلام معهم لا بد أن يكون معهم بحيث يفهموم ولا يؤخر بيانه عن وقت حاجتهم فيجب عليهم العمل على العام والمطلق إذا سمعوه بدون التخصيص فربما كان الوقت يقتضي التعميم له والتخصيص لاخر وربما كان يتفاوت الحال من أجل التقية وغيرها وإن شئت توضيح الحال فقايسهم بالمقلد السائل عن مجتهده في هذا الزمان وأما نقلهم الاخبار إلى آخرين في زمانهم وعملهم عليه فهو أيضا لا يشتبه الاخبار الموجودة عندنا فإنه كان أسباب الاختلال والاشتباه قليلا الا ترى انهم كانوا يستشكلون فيما لو ورد عليهم أخبار مختلفة من أصحابهم وكانوا يسئلون عن أئمتهم عليهم السلام في ذلك ويجيبون بالعلاج بالرجوع إلى موافقة الكتاب أو السنة أو مخالفة العامة أو الشهرة أو غير ذلك ثم التخيير أو الاحتياط وهو بعينه مثل الخبر المنقول في زماننا عن مجتهد بعيد عنا أو أخبار منقولة متخالفة عنه وبالجملة إنحصر أمرنا في هذا الزمان في الرجوع إلى كتب الاحاديث الموجودة بيننا ولا ريب أن المتعارضات فيها في غاية الكثرة بل لا يوجد فيها خبر بلا معارض إلا في غاية الندرة فكيف يقاس هذا بخبر ينقله الثقة عن إمامه عليه السلام بلا واسطة إلى أهله أو إلى بلد آخر مع عدم علم المستمع بمعارض له و لا أظن بذلك مع إتحاد أن الاصطلاح وقلة أسباب الاختلال وإنما عرض الاختلالات بسبب طول الزمان وكثرة تداولها بالايدي سيما أيدي الكذابة وأهل الريبة والمعاندين للائمة عليهم السلام فادرجوا فيها ما ليس منهم فنحن في الاخبار التي وصلت إلينا في وجوه من الاختلال من جهة العلم بالصدور عنهم وعدمه ومن جهة جواز العمل بخبر الواحد الظني وعدمه وكذلك في إشتراط العدالة وتحقيق معنى العدالة ومعرفة حصولها في الراوي وكيفية الحصول من تزكية عدل أو عدلين ومن جهة


[ 275 ]

الاختلال في المتن من جهة النقل بالمعنى مرة أو مرارا مختلفة وإحتمال السقط والتحريف والتبديل و حصول التقطيع فيها الموجبة لتفاوت الحال من جهة السند والدلالة ومن جهة الاختلال في الدلالة بسبب تفاوت العرف والاصطلاح وخفاء القرائن وحصول المعارضات اليقينية والاشكال في جهة العلاج من جهة إختلاف النصوص الواردة في التعارض وإن التكليف اليقيني الثابت بالضرورة من الدين لا بد من تحصيل معرفته من وجه يرضى به صاحب الشرع وسبيل العلم به منسد غالبا و ليس لنا وجه وسبيل في ذلك إلا الرجوع إلى الادلة المتعارفة والكتاب العزيز لا يستفاد منه إلا أقل قليل من الاحكام مع إختلال وإشكال في كيفية الدلالة في أكثرها والاجماع اليقيني نادر الحصول وكذلك الخبر المتواتر والاستصحاب لا يفيد إلا الظن والاخبار مع أنها لا تفيد إلا الظن متخالفة و متعارضة في غاية الاختلاف والتعارض بل الاختلاف حاصل بينها وبين سائر الادلة أيضا بل الاختلاف موجود بين جميع الادلة ولا بد في الاعتماد على شئ منها على بيان مرجح لئلا يلزم ترجيح المرجوح أو المساوي والقول بالتخيير مطلقا أو الاخذ بأحد الطرفين من باب التسليم إنما يتم مع العجز عن الترجيح كما هو منصوص عليه في الاخبار مدلول عليه بالاعتبار فالاخذ بكل ما رأيناه أولا من حديث أو ظاهر آية أو إستصحاب مع وجود الظن الغالب بوجود المعارض مجازفة من القول إذ يلزم على هذا التخيير في العمل مطلقا ورأسا وهو باطل جزما وبالجملة الذي نجزم به ويمكن أن نعتقده بعد ثبوت العجز عن تحصيل العلم وسد بابه هو إستخراج الحكم عن هذه الادلة في الجملة بمعنى أنه يمكن الاعتماد على ما حصل الظن بحقيته من جملتها لا الاعتماد على كل واحد منها والاصل حرمة العمل بالظن إلا ما قام عليه الدليل ولم يقم إلا على هذا القدر مع أنا لو قلنا أنه يجوز لكل من رأى حديثا أو فهم إستصحابا أن يعمل عليه و كذلك سائر الادلة فيصير الفقه حينئذ من باب الهرج والمرج ولا يكاد ينتظم له نسق فإن قلت أنك قائل بأن الخبر الصحيح من باب الخبر الواحد حجة مثلا فإذا رأينا حديثا صحيحا نعمل عليه لان الاصل عدم المعارض ولا علم بوجوده فيه بخصوصه وهكذا في غيره قلت إجراء الاصل مع وجود العلم بوجود المعارضات غالبا لا معنى له فإن قلت العلم بوجود المعارضات إنما هو في الجملة وليس في خصوص هذا الحديث قلت ان هذا يصير من باب الشبهة المحصورة التي حكموا بوجوب الاجتناب عنها مع أنا لو قلنا بجواز الارتكاب في الشبهة المحصورة أيضا إلى أن يلزم منه العمل بالحرام لا يتم الكلام هنا لان فتح باب الرخصة في ذلك لآحاد المكلفين يقتضي تجويز الارتكاب في الجميع فأين إعتبار ملاحظة المعارض مع أن الغالب في ذلك هو التعارض وخبر لم يوجد له معارض لمن آنس بطريقة الاستنباط


[ 276 ]

في غاية الندرة وإن كان في أول أمره والحاصل أن المجتهد إذا علم أن دليل الحكم إنما هو في جملة هذه الادلة المتعارضة المتخالفة لا نفس كل واحد منها فلا بد من البحث عن المعارض حتى يعرف أن العمل بأيها هو الراجح في ظنه لئلا يكون مؤثرا للمرجوح ولئلا يكون تاركا للاخبار المستفيضة الواردة بالعلاج والترجيح فيما لو كان الخبران متخالفين إذ العلم بوجود الخبرين المتعارضين في جملة تلك الاخبار حاصل لنا ويجب علينا علاجه وعدم العلم بالفعل بأن هذا الخبر الذي رآه أولا هل هو من هذا الباب أم لا لا يوجب العلم بعدم ذلك لان ورود الخبرين المتعارضين صادق على ما ورد علينا في جملة الادلة مع إمكان معرفتهما بعينهما ومما ذكرنا يظهر أنه لا يمكن التمسك بأصالة عدم المعارض في كل رواية إذ المفروض ان أحاديثنا مشتملة على الحديث الذي له معارض والحديث الذي لا معارض له وكون الاصل عدم كون الحديث الذي نراه أولا هو ما لا معارض له ليس بأولى من كونه هو الذي له معارض فيجب إجراء حكم كل من الصنفين فيه وهو لا يتم إلا بعد البحث والفحص وحاصل المقام إن حجة الله على العباد منحصر في النبي صلى الله عليه وآله والوصي عليه الصلاة والسلام وبعد العجز عن الوصول إليهما وبقاء التكليف فلا دليل على جواز الاعتماد إلا على ظن من إستفرغ وسعه في تحصيل الظن من جهة الادلة المنسوبة إليهم ولا يمكن ذلك إلا بعد الفحص عن المعارضات والاعتماد على الترجيحات وسيأتي الكلام في كفاية الظن وعدم وجوب تحصيل العلم عليه إذا تمهد هذا فنقول أن العام المتنازع فيه واحد من الادلة وإحتمال وجود المعارض أعم من المناقض الرابع لجميع حكمه أو المخصص الرافع لبعضه و لما كان الغالب في العمومات التخصيص حتى قيل ما من عام إلا وقد خص فقوى إحتمال وجود المعارض هنا فصار مظنونا فصار ذلك أولى بوجوب الفحص عن المعارض عن سائر الادلة وشبهة من لا يقول بوجوب الفحص عن المخصص في العام هو أنه لو وجب طلب المخصص في التمسك بالعام لوجب طلب المجاز في التمسك بالحقيقة إذ إحتمال إرادة خلاف الظاهر ولزوم الوقوع في الخطأ بالعمل على الظاهر قائم فيهما ولا يجب ذلك في الحقيقة إتفاقا وبدلالة قضاء العرف بذلك فكذلك العام وفيه أولا أنه إن أراد أنه لا يجب التفحص عن الحقيقة أصلا بمعنى أنه إذا ورد حديث يدل على فعل شئ بعنوان الوجوب ولكن إحتمل إحتمالا راجحا وجود حديث آخر يدل على أن المراد بالامر في الحديث الاول لاستحباب فهو في الحقيقة إحتمال المعارض فلا معنى لعدم وجوب البحث عنه فكيف يدعي عليه الاتفاق وإن أراد أنه لا يجب في الحقيقة طلب المجاز إذا لم يكن هنا ظن بوجود المعارض من الادلة بل ولا إحتمال له بمعنى أن يتفحص لاحتمال قيام قرينة حالية أو مقالية دلت على إرادة المعنى المجازي من الكلمة فهو صحيح ومسلم


[ 277 ]

في العام أيضا من هذه الجهة فإنا لا نتفحص في العام عن المخصص لاحتمال أن يكون المراد معناه المجازي بل لان وجود دليل خاص يرفع أحكام بعض أفراد العام محتمل أو مظنون وإن آل ذلك إلى حصول التجوز في العام بعد ظهوره فتداخل البحثين لا يوجب كون كل منهما مقصودا بالذات ولما كان العام من جملة الادلة أكثر إحتمالا لوجود المعارض خصوه بالبحث دون سائر الادلة وثانيا على فرض تسليم كون البحث عن العام من جهة دلالة اللفظ وحقيقته والاحتراز عن التجوز ولكن نقول أن الاتفاق الذي ذكره المستدل هو الفارق بين أنواع الحقائق لعدم تحققه فيما نحن فيه بل تحقق خلافه فقد إدعى جمع من المحققين الاجماع على وجوب الفحص فحصل الفارق وبطل القياس مع أن الفارق موجود بوجه آخر وهو تفاوت الحقايق في الظهور ألا ترى أنهم إختلفوا في ترجيح المجاز المشهور على الحقيقة فنقول هنا أن إستعمال العام في معناه المجازي بلغ حد الاشتهار إلى أن قيل ما من عام إلخ بخلاف سائر الحقائق فإن لم نقل بترجيح المجاز المشهور فلا أقل من التوقف فالغلبة مرجحة للتجوز وأصالة الحقيقة وعدم التخصيص للحقيقة فيصير مجملا فيحتاج إلى الفحص بخلاف سائر الحقائق فإن الغلبة ليس فيها إلى هذا الحد بل أكثر الالفاظ محمول على الحقائق وما يقال أن أكثر كلام العرب مجازات فهو إغراق ليس على حقيقته ومما يوضح ما ذكرنا أنه لا يجب الفحص عن إحتمال سائر المجازات في العام أيضا كما إذا احتمل إطلاق العام على شخص بإعتبار جامعية جميع أوصاف أفراد العام فإذا قيل جاء العلماء فيحتمل أن يراد منه زيد بإعتبار أن علمه مساو لعلم كلهم بعلاقة المشابهة ويحتمل أن يراد منه أمرهم أو حكمهم أو نوابهم بعلاقة المجاورة أو التعلق أو نحو ذلك بل نحمله على حقيقته من هذه الجهة بخلاف إحتمال جهة التخصيص بإرادة بعضهم دون البعض وكأنه غفل من غفل في هذا الاصل من جهة الغفلة عن تفاوت المجازات أو عن أن الكلام في الفحص عن المعارض من حيث أنه معارض لا في طلب المجاز من حيث أنه طلب المجاز وقد عرفت إمكان إجتماع الحيثيات وإفتراقها فتأمل فيما ذكرنا بعين الانصاف تجده حقيقا بالقبول وأما الدليل على كفاية الظن (بعدم وجود المخصص بعد الفحص فهو الدليل على كفاية الظن) في مطلق معارضات الادلة وهو أن ضرورة بقاء التكليف وعدم السبيل إلى تحصيل الاحكام الواقعية بعنوان اليقين يفيد جواز العمل به وإن فرض إمكان الوصول إليه في بعضها لان الحكم الذي يمكن أن يحصل فيه العلم إن كان مركبا أو كان جزء للعبادات المركبة فتحصيل العلم بالجزء ليس تحصيلا للعلم بالكل وما بعضه ظني فكله ليس بعلمي جزما كما هو واضح وتحصيل العلم بالكل في غاية البعد وإن كان بسيطا أو كان هو


[ 278 ]

نفس المركب أيضا فاستفراغ الوسع في تحصيله إنما يمكن بعد تتبع جميع الادلة وهو مستغرق للاوقات غالبا مفوت للمقصود مع أنه عسر عظيم وحرج شديد وهما منفيان في الدين بالاجماع والآيات والاخبار فثبت كفاية العمل بالظن مطلقا فنقول فيما نحن فيه أن العلم بعدم المخصص في العام غير ممكن غالبا وتحصيل ما يمكن العلم فيه مستلزم لتفويت العمل بأكثر العمومات وبهذا التقرير يندفع ما قد يتوهم أن ذلك يقضتي جواز العمل بالظن في البعض دون البعض وإن العمل بالظن إنما هو فيما إذا لم يكن تحصيل القطع وهو مخالف لما والمعهود من طريقتهم في الفقه من جواز العمل بالظن وإن أمكن تحصيل العلم في بعض الاحكام أيضا فإن المراد في هذا الاستدلال أن العمل بالظن في الكل انما هو لاجل ان تحصيل العلم فيما يمكن فيه من الصور النادرة يوجب تفويت العمل بالاكثر والعسر والحرج لا انه لا يجوز العمل بالظن إلا فيما لا يمكن القطع وأما ما يمكن أن يوجه للقول بلزوم تحصيل القطع بعدم المخصص في العمل على العام فهو ان العمل بالظن مشروط بعدم إمكان تحصيل اليقين وهو ممكن لان ما يعم البحث فيه وكان مما يبتلى به عموما فالعادة تقتضي بإطلاع الباحثين عليه وتنصيصهم على وجوده وعدمه وأما الذي ليس بهذه المثابة فالمجتهد بعد البحث يحصل له القطع بذلك إذ لو كان مخصص لذكروه وفيه ما فيه من منع حصول القطع في المقامين إذ غاية الامر عدم الوجدان وهو لا يدل على عدم الوجود أن إشتراط العمل بالظن بعدم إمكان تحصيل اليقين لا دليل عليه إذ اليقين بحكم الله الواقعي لا يحصل بالقطع بعدم المخصص إذ عدم المخصص لو سلم القطع به في نفس الامر أيضا فكيف يحصل القطع بأن المراد من العام هو جميع الافراد بل لعله كان في مقام الخطاب قرينة حالية افهمت إرادة البعض مجازا مع ما في سند العام ودلالته من غير جهة العموم والخصوص أيضا وجوه من الاحتمال تمنع عن القطع بحكم الله تعالى الواقعي وهكذا الكلام في سائر الادلة بالنسبة إلى المعارض وبالجملة وجود المعارض وعدمه أحد أسباب الخلل كما أشرنا سابقا فدعوى أنه بعد حصول القطع بعدم المعارض أو المخصص يحصل القطع بحكم الله تعالى جزاف من القول وإمكان سد جميع الخلل في المتن والسند وسائر كيفيات الدلالة لم نر إلى الآن سبيلا إلى التمكن عنه ودعوى إشتراط قطعية بعض مقدمات الدليل إذا أمكن مع عدم إفادة الدليل لا الظن ترجيح بلا مرجح إن قلت ان ما ذكرت يوجب الاكتفاء بمطلق الظواهر في حكم الله الظاهري فلا يجب البحث عن المعارض أصلا فضلا عن تحصيل القطع قلت ان المراد من الظاهر هو الراجح الدلالة المرجوح خلافه وبعد ملاحظة إحتمال المعارض إحتمالا راجحا لا يفي


[ 279 ]

ظهور في دلالته نعم الظواهر في نفسها مع قطع النظر عن إحتمال المعارض لها ظهور في مدلولاتها و هو لا يكفي لنا نعم إنما هو يكفي لاصحاب الائمة عليهم السلام والحاضرين مجلس الخطاب ومن قاربهم وشابههم فدليلنا على المطلوب هو ما يظهر من ملاحظة مجموع الادلة بعد البحث والفحص لا كل واحد مما يمكن أن يصير دليلا ولكن لا يجب في الحكم بذلك الظهور القطع بعدم المعارض بل يكفي الظن ثم ان بعض أفاضل المتأخرين خبط خبطا عظيما وتبعه بعض أفاضل من تأخر عنه و هو أنه منع عن لزوم تحصيل القطع والظن كليهما في طلب المعارض في جميع الادلة سواء كان العام أو غيره واستدل على ذلك بوجوه الاول ان أحدا من المنازعين والمباحثين في المسائل من أصحاب الائمة عليهم السلام والتابعين لم يطلب في المسألة التوقف من صاحبه حتى يبحث وينقب عن المعارض والمخصص بل سكت أو تلقى بالقبول وإلا لنقل إلينا فصار إجماعا على عدم البحث عن المخصص والمعارض وزاد بعضهم على ذلك أيضا وقال وأيضا الاصول الاربع مأة لم تكن موجودة عند أكثر أصحاب الائمة عليهم الصلاة والسلام بل كان عند بعضهم واحد وعند الآخر إثنان أو الثلاثة وهكذا والائمة عليهم الصلاة والسلام كانوا يعلمون بأن كلا منهم يعمل في الاغلب بما عنده ولا يتم البحث عن المخصص إلا بتحصيل جميعها فلو كان واجبا لامرهم الائمة عليهم السلام بتحصيل الكل ونهوهم عن العمل ببعضها والجواب عن الاول بعد تسليم هذه الدعوى يظهر مما مر من التفاوت الظاهر بين زماننا وزمان الائمة وزمان الائمة عليهم السلام وهذا الكلام يجري في خطاب الائمة عليهم السلام مع أصحابهم أيضا حيث لم يسئل الاصحاب عنهم عليهم السلام عن المخصص وقرروهم على معتقدهم من العموم ونزيد توضيحا ونقول ان الاستدلال بالعموم غالبا ليس في جميع الافراد وكذلك خطاب الائمة عليهم السلام بالنسبة إلى أصحابهم فإنه قد يكون الحاضر في ذهن الاصحاب هو طائفة من أفراد العام المطابق لخطاب الامام عليه السلام وكان ذلك موضع حاجته وبين الخصوص في موضع آخر وكذلك المنازعين والمباحثين كان نزاعهم في طائفة من افراد العام وكانوا غافلين عن العام فبإستدلال صاحبه بذلك كان يسكت وذلك لا ينافي تخصيص العام بالنسبة إلى غير تلك الافراد إذ العام المخصص حجة في الباقي كما مر تحقيقه فمرادنا من قولنا أنه يجب في العمل بالعام البحث عن المخصص العمل به في جميع الافراد ويندفع الاشكال الطارى من جهة شيوع التخصيص وغلبته بالتفحص عن المخصص في الجملة فإذا ظهر وجود مخصص ما فلا دليل على وجوب التفحص ازيد من ذلك لا ظنا ولا قطعا لاصالة الحقيقة إلا مع إحتمال وجود مخصص آخر راجح على


[ 280 ]

عدمه بالخصوص وليس ذلك من باب أصل التخصيص الراجح بسبب الغلبة بل من جهة مطلق وجود المعارض للدليل فافهم ذلك وتأمل حتى يتحقق لك أن دعوى مثل ذلك الاجماع لا أصل لها ولا حقيقة مع أنه ورد في الاخبار ما يدل على ذلك مثل رواية سليم بن قيس الهلالي في الكافي عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام حيث أجاب عن إختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وفي آخرها فإن أمر النبي صلى الله عليه وآله مثل القرآن منه ناسخ ومنسوخ وخاص وعام و محكم ومتشابه وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان وكلام عام وخاص مثل القرآن إلى أن قال فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله آية من القرآن إلا اقرءنيها واملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها و محكمها ومتشابهها وخاصها وعامها الحديث وفي معناها غيرها وظاهرها لزوم معرفة الجميع فبعد ملاحظة أن في الآيات والاخبار عاما وخاصا ولا يندفع الاختلاف والحيرة إلا بملاحظتها وإنا مأمورون بمعرفة العام والخاص فكيف يقال إنا لم نؤمر بالبحث عن الخاص و أحاديث الائمة عليهم السلام مثل أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وقد قال الصادق عليه الصلاة والسلام في رواية داود بن فرقد المروية في معاني الاخبار وأنتم افقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا أن الكلمة لتصرف على وجوه فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف يشاء ولا يكذب ويدل على المطلوب أيضا الاخبار المستفيضة الدالة على عرض الاخبار المتخالفة على الكتاب ولا ريب أن موافقة الكتاب وعدمها لا يعلم إلا بعد معرفة عام الكتاب وخاصه ومعرفة ذلك في فهم الكتاب لازم كما يستفاد من الاخبار فيستلزم ذلك لزوم معرفة عام الخبر عن خاصه أيضا وهو معنى البحث عن المخصص وأما الجواب عما زاده بعضهم فنقول مضافا إلى ما ظهر مما تقدم أن الاحاديث المجتمعة عندنا من الكتب الاربعة وغيرها أكثر مما كان عند كل واحد من أصحاب الائمة عليهم السلام من تلك الاصول بلا شك ولا ريب ومع ذلك فالفروع المتكترة في كتب الفقهاء الخالية عن النصوص أكثر مما وجد فيه النص بمراتب شتى وما لم يذكروه في كتب الفروع وما يتجدد يوما فيوما أضعاف مضاعف ما ذكروه بل لا يتناهى ولا يعد فلو كان يلزم عليهم تبليغ احكام الجميع بالخصوص فيلزم أنهم العياذ بالله قصروا في ذلك لعدم تبليغ ذلك بالخصوص في الجميع جزما فظهر أنهم اكتفوا في جميع ذلك بالاصول الملقاة إلينا بقولهم علينا أن نلقي اليكم الاصول وعليكم أن تفرعوا و هذا من أقوى الادلة على جواز العمل بالظن في الاحكام الشرعية إذ غاية ما في الباب جعل الفرع من


[ 281 ]

جزئيات أصل وقاعدة ولا ريب أن دلالة العام والقاعدة على جزئياتهما ظنية فنقول أن الواجد للاصل والاصلين من أصحاب الائمة عليهم السلام كان عالما بالاصول الاصلية التي هي أمهات المسائل مثل أصل البرائة وعدم وجواز نقض اليقين بالشك وعدم العسر والحرج وعدم التكليف بما لا يطاق واصالة الاباحة فيما لا ضرر فيه وقبح الظلم والعدوان والاضرار ونحو ذلك وبينوا لهم في جواب مسائلهم كثيرا من الخصوصيات وكثيرا من العمومات الواردة في الكليات ولم يظهر من حالهم أن تلك العمومات الثابتة في الاصل والاصلين كانت أبكارا لم يصلها أيدي التخصيص فلعل الرواة كانوا يعلمون أن مرادهم عليهم السلام من تلك العمومات الاستدلال على الباقي بعد التخصيص كما أشرنا وان الخاص بين له من خارج والتنصيص على جميع الجزئيات ليس بواجب على بينا وإحتمال وجود مخصص آخر غير ما فهموه لا يضر كما بينا لان الظن بالعدم كاف بل يكفي أصالة العدم حينئذ ولم يظهر من حال صاحب الاصل والاصلين أنه يظن بوجود خاص أو معارض في سائر الاصول وعلى فرض الثبوت أنه كان متمكنا من الرجوع إليه ولم يفعل وعلى فرض ذلك أن الامام عليه السلام إطلع عليه وقرره وكل ذلك دعاوة لا بينة عليها بخلاف زماننا فإن وجود المعارض في جملة الاخبار مما لا يدانيه ريب ولا يعتريه شك فيكف يقاس بزمان أصحاب الائمة عليهم السلام ولعمري أن أصحاب هذه الكلمات ممن تتبع الاخبار وعرف طريقة الفقه والفقهاء مما يقتضى منه العجب ومما ذكرنا ظهر أن عدم أمر الامام عليه السلام بتحصيل سائر الكتب لم يكن لاجل أن الفحص عن المخصص أو المعارض لا حاجة إليه مع قيام الاحتمال الراجح إذ لعله يعتمد على ذلك بأنه إذا اشكل عليه الامر في العام يرجع إلى الامام عليه السلام الثاني قوله تعالى إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا إلخ وجه الاستدلال أنه نفى بالمفهوم التثبت عند مجئ العدل والبحث عن المخصص تثبت وأي تثبت وفيه أن الظاهر من الآية لزوم التثبت في خبر الفاسق الذي يفهم منه مراده بعنوان القطع أو الظن في أنه هل هو صادق أو كاذب والتفحص والبحث عن المراد من خبر العادل إذا كان محتملا لغير ظاهره إحتمالا مساويا له ليس تثبتا في أنه هل هو صادق فيه أو كاذب والحاصل أن خبر العدل لا يتأمل في قبوله من حيث إحتمال الكذب بل التأمل والتثبت إنما هو في فهم المراد ولم يظهر من الآية نفيه كما لا يخفى لا يقال أن هذا تقييد في خبر العدل والاصل عدمه وإطلاق الآية يقتضي عدم التثبت في خبر العدل مطلقا لا في نفي الكذب فقط لانا نقول إنا نمنع الاطلاق بالنسبة إلى هذا المعنى حتى نطالب بدليل التقييد بل نقول المتبادر من الآية المقيد وإنكاره ومكابرة مع


[ 282 ]

انه يرد على المستدل النقض بمجمل خبر العدل فإن قيل ان المجمل خرج بالاتفاق وبحكم العقل للزوم التحكم من حمل الكلام على بعض المحتملات ولا اتفاق هنا ولا يحكم العقل بعدم جواز ترجيح العموم لوجود المرجح من تبادر العموم ولاصالة الحقيقة وأيضا القول بكون العام مثل المجمل رجوع عن القول بكون ألفاظ العام حقيقة في العموم قلنا حصول الاجمال من جهة تساوي إحتمال إرادة الخصوص لاصالة الحقيقة لا ينافي القول بكونها حقيقة في العموم كما في المجاز المشهور عند من يتساوى عنده إحتماله مع الحقيقة والتبادر الحاصل في المجاز المشهور للمعنى الحقيقي كما أنه بعد قطع النظر عن الشهرة فكذلك المسلم من التبادر ذهنا هو بعد قطع النظر عن شيوع غلبة التخصيص مع أن هنا فرقا آخر وهو أن العام بعد ثبوت التخصيص في الجملة يكون ظاهرا في الباقي كما مر بخلاف المجمل و المشترك ولئن سلمنا إطلاق الآية حتى بالنسبة إلى الدلالة فنقول أن ما ذكرناها من الادلة على المختار يقيدها وإلا فلا ريب انه يصدق على كل من خبري العدلين المتعارضين ولا ريب أنه لا يمكن العمل حينئذ مطلقا فظاهر أن المراد من الاية أن خبر العدل من حيث أنه خبر العدل لا يجب فيه التفحص عن الصدق والكذب وإن وجب فيه من حيث أنه يعارضه خبر عدل آخر فضلا عما كان التثبت من جهة فهم المراد الثالث آية النفر ووجه الاستدلال أنه تعالى أوجب الحذر عند إنذار الواحد ولم يقيده بالبحث عن المخصص ويظهر الجواب عنه أيضا مما مر ثم ان مناط القول المختار أنه لا يحصل الظن بإرادة المعنى الحقيقي للعام الا بعد الفحص لا انه يحصل الظن بسبب اصالة الحقيقة ولكن لا يكتفي بهذا الظن بل يوجب الظن الزايد بل نقول أن أصالة الحقيقة إن أفاد الظن فإنما يفيد بعد قطع النظر عن شيوع التخصيص والمفروض أنه غير منفك فلا معنى لمقابلة مختارنا بأنا نكتفي بالظن الحاصل من أصالة الحقيقة بل لا بد أن يقال أن الظن حاصل مع شيوع التخصيص أيضا وجوابه المنع ثم ان مطلق الظن كاف وإلا فيشكل الامر لتفاوت مراتب الظنون بل تفاوت مراتب الظن المتاخم للعلم أيضا فلو قلنا بإشتراطه لزم الحرج الشديد مع أنها غير ميسر غالبا وما أمكن تحصيله فيه فيجري فيه الكلام الذي ذكرناه في تحصيل العلم ثم ان الظاهر أنه يكفي في تحصيل الظن تتبع كل باب بوبوه في كتب الاخبار لكل مطلب وكل ما يظن وجود ماله مدخلية في المسألة فيه من سائر الابواب وإن كان في كتاب آخر مثل أن ملاحظة أبواب لباس المصلي في كتاب الصلاة له مدخلية في أحكام الطهارة وغسل الثياب وملاحظة كتاب الصوم له مدخلية في أحكام الاستحاضة والحيض ونحو ذلك وهكذا وقد صار الآن تتبع ذلك سهلا عندنا من جهة تأليف الكتب المبوبة مثل الكافي والتهذيب والاستبصار زاد في ذلك


[ 283 ]

اعانة كتاب الوافي للفاضل الكاشاني وكتاب وسائل الشيعة لمحمد بن الحسن الحر العاملي عظم الله أجورهم ولا بد في الفحص عن المخصص من ملاحظة الكتب الفقهية سيما الاستدلالية منها ليطلع على موارد الاجماع أيضا وذلك مما يعين على الاطلاع بحال الاخبار وخصوصها وعمومها أيضا سيما ملاحظة كتب المتأخرين من اصحابنا مثل المعتبر والمنتهى والمختلف والمسالك والمدارك وغيرها ولا يجب تتبع جميع كتب الاخبار من أولها إلى آخرها في كل مسألة وكذلك الكتب الفقهية مع أنه مما يوجب العسر الشديد والحرج الوكيد المقصد الثالث فيما يتعلق بالمخصص قانون إذا تعقب المخصص عمومات متعددة جملا كانت أو غيرها متعاطفة بالواو أو غيرها وصح عوده إلى كل واحد فلا خلاف في أن الاخيرة مخصصة به جزما وإنما الخلاف في غيرها وفرضوا الكلام في الاستثناء ثم قاسوا عليه غيره فذهب الشيخ والشافعية إلى أن الاستثناء المتعقب للجمل المتعاطفة ظاهر في رجوعه إلى الجميع وفسره العضدي بكل واحد وأبو حنيفة وأتباعه إلى أنه ظاهر في العود إلى الاخيرة والسيد رحمه الله إلى أنه مشترك بينهما فيتوقف إلى ظهور القرينة والغزالي إلى الوقف فلا يدري أنه حقيقة في أيهما وهذان القولان متوافقان لقول أبي حنيفة في الحكم و ان تخالفا في المأخذ لان الاستثناء يرجع على القولين إلى الاخيرة فيثبت حكمه فيها ولا يثبت في غيرها كقول أبي حنيفة لكن هؤلاء لعدم ظهور تناولها وأبو حنيفة لظهور عدم تناولها هكذا قرره العضدي وجماعة من الاصوليين وليس مرادهم محض الموافقة في تخصيص الاخيرة فإن قول الشافعي أيضا موافق له في ذلك ولا أن غير الاخيرة باق على العموم على القولين محمول على ظاهرها ليتحدا في تمام الحكم مع قول الحنفية لينافي التوقف والاشتراك بل مرادهم بيان موافقة القولين لقول أبي حنيفة من جهة لزوم تخصيص الاخيرة وعدم تخصيص غيرها وعدم التخصيص أعم من القول بالعموم فعدم تخصيص الغير عند أبي حنيفة لحمله على العموم والعمل على ظاهر اللفظ ومأخذه الحمل على أصل الحقيقة وعندهما بالتوقف في التخصيص وعدمه بسبب عدم معرفة الحال ومأخذه أما تصادم الادلة أو الاجمال الناشئ عن الاشتراك فيظهر ثمرة الخلاف بين الحنفية وبينهما في أمرين أحدهما أن غير الاخيرة في التخصيص غير معلوم الحال عندهما ومعلوم العموم عند الحنفية وثانيهما أنه لو استعمل في الاخراج عن غير الاخيرة أيضا كان مجازا عند الحنفية وحقيقة عند السيد رحمه الله محتملا لهما عند الغزالي والعجب من الفاضل المدقق الشيرواني حيث نفى الاشكال في موافقة القولين الاخيرين للقول الثاني في تمام الحكم وقال يجب أن لا يعمل في غير الاخيرة أصحابهما إلا على العموم لان له صيغة خاصة به


[ 284 ]

دالة عليه دلالة معتبرة ولم يتحقق في الكلام دلالة أخرى يعارضها ومجرد إحتمال المعارض لا يكفي في الصرف عنها وإلا كان ذلك قائما على تقدير عدم الاستثناء أيضا والمفروض أن أصحاب المذهبين بحثوا ونقبوا في المسألة إلى أخر ما ذكره وفيه أنه لم يظهر من كلام الاصوليين نسبة ذلك إلى صاحب القولين ولا يظهر من كلامهم في بيان الموافقة إرادة ما ذكره بل كلامهم على ما ذكرنا أدل وأوفق ومرادهم مجرد نسبة المخصص إلى الجمل من حيث ثبوت التخصيص لا من حيث إرادة العموم من غير الاخيرة وعدمه مع أن مقتضى تلك الاقوال أن الخلاف إنما هو في الهيئة التركيبية من الاستثناء المتعقب للجمل كما يظهر من ملاحظة أدلتهم أيضا كما سيجئ فالقول بإشتراك تلك الهيئة بين الرجوع إلى الاخيرة فقط والرجوع إلى الجميع معناه أن تلك الهيئة حقيقة في كل واحد منهما ومقتضى كونه حقيقة في الرجوع إلى الجميع أن العموم لم يبق على حاله في واحد منها ومقتضى كونه حقيقة في الرجوع إلى الاخيرة بقاء العموم على حاله في غيرها والمفروض أن الامر مردد حينئذ بين أن المراد من اللفظ هل هو العمومات المخصصة بإحتمال إرادة المعنى الاول من معنيي المشترك أو العمومات الغير المخصصة بإحتمال إرادة المعنى الثاني والشك في أن المراد من ذلك اللفظ هل هو العام المخصص أم العام الغير المخصص غير الشك في أن العام هل خص أم لا فيجري فيه أصالة عدم التخصيص وليس ذلك من قبيل العام الذي لم يظهر له مخصص بعد الفحص والبحث حتى يقال أن له صيغة خاصة به دالة على معنى ولم يوجد له معارض فكون العام مخصصا أو غير مخصص جزء مدلول اللفظ فيما نحن فيه والشك في أن المراد أي المدلولين لا أنه أمر خارج عنهما يمكن نفيه بأصالة الحقيقة وأصالة عدم التخصيص ونحوهما وظني أن ذلك واضح لا يحتاج إلى مزيد (الاطناب) ؟ ويا ليته رحمه الله إختار موضع مقايسة ما نحن فيه بمبحث البحث عن المخصص مقايسة بجواز العمل بالعام المخصص بالمجمل والحاصل أن القائل بالاشتراك يتوقف عن الحمل على العموم لانه لا يظهر عليه أنه أريد من الهيئة المعنى الذي لازمه تخصيص الكل أو أريد منها المعنى الذي لازمه تعميم ما سوى الاخيرة والمتوقف يتوقف ما لم يتعين عنده المعنى الحقيقي للهيئة التركيبية حتى يبني على أصل الحقيقة أو الاشتراك مع أنه يعلم أن للفظ حقيقة معينة لا بد من الحمل عليه ولم يبق العمومات على سجيتها الاصلية حتى يعرض عن حال المعارضات الخارجية راسا بأصالة العدم وهيهنا قول خامس اختاره صاحب المعالم رحمه الله وهو القول بالاشتراك المعنوي وحاصله أن الاستثناء موضوع لمطلق الاخراج وإستعماله في أي فرد من أفراد الاخراج حقيقة غاية الامر الاحتياج إلى القرينة في فهم المراد لكون أفراد


[ 287 ]

الكلي غير متناهية وظاهر هذا القول بل صريحه أنه لم يعتبر للهيئة التركيبية حقيقة جديدة وزعم أن ذكر الاستثناء وإرادة الاخراج عن كل واحد حقيقة كما أن إرادة الاخراج عن الاخيرة فقط أيضا حقيقة فلا يتفاوت الحال بتعقبه لعام واحد أو لعمومات متعددة وتعيين كل فرد من الافراد الاخراج يحتاج إلى قرينة لكن لا من قبيل قرينة المشترك اللفظي فإنه للتعيين لا للتفهيم ثم انه رحمه الله مهد لتحقيق ما اختاره مقدمة لا بأس بإيرادها مع توضيح مني وتحرير وإصلاح وهي أن الواضع لا بد له من تصور المعنى في الوضع فإن تصور معنى جزئيا وعين بإزائه لفظا مخصوصا كزيد لولد عمرو أو ألفاظا مخصوصة متصورة تفصيلا كزيد وضياء الدين وأب الفضل له أو إجمالا كوضع ما اشتق من الحمد له مثل محمد وأحمد وحامد ومحمود فيكون الوضع خاصا لخصوص التصور المعتبر فيه أعني تصور المعنى والموضوع له أيضا خاصا وهو ظاهر وإن تصور معنى عاما تحته جزئيات إضافية أو حقيقية فله أن يعين لفظا معلوما أو ألفاظا معلومة بالتفصيل أو الاجمال بإزاء ذلك المعنى العام فيكون الوضع عاما لعموم التصور المعتبر فيه والموضوع له أيضا عاما مثال الاول الحيوان ومثال الثاني الانسان و البشر ومثال الثالث وضع المشتقات لمعانيها مثل فاعل لذات قام به الفعل والمراد بالوضع الاجمالي هو الوضع النوعي وقد يحصل إجتماع الالفاظ الفصيلية في الاوضاع النوعية كوضع فعال وفعول للمبالغة فيحصل الترادف في الوضع النوعي أيضا وله أن يعين لفظا معلوما أو ألفاظا معلومة بالتفصيل أو الاجمال بإزاء خصوصيات الجزئيات المندرجة تحته لانها معلومة إجمالا إذا توجه العقل بذلك المفهوم العام نحوها والعلم الاجمالي كاف في الوضع فيكون الوضع عاما والموضوع له خاصا مثال الاول الحروف قاطبة فإن من وإلى وعلى مثلا لوحظ في وضعها معنى عام نسبي هو الابتداء والانتهاء والاستعلاء ووضع تلك الحروف لجزئيات تلك المعاني ومثل لفظ هذا وهو لكل فرد مذكر ومثال الثاني ذي وتي وتهي لكل مفرد مؤنث ومثال الثالث الوضع الهيئي للافعال التامة فإنها بإعتبار النسبة وضعها حرفي نوعي إجمالي وإن كان بإعتبار المادة من القسم الاول من هذين القسمين وضعها عام والموضوع له عام وربما قيل أن المشتقات من باب وضع الحروف واسماء الاشارة وهو غلط واضح ولا بأس بتفصيل الكلام فيه فنقول ان وضع المشتقات كاسم الفاعل والمفعول يتصور على وجوه أحدها أن يقال ان وضع صيغة فاعل مثلا أي كل ما كان على زنة فاعل من أي مادة بنيت إنما هو لكل من قام به تلك المادة للخصوصية وبعبارة اخرى كل واحد من الصيغ المبنية على زنة فاعل موضوع لمن قام به مبدء ذلك الواحد يعنى ضارب


[ 288 ]

موضوع لمن قام به الضرب وقاتل لمن قام به القتل وعالم لمن قام به العلم وهكذا وعلى هذا فالوضع عام والموضوع له عام لان الواضع تصور حين الوضع معنى عاما وهو كل واحد من الذوات القائمة بها احداث ووضع بإزاء كل واحد منها ما بنيت من ذلك الحدث على هيئة فاعل وهذا من باب الوضع النوعي فإنه قد لوحظ الالفاظ الموضوعة إجمالا في ضمن الهيئة الخاصة فقولنا هيئة فاعل موضوع لمن قام به مبدء ما بنيت منه في قوة قولنا كلما كان على زنة فاعل إلخ فقد تصور الواضع الالفاظ إجمالا عند وضع الهيئة والثاني أن يقال صيغة فاعل وضعت لمن قام به المبدء يعني هذا الجنس من اللفظ هو ما بنيت على فاعل موضوع لهذا المفهوم الكلي وهذا أيضا كسابقه لكن المراد بالعام في الاول هو العام الاصولي وفي الثاني العام المنطقي لا يقال إن هذا يستلزم كون ضارب وقاتل وعالم مثلا موضوعا لهذا المفهوم الكلي والمفروض خلافه لان معنى هذه المذكورات ليس هو نفس ذلك الكلي يعني من قام به المبدء بل معناها من قام به الضرب و القتل والعلم لانا نقول الذي يدل عليه الهيئة هو نفس الكلي وأما خصوصية قيام الضرب والقتل ونحوهما فهو من مقتضيات المادة والكلام في وضع الهيئة أو اللفظ بواسطة الهيئة فالهيئة من حيث هي لا تدل إلا على هذا المعنى الكلي والثاني مدلول المادة والثالث ان يقال لفظ ضارب موضوع لمن قام به الضرب وعالم لمن قام به العلم وهكذا وهذا أيضا كسابقه في كون الوضع عاما والموضوع له عاما لكن الوضع فيه شخصي من جهة ملاحظة الخصوصية في اللفظ بخلاف السابق فإنه لم يعتبر فيه الخصوصية بل اعتبر فيه العموم فوضعه نوعي وحقيقة الوضع النوعي يرجع إلى بيان القاعدة وجعل وضع المشتقات من قبيل الوضع الشخصي بعيد إذا عرفت هذا فاعلم أن جمعا من الاصوليين قالوا ان وضع المشتقات مثل وضع الحروف والمبهمات من حيث أن الواضع للفظ فيها تصور المعنى الكلي ووضع الالفاظ بإزاء خصوصيات الافراد إلا أن الموضوع له في الحروف والمبهمات هو الجزئيات الحقيقية وفي المشتقات هو الجزئيات الاضافية وحاصله أن الواضع حين الوضع تصور معنى كليا وهو من قام به مبدء ما ووضع بإزاء جزئياته الاضافية يعني من قام به الضرب أو القتل مثلا ألفاظا متصورة بالاجمال وهو ضارب وقاتل ونحوهما وفيه ما لا يخفى إذ الواضع إن كان غرضه تعلق بوضع الهيئة أي ما كان على زنة فاعل لمن قام به المبدء فحينئذ إنما وضع لفظا كليا منطقيا لمعنى كلي منطقي وكما يتشخص كلي اللفظي في ضمن مثل ضارب فكذلك يتشخص كلي المعنى في ضمن من قام به الضرب ولا يستلزم ذلك وضعا جزئيا لمعنى جزئي بل لفظة ضارب


[ 289 ]

من حيث أنه تحقق فيه المعنى الكلي أعني من قام به المبدء ولا يلزم من ذلك تجوز في لفظ ضارب إذا أريد به من قام به الضرب كما أنه لا يلزم التجوز في إطلاق الكلي على الفرد مثل زيد إنسان وبالجملة وضع اللفظ الكلي للمعنى الكلي مستلزم لوضع اللفظ الجزئي للمعنى الجزئي لا أن اللفظ الجزئي موضوع للمعنى الجزئي بالاستقلال بملاحظة المعنى الكلي وإن كان غرضه تعلق بوضع كل واحد مما كان على هذه الهيئة من الالفاظ فحينئذ إنما وضع كل واحد من أفراد اللفظ الكلي بعنوان العموم الاصولي لكل واحد ممن قام به موزعا تلك الالفاظ على تلك المعاني فهيهنا أيضا قد وضع الالفاظ بعنوان العموم الاصولي بإزاء المعاني بدون أن يلاحظ معنى كليا ثم يضع لجزئياته الاضافية وأيضا فلا حاجة إلى ملاحظة المعنى الكلي في الوضع للجزئيات حينئذ وما ذكروه من ملاحظة المعني الكلي في وضع الالفاظ المتعددة بإزاء الجزئيات إنما ينفع لو أريد بتصور الكلي جميع شتات الجزئيات ليمكن أن يوضع لجميعها لفظ واحد كهذا أو ألفاظ متعددة مترادفة مثل ته وتي وتهي وذه وذهي فيكون اللفظ والمعنى الكلي كلاهما جامعين لشتات الجزئيات وفيما نحن فيه ليس كذلك لان لفظة ضارب يفيد معنى وقاتل تفيد معنى آخر وهكذا فلا فايدة في تصور المعنى الكلي لذلك فالالفاظ هنا موزعة على الجزئيات الاضافية بخلاف أسماء الاشارة ثم انه رحمه الله بعد تمهيد المقدمة المتقدمة بنى قوله على أن وضع أداة الاستثناء من قبيل وضع الحروف عام والموضوع له هو خصوصيات الاخراجات والمفروض أن المستثنى أيضا صالح للعود إلى الاخيرة وإلى الجميع وفرض الصلاحية بان يكون وضع المستثنى أيضا عاما سواء كان الموضوع له ايضا عاما كالمشتقات والنكرات أو كان الموضوع له خاصا كما لو كان من قبيل المبهمات ولا بد أن يكون مراده مثل الموصولات أو بأن يكون مشتركا بين معنيين يصلح من جهة أحدهما للرجوع إلى الجميع ومن جهة الآخر للاخيرة فقط مثل أكرم بني تميم واخلع بني أسد إلا فارسا إذا فرض كون شخص من بني أسد مسمى بفارس وفرض وجود الفارس بمعنى الراكب في جميعهم فلفظ فارس مشترك بينه وبين الراكب وأنت خبير بأن وجه الصلاحية لا ينحصر فيما ذكره بل يختلف بإختلاف الاوضاع والاحوال فقد يجري الصلاحية للجميع في الاعلام المختصة أيضا وفي أسماء الاشارة ايضا إذا فرض إتحاد المستثنى منه مع إختلاف الجمل كما تقول أضف بني تميم واخلعهم إلا زيدا والا هذا نعم لا يتم ذلك إذا إختلف المستثنى منه وإن إتحد الحكم وأيضا فرض كون المستثنى مشتركا على النهج الذي ذكره يخرج الكلام عن محل النزاع إذ محل النزاع ما لو كان المخصص صالحا لان يخصص به كل واحد من العمومات


[ 290 ]

السابقة ولا خلاف بين أرباب الاقوال في تخصيص الاخيرة بالنسبة إلى هذا المخصص الذي يصلح للرجوع إلى الجميع ولا ريب أن في الصورة المفروضة لا يمكن الحكم بالصلاحية أولا لاحتمال إرادة المعنى المختص بالاخيرة وهو المعنى العلمي وهو لا يصلح للرجوع إلى غيرها سيما إذا لم يكن هذا الشخص راكبا وبعد تعيين إرادة الراكب بالقرينة والرجوع إلى البحث فيه فيغنى عن إعتبار الاشتراك في الصلاحية كما لا يخفى فإنما يدخل في المبحث بعد نفي إحتمال إرادة المعنى العلمي إذ يصير حينئذ من باب الموضوع له بالوضع العام وإن فرض المثال بمثل أكرم بني تميم وأضف بني خالد واخلع بني أسد إلا الزيدين مع فرض وجود شخص مسمى بزيد واحد في كل واحد من القبائل ومسمى بزيدين في بني أسد فهو وإن كان أقرب من المثال السابق لكنه أيضا خارج عن المبحث للزوم إرادة كل واحد من العمومات على الاجتماع لا على البدل ولان الظاهر أنهم أرادوا صلاحية المخصص بالفعل لكل واحد لا صلاحية لفظه لارادة معنيين يناسب أحدهما الاخير بحيث لا يجوز إستعماله للغير والاخر للجميع بحيث لا يجوز إستعماله في الاخيرة فاللايق في المبحث أن يقال لفظ المخصص صالح لان يراد منه ما يختص بالاخيرة ولا يمكن إرادته في غيرها وصالح لان يراد منه ما يختص بالجميع ولا يمكن إرادة الاخيرة فقط منه لا ما هو المذكور في ألسنة القوم في تحرير محل النزاع من صلاحية مفهوم المخصص لكل واحد من العمومات كما هو الظاهر من كلماتهم والعجب أنه رحمه الله فرض حصول الاشتراك في هذه الصورة فقط وعرض على من قال بالاشتراك وقال وقد إتضح بهذا بطلان القول بالاشتراك مطلقا فإنه لا تعدد في وضع المفردات غالبا كما عرفت ولا دليل على كون الهيئة التركيبية موضوعة وضعا متعددا لكل من الامرين وفيه أن القائل بالاشتراك يقول بأن الاستثناء المتعقب للجمل مشترك بين الامرين بمعنى أنه لا يعلم أنه أريد بذلك الاستثناء الذي يصلح لكل من الامرين الاخراج عن الاخيرة أو الاخراج عن الكل لا بمعنى أنا لا نعلم أنه هل أريد بالمستثنى ما يصلح أن يخرج من الكل أو ما لا يصلح إلا للاخيرة وبينهما بون بعيد وبالجملة هو رحمه الله وإن اتعب باله في التعقيب والتدقيق وأسس أساس التحقيق لكنه قد إختلط عليه الشأن بعض الاختلاط ولم ينته أمره إلى الاتقان في الارتباط أو المتهم هو فكري القاصر والله ولي السرائر والتحقيق عندي أنه لا إشكال ولا خلاف في أنه لم يوضع أدوات الاستثناء لاخراج شئ خاص من متعدد خاص بل الظاهر أنها وضعت بوضع عام لكل واحد من الافراد فوضع كلها حرفي وإن كان بعضها إسما كغير وسوى وأما الافعال فوضعها أيضا حرفي لان الاخراج إنما هو بإعتبار النسبة وهو معنى حرفي


[ 291 ]

والاسماء أيضا وإن كان لها وضع مستقل لكنه لا بد أن يراد منها في باب الاستثناء المعنى الحرفي و المستعمل فيه ليس إلا خصوصيات الاخراج جزئيا حقيقيا لا ينافي كون المخرج أمرا كليا كما لا يخفى والحاصل أن المعيار في الكلام هو عموم الوضع فلم يتصور الواضع حين وضع تلك الادوات خصوصية إخراج خاص بل تصور عموم معنى الاخراج ووضع تلك الالفاظ لكل واحد من جزئيات الاخراج ثم انه لم يثبت طريان وضع جديد للهيئة التركيبية الحاصلة من إجتماع الجمل مع الاستثناء والاصل عدمه وعوده إلى الاخيرة حقيقة لا بمعنى أنه حقيقة في الرجوع إلى الاخيرة فقط بل بمعنى أن رجوعه إلى الاخيرة معنى حقيقي له ولم يثبت إستعماله ولا جوازه معه في غيره وبيان ذلك يتوقف على أمور الاول إن وضع الحقائق والمجازات وحداني كما حققناه وبيناه في مسألة إستعمال اللفظ المشترك في معنييه ومن التأمل فيه يظهر أن وضع الادوات وكذلك وضع المستثنى لا بد أن يكون وحدانيا فلا يجوز إرادة إخراجين من الادوات ولا إرادة فردين من المستثنى والثاني أن محل النزاع هو جواز كون كل من الجمل موردا للاخراج على البدل لا كون المجموع موردا له كما يفهم من تفسير العضدي لقول الشافعي من إرادة كل واحد لارادة الجميع ويؤيده المثال الذي ذكره السيد رحمه الله بقوله اضرب غلماني والق أصدقائي إلا واحدا فإن إخراج الواحد من كليهما محال إذ لفظة واحد موضوعة لمفرد ما وتخيير المخاطب في إختيار أي فرد يريد إذا قيل له جئني بواحد من الغلمان لا يخرجه عن المفردية فلا يصح جريان الكلام والبحث في هذا المثال إلا بإرادة واحد من الاصدقاء وواحد من الغلمان فيتبادل إرادة الاخراج بالنسبة إلى كل واحد منهما في الواحد فمن يقول أنه يرجع إلى إلجميع يقول إن المراد اضرب غلماني إلا واحدا منهم والق أصدقائي إلا واحدا منهم وإن فسر الجميع بالمجموع لا كل واحد لكفى إخراج واحد من المجموع الثالث إن جعل قول القائل لا أكلت ولا شربت لا نمت إلا بالليل بمعنى لم أفعل هذه الافعال إلا بالليل مجاز وخروج عن الاصل لا يصار إليه إلا بدليل وأيضا جعل قول القائل إلا العلماء بعد قوله إضرب بني تميم وأهن بني أسد واشتم بني خالد راجعا إلى الجميع إنما هو لاجل أن الجمع الحلى باللام حقيقة في العموم وإرادة علماء بني خالد منه فقط توجب التخصيص وهو خلاف الاصل ولكن يعارضه لزوم تخصيص بني تميم وبني أسد أو إرادة هذه الجماعات من مجموع الجمل فالامر يدور فيه بين مجازات ثلاثة إذا تحقق هذا فنقول كل إستثناء يستدعي مستثنى منه واحدا فلا بد أن يكون كل من المستثنى منه والاستثناء والمستثنى وحدانيا فكما لا يجوز إستعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى كما حققناه في محله إلا


[ 292 ]

اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي كما بينا فكذلك لا يمكن إرادة فردين من الماهية بالنكرة المفردة ولو على سبيل البدل ولو فرض إرادة الارجاع إلى أكثر من جملة فلا بد من إرادة معنى مفرد منتزع من الجمل السابقة مثل هذه الافعال أو هذه الجماعات ونحو ذلك وهو مجاز لا يصار إليه إلا بدليل ولما كان القرب مرجحا للاخيرة فنرجعه إليها من جهة أنه فرد من أفراد الاستثناء لا من حيث أنه خصوصية الاخيرة ولا نحكم بالخروج في غيرها لكون خلاف الوضع وخلاف الاصل والحاصل أنه إذا ثبت من الخارج كون المتعددة السابقة في حكم الواحد فلا إشكال في الرجوع إلى الجميع وإنها حقيقة أيضا وإن حصل التجوز في بعض أجزاء الهيئة التركيبية كما أشرنا إليه في المباحث السابقة و لكنه ليس من محل النزاع في شئ لان النزاع إنما هو في إرادة كل واحد منها على البدل إلا فلا وجه لارجاعه إليها لا حقيقة ولا مجازا وحاصل الفرق بين ما اخترناه وما اختاره صاحب المعالم رحمه الله هو أنه يقول أن الواضع تصور معنى الاخراج عن المتعدد بعنوان العموم ووضع أدوات الاستثناء لكل واحد من خصوصيات افراده فيشمل المعنى العام المتصور ما صدق عليه الاخراج عن المتعدد الواحد والاخراج عن المتعدد المتعدد على البدل وعن المتعدد المأول بالواحد وعن متعدد واحد من المتعددات مثل الاخيرة فقط وكذلك الخصوصيات الموضوعة بإزائها تحتمل خصوصيات جميع هذه المفاهيم فإذا استعمل الاستثناء في أي شئ من المذكورات كان حقيقة وإن احتاج في التعيين إلى القرينة ونحن نقول ان الواضع تصور معنى الاخراج عن المتعدد ووضع اللفظ بإزاء جزئياته وليس المعنى العام المتصور إلا مفهوم الاخراج عن متعدد واحد سواء كان واحدا بالنوع أو متعددات تأولت بالواحد مجازا كهذه الافعال وهذه الجماعات وكذلك الخصوصيات الموضوعة بإزائها هو خصوصيات هذا الكلي ويدل على ما اخترناه تبادر الوحدة وعدم تبادر الاخراجات المتبادلة فيكون في المتبادلة مجازا إن صح وكما أنه لا يتبادر من قولنا جاء رجل إلا رجل واحد وإن كان قابلا للاستعمال في كل واحد من أفراد الرجال ولا يجوز إرادة آحاد كثيرة على التبادل من لفظ رجل لكون وضعه وحدانيا على ما حققناه فكذلك لا يتبادر من قولنا إضرب غلماني و الق اصدقائي إلا واحدا إلا إخراج واحد إما من الغلمان أو من الاصدقاء وإنما خصصنا الاخيرة واخترناه من جهة خارجية مثل القرب أو الاجماع وإلا لكان رجوعه إلى الاول فقط أيضا جايزا بعنوان الحقيقة لانه أيضا فرد من أفراد الاخراج وأما ما اختاره في المعالم فلا يدل عليه دليل المنع كون العموم المتصور حين الوضع شاملا للصور المذكورة المتقدمة ودعوى تحقق الوضع لافراد


[ 293 ]

ذلك العموم المقصود الكذائي أول الكلام لا يقال أن الوضع إما هو لافراد الاخراج على المتعدد وهو مطلق ولا تقييد فيه وما ذكرته من إعتبار الوحدة خلاف الاصل ولا دليل عليه والوضع للماهيته يستلزم جواز إستعماله في كل الافراد حقيقة لانا نقول إنا لا نقول بان الواضع اعتبر الوحدة حتى يقال أنه خلاف الاصل ولا دليل عليه بل نقول أنه لم يثبت من الواضع إلا الوضع في حال الوحدة لا بشرط الوحدة نظير ما ذكرنا في مبحث المشترك فالاطلاق ايضا قيد يحتاج إلى الدليل فما ذكرناه معنى دقيق لا مطلق ولا مقيد بشرط الوحدة ولا بشرط عدمها (فالشكلان) ؟ على التوظيف والتوقيف مع أنا ندعي التبادر أيضا وهو دليل الحقيقة فيما ذكرنا وقد ظهر بما ذكرنا بطلان ما ذكره صاحب المعالم رحمه الله وأما بطلان سائر الاقوال فمع ما ظهر مما ذكرنا يظهر مما سيأتي في نقل أدلتهم احتج السيد رحمه الله بوجوه ضعيفة أقويها وجهان الاول حسن الاستفهام بأن المتكلم هل أراد تخصيص الاخيرة أو الجميع وهو مدفوع بأنه يحسن على القول بالوقف وعلى القول بالاشتراك المعنوي أيضا فإنه إذا قيل لك جاء رجل بالامس عندي فيحسن أن تقول من الرجل وثانيهما أن الاصل في الاستعمال الحقيقة ولا ريب في إستعمال الصورة المفروضة في الاخراج عن الكل مرة كما في قوله تعالى أولئك جزائهم أن عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا والاخراج عن الاخيرة أخرى كما في قوله تعالى إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من إغترف غرفة بيده فشربوا منه من غير قرينة على التجوز وفيه أن الاستعمال لا يدل على الحقيقة كما مر في محله واحتج الشافعية بوجوه ضعيفة أقويها وجوه ثلاثة الوجه الاول ان حرف العطف يصير الجمل المتعددة في حكم الفرد وقرروه على وجهين الاول أن الجمل في قولنا زيد أكرم أباه وضرب أخاه وقتل عبده في قوة قولنا زيد فعل هذه الافعال فكما أن ما يلي الجملة الواحدة من المخصصات يرجع إليها فكذا ما في حكمها وفيه منع واضح لان العطف لا يقتضي إلا مناسبة ما ومغايرة ما ووجوب إعطاء كل ما هو في قوة شئ حكم ذلك الشئ ممنوع والقياس باطل سيما في اللغة والثاني أن حكم الجمل المتعاطفة حكم الالفاظ المفردة فإن قولنا اضرب الذين قتلوا وسرقوا وزنوا إلا من تاب في قوة قولنا اضرب اللذين هم قتلة وسراق وزناة وفيه مع ما تقدم من المنع أن ذلك مبني على كون ذلك متفقا عليه في المفردات والنزاع موجودة فيه أيضا الثاني إن الاستثناء بمشية الله إذا تعقب جملا يعود إلى الجميع بلا خلاف فكذا الاستثناء بجامع كون كل منهما إستثناء


[ 294 ]

وغير مستقل وفيه ان كونه استثناء ممنوع ولو سلم فالاجماع فارق وقد يجاب بان ذلك من باب الشرط لا الاستثناء وذلك يجوز في الشرط وشرطيته والجواز في الشرط كلاهما ممنوعان وبيانه كونه ليس بشرط ان الظاهر من الشرط هو التعليق كما مر ولاريب ان هذا الكلام لا يراد به تعليق الفعل على المشية بلا ريب وكثيرا ما يذكر في المنجزات المقطوع بفعلها وانما يذكر ذلك من باب التسليم و التوكل وبيان الاعتقاد بانه لا مناص عن مشية الله وارادته وقدرته أو من جهة امتثال الامر لئلا يفوت المقصود وبالجملة المراد منه غالبا ايقاف الكلام عن النفوذ والمضي فإذا قال افعل كذا غدا فهو جازم في نفسه بانه يفعله لكن يظهر من نفسه ان صدور الفعل عنه لا يكون الا بمشية الله تعالى فهو جازم في الايقاع شاك في الموضوع لعدم الاعتماد على نفسه ويؤيد ذلك انه يستعمل في الماضي ايضا مثل قولك حججت وزرت انشاء الله مع ان كلمة ان تصير الماضي مضارعا ومراد القائل الحج والزيارة في المضي ولا يذهب عليك ان المراد ليس انهما مقبولتان انشاء الله تعالى إذ هو خارج عن فرض المثال بل المراد نفس الحج والزيارة ومراده من التعليق بالمشية ان حصولهما انما كان بمشية الله وتوفيقه واما بيان كونه ليس باستثناء فهو عدم اشتماله على شئ من ادواته ولو تكلف بتأويل الشرط بالاستثناء بان يقال معناه الا ان لم يشاء الله ففيه الكلام السابق في الشرط من ان المراد انما هو الايقاف عن النفوذ والمضي لا التعليق نعم قد يستعمل هذه الكلمة في الشرط الحقيقي لو اريد به التعليق كما في صورة الشك وعدم حصول الاسباب الظاهرة الغالبة اللزوم لحصول المسببات مثل ان يسئل عم جامع امرئته مرة هل انعقد ولد منك في الرحم فيقول انشاء الله انعقد وان لم يشاء لم ينعقد وهذا ليس من باب المتداول في استعمال تلك الكلمة كما لا يخفى ثم انه لا محصل للاحماع المدعي في عود هذه الكلمة إلى الجميع إذ ذلك مسألة لغوية وانعقاد الاجماع على ان مراد كل من تكلم بهذه الكلمة في الصورة المفروضة هو الرجوع إلى الجميع شطط من الكلام الا ان يقال المراد الاجماع في كل ما ورد في كلام الشارع أو يقال ان المراد لزوم حمل كلام المسلم على ذلك لانه من توابع الايمان والتوكل والاذعان بهذا الامر الوجه الثالث ان الاستثناء صالح للرجوع إلى الجميع والحكم باولوية البعض تحكم فيحب عوده إلى الجميع كما ان الفاظ العموم لما لم يكن تناولها لبعض اولى من الاخر تناولت الجميع وفيه ان الصلاحية للجميع لا يوجب ظهوره فيه بل انما يوجب التجويز والشك والتعيين موقوف على الدليل واخراج كلام الحكيم عن اللغوية عن الاجمال يحصل بتخصيص الاخيرة وان لم يكن من باب التعيين فلاوجه


[ 295 ]

لاخراج الباقي عن العموم الذي هو مقتضي الصيغة سيما إذا كان موافقا للاصل ايضا والقياس بالفاظ العموم في غاية الغرابة فان دلالتها انما هي بالوضع لا لرفع التحكم نعم يتم هذا القياس في مثل النكرة المثبتة والجمع المنكر ونحوهما مما يرجع إلى العموم في بعض المقامات كما بيناه في محله صونا لكلام الحكيم عن اللغوية مع انه ايضا تابع لحصول الفائدة فإذا حصل الفائدة بالافراد الشايعة أو اقل مراتب الجمع فلاضرورة إلى الحمل على الجميع وقد يتوهم على القول بالاشتراك ان الطاهر هو العود إلى الجميع فلا يتوقف على القرينة نظرا إلى غلبة الوقوع وهو مع ما فيه من منع الغلبة غير واضح المأخذ وقد اشرنا في تحقيق معنى التبادر ان الظهور الحاصل من الغلبة لا يكفي في الترجيح في امثال ذلك نعم ربما حصل التوقف في ترجيح المجاز الراجح المشهور على الحقيقة النادرة ولكن اغلبية استعمال بعض معاني المشترك لا يوجب ترجيح ارادته وان بادر الذهن إلى انفهامه عند الاطلاق ولم نقف على قائل به والسر في ملاحظة الغلبة في جانب المجاز وترجيحه على الحقيقة أو التوقف في ترجيحه هو احتمال حصول النقل وهجر الحقيقة هو منتف فيما نحن إذ كثرة استعمال لفظ العين مثلا في النابعة والباصرة لا يوجب ضعفا في دلالتها على الذهب وكونه من معانيها الحقيقية والاستعمال في المعنيين الاولين لم يحصل من جهة مناسبة في المعنى الثالث لهما وعلاقة كما كان ذلك في المجاز المشهور فافهم ذلك احتج الحنفية بوجوه منها ان الاستثناء خلاف الاصل لاشتماله على مخالفة الحكم الاول فالدليل يقتضي عدمه تركنا العمل به في الجملة الواحدة لدفع محذور الهذرية فيبقى الدليل في باقي الجمل سالما عن المعارض وانما خصصنا الاخيرة لكونها اقرب ولانه لا قائل بالعود إلى غير الاخيرة خاصة واعترض عليه بانه ان كان المراد بمخالفة الاستثناء للاصل انه موجب للتجوز في لفظ العام فهو مسلم سيما على مذهب الجمهور ولكن تعليله بمخالفة الحكم الاول فاسد إذ لا مخالفة فيه للحكم الاول على قول من الاقوال في وجوه تقرير الجملة الاستثنائية كا مر سابقا وايضا تعليل ترك العمل في الجملة الواحدة بدفع محذور الهذرية غلط لدلالة نص الواضع ورخصته النوعية على جواز الخروج عن اصالة الحقيقة إلى المجاز عند قيام القرينة مع ان تخصيص الجملة الاخيرة مقطوع به ولا حاجة فيه إلى التمسك برفع الهذرية لانه لو صلح بمجرده سببا للخروج عن الاصل لجاز في المنفصل في النطق عرفا ايضا وان كان المراد ان ظاهر المتكلم بالعام ارادة العموم وارادة العموم اقرار والاستثناء مستلزم لانكار بعضه ولا يسمع الانكار بعد الاقرار فالاستثناء مخالف للاصل يعني هذه القاعدة أو ان ارادة العموم بعد ما بينا من الظهور مستصحبة والاستثناء مزيل له


[ 296 ]

فهو مخالف للاستصحاب ففيه أن للمتكلم مادام متشاغلا بالكلام أن يلحق به ما شاء من اللواحق فلا يجوز للسامع أن يحكم بإرادة العموم حتى يتم الكلام ولو كان مجرد صدور اللفظ مقتضيا للحمل على الحقيقة لكان التصريح بخلافه قبل فوات وقته منافيا له ووجب رده ولا يتمشى ذلك إلى الاخيرة ولا ينفع في ذلك دفع محذور الهذرية لما مر فما لم يقع الفراغ لم يتجه للسامع الحكم بإرادة الحقيقة لبقاء مجال الاحتمال لكن لما كان تعلقه بالاخيرة متحققا للزومه على كلا التقديرين (فيخزم) ؟ به ونتمسك في إنتفاء التعلق بالباقي بالاصل فليس هذا من القول بالاختصاص بالاخيرة في شئ أقول ويمكن تصحيح الاستبدال على كلا التقريرين في الجملة اما الاول فنقول في تقريره أن المراد أن الجملة الاستثنائية لما كان ظاهرها التناقض فأوجب إخراج الكلام عن ظاهره باحد التقريرات المتقدمة في محله فالغرض من التعليل إن الداعي على التجوز هو مخالفة الاستثناء للحكم الاول ظاهرا كما صرحوا به في محله لا المخالفة النفس الامرية فمنع المخالفة النفس الامرية بعد القول بالتجوز الناشئ عن توهم المخالفة و حصول المخالفة الظاهرية غريب وإبطال العلة بمثل هذا الاعتراض عجيب فعلى هذا فيمكن تعميم العنوان أيضا بأن يقال أن الاستثناء خلاف الاصل يعني موجب لخلاف الظاهر لانه بظاهره مخالف للحكم الاول فيلزم فيه إرتكاب خلاف ظاهر سواء كان ذلك هو التجوز في لفظ العام أو أحد الامرين الاخيرين ولا ريب أن كلها خلاف الظاهر ثم ان المستدل لا ينكر ثبوت الرخصة من الواضع بأن الاستثناء وضع للاخراج عن المتعدد وأنه يصير قرينة للمجاز لكن القدر المسلم الثابت هو ما تعلق بمتعدد خاص وأما لو ورد إستثناء محتمل للمتعددات ولم يعلم متعلقه فلم يظهر من الواضع الرخصة في تعليقه بأيها لكن وقوعه في كلام الحكيم لا بد أن لا يكون لغوا فيصير من باب المجمل والعقل الحاكم بنفي اللغو عن كلام الحكيم يحكم برجوعه إلى واحد من المتعددات لا أزيد منها لان مقتضى الاصل عدم التعلق بالكل ودفع الهذرية يحصل بالارجاع إلى الواحد ثم تعيين ذلك البعض ايضا يحتاج إلى دليل فيتمسك فيه بالاقربية وبالقطعية بالاجماع ونحو ذلك فالتمسك برفع الهذرية (ليس لاجل تصحيح أصل التعليق في الاستثناء فإنه لا ريب أنه من جهة الواضع وكذلك تخصيص الاخيرة أيضا ليس من جهة رفع الهذرية) لرفعه بغيره أيضا بل إنما هو من جهة الاقربية ونحوها فهيهنا مقامات ثلاثة اعتبرها المستدل وغفل عنها المعترض وأما العلاوة التي ذكرها المعترض أخيرا ففيه أن عدم سماع الاستثناء المنفصل عن النطق إنما هو لعدم ثبوت الرخصة من الواضع في أصل تعليق الاستثناء في مثله فأصل ترتيب الكلام فيه غلط مخالف لضوابط الوضع بخلاف ما نحن فيه فإن إستعماله بعد العمومات المتعددة صحيح وارد في كلام الفصحاء لكنه لحقه الاجمال فصار مثل المجملات فلا بد حينئذ لرفع القبح عن كلام الحكيم


[ 297 ]

ودفع لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة من الارجاع إلى أحد العمومات والتمسك في نفيه عن أكثر منه بالاصل والاكتفاء بالاخيرة إعمالا للدليلين وأما التقرير الثاني فمقتضاه أن توهم التناقض وظهور المخالفة للحكم الاول في الاستثناء صار سببا للعدول عن القاعدة وهي أن لا يسمع الانكار بعد الاقرار فلما كان ظاهر الجملة الاستثنائية سماع الانكار بعد الاقرار مثلا فصار مخالفا للاصل فعدلنا عنه في جملة واحدة لدفع الهذرية إلى آخر ما ذكرنا في التقرير الاول وتحريره والفرق بين التقريرين مع أن مقتضاهما واحد لان فهم العموم أيضا من أجل كون اللفظ حقيقة فيه أن هذه القاعدة غير مختصة بالحقيقة وإن اتفق هنا إتحاد موردهما فقد يحصل الاقرار والاعتراف بلفظ مجازي فمخالفة الاعتراف ومناقضة مخالفة للقاعدة سواء دل على الاعتراف بأصالة الحقيقة أو غيره كما أن المخالفة بحسب الحقيقة والمجاز أيضا قد تكون بالتخصيص وقد يكون بغيره فاختلف التقريران مفهوما وإن اتحد مصداقهما فيما نحن فيه في العام الذي له لفظ حقيقي وأما بيانه في مخالفته للاستصحاب فهو غلط فاحش ولا يمكن تطبيقه إلا على الاستثناء البدائي و هو خارج عن المتنازع كما لا يخفى ولا معنى لاستصحاب ظهور الارادة (أيضا كما لا يخفى وأما ما ذكره المعترض في دفع هذا التقرير فما له منع ظهور الارادة) وأنت خبير بما فيه إذ إحتمال ذكر المنافي لا يخرج الحقيقة عن الظهور وفي معناها الحقيقي ينادي بذلك أصلهم المشهور في الاستثناء وعلاج ظهور التناقض فيه ولا ريب أن إنتفاء إحتمال التجوز لا يحصل بعد إنتهاء الكلام أيضا لاحتمال المخصص المنفصل فوجود الاحتمال ما دام الكلام لم ينته غير مضر بظهور الدلالة على الحقيقة مع أنه لا يجتمع إنكار ظهور الارادة في هذا التقرير مع قبول أن التجوز خلاف أصل الحقيقة في التقرير الاول لان معنى قولهم الاصل في اللفظ الحقيقة أن اللفظ الذي له موضوع له معين واستعمل في شئ لم يظهر للسامع لا بد أن يحمل على معناه الحقيقي ما لم يجئ قرينة على خلافه ومقتضى ما ذكرنا في مقدمات المباحث السابقة من أن المقصود في الوضع هو غرض التركيب لا ينافي ما نقول هنا لان التركيب يتم بقول القائل أكرم العلماء ولا ينتظر في فهم معناه التركيبي لمجئ جمل متعددة بعده ومجئ إستثناء عقيب الكل فقد تم الكلام النحوي وإن لم يتم اكلام الاصطلاحي بعد والمعيار في صحة الفهم هو الاول وإن كان للمتكلم رخصة في جعل اللواحق مربوطة بالسوابق وذلك لا يوجب عدم ظهور الحقيقة في معناها ولا نقول أن مجرد صدور اللفظ يوجب الجزم بإرادة الحقيقة حتى ينافيه التصريح بخلافه بل نقول أن ظاهره إرادة الحقيقة ونحكم به حكما ظنيا لا قطعيا وإذا جاء المنافي في تتمة الكلام فيكشف عن بطلان الظن ويتجدد للنفس تصديق


[ 298 ]

جديد بإرادة المعنى المجازي ولا غائلة فيه أصلا وأما قوله فما لم يقع الفراغ لم يتجه إلخ ففيه تناقض وهو مناف لما تقدم من المعترض فإنه قال سابقا أيضا أنه لا يحكم بالحقيقة حتى يتحقق الفراغ وينتفي إحتمال غيره ولا ريب أنه بعد الفراغ عن ذكر الجمل والشروع في ذكر الاستثناء لا ينتفي إحتمال التخصيص كما هو المفروض فما معنى إبقاء غير الاخيرة على عمومه تمسكا بالاصل وما معنى الاصل هنا فقد عرفت بطلان إرادة الاستصحاب منه وكذلك القاعدة على مذاق المعترض فلم يبق إلا الظاهر أعني أصل الحقيقة إذ ليس كل عموم موافقا لاصل البرائة حتى يقال أنه هو المراد والتحقيق في الجواب أن هذا الدليل لا يدل على مدعاهم بل هو موافق لما اخترناه من الاشتراك المعنوي وإن ما ذكره المستدل قرائن لتعيين أحد أفراده وأين هذا من إثبات كونه حقيقة مخصوصة في الاخراج عن الاخيرة فهذا دليل على ما اخترناه في المسألة بلا قصور ولا غائلة ومنها أنه لو رجع إلى الجميع لرجع في قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا مع أنه لا يسقط الجلد بالتوبة إتفاقا وخلاف الشعبي لا يعبأ به وفيه أن مطلق الاستعمال لا يدل على الحقيقة فلا ينافي ذلك كونه حقيقة في الرجوع إلى الجميع والخروج عن مقتضاه في الجلد بالدليل الخارجي وهو الاجماع وأنه حق الناس فلا يسقط بالتوبة مع أنه لا يدل على الاختصاص بالاخيرة لقبول الشهادة بعد التوبة إلا أن يمنعها المستدل ومنها أن الجملة الثانية بمنزلة السكوت فكما لا يرجع المخصص بعد السكوت والانفصال عن النطق إلى ما تقدمه فكذلك ما في حكمه وجوابه بالمنع ودعوى أنه لم ينتقل من الجملة الاولى إلا بعد إستيفاء الغرض منها أول الكلام ومنها أنه لو رجع إلى الجميع فإن أضمر مع كل منها إستثناء لزم خلاف الاصل وإلا فيكون العامل في المستثنى أكثر من واحد ولا يجوز تعدد العامل على معمول واحد في اعراب واحد لنص سيبويه على ولئلا يجتمع المؤثران المستقلان على أثر واحد وأجيب بإختيار الشق الثاني ومنع كون العامل في المستثنى هو العامل في المستثنى منه بل هو أداة الاستثناء كما هو مذهب جماعة من النحاة لقيام معنى الاستثناء بها والعامل هو ما يتقوم به المعنى المقتضى للاعراب ولكونها نائبة عن استثنى كحرف النداء عن أدعو سلمنا لكن نمنع إمتناع إجتماع العاملين على معمول واحد ولا حجة في نص سيبويه لاحتمال أن يكون ذلك من إجتهاده لا من نقله كما أن رواية الثقة حجة على غيره لاجتهاده ورأيه مع أنه معارض بما نقل عنه من تجويزه نحو قام زيد وذهب عمرو الظريفان مع انه قائل بأن العامل في الصفة هو العامل


[ 299 ]

في الموصوف وبنص الكسائي على الجواز وكذلك بتجويز الفراء بتشريك العاملين في العمل إذا كان مقتضاهما واحدا وربما يؤيد الجواز بمثل هذا حلو حامض لعدم جواز إخلائهما عن الضمير ولا يختص أحدهما به فتعين أن يكون فيهما ضميرا واحد وفيه إشكال لاحتمال أن يقال هما كالكلمة الواحدة وهو مز مع إحتمال أن يكون حامض صفة لحلو لا خبرا بعد خبر وأما حكاية عدم إجتماع المؤثرين المستقلين ففيه ما لا يخفى إذ العلل الاعرابية كالعلل الشرعية معرفات وعلامات لا علل حقيقية ولا ريب في جواز إجتماع المعرفات أقول ويرد عليه أيضا مضافا إلى ما ذكر النقض بصورة التجوز فلو استعمل الهيئة المذكورة في الاخراج عن الجميع فيكون مجازا على رأي المستدل ولم ينقل عنه القول ببطلان الاستعمال فيعود المحذور عليهم ولا يمكنهم دفع ذلك بإلتزام الاضمار مع كل منهما من جهة انه نفس التجوز الذي ذهبوا إليه فإن المراد بالتجوز المبحوث عنه هو إستعمال لفظ وضع لاخراج شئ عن عام واحد في الاخراج عن عمومات متعددة على التبادل وهو لا يستلزم الاضمار مع كل واحد فالاضمار خلاف أصل آخر يجب التحرز عنه على القول بالمجازية أيضا ثم أن تصحيح التجوز وبيان العلاقة في هذا المجاز دونه خرط القتاد ولا يصح جعله من باب إستعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل إذ الاخراج عن الاخيرة ليس جزء للاخراج عن كل واحد كما لا يخفى وأما التجوز بإرادة الجميع من حيث المجموع فهو خارج عن المتنازع مع أن لهذه العلاقة شرطا وهو مفقود ولا العكس بتقريب أن يقال أنه موضوع للاخراج المخصوص وهو الاخراج عن الاخيرة فاستعمل في الاخراج المطلق الشامل للاخراج عن الاخيرة والاخراج عن غيرها فإن جزء الموضوع له هو مطلق الاخراج اي الماهية الجنسية ولا ريب أنه لم يستعمل فيه حينئذ بل استعمل في فرد خاص آخر منه وهو الاخراج عن كل واحد وهذا ليس من باب إطلاق المشفر على شفة الانسان إذ الشفة ماهية مشتركة بينهما وبين غيرهما أيضا من شفاه الحيوانات ومع ملاحظة هذا النوع من العلاقة يصح إستعماله في كل شفة بخلاف ما نحن فيه لعدم جواز إستعماله في كل إخراج نعم لو فرض الكلي الذي هو جزء الاخراج عن الاخيرة هو القدر المشترك بينه وبين الاخراج عن الجميع لتم ما ذكر وليس فليس وما ذكرنا أيضا مما يوهن هذا القول ويضعفه هذا كله مع أنه لو تم هذا الاستدلال لا يضر ما اخترناه في المسألة أصلا فإنا لا نقول بجواز رجوعه إلى كل واحد لا حقيقة ولا مجازا ومنها أن الاستثناء من الاستثناء يرجع إلى ما يليه دون ما تقدمه إتفاقا فإذا قال القائل ضربت غلماني إلا ثلاثة إلا واحدا كان


[ 300 ]

الواحد المستثنى راجعا إلى الجملة التي تليه دون ما تقدمها فكذا في غيره دفعا للاشتراك وفيه أولا أن الكلام في الجمل المتعاطفة لا غير سلمنا لكن الاتفاق فارق سلمنا لكن المانع في المقيس عليه موجود من جهة لزوم اللغوية لو عاد إلى غير الاخيرة أيضا لانه لو رجع مع الرجوع إلى الاستثناء الاول إلى المستثنى منه أيضا لزم أن يخرج من المستثنى منه مثل ما ادخل فيه فيبقى الاستثناء الاخير لغوا كما لو قيل له علي عشرة إلا ثلاثة إلا واحدا فالكلام بعد إستثناء الثلاثة إعتراف بالسبعة وإذا أخرج من الثلاثة واحدا بالاستثناء الثاني يرجع الاعتراف إلى الثمانية ثم إذا رجعناه إلى العشرة ثانيا فيخرج من العشرة أيضا واحدا ويصير إعترافا بالسبعة وهو المستفاد من الاستثناء الاول فيبقى الاستثناء الثاني لغوا وحجة القول بالتوقف هو تصادم الادلة وعدم ظهور شئ مرجح لاحد الاقوال عنده ثم إنك إذا أحطت خبرا بما ذكرنا تقدر على إستخراج الادلة على حكم سائر المخصصات وإن الكلام واحد فلا حاجة إلى الاعادة قانون إذا تعقب العام ضمير يرجع إلى بعض ما يتناوله فقيل أنه يخصص وقيل لا وقيل بالتوقف وذلك مثل قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء إلى أن قال تعالى وبعولتهن أحق بردهن فإن الضمير في قوله تعالى بردهن بل في وبعولتهن للرجعيات فعلى الاول يختص التربص بهن وعلى الثاني يعم الباينات وعلى الثالث يتوقف احتج المثبتون بأن تخصيص الضمير مع بقاء عموم ما هو له يقتضي مخالفة الضمير للمرجوع إليه فلا بد من تخصيص العام لئلا يلزم الاستخدام فإنه وإن كان واقعا في الكلام لكنه مجاز واحتج النافون بأن اللفظ عام فيجب إجرائه على عمومه ما لم يدل دليل على تخصيصه ومجرد إختصاص الضمير العائد في الظاهر إليه لا يصلح لذلك لان كلا منهما لفظ مستقل فلا يلزم من خروج أحدهما عن ظاهره خروج الاخر واحتج المتوقفون بتعارض المجازين وتساقطهما وعدم المرجح وقد يقال في ترجيح الاول بان عدم التخصيص مستلزم للاضمار لان المراد من قوله تعالى وبعولتهن بعولة بعضهن والتخصيص أولى من الاضمار وقد يجاب عنه بأن الضمير كناية عن البعض فلا إضمار فالامر مردد بين التخصيص والمجاز لا التخصيص والاضمار ولا ترجيح للتخصيص على المجاز وقد يقال ان ذلك تردد بين التخصيصين ولا وجه لترجيح أحدهما على الاخر وفيه ما فيه إذ المراد التجوز الحاصل من صرف الضمير عن ظاهر وضعه وهو المطابقة للمرجع وهو لا يستلزم كونه من باب التخصيص وإن اتفق تحققه في ضمنه في بعض الاحيان مع أن العموم غير مسلم في الضمير فإن وضعه للجميع لا غير فالاولى التمسك بترجيح التخصيص على مطلق المجاز وقد يرجح الثاني بأنه


[ 301 ]

يستلزم مجازا واحدا في الضمير بخلاف الاول فإن مجازية العام يستلزم مجازية الضمير أيضا فيتعدد المجاز وقد يجاب عن ذلك بأنه مبني على كون وضع الضمير لما كان المرجع ظاهرا فيه حقيقة له لكن الحق أن حقيقة فيما هو مراد من المرجع ولو كان معنى مجازيا وفيه أن الضمير وإن كان حقيقة في المراد لكن ظاهر اللفظ كاشف عن المراد فهو المعيار فالمعتبر فيه هو ظاهر اللفظ إذا عرفت هذا فالاظهر عندي هو القول الاوسط وبيانه يتوقف على ذكر فائدتين الاولى أن في معنى كون الاصل في الضمير المطابقة للمرجع وكون وضع الضمير في الاصل لما هو ظاهر فيه حقيقة له أو المراد منه غموضا وذلك لان وضع الضمائر قد عرفت أنه من قبيل الوضع العام وإن الموضوع له فيها كل واحد من خصوصيات الافراد لكن بوضع واحد إجمالي وبذلك يمتاز عن المشترك كما أشرنا إليه في أول الكتاب وعلى هذا فضمير المفرد المذكر الغائب مثلا إذا استعمل في كل واحد من أفراد المفرد المذكر الغائب يكون حقيقة وكذلك إسم الاشارة مثل هذا لكنها تحتاج في إفادة المعاني إلى القرينة نظير إستعمال النكرة في الفرد المعين عند المتكلم الغير المعين عند المخاطب فلا دخل لحقيقة المرجع ومجازه في وضع الضمير بهذا المعنى نعم لما كان المعتبر في وضع ضمير الغائب مثلا معهودية المرجع بين المتكلم والمخاطب ولو بمقتضى الحال والمقام فلا بد أن يستعمل ضمير الغائب في المفرد المذكر الغائب المعهود والعهد إن كان باللفظ الذي أريد به المعنى الحقيقي أو كان بغير اللفظ كمقتضى المقام أو بلفظ مجازي مقرون بالقرينة فلا إشكال في تحقق الوضع الاصلي ووروده على مقتضاه حينئذ وأما إذا كان المرجع لفظا له حقيقة وأريد به المعنى المجازي فلما كان مقتضى أصل الحقيقة حمل اللفظ إلى معناه الحقيقي فيقتضي ذلك الاصل أن المراد من ذلك اللفظ هو ما كان ظاهرا فيه ويحصل العهد بينهما بدلالة الظاهر فإذا دلت القرينة على إرادة خلاف الظاهر منه بعد ذكر الضمير فيكشف عن عدم معهودية المرجع وذلك يستلزم استعمال الضمير في غير ما وضع له وهذا هو معنى مجازية الضمير اللازمة على تقدير تخصيص العام وبما ذكرنا تقدر على فهم المجازية في سائر أنواع الاستخدام الذي يحصل بغير إرادة بعض أفراد الموضوع له من سائر العلائق والحاصل أن مقتضى وضع الضمير الغائب رجوعه إلى متقدم معهود مفهوم بينهما بالدلالة الحقيقية أو الحاصلة بالقرينة وإذا ظهر بعد ذكر الضمير خلاف مقتضى العهد والدلالة ظهر كونه مجازا الثانية إنك قد عرفت سابقا أن التشاغل بالكلام مع إحتمال عروض ما يخرجه عن الظاهر من اللواحق وبقاء مجال إلحاق اللواحق لا يخرج اللفظ الظاهر في معنى مثل


[ 302 ]

العموم عن الظاهر حتى يثبت تعلق اللواحق به وإخراجه عن الظاهر فالعام المذكور أولا ظاهر في معناه الحقيقي حتى يأتي ما تحقق كونه مخصصا له وما يتوهم أن ذلك ينافي عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص ومقتضى ذلك التوقف عن الحكم بإرادة الحقيقة من العام حتى يتم الكلام فلا يحكم بالظهور في معناه الحقيقي إلا مع إنتفاء إحتمال إرادة المجاز ففيه أن البحث عن وجود المخصص وعدمه غير البحث عن كون ذلك الشئ مخصصا أم لا والذي يقتضيه تلك القاعدة هو الاول لا الثاني وأيضا فأصالة الحقيقة تقتضي الحكم بظهورها في المعنى الحقيقي وغلبة التخصيص تقتضي الحكم بعدمه فهو مراعى حتى يتفحص وبعد التفحص والتأمل في أن ذلك الذي وقع في الكلام من اللواحق هل يقتضي التخصيص أم لا فإذا لم يحصل الظن بالتخصيص فيحكم بأصل الحقيقة وبالجملة الذي يضر بأصل الحقيقة هو ظن التخصيص ولا يجب في إعمال أصل الحقيقة الظن بعدم المخصص بل عدم الظن به كاف هذا مع أنا لو فرضنا التفحص من الخارج وثبت تخصيص ما له من وجه آخر فلا وجه للتوقف بعد ذلك كما أشرنا في القانون السابق وكذلك لو حصل الظن بالعدم من الخارج وبقي الاشكال في كون اللاحق في الكلام مخصصا وبالجملة فرق بين توقيف العام عن العمل حتى يحصل الظن بعدم المخصص الواقعي وبين توقيفه عن العمل حتى يحصل الظن بعدم كون ما يحتمل كونه مخصصا من اللواحق في الكلام أو غيرها مخصصا له والكلام إنما هو في الثاني إذا تمهد هذا فنقول في توضيح جميع المقامات المذكورة فيما نحن فيه أنه إذا إبتدء في الكلام بذكر العام مثل لفظ المطلقات فنقول ان ظاهرها العموم وإذا قيل يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فنقول ان المراد منها غير الغير المدخولات وغير اليائسات على الاقوى فبقي العام ظاهرا في الباقي إذ مرادنا من أصل العموم أعم من الحقيقة الاولية أو الظهور الحاصل في الباقي وإن قلنا بمجازيته في الباقي أيضا فحينئذ المطلقات أيضا ظاهرة في ذوات الاقراء مطلقا وإذا قيل و بعولتهن أحق بردهن علمنا أن الحكم بالرد مختص بالرجعيات لكن لم يظهر من ذلك أن المرجع أولا هل كان هو الرجعيات أو الاعم فأصل العموم بحاله وإن كان المراد به تمام الباقي لا نفس المدلول فلا دليل على تخصيص العدة بالرجعيات وعدم ثبوت الارجاع كاف ولا يجب ثبوت العدم فظهر أن إحتمال كون مخالفة الضمير مخصصا للمرجع لا يضر لظهور المرجع في العموم مع أنه يمكن القلب بأن قاعدة لزوم مطابقة الضمير للمرجع أيضا عام يمكن أن يكون مخصصا بما سبقه ظاهر ينافي حمله على مقتضى لقاعدة (المطابقة) هذا مع أن الظاهر أصل والضمير تابع والدلالة الاصلية


[ 303 ]

أقوى من الدلالة التبعية والتصرف في الاضعف أسهل قانون لا خلاف في أن اللفظ الوارد بعد سؤال أو عند وقوع حادثة يتبع السؤال وتلك الحادثة في العموم والخصوص إذا كان اللفظ غير مستقل بنفسه بمعنى أنه يحتاج إلى إنضمام السؤال إليه في الدلالة على معناه إما لذاته و بإعتبار الوضع كقوله صلى الله عليه وآله وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر أينقص إذا جف فقيل نعم فقال فلا إذن أو بحسب العرف مثل قولك لا آكل في جواب من من قال كل عندي فإن أهل العرف يفهم تقييد الجواب يعني لا آكل عندك وكذا لو كان مستقلا مساويا للسؤال في العموم والخصوص مثل ما لو قيل ما على المجامع في نهار رمضان فيقول على المجامع في نهار رمضان الكفارة أو اخص من السؤال مع دلالته على حكم الباقي على سبيل التنبيه مع كون السامع من أهل الاجتهاد ووسعة الوقت لذلك لئلا يفوت الغرض كأن يقال في جواب السؤال عن الزكاة في الخيل في ذكور الخيل زكاة أو ليس في إناثه زكاة فإن الاناث لما كانت هي محل النمو ففي إثباتها في الذكور يثبت في الاناث بطريق أولى ومن نفيها في الاناث ينفى عن الذكور كذلك ولو كان أعم منه في غير محل السؤال مثل قوله صلى الله عليه وآله وقد سئل عن ماء البحر هو الطهور مائه الحل ميتة فإن السؤال عن الماء والجواب عن الماء وعن الميتة فيتبع عموم الجواب في المقامين أيضا لعدم مانع من ذلك و وأما لو كان اللفظ أعم منه في محل السؤال مثل قوله صلى الله عليه وآله وقد سئل عن بئر بضاعة خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته وقوله صلى الله عليه وآله لما مر بشاة ميمونة على ما رواه العامة أيما اهاب دبغ فقد طهر فاختلفوا فيه والحق كما هو مختار المحققين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المحل وبعبارة أخرى السبب لا يخصص الجواب وقيل أن السبب مخصص للجواب لنا أن المقتضي وهو اللفظ الموضوع للعموم موجود والمانع مفقود وما يتصور مانعا سنبطله ولعمل العلماء والصحابة والتابعين على العمومات الواردة على أسباب خاصة بحيث يظهر منهم الاجماع على ذلك كما لا يخفى ذلك على من تتبع الآثار وكلام الاخيار واحتجوا بأنه لو كان عاما في السبب وغيره لفاتت المطابقة بين الجواب والسؤال وفيه أن المطابقة إنما يحصل بإفادة مقتضى السؤال والزيادة لا تنفي ذلك مع ما فيه من كثرة الافادة وبأنه لو كان يعم غير السبب لجاز تخصيص السبب وإخراجه بالاجتهاد كما يجوز في غيره والتالي باطل والمقدم مثله وفيه أن عدم جواز إخراج السبب إنما هو لاجل أنه بمنزلة المنصوص عليه المقطوع به وبأنه لو لم يخص بالسبب لما كان لنقل السبب فائدة مع أنهم بالغوا في ضبطه وتدوينه وليس ذلك إلا لاجل الاختصاص به و


[ 304 ]

فيه أن الفوائد كثيرة منها معرفة شأن ورود الحكم ومنها معرفة كون هذا الفرد بمنزلة المقطوع به لئلا يخرج بالاجتهاد ومنها معرفة السير والقصص وغير ذلك من الفوائد وبأن من حلف والله لا تغذيت بعد قول القائل له تغذ عندي لا يحنث بكل تغذ بل إنما يحنث بالتغذي عنده فقط فلو لم يكن السبب مخصصا لحصل الحنث بكل تغذ وهو باطل بالاتفاق وفيه أن العرف دل على هذا التخصيص كما أشرنا إليه سابقا قانون إختلفوا في جواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة بعد إتفاقهم على جوازه في مفهوم الموافقة والاكثر على الجواز حجة الاكثرين أنه دليل شرعي عارض بمثله وفي العمل به جمع بين الدليلين فيجب واحتج الخصم بأن الخاص إنما يقدم على العام بكون دلالته على ما تحته أقوى من دلالة العام على ذلك والمفهوم أضعف دلالة من المنطوق فلا يجوز حمله عليه وقد أجيب عنه مرة بأن الجمع بين الدليلين أولى من إبطال أحدهما وإن كان أضعف وأخرى بمنع كون العام أقوى بل لا يقصر المفهوم الخاص غالبا عن العام المنطوق سيما مع شيوع تخصيص العمومات أقول وفي أوضاع الحجتين والجوابين مع ملاحظة ما قرروه في باب التعادل والترجيح تشويش واضطراب وذلك لانهم ذكروا في باب التعادل أن تعادل الامارتين وتساويهما من جميع الوجوه يوجب التخيير أو التساقط والرجوع إلى الاصل أو التوقف على إختلاف الآراء وإن ذلك إنما هو بعد فقد المرجحات وعدم إمكان الجمع بين الدليلين وكأنه لا خلاف بين العلماء في وجوب الجمع بين الدليلين مع الامكان وإن التخيير وغيره من الاقوال إنما هو بعد فرض عدم الامكان و ممن صرح بكون ذلك إجماع العلماء الفاضل إبن الجمهور في غوالي اللئالي حيث قال بعد ذكر مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في ذكر المرجحات إن كل حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أولا البحث عن معناهما وكيفيات دلالة ألفاظهما فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات فاحرص عليه واجتهد في تحصيله فإن العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك احدهما وتعطيله بإجماع العلماء فإذا لم تتمكن من ذلك أو لم يظهر لك وجهه فارجع إلى العمل بهذا الحديث إنتهى فعلى هذا إذا تعارض دليلان من الادلة مثل خبرين جامعين لشرائط القبول أو ظاهر آيتين أو نحو ذلك فلا بد أولا من ملاحظة الجمع والعمل بهما إما بالتخصيص أو بالتقييد إذا كان بيهما عموم وخصوص أو إطلاق وتقييد أو بحمل أحدهما على بعض الافراد وحمل الاخير على بعض آخر إذا كان بينهما تناقض أو نحو ذلك مع العجز عن ذلك لمانع خارجي مثل التناقض في قضية شخصية أو إجماع على عدمه فيرجع إلى المرجحات ومع التساوي فالاقوال المذكورة فقولهم بالجمع مع عدم ملاحظة المرجحات تمسكا


[ 305 ]

بكونه جمعا بين الدليلين ينافي تعليل تقديم الخاص على العام بكونه أقوى كما في حجة الخصم وكذلك قول المجيب الاول وغيره بالجمع بين الدليلين وإن كان أحدهما أضعف ينافي رجوعهم إلى المرجحات وإعتبار القوة والضعف في المقامات مثل تخصيص القرآن بخبر الواحد وغيره من مقامات الجمع فإنهم يعتبرون الترجيحات أيضا فالمناص عن هذا الاشكال وتحقيق المقام ومحصل ما ذكروه في قاعدة التعادل والترجيح مع تحرير مني وتصحيح على ما إقتضاه الحال والمقام إن مرادهم في مقام لزوم الجمع مع الامكان من عدم الرجوع إلى المرجحات الخارجية إنما هو بالنسبة إلى الهجر والترك والاسقاط لا بالنسبة إلى ارجاع احدهما إلى الاخر فان ارجاع احد الدليلين إلى الاخر أو ارجاعهما إلى ثالث يقتضي اخراج اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز إذ العمل بالمتخالفين مع بقائهما على حقيقتهما مما لا يمكن بالضرورة فكما يمكن اخراج العام عن حقيقة العموم يمكن اخراج الخاص عن حقيقة الخصوص ايضا فلا بد في توجيه التأويل إلى احدهما دون الاخر من مرجح فلا ينافي عدم الرجوع إلى المرجحات فيما أمكن فيه الجمع من جهة القبول مطلقا والاسقاط مطلقا وجوب الرجوع إليها في ارجاع التأويل إلى احدهما دون الاخر ومرادهم من العمل بالدليلين العمل بهما على ما هو مقتضى مدلولهما اما بالحقيقة أو بالمجاز الذي يصح في محاورات اهل اللسان وهو ما وجد فيه العلاقة المصححة المقبولة عند اهل البيان والقرينة الصارفة عن الحقيقة والمعينة لذلك المعنى المجازي كذلك بان تكون موجودة في اللفظ أو مقارنة معها أو كاشفة عن كون اللفظ مقترنة حين التكلم بقرينة تدل على هذا المعنى ولا يكفي في ذلك مجرد احتمال اللفظ لذلك وكذلك معنى ارجاع احدهما إلى الاخر ابقاء احدهما على حقيقته وارجاع الاخر إليه كذلك ومعنى ارجاعهما إلى ثالث اثبات القرينة للتجوز في كليهما بحيث يحصل من التجوز فيهما معنى ثالث مثال الاول العام والخاص المطلقان فان العمل بالخاص يوجب العمل بالدليلين في الجملة اما في الخاص فبحقيقته و اما في العام فبمجازه المتعارف وهو التخصيص ومجرد وقوع العام والخاص المتنافيي الظاهر في كلام متكلم واحد أو متكلمين كانا في حكم واحد قرينة على ارادة التخصيص سيما وفيه اشارات من كلام الشارع ايضا بان في كلامه عاما وخاصا ولا بد من معرفتهما ومثال الثاني إرجاع عامين متنافيين إلى خاصين وذلك يحصل بين المتناقضين مثل انه ورد في الاخبار ان الام أحق بحضانة الولد إلى سبع سنين وورد ايضا ان الاب أحق (بحضانته) إلى سبع سنين فالجمع بينهما بان المراد بالولد في الاول الانثى وفي الثاني الذكر عمل بالدليلين واخراج لكليهما عن حقيقتهما


[ 306 ]

بالتخصيص لكن الخاص هنا في الاخبار غير ظاهر فيشكل الاعتماد بهذا الجمع لاخراج اللفظ عن الحقيقة وعدم تنزيله على مجاز متعارف عند اهل اللسان لعدم القرينة عليه الا ان يجعل الشهرة بين الاصحاب قرينة على انهما لعلهما كانتا مقترنتين بقرينة مفهمة لذلك واما الذي وجد فيه القرينة من الاخبار فأمره واضح مثل الاخبار الواردة في أن العاري يصلي قائما ويؤمي والاخبار الواردة في أنه يصلي قاعدا فالمشهور أن الاخبار الاولة محمولة على الامن من المطلع والثانية على العدم وبهذا التفصيل رواية صحيحة هي كالمخصص لكليهما وهي قرينة لذلك الحمل واما مطلق الحمل كيفما اتفق كما يذهب إليه بعض من افرط في التأويل فلا دليل عليه مثل ان بعضهم إذا رأى خبرا ورد بلفظ الامر واخر بلفظ النهى في ذلك بعينه فيجعل الامر بمعنى الاذن والنهى بمعنى مطلق المرجوحية ويثبت بذلك الكراهة وهو خارج عن مدلول كليهما فإذا لم يكن قرينة على ذلك حالية أو مقالية فلا يجوز ذلك بمجرد انه جمع بين الدليلين ولايكون عملا بكلام الشارع لا بحقيقته ولا مجازه اما الحقيقة فظاهر واما المجاز فلان المجاز هو المعنى الذي افهمه القرينة وهو مسبوق بوجود القرينة والعلم بها ومجرد احتمال وجود قرينة توجب فهم المخاطبين المشافهين كذلك لا يجوز الحكم بارادة ذلك ف (ولا يورث الظن بارادة ذلك) فهذا مما لا يمكن فيه الجمع والعمل بالدليلين ولا بد من التخيير بعد اليأس من الترجيح مع ان هذا ليس عملا بالدليل بل هو ذكر احتمال في معنى الدليل فالتحقيق في جواب حجة الخصم منع كون المفهوم اضعف من العام المنطوق مطلقا سيما مع غلبة تخصيص العمومات وشيوعه ومع التساوي فيحمل العام على الخاص لا لمحض الجمع بين الدليلين حتى يرد انه لا دليل عليه كما بينا بل لان اجتماعهما مع تساويهما قرينة لارادة ذلك في العرف سيما مع غلبة التخصيص وشيوعه وأما ما يقال من الرجوع إلى مراتب الظن باعتبار الموارد فحيثما حصل في المفهوم ظن اقوى من العام فيخصص به والا فلا فهو خروج عن طريقة أرباب الفن ورجوع إلى القرائن ومحط نظر الاصولي هو ملاحظة المقام خاليا عن القرائن والا فمع الالتفات إلى المرجحات الخارجة فيعتبر ذلك في ارجاع التأويل إلى احد الدليلين دون الاخر مع ثبوتهما أو إليهما معا مع التساوي والامكان أو التخيير بينهما ايضا فنقول مع كون الخاص اقوى فلا اشكال في ترجيح الخاص وارجاع العام إليه واخراجه عن حقيقته واما مع كون العام اقوى فلا يجوز إذا كان العام اقوى من جهة الاعتضاد أو كان المفهوم اضعف من جهة خصوص المقام واما مع التساوي فالمرجح للتخصيص هو شيوع التخصيص وكونه خيرا من سائر المجازات لاجل ما ذكروه في تعارض الاحوال من ان الغفلة عنه لا يوجب ترك المراد


[ 307 ]

رأسا بخلاف سائر المجازات فليس الاعتماد في التخصيص بمحض أنه جمع بين الدليلين كما ظنه بعض المحققين لامكان ذلك بابقاء العام على حقيقته وتأويل الخاص بمجاز اخر فالاعتماد هنا ايضا على المرجح فمع وجود المرجح في احد الطرفين وموافقته لمحاورات اهل اللسان من مراعاة شرايط المجاز لا يجوز التجوز في الطرف الاخر فيرجع مأل الكلام جملة إلى ما يترجح في النظر ويحصل به الظن من الامارتين بعد ملاحظة قواعد اللفظ وفهم المعاني فهذا ايضا يرجع إلى ملاحظة التراجيح وبعد العجز عنه يرجع إلى التخيير أو التوقف فالتخصيص والتقييد وامثالهما ايضا في الحقيقة يرجع إلى الاثبات و الاسقاط الا ان في ذلك اثبات البعض واسقاط البعض وفيما لا يمكن الجمع اسقاط الكل واثبات الكل مع ان القول بان التخصيص فيما نحن فيه عمل الدليلين مشكل بل هو إلقاء احدهما واعمال الاخر فان التخالف انما هو في بعض مدلول العام ونفس الخاص ولاريب ان مع العمل بالخاص يلغي ذلك البعض وان لوحظ مجموع مدلول اللفظ في الجانبين فلا يخفى ان المفهوم ايضا ليس تمام مدلول اللفظ بل بعضه كما اشار إليه بعض الاعلام فلا مناص عن ملاحظة المرجحات في الكل اعني في العمل بالدليلين معا في الجملة وفي طرح احدهما ويشهد به اطلاق الاخبار الواردة في علاج الاخبار المختلفة وسيجئ تمام الكلام في اخر الكتاب انشاء الله تعالى وفذلكة المقام في ضابطة الجمع والترجيح ان التخالف الحاصل بين الدليلين سبب لان يكون العمل باحدهما تركا لظاهر الاخر وحقيقته أو تركا لظاهرهما معا ومع ترك الظاهر اما يحصل قرينة على ارادة خلاف الظاهر من نفس المتعارضين أو الخارج فبذلك يندرج في الدلالة المجازية المتعارفة ويكون هذا ايضا مع القرينة من جملة الظواهر أو لا تحصل ومع ذلك فاما يمكن تأويل هناك بمعنى احتمال ينزل عليه المخالف ولو لم يكن ظاهرا أو لا يمكن فحينئذ نقول إن أراد القوم من قولهم الجمع مهما امكن أولى من الطرح انه لا يجوز رد كلام الشارع ولو بحمله على محتمل صحيح يناسب سائر كلماته وان كان بعيدا ولم نجعله حكما شرعيا دفعا للزوم التناقض كما فعله الشيخ رحمه الله في التهذيب لغرض دعاه إلى ذلك في كلامهم بمعنى الواجب كما في قوله تعالى وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض وان ارادوا انه يجب تنزيل المتخالفين على احتمالين بحيث لا يوجب طرحهما ويكون بذلك مستندا شرعيا و دليلا في جميع الموارد حتى في معنى مجازي لم يظهر له قرينة في نفس المتعارضين ولا في الخارج بل لمحض احتمال عقلي لرفع التناقض فلا دليل على جواز ذلك فضلا عن وجوبه وجعله مستندا


[ 308 ]

شرعيا فانه يؤل إلى الخروج عن كلام الشارع رأسا وفي العمل باحدهما عمل بكلامه في الجملة فلا بدان يكون مراد القوم من الاولوية اما مطلق الرجحان أو الوجوب فيما يمكن جمع يوافق طريقة متفاهم اهل اللسان كالتخصيص وغيره ويكون غيره داخلا في غير الممكن فالمراد من الامكان ما يعم الامكان بملاحظة العرف ثم ان مجرد ظهور القرينة من نفس المتعارضين أو غيرهما على مجازية احدهما أو كليهما لا يوجب الذهاب إلى الاعتماد عليها واعمالها الا إذا لم يوجب ترجيح المرجوح فان حمل اللفظ على المجاز في الحقيقة خروج من مقتضى الدليل لدليل اخر وهو لا يصح الا إذا تساويا أو ترجح القرينة على مقتضى حقيقة اللفظ فلا بد من ملاحظة الترجيحات في مقام الارجاع ايضا كما تريهم يعتبرون ذلك في القانون الاتي وغيره ايضا ويظهر بذلك ضعف ما ذكره العضدي وغيره من لزوم الجمع بين الدليلين وان كان بارجاع الاقوى إلى الاضعف واما ظاهر كلام ابن الجمهور فنمنع ما ادعاه من الاجماع بظاهره إذ عندنا ما هو اقوى في العمل من ذلك الاجماع المنقول من دلالة العقل على قبح ترجيح المرجوح مع ان الرواية صريحة في ارادة المتناقضين اللذين لا يمكن الجمع بينهما وسؤال الراوي فيها انما هو عنهما والسبب ليس مخصصا للجواب ولا يمنع الرجوع في غير المتناقضين ايضا إلى الترجيحات قانون لا ريب في جواز تخصيص الكتاب بالكتاب ولا بالاجماع ولا بالخبر المتواتر ووجهها ظاهر واختلفوا في جوازه بخبر الواحد على اقوال ثالثها بالتفصيل فيجوز ان يخصص قبله بدليل قطعي ورابعها التفصيل ايضا بتخصيصه بما خص قبل بمنفصل قطعيا كان أو ظنيا وخامسها التوقف وقد ينسب إلى المحقق رحمه الله نظرا إلى انه قال الدليل على العمل بخبر الواحد هو الاجماع على استعماله فيما لا يوجد عليه دلالة ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به وهذا ليس معنى التوقف بل هو نفى للتخصيص كما لا يخفى والاظهر الجواز كما هو مذهب اكثر المحققين واحتجوا عليه بانهما دليلان تعارضا بإعمالهما ولو من وجه اولى ولا ريب ان ذلك لا يحصل الا مع العمل بالخاص إذ لو عمل بالعام بطل الخاص ولغى بالمرة وبعدما حققنا لك سابقا يظهر ما فيه لان العام كما انه يخرج عن حقيقته بالتخصيص بسبب كونه مجازا حينئذ و مع ذلك فنقول أنه قد عمل به فكذلك الخاص إن أريد به معنى مجازي أيضا بحيث لا يوجب ترك ظاهر العام وحقيقته فمحض كونه جمعا بين الدليلين لا يوجب القول بالتخصيص مع ما عرفت من أنه ليس جمعا بين الدليلين بل هو إلغاء لاحدهما إذ المعارضة انما هو بين ما دل عليه العام من أفراد الخاص وهو ملغى بأجمعه حينئذ فلا بد من بيان وجه التخصيص وإختياره


[ 309 ]

فالاولى أن يقال دليلان تعارضا وتساويا وأحدهما عام والاخر خاص وفهم العرف وشيوع التخصيص وكونه أقل إستلزاما لمخالفة المراد في نفس الامر كلها مرجحة لاختيار تخصيص العام بالخاص وأما وجه التساوي فستعرف احتج المانع بأن الكتاب قطعي وخبر الواحد ظني و الظن لا يعارض القطع لعدم مقاومته له فيلغى وبأن التخصيص به لو جاز لجاز النسخ وهو باطل أما الملازمة فلانه تخصيص في الازمان فهو من أفراد التخصيص أو أن العلة في التخصى هو أولوية تخصيص العام من إلغاء الخاص وهو موجود في النسخ وأما بطلان التالي فبالاتفاق و الجواب عن الاول ان الكتاب وإن كان قطعي الصدور ولكنه ظني الدلالة وخاص الخبر و إن كان ظني الصدور ولكنه قطعي الدلالة فصار لكل قوة من وجه فتساويا فتعارضا فوجب الجمع بينهما هكذا ذكروه وأنت خبير بأن الخاص أيضا ليس بقطعي الدلالة سيما إذا كان عاما بالنسبة إلى ما تحته لاحتمال مجاز آخر غير التخصيص من أنواع المجاز مضافا إلى إحتمال التخصيص فيما كان عاما أيضا نعم هو نص بالاضافة إلى العام وقطعي بهذا المعنى وهو لا يستلزم قطعيته مطلقا وقد مر توضيح ذلك في مبحث المفهوم والمنطوق فالتحقيق في الجواب هو أنهما ظنان تعارضا و تساويا ولاجل أن التخصيص أرجح أنواع المجاز والفهم العرفي رجحنا التخصيص وأما التساوي فلان المعيار في الاستدلال هو اللفظ من حيث الدلالة من حيث هو والذي نقطع بصدوره هو لفظ العام وأما أن المراد منه هل هو معناه الحقيقي أم لا فهو غير مقطوع به فالذي هو قطعي الصدور هو لفظ العام لا الحكم عليه بعنوان العموم فكون الحكم على العموم مراد الشارع مظنون وكذلك الحكم في الخاص على الخصوص مظنون والقول بأن الخطاب بما له ظاهر وإرادة غيره قبيح فثبت وجوب العمل بظاهر القرآن مع قطعية المخاطبة به إنما يتم بالنسبة إلى من يوجهه الخطاب والخطابات الشفاهية وما في منزلتها مخصوصة بالحاضرين كما تقدم وربما كانت مقترنة بقرائن تخرجها عن الظاهر قد إختفى علينا كما ظهر في مواضع كثيرة ووجوده في غير ما ظهر أيضا محتمل فلم يبق القطع بالمراد فيما لم يظهر وخبر الواحد المخالف لظاهره يمكن أن يكون من جملة تلك القرائن وعدم إقتران القرينة باللفظ لا يوجب تأخير البيان عن وقت الحاجة إذ ربما كانت مقترنة بها من جهة الحال لا من جهة المقال أو كانت مقترنة بالقول منفصلة عن ظاهر القرآن أو لم تكن مقترنة بها ولم يكن حينئذ وقت الحاجة ونحو ذلك وشركتنا للحاضرين في التكليف إنما هو فيما علم المراد منها أو ظن فإذا لم يمكن العلم بالمراد وان تكليف الحاضرين


[ 310 ]

اي شئ كان فلا ريب في الاكتفاء بما ظن أنه مراد فأين العلم ومما ذكرنا يظهر النقض بحصول العلم بمدلول خبر الواحد أيضا لكونه خطابا بما له ظاهر لمخاطبة فيحصل من ذلك قوة أخرى في الخبر أيضا مع أن جواز العمل بظاهر الكتاب من المسائل الاجتهادية قد خالف فيه الاخباريون والتمسك في حجيته وإثبات جواز العمل به بالاخبار إلى دفع الاخبار المعارضة وبالاجماع مدفوع بمنعه في موضع النزاع فظهر بطلان كلام المحقق أيضا بالمعارضة بالقلب فكما أن الاجماع لم يعلم إنعقاده على جواز العمل بخبر الواحد فيما كان هناك عام من الكتاب فلم يعلم إنعقاد الاجماع على حجية ظاهر الكتاب وعامه فيما يثبت من الاخبار الخاصة ما يعارضه سيما والقائلون بجواز التخصيص جماعة كثيرون وعدم الاعتناء بمخالفتهم مشكل مع أن في كون العام حقيقة في العموم كلاما وهو أيضا من المسائل الاجتهادية وقد مر وكذلك العام المخصص بل سد باب تخصيص الكتاب بخبر الواحد يوجب المنع من العمل بخبر الواحد إذ قل ما وجد خبر لم يكن مخالفا لظاهر من عمومات الكتاب فلا أقل من مخالفته لاصل البرائة الثابتة بنص الكتاب مثل لا يكلف الله نفسا إلا ما اتيها ونحو ذلك مضافا إلى ما يظهر ذلك من تتبع أحوال السلف من العلماء و الصحابة والتابعين كما أشار إليه بعض الافاضل وبالجملة مع ملاحظة ما ذكر وأضعاف ما ذكر مما لم يذكر من المضعفات لظاهر الكتاب لا يبقى إلا مجرد دعوى حصول ظن من ظاهر الكتاب بمراد الله تعالى ولا ريب أن خبر الواحد الجامع لشرائط العمل أيضا يورث ذلك الظن فإن قلت أن الاخبار الكثيرة وردت بأن الخبر المخالف لكتاب الله يجب طرحه وضربه على الجدار ونحو ذلك فكيف يصح الخروج عن ظاهر الكتاب بخبر الواحد قلت تلك الاخبار مختلفة متعارضة معارضة بمثلها أو بأقوى منها من تقديم العرض على مذهب العامة والاخذ بما خالفهم ونحو ذلك فهي على إطلاقها غير معمول بها مع أن الظاهر من المخالفة هو رفع حكم الكتاب كليا وإن كان يتحقق بسلب البعض ايضا سلمنا لكنها مخصصة بذلك لمعارضتها بما هو أقوى منها من الادلة الدالة على حجية خبر الواحد مطلقا وما دل على جواز تخصيص الكتاب به من الادلة أيضا إذ قد عرفت أن الخاص إنما يقدم على العام مع المقاومة مع أن من جملة ادلة حجية خبر الواحد هو قوله تعالى إن جائكم فاسق إلخ وآية النفر وما اتيكم الرسول فخذوه والعمل بهذه الاخبار يوجب تخصيصها وهو كر على ما فررت منه ومما ذكرنا يظهر بطلان ما قيل في هذا المقام أيضا من أن تخصيص الكتاب بخبر الواحد يستلزم تخصيص أدلة خبر الواحد بهذه الاخبار فيلزم عدم جواز تخصيص الكتاب


[ 313 ]

بخبر الواحد لان ما يستلزم ثبوته إنتفائه فهو باطل وذلك لما عرفت من ضعف الاستدلال بهذه الاخبار فالقول بتخصيص الكتاب بخبر الواحد مخصوص بغير هذه الاخبار في المخالفة الخاصة فإنها إما مهجورة أو مخصوصة بصورة المناقصة والمنافاة رأسا وأما الجواب عن الثاني فعن الشق الاول من الترديد بأن المسلم من التخصيص والذي ندعيه هو الفرد الخاص يعني التخصيص في الافراد لا جميع أفراده أو ما يشملهما وعن الشق الثاني فبإبداء الفارق بالاجماع المدعى في النسخ أولا وبأن التخصيص أغلب وأشيع وأرجح من النسخ لكمال وضوح ندرته وغلبة التخصيص ثانيا وقد يتمسك في إبداء الفرق بأن التخصيص أهون من النسخ لانه دفع لبعض المدلول قبل العمل به والنسخ رفع للمدلول المعمول عليه وقد يوجه ذلك بأن حدوث الحادث محتاج إلى العلة ويكفي في بقائه علة الوجود فدفع حصوله بسبب عدم ثبوت علته أسهل من دفع ما ثبت لعدم إحتياجه في الثبوت إلى علة أخرى وهو مع أنه لا معنى له في أحكام الله تعالى وأفعاله ولا يصعب عليه شئ أبدا وأنه موقوف على إثبات عدم إحتياج البقاء إلى المؤثر الجديد وهو ممنوع وإن حصول ما لم يكن في الواقع والخارج ليس بأقل من بقاء ما ثبت فهو مردود بأنه لا يرجع إلى محصل إذ الاشكال في أن خاص الخبر إذا ورد مع عام الكتاب فهل يقتضي معاملة أهل اللسان في فهم الالفاظ حمله على النسخ والتخصيص وأيهما أرجح وكون أحدهما أصعب في نفس الامر عن الاخر مع عدم أقليته بالنسبة إلى الاخر لا يوجب فهمه من اللفظ وحمله عليه نعم خصوص شيوع التخصيص وأرجحيته يوجب ترجيحه فبطل القول بعدم الفرق بذلك وربما يقال في بيان الفرق بين النسخ والتخصيص ان في النسخ يراد دلالة اللفظ على جميع الازمنة وإن لم يكن وقوع المدلول مرادا بخلاف التخصيص فانه لايراد منه الا البعض اولا فظهر بذلك أنه لا رفع في التخصيص أصلا بخلاف النسخ فإن فيه رفعا في الجملة وفيه أن ذلك تحكم من قائله فإن إمكان إرادة الدلالة في العام و وجود المصلحة في ذلك أيضا قائم إن أريد مجرد الامكان وإن أريد الفعلية في النسخ دون التخصيص فهو أيضا ممنوع لامكان أن يكون المراد في النسخ ايضا الحكم في بعض الازمان مجازا ولكن تأخر بيانه فالفرق بذلك مشكل احتج المفصلون بما يرجع حاصله بعد التحرير إلى أن الخاص ظني والعام قطعي فلا يقاومه إلا مع ظهور ضعف فيه وذلك عند الفرقة الاولى بأن يخصص مرة بدليل قطعي وعند الفرقة الثانية بأن يخصص بمخصص منفصل وذلك لان العام عند الفرقة الاولى يصير بذلك مجازا في الباقي وعند الفرقة الثانية بهذا والدلالة المجازية أضعف من الدلالة الحقيقية كما سيجئ في باب التراجيح وجوابه يظهر مما مر فإن القطعية إنما كانت في المتن لا في الدلالة والتخصيص إنما


[ 314 ]

يقع في الدلالة فلا ينافي قطعية المتن وحجة المتوقف تصادم أدلة الطرفين وعدم المرجح وجوابه إنا قد بينا إثبات المرجح قانون إذا ورد عام وخاص متنافيا الظاهر فإما أن يعلم تاريخهما بالاقتران أو تقدم الخاص أو تقدم العام أو يجهل تاريخهما وإن كان بجهالة تاريخ أحدهما فهذه أقسام أربعة واعلم أن مراد الاصوليين بالعام والخاص في هذا المبحث هو العام والخاص المطلقان فإن العامين من وجه لا يمكن أن يكون موضوعا لهذا المبحث لانه لا يقال لهما العام والخاص على الاطلاق بل هما عامان من وجه وخاصان من وجه ولان الادلة المذكورة في هذا المبحث لا تنطبق إلا على الاول كما لا يخفى على من تأملها فقد تراهم يجعلون في طي هذه الادلة الخاص بيانا للعام ويفرعون الكلام فيه على جواز تأخير البيان وهو لا يتم في الثاني إذ كل منهما متصف بما إتصف به الاخر من إستعداد البيانية والمبينة وصيرورة أحدهما بيانا للاخر في بعض الاوقات وتخصيصه للاخر ليس بذاته بل إنما هو بضميمة المرجحات الخارجية التي قدمته على الاخر و أيضا قولهم في الصورة الاتية بنى العام على الخاص إتفاقا أو على الاقوى أو نحو ذلك لا يجري في الثاني إذ لو أريد من بناء العام على الخاص في الثاني بناء كل منهما على الاخير فيلزم تساقطهما جميعا وبطلانهما رأسا كما لا يخفى وإن أريد بناء أحدهما على الاخير فيلزم الترجيح بلا مرجح ولا مرجح في أنفسهما كما هو المفروض أي من حيث (محض) ؟ العموم والخصوص والاعتماد على المرجحات الخارجية ليس من جهة بناء العام على الخاص بل من جهة ترجيح أحدهما على الاخر في مادة التعارض وبالجملة المعارضة بين العامين بالمعنى الثاني مثل المعارضة بين المتناقضين لا بد فيه من ملاحظة المرجحات الخارجية في التخصيص يعني بعد ملاحظة المقاومة ونفي رجحان أحدهما على الاخر أولا لاشتراك هذا المعنى بين المعنيين وقد غفل بعض الاعاظم هنا وعمم البحث واستشهد ببعض الشواهد الذي لا يشهد له بشئ ومنشأ إختلاط الامر عليه إختلاط مباحث التخصيص ومبحث كيفية بناء العام على الخاص في بعض الكتب الاصولية وأنت خبير بأنهما مقامان متفاوتان فصل بينهما في كثير من كتب الاصول فمن الشواهد الذي ذكره ان محققي الاصوليين إستدلوا في هذه المسألة على جواز تخصيص الكتاب بالكتاب بآيتي عدة الحامل والمتوفي عنها زوجها مع أن بينهما عموما من وجه و فيه ما لا يخفى إذ ذكر ذلك إبن الحاجب ومن تبعه في مقام بيان جواز تخصيص الكتاب بالكتاب وكلامهم هذا في مقام الرد على الظاهرية حيث منعوا ذلك محتجين بقوله تعالى لتبين للناس ما نزل إليهم والتخصيص بيان فيجب أن يكون بالسنة وأجابوا عن ذلك بالمعارضة بقوله تعالى


[ 315 ]

في صفة القرآن تبيانا لكل شئ وبأن معنى البيان منه صلى الله عليه وآله للآية المخصصة وبأن بيانه مختص بالمشتبه ومع وجود المخصص من الكتاب لا إشتباه ويندفع كلام الظاهرية بمحض إثبات مطلق التخصيص وإن كان بمعاونة المرجح الخارجي وإطلاق التخصيص على قصر أحد العامين من وجه على بعض أفراده بسبب العام الاخر لا يوجب كون مطلق البحث في بناء العام على الخاص بقول مطلق أعم من المقامين كما لا يخفى هذا على مذهب العامة وأما الامامية فلما كان مذهبهما إعتبار أبعد الاجلين فيجمعون بين الآيتين على غير صورة التخصيص المصطلح بأن المراد أن المتوفي عنها زوجها تتربص أربعة أشهر وعشرا إلا إذا كانت حاملا ولم تضع حملها بعد فتصبر حتى تضع وإن الحامل تصبر حتى تضع الحمل إلا إذا كانت متوفى عتها زوجها ولم يبلغ مدة وضعه له أربعة أشهر وعشرا فتصبر بعد الوضع حتى يتم الشهور وهذا ليس معنى التخصيص المصطلح كما لا يخفى على المتدبر البصير و الذي دعاهم إلى ذلك إجماعهم واخبارهم المستفيضة مع أن الظاهر من آية أولات الاحمال المطلقات فلا تعارض وأما العامة فبنوا أمرهم في ذلك أولا على ترجيح عموم آية أولات الاحمال بسبب دلالة اللفظ وإقترانها بالحكمة وغير ذلك ثم خصصوا بها الآية الاخرى وتمام الكلام فيها في الفروع مع أن تمثيل إبن الحاجب (ونظراته) ؟ لا يصير حجة على أحد وأما المحققون منا مثل العلامة في التهذيب وغيره فقد مثلوا لجواز التخصيص الكتاب بالكتاب بآية القروء وآية أولات الاحمال وكلامهم هذا ظاهر في العام والخاص المطلقين فإن الظاهر من آية أولات الاحمال المطلقات وهي أخص من آية ذوات القروء مطلقا ومنها أنه استشهد بكلام صاحب المعالم رحمه الله في حواشيه على كتاب وسيجئ الاشارة إليه وإلى أنه لا دلالة فيها على المطلوب بوجه وبالجملة لا مسرح لجعل موضوع هذا القانون القدر المشترك بينهما بوجه فلنرجع إلى تفصيل الكلام في الاقسام الاربعة ونقول القسم الاول وهو ما علم إقترانهما وهو قد يتصور في القول والفعل والفعلين مع إحتمال ارادة القولين المتصلين من دون تراخ أيضا إن جعلنا المقارنة أعم من الحقيقة والحق فيه بناء العام على الخاص من دون نقل خلاف الا عن بعض الحنفية فقالوا إن حكم المقارنة والجهل بالتاريخ واحد وهو ثبوت حكم التعارض في قدر ما يتناولانه فيرجع إلى المرجحات الخارجية وهذا قولهم في المقارنة الحقيقية دون القولين المتصلين عرفا فالخاص المتأخر مخصص عندهم فيها والعام المتأخر ناسخ لنا ما مر مرارا من الفهم العرفي والرجحان النفس الامري والشيوع والغلبة وإحتمال التجوز في الخاص مرجوح بالنسبة إليه وقد يستشكل بأن الاخبار وردت في تقديم ما هو مخالف العامة أو ما هو


[ 316 ]

موافق الكتاب ونحو ذلك وهو يقتضي تقديم العام لو كان هو الموافق للكتاب أو المخالف للعام أو نحو ذلك وفيه أن المبحث منعقد لملاحظة العام والخاص من حيث العموم والخصوص لا بالنظر إلى المرجحات الخارجية إذ قد يصير التجوز في الخاص أولى من التخصيص في العام من جهة مرجح خارجي وهو خارج عن المتنازع ومما ظهر لك من إتفاق العلماء إلا من شذ منهم على بناء العام على الخاص في صورة الاقتران من جهة محض العموم و الخصوص يتضح لك بطلان تعميم المبحث بحيث يشمل العام والخاص من وجه لما ذكرنا سابقا القسم الثاني وهو ما علم تقدم العام وتراخي زمان صدور الكلام المشتمل على الخاص فإما أن يكون ورود الخاص بعد حضور وقت العمل (بالعام) فيكون ناسخا لا تخصيصا للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة وقد يستشكل ذلك في اخبارنا المروية عن أئمتنا عليهم الصلاة والسلام فإنه إذا كان الخاص في كلامهم فيلزم وقوع النسخ بعد النبي صلى الله عليه وآله وهو باطل لانقطاع الوحي بعده وبهذا يظهر إشكال آخر أورده بعضهم أيضا وهو أنه يلزم عدم جواز العمل بأخبار الآحاد المخصصة للكتاب أو الاخبار النبوية رأسا للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة والاول مدفوع بأن لزوم النسخ إنما هو إذا علم أن هذا البيان والتخصيص كان من الرسول صلى الله عليه وآله بعد حضور وقت العمل لا مجرد تراخي رواية الامام عليه السلام من حيث هو عن زمان العام فإن الائمة عليهم السلام حاكون عن النبي صلى الله عليه وآله لا مؤسسون للشريعة فلا بد في لزوم الحكم بالنسخ من إثبات أن الخبر الخاص من حيث أنه ناسخ متأخر عن زمان العمل بالعام وهو غير معلوم بل خلافه معلوم لاتفاقهم ظاهرا على أن الاحكام الكلية بعد الرسول صلى الله عليه وآله باقية إلى يوم القيامة وإن لم يمتنع عقلا ان النبي صلى الله عليه وآله أخبر خلفائه عليهم السلام بأن الحكم الفلاني باق بعدي إلى الزمان الفلاني ثم ينسخ فعليكم بإجرائه إلى ذلك الحين وإخفاء غايته ثم بيان الغاية عند إنتهاء المدة وبذلك ظهر الجواب عن إشكال لزوم تأخير البيان أيضا والحاصل أن الائمة عليهم السلام يظهرون ما وصل إليهم عن النبي صلى الله عليه وآله وينشرون ما وقع في زمانه ويبينون ما أراده الله في كتابه وما رام النبي صلى الله عليه وآله من سنته فحالهم مع الامة كحال الفقيه مع مقلده وقد أشار إلى بعض ما ذكرنا الفاضل المدقق الشيرواني في حاشيته الفارسية على المعالم فعلى هذا فلو فرض أن أحد الرواة سمع العام من إمامه عليه السلام وتأخر سماع الخاص عنه عن زمان حضور وقت العمل به من دون مانع ومن دون عذر ظاهر


[ 319 ]

فلا بد أن يكون ظهور كونه مكلفا بالعام إلى ذلك الحين من جهة أخرى غير النسخ مثل تقية أو ضرورة أو نحو ذلك علمها الامام عليه السلام ولا يعلمها الراوي ولا يلزم بمجرد ذلك القول بالنسخ حتى يلزم المحذور فتأخير بيان الزمان ونهايته أيضا قد يكون من غير جهة النسخ فليفهم ذلك وإن كان ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام فالاقوى كونه مخصصا تأخير البيان عن وقت الخطاب كما سنحققه وأما من لا يقول بجوازه فإما يجعله ناسخا إن قال بجواز النسخ قبل حضور وقت العمل أو بجعله كالمتعارضين ويرجع إلى المرجحات الخارجية إن لم يقل بجوازه والقسم الثالث وهو ما علم تقدم الخاص فالاقوى وفاقا لاكثر المحققين ان العام يبنى على الخاص وذهب جماعة منهم السيد والشيخ إلى كونه ناسخا للخاص لنا رجحان التخصيص بما مر وترجيح الراجح واجب واستدل أيضا بأن فيه الجمع بين الدليلين في الجملة فلو عمل بالعام لزم إلغاء الخاص إن كان ورود العام قبل حضور وقت العمل به ونسخه ان كان بعده والتخصيص أولى منهما وفيه أن مجرد الجمع لا يصير دليلا على إختيار التخصيص لامكانه بغيره بأن يرتكب تجوز في جانب الخاص فلا بد من ذكر مرجح التخصيص ووجه إختياره على غيره وقد عرفت أن التخصيص الذي ثبت رجحانه هو التخصيص في أفراد العام لا في أزمانه فلا ينافي ما ذكرنا كون النسخ نوعا من التخصيص أيضا واستدل أيضا بأنا لو لم نخصص العام وألغينا الخاص لزم إبطال القطعي بالظني وهو باطل بالضرورة بيان الملازمة إن دلالة الخاص على مدلوله قطعي ودلالة العام محتمل لجواز أن يراد به الخاص ومرجع هذا الاستدلال إلى الترجيح من جهة قوة الدلالة بسبب النصوصية وإن لم يكن قطعيا في معناه كما أشرنا إليه مرارا ولا بأس به وترك صاحب المعالم رحمه الله الاستدلال به وقال في الحاشية إنما عدلنا عنه في الاصل لانه لا يتم إلا في بعض صور المعارضة وهو ما يكون فيه الخاص خاليا من جهة عموم ليكون قطعي الدلالة إذ لو كان له عموم من جهة أخرى لم يكن قطعيا فليتأمل إنتهى والظاهر أنه أراد مما يكون فيه الخاص خاليا من جهة عموم ما كان جزئيا حقيقيا مثل المثال الذي سنذكره فإن الخاص الكلي أيضا عام وظاهر في معناه لا قطعي وحسب الفاضل المدقق أنه أراد بذلك ما كان الخاص أعم من وجه من العام وجعل ذلك شاهدا على دعواه من عموم محل النزاع بل جعله صريحا في ذلك وأنت خبير بما فيه أما أولا فلانه لا وجه لجعل المعارضة بين العام والخاص المطلقين من بعض صور المعارضة مشعرا بقلته بل هو الاغلب وأما ثانيا فلان مقتضى ذلك أن يكون الدليل الذي ذكره في الاصل من


[ 320 ]

أن العمل بالعام يقتضي إلغاء الخاص دون العكس جاريا في المعنيين وهو مما لا مساغ له في العام و الخاص من وجه لعدم الفرق بينهما فلنرجع إلى الجواب عما أورده صاحب المعالم على الدليل ونقول ان (لغوية) ؟ الخاص لا تنفي نصوصيته وقطعيته بالنسبة إلى فرد ما من الخاص بخلاف العام فإنه لا قطع فيه إلا على دلالته على (فرد ما) ؟ من العام مع أن إحتمال التجوز في الجزئي الحقيقي أيضا قائم وكذا في الخاص والعام بالنسبة إلى غير التخصيص من سائر المجازات فالمراد بالقطعية هنا قطعية إرادة فرد ما منه بعد فرض أن المراد هو المدلول الحقيقي في الجملة فلاوجه لترك هذا الدليل في مقام الاستدلال احتج القائل بالنسخ بوجوه الاول أن قول القائل اقتل زيدا ثم لا تقتل المشركين بمثابة أن يقول لا تقتل زيدا ولا عمروا ولا بكرا إلى آخر الافراد ولا شك أن هذا ناسخ فكذا ما هو بمثابته وجوابه المنع عن التساوي فإن التنصيص بمنع التخصيص بخلاف ما إذا كان بلفظ العام وإحتمال غير التخصيص من النسخ وغيره حينئذ مرجوح لما مر مرارا فتعين التخصيص والثاني أن المخصص للعام بيان فكيف يتقدم عليه وجوابه أن المقدم ذات البيان وأما وصف البيانية فهو متأخر وما قيل أن وصف البيانية حينئذ مقارن للعام فهو وهم لان وصف البيانية من حيث هي يتوقف على تقدم ما يحتاج إلى البيان وكيف كان فالبيان بوصف البيانية متأخر عما يحتاج إلى البيان طبعا وإن تقدم عليه وضعا من حيث الذات القسم الرابع وهو ما جهل التأريخ والمعروف من مذهب الاصحاب العمل بالخاص وهو الاقوى لانه لا يخرج عن أحد الاقسام السابقة وقد عرفت في الكل رجحان تقديم الخاص اما من جهة كونه ناسخا لوروده بعد حضور وقت العمل بالعام أو لكونه مخصصا كما مر مفصلا ثم ان الكلام في هذه المقامات إذا كان الخاص مما يجوز نسخ العام به واضح وكذلك فيما لا يجوز مع العلم بالتأريخ ويظهر الحال في الترجيح مما مر في المباحث السابقة وما سيجئ في مبحث النسخ فإطلاق الكلام في هذه المقامات إنما هو بالنظر إلى ملاحظة تقديم كل من العام والخاص على الاخر من حيث العموم (والخصوص) و إلا فيشكل الامر فيما يتفاوت الحال فيه من جهة النسخ والتخصيص في صورة جهل التأريخ فقد يجوز التخصيص دون النسخ كما لو كان العام من الكتاب أو السنة المتواترة والخاص من أخبار الآحاد وجهل التأريخ فالقول بالتقديم العمل بالخاص مطلقا يستلزم تجويزه في صورة ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام في نفس الامر أيضا فيشكل الحكم بتقديم الخاص في صورة جهل التأريخ بقول مطلق وربما يجاب عن هذا الاشكال في الصورة المفروضة بأن الاصل عدم تحقق شرط النسخ وهو حضور وقت العمل فينتفي المشروط فيبقى التخصيص وهو معارض بأن الاصل عدم تحقق شرط التخصيص أيضا فإن


[ 321 ]

تحققه في نفس الامر أيضا مشروط بورود الخاص قبل حضور وقت العمل وما قيل أن الاصل تأخر الحادث وهو يقتضي ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام فهو معارض بأن حضور وقت العمل أيضا حادث والاصل تأخره فالتحقيق في الجواب إن أريد تعميم القول بتقديم العمل بالخاص في صورة جهل التأريخ مع كون الخاص مما لا يجوز نسخ العام القطعي به أن يقال أن شيوع التخصيص وغلبته ومرجحاته المتقدمة يقتضي ترجيح التخصيص بمعنى أن الراجح في النظر حصول ما يستلزم التخصيص في نفس الامر لا النسخ بمعنى أن الظاهر أن الخاص ورد قبل حضور وقت العمل ليثبت التخصيص إلحاقا للشئ بالاعم الاغلب وإتباعا لمرجحات التخصيص وأما من يقول بترجيح النسخ على التخصيص فيما لو فرض تقدم الخاص على العام كما نقلنا عن الشيخ والسيد رحمهما الله تعالى فهو أيضا يتوقف في مجهول التأريخ لدوران الخاص بين كونه مخصصا أو منسوخا ويظهر جوابه مما مر ثم أن ثمرة هذا الاشكال وأثر ذلك في أخبار أئمتنا عليهم السلام غير ظاهرة لعدم ورود المنسوخ في كلامهم عليهم السلام كما أشرنا سابقا ولا الناسخ من حيث أنه ناسخ بل ما يؤثر عنهم عليهم السلام إنما هو حكاية ما علم من سنة النبي صلى الله عليه و آله ومعاملاته وبياناته في الكتاب وسنته صلى الله عليه وآله نعم هم عليهم السلام ربما يقولون إن هذه الآية نسخت بهذه الاية وأمثال ذلك فلو ثبت باخبارهم شئ فإنما يثبت بها حال ما وقع في زمان الرسول صلى الله عليه وآله وأما الاخبار النبوية فعندنا قليلة جدا وأما الكتاب فقد إدعى السيد رحمه الله إن تأريخ نزول آياته مضبوط لا خلاف فيه وذلك في الجميع محل نظر الباب الرابع في المطلق والمقيد قانون المطلق على ما عرفه أكثر الاصوليين هو ما دل على شايع في جنسه أي على حصة محتملة الصدق على حصص كثيرة مندرجة تحت جنس ذلك الحصة وهو المفهوم الكلي الذي يصدق على هذه الحصة وعلى غيرها من الحصص فيدخل فيه المعهود الذهني ويخرج العام منه والجزئي الحقيقي والمعهود الخارجي وهذا التعريف يصدق على النكرة ويظهر من جماعة منهم الشهيد الثاني رحمه الله في تمهيد القواعد حيث قال في مقام الفرق بين المطلق والعام أن المطلق هو الماهية لا بشرط شئ والعام هو المهية بشرط الكثرة المستغرقة وصرح بعضهم بالفرق بين المطلق والنكرة وقد بينا ما عندنا في ذلك في مبحث العام والخاص وإن التحقيق إمكان الاعتبارين وصحة الجمع بين التعريفين بملاحظة الحيثيات فراجع ذلك المقام وأما ما ذكره بعضهم في وجه جعل المطلق حصة من الجنس لا نفس الحقيقة من أن الاحكام إنما تتعلق بالافراد لا بالمفهومات فيظهر لك ما فيه مما حققناه في مبحث جواز تعلق التكليف


[ 322 ]

والاحكام بالطبائع فحينئذ نقول أن البيع مثلا في قوله تعالى أحل الله البيع مطلق وبيع الغرر مقيد وكذلك الماء في مثل خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ والماء القليل المفهوم من قوله عليه السلام إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ وكذلك صم ولا تصم في السفر ونحو ذلك وعرفوا المقيد بما دل لا على شايع في جنسه فيدخل فيه المعارف والعمومات ولهم تعريف آخر وهو ما اخرج من شياع مثل رقبة مؤمنة والاصطلاح الشايع بينهم هو ذلك وعلى هذا فالمطلق هو ما لم يخرج عن هذا الشياغ والنسبة بينهما عموم من وجه لصدقهما على هذا الرجل وصدق الاول على زيد دون الثاني والثاني على رقبة مؤمنة دون الاول وكذا بين المطلق والمعنى الثاني لصدقهما على رقبة مؤمنة والاول على رقبة دون الثاني والثاني على هذا الرجل دون الاول إذا عرفت هذا فاعلم أن الاطلاق والتقييد يؤول من وجه إلى التعميم والتخصيص كما سنشير إليه فجميع ما مر في أحكام معارضة العام والخاص وتخصيص العام بالخاص والفرق بين الظني والقطعي وعدمه وأقسام معلومية التأريخ وجهالته وغير ذلك يجري هيهنا أيضا ويزيد هذا المبحث بما سنورده وهو أنه إذا أرود مطلق ومقيد فإما أن يختلف حكمهما بمعنى كون المحكوم به فيهما مختلفين وإن لم يختلف نفس الحكم الشرعي مثل اطعم يتيما وأكرم يتيما هاشميا أو يتحد حكمهما مثل أطعم يتيما أطعم يتيما هاشميا اما على الاول فلا يحمل المطلق على المقيد إجماعا إلا عن أكثر الشافعية على ما نقل عنهم فحملوا اليد في آية التيمم على اليد في آية الوضوء فقيدوها بالانتهاء إلى المرفق لاتحاد الموجب وهو الحدث وهو باطل لانه يرجع إلى إثبات العلة والعمل بالقياس وفيه منع القياس أولا ومنع العلة ثانيا والمختار وهو مختار الاكثرين سواء كانا أمرين أو نهيين أو مختلفين وسواء كان موجبهما أي علة الحكم متحدا أو مختلفا لعدم المقتضي للجمع وإمكان العمل بكل منهما رأسا إلا فيما كان أحدهما مستلزما لعدم الاخر مثل أن يقال إن ظاهرت فأعتق رقبة ولا تملك رقبة كافرة فإن العتق والملك وإن كانا مختلفين لكن العتق موقوف على الملك فالعتق يستلزم الملك بل عدم الملك أيضا يستلزم عدم العتق فحينئذ يقيد المطلق بعدم الكفر فلا يجوز عتق الكافرة بل ولا يصح أيضا وأما على الثاني فإما أن يتحد موجبهما أو يختلف أما الاول فإما أن يكون الحكمان مثبتين أو منفيين أو مختلفين فهذه أقسام ثلاثة الاول مثل أن يقول إن ظاهرت فاعتق رقبة وإن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة ولا خلاف بينهم في وجوب العمل بالمقيد اما من باب البيان أو من باب النسخ والمختار أنه من باب البيان سواء تقدم على المطلق أو تأخر عنه ولكن بشرط عدم حضور وقت العمل إذا علم تقدم المطلق


[ 325 ]

فيكون ناسخا فحينئذ فهيهنا مسئلتان الاولى وجوب حمل المطلق على المقيد والثانية كونه بيانا لا نسخا لنا على المقام الاول نظير ما مر في حمل العام على الخاص لشيوع التقييد وشهرته ورجحانه وإنفهامه في العرف فإنه في الحقيقة أيضا نوع من التخصيص كما سنشير إليه واحتج الاكثرون بأنه جمع بين الدليلين لان العمل بالمقيد يستلزم العمل بالمطلق دون العكس وهذا بنفسه لا يتم لامكان الاعتراض بأن الجمع لا ينحصر في ذلك فلا بد من بيان المرجح ولا يتم إلا بما ذكرنا وأما سند هذا المنع فقد يقرر بوجوه الاول أنه يمكن الجمع بينهما بحمل المقيد على الاستحباب بمعنى حمل الامر في قوله أعتق رقبة مؤمنة مثلا على الاستحباب فيكون المؤمنة أفضل أفراد الواجب التخييري والثاني أن يحمل الامر فيه على الواجب التخييري بمعنى التخيير المصطلح لا التخييري المستفاد من العقل فيما لو كان المأمور به كليا قابلا لكثيرين فإنه كان مستفادا من الامر بالمطلق بإنضمام حكم العقل أيضا وفيهما أنهما مرجوحان بالنسبة إلى ما ذكرنا لما ذكرنا سيما الاخير وقد يذب عنهما أيضا بأن حمل الامر على الاستحباب مجاز جزما كذا حمله على التخيير بخلاف إستعمال المطلق في المقيد فإنه ليس مجازا مطلقا بل له جهة حقيقة كما صرحوا به وفيه أنه إن أريد بذلك مجرد هذه الملائمة لا كونه مستعملا فيه بعنوان الحقيقة فيما نحن فيه فله وجه وإن أريد أنه مستعمل في المقيد فيما نحن فيه بعنوان الحقيقة في بعض الاحيان ففيه أن هذا الاستعمال ليس إلا الاستعمال المجازي لارادة الخصوصية منه حينئذ وإن لم يتعين عند المخاطب نعم قد يمكن دعوى الحقيقة مع عدم التعيين عند المخاطب إذا اشعر المقام بتعيينه عند المتكلم في مثل جاء رجل من أقصى المدينة وما نحن فيه ليس من هذا القبيل لاستحالة تعليق الحكم على المبهم من الحكيم ولو فرض مثل ذلك وحصل العلم بعد ذلك بسبب القرينة بإراة ذلك فيكون حينئذ بيانا للمجمل يعني يظهر بعد القرينة أنه كان مجملا فيكون هذا من باب المجمل لا المطلق فيكون مجازا في معناه فكيف كان فلا يخرج عن المجازية وإلى هذا ينظر قولهم بكون المقيد والخاص بيانا للمطلق والعام وتقسيمهم المجمل بما له ظاهر وما ليس له ظاهر فعلم أن ذلك خروج عن الظاهر والظاهر هو الحقيقة فهذا الكلام في ترجيح ما اخترناه من المجاز على ما ذكره المانع ولئن سلمنا تساوي الاحتمالين فنقول ان البرائة اليقينية لا تحصل إلا بالعمل بالمقيد كما ذكره العلامة رحمه الله في النهاية وقد يعترض عليه بأنه لم يحصل العمل بشغل الذمة مع إحتمال إرادة المجاز من المقيد حتى يجب تحصيل اليقين بالبرائة عنه فلا وجه لوجوب العمل به وفيه أن المكلف به حينئذ هو القدر المشترك بين كونه نفس المقيد أو المطلق ونعلم أنا مكلفون بأحدهما فإشتغال الذمة إنما هو بالمجمل ولا


[ 326 ]

يحصل البرائة منه إلا بالاتيان بالمقيد وإنما يتم كلام المعترض لو سلمنا أنا مكلفون بعتق رقبة ما ولكن لا نعلم هل يشترط الايمان أم لا فحينئذ يمكن نفيه بأصل البرائة وليس كذلك بل نقول بعد تعارض المجازين وتصادم الاحتمالين يبقى الشك في أن المكلف به هل هو المطلق أو المقيد وليس هيهنا قدر مشترك يقيني يحكم بنفي الزايد عنه بالاصل لان الجنس الموجود في ضمن المقيد لا ينفك عن الاصل ولا تفارق بينهما فليتأمل والثالث ذكر سلطان العلماء رحمه الله أنه يمكن العمل بهما من دون إخراج أحدهما عن حقيقته بأن يعمل بالمقيد ويبقى المطلق على إطلاقه فلا يجب إرتكاب تجوز حتى يجعل ذلك وظيفة المطلق وذلك لان مدلول المطلق ليس صحة العمل بأي فرد كان حتى ينافي مدلول المقيد بل هو أعم منه ومما يصلح للتقييد بل المقيد في الواقع ألا ترى أنه معروض للقيد كقولنا رقبة مؤمنة إذ لا شك أن مدلول رقبة في قولنا رقبة مؤمنة هو المطلق وإلا لزم حصول المقيد بدون المطلق مع أنه لا يصلح لاي رقبة كان فظهر أن مقتضى المطلق ليس كذلك وإلا لم يتخلف عنه وفيه أن مدلول المطلق وإن لم يكن ما ذكره ولكن مقتضاه هو ذلك بالوجهين اللذين سنذكرهما فمقتضاه ينافي مقتضى المقيد ولا يمكن الجمع بين مقتضاه ومقتضى المقيد بدون تصرف وإخراج عن الظاهر وقوله بل هو أعم إلخ إن أراد أن مدلول المطلق هو الامر الدائر بين الامرين أعني أي فرد كان على البدل والمقيد فهو باطل جزما لان مدلوله الحصة الشايعة والماهية لا بشرط كما مر وإن أراد أنه معنى عام قابل لصدقه على المعنيين فهو صحيح ولكن مقتضاه صحة العمل بأي فرد كان منه وإن كان بضميمة حكم العقل لان الطبيعة يوجد في ضمن أي فرد يكون والامتثال بها يحصل بالاتيان بأي فرد كان منه وأيضا الاصل برائة الذمة عن التعيين فهو يقتضي التخيير في الافراد ولا ريب أن هذا ينافي مقتضى المقيد والظاهر أن مراد القائل هو الشق الاول من الترديد لانه ذكر في موضع آخر أن المراد من المطلق كرقبة ليس أي فرد كان من أفراد الماهية على البدل بل ربما كان مدلوله معينا في الواقع وإن لم يكن اللفظ مستعملا في التعيين بل هذا أظهر وأكثر في الاخبار نعم في الاوامر يحتمل الاحتمالين فلا يكون التقييد تخصيصا وقرينة على المجاز إنتهى ملخصا وأنت خبير بأن كل ما يتعلق به الحكم الشرعي على سبيل التعيين في الواقع فلا بد أن يكون معرفة المخاطب للتعيين مقصودا فيه من الشارع سواء قارنه ذكر التعيين أو فارقه وسواء كان في صورة الاخبار كقوله تعالى أحل الله البيع أو في صورة الانشاء أمرا كان كأعتق أو نهيا لتمكن الامتثال فذكر لفظة المطلق وارادة المعين الواقعي مجاز جزما نعم ربما يصح ذلك


[ 329 ]

في القصص والحكايات مثل قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة ومحل النزاع وموضع البحث ليس من هذا القبيل فكلما فرض إستعمال مطلق وإرادة فرد معين واقعي منه ولم يقترن بقرينة فهو حقيقة في بادى النظر ويحصل العلم بكونه مجازا بعد ظهور القرينة والحاصل أن إستعمال المطلق في المقيد حقيقة على وجهين ومجاز على وجه ومأل الوجهين يرجع إلى كون المقصود بالذات الحكم على الكلي و يكون إرادة الفرد مقصودا بالعرض وذلك يحصل في مثل جاء رجل من أقصى المدينة وفي مثل ائتني برجل إذا أراد فردا منه أي فرد يكون ومأل الوجه الاخر إلى ذكر المطلق وإرادة فرد خاص منه إما بإقترانه بما يدل على ذلك أو بإنكشاف ذلك بعد ظهور القرينة وكلامنا إنما هو في الاخير و هو المتداول في مسائل المطلق والمقيد فلو قيل بعد قوله تعالى وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى جاء حبيب النجار يسعى أو جاء (حزقيل) ؟ مؤمن آل فرعون يسعى يكون بيانا للمجمل لا تقييدا للمطلق فقد خبط القائل خبطا عظيما واختلط عليه الامر فلا تغفل وقوله ألا ترى أنه معروض للقيد فيه ما لا يخفى إذ لا شك أن مدلول رقبة في قولنا رقبة مؤمنة هو المقيد لا المطلق والمؤمنة قيد للمقيد قوله وإلا لزم حصول المقيد بدون المطلق فيه أنه لا يستلزم ذلك محالا وقبيحا بل هو عين الحق والذي لا يمكن تخلف المقيد عنه إنما هو المفهوم الكلي القدر المشترك بينه وبين غيره من الافراد وهو ليس معنى الرقبة في قولنا رقبة مؤمنة وبالجملة لفظ رقبة وإن كان دالا على المعنى القدر المشترك بين الافراد في الجملة لكنه يقال له المطلق إذا استعمل وحده ويقال له المقيد إذا استعمل مع القيد فلا يلزم من وجود المقيد في الخارج وجود المطلق بل إنما يلزم منه وجود ما وجد في المطلق من المعنى الكلي ثم ان هيهنا كلاما من المحقق البهائي رحمه الله في حواشي زبدته في مباحث المفاهيم وهو أنه قال قد يقال ان القائلين بعدم حجية مفهوم الصفة قد قيدوا المطلق بمفهومها في نحو أعتق في الظهار رقبة أعتق في الظهار رقبة مؤمنة فإذا لم يكن مفهوم الصفة حجة عندهم كيف يقيدون به المطلق فما هذا إلا التناقض والجواب أن مفهوم الصفة إما أن يكون في مقابله مطلق كما في المثال المذكور أو لا نحو جاء العالم ففي الثاني ليس مفهوم الصفة حجة عندهم فلا يلزم من الحكم بمجئ العالم نفي مجئ الجاهل إلا إذا قامت قرينة على إرادة ذلك أما الاول فقد أجمع أصحابنا على أن مفهوم الصفة فيه حجة كما نقله العلامة طاب ثراه في نهاية الاصول فالقائلون بعدم حجية مفهوم الصفة يخصون كلامهم بما إذا لم يكن في مقابلها مطلق لموافقتهم في حجية ما إذا كان في المقابل مطلق ترجيحا للتأسيس على التأكيد وقريب من هذا الاعتراض على القائلين بأن الامر


[ 330 ]

حقيقة في الوجوب كيف قالوا بأن الامر الوارد عقيب الحظر حقيقة في الاباحة إنتهى أقول ولا خفاء في بطلان الاعتراض ولا وقع لهذا الجواب اما الاعتراض فلان مفهوم قوله اعتق في الظهار رقبة مؤمنة عدم وجوب عتق غير المؤمنة لا حرمة عتق غير المؤمنة فلا ينافي جواز عتق الكافرة وحمل المطلق على المقيد إنما هو من جهة ملاحظة المنطوق لا المفهوم فإن المطلوب إن كان عتق فرد واحد فلاريب أن مع وجوب عتق المؤمنة لا يمكن الامتثال بغيرها وإن كان مطلق الطبيعة فبعد وجود عتق المؤمنة وحصول الامتثال بإيجاد الطبيعة في ضمنه فلا يبقى طلب حتى يحصل الامتثال بغيرها فيكون الاتيان ثانيا حراما فلا منافاة بين القول بعدم حجية المفهوم ووجوب حمل المطلق على المقيد وان أول قوله أعتق رقبة مؤمنة بأن المراد منه أن كفارة الظهار عتق رقبة مؤمنة لا مجرد إيجاب عتق رقبة مؤمنة فهو وإن كان يصحح الاعتراض في الجملة ولكنه لايتم أيضا إذ يكفي في نفي الجواز الغير وحدة المطلوب مع ملاحظة المنطوق ولا حاجة إلى إستفادته من المفهوم نعم يمكن جريان هذا التوهم في العام والخاص المتوافقين في الحكم والنفي والاثبات مثل قولك أكرم بني تميم أكرم بني تميم الطوال فإن نفي وجوب الاكرام في البعض ينافي وجوبه في الكل ولا يجري في المطلق والمقيد لعدم العموم الافرادي في المطلق ولذلك تراهم متفقين في عدم وجوب حمل العام على الخاص ثمة وإنما خصوا الحمل بالعام والخاص (المتنافيي) ؟ الظاهر وأما الجواب ففيه أنه يفهم منه قبول التناقض في الجملة وقد ظهر لك بطلانه وإنه لا حاجة إلى التمسك بالاجماع والاجماع لا يثبت حجية المفهوم في الموضع الخاص بل إنما يثبت وجوب العمل بالمقيد والظاهر أن العلامة رحمه الله أيضا لم يدع الاجماع إلا على ذلك ولم يحضرني الآن كتاب النهاية لالاحظ وأيضا التمسك بترجيح التأسيس على التأكيد أيضا مما لا يناسب المقام إذ ذذذذذذذهو مما يصلح مرجحا لجميع موارد المفهوم ولا إختصاص له بما نحن فيه وإن قيل انه فيما انحصر فائدة القيد في إعتبار المفهوم فنمنع الانحصار فيما نحن فيه إذ التأسيس يحصل بحمله على إرادة الافضلية ومما ذكرنا يظهر أن ما نحن فيه ليس من قبيل الامر الواقع عقيب الحظر وقد مر التحقيق فيه ولنا على المقام الثاني أنه نوع من التخصيص فان المستفاد من المطلق ومقتضاه ولو بإنضمام العقل إليه حصول الامتثال بأي فرد كان من أفراده فهو عام لكنه على البدل وقد عرفت في العام والخاص أن الخاص مبين لا ناسخ إلا في صورة تقدم العام وحضور وقت العمل فذلك المطلق والمقيد واحتج من قال بكون المقيد ناسخا إذا تأخر عن المطلق والظاهر أنه لا يشترط حضور وقت العمل للنسخ بأن الدلالة


[ 331 ]

لا بد أن تكون مقارنة باللفظ فلو كان المقيد بيانا للمطلق لكان المطلق مجازا فيه وهو فرع الدلالة وهي منفية والجواب منع لزوم المقارنة ولا يلزم منه شئ إلا تأخير البيان عن وقت الخطاب و لا دليل على إمتناعه وأجيب أيضا بالنقض بصورة تقدم المقيد فالمطلق الوارد بعده لا بد أن يراد منه المقيد من دون (دلالة و) تقييد الرقبة بالسلامة عندهم أيضا واعترض على الاول بأن تقدم المقيد يصلح قرينة لانتقال الذهن من المطلق إلى المقيد بخلاف العكس وعلى الثاني بمنع تناول الرقبة للناقصة حتى يكون مجازا في السليمة ولو سلم فالمطلق ينصرف إلى الفرد الكامل والشايع الثاني وهو ما كانا منفيين مع إتحاد الموجب حكمه وجوب العمل بما إتفاقا ومثل له الاكثرون بقوله في كفارة الظهار لا تعتق مكاتبا لا تعتق مكاتبا كافرا وأورد عليه بانه من تخصيص العام لا تقييد المطلق فإن النكرة المنفية تفيد العموم وبدله بعضهم بقوله لا تعتق المكاتب لا تعتق المكاتب الكافر مع تقييده ذلك بعدم قصد الاستغراق بل جعله من العهد الذهني وأورد عليه بأن معناه حينئذ لا تعتق مكاتبا ما عن المكاتب على سبيل البدل والاحتمال من غير قصد إلى الاستغراق ويكفي لامتثاله بعدم عتق فرد واحد من المكاتب فقط ويحتمل حينئذ أن قوله لا تعتق مكاتبا كافرا بيان لهذا الفرد المنفي فمن أين يحصل الحكم بعدم إجزاء إعتاق المكاتب أصلا كما قالوا في حكم هذه المسألة سيما مع إعتبار مفهوم الصفة أقول ويمكن دفع الايراد عن مثال الاكثرين بإرادة الجنس فيكون التنوين تنوين التمكن ويصح المثال الثاني أيضا بإرادة الماهية أيضا كما بينا سابقا فلا حاجة إلى جعله من باب العهد الذهني مع أنه أيضا في معنى النكرة ولا يدفع الاشكال مع أن التقييد بعدم قصد الاستغراق لا فايدة فيه إلا أن يراد دفع توهم أن يجعل من قبيل والله لا يحب كل مختال فخور وإلا فاللام داخل على المنفي والنفي إنما يفيد نفي العموم لا عموم النفي فهو أوفق بالمطلق من العام وأما ما ذكره المورد من أن معناه حينئذ إلخ ففيه أنه إن أراد أن مكاتبا ما من المكاتب على سبيل البدل والاحتمال مورد للنهي ومتعلق له مع وصف كونه محتملا فهو عين النكرة المنفية المفيدة للعموم وإن أراد بعد إختيار المكلف تعيينه في ضمن فرد معين فهو ليس معنى هذا اللفظ بل يحتاج إلى تقدير وإضمار ومع ذلك فكيف يكون المقيد بيانا له كما ذكره إذ البيان إنما حصل بإختيار المكلف ذلك الفرد وإن أراد جعله من باب جاء رجل من أقصى المدينة فهو مع فيه مما مر أنه ليس من موضوع المسألة في شئ فيه ان هذا ألصق بالمثال المشهور من هذا المثال فلا وجه للعدول عنه فبالضرورة لا بد أن يكون مراد من بدل المثال بذلك غير هذا نعم يصح


[ 332 ]

ما ذكره لو أخرج النهي عن معناه إلى معنى إثباتي مثل أن يراد منه أبق على الرق مكاتبا ما وحينئذ يتم معنى المطلق ويكتفي في الامتثال بعدم عتق فرد واحد إلى آخر ما ذكره لكنك خبير بأنه خارج عن مقاصد الفروع وأغلب موارد الاستعمالات في الشرع والعرف إذ المقصود من أمثال ذلك بيان مورد العتق لا بيان مورد إبقاء الرق فالمقصود بالذات عتق غير المكاتب لا إبقاء الرق للمكاتب مع أن إرادة فرد ما بعد النهي بدون العموم مما يعبد فرضه غالبا أو يصير المعنى حينئذ كون غير ذلك المنفي من الافراد محكوما عليها بذلك الحكم فيكون معنى لا تعتق مكاتبا ما أعتق من عداهم من العبيد وهو وإن كان يتم في مثل هذا المثال لو كان مالكا لمكاتب ولغير مكاتب ولكن كيف يتم في مثل لا تقتلوا الصيد مثلا إذ حينئذ يكون معناه لا تقتلوا صيدا ما إلا أن يخرج أيضا إلى المعنى الاثباتي مثل أن يقال إذا أصبتم صيودا فابقوا منها واحدا ويجوز لكم قتل الباقي وهذا كله خارج عن العرف والعادة ثم ان الحكم بوجوب العمل بالمطلق والمقيد هنا لا يتم إلا بفرضهما عاما وخاصا والظن أن إتفاقهم على ذلك مبني على مثالهم المشهور وإلا فعلى الفرض الذي ذكرنا من إرادة الماهية لا بشرط فيمكن الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد أللهم إلا أن يعتمد على الاجماع في ذلك بمعنى أن يكون ذلك كاشفا من إصطلاح عند أهل العرف متفقا عليه وهو كما ترى وإن أريد الاجماع الفقهي فلا يخفى بعده الثالث وهو ما كانا مختلفين مثل إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فلا تعتق رقبة كافرة فحكمه حمل المطلق على المقيد و وجهه ظاهر مما مر وأما الثاني كإطلاق الرقبة في كفارة الظهار وتقييدها في كفارة القتل فمذهب الاصحاب فيه عدم الحمل ولا فرق بين الاقسام المتصورة فيه من كونهما مثبتين أو منفيين أو مختلفين وإختلف مخالفونا فعن الحنفية المنع عنه مطلقا وعن أكثر الشافعية أنه يحمل عليه إن إقتضاه القياس ووجد شرائطه وعن بعضهم الحمل مطلقا وحججهم واهية لا تليق بالذكر والحق ما إختاره الاصحاب لعدم المقتضي الباب الخامس في المجمل والمبين والظاهر والمؤول قانون المجمل ما كان دلالته غير واضحة بأن يتردد بين معنيين فصاعدا من معانيه وهو قد يكون فعلا وقد يكون قولا أما الفعل فحيث لم يقترن بما يدل على جهة وقوعه من الوجوب والندب وغيرهما كما إذا صلى النبي صلى الله عليه وآله صلاة ولم يظهر وجهها و أما القول فهو إما مفرد أو مركب أما المفرد فاما إجماله بسبب تردده بين المعاني بسبب الاشتراك اللفظي في أول الامر كالقرء أو بسبب الاعلال كالمختار أو بسبب الاشتراك المعنوي


[ 335 ]

وهو فيما لو أراد منه فردا معينا عنده غير معين عند المخاطب وذلك إما في الاخبار مثل جاء رجل من أقصى المدينة وإما في الاوامر والاحكام مثل أن تذبحوا بقرة وأعتق رقبة إذا أريد بها المؤمنة وإلى هذا ينظر قولهم إن الخاص والمقيد بيان لا ناسخ وقولهم فيما سيأتي أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب فيما له ومرادهم مما له ظاهر هو الظاهر على الظاهر وفي النظر الاول ومرادهم بكونه مبينا بالخاص المستلزم لاطلاق المجمل عليه هو المجمل في النظر الثاني فلا يتوهم التناقض بين وصف العام بالمجمل والظاهر والحاصل أن مرادهم بكون العام والمطلق حينئذ مجملا وكون الخاص والمقيد بيانا هو أن الخاص والمقيد يكشفان عن أن مراد المتكلم بالعام والمطلق كان فردا معينا عنده مبهما عند المخاطب وهذا هو الاكثري في الاحكام وإلا فقد يقترن العام والمطلق بقرينة تدل على إرادة مرتبة خاصة من العام وفرد خاص من المطلق ولكنه لم يقترن ببيان تلك المرتبة فذلك مجمل في أول النظر أيضا ولكنه مجاز حينئذ ولا يقال له أنه مما له ظاهر فإن القرينة أخرجته من الظهور في أول النظر أيضا وقد يجعل من الاجمال بإعتبار الاشتراك المعنوي قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده بإعتبار إمكان صدق الحق على كل واحد من الابعاض مع أن المراد هو العشر لا غير والتحقيق أنه يرجع إلى الاشارة إلى القدر المخرج من المال الذي قدره الشارع مثل الزكاة مثلا فالاجمال بسبب الاشتراك المعنوي إنما هو فيما لو قال أخرج قدرا من مالك و أراد قدرا معينا ولم يبين وأما إذا سمى ذلك القدر بالحق فهيهنا الحق معين لان المراد منه هو القدر المذكور فالاجمال في الحق إنما هو بإعتبار الاجمال في مسماه ومن الاجمال تردد اللفظ بين مجازاته إذا قام قرينه على نفي الحقيقة وتساوت مجازاته وأما المركب فإما أن يكون الاجمال فيه بجملته مثل قوله تعالى أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح المتردد بين الزوج وولي المرأة أو بإعتبار تخصيصه بمخصص مجهول مثل أقتلوا المشركين إلا بعضهم مع إرادة البعض المعين وأحل لكم بهيمة الانعام إلا ما يتلى عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين لجهالة معنى الاحصان فإنه قد يجئ بمعنى الحفظ كما في أحصنت فرجها وقد يجئ بمعنى التزوج وقد يكون إلاجمال بسبب تردد مرجع الضمير بأن يتقدمه شيئان يحتمل رجوعه إلى كل منهما مثل ضرب زيد عمروا وأكرمته ومرجع الصفة مثل زيد طبيب ماهر لاحتمال كون المهارة في الطب أو لزيد مطلقا إذ عرفت هذا فاعلم أن التكليف بالمجمل جايز عقلا واقع شرعا وتوهم لزوم القبح لعدم الافهام فاسد لان ذلك إنما يتم إذا كان وقت الحاجة والفائدة فيه قبل الحاجة الاستعداد والتهيؤ للامتثال


[ 336 ]

وتوطين النفس ووقوعه في الايات والاخبار أكثر من أن يحتاج إلى الذكر وقد سمعت بعضها و ستسمع ثم أن هيهنا فروعا مهمة الاول ذهب أكثر الاصوليين إلى أنه لا إجمال في آية السرقة لا من جهة اليد ولا من جهة القطع وذهب السيد المرتضى رحمه الله وجماعة من العامة إلى إجمالها بسبب إشتراك اليد بين جملتها وبين كل واحد من أبعاضها وقيل بإجمالها بإعتبار القطع أيضا لاشتراكه بين الابانة والجرح حجة السيد مع تحرير مني لها أن اليد تطلق على الجملة وعلى كل بعض منه كما يقال غوصت يدي في الماء إذا غوصه إلى الاشاجع أو إلى الزند أو إلى المرفق وأعطيته بيدي وكتبت بيدي مع أنهما إنما حصلا بالانامل والاستعمال دليل الحقيقة فثبت الاشتراك قال و ليس قلونا يد يجري مجرى قولنا إنسان كما ظنه قوم لان الانسان يقع على جملة يختص كل بعض منها بإسم من غير أن يقع إنسان على أبعاضها بخلاف اليد ويظهر من ذلك إستدلال من يعتبر القطع أيضا في الاجمال والجواب أن الاستعمال أعم من الحقيقة كما مر مرارا والتبادر علامة الحقيقة والمتبادر من اليد إنما هو المجموع إلى المنكب والشاهد على ما ذكرنا أنه إذا قيل فلان بيده وجع يقال له أي موضع من يده به وجع لا أي يد منه به وجع نعم يصح الاستفهام بالنسبة إلى اليمنى واليسرى فعلم أنه موضوع للمفهوم الكلي الذي مصداقه هو مجموع ذلك العضو ولا ريب أنه لو كان اليد موضوعا لكل واحد من الاجزاء لصح الاستفهام بأنه أي الايدي ومن القطع الابانة والمقايسة بالانسان وتمثيله في مقابل اليد دون زيد لان الانسان لم يوضع إلا للمفهوم الكلي وإطلاقه على الشخص من باب إطلاق الكلي على الفرد فهو المناسب للمقايسة والتمثيل ولا يخفى عليك أن كليهما مثل اليد فيقال قبلت زيدا أو إنسانا وإنما قبل وجهه أو ضربت زيدا أو إنسانا وإنما ضرب رجله وهكذا بل الظاهر أن مرادهم في النزاع إنما هو بعنوان المثال وهذا الكلام يجري في الرجل و الوجه والرأس والجسد واليوم والليل وغير ذلك مما يكون ذا أجزاء وكل جزء منه مسمى بإسم عليحدة ويطلق إسم المجموع على كل منها والتحقيق في الكل أن الاسامي في الكل موضوعة للمجموع وإطلاقها على الابعاض مجاز نعم هيهنا معنى دقيق خالجني في حل الاشكال في بعض موارد هذه ال‍ مسألة وهو أنهم إختلفوا في حقيقة الليل والنهار وطال التشاجر بينهم فقيل بأنه ما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس وقيل ما بين طلوع الشمس إلى الغروب وقيل بالاشتراك وقيل بكون ما بين الطلوعين واسطة والتحقيق عندي القول الاول ولكني أقول ان من إشتغل من أول طلوع الشمس إلى الغروب بعمل فيصدق عليه أنه عمل يوما حقيقة فلو صار أجير يوم برء ذمته وكذا لو وقع مورد نذر وكذا لو دخل


[ 337 ]

في بلد في أول طلوع الشمس يحسب ذلك اليوم من أيام إقامته وبيان ذلك أن هذا من خواص الاضافة لا أن المضاف إليه حقيقة في هذا القدر فهذا عمل يوم حقيقة لا أنه عمل اليوم الحقيقي وإقامة في اليوم الحقيقي فهذا حقيقة عرفية للتركيب الاضافي ولذلك يقال نمت ليلة في هذه الدار ويراد منه القدر المتعارف بعد التعشي والجلوس بعده وهو معنى حقيقي وعليه يتفرع مقدار المضاجعة في قسم الزوجة وهكذا في النظائر فلو قيل فلان ضرب زيدا فلا ريب أنه حقيقة وإن كان الضرب وقع على بعض أعضائه وكذلك لو قال جرح زيدا وكذلك جرح يده ورجله ونحو ذلك و لكن إذا قيل أبن يده عن جسده لا يتأمل في أن المراد هو مجموع العضو إلى المنكب ولا يسئل هل أبين كفه أو ساعده أو عضده وكذلك إذا قيل اغسل جسدك يفهم منه تمام الجسد وأما إذا قيل جرح يد زيد أو جسد زيد أو ضرب على جسد زيد يفهم تمامه بل يكفي حصوله في الجملة ولذلك يحسن الاستفهام بأنه في أي موضع منه لا أي يد ولا أي جسد وعلى هذا فإذا قيل اغسلوا وجوهكم فيجب غسل تمام الوجه وكذلك اغسلوا أيديكم لو لم يكن قوله تعالى إلى المرافق وكذلك لو قيل امسحوا رؤسكم ولذلك اختلفوا في قوله تعالى وامسحوا برؤسكم مع ذكر الباء في كونه مجملا وعدمه ونحن قد تخلصنا عن الاجمال ببيان أئمتنا عليهم الصلاة والسلام من كون الباء للتبعيض بالنص الصحيح وإختلف الناس فيه على أقوال فذهب الحنفية إلى أنها مجملة وبينها النبي صلى الله عليه وآله بمسح ناصيته ودليله أن الباء إذا دخلت في محل المسح تعدى الفعل إلى الالة فيستوعبها دون المحل كما في الآية وإذا دخلت في آلة المسح تعدى الفعل إلى محله فيستوعبه دون الآلة مثل مسحت رأس اليتيم بيدي وموجب ذلك في الآية مسح بعض الرأس والبعض يحتمل السدس والربع وغيرهما وفيه أن المراد هو مطلق البعض ومسماه وهو يحصل في ضمن أي الابعاض اختاره فلا إجمال وذهب جماعة منهم إلى وجوب مسح الكل لمنعهم مجئ الباء للتبعيض ويقولون أنه للالصاق والعضو حقيقه في المجموع و ذهب بعضهم إلى القدر المشترك لمجيئها لكلا المعنيين والمجاز والاشتراك خلاف الاصل فتعين القدر المشترك ووافقنا جماعة منهم انها للتبعيض مدعين أنها إذا دخلت على اللازم كانت للتعدية وإذا دخلت على المتعدي كانت للتبعيض ولان العرف إنما يفهم في مثل مسحت يدي بالمنديل البعض وأجيب بالمنع وبأن الباء في المنديل للاستعانة والاليته وهو يقتضي ذلك بخلاف ما نحن فيه والحق مجيئه للتبعيض كما هو مذهب الكوفيين ونص الاصمعي على مجيئها له في نظمهم ونثرهم وهو المنقول عن أبي علي الفارسي وإبن كيسان وعده صاحب القاموس من معانيه وكذلك إبن


[ 338 ]

هشام في المغني فلا عبرة بإنكار سيبويه وإبن جني ذلك مع أن الشهادة على الاثبات مقدم ومع جميع ذلك فصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ناطقة بذلك الثاني إختلفوا في نحو قوله صلى الله عليه وآله لا صلاة إلا بطهور ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ولا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل ولا نكاح إلا بولي مما نفي فيه الفعل ظاهرا والمراد نفي صفة من صفاته هل هو مجمل أم لا على أقوال ثالثها إن كان الفعل المنفي شرعيان كالصلاة والصيام أو لغويا ذا حكم واحد فلا إجمال وإن كان لغويا له أكثر من معنى فهو مجمل والحق عدم الاجمال كما إختاره الاكثر واحتجوا عليه بما تحريره وتوضيحه أن الفعل المنفي في هذه التراكيب إن كان من قبيل العبادات وقلنا بأنها حقيقة شرعية في الصحيحة منها فحينئذ يصح نفي الذات ويمكن حمل التركيب على الحقيقة اللغوية لعدم منافاة وجود عامة أركان الصلاة التي يطلق عليها الصلاة حقيقة على القول بكونها أسامي للاعم لنفي إسم الصلاة حقيقة عنها على هذا القول وحينئذ فإذا صح الحمل على المعنى الحقيقي فنحملها عليه إذ المانع عنه لم يكن الا عدم الامكان بإعتبار وجود الاركان في الجلة وقد إنتفى إعتبار ذلك على هذا القول فإذا صح الحمل على نفي الذات فيعلم ان ذلك بسبب كون ما فقد مع تلك الاركان من مثل الطهور والفاتحة شرطا أو جزء وإلا لما صح نفي الذات فعلم بذلك النفي كونهما شرطا أو جزء أيضا فينتفي الاجمال فلا إجمال وإن لم يكن من قبيل العبادات أو كان ولم نقل بكونها حقايق في الصحيحة بل تكون حقيقة في الاعم فإن قلنا بثبوت معنى عرفي لهذه التراكيب بأن يقال المراد من أمثالها نفي الفايدة كما في قولهم لا علم إلا ما نفع ولا كلام إلا ما افاد فيحمل عليه ويعبر عن الفايدة بالصحة إذا كان في مثل العبادات إذ الصحة هو ترتب الاثر وهو مساوق الفايدة وإن لم نقل بثبوت ذلك فالامر متردد فيها بين أن يكون المراد نفي الفائدة أو نفي الكمال وإذا تردد الامر بين هذين المجازين فنقول ان نفي الفايدة والصحة اقرب إلى الحقيقة نم نفي الكمال فيحمل عليه فلا إجمال أيضا أقول وبما حققنا في أوائل الكتاب تعرف أنه لا حاجة إلى إقحام كونها حقيقة شرعية في الصحيحة بل يكفي إرادة الشارع من الاركان المخترعة الصحيحة منها ثم أن التمسك بأقربية المجاز ليس من باب إثبات اللغة بالترجيح بل من باب تعيين أحد المجازات بكثرة التعارف ولذلك يقال هو العدم إذا كان بلا منفعة والمراد بكثرة التعارف كثرة إرادة هذا المجاز وظهوره في العرف لا صيرورتها حقيقة فيه ليناقض ما تقدم احتج القائل بالاجمال بإختلاف العرف في نفي الصحة والكمال وتردده فيلزم الاجمال والجواب إن أريد أن أهل العرف مختلفون في الفهم فبعضهم يدعي ظهور هذا وبعضهم ظهور ذلك فلا إجمال عند أحد منهم وكل يحمل على ما يفهمه


[ 339 ]

وإن أريد أن العرف مترددون بمعنى عدم إستقرار رأي أحدهم على شئ لتساوي الاحتمالين في كل مورد قلنا لا نسلم التردد وإن سلم فهو في البادي وأما بعد التأمل ففي الصحة أرجح لكونه أقرب إلى الحقيقة فيقدم على غيره وإن أريد أن الالفاظ مختلفة في الفهم فيفهم من قوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد نفي الكمال ومن قوله عليه السلام لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب نفي الصحة وهكذا قلنا ممنوع بل الظاهر في الكل نفي الصحة والاجماع وسائر الادلة هو المخرج عن مقتضى الظاهر في الاول ويظهر حجة المفصل وجوابها مما تقدم بالتأمل والظاهر أن المفصل ممن يدعي كون الالفاظ الشرعية كلها حقيقة في الصحيحة الثالث إختلفوا في التحليل والتحريم المضافين إلى الاعيان مثل حرمت عليكم أمهاتكم والخمر والخنزير والميتة وأحلت لكم بهيمة الانعام وما وراء ذلكم والطيبات وغير ذلك وكذلك غير لفظ الحل والحرمة من الاحكام والاكثر على عدم الاجمال واحتجوا عليه بأن إستقراء كلام العرب يفيد أن في مثل ذلك المراد هو الفعل المقصود من ذلك كالاكل من المأكول والشرب من المشروب واللبس من الملبوس والوطي من الموطوء وأنت خبير بأن المقامات في أمثال ذلك مختلفة إذ الشئ قد يتصف بكونه مأكولا وبكونه مبيعا وبكونه مشترى وهكذا المشروب فقد يقصد بالخمر الشرب وقد يقصد البيع وقد يقصد الشري وغير ذلك وكذلك قد يكون الشئ الواحد مشتملا على أشياء كالميتة المشتملة على اللحم والشحم والاهاب والعظم والصوف و المقصود من الاهاب قد يكون هو اللبس وقد يكون هو الاستسقاء به وغير ذلك فلا بد من ملاحظة ذلك فإرادة المنكوح والموطوء من الامهات والبنات ونحوها والقول بأن المقصود منها ذلك لا معنى له إلا بإرادة بعض النسوان منها نعم مقابلة المرئة بالرجل وخلقة النسوان يصحح أن يقال المقصود المتعارف منها الوطئ وأما مع عنوان الام والبنت بدون قرينة على أن ذكرها في مقام بيان المحرمات والمحللات من حيث النكاح فيشكل دعوى ذلك وكذلك الميتة في مقام لم يظهر قرينة على أن المراد بيان المأكولات فالاستصباح والاكل وإتخاذ الصابون بالنسبة إلى الشحم متساوية فلو قيل حرم عليكم شحوم الميتة فلا يخفى أن الاجمال ثابت ولا كلام فيما ظهر من القرائن إرادة فرد من الافراد والظاهر أن مراد المنكر هو عدم دلالة اللفظ بالذات على شئ مع تعدد الافعال لا في (مثل) آية التحريم المنادية بأن المراد بيان من يجوز نكاحها من النساء ومن لا يجوز ولا ريب أن الاجمال فيما لا قرينة فيه ثابت ويمكن دفع الاجمال في أمثال ذلك بحملها على الجميع لئلا يلزم القبيح في كلام الحكيم وعراه عن الفايدة واحتج القائل بالاجمال بأن تحريم العين غير معقول فلا بد


[ 340 ]

من إضمار فعل يصلح متعلقا له لان الاحكام إنما تتعلق بأفعال المكلفين ولا يمكن إضمار كل الافعال المتعلقة بها لان الاضمار خلاف الاصل فلا يرتكب إلا بقدر الضرورة وهي ترتفع بإضمار البعض ولا دليل على خصوصية شئ منها فيقع الاجمال وأجابوا عنه بمنع عدم الدليل على الخصوصية لان ظهور ما هو المقصود منه في العرف يرجح ذلك أقول وقد عرفت ما في ذلك فالتحقيق في الجواب أن ما لم يثبت من الخارج مرجح لاحد المعاني فنحملها على الجميع إذ قد لا يرتفع الضرورة إلا بذلك فقوله وهو يرتفع بإضمار البعض مطلقا ممنوع قانون المبين نقيض المجمل فهو ما دلالته على المراد واضحة وهو قد يكون بينا بنفسه مثل قوله تعالى والله بكل شئ عليم فإن أفادته لشمول علمه تعالى لجميع الاشياء بنفس اللغة لا بشئ خارج وفي هذا المثال تأمل إذ العام ظاهر في الشمول وليس بنص نعم مع إنضمام الخارج إليه يصير نصا لكنه ليس مقتضى اللغة وقد مر في الفرق بين النص والظاهر في محله ما ينفعك هنا وقد يكون مع تقدم إجمال كقوله تعالى أقيموا الصلاة بعد حصول البيان بفعله عليه السلام والعام المخصص وغيرهما وتسمية القسم الاول بالمبين إما مسامحة وإما لانه من باب ضيق فم الركية فإن أهل اللغة وضعوه مبينا والبيان مأخوذ من بان بمعنى ظهر أو من البين وهو الفرقة بين الشيئين وهو إما المراد به فعل المبين وهو التبيين كالكلام بمعنى التكليم والسلام بمعنى التسليم وأما الدليل على ذلك أي ما به التبيين وأما متعلق التبيين وهو المدلول ومعناه حينئذ العلم من الدليل وقد يسمى ما به البيان مبينا على لفظ الفاعل وهو يحصل بالقول إجماعا وبالفعل على الاقوى أما القول فمن الله تعالى كقوله عزوجل صفراء فاقع إلخ فإنه بيان للبقرة في قوله تعالى أن تذبحوا بقرة على الاصح ومن الرسول كقوله صلى الله عليه وآله فيما سقت السماء العشر فإنه بيان لمقدار الزكاة المأمور بإتيانها وأما الفعل فهو قد يكون دلالته على البيان بمواضعه كالكتابة وعقد الاصابع والاشارة بالاصابع في تعيين عدد أيام الشهر وغيره أو بغيرها كما بين صلى الله عليه وآله الصلاة والحج بفعله وإتيانه بالاركان على ما هي عليه وقد يكون تركا كما لو ركع في الثانية بغير قنوت فإنه يدل على عدم وجوبه ثم العلم بكون الفعل بيانا إما يعلم بالضرورة من قصده أو بقوله إن ما فعله بيان للمجمل أو أمره بأن يفعل مشابها لما فعله مثل قوله عليه السلام صلوا كما رأيتموني أصلي فإنه ليس فيه بيان قولي لافعال الصلاة بل إحالة على ما فعله في الخارج فبطل ما توهم أن هذا بيان قولي الا فعلي أو بالدليل العقلي كما لو أمر بفعل مضيق مجمل وفعل فعلا يصلح لكونه بيانا فالعقل يحكم بأنه بيان له وإلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وخالف بعض العامة في جواز كون الفعل بيانا


[ 341 ]

محتجا بأن البيان بالفعل يوجب الطول فيتأخر البيان مع إمكان تعجيله وفيه أولا أنه قد يكون القول أطول من الفعل وثانيا أنه يلزم تأخير البيان لو لم يشرع بالفعل بعد إمكان الشروع وبعدما شرع فإذا إحتاج إتمامه إلى زمان طويل لا يسمى ذلك تأخير البيان عرفا كما لا يسمى بذلك في القول في الزمان المحتاج إليه وثالثا أنه لا قبح في هذا التأخير سيما إذا كان أصلح ورابعا أن إمتناع تأخير البيان مع إمكان التعجيل إنما يسلم قبحه إذا كان عن وقت الحاجة وهو خارج عن الفرض قانون ذهب أصحابنا وجميع أهل العدل إلى إمتناع تأخير بيان المجمل عن وقت الحاجة لاستلزامه تكليف ما لا يطاق وأما تأخيره عن وقت الخطاب ففيه اقوال ثلاثة المشهور الجواز وفصل بعضهم فجوز في غير ما له ظاهر وأما ما له ظاهر كالعام والمطلق والامر الظاهر في الوجوب فلا يجوز فيه تأخير البيان رأسا وأما مع البيان الاجمالي فلا بأس وربما زاد بعض العامة عدم جواز تأخير البيان في المنسوخ أيضا فذهب إلى لزوم إقترانه بالبيان الاجمالي بأن يقال وقت الخطاب إن هذا الحكم سينسخ وهو في غاية الضعف للاجماع من العامة والخاصة على عدمه بل جعلوا تأخير بيان الناسخ من شرائط النسخ لنا على الجواز مطلقا عدم المانع عقلا ووقوعه في العرف والشرع أما الاول فلما سنبين من ضعف ما تمسك به المانع وإمكان المصلحة في التأخير مثل توطين المكلف نفسه على الفعل والعزم عليه إلى وقت الحاجة وتهيؤه للفعل حتى يكون عليه أسهل بل قد يكون التأخير أصلح لان مع إقتران البيان ربما يعلم سهولة التكليف والتوطين عليه إلى وقت الحاجة سهل وأما مع عدم الاقتران فربما يحتمل كون المكلف به أشق مما هو مراد في نفس الامر ويوطن نفسه على الاشق والاسهل مع أن المط منه هو الاسهل وفي صورة إقتران البيان بإرادة الاسهل لا يوطن إلا على الاسهل ولا فرق في ذلك بين الاوامر والتكاليف والحكايات والقصص فما توهم بعض القائلين بجواز تأخير البيان عن وقت الخطاب مطلقا من عدم جوازه في الاخبار والحكايات نظرا إلى أنها ليس لها وقت الحاجة بل المراد منها التفهيم ولا بد أن يكون مقترنا بالخطاب لا وجه له إذ من الجائز أن يكون المراد من الخبر لازم فايدته مثل أن يعتقد على ما هو ظاهر ليحصل به ما يحصل من حقيقة المراد فيمكن تأخر زمان الاحتياج إلى بيان نفس المراد والعلم بأصل الخبر وحصول فائدته بذاته مثل أن يقال قتل فلان مع أنه ضرب ضربا شديدا لاجل تعذيب أوليائه وتشويشهم أو لاجل تفريح أعدائه وتجريتهم ثم يبين أن المراد الضرب الشديد وأما الثاني فكثير لا حاجة إلى البيان أما في العرف فلانه يصح عرفا أن يقول الملك لاحد من غلمانه قد وليتك البلد الفلاني فاذهب إليه إلى وقت كذا وسأكتب لك


[ 342 ]

كتابا فيه بيان ما تعمله هناك وأرسله إليك بعد إستقرارك في عملك وأما في الشرع فمنها قوله تعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة وهي كانت معينة في الواقع وإلا لما سئلوا عن التعيين بقوله أدع إلى ربك يبين لنا ما هي وما لونها ولم يبينه تعالى بقوله بقرة لا فارض ولا بكر إلى قوله تعالى فاقع لونها تسر الناظرين وقيل انه ليس من هذا الباب لظاهر قوله ان تذبحوا بقرة فإنه يفيد التخيير وقوله وما كادوا يفعلون فإنه ظاهر في قدرتهم على الفعل وإنما وقع السؤال تعنتا فشدد الله عليهم ونقل عن إبن عباس أنه قال لو ذبحوا أي بقرة لاجزأتهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام عنه عليه السلام لو عمدوا إلى أي بقرة أجزئتهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم أقول ظاهر تنكير يندفع بالقرائن المتأخرة وقوله وما كادوا يفعلون يعني من جهة التواني في الامتثال ومن جهة عظم ثمن البقرة فقد روي أنه بلغ إلى ملاء مسكها ذهبا فأرادوا أن لا يفعلوا ولكن اللجاج حملهم على ذلك وإتهامهم موسى عليه السلام حداهم عليه و أما قول إبن عباس فعلى فرض تسليمه لا حجة فيه وأما حديث العيون فمعارض بما في تفسير الامام عليه السلام وبما في تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه الصلاة والسلام وغيرهما ومنها قوله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مع تأخر بيان تفاصيلها من الاركان والمقدار وإشتراط (الحرز) ؟ والنصاب وتخصيص الزاني بالمحصن وأما بيان الفائدة في تأخير بيان ما له ظاهر فسيجئ وأما وقوعه في العرف والشرع أيضا فأكثر من أن يحصى ومنها الآيات المتقدمة في حكم السارق والزاني وغيرهما وكفاك ملاحظة عموم التكاليف للظانين لبقائهم إلى آخر الامتثال جامعا للشرائط مع أن الصائم قد يمرض والصائمة قد تحيض والمصلي قد يموت بين الصلاة إلى غير ذلك واحتج المانع مطلقا اما على عدم التأخير في المجمل فبأنه لو جاز لجاز خطاب العربي بالزنجية من غير بيان في الحال وهو قبيح لعدم فهم المراد وجوابه منع الملازمة للفرق بينهما فإن خطاب العربي بالزنجية لا يحصل منه العلم بشئ من أصناف الكلام وضروب القول حتى أنه لا يميز بين كونه خبرا أو إنشاء مدحا أو ذما ثناء أو شتما بخلاف المجمل فإن المخاطب يفهم أنه يريد به أحد معانيه المحتملة ويوطن نفسه على الامتثال بأيهما تبين له أنه مراد ولو فرض في خطاب العربي بالزنجية حصول فهم في الجملة للسامع بقرائن المقام وكان له رجاء تفسير له فلا نسلم بطلان اللازم حينئذ وأما على عدم الجواز فيما له ظاهر فيما احتج به المفصل وسنذكره ونجيب عنه واحتج المفصل أما في المجمل فبما بيناه فيما إخترناه و


[ 343 ]

أما على عدم جواز تأخير بيان ما له ظاهر فيقبح خطاب الحكيم بلفظ له حقيقة وهو لا يريدها من دون نصب قرينة على المراد بل ذلك دلالة له على غير المراد لان الاصل في اللفظ حمله على معناه الحقيقي وأما المجمل فلما لم يكن فيه مرجح لارادة أحد معانيه فيقتصر على إقتضاه الوضع الحقيقي ويتوقف بسبب الاجمال الحاصل في الوضع فليس فيه دلالة على المراد في الجملة أيضا بخلاف الحقيقة التي أريد منها المعنى المجازي بدون نصب القرينة وبأن الخطاب وضع للافادة ومن سمع العام مثلا مع تجويزه أن يكون مخصصا ويبين في المستقبل فلا يستفيد في هذه الحالة به شيئا والتحقيق في الجواب عن الدليل الاول ان مناطه لزوم القبح من جهة أنه إغراء بالجهل وهو قبيح وفيه منع كلية الكبرى لغاية وفور التكليفات الابتدائية كتكليف إبراهيم عليه السلام بذبح ولده وما قيل أن التكليف إنما كان بالمقدمات وجزعه إنما كان من جهة خوفه من أن يؤمر بنفس الذبح بعده لا يليق مدح إبراهيم عليه السلام ذلك المدح وقد مر الاشارة إلى ذلك والتكليفات الامتحانية في العرف والعادة أكثر من أن تحصى وقد حققناه في مبحث تكليف الامر مع العلم بإنتفاء الشرط فإذا كان مصلحة في توطين المكلف نفسه على ظاهر العموم إلى وقت الحاجة أو على الوجوب في الامر إلى وقت الحاجة ويحصل له هذا الثواب ثم يبين له أن المراد هو الخصوص والندب فأي مانع منه وقد يجاب بمنع لزوم الاغراء لانه يلزم حيث ينتفي إحتمال التجوز وإنتفائه فيما قبل وقت الحاجة موقوف على ثبوت منع التأخير مطلقا وقد فرضنا عدمه وما يقال أن الاصل في الكلام الحقيقة معناه أنه مع فوات وقت القرينة وهو الحاجة في هذا المقام وتجرده عنها يحمل على الحقيقة لا مطلقا ألا ترى أنه لا يحمل اللفظ على حقيقته حتى يتم الكلام وأنه يجوز تأخير القرينة عن وقت التلفظ كما في الجمل المتعاطفة المتعقبة بمخصص وأيضا قد حكموا بجواز إسماع العام المخصوص بأدلة العقل وإن لم يعلم السامع أن العقل يدل على تخصيصه فيثبت جواز تأخير القرينة عن اللفظ وعدم لزوم الاغراء وكذلك قد جوزوا إسماع العام المخصوص بالدليل السمعي من دون إسماع المخصص فكما أن إحتمال وجود المخصص يوجب عدم الحمل على الحقيقة حتى يحصل الفحص فكذلك إحتمال ذكر القرينة في زمان الحاجة يوجب ذلك وفيه أن الحمل على الحقيقة هو مقتضى الظاهر والظن والمدار على الظنون في مباحث الالفاظ ولا ريب أن إحتمال التجوز ضعيف في جنب إرادة الحقيقة ولا ريب في حصول الظن بعد الفراغ من الكلام بعدم القرينة وأن المراد هو الحقيقة وقد صرحوا بأن معنى الاصل في قولهم الاصل هو الحقيقة هو الظاهر وما ذكره المجيب في معنى أصالة الحقيقة فهو مختص به وما


[ 344 ]

استشهد به من جواز تأخير القرينة عن اللفظ إلى أخر الكلام فهو قياس مع الفارق لان وقت تشاغل المتكلم بالكلام محتمل لما لا يحتمله حال السكوت عنه كما تقتضيه العرف والعادة وذلك ليس لتفاوت زمان التأخير في الطول والقصر كما توهم بل لمدخلية التشاغل وعدم التشاغل في ذلك وأما الاستشهاد بالعام المخصوص بدليل العقل من دون إعلام السامع ذلك ففيه أنه غير مضر لان إعطاء العقل للمكلف رافع للاغراء ودلالته قرينة على إرادة التخصيص فإن العقل والشرع متطابقان يفسر كل منهما الاخر ومع عدم تعقل المخاطب فلا ريب في قبحه إلا أن لا يتعقل العموم بحيث يشمل الفرد المخرج بالعقل وهو أيضا كاف في عدم الاغراء ولو فرض تعقله للعموم وعدم تعقله للتخصيص إلا بعد زمان فهذا يكون من باب تأخير البيان عن وقت الخطاب ونلتزم فيه الاغراء ونمنع قبحه كما مر وأما تجويز إسماع العام المخصص بالدليل السمعي فلا دخل له بما نحن فيه إذ العام إن كان مما خوطب به المخاطب من لسان الشارع مواجها له مريدا إفهامه والعمل على مقتضاه فعلا أو تعليما للغير ليجري فيه ما سبق من عدم جواز تأخير بيان المخصص عن وقت الحاجة واما عن وقت الخطاب فإذا أخره فيلزم الاغراء جزما لانه يحمله على ظاهره فالتحقيق في الجواب منع قبح ذلك الاغراء حتى يتبين له المخصص إما بذكره له قبل وقت الحاجة أو إحالته على (راو) ؟ أو أصل أو كتاب وأما إذا لم يكن السامع ممن يراد فهمه للخطاب كالعجمي القح والعامي البحت فهو ليس بمخاطب بذلك حتى يترتب عليه أحكام الخطاب بل هو مخاطب بالاخذ من العالم وكذلك من يفهم الخطاب لكن لا يحتاج إلى العمل به وأما إذا كان العام من باب الادلة الواردة من الشرع لا من باب الخطاب كما هو كذلك بالنسبة إلى زماننا على ما هو الحق من إختصاص الخطابات بالمشافهين فيخرج عن محل النزاع فإن الكلام في لزوم الاغراء وقبح الخطاب فخطابنا حينئذ هو العمل بمقتضى هذا العام الذي رأيناه أو سمعناه مع ما يقتضيه سائر الادلة التي لم نعثر عليها وهي في الاصول يقينا أو ظنا لا خصوص العام وهذا المقام هو الذي يقولون يجب الفحص عن المخصص في الاصول فخطابنا حينئذ هو العمل بما نفهمه من مجموع الادلة ولا إجمال في هذا الخطاب وليس من باب الخطاب بما له ظاهر وإرادة غيره أيضا وهذا الغرض الحاصل في زماننا الآن هو أيضا قد يحصل في زمن الشارع أيضا إذ ليس كل أحد في زمن الشارع يسمع الخطابات شفاها عموما كان أو خصوصا بعنوان أن يراد منه فهمه والعمل به بل الائمة عليهم السلام كانوا يقررون أصحابهم على العمل بما يفهمون من الجمع بين أخبارهم وفهمهم وإجتهادهم في تطبيق الروايات بالكتاب وبمذاهب العامة و بسنة النبي صلى الله عليه وآله وغيرها فالكلام في الاذعان بكون العام باقيا على عموم أم لا في غير محل


[ 345 ]

الخطاب الشفاهي وما في معناه غير خطاب بالعام المخصوص شفاها مريدا به الافهام مع عدم إسماع مخصصه وما نحن فيه من قبيل الاول وما ذكره المجيب من قبيل الثاني وبينهما بون بعيد هذا مع أن الشيوع والغلبة في التخصيص زاحم أصالة الحقيقة في العام وذلك لا يوجب تأسيس القاعدة التي بنى عليه الامر وهو أن مجرد إحتمال التجوز يوجب التوقف عن الحمل على أصل الحقيقة مع انا قد أشرنا في مبحث البحث عن المخصص أن البحث عن المجاز معنى والبحث عن المعارض معنى آخر ولزوم التوقف عن العمل بظاهر الدليل حتى يتفحص عن معارضه عاما كان الدليل أو غيره من الظواهر مثل الامر و النهي غير التوقف عن حمله على أصالة الحقيقة حتى يعلم عدم القرينة على المجاز وهذا التوقف الذي أورده المجيب من باب الاول لا الثاني وقد يجاب بالنقض بالنسخ وتوجيهه أن المنسوخ لا بد أن يكون ظاهرا في الدوام وإن كان عن القرائن الخارجية لا من دلالة اللفظ والحقيقة فبعد مجئ الناسخ يعلم أنه غير مراد ومن هنا إلتجاء بعضهم إلى القول بلزوم إقتران المنسوخ بالبيان الاجمالي وهو باطل وأما الجواب عن قوله أن الخطاب وضع للافادة إلخ فهو أولا منقوض بتأخير بيان المجمل وثانيا بأن الفايدة حاصلة من العزم والتوطين على الظاهر تنبيه قد عرفت وجوب البيان في الجملة فاعلم أن البيان إنما يجب لمن أراد الله إفهامه الخطاب دون من لا يريد إفهامه للزوم التكليف بالمحال لولاه في الاول دون الثاني ثم الاول قد يراد منه فعل ما تضمنه الخطاب إن تضمن فعلا كالعالم في الصلاه وقد لا يراد منه إلا معرفة المضمون لارشاد الغير كمسائل الحيض له والثاني قد لا يراد منه العمل بمضمون الخطاب أيضا كالعوام بالنسبة إلى مسائل الحيض وقد يراد (فعلا) ؟ كالعبادات بالنسبة إلى العوام ومسائل الحيض بالنسبة إلى النساء فإن وظيفتهم الاخذ عن العالم قانون قد عرفت معنى الظاهر في أقسام المحكم وتنبهت على معنى المأول أيضا ونقول هيهنا أيضا الظاهر ما دل على معنى دلالة ظنية راجحة مع إحتمال غيره كالالفاظ التي لها معان حقيقة إذا استعملت بلا قرينة تجوز سواء كانت لغوية أو شرعية أو غيرهما ومنه المجاز المقترن بالقرينة الواضحة على ما أشرنا إليه سابقا وأما المؤول فهو في الاصطلاح اللفظ المحمول على معناه المرجوح وإن أردت تعريف الصحيح منه فرد عليه بقرينة مقتضية له والقرينة إما عقلية مثل قوله تعالى يد الله فوق أيديهم ومثل يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وإما لفظية كحمل آية الصدقة على بيان المصرف لا الاستحقاق والملك بقرينة ملاحظة ما قبلها وهو قوله تعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا إذا هو يسخطون فالآية رد عليهم وردع عما اعتقدوا أنه


[ 346 ]

يجوز في ذلك بل أنه صلى الله عليه وآله يصرف في مصرفه وثمرة ذلك عدم وجوب التوزيع على الاصناف (واخاصهم) ؟ وربما يكون القرينة مفصولة مثل الاخبار المخصوصة بالسنة والاجماع وغيرهما وإن شئت جعلت المجازات كلها من باب المأول بالنسبة إلى اللفظ مع قطع النظر عن القرينة سواء قارنها القرينة أو فارقها فمع ملاحظة الهيئة المركبة من اللفظ والقرينة ظاهر ومع قطع النظر عن القرينة مأول وهو بعيد والتحقيق أن يقال ان المجاز ما اقترن بالقرينة الدالة على خلاف ما وضع له اللفظ والمأول ما لم يقترن به وعلى هذا فاليد في الاية ليست بمجاز بل هي ظاهرة في معناها الحقيقي عند عامة العرب محمولة على خلاف ظاهرها عند أهل المعرفة والقرينة على هذا الحمل هو العقل وعلى هذا يظهر الفرق بين قولنا رأيت أسدا يرمي وبين يد الله فوق أيديهم وعلى هذا فكل المجملات التي لها ظاهر وتأخر بياناتها عن وقت الخطاب مأولات وكذلك العمومات المخصصة بما هو مفصول عنها وأطلق عليها المجاز توسعا من أجل إحتمال أن يكون القائل أراد منها حين التكلم ما ظهر إرادته أخيرا و نصب قرينة عليها حين التكلم بها قد إختفت علينا ولا يجوز إرتكاب التأويل إلا مع تعذر الحمل على الظاهر بأن يتحقق عليه دليل يترجح على ظهور اللفظ وكما أن الراجح متفاوت في مقدار الرجحان فالمرجوح أيضا متفاوت فمنها قريب ومنها بعيد ومنها أبعد وأما ما لا يحتمله اللفظ فلا يجوز تنزيله عليه وتفاوت القرب والبعد إنما يكون بسبب تفاوت افهام الناظرين وانتقالاتهم وتفاوت القرائن فربما يكون اللفظ عند أحدهم ظاهرا وعند الاخر مأولا وبالعكس وقد ذكر الاصوليون لاقسام التأويل وقريبها وبعيدها في كتبهم الاصولية أمثلة لا فايدة في التعرض لها والكلام عليها الباب السادس في الادلة الشرعية وفيه مقاصد المقصد الاول في الاجماع قانون الاجماع لغة العزم والاتفاق وفي الاصطلاح إتفاق خاص يدل عليه حقية مورده واختلف العلماء في حده ولا فايدة في ذكر ما ذكروه وجرحها وتعديلها فلنقتصر على تعريف واحد يناسب مذهب العامة ثم نذكر ما يناسب مذهب الخاصة أما الاول فهو أنه إتفاق المجتهدين من هذه الامة على أمر ديني في عصر من الاعصار فقيد الاجتهاد لعدم إعتبار وفاق العوام وخلافهم والتخصيص بهذه الامة لانهم لا يقولون بحجية إجماع سائر الامم وإن إقتضى بعض أدلتهم ذلك وأما الشيعة فيلزمهم القول بالحجية لان حجية الاجماع عندهم إعتبار دخول المعصوم عليه السلام وهو لا يختص عندهم بزمان دون زمان وأما ما ذكره العلامة في أول نكاح القواعد وغيره من أن عصمة الامة من خواص نبينا صلى الله عليه وآله فقد نقل المحقق البهائي رحمه الله


[ 349 ]

عن والده وعن مشايخه رحمهم الله تعالى أن مراده العصمة من المسخ والخسف ونحو ذلك فلا إعتراض عليه والتقييد بالامر الديني لاخراج ما ليس منه مثل العقليات المحضة والديني أعم من الاعتقادي والفروعي وقيد عصر من الاعصار لعدم إشتراط إجتماع ما معنى وما يأتي وإلا فلا يتحقق بعد إجماع وأما الثاني فهو إتفاق جماعة يكشف إتفاقهم عن رأي المعصوم عليه السلام فقد يوافق ذلك مع ما حده العامة به وقد يتخلف عنه فإنهم يعتبرون إتفاق جميع علماء الامة ومع إتفاق الجميع يظهر موافقة المعصوم عليه السلام أيضا لعدم خلو العصر عن معصوم عليه السلام عندهم أو لان مع إتفاق جميعهم يحصل العلم بأنه مأخوذ من رئيسهم ثم ان أصحابنا متفقون على حجية الاجماع ووقوعه موافقا لاكثر المخالفين ولكن منهم من أنكر إمكان حصوله ومنه من أنكر إمكان العلم به و منهم من أنكر حجيته والكل ضعيف وأدلتهم سخيفة وسنشير إليها بعد ذلك فلنقدم الكلام في مدرك حجية الاجماع وكونه مناطا للاحتجاج ثم نتبعه بذكر الشكوك والشبهات في المقامات الثلاثة ولما كان مدرك حجيته مختلفا بالنسبة إلى مذاهب العامة والخاصة فلنذكر أولا ما اعتمد عليه الخاصة ثم نذكر ما اعتمد عليه العامة أما الخاصة فاعتمدوا في ذلك على كشفه عن رأي المعصوم عليه السلام فلا حجية عندهم في الاجماع من حيث أنه إجماع بل لانه كاشف عن رأي رئيسهم المعصوم عليه السلام ولهم في بيان ذلك وجوه ثلاثة أولها ما اشتهر بين قدمائهم وهو أنهم يقولون إذا إجتمع علماء أمة النبي صلى الله عليه وآله على قول فهو قول الامام المعصوم عليه السلام القائم بعده لانه عليه السلام من جملة الامة وسيدها فإذا ثبت إجتماع الامة على حكم ثبت موافقته لهم فإن قيل إن علم أنه قال بمثل ما قال سائر الامة فلا معنى للاعتماد على إتفاق سائرهم فالمعتمد هو قوله عليه السلام وإلا فكيف يقال أنه موافق لهم قلنا فرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي وكلامنا إنما هو في العلم الاجمالي وما علم قوله فيه بالتفصيل فالكلام فيه هو ما ذكرت وذلك من باب كلية الكبرى في الشكل الاول فإن العلم بجسمية الانسان في ضمن قولنا كل حيوان جسم إنما هو بالاجمال لا بالتفصيل حتى يستلزم الدور كما أورده بعض المتصوفة على أهل الاستدلال وبهذا يندفع الشبهة التي أوردوها من عدم إمكان العلم بمذاهب العلماء المنتشرين في شرق العالم وغربه مع عدم معرفتهم وعدم إمكان لقائهم فإن العلم الاجمالي مما يمكن حصوله بلا شك ولا ريب كما في ضروريات المذهب وسيجئ تمام الكلام وبالجملة مناط هذا التقرير في حجية الاجماع إني علمت بالعلم الاجمالي أن جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله متفقون على كذا فكلما كان كذلك فهو حجة لان الامام عليه السلام في


[ 350 ]

جملتهم فهو حجة وهذا هو السر في إعتبار هؤلاء وجود شخص مجهول النسب في جملة المجمعين ليجامع العلم الاجمالي ولو (بذلوا) ؟ إعتبار وجود مجهول النسب بعدم العلم بأجمعهم تفصيلا لكان أولى و لعلهم أيضا يريدون بمجهول النسب ذلك وحاصله فرض إمكان صورة يمكن القول بكون الامام فيهم إجمالا لا تفصيلا وعلى هذه الطريقة فإن حصل العلم بإتفاق الجميع إجمالا فيتم المطلوب وكذا إن خرج منهم بعض من يعرف بشخصه ونسبه مع العلم الاجمالي بإتفاق الباقين ولكن الانصاف إن على هذه الطريقة لا يمكن الاطلاع على الاجماع في أمثال زماننا إلا على سبيل النقل وإن قال بعضهم أن المراد من موافقة الامام عليه السلام موافقة قوله لقولهم لا دخول شخصه في أشخاصهم حتى يستبعد ذلك في الامام المنتظر عليه السلام وثانيها ما اختاره الشيخ في عدته بعدما وافق القوم في الطريقة السابقة والظاهر أن له موافقا من أصحابنا أيضا ممن تقدم عليه وممن تأخر في هذه الطريقة و هي أنه اعتمد في ذلك على ما رواه أصحابنا من الاخبار المتواترة من أن الزمان لا يخلو من حجة كي إن زاد المؤمنون شيئا ردهم وإن نقصوا أتمه لهم ولولا ذلك لاختلط على الناس أمورهم و يظهر ثمره هذه الطريقة حيث لم يحصل العلم بالطريقة الاولى كما لو وجد في الامامية قول ولم يعرف له دليل ولم يعرف له مخالف أيضا ولكن لم يعرف مع ذلك أيضا كونه قول الامام ومختاره فقال حينئذ انا نعلم أنه قول الامام عليه السلام ومختاره لانه لو لم يكن كذا لوجب عليه أن يظهر القول بخلاف ما أجمعوا عليه لو كان باطلا فلما لم يظهر ظهر أنه حق ويظهر ذلك منه في مواضع وبعض عباراته في العدة هو هذا إذا ظهر قول بين الطائفة ولم يعرف له مخالف ولم نجد ما يدل على صحة ذلك القول ولا على فساده وجب القطع على صحة ذلك القول وأنه موافق لقول المعصوم عليه السلام لانه لو كان قول المعصوم مخالفا لوجب أن يظهره وإلا كان يقبح التكليف الذي ذلك القول لطف فيه وقد علمنا خلاف ذلك وقال قبل ذلك في مقام أخر وهو فيما لو إختلف الامامية على قولين لا يجري فيهما التخيير كالوجوب والحرمة مثلا وكان أحدهما قول الامام عليه السلام ولم يشاركه أحد من العلماء فيه وكان الجميع متفقين على الباطل فقال ومتى إتفق ذلك وكان على القول الذي إنفرد به الامام عليه السلام دليل من كتاب أو سنة مقطوع بها لم يجب عليه الظهور والدلالة على ذلك لان ما هو موجود من الكتاب والسنة كاف في باب إزاحة التكليف ومتى لم يكن على القول الذي إنفرد به دليل على ما قلناه يعني على النحو الذي فرضه من الكتاب أو السنة المقطوع بها وجب عليه الظهور وإظهار الحق وإعلام بعض ثقاته حتى يؤدي الحق إلى الامة بشرط أن يكون معه معجزة تدل على صدقه وإلا لم يحسن التكليف وقد أورد عليه


[ 353 ]

بعض المحققين بأنه يكفي في إلقاء الخلاف بينهم بأن يظهر القول وإن لم يعرفه العلماء أنه إمام بل يكفي قول الفقيه المعلوم النسب في ذلك أيضا بل يكفي وجود رواية بين روايات أصحابنا دالة على خلاف ما أجمعوا وفيه نظر ظاهر إذ مناط كلام الشيخ ليس ان الاجتماع على الخطأ لما كان باطلا وجب على الامام عليه السلام دفع ذلك وهذا يتم بنقض الاجماع ولو كان بوجود مخالف بل مناط كلامه أن لطفه تعالى الداعي إلى نصب الامام عليه السلام أوجب ردع الامة عن الباطل وذلك لا يتم إلا بما يوجب ردعهم فلما لم يحصل ذلك علم أنه راض على ما اجتمعوا عليه والتحقيق في جوابه منع ذلك وإنما الواجب على الله تعالى نصبه عليه السلام والواجب عليه عليه السلام الابلاغ والردع عن الباطل إن لم يمنعه مانع ولم يثبت حكمة في غيبته وإستتاره عليه السلام لا مطلقا وبهذا رد هذا القول السيد المرتضى رحمه الله وقال ولا يجب عليه الظهور لانه إذا كنا نحن السبب في إستتاره فكل ما يفوتنا من الانتفاع به (وبتصرفه) ؟ وبما معه من الاحكام يكون قد أتينا من قبل نفوسنا فيه ولو أزلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدى إلينا الحق الذي عنده وحاصل هذا الكلام هو الذي ذكره المحقق الطوسي رحمه الله في التجريد حيث قال وجوده عليه السلام لطف وتصرفه لطف آخر وعدمه منا هذا مع أنا نرى أن خلاف مقتضى اللطف والتبليغ موجود إلى غير النهاية والاقوال المختلفة في غاية الكثرة مع تعطل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإجراء الاحكام والحدود وقد يجاب عن وجود الاختلاف في الاقوال بأنهم أوقعوا الخلاف وبينوا لنا علاجه وهو وإن كان كذلك في الغالب لكن بعض الخلافات الذي لا يمكن ذلك فيه لا يتم فيه ما ذكر بل لا يتم في الغالب أيضا كما سيجئ وقد ينتصر لطريقة الشيخ ردا على الجواب الذي ذكرنا من أن عدم إظهار الامام عليه السلام المخالفة لعله كان لاجل تقية أو مصلحة بأن هذا هو الذي يذكره العامة في الرد على الشيعة من أن الحكمة لعلها إقتضت خلو الزمان عن الحجة أيضا وبأن ذلك ينافي كون تقرير المعصوم عليه السلام حجة خصوصا تقرير كل الشيعة على أمر مع أن الحكمة إذا إقتضت إبقائهم على ذلك فيكون راضيا بما إتفقوا عليه حتى يتغير المصلحة فيثبت المطلوب مع أنه يمكنه ردعهم بأن يظهر بعنوان المجهول النسب ويلقي الخلاف الخلاف بينهم ويبين لهم ولا يكفي في ذلك وجود رواية أو مجتهد معروف مخالف كما توهم لانه لا يوجب ردعهم كما هو المعهود من طريقتهم من طرحهم (مقتضى اللطف) الرواية الشاذة والقول النادر واما عدم ردعهم في المسائل الخلافية وعدم رفع الخلاف من بينهم فلانه رضى باجتهاد المجتهدين وتقليد المقليدين مع أنهم أوقعوا الخلاف بينهم فيظهر منه في الخلافيات بأنه راض بأحد طرفي النقيض لمجتهد وبآخر لمجتهد آخر وأما فيما إجتمعوا عليه فليس إلا


[ 354 ]

رضاه بشئ واحد فلا يجوز مخالفته أقول فرق بين بين الحكمة الباعثة على نصب الامام وعلى إنفاذه جميع الاحكام سيما إذا تسبب لعدمه المكلفون فلا يرد نقض العامة وليس هنا مقام بسط الكلام وهذا واضح سيما في مسائل الفروع وأما كون تقرير المعصوم عليه السلام حجة فهو إنما يسلم إذا علم إطلاعه عليه وتمكنه من المنع لو كان باطلا ولم يمنع وهو فيما نحن فيه ممنوع وأما رضاه على بقائهم على معتقدهم فهو لا ينافي جواز مخالفتهم بدليل دل المتأخر منهم على المخالفة إذ ذلك أيضا من باب الرضا بإجتهادهم في حال الاضطرار كما في الخلافيات إذ ليس في كل قول من الاقوال المتخالفة حديث أو آية بل ربما اعتمد بعضهم على دليل ضعيف من قياس ونحوه خطاء وغفلة ومع ذلك نقول بأن الامام عليه السلام راض بإجتهاده وبتقليد مقلده له فلعل إجتماع هؤلاء أيضا يكون من هذا القبيل ولا مانع من مخالفتهم إذا دل عليه دليل لمن بعدهم إلا مخالفتهم للشهرة فهذا الكلام يفيد عدم جواز مخالفة الشهرة وإنه لا يمكن ان يثبت دليل يترجح على الشهرة وهو ممنوع لم يقم عليه دليل ولا يفيد إثباث الاجماع كما هو مرادك والعلم برضا الامام عليه السلام بذلك بالخصوص من حيث هؤلاء من حيث أنه أيضا من الاجتهادات المعفوة وأما ردعهم بعنوان مجهول النسب فمع تجويز رضا الامام عليه السلام بإجتهاد المجتهد وعمل المقلد به كما ذكرت فلا دليل على وجوب الردع عن هذا الاجتهاد الخاطى الذي إجتمع عليه جماعة ورضاه على هذا الاجتماع لا يسلم إلا من جهة كونهم بإجتهادهم المعفو عنهم و ذلك لا يوجب عدم رضاه بمخالفتهم إذا أدى دليل إلى مخالفتهم مع أن جريان ما ذكره في مثل زماننا في غاية البعد بل لا وجه له نعم يمكن تتميم هذه الطريقة فيما لو إجتمع الطائفة على فتوى ولم يعلم موافقة الامام عليه السلام لهم وكذا على قولين أو ثلاثة بالاخبار مثل قوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع أمتي على الخطاء ونحوه بأن يقول يمتنع إجتماعهم على الخطأ فلو كان ما إجتمعوا عليه خطأ لوجب على الامام عليه السلام ردعهم عن الاجتماع ويلزمه الاكتفاء بمجرد إلقاء الخلاف ولكن الكلام في إثبات دلالة تلك الاخبار وحجيتها وسيجئ الكلام فيها مع أن مدلولها المطابقي يقتضي إجتماع كل الامة ومع عدم العلم بقول الامام عليه السلام يخرج عن مدلولها وثالثها ما اختاره جماعة من محققي المتأخرين وهو أنه يمكن حصول العلم برأي الامام عليه السلام من إجتماع جماعة من خواصه على فتوى مع عدم ظهور مخالف لهم وكذلك يمكن العلم برأي كل رئيس بملاحظة أقوال تبعته فكما لو فرض أن فقيها له تلامذة ثقات عدول لا يروون إلا عن رأي فقيههم ولا يصدرون إلا عن معتقده فاجتمعوا على فتوى من ان دون ان يسندوه إلى فقيههم ولم يعلم مخالفة لاحدهم فيه يمكن حصول العلم بذلك


[ 355 ]

بأنه رأي فقيههم فكذلك يمكن العلم بفتوى جمع كثير من اصحاب الصادق عليه الصلاة والسلام من قبيل زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وليث المرادي وبريد بن معاوية العجلي والفضيل بن يسار من الفضلاء الثقات العدول وأمثالهم من دون ظهور مخالف منهم أن ذلك فتوى إمامهم عليه السلام ومعتقده وطريقة ذلك هو الحدس والوجدان وهذه طريقة معروفة لا يجوز إنكارها فإذا حصل العلم بذلك بمعتقد الامام عليه السلام فلا ريب في حجيته بل يمكن أن يدعى ثبوته في أمثال زماننا أيضا بملاحظة تتبع أقوال علمائنا فإنه لا شك في أنه إذا أفتى فقيه عادل ماهر يحكم فهو بنفسه يورث ظنا بحقيته وأنه مأخوذ من إمامه وإذا ضم إليه فتوى فقيه آخر مثله يزيد ذلك الظن فإذا إنضم إليه آخر وآخر إستوعب فتويهم بحيث لم يعرف لهم مخالف فيمكن حصول العلم بأنه رأي إمامهم و إذا إنضم إلى ذلك البعض المؤيدات الآخر مثل أن جمعا منهم نسبوه في كتبهم إلى مذهب علمائنا وجمعا منهم نفي الخلاف فيه وبعضهم ذكر المذهب مع سكوته عن ذكر مخالف بل وإذا رأى بعضهم أو جماعة منهم ذكر في كتابه أنه إجماعي فيزيد ذلك الدعوى وضوحا وإذا إنضم إلى ذلك كون الطرف المخالف مدلولا عليه بأخبار كثيرة صحيح السند فيزيد وضوحا أكثر مما مر وإذا إنضم إلى ذلك عدم ورود خبر في اصل الحكم أو ورود خبر ضعيف غير ظاهر الدلالة فيتضح غاية الوضوح إذا إنضم إلى ذلك ملاحظة إختلاف مشاربهم ووقوع الخلاف بينهم في أكثر المسائل وقلما يوجد خبر ضعيف إلا وبه قائل وملاحظة غاية إهتمامهم في نقل الخلافات ولو كان قولا شاذا نادرا بل القول النادر من العامة فضلا عن الخاصة وملاحظة أنهم لا يجوزون التقليد للمجتهدين سيما تقليد الموتى و أن كثيرا منهم يوجبون تجديد النظر فلو قيل لا يمكن حصول العلم من جميع ذلك بأن الباعث على هذا الاجتماع هو كونه رأيا لامامهم ورئيسهم الواجب الاطاعة على معتقدهم سيما ولا يجوزون العمل بالقياس والاستحسان والخروج عن مدلولات النصوص وخصوصا مع كون القياس و أمثاله من الادلة العقلية مما يختلف فيه المشرب غاية الاختلاف من جهة تخريج المناط بالمناسبات الذوقية وإستنباط العلة بالترديد والدوران ونفي الفارق ونحو ذلك لكان ذلك مكابرة صرفة لا يستحق منكره الجواب بل الظاهر أن مدار كل من يدعي الاجماع من علمائنا المتأخرين على هذه الطريقة ولا يتفاوت فيه زمان الغيبة والحضور مع أنه إذا كان يمكن حصول العلم بمذهب الرئيس إلى حد الضرورة كما وصل في ضروريات الدين والمذهب كوجوب الصلوات الخمس ومسح الرجلين وحلية المتعتين فجواز حصول العلم إلى حد اليقين بالنظر أولى وكما أنه يجوز


[ 356 ]

أن يصير بعض أحكام النبي صلى الله عليه وآله والامام عليه السلام بديهيا للنساء والصبيان بحيث يحصل لهم العلم بالبديهة أنه من دين نبيهم ومذهب إمامهم بسبب كثرة التضافر والتسامع فكذا يجوز أن يصير بعض أحكامه يقينيا نظريا للعلماء بسبب ملاحظة أقوال العلماء وفتاوي أهل هذا الدين والمذهب إذ الغالب في الضروريات أنه مسبوق باليقين النظري فكيف يمكن حصول المسبوق بدون حصول السابق وبالجملة فعلى هذه الطريقة الاجماع عبارة عن إجتماع طائفة دل بنفسه أو مع إنضمام بعض القرائن الاخر على رضا المعصوم عليه السلام بالحكم ويكون كاشفا عن رأيه فلا يضره مخالفة بعضهم ولا يشترط فيه وجود مجهول النسب ولا العلم بدخول شخص الامام عليه السلام فيهم ولا قوله عليه السلام فيهم ولا يتفاوت الامر بين زمان الحضور والغيبة ويعلم من ذلك أنه لا يشترط وحدة العصر في تعريفهم الاجماع أيضا بل يجوز إنضمام أهل عصر آخر في إفادة المطلوب فإن قلت أمثال ذلك لا تكون إلا من ضروريات الدين أو المذهب قلت إن كنت من أهل الفقه و التتبع فلا يليق لك القول بذلك وإن لم تكن من أهله فاستمع لبعض الامثلة تهتدي إلى الحق فنقول لك قل أي ضرورة دلت على نجاسة ألف كر من الجلاب بملاقاة مقدار رأس إبرة من البول فهل يعرف ذلك العوام والنسوان والصبيان وهل يعلم ذلك العلماء الفحول من جهة الاخبار المتواترة مع أنه لم يرد به خبر واحد فضلا عن المتواتر فإن قلت أنهم قالوا في ذلك هذا القول من غير دليل فقد جفوت عليهم جدا وإن قلت دليلهم غير الاجماع من آية أو عقل أو غيره فأت به إن كنت من الصادقين وإلا فاعتقد بأن الدليل هو الاجماع بل مدار العلماء في جميع الاعصار والامصار على ذلك ووافقنا المنكرون على ذلك من حيث لا يشعرون بل لايتم مسألة من المسائل الفقهية من الكتاب والسنة إلا بإنضمام الاجماع إليه بسيطا أو مركبا فانظر إليهم يستدلون على نجاسة أبوال وأرواث ما لا يؤكل لحمه مطلقا بقوله صلى الله عليه وآله اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه مطلقا من أن ذلك ليس مدلولا مطابقيا للفظ ولا تضمنيا ولا إلتزاميا إذ وجوب الغسل أعم من النجاسة والثوب غير البدن وغيره من الملاقيات المأكولة والمشروبة وغيرهما وكذلك البول غير الروث إلى غير ذلك من المخالفات فليس فهم النجاسة الشرعية منه إلا من جهة إجماعهم على أن العلة في هذا الحكم هو النجاسة وليس من باب التعبد و أنه لا فرق بين الثوب والجسد ولا البول والروث وكذلك غيرهما من المخالفات وكذلك في مسألة نجاسة الماء القليل كل من يستدل على التنجيس فيستدل ببعض الاخبار الخاصة ببعض


[ 357 ]

النجاسات وبعض المياه الخاصة كالكلب والماء الذي ولغ فيه في الاناء وكل من يستدل على الطهارة يستدل ببعض آخر مختص ببعض النجاسات وبعض المياه كالجرز الميتة والقربة من الماء مع أن في الخبر الاول فهم النجاسة من الامر بالصب أو النهي عن الوضوء ومن الثاني من جهة الامر بالتوضي ولا ريب أن الصب لا يدل على النجاسة وكذا النهي عن التوضى ومع ذلك لم يفصلوا بالعمل بالروايتين ولم يبقوهما على حالهما مع عدم التعارض بينهما وليس ذلك إلا الاجماع المركب وعدم القول بالفرق بين المسئلتين وليت شعري من ينكر حجية الاجماع أو إمكان وقوعه أو العلم به بأي شئ يعتمد في هذه المسائل فإن كان يقول إفهم كذا من اللفظ فمع أنه مكابرة وإقتراح وخروج عن اللغة والعرف فلم لا يفهم فيما لو أمر الشارع بالجهر في الصلاة للرجل وجوبه على المرئة ويفهم من قوله إغسل ثوبك دون قوله إغسلي وجوبه عليها وبالجملة لو أردنا شرح هذه المقامات وإيراد ما ليس فيها مناص عن الاحتجاج بالاجماع بسيطا أو مركبا لكنا إرتكبنا بيان المعسور أو المحال وفيما ذكرنا كفاية لمن كان له دراية ومن لا دراية له لا يفيده ألف حكاية ثم لا بأس أن نجدد المقال في توضيح الحال لرفع الاشكال ونقول كل طريقة أحدثها نبي فبعضها مما يعلم به البلوى ويحتاج إليه الناس في كل يوم أو في أغلب الاوان كنجاسة البول والغايط ووجوب الصلوات الخمس وأمثال ذلك فذلك بسبب كثرة تكرره وكثرة التسامع والتضافر بين أهل هذا الدين والملة يصير ضروريا يحصل العلم به لكل منهم ولكل من كان خارج هذه الملة إذا دخل فيهم وعاشرهم يوما أو يومين أو أزيد فيحصل له العلم بأن الطريقة من رئيسهم والعمدة فيه ملاحظتهم متلقين ذلك بالقبول من دون منكر في ذلك ومخالف لهم أن منكر لا يعتد به لندرته أو ظهور نفاقه وعناده فهذا يسمى بديهي الدين ودون ذلك بعض المسائل الغير العامة البلوى التي لا يحتاج إليها جميعهم ولكن علماء هذه الامة وأرباب إفهامهم المترددين عند ذلك النبي صلى الله عليه وآله و الرئيس الذين هم الواسطة بينهم وبينه غالبا يتداولون هذه المسألة بينهم لاجل ضبط المسائل أو لرجوع من يحتاج في هذه المسائل إلى الرجوع بهم فيحصل من الاطلاع على إتفاقهم في هذه المسألة وتسامعهم بينهم من دون إنكار من أحدهم على الاخر العلم بأنه طريقة رئيسهم فكما في البديهي ليس وجه حصول اليقين إلا التسامع والتضافر بدون إنكار المنكر مع ملاحظة إقتضاء العادة ذكر المخالفة لو كان هناك مخالف فكذلك في الاجماعي الوجه هو ملاحظة تسامع العلماء وتضافرهم و إتفاقهم في الفتوى مع كون العادة قاضية بذكر الخلاف لو كان فوجود المخالف لو فرض في عصر


[ 358 ]

(التتبع) ؟ وحصول الحدس فهو من باب النادر والذي ذكرنا في الضرورة بأن يكون بحيث ثبت عندهم غفلته وخطأه من أجل شبهة أولم لم يقفوا عليه وأدى إجتهادهم وسعيهم إلى الاعتماد على حدسهم الذي استقر عليه رأيهم إذ لا ننكر إحتمال الخطأ في مدعى الاجماع كما سنحققه فيما بعد وبالجملة فكما يمكن حصول العلم بضروريات الدين من جهة تسامع وتضافر العلماء والعوام والنسوان فيمكن حصول العلم بالنظريات من تسامع العلماء وتضافرهم وهذا نسميه إجماعا ونظير ذلك في المتواترات موجود فإن التواتر قد يحصل من دون طلب وتتبع كما لو جاء ألف رجل من مكة وأخبروا بوجود مكة فيحصل العلم اليقيني بذلك للعلماء والنسوان والصبيان وقد يحتاج ذلك إلى تتبع وإعمال روية كقوله عليه السلام إنما الاعمال بالنيات على ما ذكروه فإن اليقين بكون ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله مختص بالعلماء بل ببعضهم لاحتياجه إلى معرفة الوسائط وتعددها بالعدد المعتبر في كل طبقة فهناك النظر إلى كثرة الرواة والنقلة وثمة إلى كثرة المفتين والقائلين (والعاملين) ولنرجع إلى بيان مدرك الاجماع على طريقة العامة وهو من وجوه وليعلم أولا أنه لا جدوى لنا في التعرض إلى القدح في أدلتهم التي أقاموها على حجية الاجماع لان الاجماع على مصطلحهم إذا ثبت فلا ريب أنه حجة عندنا أيضا ولكن نتعرض لذكر أدلتهم والكلام فيها على وجهين أحدهما بيان نفس الامر والثاني إظهار أن ما تشبثوا به في وجه حجية الاجماع لا يمكن أن يعتمد عليه فيبطل كل ما يعتمدون في إثباته على إلزاما عليهم بعد إبطال المستند ومن ذلك أصل مذهبهم ودينهم فنحن نلزمهم إما ببطلان طريقتهم من جهة عدم حجية الاجماع إن كان مستنده ما ذكروه على معتقدهم إلزاما أو بمنع تحقق الاجماع المصطلح فيما يضرنا تسليمه في مذهبنا سواء سلمنا مستندهم فيه أم لا مع أن حجية الاجماع عندهم ليس (بوفاقي) ؟ بل أنكره النظام وجعفر بن حرب وغيرهما على ما نقل عنهم وبعضهم أنكر إمكان وقوعه وبعضهم العلم به ولكن جمهورهم على حجيته وإن إختلفوا أيضا في إنحصارها في إجماع الصحابة أو أهل المدينة وعدم الانحصار واستدل القائلون بحجيته بوجوه من العقل والنقل من الآيات والاخبار ونحن نقتصر بما هو أظهر دلالة منها فأما الآيات فمنها قوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم الآية فإنه تعالى جمع في الوعيد بين مخالفة سبيل المؤمنين ومشاقة الرسول صلى الله عليه وآله ولا ريب في حرمة الثاني فكذا الاول وفيه أن الوعيد على المجموع من حيث المجموع لا على كل واحد وما قيل ان مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله كافية فيه مستقلا فلا حاجة إلى ضم غيره ففيه أنه كذلك لكن متابعة غير


[ 361 ]

سبيل المؤمنين غير مستقل بذلك حتى تنضم إلى مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله فلا يتم الاستدلال و التمسك بأصالة الاستقلال في كل منهما وإن الاصل عدم إنضمام كل منهما إلى الاخر باطل لفهم العرف الانضمام في مثل قولك من دخل الدار وجلس فله درهم مع أن القيد المعتبر في المعطوف عليه وهو تبين الهدى معتبر في المعطوف والهدى في المعطوف هو دليل الاجماع (فثم) ؟ يثبت حجيته وأيضا سبيل المؤمنين ليس على حقيقته ومن أقرب مجازاته دليلهم وهو مستند الاجماع لا نفسه هذا جملة مما ذكروه في هذا المقام وقد أطنب الاصحاب في هذا المقام بما لا حاجة إلى إيرادها والاوجه أن يقال المراد بسبيل المؤمنين الايمان وهو ما صاروا به مؤمنين ويرد عليها أيضا أن مفهوم إتباع غير سبيل المؤمنين عدم إتباع الغير لا إتباع سبيل المؤمنين فلا يلزم تهديد ووعيد على تارك المتابعة رأسا لا يقال أن ترك المتابعة رأسا هو متابعة غير سبيل المؤمنين لانا نقول المتابعة أمر وجودي يحصل بحصول المتبوع والمفروض إنتفائه ومنها قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس فإن وسط كل شئ عدله وخياره في اللغة فمن عدله الله تعالى يكون معصوما عن الخطأ فقولهم حجة ففيه أن ذلك يستلزم عدم صدور الخطأ عنهم مطلقا وهو باطل وما يقال ان ذلك إذا إجتمعوا لا مطلقا ففيه أن تقييد بلا دليل وتخصيص قبيح مع أن التعليل بقوله تعالى لتكونوا شهداء على الناس ظاهر في كون كل منهم شاهدا لا المجموع من حيث المجموع فكذلك الامة مع أن المراد إما الشهادة في الآخرة كما ورد في الاخبار فهو إنما يستلزم العدالة عند الاداء لا التحمل فلا يجب عصمتهم في الدنيا وأما في الدنيا فهو إنما يدل على قبول شهادتهم وهو لا يستلزم حجية فتواهم فالآية متشابهة الدلالة فالاولى أن يقال المراد بهم أئمتنا عليهم السلام كما روي في تفسيرها ومنها قوله تعالى فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول فإن مفهومه عدم وجوب الرد مع الاتفاق وفيه أن عدم وجوب الرد حينئذ أعم من أن يكون وجواز العمل لكون إجماعهم حجة بل إنما كان من أجل أن عند كل منهم ما يكفيهم من الدليل على مطلبه من عقل أو نقل مع أن عموم الجمع في قوله تنازعتم وردوا افرادي لا مجموعي كما لا يخفى وسيجئ أن بعض العامة استدل بهذه الآية على عدم حجية الاجماع وأما الاخبار فمنها ما ادعوا تواتر مضمونها معنى وأظهرها دلالة وهو قوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع أمتي على الخطأ وفي لفظ آخر لم يكن الله ليجمع أمتي على خطأ ومنها قوله صلى الله عليه وآله كونوا مع الجماعة و يد الله على الجماعة ونحو ذلك وفيه أولا منع صحتها وتواترها بل هي أخبار آحاد لا يمكن التمسك بها في إثبات مثل هذا الاصل الذي بنوا دينهم عليه فضلا عن فقههم ولم يثبت دلالتها على القدر


[ 362 ]

المشترك على سبيل القطع بحيث يفيد المطلوب وثانيا منع دلالتها أما أولا فلان الظاهر من الاجتماع هو التجامع الارادي لا محض حصول الموافقة إتفاقا فلا يثبت حجية جميع الاجماعات إذ لا يتوقف تحقق الاجماع على إجتماع آرائهم على سبيل إطلاع كل منهم على رأي الآخر وإختياره موافقة الآخر وتتميمه بالاجماع المركب أو بعدم القول بالفصل دور وهذا واضح إلا أن يقال مرادهم إثبات الحجية في الجملة لا مطلقا وبه يبطل السلب الكلي الذي يدعيه الخصم وثالثا أن لام الخطأ جنسية لما حققناه سابقا في محله من أنها حقيقة فيه ومقتضاه عدم جواز إجتماعهم على جنس الخطأ وهو قد يحصل بأن يختار كل واحد من الامة خطأ غير خطأ الآخر وذلك يوجب عصمتهم ولا يقولون به فهذا من أدلة الشيعة على القول بوجوب وجود الامام المعصوم عليه السلام والعجب من المخالفين حيث قالوا بمقتضاه من حيث لا يشعرون نقله المحقق البهائي رحمه الله عن صاحب المحصول وهو نسبة فيه إلى أكثرهم وسيجئ في مسألة تعاكس شطري الاجماع الكلام في ذلك نعم يمكن توجيه الدلالة على القول بجنسية اللام بأن يقال يفهم إتحاد الفرد من لفظ الاجتماع لا من لفظ الخطأ فيكون المراد لا يجتمع أمتي على جنس الخطأ بأن يختاروا فردا منها كالزنا مثلا فما اجتمعوا عليه فهو صواب وهو تقييد بلا دليل نعم يتم ذلك لو جعل اللام للعهد الذهني فيصير من باب النكرة المنفية مفيدا للعموم لكنه أيضا معنى مجازي للفظ وأيضا الظاهر من اللفظ سيما على القول بكون الاجتماع بمعنى التجامع الارادي ان إجتماع الامة (لا يحصل) على ما خطأيته ثابتة قبل الاجتماع فالغرض نفي إجتماع الامة على ما هو خطأ لا أن ما إجتمعوا عليه يعلم أنه ليس بخطأ وظاهر الاول أن المعتبر في الخطأ كون خطأيته ثابتة قبل الاجتماع فالغرض نفي إجتماع الامة على ما هو خطأ عندهم لا أن ما إجتمعوا عليه يكشف عن أنه صواب و ليس بخطأ وإن قلنا بكون الالفاظ اسامي للماهيات النفس الامرية والحاصل أن هذه الرواية وما في معناها ظاهرة في مذهب الامامية من لزوم معصوم في كل زمان ويؤيده أيضا ما رووه من قوله صلى الله عليه وآله لا يزال طائفة من أمتي على الحق حتى يقوم الساعة وهو أيضا يشعر بأن نفيه صلى الله عليه وآله إجتماعهم على الخطأ إنما هو لاجل أنه لا بد أن يكون طائفة من أمته صلى الله عليه وآله على الحق كما نبه عليه بعض المحققين قال وهو ما يقوله أصحابنا من وجوب دخول المعصوم عليه السلام في الاجماع حتى يكون حجة فيلزم المخالفين أن يقولوا بأن حجية الاجماع إنما هو من أجل ذلك كما يقوله أصحابنا لا لانه إجماع من حيث أنه إجماع وأما قوله صلى الله عليه وآله لم يكن الله ليجمع أمتي على خطأ فمع ما فيه من أكثر ما مر من القدح في السند والدلالة أن ظاهرها مقبول عندنا ولا يصدر مثل هذا القبيح عن الله تعالى


[ 365 ]

ولكن لا ينفى صدوره عن الخلق ويظهر الكلام في الباقي مما مر وأما الادلة العقلية التي أقاموها على ذلك فأقواها أن العلماء أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف للاجماع فدل على أنه حجة فإن العادة تحكم بأن هذا العدد الكثير من العلماء المحققين لا يجتمعون على القطع في شرعي بمجرد تواطئ وظن بل لا يكون قطعهم إلا عن قاطع فوجب الحكم بوجود نص قاطع بلغهم في ذلك فيكون مقتضاه و هو خطأ المخالف للاجماع حقا وهو يقتضي حقية ما عليه الاجماع وهو المطلوب وأجيب أولا بالنقض بإجماع الفلاسفة على قدم العالم وإجماع اليهود على أن لا نبي بعد موسى عليه السلام وأمثال ذلك ورد بأن إجماع الفلاسفة عن نظر عقلي وتعارض الشبه وإشتباه الصحيح والفاسد فيه كثير وأما في الشرعيات فالفرق بين القاطع والظني بين لا يشتبه على أهل المعرفة والتمييز وإجماع اليهود والنصارى عن الاتباع لاحاد الاوائل لعدم تحقيقهم والعادة لا تحيله بخلاف ما ذكرنا وبالجملة فإنما يرد نقضا إذا وجد فيه ما ذكرنا من القيود وإنتفائه ظاهروقد يعترض بأنه لا حاجة في هذا الاستدلال إلى توسيط الاجماع على تخطئة المخالف لانه لو صح لاستلزم وجود قاطع في كل حكم وقع الاجماع عليه ويجاب بأن كل المجمعين ليسوا بقاطعين على خطأ مخالفيهم بل ربما يكون كل حكم منهم ظنيا مستندا إلى إمارة لكن يحصل لنا القطع بالحكم من إتفاق الكل ولذلك قال في الاستدلال أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف ولم يقل على تخطئة المخالف واعترض عليه أيضا بأنه مستلزم للدور لانه إثبات للاجماع بالاجماع ورد بأن وجود الاجماع الخاص دليل على حجية الاجماع لاستلزامه ثبوت أمر قطعي يدل عليها كما مر فحجية الاجماع موقوفه على وجود هذا الاجماع الخاص ووجود هذا الاجماع الخاص لا يتوقف على حجية مطلق الاجماع وكذا دلالته على وجود قاطع يدل عليها لا تتوقف على حجية مطلق الاجماع هكذا قرروا الدليل والاعتراضات وأقول إن كان مراد المخالفين من حجية الاجماع هو حجيته من حيث هو إجماع كما هو لازم طريقتهم بل هو صريح أكثرهم فلا يتم الاستدلال لان مرادهم إن من العلماء المجمعين على القطع بتخطئة مخالف الاجماع علماء الامامية أيضا ومن الاجماع الذي يخطأ مخالفه ما اشتمل على الامام المعصوم عليه السلام فلا ريب في حقية ما ذكروه ولكن ذلك لا يثبت حجية الاجماع من حيث هو فلا ينفعهم إلا فإن لم يعلم دخول المعصوم عليه السلام أو علم خروجه عن الاجماع الذي يخطأ مخالفة فلا نسلم إجماع جميع العلماء حتى الامامية على القطع بتخطئة المخالف وبدونه نمنع حكم العادة على ما ذكروه ولو فرض موافقة الامامية على القطع بتخطئة المخالف وإن لم يعلم دخول المعصوم عليه السلام فيهم فحينئذ نقول إن كان موافقة


[ 366 ]

الامامية في القطع في التخطئة بحيث يحصل القطع معه بكونه قول المعصوم عليه السلام فيكون حجية الاجماع الذي يحكم بخطأ مخالفه للاجماع المصطلح عندنا لا لاجل قضاء العادة بذلك وبدونه فنمنع أيضا حكم العادة على ما ذكروه ويظهر ثمرة هذا الكلام في أمثال زماننا حيث لا يمكن تحقق الاجماع على مصطلح العامة بحيث يحكم بكون الامام المنتظر فيهم وكذلك في عصر النبي صلى الله عليه وآله مع فرض عدم معصوم آخر حال إنعقاد الاجماع لانه لا يستحيل ذلك عندنا أيضا مع أن القدر المسلم في قضاء العادة على ما ذكروه وهو ما لو كان عدد المجمعين عدد التواتر حتى يمكن القطع بتخطئة مخالفه والجواب بأن الدليل ناهض في إجماع المسلمين من غير تقييد وإشتراط فإنهم خطأوا المخالف مطلقا لا يخفى ما فيه فإن دعوى كونهم قاطعين بتخطئة المخالف لا بد أن تكون قطعية ومجرد ظهور اللفظ في إرادة العموم لا يكفي في ذلك مع أن المجمعين على القطع بالتخطئة لو ادعوا ذلك في خصوص مثل هذا الاجماع الذي لم يبلغ عدده حد التواتر لم يسمع منهم ودعوى حكم العادة حينئذ على ما ذكر غير مسموعة نعم يمكن أن يقال يتم الاستدلال بناء على كون المطلوب إثبات الحجية في الجملة لا مطلقا وكيف كان فما ذكروه من الادلة من العقل والنقل لو تمت فلا يضرنا بل ينفعنا ولو لم يتم فايضا لا يخلو من تأييد لاثبات حجية الاجماع وأكثر أدلتهم مطابقة لمتقضي مذهب الشيعة في حجية الاجماع يظهر لمن تأمل فيها بعين التدقيق والانصاف ولنذكر هنا شيئا من الشكوك والشبهات التي أوردوها في المقامات الثلاثة المتقدمة ولنجب عنها فمنها ما ذكروه في نفي إمكانه وهو أن الاتفاق إما عن قطعي أو ظني وكلاهما باطل أما القطعي فلان العادة تقتضي نقله إلينا فلو كان لنقل وليس فليس ولو نقل لاغنى عن الاجماع وأما الظني فلقضاء العاده بإمتناع الاتفاق عليه لاختلاف القرائح وتباينهم وذلك كإتفاقهم على أكل الزبيب الاسود في زمان واحد فإنه معلوم الانتفاء وما ذلك إلا لاختلاف الدواعي ورد بمنع حكم العادة القطعي إذا أغنى عنه ما هو أقوى عنه وهو الاجماع ونقله أيضا لا يغني عن الاجماع لظهور كمال الفايدة في تعدد الادلة سيما مع كون القطعيات متفاوتة في مراتب القطع وبمنع إستحالة الاتفاق على الظني سيما إذا كان جليا واضح الدلالة معلوم الحجية مع أنا سنثبت إمكان العلم به فكيف يمكن التشكيك في إمكانه ومنها ما ذكروه في نفي إمكان العلم به وهو أنه لا يمكن العلم بفتوى جميع علماء الاسلام لانتشارهم في مشارق الارض ومغاربها بل لا يمكن معرفة اعيانهم فضلا عن أقوالهم مع إحتمال خفاء بعضهم لئلا يلزمه الموافقة أو المخالفة أو إنقطاعه لطول غيبته فلا يعلم له خبر أو اسره في المطمورة أو كذبه


[ 367 ]

في قوله رأيى كذا مع أن العبرة بالرأي دون اللفظ مع إحتمال رجوع بعضهم عما قال بعد الاستماع عن الاخر وفيه أن هذه شبهة في مقابل البديهة لحصول العلم بمذهب جميع علماء الاسلام بأن رأيهم وجوب الصلوات الخمس وصوم رمضان ونحوهما ومذهب علماء الشيعة بأن رأيهم حلية المتعة ومسح الرجلين فإذا أمكن حصول العلم برأيهم على سبيل البديهة فكيف لا يمكن حصول اليقين بالنظر مع أن مرتبة البداهة متأخرة عن النظر ولا ريب أن أعيان العلماء غير معروفة بأجمعهم في ذلك فضلا عن حصول الاستماع منهم وليس الداعي إلى ذلك أمر عقلي حتى يقال ان العلم بإجتماعهم إنما هو بحكم العقل بأن العقلاء يجتمعون على ذلك لاجل عقلهم مع أن العقليات أيضا مما وقع فيه الاختلاف كثيرا كما لا يخفى على المطلع بها ومنها ما ذكروه في نفي حجيته فمنها ما ذكره العامة مثل قوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول فظهر منها أن المرجع والمعول إنما هو الكتاب والسنة وفيه أن كون الكتاب تبيانا لا ينافي تبيانية غيره وأن المجمع عليه لا تنازع فيه ومثل قوله تعالى وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون وفيه منع واضح وأما ما ذكره بعض القاصرين من الخاصة فهو أمور الاول أنه يجوز الخطأ على كل واحد من المجمعين فكذا المجموع وهو بعينه الشبهة التي أوردوها على نفي التواتر وجوابه القرق بين المجموع وبين كل واحد كما لا يخفى فإن للاجماع تأثيرا واضحا في حصول الاعتماد بل هو في الاجماع أظهر منه في الخبر الثاني أن المعصوم عليه السلام لو كان معلوما بشخصه فلا حاجة إلى الاجماع وإلا فلا يمكن الاطلاع على رأيه وقوله وجوابه أنه قد لا يمكن الوصول إلى خدمته ولكن يمكن العلم الاجمالي بقوله ورأيه وقد بينا إمكان العلم الاجمالي كما يحصل في الضروريات وأنه يمكن العلم برأيه في زمان حضوره بسبب أقوال تبعته كما يمكن صيرورة الحكم بديهيا في زمانه مع عدم الاستماع من لفظه ومن ذلك يظهر عدم الفرق بين زمان الظهور وزمان الغيبة الثالث وقوع الخلاف في حجية الاجماع وفي أدلة حجيته كما مر وفيه مع أن علماء الشيعة المعتنين بأقوالهم لم يختلفوا في حجيته وكذلك المحققون من العامة ونسبة بعض العامة القول بعدم الحجية إلى الشيعة إفتراء أو إشتباه لفهم مقصد الشيعة فإنهم يمنعون حجية الاجماع من حيث أنه إجماع لا مطلقا أن وجود الخلاف لا ينفي الحجية وكذلك إختلاف مدرك الحجية كما يلاحظ في حجية خبر الواحد وغيره بل الخلاف موجود في أصول الدين وأصول المذهب بل في جميع العقليات إلا ما شذ وندر الرابع وجود المخالف في أكثر الاجماعات وفيه أنه إن أراد أن وجود المخالف يمنع عن تحقق الاجماع فهو إنما يصح على طريقة


[ 368 ]

العامة مع أن بعضهم أيضا لا يعتبر خلاف النادر وأما على طريقتنا فلا يضر وجود المخالف أما على المختار من الطرق الثلاثة فلما عرفت أن المناط هو حصول الجزم بموافقة المعصوم عليه السلام ولو بإتفاق جماعة من الاصحاب وأما على المشهور بين القدماء فلانه لا يضر خروج معلوم النسب بل ولا المجهول النسب أيضا إذا علم أنه ليس بمعصوم بل يكفي فيه العلم الاجمالي أن غير الخارجين الذين علم أنهم ليسوا بإمام كلهم متفقون على كذا بحيث حصل العلم بأن الامام فيهم مع أنه يحتمل تقدم المخالف على تحقق الاجماع أو تأخره مع عدم إطلاعه على الاجماع إذ لم نقل بأن كل إجماع تحقق لا بد أن يحصل العلم به لكل أحد سواء كان في حال الحضور أو الغيبة بل الاحكام الثابتة من الشارع على أقسام منها بديهي ومنها يقيني نظري للخواص ومنها ظني للخواص مجهول للعوام والنظري اليقيني ربما يكون يقينيا لبعض الخواض ظنيا لبعض آخر ومرجوحا عند بعض آخر إذ أسباب الحدس والتتبع مختلفة فيتفاوت الحال بالنسبة إلى الناظر والمتتبعين ألا ترى أن الشيعة مجمعون على حرمة العلم بالقياس مع أن إبن الجنيد رحمه الله قال بجوازه ولا ريب أن الحرمة حينئذ إجماعي وكذا عدم وجوب قرائة دعاء الهلال مع أن إبن أبي عقيل قال بوجوبه وإن شهر رمضان يعتبر فيه الرؤية لا العدد مع أن الصدوق رحمه الله خالف فيه و هكذا ولا يتفاوت الحال بين زمان الحضور والغيبة فتحقق الاجماع في كل واحد من الازمنة بالنسبة إلى الاشخاص إما يقيني أو ظني واليقينيات مختلفة في مراتب القطع والظنيات في مراتب الرجحان فلا يلزم إطراد الحكم ولا القول بأن الاجماع المتحقق في نفس الامر لا بد أن يحصل به العلم لكل أحد ولا بد أن لا يوجد له مخالف نعم لا نضايق من القول بإحتمال السهو والغفلة والاشتباه في الحدس وذلك لا يوجب بطلان أصل الاجماع كما لا ينافي الغفلة والاشتباه والخطاء بطلان أصول الدين والعقليات مع حصول الخطأ فيها من كثير وإن أراد أن وجود المخالف يمنع عن الاحتجاج بالاجماعات المنقولة ويورث العلم بخطأ المدعين فإن أراد أنا نجزم مع وجود المخالف بخطأهم في الدعوى فهو في غاية الظهور من البطلان لما عرفت من إمكان حصول العلم مع وجود المخالف وإن أراد ذلك يورث ضعف الاعتماد عليه ففيه مع أنه ممنوع لما ذكرنا أن ذلك لا يوجب بطلان مطلق الاجماع ولا مطلق الاجماع المنقول ألا ترى أن خروج بعض أخبار الآحاد عن الحجية لا يوجب عدم حجية مطلق الاخبار وكذلك تخصيص العام وكثرة تخصيصه لا يوجب خروج العام عن أصالة العموم وكذلك المخالفات الواقعة في سائر المسائل وسائر العلوم لا يوجب عدم الاعتماد بأصل العلم تنبيهات الاول إذا قال بعض المجتهدين بقول وشاع الباقين من غير إنكار له وهو المسمى بالاجماع السكوتي


[ 369 ]

فهو ليس بحجة خلافا لبعض أهل الخلاف لان الاجماع هو الاتفاق ولم يعلم لاحتمال التصويب على مذهب المخالفين وإحتمال التوقف والتمهل للنظر أو لتجديد النظر ليكون ذا بصيرة في الرد على مذهبنا في غير المعصوم ولاحتمال خوف الفتنة بالانكار أو غير ذلك من الاحتمالات فلا يكشف السكوت عن الرضا نعم إذا تكرر ذلك في وقايع متعددة كثيرة في الامور العامة البلوى بلا نكير بحيث يحكم العادة بالرضا فهو حجة الثاني قال في المعالم الحق إمتناع العلم بكون المسألة إجماعية في زماننا هذا وما ضاهاه إلا من جهة النقل عن الازمنة السابقة على ذلك إذ لا سبيل إلى العلم بقول الامام عليه السلام كيف وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم ويكون قوله عليه السلام مستورا بين أقوالهم وهذا مما يقطع بإنتفائه فكل إجماع يدعى في كلام الاصحاب مما يقرب من عصر الشيخ رحمه الله إلى زماننا هذا وليس مستندا إلى نقل متواتر وآحاد حيث تعتبر أو مع القرائن المفيدة للعلم فلابد أن يراد به ما ذكره الشهيد رحمه الله من الشهرة إلى أن قال وإلى مثل هذا نظر بعض علماء أهل الخلاف حيث قال الانصاف أنه لا طريق إلى معرفة حصول الاجماع إلا في زمن الصحابة حيث كان المؤمنون قليلين يمكن معرفتهم بأسرهم على التفصيل أقول لا ريب في إمكان حصول العلم في هذا الزمان أيضا (كما أشرنا صح) على الطريقة التي إخترناها فإنه يمكن حصول العلم من تتبع كلمات العلماء ومؤلفاتهم بإجماع جميع الشيعة من زمان حضور الامام عليه السلام إلى زماننا هذا بسبب إجتماعهم وعدم ظهور مخالف مع قضاء العادة بأن المتصدين لنقل الاقوال حتى الاقوال الشاذة والنادرة حتى من الواقفية وسائر المخالفين لو كان قول في المسألة من علمائنا لنقلوه وإذا مضاف إلى ذلك دعوى جماعة منهم الاجماع أيضا وكذا سائر القرائن مما أشرنا سابقا فيمكن حصول العلم بكونه إجماعيا بمعنى كون إجتماعهم كاشفا عن موافقتهم لرئيسهم وما قيل أنهم لعلهم اعتمدوا على دليل عقلي لو وصلنا لظهر عدم دلالته على المطلوب ولم يعتمدوا على ما صدر من المعصوم عليه السلام من قول أو فعل أو تقرير ففيه ما لا يخفى إذ هذا الكلام لا يجري في الامور التي لا مجال للعقل فيها وجل الفقه بل كلها من هذا الباب وما يمكن إستفادته من العقل فإن كان من جهة إدراك حسن ذاتي أو قبح ذاتي فلا إشكال في كونه متبعا سواء إنعقد عليه الاجماع أو لا وإن كان من باب إستنباط أو تخريج أو تفريع فالعقل يحكم والعادة تقتضي بعدم إتفاق آراء هذا الجم الغفير المتخالفة المذاق المتباينة المشرب على دليل غير واضح المأخذ كما اشرنا سابقا وأصحابنا لا يعملون بأمثال ذلك وإن كان مأخوذا من النص فهو المطلوب نعم يظهر الاشكال فيما لو إستدلوا بعلة


[ 370 ]

غير معلومة المأخذ كما إستدلوا في لزوم الشاهد والتزكية على اليمين إذا كان المثبت للحق هو الشاهد مع اليمين وأنه لو قدم اليمين وقعت ملغاة بأن وظيفة المدعي هو البينة واليمين متمم ويمكن أن يقال بأن هذا أيضا في الحقيقة إتفاق آخر على أمر شرعي وهو كون اليمين متلبسة بوصف المتممية ولازمه التأخير فاتفاقهم على هذا التعليل أيضا إتفاق على أمر شرعي فإذا حصل من التتبع إجتماع السلف والخلف على أصل الحكم فلا يضر هذا التعليل ولا يقدح في إمكان دعوى الاجماع أن هذه العلة غير واضحة المأخذ ولا دليل على حجيتها لامكان دعوى الاجماع على أصل العلة أيضا نعم على ما اختاره من الطريقة لا يتم دعوى حصول العلم بالاجماع في أمثال هذا الزمان بل يشكل ثبوته في زمان الحضور أيضا إلا بأن يؤول كلامهم بما ذكرنا سابقا من أن يراد من حصول العلم بأقوال العلماء حتى الامام عليه السلام العلم الاجمالي لا العلم بهم تفصيلا حتى ينتفي فايدة الاجماع ويكفي في ذلك عدم معرفة ارائهم تفصيلا وإن فرض معرفتهم بأشخاصهم مفصلا لو شاهدهم ولقيهم وبالجملة إنكار إمكان العلم بالاجماع في هذا الزمان مكابرة وإن كان إنعقاده في الازمنة السابقة وكيف يمكن قبول إمكان حصول العلم بالبديهي بسبب التسامع والتضافر للعوام والخواص ولا يمكن دعوى العلم النظري للعلماء المتفحصين المدققين وبالجملة فيمكن حصول العلم الضروري بكون الشئ مجمعا عليه والعلم النظري ودونهما الظن المتاخم للعلم إذ كثيرا ما يحصل الظن المتاخم للعلم بكون المسألة إجماعية بسبب القرائن والتتبع العام ويختلف الحال في اليقين ومراتبه والظن ومراتبه بحسب المتتبعين رحمه الله لعل الاجماع الظني أيضا يكون حجة كما سنشير إليه فيما بعد لو لم يكن هناك دليل أقوى منه وإلى ما بينا يرجع كلام العلامة رحمه الله في جواب ما نقله في المعالم عن بعض علماء أهل الخلاف حيث قال إنا نجزم بالمسائل المجمع عليها جزما قطعيا ونعلم إتفاق الامة عليها علما وجدانيا حصل بالتسامع وتضافر الاخبار عليه وحاصله أنه لا ينحصر العلم بحصول الاجماع في زمن الصحابة بل يحصل في أمثال زماننا أيضا بالتسامع والتضافر ان المسألة إجماعية من دون أن ينقل يدا بيد أصل الاجماع من الزمان السابق إلى الزمان اللاحق وغفل صاحب المعالم رحمه الله عن مراده واعترض عليه بأن ذلك لا ينافي ما ذكره بعض العامة حيث أراد حصول العلم الابتدائي وما ذكره العلامة إدعاء حصول العلم بالنقل وإنما دعاه إلى هذا الاعتراض افراد الضمير المجرور في كلمة عليه وقرينة المقام ومقابلة الجواب للسؤال شاهد على أن مرجع الضمير كل واحد من فتاوي العلماء المجمعين كما لا يخفى ومما ذكرنا ظهر ما في قوله فكل إجماع يدعى في كلام الاصحاب إلخ لانهم عدول ثقات وادعوا العلم بحصول الاجماع فلا يجوز تكذيبهم ويكون لنا


[ 373 ]

بمنزلة خبر صحيح أخبر به العدل عن إمامه عليه السلام بلا واسطة مع أن ما ذكره موافقا للشهيد رحمه الله من إرادة الشهرة لا يليق بمن هو دونهم بمراتب فكيف وهو امناء الامة ونواب الائمة عليهم الصلاة والسلام ومتكفلوا إيتامهم الورعون المتقون الحجج على الخلق بعد أئمتهم عليه السلام وهذا منهم تدليس و خداع حيث يصطلحون في كتبهم الاصولية ان الاجماع هو الاجتماع الكاشف عن رأي إمامهم و يطلقونه في كتبهم الفقهية على محض الشهرة حاشاهم عن ذلك نعم تطرق الغفلة والاشتباه عليهم لا (نمنعه) ؟ وإحتمال الخطأ لا يوجب الحكم ببطلانه في نفس الامر أو عدم جواز الاعتماد على الظن الحاصل به لو لم يزاحمه ظن أقوى أو لم يظهر من الخارج قرائن تدل على غفلته في دعوى الاجماع وإشتباهه في حدسه وكذلك لا وجه لسائر التوجيهات التي ذكره الشهيد رحمه الله في الذكرى أيضا من أنهم أرادوا بالاجماع عدم ظهور المخالف عندهم حين دعوى الاجماع إلا أن يرجع إلى الاجماع على مصطلح الشيخ رحمه الله وقد عرفت ضعفه وأنه خلاف مصطلح جمهورهم بل الشيخ أيضا يريد من الاجماع الذي يدعيه مطلق مصطلح المشهور كما سنشير إليه وأرادوا الاجماع على روايته بمعنى تدوينه في كتبهم منسوبا إلى الائمة عليهم السلام أو بتأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الاجماع وإن بعد كجعل الحكم من باب التخيير وكل ذلك بعيد لا حاجة إليه فنقول تلك الاجماعات إجماعات نقلها العلماء ومن يقول بحجية الاجماع المنقول بخبر الواحد يقول بحجيتها إلا أن يعارضها أقوى منها من الادلة وظهور الخلل في بعضها لا يوجب خروج أصل الاجماع المنقول عن الحجية أو كون جميع تلك الاجماعات باطلة في نفسها الثالث قد عرفت أن الاجماع هو إتفاق الكل أو إتفاق جماعة يكشف عن رأي الامام عليه السلام فأما لو أفتى جماعة من الاصحاب ولم يعلم لهم مخالف ولم يحصل القطع بقول الامام عليه السلام فهو ليس بإجماع جزما قال الشهيد رحمه الله في الذكرى وهل هو حجة مع عدم متمسك ظاهر من حجة عقلية أو نقلية الظاهر ذلك لان عدالتهم تمنع عن الاقتحام على الافتاء بغير علم ولا يلزم من عدم الظفر بالدليل عدم الدليل خصوصا وقد تطرق الدروس إلى كثير من الاحاديث لمعارضة الدول المتخالفة و مباينة الفرق المنافية وعدم تطرق الباقين إلى الرد له مع أن الظاهر وقوفهم عليه وأنهم لا يقرون ما يعلمون خلافه فإن قلت لعل سكوتهم لعدم الظفر بمستند من الجانبين قلت فيبقى قول أولئك سليما من المعارض ولا فرق بين كثرة القائل بذلك أو قلته مع عدم معارض وقد كان الاصحاب يتمسكون بما يجدونه في شرايع الشيخ أبي الحسن بن بابويه رحمه الله تعالى عند إعواز النصوص لحسن ظنهم به وإن فتواه كروايته وبالجملة تنزل فتاويهم بمنزلة روايتهم هذا مع ندور هذا الفرض


[ 374 ]

إذ الغالب وجود الدليل دال على ذلك القول عند التأمل وقال في المعالم بعدما نقل كلامه إلى قوله عدم الدليل وهذا الكلام عندي ضعيف لان العدالة إنما يؤمن معها تعمد الافتاء بغير ما يظن بالاجتهاد دليلا وليس الخطأ بمأمون على الظنون أقول وسيجئ منه رحمه الله في مباحث الاخبار إستدلالا له بما يدل على كفاية الظن مطلقا إذا إنسد باب العلم ولا ريب أن ما ذكر من الظنون القوية فلو لم يعارضه ما هو أقوى منه فلا يبعد الاعتماد عليه سيما إذا كان القائل به في غاية الكثرة إلا أن الفرض بعيد كما ذكره في الذكرى الرابع قال في الذكرى ألحق بعضهم المشهور بالمجمع عليه فإن اراد في الاجماع فهو ممنوع وإن أراد في الحجية فهو قريب لمثل ما قلناه يعني قوله لان عدالتهم تمنع من الاقتحام على الافتاء بغير علم إلى آخر ما ذكره ولقوة الظن في جانب الشهرة سواء كان إشتهارا في الرواية بأن يكثر تدوينها أو الفتوى أقول وقوله لقوة الظن يحتمل أن يكون المراد به بيان كون الظن الحاصل من جانب المشهور أقوى من الظن الحاصل من مخالفهم ولما كان المفروض في المسألة السابقة عدم العلم بالمخالف فلم يتعرض لذلك وما ذكره رحمه الله قوي ويؤيده قوله عليه السلام خذ بما إشتهر بين أصحابك واترك الشاذ النادر فإن المجمع عليه لا ريب فيه فإن ملاحظة الحكم والتعليل في الرواية يقتضي إرادة الشهرة من المجمع عليه أو الاعم منه والعلة المنصوصة حجة والتخصيص بالرواية خروج عن القول بحجية العلة المنصوصة كما لا يخفى وعلى القول بكون الاصل العمل بالظن بعد إنسداد باب العلم إلا ما أخرجه الدليل يتقوى حجية الشهرة وإذا كان معها دليل ضعيف فأولى بالقبول سيما إذا كان الدليل الذي في طرف المخالف أقوى بل كلما كان الادلة والاخبار في جانب المخالف أكثر وأصح يتقوى جانب الشهرة ويضعف الطرق الاخر ثم ان صاحب المعالم رحمه الله اعترض على الشهيد رحمه الله بمثل ما سبق وبأن الشهرة التي تحصل معها قوة الظن هي الحاصلة قبل زمن الشيخ رحمه الله لا الواقعة بعده قال وأكثر ما يوجد مشتهرا في كلام الاصحاب حدث بعد زمن الشيخ كما نبه عليه والذي في كتاب الرعاية الذي ألفه في دراية الحديث مبينا لوجهه وهو أن أكثر الفقهاء الذين نشاؤا بعد زمن الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا له لكثرة إعتقادهم فيه وحسن ظنهم به فلما جاء المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه فحسبوها شهرة بين العلماء وما دروا أن مرجعها إلى الشيخ رحمه الله وإن الشهرة إنما حصلت بمتابعته ثم نقل من والده رحمه الله تأييدا لما ذكره من كلام بعض أصحابنا وأنت خبير بأن هذا الكلام في غاية البعد فإن توجيه كلام والده لا يمكن بمثل ما نقلناه عن الشهيد رحمه الله فيما لو يعرف خلاف للجماعة ولم يظهر مستندهم في الحكم فإن ذلك في المقام الذي لم يظهر مستند الحكم ولا بأس حينئذ بمتابعتهم لحصول الظن


[ 377 ]

بل قولهم كان عن دليل شرعي وأما القول بأن كل مشهور بعد زمان الشيخ هو من هذا القبيل فلا ريب أنه إعتساف وإن أبقينا كلامه على ظاهره من تجويز تقليد الجماعة للشيخ مع تصريحهم بحرمة التقليد على المجتهد فهو جرئة عظيمة ولا ريب أن ذلك في معنى تفسيقهم مع أنا نرى مخالفتهم له بل أكثيرا من مخالفة القدماء بعضهم لبعض وإعتراضهم عليه في غاية الكثرة على أنا نقول أن كتب الشيخ كثيرة وفتاويه في كتبه متخالفة بل له في كتاب واحد فتاوى متخالفة فهذه الشهرة حصلت في أي موضع وتبعية أي فتوى من تفاويه وتقليد أي كتاب من كتابه إذ قلما يوجد قول بين الاصحاب إلا وللشيخ موافقة فيه فربما وافق الشهرة فتواه في النهاية وخالفت فتواه في المبسوط وربما كان بالعكس وربما كانت موافقة للخلاف وهكذا وبالجملة هذا الكلام من الغرابة بحيث لا يحتاج إلى البيان فإن كان إعتمادهم على كتاب النهاية فسائر كتبه متأخرة عنه فهي أولى بالاذعان مع أن المشهور ربما كان موافقا للخلاف والمبسوط و إن كان بالعكس فربما كانت موافقة للنهاية وهكذا نعم يمكن ترجيح الشهرة (الحاصلة بين القدماء من جهة قربهم بزمان المعصوم عليه السلام وإن كان لترجيح الشهرة صح) بين المتأخرين أيضا وجه لكونهم أدق نظرا وأكثر فأكثر تأملا فرب حال فقه إلى من هو أفقه منه فعلى المجتهد التحري والتأمل وملاحظة رجحان الظن بحسب المقامات وقد وجدنا المقامات مختلفة في غاية الاختلاف وترجح عندنا شهرة القدماء تارة وشهرة المتأخرين أخرى وتارة وجدنا مشهورا لا أصل له وأخرى وجدناها مستقلة في الحكم ومحلا للاعتماد ثم ان هيهنا كلاما وهو أن المشهور عدم حجية الشهرة فالقول بحجية الشهرة مستلزم للقول بعدم حجيتها وما يستلزم وجوده عدمه فهو باطل ويمكن دفعه بأن الذي يقوله القائل هو حجية الشهرة في مسائل الفروع والذي يقوله القائل هو حجية الشهرة في مسائل الفروع والذي يلزم عدم حجيته هو الشهرة ولا منافاة ووجه الفرق إبتناء المسألة الاصولية على دليل عقلي يمكن القدح فيه وهو عدم الائتمان على الخطأ في الظنون وهو لا يقاوم ما دل على حجية الشهرة وهو ما دل على حجية الظن بعد إنسداد باب العلم إلا ما أخرجه الدليل كما سيجئ والعلة المنصوصة وغيرهما فما يحصل من الظن بصدق الجماعة في الحكم الفرعي أقوى من الظن الحاصل من قول الجماعة بعدم جواز العمل بالمشهور الخامس قد يطلقون الاجماع على غير مصطلح الاصولي كإجماع أهل العربية العربية والاصوليين واللغوين ومثل قولهم أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وأجمع الشيعة على روايات فلان وهذا ليس كاشفا عن قول الحجة ولكنه مما يعتمد عليه


[ 378 ]

في مقام الترجيجات ومراتب الظنون قانون لا يجوز خرق الاجماع المركب عندنا سواء كان مركبا عن قولين أو أكثر فلا يجوز الزايد القول على ما أجمعوا عليه وذلك قد يحصل بملاحظة توارد حكمين أو أحكام متعددة من الاحكام الشرعية على موضوع واحد بحسب أقوال الامة ثم حكم آخر من آخر وقد يحصل بملاحظة توارد حكمين من فريقين منها على موضوع كلي ثم حكم موافق لاحدهما في بعض أفراد ذلك الموضوع وحكم آخر موافق لاخر في البعض الآخر من تلك الافراد من فريق آخر مثال الاول أن القول من الشيعة منحصر في إستحباب الجهر بالقرائة في ظهر الجمعة مثلا والقول بحرمته فالقول بوجوبه خرق للاجماع المركب ومثل أن المشتري إذا وطئ الجارية الباكرة ثم وجد بها عيبا فقيل لا يجوز الرد وقيل يجوز الرد مع الارش وهو تفاوت ما بين الثيبوبة والبكارة فالقول بردها مجانا خرق للاجماع المركب ومثال الثاني أن الشيعة مختلفة في وجوب الغسل بوطئ الدبر فمن قال بوجوبه في المرأة قال به في الغلام ومن لم يقل به لم يقل به في شئ منهما فالقول بوجوبه في بعض أفراد الدبر وهو دبر المرأة دون الرجل خرق للاجماع المركب وكذلك مسألة الفسخ بالعيوب فإن الامة مختلفة فيه فقيل يفسخ بها كلها وقيل لا يفسخ بها كلها فالقول بالفسخ في بعض العيوب دون بعض خرق للاجماع المركب وقد يسمى هذا قولا بالفصل ويقال لا يجوز القول بالفصل ويتمسكون بعدم القول بالفصل في تعميم الحكم في كل واحد من القولين بالنسبة إلى أفراد (لغو بل و) ؟ قد يقولون إذ لم يفصل الامة بين مسئلتين في حكم فلا يجوز القول بالفصل بينهما وذلك إذا لم يكن هناك كلي جامع لموضوع المسئلتين مثل الدبر والعيب ومن أمثلته أن بعضهم قال بأن المسلم لا يقتل بالذمي ولا يصح بيع الغائب وبعضهم يقتل المسلم بالذمي ويصح بيع الغايب فالقول بالقتل وعدم الصحة قول بالفصل بين المسئلتين فقد يجتمع خرق الاجماع المركب مع القول بالفصل فقد يتقارنان من الجانبين فمادة الاجتماع هو مسألة وطئ الدبر والفسخ بالعيوب وأمثالهما ومادة الافتراق من جانب خرق الاجماع المركب هو مسألة الجهر في ظهر الجمعة ورد الجارية الموطوئة وأمثالهما وأما من جانب القول بالفصل فأمثلته كثيرة يتضح في ضمن ما يتلى عليك فاستمع لتحقيق هذا المقام على ما يستفاد من كلماتهم وهو أنه إذا لم يفصل الامة بين مسئلتين أو أكثر فإن نصوا على عدم الفصل بينهما بأن يعلم من حالهم الاتفاق على ذلك وإن لم نجد التصريح به من كلامهم فلا يجوز الفصل سواء حكموا بعدمه في كل الاحكام أو بعض الاحكام وله صور ثلاث الاولى أن يحكم الامة بحكم واحد فيهما مثل أنهم يستدلون لوجوب الاجتناب


[ 379 ]

عن البول بقوله عليه السلام اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه فالحكم من الامة للبول واحد وهو النجاسة وهم متفقون على عدم الفصل بين وجوب غسل الثوب عنه والبدن وتنزيه المأكول و المشروب والمساجد والمصاحب وغير ذلك وكذلك سائر أحكام النجاسات فاتفقوا على عدم الفصل بين أحكام المذكورات بالنسبة إلى ملاقاة البول مع كون الحكم واحدا أيضا فهذا في الحقيقة إجماعان بسيطان وليس لنا هنا إجماع مركب وموارد هذه الصورة في الاحكام الشرعية فوق حد الاحصاء الثانية أن يحكم بعض الامة في المسئلتين بحكم وبعض آخر بحكم آخر مثل أن بعضهم يقول بنجاسة الماء القليل الذي في الاناء بولوغ الكلب وكذلك بنجاسة القليل الذي دخل فيه الدجاجة التي وطأت العذره وكذلك غيرهما من أفراد الماء القليل وأقسام النجاسة والاخر يقول بعدم تنجسه بشئ منها في شئ من أفرادها وهذا أيضا ممن إجتمع فيه الاجماع المركب مع الاتفاق على عدم الفصل فهناك إجماع بسيط ومركب وذلك أيضا في الاحكام الشرعية في غاية الكثرة الثالثة أن لا يعلم حكم منهم فيهما بخصوصه وإن إتفقوا على الحكم بعدم الفرق بينهما وذلك في الاحكام الاجتهادية التي لم يتعين فيها حكم بحيث ينعقد عليه إجماع بسيط أو مركب سواء كان في أول الاطلاع على المسألة وإبتداء البحث في خصوص حكمها أو بعد الاطلاع والفحص وقبل إستقرار الامر على حكم أو حكمين مثل انا إذا لم نعلم حكم تذكية المسوخ فإذا ثبت جواز تذكية الذئب من جملتها من (أجل) ؟ ما دل على جواز تذكية السباع فنحكم بجواز التذكية في الباقي ان ثبت الاتفاق على عدم القول بالفصل وهكذا في الحشرات بعد إثبات حكم المسوخ بما ذكرنا نقول بجواز التذكية في الفارة لكونها منها وقد أثبتنا جوازها فيها وهكذا وأمثال ذلك أيضا كثيرة وإن لم ينصوا على عدم الفصل ولم يعلم إتفاقهم على ذلك ولكن لم يكن فيهم من فرق بينهما أيضا فإن علم إتحاد طريق الحكم فيهما فهو في معنى إتفاقهم على عدم الفرق مثاله من ورث العمة ورث الخالة ومن منع إحديهما منع الاخرى لاتحادهما في الطريقة وهي قوله تعالى وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض ومثله زوج وأبوان وإمرئة وأبوان فمن قال للام ثلث أصل التركة كابن عباس قال به في الموضعين و من قال لها ثلث الباقي بعد فرضهما قال في الموضعين إلا إبن سيرين فقال في الزوج بمثل قول إبن عباس دون الزوجة وعكس آخر وإن لم يعلم إتحاد الطريقة فقال العلامة رحمه الله الحق جواز الفرق لمن بعدهم عملا بالاصل السالم عن معارضة مخالفة حكم مجمع عليه أو مثله ولان منع المخالفة يستلزم أن من قلد مجتهدا في حكم أن يوافقه في كل حكم ذهب إليه وهو ظاهر البطلان و


[ 380 ]

قال في المعالم والذي يأتي على مذهبنا عدم الجواز لان الامام عليه السلام مع إحدى الطائفتين قطعا أقول وهذا لايتم إلا مع العلم بعدم خروج قول الامام عليه السلام عن القولين والمفروض عدم ثبوت الاجماع ويمكن التكلف في إرجاع كلامه إلى صورة الاجماع ولكنه بعيد فلنرجع إلى ما كنا فيه ونقول لا يجوز خرق الاجماع المركب يعني ما علم أن قول الامام عليه السلام ليس بخارج عن أحد الاقوال فإن الخروج عن الكل وإختيار غيره يوجب ترك قول الامام عليه السلام يقينا فهذا هو الوجه فيما اخترناه من المنع مطلقا وأما العامة فأكثرهم قد وافقنا على ذلك وذهب الاقلون منهم إلى الجواز وفصل إبن الحاجب ومن تبعه بأن الثالث إن كان يرفع شيئا متفقا عليه كمسألة رد البكر مجانا فلا يجوز وإلا فيجوز كمسألة فسخ النكاح ببعض العيوب لانه وافق في كل مسألة مذهبا فلم يخالف إجماعا ويوضحه مثل قتل الذمي وبيع الغائب المتقدم فهما مسئلتان خالف في إحديهما بعضا وفي الاخرى بعضا وإنما الممنوع مخالفة الكل فيما إتفقوا عليه واستدل المانعون منهم مطلقا بأنهم إتفقوا على عدم التفصيل في مسألة العيوب ومسئلتي الام فالمفصل خالف الاجماع ورد بمنع إتفاقهم على عدم التفصيل فإن عدم القول بالفصل ليس قولا بعدم الفصل وإنما الممتنع مخالفة ما قالوا بنفيه لا ما لم يقولوا بثبوته ويوضحه مسألة قتل الذمي وبيع الغائب واعترض بان من قال بالايجاب الكلي في مثل مسألة العيوب فيستلزم قوله بطلان السلب الجزئي الذي هو نقيضه قطعا بل بطلان التفرقة ومن قال بالسلب الكلي يستلزم قوله بطلان الايجاب الجزئي الذي هو نقيضه قطعا بل بطلان التفرقة والقول بالتفصيل مركب من الجزئيتين فالمركب منهما باطل على القولين بإعتبار أحد جزئيه قطعا ولا يخفى ما فيه فإن دلالة القول بالقضية الكلية وإن سلمت من باب الالتزام البين بالمعنى الاعم كما في دلالة الامر بالشئ على النهي عن الترك كما مر لكن بطلان أحد جزئي المركب إنما يستلزم بطلان المركب من حيث أنه مركب لا من حيث سائر الاجزاء أيضا مع أنه لا تركيب هنا حقيقيا بل الجزئيتان كل منهما مسألة برأسها إتفق للقائل القول بهما مطلقا لا بشرط إجتماع كل منهما مع الاخر ولا بشرط التركيب فلا دلالة في أحد من القولين إلا على بطلان أحد من الجزئيتين فلم يثبت إجتماع الفريقين على بطلان كل واحد منهما وأما ما قيل من أن إتحاد الحكم في كل الافراد لازم لقول لكل الامة وإن لم يقولوا به صريحا والتفصيل ينافيه ففيه أن اللازم لقولهم إنما هو نفس إتحاد الحكم في كل الافراد بلزوم تبعي لا القول بإتحاد الحكم في كل الافراد وما يفيد في تحقق الاجماع هو الثاني لا الاول سملنا لزوم الثاني أيضا لكن لا يلزم من القول بإتحاد الكلي في الحكم القول ببطلان القول بالحكم الموافق في البعض إذ ليس في القول


[ 383 ]

بإتحاد الكل في الحكم لزوم إنضمام وكل منهما بالاخر لان الحكم إنما يتعلق بكل واحد من الافراد لا بالافراد بشرط تركيبها وإجتماعها سلمنا جميع ذلك لكن المسلم من العقاب على مخالفة الاجماع (والقدر الثابت الحجية من الاجماع) هو ما علم إتفاقهم على شئ بدلالاتهم المقصودة لا التبعيات وأدلتهم التي أقيمت على ذلك إنما تنصرف إلى ذلك و استدل المانعون أيضا بأن فيه تخظئة كل فريق في مسألة وفيه تخطئة كل الامة والادلة السمعية تنفيها ورد بأن المنفي تخطئة كل الامة فما اتفقوا عليه وأما فيما لم يتفقوا عليه بان يخطى كل بعض في مسألة غير ما خطأ فيه الآخر فلا ينفي أقول وقد مر منا ما يخدش في هذا الكلام وما يصلحه في خصوص الاستدلال بقوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع أمتي على الخطأ يجعل اللام للجنس أو للعهد ولكن الاظهر على مذهبهم في هذا المقام هو قول المانع كما بينا احتج المجوزون بأن إختلافهم دليل على أن المسألة إجتهادية يعمل فيها بما إقتضاه الاجتهاد وأدى إليه فيجوز إحداث الثالث وأجيب بأن الاختلاف إنما يدل على جواز الاجتهاد إذ لم يكن هناك إجماع مانع فإذا إختلفوا على قولين ولم يستقر خلافهم كانت المسألة إجتهادية وهنا استقر خلافهم على قولين فلا يجوز الثالث واحتجوا أيضا بمسألة الام ومخالفة إبن سيرين وتابعي آخر وعدم إنكارهم عليهما وأجيب بأنه كان قسما من الجائز مما لم يكن فيه مخالفة الاجماع كالفسخ بالعيوب و يشكل هذا الجواب بأن الظاهر أنه مما اتحد فيه طريق المسئلتين إلا أن يمنع عن ذلك وأما عندنا فلا إشكال لعدم الثبوت ثم ان الكلام في تحقق الاجماع المركب وحجيته وأقسامه من القطعي والظني وغير ذلك نظير ما مر في الاجماع البسيط فلا حاجة إلى الاعادة قانون إذا إختلف الامة على قولين ولم يدل على أحدهما دليل قطعي أو ظني يرجحه على الاخر فمقتضى طريقة العامة الرجوع إلى مقتضى الاصل إن لم يكن موجبا لخرق المتفق عليه وإلا فالتخيير وأما على مذهب الامامية ففيه قولان نقلهما الشيخ رحمه الله في العدة احدهما إسقاط القولين والتمسك بمقتضى العقل من حظر أو إباحة على إختلاف مذاهبهم وثانيهما التخيير وأنه يجري مجرى خبرين تعارضا ولم يكن مرجح لاحدهما ورد الشيخ القول الاول بأنه يوجب طرح قول الامام عليه السلام واختار الثاني واعترضه المحقق رحمه الله بأن في التخيير أيضا ابطالا لقول الامام عليه السلام لان كلا من الطائفتين يوجب العمل بقوله ويمنع من العمل بالقول الاخرى فلو خيرنا لاستبحنا ما حظره المعصوم عليه السلام ولا يخفى ضعف هذا الاعتراض فإن التخيير طريق في العمل للجاهل بالحكم لا قول في المسألة يوجب طرح كل واحد من القولين كالتخيير في العمل بالخبرين المتعارضين وحكم كل واحد منهما ببطلان القول الاخر وعدم صحته في نفس الامر لا


[ 384 ]

ينافي تجويزه العمل به للجاهل كما أنه لا يجوز للمجتهد منع مقلد مجتهد آخر عن تقليده وإن علم خطأه في المسألة بل له أن يجوز تقليده إذا كان أهلا للاجتهاد ويرخصه فيه فإن الترخيص في التقليد غير إمضاء نفس الحكم وإظهار الرضا به بالخصوص ثم ان فرض إتفاق الفريقين بعد الاختلاف على أحد القولين فقال الشيخ بجواز ذلك على القول بالرجوع بمقتضى العقل وإسقاط القولين لانعقاد الاجماع حينئذ على ما أجمعوا عليه وأما على مختاره من التخيير فمنعه لانه يوجب بطلان القول الاخر والمفروض كان التخيير بينهما وهو ينافي البطلان وهو ضعيف لان التخيير إنما كان في العمل لجهالة قول الامام عليه السلام بخصوصه وبعد إنعقاد الاجماع يتعين قول الامام عليه السلام ويظهر بطلان القول الاخر ولا منافاة بين عدم ظهور البطلان وجواز العمل به في وقت وظهور البطلان وعدم جواز العمل به في وقت آخر ولا يجوز تعاكس الفريقين عند أصحابنا للزوم رجوع المعصوم عليه السلام عن قوله أللهم إلا إذا كان القولان منه وكان أحدهما من باب التقية وهو خلاف الاصل لا يصار إليه إلا مع الثبوت وربما يستدل على عدم جواز التعاكس بقوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع أمتي على الخطاء بناء على كون اللام للجنس للزوم الاجتماع على جنس الخطأ حينئذ فإن من عدل عن الخطاء فيلزمه الخطأ أولا ويلزم الفرقة الاخرى بعدولها عن الصواب إلى ذلك الخطأ فصدر عن كل منهما جنس الخطأ وإن كان في وقتين وربما يستدل بذلك على هذا على لزوم عدم خلو الزمان عن المعصوم عليه السلام لان إتيان كل واحد من الامة خطأ و إن كان خطأ كل واحد منهم غير خطأ الآخر يوجب إجتماعهم على جنس الخطأ فلا بد من معصوم حتى يصدق عدم الاجتماع على الخطأ ويؤيده قوله عليه السلام لا يزال طائفة من أمتي على الحق بناء على كون إسم كلمة لا يزال كلمة طائفة لا ضمير الشأن قانون الاقرب حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد لانه خبر وخبر الواحد حجة أما الاول فلان قول العدل أجمع العلماء على كذا يدل بالالتزام على نقل قول المعصوم عليه السلام أو فعله أو تقريره الكاشفات عن إعتقاده على طريقة المشهور أو على رأيه وإعتقاده على الطريقة التي إخترنا فكأنه أخبر عن إعتقاد المعصوم عليه السلام اخبارا ناشئا عن علم فهو بناء وخبر وأما الثاني فلما يجئ في مبحث الاخبار والفرق بين الطريقين أن الاول يفيد كونه حديثا مصطلحا والثاني أنه خبر لغة و عرفا ومما ذكرنا ظهر وجه الاستدلال بإية النبأ وأما آية النفر فهي أيضا دالة عليه كالخبر لان تحصيل المعرفة به تفقه والاخبار به إنذار وأما الاجماع الذي نقلوه في حجية خبر الواحد فلما كان بالنسبة إلينا منقولا فالتمسك به دوري ومن ظهر له القطع بذلك الاجماع بحيث يشمل هذا النبأ الذي هو مدلول إلتزامي للاجماع المنقول الذي نحن نتكلم فيه فهو وإلا فلا وجه للاستدلال به وأما إنسداد باب


[ 387 ]

العلم وإنحصار الطريق في الظن فدلالته عليه واضحة لان مقتضاه حجية الظن من حيث أنه ظن لا ظن خاص واستدلوا أيضا على حجيته بالاولوية بالنسبة إلى خبر الواحد فإن الظني المنقول بخبر الواحد إذا كان حجة فالقطعي المنقول به أولى وسيجئ الكلام في توضيح هذا الاستدلال وبقوله عليه السلام نحن نحكم بالظاهر و أجيب عن الاول بأن الاطلاع على الاجماع أمر بعيد فالظن بوقوعه أضعف من الظن بوقوع الخبر و ربما يمنع من جهة ذلك التساوي أيضا وعن الاول والثاني بأنهما لا يفيدان إلا الظن وهو غير معتبر في الاصول أقول وإحتمال الخطأ في مدعي الاجماع معارض بكثرة الحوادث اللاحقة بالاخبار من حيث المتن والسند والدلالة والتعارض والاختلاف والاضطراب والسهو والغفلة والنقل بالمعنى مع الاشتباه في فهم المقصود والاجماع المنقول خال عن أكثر ما ذكر فيبقى مزية العلم مرجحا ودعوى لزوم القطع في الاصول خالية عن شاهد ودليل وقد مر الاشارة إليه وسيجئ والحق أن المقامات تختلف في الترجيح فرب خبر يقدم على إجماع منقول بل وإجماعين منقولين ورب إجماع منقول يقدم على خبر صحيح بل وأخبار صحيحة فلا بد من ملاحظة الخصوصيات والمرجحات الخارجية واحتج المنكر للحجية بان مقتضى الآيات والاخبار حرمة العمل بالظن في الفتوى والعمل خرج خبر الواحد بالاجماع والآيتين وبقي الاجماع المنقول تحت الاصل يعني انا لا نعلم أن الاجماع إنعقد على حجية هذا الخبر الذي هو المدلول الالتزامي لنقل الاجماع أو لا نعلم الاجماع عليه لانه ليس بحديث أقول أما الاتيان فقد ذكرنا أنهما تشملانه أيضا وأما الاجماع على ما إدعاه الشيخ وغيره كما سيجئ فهو لا يدل على حجية الخبر مطلقا ايضا بل غاية ما ثبت هو أخبار الآحاد مع وصف تداولها بين اصحاب الائمة عليهم السلام ولا ريب أن حال زمانهم زماننا متفاوت غاية التفاوت بسبب قلة الوسايط و إمكان حصول القرائن على صدوره من الامام عليه السلام وقلة الاختلال من جهة النقل والتقطيع وسائر التصرفات وكذلك بسبب تغائر الاصطلاحات وتفاوت القرائن في فهم اللفظ وبسبب علاج التعارض المتفاوت حاله بالنسبة إلى الزمانين فالاعتماد على الاجماع المدعى الذي لم يعلم دعواه ولا وقوعه إلا على العمل بأخبار الآحاد في زمان الائمة عليهم السلام لا يثبت الاجماع على جواز العمل به في زماننا أيضا فما تقول في غالب أخبار الآحاد في زماننا نقوله في الاجماع المنقول فإن أردت إثبات جواز العمل على الظنون التي يحتاج إليها في العمل بأخبار الآحاد في زماننا من جهة المتن والسند والدلالة وغيرها من الوجوه كلها بالدليل من إجماع أو غيره فلا ريب أنه تمحل فاسد بل العمل بظواهر الآيات أيضا كذلك إذ لا ريب أن القدر الثابت من كون الاية


[ 388 ]

(حجة) ؟ هو متفاهم المشافهين وتحصيل متفاهمهم يحتاج إلى إستعمال ظنون شتى لا يمكن دعوى الاجماع على حجيته كل واحد واحد منها وبالجملة من تتبع الفقه وبلغ إلى حقيقته يعلم أن دعوى أنه لا يجوز العمل فيه إلا بظن ثبت حجيته من إجماع أو دليل آخر قاطع مجازفة فإذا لم يبق فرق بين الظنون فلا ريب أن الاجماع المنقول مما يفيد الظن بل ربما يفيد لنا ظنا أقوى من ظاهر الخبر بل الاية أيضا فالآيات والاخبار الدالة على عدم جواز العمل بالظن مخصوصة بصورة إمكان تحصيل العلم أو بأصول الدين فقط كما هو مورد أكثر الآيات نعم مثل القياس الذي أجمع الشيعة على بطلانه وصار حرمته من باب ضروريات المذهب فهو إنما خرج بالدليل فاقتضى الدليل جواز العمل بالظن إلا ما أخرجه الدليل ولذلك ذهبنا سابقا إلى تقوية حجية الشهرة والاجماعات الظنية ومن ذلك قاعدة الغلبة وإلحاق الظن بالاعم الاغلب وإن كان ذلك مما يستفاد بالاخبار أيضا كما أشرنا في أوائل الكتاب ثم ان الاشكال في الاجماعات المنقولة بسبب وجود المخالف وتعارضها حتى من مدعيها كما مر الاشارة إليه قد ظهر لك الجواب عنه ونقول هنا أيضا أن وجود المخالف غير مضر في تحقق الاجماع كما عرفت ووقوع الخطأ من المدعي أيضا في إستنباطه أيضا لا ننكره وكم من هذا القبيل في أخبار الآحاد مع أنا نقول بحجيتها فكذلك التعارض والاختلاف فكما يمكمن حصول الاختلاف في الاخبار من جهة الغفلة والنسيان وسوء الفهم والنقل بالمعنى وغير ذلك وهو لا يقدح في حجيتة ماهية خبر الواحد فكذلك ما نحن فيه فإن مبنى الاطلاع على الاجماع غالبا على الحدس وهو مما يجري فيه الخطأ و الخطأ في القطعيات في غاية الكثرة ألا ترى أن بعض أرباب المعقول يدعي أن الجسم بعد الانفصال هو هو بالبديهة والآخر يدعي أنه غيره بالبديهة فتعارض الاجماعات ومخالفتها مبتن على ذلك ألا ترى أن السيد رحمه الله إدعى الاجماع على عدم حجية خبر الواحد وإدعى الشيخ رحمه الله الاجماع على خلافه و وجهه أن السيد رحمه الله كان ناظرا إلى طريقة المتكلمين والناظرين إلى أصول العقائد وانضم إلى ذلك في (نظره) ؟ قرائن أخرى وغفل عن طريقة أهل الحديث وحكم بكون عدم الجواز العمل به مطلقا إجماعيا و الشيخ رحمه الله إلى طريقة الفقهاء وأهل الحديث وغفل عن طريقة المتكلمين وحكم بكون جواز العمل به إجماعيا وكما أن سبب حصول الاختلاف من جانب الشارع ممكن في الاخبار كما صرحوا عليهم السلام به فكذلك فيما نحن فيه فربما إنعقد إجماع على مستند صدر قطعا من الامام عليه الصلاة والسلام وانعقد إجماع آخر على مستند آخر بعينه صدر عنه عليه السلام قطعا هذا ليس بمستبعد ولا مستنكر ووجه صدور المتخالفة من الاحكام عنهم عليهم السلام ظاهر من جهة التقية وغيرها فلا مانع من رجوع المدعي


[ 389 ]

عن دعواه أيضا من جهة هذه الامور نعم هيهنا كلام آخر وهو انا بينا أن الطريقة التي إختارها الشيخ رحمه الله وغيره من الاصحاب الذين يعتمدون في إثبات موافقة قول الامام عليه السلام للمجمعين بأنه لو كان إجتماعهم على الباطل لوجب على الامام عليه السلام ردعهم عن الضلالة بنفسه أو بغيره ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها فكيف يجوز الاعتماد على إجماعاتهم المنقولة مع أنكم لا تفرقون بينها فإذا كان الاجماع المنقول من مثلهم أو محتملا لكون مدعيه قائلا بكونه إجماعا من هذه الجهة فكيف يمكن الاعتماد عليه وهو نظير الاشكال الذي ذكره المنكرون لعلم الرجال النافون للاحتياج إليه بأن كيف يعرف عدالة الراوي مع وجود الاختلاف في معنى العدالة وعدم المعرفة بحال المذكي وإعتقاده في العدالة وسنجيب عنه في محله إنشاء الله تعالى وأقول في دفع الاشكال هنا أن هذا الاشكال لا يرد على ما إدعاه عبر الشيخ ممن لم يقل بهذه المقالة وهم الاكثرون بل لم نقف على مصرح بهذه الطريقة من بعد الشيخ وقد رد هذه الطريقة وزيفها سيدنا المرتضى رحمه الله وأما الشيخ رحمه الله ومن يوافقه في هذه المقالة فهم لا يقولون بإنحصار العلم بثبوت الاجماع في هذه الطريقة المدخولة بل يصرحون بأن الاتفاق كاشف عن قول الامام عليه السلام وبأن العلم يحصل من جهة الاتفاق كغيرهم من الاصحاب والاجماع الواقعي عنده أيضا هو ما ذكره القوم فلاحظ كتاب العدة مصرحا فيها بذلك في مواضع نعم ذكر ذلك أيضا في طريق معرفة قول الامام عليه السلام حيث لم يوجد للامامية مخالف في الحكم ولم يعلم إتفاقهم ولم يعرف بموافقة إمامهم لهم أيضا فقال من عدم ظهور المخالفة يعلم أنه عليه السلام راض بما إتفقوا عليه وإلا لوجب عليه الظهور بنفسه أو بغيره وردعهم عن ذلك و كذلك لو كان بينهم قولان لم يظهر لهم مخالف ولم يعلم موافقته عليه السلام لهم فقال ان هذا يدل على أن الامام عليه السلام خيرهم بين القولين وإلا لظهر وأقامهم على الحق فمتى ذكر الشيخ أن الاصحاب أجمعوا على كذا و هو أغلب ما يذكرونه في هذا المقام فهو دال على الاجماع المصطلح عند جمهورهم ولا غبار عليه فإن إتفاق الكل وإجتماعهم كاشف عن رأي رئيسهم بلا إشكال مع أن الشيخ إذا إختلف إصطلاحه في الاجماع فالظاهر من حاله أنه إذا أراد حكاية الاجماع على غير الطريقة المستمرة بين العلماء أن يبين ذلك فإن نقلهم الاجماع في كتبهم لاجل أن يعتمد عليه من بعدهم فإخفاء ذلك مع تعدد إصطلاحه تدليس منه فالظاهر منه حيث يطلق الاجماع إرادة المعنى المعهود كما ذكروا نظير ذلك في الجواب عن الشبهة في التعديل فإن ظاهر حال المذكي أنه يذكر في كتابه ليكون معتمدا لكل من سيجئ بعده فإنه إذا قال فلان عدل لا بد أن يريد منه العدالة التي تكون كافية عند الكل مع أن الغالب الشايع في الاجماعات هو ما كان على طبق مصطلح المشهور فالمطلق في كلامهم ينصرف إلى الافراد الغالبة مع أن حصول مقام لم يعرف في


[ 390 ]

الامامية مخالف في الحكم ولم يبق إحتمال ظاهر لوجود المخالف قلما ينفك عن حصول العلم بموافقة الامام عليه السلام من جهة إتفاقهم ولا يحتاج إلى إثبات الموافقة من جهة الدليل الذي ذكره الشيخ رحمه الله ومع هذا كله فلا يخفى أن ما ذكره الشيخ أيضا لو لم يصر إجماعا فلا ريب أنه يفيد ظنا قويا قد يمكن الاعتماد عليه فليجعل الاجماعات المنقولة على قسمين وذلك لا يوجب نفي حجية إلاجماع المنقول رأسا وهيهنا إشكال آخر أيضا وهو أن بعضهم يعتمد على الاجماع الظني بمعنى أنه يدعي الاجماع بمظنة حصوله وآخرون لا يعتمدون إلا على القطعي فكيف يجوز الاعتماد على مطلق الاجماعات المنقولة مع عدم العلم بأنها من قبيل الاول أو الثاني وفيه أيضا انا لو سلمنا أنهم يعتبرون ذلك فلا يخفى أنهم يتكلمون على ما هو مصطلحهم ومصطلحهم في كتبهم الاصولية والفقهية هو القسم الثاني فيحمل إطلاقها عليه وكل ما كان من قبيل الاول فيصرحون بما يدل على ظنيته مثل أنهم يقولون الظاهر أنه إجماعي أو لعله إجماعي وأمثال ذلك وأما قولهم أجمع العلماء على كذا أو إتفقوا أو أنه كذلك عند علمائنا ونحو ذلك فلا ريب أنها صريحة في دعوى العلم والتكلم بمثل هذه الالفاظ وإرادة الظن بالاجماع تدليس ينافي عدالتهم حاشاهم عن ذلك مع أنه لا يبعد القول بحجية الاجماع المظنون كالاجماع المنقول نظير الشهرة بالنسبة إلى الاجماع على ما وجهه الشهيد رحمه الله كما مر ولكن لابد من البيان لتفاوت المذاهب في الاحتجاج وتفاوت المذكورات في القوة والضعف ثم ان الاجماع المنقول مثل الخبر المنقول يجري فيه أقسامه وأحكامه من الرد والقبول والتعادل والترجيح فينقسم بالمنقول بخبر الواحد والمتواتر والصحيح والضعيف والمسند والمرسل وغيرها وكذلك إعتبار المرجحات (الخارجة) من علو الاسناد وكثرة الواسطة الافقهية والاعدلية وغير ذلك من المرجحات والصحة والضعف يحصل بسبب عدالة الناقل وعدمها والاسناد والارسال يحصل بإتصال السند إلى الناقل وعدمه وحذف بعض السلسلة وعدمه مثل أن الشيخ رحمه الله سمع عن شيخه المفيد رحمه الله أن المسألة إجماعية فقال هو أجمع الاصحاب من دون رواية عن شيخه فهذا موقوف أو روى إبن إدريس رحمه الله عن المفيد رحمه الله بواسطة الشيخ رحمه الله بحذف الواسطة وأما كونه بخبر الواحد أو متواترا فقد أورد المحقق البهائي رحمه الله سؤالا فيه على القوم بأنهم مطبقون على إشتراط الحس في التواتر وأنه لا يثبت بالتواتر إلا ما كان محسوسا والاجماع هو تطابق آراء رؤساء الدين على حكم والذي ينقل بالتواتر هو قولهم وقولهم بشئ لا يستلزم إدعائهم به في نفس الامر وإن قال كل منهم أما مذعن بذلك لاحتمال التقية أو الكذب من بعضهم نعم يفيد الظن بذلك لاصالة عدمهما وسيما الثاني لمصادمته للعدالة فظهر


[ 391 ]

فظهر بذلك ان تقسيم الاصوليين الاجماع إلى قطعي ثابت بالتواتر وظني ثابت بغيره بعيد عن السداد وكذا قول بعض المتكلمين أن للقطع بحدوث العالم حاصل من الاجماع المتواتر على حدوثه أقول وفرض تواتر الاجماع وإن كان قلما ينفك عن الضروري وفرضه بدونه نادر سيما مع كثرة الوسائط ولكن يمكن أن يقال في جواب الاشكال أما أولا فبمنع إنحصار التواتر في المحسوسات بل يمكن به إثبات غيره أيضا فيمكن حصول العلم ب‍ مسألة علمية بإجماع كثير من العقلاء الازكياء سيما مع عدم قيام دليل على بطلان قولهم كما إستدل بعضهم على إثبات الصانع ووحدته بإتفاق الانبياء والاوصياء عليهم السلام والعلماء قاطبة على ذلك فإن العقل يستحيل إجتماع أمثلا ذلك على الخطأ فكذلك فيما نحن فيه إذا نقل جماعة كثيرة يؤمن تواطئهم على الخطأ أقوال المجمعين مع دعواهم بمعرفتهم من حالهم إذعانهم بما قالوا وأنهم صادقون في ذلك فيمكن حصول العلم بصدقهم في نقل القول إصابتهم في إدراك مطابقة قولهم لرأيهم سيما مع ملاحظة تطابقهم في ذلك وإعتراف كل منهم بأني مذعن بما قلت فثبت مما ذكرنا أنه يمكن حصول القطع بالاجماع بنقل هذه الجماعة الكثيرة والحاصل أن ذلك نظير ما يعلم به إتفاق كل العلماء إجمالا في أصل إنعقاد الاجماع فإنه كما يمكن حصول العلم بإتفاق الكل بسبب العلم برأي أكثرهم وعامتهم وإن كان ذلك بسبب إنضمام القرائن فيمكن حصول العلم بتحقق الاجماع بدعوى جماعة كثيرة تحقق الاجماع وإن كان بسبب إنضمام بعض القرائن فمراد القوم بالاجماع الثابت بالتواتر هو ذلك مع أنه يكفي ثبوت أقوالهم (فنفهم) ؟ نحن تحقق الاجماع بسبب إجتماع أقوالهم فالتواتر إنما هو في ملزوم الاجماع لا في نفسه كما سنذكره في المتواتر بالمعنى وقال بعض الافاضل في مقام الجواب أنه يمكن تحقق التواتر على طريقة العامة الذين يقولون بحجية الاجماع من حيث أنه إجماع وإتفاق بأن يقال أن الرؤساء إذا إتفقوا على قول مثل أن الماء الكثير لا ينجس بالملاقاة لا بد من أن يكون كذلك في الواقع وليس علينا أن نبحث عن مطابقته لارائهم لان قوله صلى الله عليه وآله لا تجتمع أمتي على الخطأ كما يدل على عدم إجتماعهم على الرأي الخطأ يدل على عدم إجتماعهم على القول الخطأ أيضا فلو إجتمعت على هذا القول الكاذب لزم كذبه صلى الله عليه وآله وهو محال فهذا القول المتفق عليه إن ثبت بالتواتر فقطعي وإلا فظني لظنية طريقه لا لظنية نفسه فهو كالمتن القطعي الثابت بالسند الظني قال الحاجبي في مقام الاستدلال دلالة الاجماع قطعية ودلالة الخبر ظنية وإذا وجب العمل مع نقل الخبر الظني فوجوبه مع نقل القطعي أولى وليس غرضه أن الاجماع المنقول بخبر الواحد يقيد القطع حتى يمنع هذا وهذا مثل أن يقول احد ان العمل بالظاهر المحكي عن المعصوم عليه السلام


[ 392 ]

مثلا إذا كان واجبا فالنص المحكي أولى إنتهى أقول ولا يخفى ما فيه فإنه لا معنى محصل للاجماع على القول الخطأ والاتفاق على القول الصواب إذا أريد منه محض اللفظ إلا إتفاقهم في كيفية قرائة اللفظ وإعرابه وإلا فالظاهر من الاجتماع على القول هو الاجتماع على مؤداه ومفهومه ومع ذلك فأي فائدة له في المسائل الفقهية إلا أن يقال فائدته هو صيرورة المتن قطعيا وإن كان الدلالة ظنية كالخبر المتواتر قوله إن ثبت بالتواتر قطعي يعني أن هذا اللفظ حينئذ للواقع ونفس الامر على ما حقق المقام لا أنه قطعي الدلالة على مراد المجمعين وحينئذ فلا معنى لقوله وإلا فظني لظنية طريقه لا لظنية نفسه فإن مراده بذلك بقرينة المقابلة لا بد أن يكون أنه بدون التواتر لا يعلم كون اللفظ موافقا للواقع و نفس الامر لكن ذلك بسبب ظنية طريقه لا بسبب ظنية نفسه لان نفسه قطعي موافق لنفس الامر وهو كما ترى وإن أراد من نفي ظنية نفسه كونه قطعي الدلالة ففيه أن المفروض قطع النظر عن الدلالة وعن مراد القائل والمفروض عدم القطع بمرادهم أيضا فهل هذا إلا تناقض فإن قلت لعل مراده نظير أن ينقل أحد آية ويذكر أنه من القرآن لمن يعلم قطعا بأن القرآن قعطي موافق لنفس الامر و محدود معين ولكن لا يعلم أن هذه الاية هل هي من القرآن أم لا فهذا نقل قطعي بالظني قلت ليس ما نحن فيه من هذا القبيل بل من قبيل ما روي في الشواذ زبادة بعض الكلمات أو الآيات فالكلام في ذلك أنا لا نعلم أن هذه الآية قرآن أم لا لا أنها من القرآن أم لا لان الاجماعيات ليست متعينة في الخارج بشخصها لا يتجاوزها حتى يشك في أن ذلك هل هو (بل الشك في ان هذا اجماعي ام لا) منها أم لا فتأمل حتى تفهم الفرق و لا يختلط عليك الامر قوله فهو كالمتن القطعي الثابت لم أفهم معنى هذا التشبيه فإن أراد من المتن القطعي القعطي الوقوع فلا معنى له مع كون السند ظنيا وإن أراد قطعي الدلالة فالمفروض عدمه قوله قال الجاجبي اه لا يخفى أن الخبر الذي يسمع الراوي من المعصوم عليه السلام بلا واسطة ليس بخبر واحد ولا ظني بل هو قطعي الصدور نعم هذا الخبر لمن يرويه عنه عليه السلام إذا لم يحتف بقرينة توجب القطع ظني ودلالته أيضا ظنية ومراد إبن الحاجب وغيره في هذا المقام جواز نقل هذا الخبر عن الراوي بطريق الآحاد فإذا جاز نقل ما هو ظني أنه من الشارع دلالة وسندا فنقل ما هو قطعي أولى بالجواز ومراده من نقل القطعي هو نقل مدعي الاجماع فإن من يدعي الاجماع فهو يحكي لغيره ما هو يقيني له انه من الشارع بخلاف من يروي عن الراوي عن الشارع فإنه يحكي ما هو ظني له انه من الشارع فإن إقتصرت على ظنية الدلالة فيجوز ذلك المقايسة بالنسبة إلى أول صدور الخبر أيضا قوله وليس غرضه اه لا يتوهم هذا المعنى أحد من كلامه قوله فالنص المحكي أولى قد عرفت


[ 393 ]

أن هذا التشبيه لا يصح على ما بني عليه المقام إن كان موافقا لغرض الحاجبي كيف وليس موافقا لغرضه كما عرفت المقصد الثاني في الكتاب قانون الحق جواز العمل بمحكمات الكتاب نصا كان أو ظاهرا خلافا للاخباريين حيث قالوا بمنع الاستدلال بكله على ما نسب إليهم بعضهم وقال أن مذهبهم ان كل القرآن متشابه بالنسبة إلينا ولا يجوز أخذ حكم منه إلا من دلالة الاخبار على بيانه وهو الاظهر من مذهبهم أو بالظواهر فقط على ما يظهر من آخر وفصل بعض الافاضل فقال إن أرادوا أنه لا يجوز العمل بالظواهر التي ادعيت إفادتها للظن المحتملة لمثل التخصيص والتقييد والنسخ وغيرها لصيرورة أكثرها متشابها بالنسبة إلينا فلا يفيد الظن وما أفاد الظن منه قد منعنا عن العمل به مع قبول أن في القرآن محكما بالنسبة إلينا أيضا فلا كلام معهم وإن أرادوا أنه لا محكم فيه أصلا فهو باطل أقول وهذا التفصيل غفلة عن محل النزاع فإن هذا التشابه على الوجه الذي ذكره لا إختصاص له بالكتاب بل هو يجري في الاخبار أيضا وقد مر بيانه في باب وجوب البحث عن المخصص في العام بل النزاع في المقام إنما هو بالنسبة إلى خصوص الكتاب وإنما نشأ هذا النزاع من جهة بعض الاخبار الذي دل على أن علم القرآن مختص بالمعصومين عليهم السلام وإنه لا يجوز تفسيره لغيهم وذلك لا يختص بوقت دون وقت وبزمان دون زمان وأما ما ذكره المفصل فهو إنما يصح في زمان عروض الاختلالات لا في أول زمان النزول فنقول الحق القول بجواز العمل فأما في الصدر الاول الذي خوطب به المشافهون فلان الضرورة قاضية بان الله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وآله وأنزل إليه الكتاب بلسان قومه مشتملا على أوامر ونواهي ودلائل لمعرفته وقصصا عمن غبر ووعدا ووعيدا واخبارا بما سيجئ و ما كان ذلك إلا لان يفهم قومه ويعتبروا به وقد فهموا وقطعوا بمراده تعالى من دون بيانه صلى الله عليه وآله وما جعل القرآن من باب اللغز والمعمى بالنسبة إليهم مع أن اللغز والمعمى أيضا مما يظهر للذكي المتأمل من أهل اللسان والاصطلاح بل أصل الدين وإثباته إنما هو مبني على ذلك إذ النبوة إنما تثبت بالمعجزة ولا ريب أن من أظهر معجزات نبينا صلى الله عليه وآله وأجلها وأتقنها هو القرآن و الحق أن إعجاز القرآن هو من وجوه أجلها وأقواها بلاغته لا مجرد مخالفة أسلوبه لسائر الكلمات ولا يخفى أن البلاغة هو موافقة الكلام الفصيح لمقتضى المقام وهو لا يعلم إلا بمعرفة المعاني والقول بأن العرب كانت تتوقف في فهم المعاني على بيان النبي صلى الله عليه وآله من دون أن يفهموه بأنفسهم ثم تعلم البلاغة شطط من الكلام مع أن الاخبار الدالة على جواز


[ 394 ]

الاستدلال به ولزوم التمسك به قريب من التواتر أو متواتر منها ما ذكره امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في خطبته المذكورة في نهج البلاغة قال فيها والصلاة على نبيه الذي أرسله بالفرقان ليكون للعالمين نذيرا وأنزل عليه القرآن ليكون إلى الحق هاديا وبرحمته بشيرا فالقرآن آمر زاجر وصامت ناطق حجة الله على خلقه أخذ عليهم مشاقه إلى آخر ما ذكره عليه السلام من هذا النمط ومنها خبر الثقلين الذي إدعوا تواتره بالخصوص فإن الامر بالتمسك بالكتاب سيما مع عطف أهل البيت عليهم السلام عليه صريح في كون كل منهما مستقلا بالافادة وعدم إفتراقهما كما في بعض رواياته لا يدل على توقف فهم جميع القرآن ببيان أهل البيت عليهم السلام فإن ذلك لاجل إفهام المتشابهات وما لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم فإما مذعنون بما قاله تعالى هو الذي أنزل إليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب الآية فإن المراد بالمتشابه هو مشتبه الدلالة والمحكم في مقابله وما قيل ان المراد من المتشابه مشتبه فيحتمل أن يكون الظاهر منه لجهالة معناه بالنسبة إلى الواقع وكذلك المراد بالمحكم لما يستفاد من بعض الاخبار أن المحكم هو ما يرادف النص أو المراد به الناسخ ففيه ما لا يخفى إذ من (المعائن) ؟ الغني عن البيان أن مجرى عادة الله تعالى في بيان الاحكام على النطق و الكلام وإن الكلام كله لا يفيد اليقين بل أكثره مبتن على الظن من العمل باصل الحقيقة في الحقايق وبالقرائن في المجازات مع إحتمال إرادة المجاز وإختفاء القرينة على السامع وإحتمال إشتباه القرينة بقرينة أخرى ولم يعهد من نبي ولا وصي ولا متكلم (النبي) ؟ من حكيم وعاقل أو سفيه وجاهل التوقف في حال التكلم مع مخاطبه في أنه هل حصل له اليقين بمرامه أم إكتفى بالظن بل لو توقف وكرر عليه القول واستفسر وبين له ثانيا أيضا فلا ينفك ذلك أيضا غالبا عن لفظ آخر محتمل لتلك الوجوه وهكذا وسيجئ زيادة توضيح لذلك فالمراد من المتشابه هو ما لم يتضح دلالته بأن يصير السامع مترددا لاجل تعدد الحقايق أو لاجل خفاء القرينة المعينة للمجاز لتعدد المجازات وهكذا والحاصل ما لم يكن له ظاهر أريد منه سواء لم يكن له ظاهر أو كان ولم يرد واشتبه دلالته في غيره فما وضح دلالته إما للقطع بالمراد أو للظهور المعهود الذي يكتفي العقلاء وأرباب اللسان به فهو المحكم ومقابله المتشابه فخذ هذا ودع عنك ما استشكله بعضهم في هذا المجال لاطلاق المحكم في كلام بعض العلماء على ما يرادف النص أو يدعى إستفادة ذلك من بعض الاخبار أيضا وإن في بعض الاخبار ما يدل على أن المحكم هو الثابت لا المنسوخ وان المنسوخ من المتشابهات فإن الظاهر أن المراد من كون المنسوخ من المتشابهات أنه مثلها في عدم جواز العمل ومن أن الناسخ محكم أنه يجب العمل به فهذه الآية محكمة


[ 397 ]

لا تشابه فيها ولا يحتاج في بيان المتشابه إلى كلام الائمة عليهم السلام ومما ذكرنا يندفع ما يورد على الاستدلال برواية الثقلين أيضا من أن الامر بالتمسك بكتاب الله لا يدل على أنه يمكنه الفهم بنفسه بل الذي لا بد منه هو الاستعداد للفهم بعد الافهام فإن لفظ ما إن تمسكتم به لن تضلوا لفظ النبي صلى الله عليه وآله لا لفظ الكتاب حتى يكون معركة للنزاع ولا ريب أن المتبادر منه التمسك بلا واسطة والاحتياج إلى الترجمة للعجمي مثلا ليس من باب الاحتياج إلى بيان الامام عليه السلام فإنه يشمل العربي القح أيضا فنحن لا نلتزم وجوب أن يمكنه الفهم بنفسه بل يجوز إحتياجه إلى المترجم لو كان عجميا مثلا لا البيان ولو كان عربيا أيضا وهذا لا ينافي في دلالة الحديث على عدم الاحتياج إلى بيان الامام عليه السلام بالمعنى الذي يحتاج إليه العربي أيضا ومنها الاخبار الكثيرة التي إدعوا تواترها في عرض الحديث المشكوك فيه على كتاب الله والمراد بكتاب الله هو ما يفهمه أهل اللسان منه وما يتوهم منه أن العرض على بيان الائمة عليهم السلام للكتاب أيضا تمسك بالكتاب وعرض على الكتاب غلط لان الاعتماد حينئذ على البيان لا على الكتاب كما لا يخفى ومنها الاخبار الكثيرة التي إستدل فيها الائمة عليهم السلام بالكتاب لاصحابه مرشدين إياهم لذلك وإستدلال بعض الاصحاب به على بعضهم وهي كثيرة جدا متفرقة في مواضع شتى لا نطيل بذكرها والحاصل أن هذا المقصد من الواضحات التي لا تحتاج إلى البيان وأما أدلة الاخباريين فهي الاخبار التي دل بعضها على حصر علم القرآن في النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام مثل ما رواه الكليني عن الصادق عليه الصلاة والسلام قال إنما يعلم القرآن من خوطب به ويدفعه أن جميع الحاضرين مجلس الوحي أو الموجودين في زمانه كانوا ممن خوطب به فلا يختص به صلى الله عليه وآله وما رواه أيضا في الروضة عنه عليه السلام واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شي وجعل للقرإن ولعلم القرآن أهلا إلى أن قال عليه السلام وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الامة بسؤالهم الحديث وفيه أنه ظاهر بل صريح في أن المراد علم جميعه وهو مسلم وفي معناهما أخبار أخر والجواب عن الكل واحد ولو فرض ورود حديث صريح صحيح بل أخبار صحاح أيضا في أن العلم منحصر فيهم رأسا وقطعا ولا يفهمه أحد سواهم ولا يجوز العمل إلا ببيانهم عليهم السلام لنأوله أو نذره في سنبله كيف ولا خبر يدل على ذلك صريحا ولا ظاهرا ومنها الاخبار التي دلت على عدم جواز التفسير بالرأي وأفتى بمضمونه المحقق الطبرسي رحمه الله حيث قال في مجمع البيان وعلم أن الخبر قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله والائمة القائمين مقامه عليهم السلام أن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالاثر الصحيح والنص الصريح قال وروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من فسر القرآن برأيه


[ 398 ]

فأصاب الحق فقد أخطأ وفيه أن الظاهر أن المراد بالتفسير كما ذكره المحقق الطبرسي رحمه الله أيضا كشف المراد عن اللفظ المشكل وقيل التفسير كشف الغطاء ولاريب أنه لا يجوز الحكم بالمراد من الالفاظ المشتركة والمجملة في القرآن بالرأي ومجرد الاستحسان العقلي من دون نص صريح من الائمة عليهم السلام أو دليل معتبر فلا منافاة بين المنع من التفسير بالرأي وجواز العمل بالظواهر ويمكن أن يراد أن من ترك متابعة مقتضى وضع اللغة والتعارف في بيان المعنى وابدع معنى للفظ بمجرد الاشتباه فهو ممنوع مع أنا نرى أن المحقق الطبرسي رحمه الله كثيرا ما يفسر الالفاظ ويبين المعاني من دون نص وأثر وأما ما ذكره المفصل من أنه يجوز العمل في القطعيات منه دون الظواهر المحتملة للنسخ و التخصيص وغيره ففيه ما مر من أن محل النزاع إن كان ظاهر الكتاب من حيث أنه هو ظاهر الكتاب فلا يضره هذه المحتملات قبل طروها مثل أوائل نزول الكتاب فإذا نزل آية كان يجوز العمل بها حتى يثبت لها ناسخ أو مخصص أو مقيد وأما بعد سنوح هذه العوارض فيعمل على مقتضاها إذا علم بها على وجهها وإلا فالحال فيه هو الحال في جميع ما يرد علينا في أمثال زماننا من متعارضات الادلة والمجتهدون أيضا يقولون بانه لا يجوز العمل بها حينئذ إلا بعد ملاحظة المعارض ينادي بذلك إتفاقهم على لزوم الفحص عن المخصص في العام ووجوب تحصيل القطع بالعدم أو الظن وما يدعى أن الحاصل من تتبع الاخبار أن اصحاب الائمة عليهم السلام كانوا يعملون بالاخبار العامة بمحض الورود من دون فحص عن المخصص وأنهم ما كانوا يعملون بالآيات كذلك وإجماعهم المستفاد من طريقتهم هو الداعي لاخراج الاخبار عن هذا الحكم بخلاف الكتاب فهو من أغرب الدعاوي فنحن نقول في الكتاب نظير ما قلناه في الاخبار انه يجب الفحص عن الناسخ والمنسوخ والعام والخاص ثم يعمل على ما يبقى ظاهرا بعد ذلك وهذا لا ينافي جواز العمل بالظواهر على ما هو محل النزاع وأما الاستدلال بما دل على حرمة العمل بالظن في مثل هذه الظواهر فإن كان بالآيات ففيه وإن كان لا يتم إلا إلزاما وإلا عند هذا المفصل إن إدعى أن هذا من المحكمات القطعية الدلالة لا من الظواهر إن دلالتها ممنوعة لظهورها في أصول الدين ثم قطعيتها لانها عمومات وإطلاقات مخصصة بالظواهر لما بينا من الادلة على حجية الظن الحاصل عن التخاطب ثم الظن الحاصل بعد إنقطاع سبيل العلم إلى الاحكام في أمثال زماننا كما سنبينه ومن جميع ذلك ظهر أن حجية ظواهر القرآن على وجوه فبالنسبة إلى بعض الاحوال معلوم الحجية مثل حال المخاطبين بها وبالنسبة إلى غير المشافهين مظنون الحجية وكونها مظنون الحجية اما بظن آخر علم حجيته بالخصوص كأن نستنبط من دلالة الاخبار وجوب


[ 403 ]

التمسك بها لكل من يفهم منها شيئا واما بظن لم يعلم حجيته بالخصوص كأن نعتمد على مجرد الظن الحاصل من تلك الظواهر ولو بضميمة أصالة عدم النقل وعدم التخصيص والتقييد وغير ذلك فإن ذلك إنما يثبت حجيته وقت إنسداد باب العلم بالاحكام الشرعية وإنحصار الامر في الرجوع إلى الظن ولما كان الاخبار أيضا من باب الخطابات الشفاهية فكون دلالتها على حجية الكتاب معلوم الحجية إنما هو للمشافهين بتلك الاخبار وطرو حكمها بالنسبة إلينا أيضا لم يعلم دليل عليه بالخصوص فيدخل حينئذ أيضا في القسم الاخر فليكن على ذكر منك وانتظر لتتمة الكلام قانون قالوا القرآن متواتر فما نقل آحادا ليس بقرآن لانه مما يتوفر الدواعي على نقله وما هو كذلك فالعادة تقضي بتواتر تفاصيله أما الصغرى فلما تضمنت من التحدي والاعجاز ولكون أصل سائر الاحكام وأما الثانية فظاهرة أقول أما تواتر القرإن في الجملة ووجوب العمل بما في أيدينا اليوم فمما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه لكن تواتر جميع ما نزل على محمد صلى الله عليه وآله غير معلوم وكذا وجوب تواتره أما الثاني فلانه إما يتم لو إنحصر طريق المعجزة وإثبات النبوة لمن سلف وغبر فيه الا ترى ان بعض المعجزات مما لم يثبت تواتره وايضا يتم لو لم يمنع المكلفون على أنفسهم اللطف كما منعوه في شهود الامام عليه السلام وأما الاول أعني تواتر جميع ما نزل فيظهر توضيحه برسم مباحث الاول انهم اختلفوا في وقوع التحريف والنقصان في القرآن وعدمه فعن أكثر الاخباريين أنه وقع فيه التحريف والزيادة والنقصان وهو الظاهر من الكليني رحمه الله وشيخه علي بن إبراهيم القمي رحمه الله والشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي رحمه الله صاحب الاحتجاج وعن السيد والصدوق والمحقق الطبرسي وجمهور المجتهدين رحمهم الله تعالى وعدمه وكلام الصدوق رحمه الله في إعتقاداته يعرب عن أن المراد بما ورد في الاخبار الدالة على أن في القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام كان زيادة لم تكن في غيرها انها كانت من باب الاحاديث القدسية لا القرآن وهو بعيد والادلة على الاول على ما ذكره الفاضل السيد نعمة الله رحمه الله في رسالته منبع الحياة وجوه منها الاخبار المستفيضة بل المتواترة مثل ما روي عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام لما سئل عن المناسبة بين قوله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا فقال عليه السلام لقد سقط بينهما أكثر من ثلث القرآن وما روي عن الصادق عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى كنتم خير أمة قال عليه السلام كيف يكون هذه الامة خير أمة وقد قتلوا إبن رسول الله صلى الله عليه وآله ليس هكذا نزلت وإنما نزلها كنتم خير أئمة أي الائمة من أهل البيت عليهم السلام ومنها الاخبار المستفيضة في أن آية الغدير هكذا نزلت يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في علي عليه السلام فإن لم تفعل فما بلغت رسالته إلى غير ذلك مما لو جمع لكان كتابا كثيرا لحجم ومنها أن القرآن كان ينزل منجما على حسب المصالح والوقائع وكتاب الوحي كانوا


[ 404 ]

أربعة عشر رجلا من الصحابة وكان رئيسهم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وكانوا في الاغلب ما يكتبون إلا ما يتعلق بالاحكام وإلا ما يوحى إليه صلى الله عليه وآله في المحافل والمجامع وأما الذي كان يكتب ما ينزل عليه في منازله وخلواته فليس هو إلا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام لانه كان يدور معه صلى الله عليه وآله كيفما دار فكان مصحفه عليه السلام أجمع من غيره من المصاحف فلما مضى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى لقاء حبيبه وتفرقت الاهواء بعده جمع أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام القرآن كما أنزل وشده بردائه أتى به إلى المسجد فقال لهم هذا كتاب ربكم كما أنزل فقال عمر ليس لنا فيه حاجة هذا عندنا مصحف عثمان فقال عليه السلام لن تروه ولن يراه أحد حتى يظهر القائم عليه السلام إلى أن قال وهذا القرآن كان عند الائمة عليهم السلام يتلونه في خلواتهم وربما إطلعوا عليه لبعض خواصهم كما رواه ثقة الاسلام الكليني عطر الله مرقده بإسناده إلى سالم بن سلمة قال قرء رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرئها الناس فقال أبو عبد الله عليه السلام مه كف عن هذه القرائة واقرء كما يقرئها الناس حتى يقوم القائم عليه السلام فإذا قام قرء كتاب الله على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقد يوجه هذا الحديث وأمثاله مما يدل على ثبوت شئ آخر نقص من هذا القرآن الذي في أيدينا بأن المراد إما نقص المعنى وتغييره إلى ما ليس مراده تعالى أو نقص ما فسروه به يعني أنهم عليهم السلام كتبوا في مصاحفهم تفسير الآيات وأصحابهم كانوا يتلفظون بها فمنعوهم عن ذلك وإن أصحابهم كانوا يفسرون الآيات بشئ لم يكن إظهاره صلاحا لوقتهم فأمروهم بالكف عن ذلك حتى يظهر القائم عليه السلام فيظهره لا أنه كان شئ في القرآن داخلا فأخرجوه وهو بعيد بل لا يمكن جريانه في كثير من تلك الاخبار بوجه من الوجوه ثم قال السيد رحمه الله بعد نقل الحديث وهذا الحديث وما بمعناه قد أظهر العذر في تلاوتنا من هذا المصحف والعمل بأحكامه ثم ذكر حكاية طبخ عثمان ما عدا مصحفه من مصاحف كتاب (؟ ؟) فلولا حصول المخالفة بينهما لما ارتكب هذا الامر الشنيع الذي صار من أعظم المطاعن عليه ثم نقل عن كتاب سعد السعود للسيد بن طاوس رحمه الله أنه نقل عن محمد بن بحر الرهني من أعاظم علماء العامة في بيان التفاوت في المصاحف التي بعث بها عثمان إلى أهل الامصار قال إتخذ عثمان سبع مصاحف نسخ فحبس منها بالمدينة مصحفا وأرسل إلى أهل مكة مصحفا وإلى أهل الشام مصحفا وإلى أهل الكوفة مصحفا وإلى أهل البصرة مصحفا وإلى أهل اليمن مصحفا وإلى أهل البحرين مصحفا ثم عدد ما وقع فيها من الاختلاف بالكلمات والحروف مع أنها كلها بخط عثمان فكيف حال ما ليس بخطه ثم كر السيد رحمه الله الاختلاف الواقع في أزمان القراء وذلك أن المصحف الذي دفع إليهم خال من الاعراب والنقط


[ 405 ]

كما هو الآن موجود في المصاحف التي هي بخط مولانا أمير المؤمنين وأولاده المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم وقد شاهدنا عدة منها في خزانة الرضا صلوات الله وسلامه عليه نعم ذكر جلال الدين السيوطي في كتابه الموسوم بالمطالع السعيدة أن أبا الأسود الدئلي أعرب مصحفا واحدا في خلافة معاوية وبالجملة لما دفعت إليهم المصاحف على ذلك الحال تصرفوا في إعرابها و نقطها وإدغامها وإمالتها ونحو ذلك من القوانين المختلفة بينهم على ما يوافق مذاهبهم في اللغة والعربية كما تصرفوا في النحو وصاروا إلى ما دونوه من القواعد المختلفة قال محمد بن بحر الرهني ان كل واحد من القراء قبل أن يتجدد القاري الذي بعده كانوا لا يجيزون إلا قرائته ثم لما جاء القارى الثاني إنتقلوا عن ذلك المنع إلى جواز قرائة الثاني وكذلك في القراءات السبعة فاشتمل كل واحد على إنكار قرائته ثم عادوا إلى خلاف ما أنكروه ثم اقتصروا على هؤلاء السبعة مع أنه قد حصل في علماء المسلمين والعاملين بالقرآن أرجح منهم من أن زمان الصحابة ما كان هؤلاء السبعة ولا عددا معلوما من الصحابة للناس يأخذون القراءات عنهم ثم ذكر قول الصحابة لنبيهم صلى الله عليه وآله على الحوض إذا سئلهم كيف خلفتموني في الثقلين من بعدي فيقولون أما الاكبر فحرفناه وبدلناه وأما الاصغر فقتلناه ثم يذادون عن الحوض وأما الدليل على الثاني فقوله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا دلالة فيه أصلا كما لا يخفى وقوله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وفيه أنه لا يدل على عدم التغيير في القرآن الذي بأيدينا فيكفي كونه محفوظا عند الائمة عليهم السلام في حفظ أصل القرآن في مصداق الآية ولا ريب أن ما في أيدينا أيضا محفوظ من أن يتطرق إليه نقص آخر أو زيادة مع إحتمال أن يراد من قوله تعالى لحافظون لعالمون وإن القول بجواز التبديل فتح لباب الكلام على إعجاز القرآن وعلى إستنباط الاحكام منه وفيه أنه لم يخرج بذلك عن كونه معجزا لبقاء الاسلوب والبلاغة اللذين هما مناط الاعجاز بحالهما بل سائر وجوه الاعجاز أيضا مع أنه لم يدخل الاخبار على حصول الزيادة وادعى على عدمها أيضا الاجماع الشيخ والطبرسي في التبيان ومجمع البيان والذي له مدخلية في الاخراج عن حد الاعجاز هو الزيادة غالبا وكذلك لم يظهر وقوع التحريف في آيات الاحكام مع أنه لو وقع فليس بأعظم من غيبة الامام عليه السلام وما ورد من الاخبار الدالة على وجوب التمسك بالكتاب والامر بإتباعه وعرض الاخبار على كتاب الله ونحو ذلك وفيه أن ما ورد من هذه الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينافي ما ذكرنا فإنه أمر أيضا بالتمسك بالاوصياء عليهم السلام مع أنهم صاروا ممنوعين عن التبليغ كما هو حصة وأما ما ورد من الائمة عليهم السلام فلا ينافي تجويزهم العمل بها من باب التقية وحكم الله الظاهري


[ 406 ]

كما سنقول في القراءات السبعة المتواترة ما يقرب من ذلك أو نقول إنا نلتزم تغيير الاحكام فيما ذكر في الكتاب الذي بأيدينا اليوم بل هي صحيحة وإن كان لا ينافي ذلك حذف بعض الكلمات منه كذكر أسماء أهل البيت عليهم السلام والمنافقين وعدم ذكر بعض الاحكام ايضا بل الظاهر من بعض الاصحاب دعوى الاجماع على عدم وقوع تحريف وتغيير في الكتاب يوجب تغيير الحكم الثاني أن المشهور كون القراءات السبع متواترة وهي المروية عن مشايخها السبعة وهم نافع وأبو عمرو والكسائي وحمزة وإبن عامر وإبن كثير وعاصم وادعى على تواترها الاجماع جماعة من أصحابنا وبعضهم الحق بها القراءات الثلاثة الباقية أيضا ومشايخها أبو جعفر ويعقوب وخلف وهو المشهور بين المتأخرين وممن صرح بكونها متواترة الشهيد رحمه الله في الذكرى والشهيد الثاني رحمه الله في روض الجنان بعد نقل الشهرة عن المتأخرين وشهادة الشهيد رحمه الله على ذلك قال ولا يقصر ذلك عن ثبوت الاجماع بخبر الواحد فيجوز القرائة بها مع أن بعض محققي القراء من المتأخرين أفرد كتابا في أسماء الرجال الذين نقلوها في كل طبقة وهو يزيدون عما يعتبر في التواتر فيجوز القرائة بها إنشاء الله تعالى إنتهى كلامه وبعضهم زاد على ذلك وهو مهجور وأنكر الزمخشري تواتر السبعة ووافقه على ذلك جماعة من الاصحاب قال السيد الفاضل المقدم ذكره بعد إختياره عدم التواتر وقد وافقنا عليه السيد الاجل علي بن طاوس في مواضع من كتاب سعد السعود وغيره وصاحب الكشاف عند تفسير قوله تعالى وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم ونجم الائمة الرضي رحمه الله في موضعين من شرح الرسالة أحدهما عند قول إبن الحاجب وإن عطف على الضمير المجرور اعيد الخافض ثم ان ظاهر الاكثر أنها متواترة إن كان جوهرية أي من قبيل جوهر اللفظ كملك ومالك مما يختلف خطوط المصحف والمعنى بإختلافه لانه قرآن وقد ثبت إشتراط التواتر فيه وأما إن كانت ادائية أي من قبيل الهيئة كالامالة والمد واللين فلا لان القرآن هو الكلام وصفات الالفاظ ليست كلاما ولانه لا يوجب ذلك إختلافا في المعنى فلا يتعلق فايدة مهمة بتواتره أقول والظاهر أن مراد الاصحاب ممن يدعي تواتر السبعة أو العشرة هو تواترها عن النبي صلى الله عليه وآله عن الله تعالى كما يشير إليه ما سننقله عن شرح الالفية ويشكل ذلك بعدما عرفت ما نقلناه في القانون السابق نعم إن كان مرادهم تواترها من الائمة عليهم السلام بمعنى تجويزهم قرائتها والعمل على مقتضاها فهذا هو الذي يمكن أن يدعى معلوميتها من الشارع لامرهم بقرائة القرآن كما يقرء الناس وتقريرهم لاصحابهم على ذلك وهذا لا ينافي عدم علمية صدورها عن النبي صلى الله عليه وآله ووقوع الزيادة والنقصان فيه والاذعان بذلك والسكوت عما سواه أوفق بطريقة الاحتياط وأما الاستدلال على كون السبع من الله تعالى بما ورد في الاخبار أن القرآن نزل على سبعة أحرف فهو لا يدل على المطلوب


[ 407 ]

وقد إدعى بعض العامة تواترها وإختلفوا في معناه على ما يقرب من أربعين قولا وقال إبن الاثير في نهايته في الحديث نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف أراد بالحرف اللغة يعني على سبع لغات من لغات العرب أي أنها متفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة يمن وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة اوجه على أنه قد جاء في القرآن ما قرء بسبعة وعشرة كقوله تعالى مالك يوم الدين وعبد الطاغوت ومما يبين ذلك قول إبن مسعود إني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرؤا كما علمتم انما هو كقول أحدكم هلم وتعال وأقبل وفيه أقوال غير ذلك هذا أحسنها إنتهى كلامه وعن القاموس مثل ذلك مع أن الكليني رحمه الله روى في الحسن كالصحيح عن الفضيل بن يسار قال قلت لابي عبد الله عليه السلام ان الناس يقولون ان القرآن نزل على سبعة أحرف فقال كذبوا أعداء الله ولكنه على حرف واحد من عند الواحد والظاهر أنه كذبهم لاجل فهمهم من النزول على سبعة أحرف النزول على القراءات السبع كما هو الظاهر من قوله عليه السلام نزل على حرف واحد من عند الواحد فلا ينافي صحة الخبر إذا أريد منه اللغات السبع أو البطون السبعة أو نحو ذلك مثل ما روى أصحابنا عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه قال إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف وهي أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص ومثلها روى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وكذلك ما رووه ايضا عن زرارة عن الباقر عليه الصلاة والسلام قال إن القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجئ من قبل الرواة ويؤيد ما ذكرنا أن المراد بالسبعة ليس القراءات السبع ما رواه في الخصال عن الصادق عليه الصلاة والسلام حين قال له حماد أن الاحاديث تختلف عنكم قال فقال ان القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للامام عليه السلام أن يفتي على سبعة وجوه ثم قال هذا عطائنا فامنن أو أمسك بغير حساب وما رواه العامة عنه صلى الله عليه وآله أن القرآن نزل على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حرف حد ومطلع وفي رواية أخرى أن للقرإن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن نعم روى في الخصال عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أتاني آت من الله فقال إن الله يأمرك أن تقرء القرآن على سبعة أحرف وهذه الرواية مع ضعف سندها أيضا غير واضحة الدلالة على المطلوب وكيف كان فدعوى تواتر السبعة عن النبي صلى الله عليه وآله محل كلام وقد ذكر السيد المتقدم ذكره في بيان منع تواترها أيضا أنهم نصوا على أنه كان لكل قار راويان يرويان قرائته نعم إتفق التواتر في الطبقات اللاحقة وأيضا تواترها عنهم كيف يفيدوهم من آحاد المخالفين إستبدوا بآرائهم كما تقدم وإسنادهم إلى النبي صلى الله عليه وآله إن ثبت فلا حجة فيه مع


[ 408 ]

ان كتب القرائة والتفاسير مشحونة بقولهم قرء حفص كذا وعاصم كذا وفي قرائة علي بن أبي طالب وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام كذا بل ربما قالوا في قرائة رسول الله صلى الله عليه وآله كذا كما يظهر من الاختلافات المذكورة في قرائة غير المغضوب عليهم ولا الضالين والحاصل أنهم يجعلون قرائة القراء قسيمة لقرائة المعصومين عليهم السلام فكيف يكون القراءات السبع متواترة من الشارع إنتهى ما ذكره أقول ويمكن أن يقال أن الراويين كانا يرويان القرائة عن شيخهم بمعنى أن شيخهم كان يقرء كذا يعني أن الشيخ كان يختار هذه القرائة من جملة القراءات المتواترة فتخصيص الراويين بالنقل إنما هو لاجل إسناد الاختيار و الترجيح لا رواية أصل القرائة حتى يستند في منع حصول التواتر بذلك وذلك لا ينافي مخالفتهم للمعصومين عليهم السلام أيضا لانهم عليهم السلام كانوا يختارون ما نقل عنهم وقد يؤيد عدم تواتر السبع أيضا بإختلاف القراء في ترك البسملة فقد نقل متواتر عن قرائة كثير منهم ترك البسملة مع أن الاصحاب مجمعون على بطلان الصلاة بتركها فكيف يحكمون ببطلان المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وفيه تأمل وأما على ما بنينا عليه من كون ذلك تجويزا عن الائمة عليهم السلام فيصح الجواب بإستثناء ذلك كما ورد في الاخبار المستفيضة من كون البسملة جزء وانعقد إجماعهم عليه ثم ان الشهيد الثاني رحمه الله قال في شرح الالفية واعلم أنه ليس المراد ان كل ما ورد من هذه القراءات متواتر بل المراد إنحصار المتواتر الآن فيما نقل من هذه القراءات فإن بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن غيرهم كما حققه جماعة من أهل هذا الشأن والمعتبر القرائة بما تواتر من هذه القراءات وإن ركب بعضها في بعض ما لم يترتب بعضه على بعض آخر بحسب العربية فيجب مراعاته كتلقي آدم من ربه كلمات فتاب فإنه لا يجوز الرفع فيهما ولا النصف وإن كان كل منهما متواترا بان يؤخذ رفع آدم من غير قرائة إبن كثير ورفع كلمات من قرائته فإن ذلك لا يصح لفساد المعنى ونحوه كفلها زكريا بالتشديد مع الرفع أو بالعكس وقد نقل إبن الجوزي في النشر عن أكثر القراء جواز ذلك أيضا واختار ما ذكرناه وأما إتباع قرائة الواحد من العشرة في جميع السور فغير واجب قطعا بل ولا مستحب فإن الكل من عند الله نزل به الروح الامين على قلب سيد المرسلين تخفيفا عن لامة و تهوينا على أهل الملة وإنحصار القراءات فيما ذكر أمر حادث غير معروف في الزمن السابق بل كثير من الفضلاء أنكر ذلك خوفا من إلتباس الامر وتوهم أن المراد بالسبعة هي الحرف التي ورد في النقل أن القرآن أنزل عليها والامر ليس كذلك فالواجب القرائة بما تواتر إنتهى قوله رحمه الله وإنحصار القراءات اه متشابه المقصود والاظهر أنه إبتداء تحقيق يعني انها في الصدر الاول لم تكن منحصرة في السبع والعشر بل كانت أزيد من ذلك وأنكر كثير منهم ذلك حتى لا يتوهم أن المرخص فيه في الصدر


[ 409 ]

الاول لم تكن منحصرة في السبع والعشر بل كانت أزيد من ذلك وأنكر كثير منهم ذلك حتى لا يتوهم ان المرخص فيه في الصدر الاول إنما هو هذا القدر كما يشير إليه ما نقلناه عن النهاية ثم إن ما توافقت فيه القراءات فلا إشكال والمشهور في المختلفات التخيير لعدم المرجح ويشكل الامر فيما يختلف به الحكم في ظاهر اللفظ مثل يطهرن ويطهرن فإن ثبت مرجح كما ثبت للتخفيف هنا فيعمل عليه ومما يؤيد ما ذكرنا وقوع الخلاف في هذه الآية وإلا لتعين التخيير في العمل وقال العلامة رحمه الله في المنتهى وأحب القراءات إلي ما قرئه عاصم من طريق أبي بكر بن عياش وطريق أبي عمرو بن العلاء فإنها أولى من قرائة حمزة والكسائي لما فيها من الادغام والامالة وزيادة المد وذلك كله تكلف ولو قرء به صحت صلاته بلا خلاف الثالث لا عمل بالشواذ لعدم ثبوت كونها قرانا وذهب بعض العامة إلى أنها كأخبار الآحاد يجوز العمل بها وهو مشكل لان إثبات السنة بخبر الواحد قام الدليل عليه بخلاف الكتاب وذلك كقرائة ابن مسعود في كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات فهل ينزل منزلة الخبر لانها رواية أم لا لانها لم تنقل خبرا و القرآن لا يثبت بالآحاد ويتفرع عليه وجوب التتابع في كفارة اليمين وعدمه ولكن ثبت الحكم عندنا من غير القراءة المقصد الثالث في السنة وهو قول المعصوم عليه السلام أو فعله أو تقريره الغير العاديات وفيه مطلبان المطلب الاول في القول قانون الحديث هو ما يحكي قول المعصوم عليه السلام أو فعله أو تقريره والظاهر أن حكاية الحديث القدسي داخلة في السنة وحكاية هذه الحكاية عنده صلى الله عليه وآله داخل في الحديث وأما نفس الحديث القدسي فهو خارج عن السنة والحديث و القرآن والفرق بينه وبين القرآن إن القرآن هو المنزل للتحدي والاعجاز بخلاف الحديث القدسي و قد يعرف الحديث بأنه قول المعصوم عليه السلام أو حكاية قوله أو فعله أو تقريره ليدخل فيه أصل الكلام المسموع عن المعصوم عليه السلام والانسب بقاعدة النقل هو عدم الدخول لكون كلامه عليه السلام في الاغلب أمرا أو نهيا بخلاف حكايته فإنه دائما أخبار ونفس الكلام المسموع هو الذي يسمونه بالمتن ومتن الحديث مغاير لنفس ومذهب أصحابنا أن ما لا ينتهي إلى المعصوم عليه السلام ليس حديثا وأما العامة فاكتفوا فيه بالانتهاء إلى أحد الصحابة أو التابعين أيضا والكلام فيما يرد على التعريفات و إصطلاح طردها وعكسها يشغلنا عنه ما هو أهم فلنقتصر على ذلك ثم أن الخبر قد يطلق على ما يراد و الحديث كما هو مصطلح أصحاب الدراية وقد يطلق على ما يقابل الانشاء وقد عرفت تعريفه على الاول وأما على الثاني فهو كلام لنسبته خارج يطابقه أو لا يطابقه والمراد بالخارج هو الخارج عن مدلول اللفظ وإن كان في الذهن ليدخل مثل علمت وليس المراد به ثبوته في جملة الاعيان الخارجية لينافي


[ 410 ]

كونها أمرا إعتباريا لا أمرا مستقلا موجودا وأيضا الموجود الخارجي على ما ذكره بعض المحققين هو ما كان الخارج ظرفا لوجوده لا لنفسه ولا ريب أن الخارج ظرف لنفس النسبة لا لوجودها فيقال زيد موجود في الخارج بمعنى أن وجود زيد في الخارج لا نفسه وأما حصول القيام لزيد مثلا فليس وجوده في الخارج حتى يكون موجودا خارجيا بل هو نفسه في الخارج فالحاصل أن الموجود الخارجي هو زيد لا وجوده والقيام لا حصوله لانه لو فرض للحصول والوجود وجود حتى يكونان موجودين خارجيين لزم التسلسل فيقال لحصول القيام أنه أمر خارجي (لا موجود خارجي) وكذلك لوجود زيد وبالجملة النسبة في الخبر ثابتة في الواقع سواء إلتفت الذهن إليها أم لا وأما الانشاء فإنها يثبت بنفسه نسبة بالتفات الذهن إليها وإيقاعها ويوجد الحكم بنفس الكلام الانشائي فقولنا بعت إذا استعمل على وضعه الحقيقي فلا بد أن يكون البيع واقعا في نفس الامر قبل هذا الكلام حتى يطابقه بخلاف بعت الانشائي قان البيع يوجد بهذا اللفظ ولا ينافي ذلك جواز التعليق شئ كما في الظهار مثل أن يقول رجل لزوجته إن كلمت فلانا فأنت علي كظهر أمي فإن الظهار وإن كان لا يحصل بمجرد التنطق بل يبقى معلقا بحصول الشرط ولكن الحكم الحاصل من هذا اللفظ إنما يحصل به ولا خارج له أصلا وحيلولة حائل عن أثره وتأخيره عن المؤثر لا ينافي حصوله به ومن هذا القبيل صيغة الاجارة مع تأخر زمان الاجارة عن الصيغة وصيغة الامر المعلق على شرط وقيل في تعريف الخبر أنه كلام يحتمل الصدق والكذب وقيل التصديق والتكذيب وقد يفرع على ذلك ما لو قال لاحدى زوجاته من أخبرني بقدوم زيد فهي علي كظهر أمي فأخبرته إحداهن بذلك كاذبة فيقع الظهار لصدق الخبر وهو يشكل بأن المتعارف في ذلك إرادة الخبر الصادق بل الصدق إنما هو مدلول الخبر والكذب إنما هو إحتمال عقلي فإن علم أن المراد مطلق الخبر فكذلك وقد يتوهم أن تعريف الخبر بذلك نع انهم عرفوا الصدق بأنه الخبر عن الشئ على ما هو به يستلزم الدور وقد يجاب عنه بان المراد بالخبر في تعريف الصدق هو مطلق الاعلام فلا دور أو أن المراد تعريف صدق المتكلم لا الكلام والصدق في تعريف الخبر هو صدق الكلام و إن شئت تعريف صدق الخبر فيقال صدق الخبر هو مطابقته للواقع ولا إشكال وقد إختلفوا في تعريف صدق الخبر وكذبه على أقوال المشهور والاقوى أن الصدق مطابقة الواقع والكذب عدم مطابقته للتبادر والاجماع على أن اليهودي إذا قال الاسلام حق يحكم بصدقه وإذا قال خلافه يحكم بكذبه وذهب النظام ومن تبعه إلى ان الصدق مطابقته لاعتقاد المخبر وإن لم يطابق الواقع والكذب عدمها وإن طابق الواقع فقول القائل السماء تحتنا معتقدا ذلك صدق والسماء فوقنا غير معتقد ذلك كذب والمراد بالاعتقاد ما يعم الظن وهو الاعتقاد الراجح مع إحتمال النقيض عند المخبر والعلم وهو الحكم الذهني الجازم الثابت


[ 411 ]

المطابق للواقع الذي لا يزول بتشكيك المشكك والجهل المركب وهو الحكم الجازم الغير المطابق سواء زال بتشكيك المشكك أم لا والاعتقاد المشهور اي الحكم الذهني الجازم الذي يقبل التشكيك ثم إن أرادوا من قبول التشكيك في الاعتقاد المشهور القبول في بعض افراده فيشمل العلم وإلا فيخرج عنه العلم وما لا يقبل التشكيك من أفراد الجهل المركب ويدخل فيه الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الذي يقبل التشكيك وربما قيل ان العلم هو الحكم الجازم الذي لا يقبل التشكيك والاعتقاد المشهور هو ما يقبله وقسم الاعتقاد إلى هذين و الظن وهو مفوت للجهل المركب وما قيل في دفعه أن الجهل المركب ما يقبل التشكيك مطلقا بمعنى أنه يمكن زواله بإقامة البرهان فيرد عليه أن العلم أيضا ربما يقبل التشكيك بإلقاء الشبهة فإن قلت المراد من قبول التشكيك إحتمال نفس الامر للخلاف لا مجرد حصول الشك للمخبر فيرد عليه أن الاعتقاد الجازم المشهوري الذي يقبل التشكيك ربما يكون مطابقا للقواقع أيضا وكيف كان فالخبر المعلوم والمظنون والمجزوم به بالاعتقاد المشهوري صادق عند النظام بخلاف الموهوم يعني إذا دل الخبر على الطرف الذي هو مرجوح عند المخبر فهو كاذب وكذا ما كان مشكوكا عنده لعدم كونه مطابقا لاعتقاده وإن كان بسبب إنتفاء الاعتقاد رأسا والمراد أن مدلول الخبر متصف بالكذب وإلا فلا حكم للشاك حتى يقال أن خبره صادق أو كاذب واحتج النظام بقوله تعالى والله يشهد ان المنافقين لكاذبون فإنه تعالى حكم بكونهم كاذبين في قولهم إنك لرسول الله صلى الله عليه وآله مع أنه مطابق للواقع فإتصافه بالكذب إنما يكون من جهة مخالفة إعتقادهم وأجيب عنه بوجوه أحدها أنهم كاذبون فيما تضمنه شهادتهم من إدعائهم أنه من صميم القلب كما يدل عليه تأكيد الكلام بأنواع التأكيدات من ذكر كلمة إن واللام والجملة الاسمية لا يقال ان هذا لا يبطل قوله لان دعوى المواطاة وكون الشهادة من صميم القلب مخالف لمعتقدهم أيضا لانا نقول انه غير مطابق للواقع أيضا فلم يثبت أن وصفه بالكذب لما ذكره دون ما ذكرنا وثانيها أنه راجع إلى دعوى الاستمرار كما يشهد به الجملة المضارعة وثالثها أنه راجع إلى لازم فائدة الخبر وهو كونهم عالمين بذلك معتقدين له ورابعها أن المنافقين قوم متسمون بالكذب وهو عادتهم وسجيتهم فلا تغتر بشهادتهم ولا تعتمد عليهم فإن الكذوب قد يصدق وخامسها أنهم كاذبون في تسمية شهادة لاشتراط مواطاة القلب واللسان في مفهوم الشهادة وتوجيهه أن تسميتهم كأنه اخبار بأن ذلك شهادة فيؤل التسمية إلى الخبر وإلا فالتسمية ليست بخبر وربما يمنع إشتراط المواطاة في مفهوم الشهادة وسادسها أنه على فرض تسليم رجوع التكذيب إلى قولهم إنك لرسول الله فالمراد أنهم كاذبون في إعتقادهم الفاسد لانهم يعتقدون أن هذا غير مطابق للواقع وسابعها أنه راجع إلى حلفهم على أنهم لم يقولوا لا تنفقوا على من عند رسول الله


[ 412 ]

ولم يقولوا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل وذهب الجاحظ إلى أن الصدق مطابقة الواقع والاعتقاد والكذب مخالفتهما معا وإن هناك واسطة وحاصله أن الخبر إما مطابق للواقع أو لا وكل منهما إما مع إعتقاد المطابقة أو إعتقاد عدمها أو الشك أو عدم الشعور والصدق هو المطابقة مع إعتقاد المطابقة والكذب هو المخالفة مع إعتقاد المخالفة والست البواقي وسائط بنيهما واستدل على ثبوت الواسطة بقوله تعالى افترى على الله كذبا أم به جنة فإن الكفار حصروا أخبار النبي صلى الله عليه وآله عن الحشر أو عن نبوته صلى الله عليه وآله في الافتراء وهو الكذب والاخبار حال الجنة على سبيل منع الخلو كما هو ظاهر مفاد كلمة أم والهمزة ولابد أن يكون المراد من الثاني غير الكذب لاقتضاء الترديد مغايرته معه وغير الصدق لاعتقادهم عدمه ولعدم دلالة قولهم أم به جنة على إرادة ذلك فلا بد أن يكون هناك واسطة يحمل عليها قولهم لانهم عقلاء من أهل اللسان وعارفون باللغة وكون الخبر صادقا في نفس الامر لا ينافي كونه واسطة بينهما على زعمهم والحاصل أنهم إعتقدوا أن هذا الخبر خبر وليس من قسم الصدق ولا من قسم الكذب بل هو شي ء ثالث وخطاهم في أنه شئ ثالث لا ينفي صحة إطلاقهم الخبر على شئ ثالث وإطلاقهم دليل على صحة الاطلاق عليه وأجيب بأن الترديد بين الافتراء وعدم الافتراء والافتراء هو الكذب عن عمد ولا عمد للمجنون فهذا ترديد بين نوعي الكذب وتوضيحه أن القصد إما داخل في مفهوم الافتراء أو هو المتبادر من الافعال المنسوبة إلى ذوي الارادات ولذلك ذكروا في خيار المجلس المستفاد من قوله صلى الله عليه وآله البيعان بالخيار ما لم يفترقا إن التفارق على غير الاختيار لا يوجب إنقطاع الخيار بل لا يبعد إجراء ذلك في نفي الافعال فيعتبر في عدم الافتراق أيضا القصد والاختيار ولو سلم عدم المدخلية للقصد في الموضوع له و لا من جهة الاستعمال فنقول ان الدليل لما دل على ما اخترناه من مذهب المشهور فنحمله هنا على إرادة القصد ولو كان مجازا جمعا بين الادلة وربما يجاب بأنه ترديد بين الكذب وما ليس بخبر فإن الكلام الذي لا قصد معه ليس بخبر وفيه أن مدخلية القصد في كون الكلام خبرا ممنوع إلا أن يمنع كونه كلاما حينئذ وهو كما ترى واعلم أن هذه الآية على فرض تسليم دلالتها فإنما تدل على ثبوت الواسطة لا على تحقيق معنى الصدق والكذب فإن غاية ما ثبت من الاية إطلاق الكذب فيها على ما خالف الواقع والاعتقاد بزعمهم وأما إنحصاره فيه فلا وإذا لم يثبت حقيقة الكذب منها فالصدق بالطريق الاولى ثم على فرض تسليم إثبات الواسطة فإنما تثبت واسطة واحدة من الوسائط وهو الخبر لا عن شعور الغير المطابق للواقع كما هو معتقدهم على ما فهمه العضدي وذكر شيخنا البهائي رحمه الله أن الثابت بها ثلث وسائط الخبر لا عن قصد وشعور و مع الشك في مطابقة الواقع ومع إعتقادها بأن يكون في زعمهم الفاسد أن الشك في الصدق لا يكون إلا


[ 413 ]

عن مجنون فكيف إعتقاد الصدق أقول وتوضيحه أن الكفار يقولون أن خبره صلى الله عليه وآله مخالف للواقع جزما فإن كان مع اخباره بثبوته يعتقد عدم المطابقة للواقع فهو كذب ولا ينافى طريقة العقل وإن كان يعتقد المطابقة للواقع أو يشك في المطابقة وعدمها فهو مجنون يعنى شبيه بالمجنون حيث ان الشك في المطابقة وعدمها لا يصدر عن عاقل ولا ينبغي أن يصدر مثله إلا عن المجنون فضلا عن إعتقاد المطابقة ويرد على ما ذكره أنه لا يثبت إلا واسطتين لانه لا يبقى حينئذ مجال لادخال ما لا قصد فيه ولا شعور في الكلام لان التشبيه بالمجنون إما من جهة خيالاته وأفكاره أو من جهة مطلق تكلماته وأطواره ولا يمكن الجمع بينهما في التشبيه فإن خبره صلى الله عليه وآله أمر واحد وجزئي حقيقي موجود في الخارج لا يقبل إلا أحد المحتملات اما كونه لا عن شعور العياذ بالله أو عن إعتقاد المطابقة أو مع الشك ولا يجتمع إحد الاحتمالات مع الاخر في الوجود فإما يقال انه يقول لا عن شعور كالمجنون أو يقال أنه يشك كالمجنون أو يعتقد المطابقة كالمجنون بل لا يمكن الجمع في الاخيرين أيضا إلا من باب الاستلزام الفرضي والحاصل أنه لا يمكن الجمع في تشبيه الخبرين ذي الاعتقاد ولا عن شعور فالتحقيق أن الآية لا تثبت إلا المخبر لا عن قصد وشعور لو أريد التشبيه في طور كلام المجنون وحاله أو المخبر عن إعتقاد مع عدم المطابقة للواقع لو أريد التشبيه بأفكار المجنون وخيالاته ولا يبعد ترجيح الاول لكونه آكد في سقوط الاعتبار صورة ومعنى ولمقابلته بالافتراء الذي هو الكذب عن عمد فما ذكره العضدي أظهر ووافقه الجماعة أيضا فلاحظ الشهيد الثاني رحمه الله أيضا في تمهيد القواعد حيث جعل مذهب الجاحظ ثلاثية ثالثها الاخبار بدون إعتقاد والظاهر أن المراد بالاعتقاد وهو قابلية ليدخل الشك أيضا ولذلك لم يلتفت الجماعة ثم ان لي هنا كلاما طارفا لم يلتفت إليه من قبلي هداني إليه التأمل فيما ذكره شيخنا البهائي رحمه الله من فروع هذه المسألة في حواشي زبدته فقال ومما يتفرع على كون صدق الخبر وكذبه مطابقته للواقع وعدمها أم لا أن المدعي لو قال بعد إقامة البينة كذب شهودي فعلى المذهب المختار تسقط دعواه وكذا على مذهب الجاحظ وأما على مذهب النظام لا تسقط دعواه ولو قال لم يصدق شهودي فإن دعواه على المختار تسقط دون المذهبين الاخيرين ولو قال له المنكر صدق شهودك فهو إقرار على المذهبين دون مذهب النظام ولو قال لم يكذبوا فهو إقرار على المختار دون المذهبين الاخيرين ومما يتفرع على هذا الخلاف أيضا ما لو قال المنكر إن شهد فلان فهو صادق فعلى المذهب المختار ومذهب الجاحظ هو إقرار كما هو مذكور في كتب الفروع لانه لو لم يكن الحق ثابتا لم يكن صادقا إن شهد وأما على مذهب النظام فليس إقرارا إنتهى


[ 414 ]

كلامه رحمه الله أقول الذي يظهر لي أن مناط الاقوال الثلاثة في جواز وصف الخبر بالصدق والكذب و الحكم عليه بأنه صدق أو كذب عند التحقيق هو إعتقاد مطابقة الواقع وعدمه فإن النظام أيضا مراده من كون الصدق هو مطابقة الاعتقاد هو كون إعتقاده إن هذا الحكم ثابت في الواقع فالذي يصفه بالصدق هو ما يعتقد مطابقته للواقع وكذلك الجاحظ ولا يصف به إلا ما يعتقده كذلك وأما المشهور فلما لم يكن ظهور الواقع إلا بالاعتقاد أنه واقع فوصفهم بالصدق إنما يكون بعد إعتقادهم المطابقة فالاعتقاد مما لا بد من ملاحظته في وصف الخبر بالصدق والكذب فان قلت ان الصدق والكذب امران نفس الامريان والخبر انما يتصف بالصدق والكذب النفس الامريين لا ما يعتقد صدقه أو كذبه فلو كان شئ مطابقا للواقع واعتقد أحد عدمه وحكم بكذبه ثم ظهر له فساد إعتقاده فيحكم بأنه كان صادقا فلو نذر أحد أن يعطي من أخبر بصدق شيئا فأعطاه بشخص لم يعتقد في حقه الصدق لكنه كان في نفس الامر صادقا فيبرنذره إذا ظهر له بعد ذلك أنه كان صادقا وبالعكس قلت إتصافه بما هو كذلك في نفس الامر إنما هو في نفس الامر لا عندنا والذي يثمر في الفروع ما هو ما عرفنا إتصافه به في نفس الامر و إعتقدناه وبر النذر في الصورة المفروضة وعدمه في عكسها ممنوع مع انه يجري ذلك على المذهبين الاخيرين أيضا فإنه إذا تغير الاعتقاد فيحكم النظام أيضا بخلاف المعتقد في ذلك الخبر وكذلك الجاحظ فالخبر الموافق للاعتقاد عند النظام صدق ما دام كذلك وإذا تبدل فيتصف بالكذب بمعنى أن ذلك الخبر كذب رأسا لا أنه صار كذبا الآن ولا معنى لكون الخبر صدقا في وقت كذبا في آخر في نفس الامر بل إنما ذلك من جهة الاعتقاد ثم إعلم أن معنى قولنا كتب فلان أنه فعل ما هو كتابة في نفس الامر لا ما هو كتابة عنده فلا بد في الاسناد من ملاحظة المسند والمسند إليه ثم الاسناد فالكتابة أمر مستقل ملحوظ في ذاته قبل الاسناد غاية الامر أنه يتقيد بإدراك المدرك ضرورة يعني أن من يلاحظ نسبتها إلى فلان يعرفها ويعلم أنها كتابة ثم يسندها إلى فلان إذا عرفت هذا وتأملت فيما ذكرنا تعلم أنه لا محصل للتفريعات التي ذكرها رحمه الله لان قول المدعي كذب شهودي معناه كذب شهودي في الواقع لا في إعتقاد الشهود يعني قالوا قولا كاذبا في الواقع على أي قول كان من الاقوال الثلاثة وهو يستلزم بطلان حقه على الاقوال الثلاثة فإن كل واحد منها يعتبر فيه إعتقاد مطابقة الواقع وعدمه كما بينا والحاصل أن معنى قول المدعي كذب شهودي هو أني اعتقد عدم مطابقته للواقع على ما بينا لك سابقا وهو إقرار ببطلان حقه فإن الاقرار أيضا تابع للاعتقاد الواقع فكلما دل عليه فهو يثبته وإن لم يقصد وليس معنى كذبوا أنهم أخبروا من غير علم وإعتقاد فإن هذا معنى قولنا كذبوا في إعتقادهم بمعنى قالوا قولا مخالفا لمعتقدهم وإذا صرح بهذا المضمون فهو كما ذكره


[ 415 ]

لا يستلزم سقوط الحق ولكن ليس هذا تفريعا على لفظ الكذب المطلق وبالجملة كما أن نفس المخبر إذا قال خبري كذب معناه على مذهب النظام أن خبري غير موافق لاعتقادي فكذلك غيره ممن وصف ذلك الخبر بالكذب على هذا المذهب لا بد أن يريد أنه غير موافق لاعتقاده وحينئذ فهو إقرار بعدم ثبوته في الواقع كما مر وتوضيح هذا المطلب أن الخبر كما ذكروه وهو كلام كان له خارج يطابقه أو لا يطابقه و المراد بالخارج هو خارج المدلول وإن كان في الذهن كما أشرنا ولا ريب أن النسبة التي هو خارج المدلول اما هو الذي مكتوب في اللوح المحفوظ أو ما يدركه المدرك ويزعمه أن هو ذلك المكتوب و هذا هو الاعتقاد وإن لم يكن مطابقا للمكتوب في الواقع فحقيقة مذهب المشهور في الصدق هو مطابقة مدلول الكلام والنسبة الذهنية الحاصلة منه لما هو مكتوب في اللوح المحفوظ من حيث هو مكتوب هناك وإن أخطأ الواصف به في فهم المطابقة وإعتقاده في نفس الامر وحقيقة مذهب النظام هو مطابقته لما يعتقده المدرك أنه كذلك في اللوح المحفوظ من حيث ان إعتقاده ذلك فوصف الخبر بالصدق والكذب على كل المذاهب يلاحظ بالنسبة إلى الخبر من حيث هو خبر لا من حيث صدوره عن المخبر فإذا قال أحد زيد قائم والمفروض في اللوح المحفوظ قيام زيد وكان إعتقاد المخبر عدم قيامه فالخارج عند المخبر عدم القيام يعني يعتقد أن ما في اللوح المحفوظ هو عدم القيام فقوله زيد قائم عند المخبر كذب لانه مخالف لمعتقده من حيث أنه مخالف لمعتقده وأما غير المخبر ممن يسمع هذا الكلام و يعتقد قيام زيد فهو صدق عنده على مذهب النظام أيضا لكونه موافقا لاعتقاده وهكذا فالخبر عند النظام أيضا لا بد أن يتصف بالصدق والكذب مطلقا فإن الخبر هو نفس الكلام الموصوف لا الكلام مع إتصافه بكون صادرا عن المخبر فما يتوهم أن مذهب النظام هو مطابقة إعتقاد المخبر فقط و الكذب هو مخالفة إعتقاد المخبر فقط فذلك يستلزم أن يكون مذهبه عدم إتصاف الخبر بالنسبة إلى معتقد غير المخبر بصدق ولا كذب وهو واه جدا لان الخبر هو نفس الكلام لا هو من حيث أنه صادر عن المخبر ولا بد له من خارج إعتقادي على مذهبه وهو يختلف بحسب الاعتقادات فلا بد أن يكون مراد النظام من المخبر في قوله صدق الخبر هو مطابقته لاعتقاد المخبر هو مطلق من يلاحظ الخبر لا نفس من تكلم به وأخبر به فقط والذي أوجب والتعبير بهذه العبارة في مذهب النظام وأوقع المتوهم في الوهم هو الاستدلال بقوله تعالى إنهم لكاذبون من حيث أن الواصف بالكذب هو الله تعالى مع أن علمه تعالى مخالف ما اعتقدوه فوصف الله تعالى هذا الخبر بالكذب لاجل محض كونه مخالفا لاعتقاد المخبرين ويدفعه إن ذلك الاستدلال لا بد أن يكون بالنظر إلى إعتقاد المخبرين يعني أنهم لكاذبون بالنظر إلى إعتقادهم أنهم


[ 416 ]

موصوفون بالكذب عند أنفسهم وفي إعتقادهم وبالنظر إلى ملاحظة مخالفته لمعتقدهم لا أنه كذب عند غيرهم أيضا ممن لم يعتقد ذلك وإلا فيلزم أن ينحصر إتصاف الخبر بكونه صدقا أو كذبا بالنظر إلى ملاحظة حال المخبر فقط ولم يكن بالذات متصفا بصدق ولا كذب فتأمل حتى لا تتوهم أن ما ذكرناه هو ما ذكروه في الجواب عن الاستدلال بالاية بعد تسليم رجوع الكذب إلى قولهم إنك لرسول الله صلى الله عليه وآله بأن المراد أنهم لكابون في زعمهم فإنه معنى آخر وحاصله أنهم يزعمون ويعتقدون أن هذا كذب لمخالفته للواقع لا أنهم كاذبون لاجل مخالفته لمعتقدهم والحاصل أن مذهب النظام لا بد أن يكون أن الصدق والكذب هما مطابقة الخبر لاعتقاد من يطلع على الخبر ويلاحظه سواء كان نفس المخبر أو غيره والاستدلال بالآية بتقريب أن الله تعالى أطلق الكذب على مثل ذلك فإن ما شهدوا به كذب لكونه مخالفا مخالفا لاعتقادهم والجواب عنه منع رجوع قوله تعالى لكاذبون إلى هذا الخبر أولا ومنع كونه لاجل مخالفته لمعتقدهم من حيث أنه مخالف لمعتقدهم بل لاجل أنه مخالف للواقع بحسب معتقدهم من حيث أنه مخالف للواقع في معتقدهم ثانيا ومن جميع ما ذكرنا يظهر جواب آخر عن إستدلال النظام غير ما ذكرنا سابقا وهو أن ذلك حينئذ تقييد لاطلاق الآية وخلاف ظاهرها فلا بد من حملها على أحد الوجوه المتقدمة لئلا يلزم ذلك وإن كان ولا بد من التقييد فتقيده بما ذكروه في جوابه على النهج الذي قررناه هيهنا ثم بالتأمل فيما ذكرنا تقدر على معرفة بطلان سائر الفروع التي ذكرها رحمه الله ووافقه الشهيد الثاني رحمه الله في تمهيد القواعد في ذكر الفرع الاخير لكنه رحمه الله لم ينقل فيه مذهب النظام بل إكتفى بنقل مذهب المشهور ومذهب الجاحظ كالعلامة في التهذيب ثم قال إذا عرفت ذلك فمن فروع القاعدة ما لو قال إن شهد شاهدان بأن علي كذا فهما صادقان فإنه يلزمه الآن على القولين معا لانا قررنا أن الصدق هو المطابق للواقع وإذا كان مطابقا على تقدير الشهادة لزم أن يكون ذلك عليه لانه يصدق كلما لم يكن ذلك عليه على تقدير الشهادة لم يكونا صادقين لكنه قد حكم بصدقهما على تقديرها فيكون ذلك عليه الآن ومثله ما لو قال إن شهد شاهد علي إلخ أقول إن أراد أنه يثبت الحق على المذهبين دون مذهب النظام ففيه ما مر بل هيهنا أوضح لظهور أن مراد القائل ليس مجرد ان ما يخبره الشاهد هو مطابق لاعتقاده فقط وإن هذا الاحتمال في غاية البعد من هذا الاطلاق في هذا المثال وإن كان القائل على مذهب النظام أيضا وإن أراد نفس تفريع المسألة على معنى الصدق على المذهبين ففيه نظر آخر لا دخل له بما نحن فيه وهو منع إستلزام ذلك ثبوت الحق بل الحق خلافه وفاقا للمتأخرين وتفصيله في كتب الفروع ثم ان العضدي قال في آخر كلامه وهذه المسألة لفظية لا يجدي الاطناب فيها كثير نفع والظاهر أنه أراد من كون المسألة لفظية هو كون الخلاف في تفسير اللفظ لا المعنى المشهور للنزاع اللفظي كما يظهر من


[ 417 ]

التفتازاني أيضا ولكن يمكن أن يكون مراده من عدم النفع هو ما ذكرنا لا ما ذكره التفتازاني فإنه قال في شرح هذا الكلام المسألة لفظية أي لغوية لا يتعلق بعلم الاصول كثير تعلق إذ المقصود تحقيق المعنى الذي وضع لفظ الصدق والكذب بازائه ليس المراد به أنه نزاع لفظي يتعلق بالاصطلاح على ما يشعر به كلام الامدي لانه لا قائل بنقل اللفظين عن معناهما اللغوي إنتهى وفيما ذكره تأمل إذ كون المسألة لغوية لا يوجب عدم تعلقها بعلم الاصول ولا يوجب عدم النفع بسبب كونه غير متعلق بالاصول ولا ريب ان كثيرا من المسائل الاصولية من المسائل اللغوية كالنزاع في أن صيغة إفعل للوجوب أولا وكذا صيغة لا تفعل للحرمة أم لا وان الجمع المحلى يفيد العموم أم لا وكذا المفرد المحلى وهكذا فإن قيل نعم ولكن هناك فرق وهو أن ما يبحث عنه في علم الاصول من هذه المسائل هو ما كان بمنزلة القاعدة لاستخراج المسائل الفرعية كالنزاع في الاوضاع الهيئية كصيغة إفعل والمشتق والجمع المحلى وأمثال ذلك مركبا كان أو مفردا ومثل أن الضمير المتعقب للعام هل يخصصه أم لا في مثل وبعولتهن أحق بردهن ومثل أن الضمير الذي (سبقه) ؟ مضاف ومضاف إليه مثل له علي ألف درهم إلا نصفه هل يرجع إلى الاقرب أو الابعد مع إمكانهما فيتفرع عليه إستثناء نصف الدرهم أو الخمس مأة وبعض الاوضاع المادية أيضا من جهة العموم و الخصوص وغيرهما كالنزاع في كلمة كل أنه للعموم أم لا وكذلك من وما وانهما لذوي العقول أو لغيرهم بل في أصل (منسبك) ؟ اللفظ فيما حصل فيه تغيير الاصطلاح كالنزاع في أن الصلاة والصوم معناهما الاركان المخصوصة أم لا مما أدعي فيها ثبوت الحقيقة الشرعية وغيرها بل وكثير من القواعد المذكورة في علم العربية مثل معاني الحروف كالباء ومن وإلي وغير ذلك وبالجملة ما يتعلق معرفة حال إستخراج الاحكام الشرعية بأن ينازع في أن اللفظ هل يفيد هذا الحكم أم هذا الحكم كصيغة الامر والنهي أو هل يفيد عموم الحكم أو خصوصه و هل يفيد إخراجه عن الحكم أم لا كألفاظ العام والخاص وكذلك ما يتعلق بالموضوعات التي إخترعها الشارع فهل تصرف الشارع في أوضاع الالفاظ ليحمل على معانيها التي إصطلحها أم لا وهكذا ولا يبحث في علم الاصول عن سائر الاوضاع المادية مثل أن الصعيد هو التراب أو وجه الارض وهل الانفحة هو الكرش أو الشئ الاصفر الذي ينجمد فيه اللباء وهكذا ولا ريب أن الصدق والكذب من قبيل الصعيد والانفحة لا من قبيل صيغة إفعل وأمثالها ولا من قبيل الصلاة والصوم وأمثالهما لعدم تجدد إصطلاح فيهما كما أشار إليه التفتازاني قلت نعم ولكن نرى أن الاصوليين يبحثون عن معنى الخبر والانشاء والامر والنهي وأمثالها لما يترتب عليها من الثمرات وذلك لاجل إحتمال تجدد الاصطلاح أو دعوى ثبوته وتغاير العرف واللغة فيها وما كان معرفة أمثال المذكورات مما يتوقف عليه معرفة الاحكام الشرعية وطريق إستنباطها


[ 418 ]

ولذلك يبحث عنها في علم الاصول فكذلك ما يتوقف معرفة المذكورات عليها فإذا كان لفظ يستعمل في تعريف المذكورات وكان مختلفا فيه في اللغة فلا يتم معرفة المذكورات إلا بتحقيق معنى ذلك اللفظ فلفظ الصدق والكذب مما يتوقف عليه معرفة الخبر ولا يتم البحث عن حال الخبر ولا يتميز حقيقته إلا بمعرفتهما فليس حالهما مثل حال الصعيد والانفحة فالتحقيق أن البحث في هذين اللفظين من هذه الجهة لا من حيث دعوى تغيير الاصطلاح كما نقل عن الامدي ولا أنه محض الكلام في المعنى اللغوي حتى لا يكون له تعلق بمباحث الاصول فبقي الكلام في أن البحث في تفسير اللفظين والخلاف في معناهما هل هو نزاع لفظي بالمعنى المشهور أو نزاع حقيقي وقد عرفت الوجه وإن الظاهر أنه ليس بلفظي لكن لا ثمرة فيه يعتد بها ثم ان كلام العضدي لما كان في آخر المبحث قابلا لما ذكرنا لانه ذكر المذاهب الثلاثة ثم قال والذي يحسم النزاع الاجماع على أن اليهوي إذا قال الاسلام حق حكمنا بصدقه وإذا قال خلافه حكمنا بكذبه وهذه المسألة لفظية لا يجدي الاطناب فيها كثير نفع فيمكن تنزيل ما ذكره من كون المسألة لفظية إلى ما ذكرنا وأما كلام غيره فلا يمكن تنزيله على ذلك بل مرادهم أن النزاع في ثبوت الواسطة لفظي منهم السيد عميد الدين في شرح التهذيب بل هو الظاهر من إبن الحاجب حيث عقد المسألة لبيان حصر الخبر في القسمين ونقل القول بالواسطة عن الجاحظ وقال في آخر كلامه وهي لفظية ومرجع الضمير المسألة المعقودة ونقله الفاضل الجواد في شرح الزبدة أيضا و تنظر فيه قال بعد نقل قول الجاحظ بإثبات الواسطة ورده واعلم أن النزاع هذه المسألة كاللفظي فإنا نقطع إن كل خبر فاما مطابق للمخبر عنه اولا فإن إكتفى في الصدق بالمطابقة كيف كان والكذب بعدم المطابقة كيف كان وجب القطع بأنه لا واسطة وإن اعتبر العلم بالمطابقة أيضا في الصدق والعلم بالعدم في الكذب يثبت الواسطة بالضرورة وهو الخبر الذي لا يعلم فيه المطابقة كذا قيل وفيه نظر يعلم وجهه بأدنى ملاحظة إنتهى أقول وجه النظر ان النزاع في إثبات الواسطة بعينه هو النزاع في معنى الصدق والكذب وليس شيئا على حدة حتى يتفرع عليه ويصير النزاع لفظيا فلذلك عدل العضدي عما هو ظاهر عبارة إبن الحاجب وفسر اللفظي بما هو خلاف المشهور وقال أنه ليس فبها كثير نفع إذ النزاع اللفظي المصطلح لا نفع فيه أصلا لا أنه قليل النفع فأخذ بمجامع المسألة وتوابعها ولوازمها ونظر إلى مآل المنازعات وجعله نفس الخلاف في معنى الصدق والكذب وقال أنه خلاف لغوي قليل الفايدة فقوله لا يجدي الاطناب فيها كثير نفع صفة تقييدية لا توضيحية و لو كان الفروع التي ذكرها شيخنا البهائي رحمه الله كما ذكره لكان فيه نفع كثير فتأمل في أطراف هذا الكلام


[ 419 ]

وتعمق النظر في غمار مقاصده ومبانيه ولا تنظر إلى تفردي به كأكثر مقاصد الكتاب وإلا تلحظ إليه بعين الحقارة وإلى بعين العتاب ثم بعد ذلك فاما قبولا وإما اصلاحا واما عفوا والله الموفق للصواب تنبيهان الاول المعتبر في الاتصاف بالصدق والكذب هو ما يفهم من الكلام ظاهر إلا ما هو المراد منه فلو قال رأيت حمارا وأراد منه البليد من دون نصب قرينة فهو يتصف بالكذب و إن لم يكن المراد مخالفا للواقع وكذلك إذا راى زيدا أو إعتقد أنه عمرو وقال رأيت رجلا فهو صادق لان المفهوم من اللفظ مطابق للواقع بل والاعتقاد أيضا وإن لم يكن معتقده في شخص الرجل موافقا للواقع فهو على مذهب الجاحظ أيضا صدق والمعتبر في مطابقة الواقع هو مطابقته واقعا ولكن يكفي في الكشف عن ذلك إعتقاد المطابقة وإن كان مخالفا لنفس الامر ونظيره ما أشرنا إليه في العدالة فإن إعتقاد كونه عدلا في نفس الامر يكفي في إتصافه بالعدالة نعم ذلك الاتصاف داير مدار عدم ظهور الفساد ثم يتبدل الثاني المشهور أن الصدق والكذب من خواص النسبة الخبرية دون التقييدية مثل يا زيد الفاضل وغلام زيد وقيل بعدم الفرق بينهما في ذلك لان النسبة التقييدية أيضا إما مطابق للواقع أو غير مطابق للواقع فيا زيد الانسان صادق ويا زيد الفرس كاذب ويا زيد الفاضل محتمل والتحقيق على ما ذكره بعض المحققين أن النسبة الذهنية في المركبات الخبرية تشعر من حيث هي هي بوقوع نسبة أخرى خارجة عنها ولذلك احتملت عند العقل مطابقتها أو لا مطابقتها وأما النسبة الذهنية في المركبات التقييدية فلا إشعار لها من حيث هي هي بوقوع نسبة أخرى تطابقها أو لا تطابقها بل انما اشعرت بذلك من حيث ان فيها اشارة إلى نسبة اخرى خبرية بيان ذلك أنك إذا قلت زيد فاضل فقد إعتبرت بينهما نسبة ذهنية على وجه يشعر بذاتها بوقوع نسبة أخرى خارجة عنها وهي أن الفضل ثابت له في نفس الامر لكن تلك النسبة الذهنية لا تستلزم تلك النسبة الخارجية إستلزاما عقليا فإن كانت النسبة الخارجية المشعر بها واقعة كانت الاولى صادقة وإلا فكاذبة وإذا لاحظ العقل تلك النسبة الذهنية من حيث هي هي جوز معها كلا الامرين على السواء وهو معنى الاحتمال وأما إذا قلت يا زيد الفاضل فقد اعتبرت بينهما نسبة ذهنية على وجه لا يشعر من حيث هي هي بأن الفضل ثابت له في الواقع بل من حيث أن فيها إشارة إلى معنى قولك زيد فاضل إذ المتبادر إلى الافهام أن لا يوصف شئ إلا بما هو ثابت له في الواقع فالنسبة الخبرية يشعر من حيث هي هي بما يوصف بإعتباره بالمطابقة واللا مطابقة أي الصدق والكذب فهي من حيث هي هي محتملة لهما وأما التقييدية فإنها تشير إلى نسبة خبرية والانشائية تستلزم نسبا خبرية فهما بذلك الاعتبار يحتملان الصدق والكذب واما


[ 420 ]

بحسب مفهومهما فلا تصح ان الحق هو المشهور من كون الاحتمال من خواص الخبر إنتهى الخبر إنتهى ويمكن أن يكون مرادهم بالاختصاص هو الاطلاق العرفي حقيقة يعني أنهم لا يصفون بالصدق والكذب حقيقة إلا أن النسبة الخبرية المقصودة بالذات فإطلاقهما على غيرهما مجاز ويتفرع على ذلك الاحكام المتعلقة بالصدق والكذب فمن نذر لمن قال صدقا درهما وقال أحد يا زيد الفاضل لا يبر النذر بإعطائه وإن وافق فضله للواقع كما يقتضيه أصل الحقيقة قانون الخبر ينقسم إلى ما هو معلوم الصدق ضرورة أو نظرا أو معلوم الكذب وما لا يعلم صدقه وكذبه وهو اما يظن صدقه أو كذبه أو يتساويان فهذه أقسام ستة فالاول إما ضروري بنفسه كبعض المتواترات أو بغيره كقولنا الواحد نصف الاثنين فإن ضروريته ليست مقتضى الخبر من حيث أنه هذا الخبر بل لمطابقة الخبر لما هو كذلك في نفس الامر ضرورة والثاني مثل خبر الله تعالى والمعصومين عليهم السلام والخبر الموافق للنظر الصحيح والثالث هو الخبر الذي علم مخالفته للواقع والرابع مثل خبر العدل الواحد والخامس مثل خبر الكذوب والسادس مثل خبر مجهول الحال ثم ينقسم الخبر بإعتبار آخر إلى متواتر وآحاد أما المتواتر فعرفه الاكثرون بأنه خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه وذكروا أن التقييد بنفسه ليخرج خبر جماعة علم صدقهم لا بنفس الخبر بل إما بالقرائن الزايدة على ما لا ينفك الخبر عنه عادة من الامور الخارجية كما سيجئ في الخبر المحفوف بالقرائن وإما بغير القرائن كالعلم بمخبره ضرورة أو نظرا ومرادهم بالقرائن التي لا ينفك عنها الخبر عادة هو ما يتعلق بحال المخبر ككونه موسوما بالصدق وعدمه والسامع ككونه خالي الذهن وعدمه والمخبر عنه ككونه قريب الوقوع وعدمه ونفس الخبر كالهيئات المقارنة له الدالة على الوقوع وعدمه فقد يختلف الحال بإختلاف الامور المذكورة اقول ويشكل ما ذكروه بأنهم إشترطوا في التواتر تعدد المخبرين وكثرتهم إلى حد يؤمن تواطئهم على الكذب عادة ولا ريب أن مقتضى ذلك أن يكون للكثرة مدخلية في حصول العلم بحيث لو لم تكن لم يحصل العلم وقولهم أن التقييد بنفسه إحتراز عما لو حصل العلم من القرائن الخارجية عن لوازم الخبر من الامور المتقدمة يقتضي أنه إذا حصل العلم بسبب خبر جماعة خاصة من حيث خصوصيات الخبر يكون متواترا مطلقا سيما مع ملاحظة ما يذكرونه في نفي تعيين العدد وإن المدار بما يحصل منه العلم وهو يختلف بإختلاف المواقع فلا يقتضي إعتبار ما ذكر إعتبار الكثرة فيه فعلى هذا لو أخبر ثلاثة بواقعة وحصل العلم بها من جهة خصوص الواقعة وملاحظة صدق المخبرين وخلو ذهن السامع من الشبهة يلزم أن يكون هذا متواترا مع أن الظاهر أنهم لا يقولون به والحاصل أن إشتراط الكثرة أمر زايد على إعتبار كون المخبرين جماعة فالمعتبر هو الجماعة الكثيرة لا مطلق الجماعة فالتعريف على ما ذكروه غير مطرد


[ 421 ]

فلو لم نمنع من مدخلية حال المخبرين والسامعين ونفس الخبر في حصول العلم فلا بد أن نعتبرها في حصول العلم بالكثرة فالاولى أن يقال أنه خبر جماعة يؤمن تواطئهم على الكذب عادة وإن كان للوازم الخبر مدخلية في إفادة ذلك الكثرة العلم ثم ان الحق إمكان تحقق الخبر المتواتر وحصول العلم به وقد خالف في ذلك السمنية والبراهمة وهما طائفتان من أهل الهند أوليهما عبدة الاوثان وقائلة بالتناسخ والثانية من الحكماء على زعمهم وكلاهما نافيتان للاديان والنبوات وبعضهم خص المنع بما لو كان الخبر عما مضى لا الموجود لنا الجزم بوجود البلدان النائية كالهند والصين والامم الخالية كقوم فرعون وقوم موسى عليه السلام ضرورة من دون تشكيك كالجزم بالمشاهدات وللسمنية شبة واهية مثل أنهم قالوا أولا أنه كإجتماع الخلق الكثير على أكل طعام واحد وهو محال عادة وفيه مع أنه مدفوع بوقوعه كما ذكرنا قياس مع الفارق لوجود الداعي فيما نحن فيه دون ما ذكروه وثانيا أنه لو حصل العلم به لزم إجتماع النقيضين لو تواتر نقيضه أيضا وفيه أن هذا الفرض محال وثالثا لو حصل العلم به لحصل بما نقله اليهود والنصارى عن نبيهم بأنه لا نبي بعده فيبطل دين محمد صلى الله عليه وآله وفيه منع تحقق التواتر فيما ذكروه لاشتراط التساوي الوسائط في إفادة العلم بالكثرة وبخت نصر قد إستأصل اليهود فلم يبق منهم عدد التواتر وكذلك النصارى في أول الامر لم يكونوا عدد التواتر مع أن عدم العلم بتساوي الطبقات يكفي في المنع ولا يهمنا إثبات العدم واعلم أن هيهنا دقيقة لا بد أن ينبه عليها وهو أنه قد يشتبه ما يحصل العلم فيه بسبب التسامع والتضافر وعدم وجود المخالف بالتواتر فمثل علمنا بالهند والصين ورستم وحاتم ليس من جهة التواتر لانا لم نسمع إلا من أهل عصرنا وهم لم يرووا لنا عن سلفهم ذلك فضلا عن عدد يحصل به التواتر وهكذا و ذلك وإن لم يستلزم عدم حصول التواتر في نفس الامر إلا أن علمنا لم يحصل من جهته بل الظاهر أنه من جهة أن أهل العصر قاطبة مجمعون على ذلك إما بالتصريح أو بظهور أن سكوتهم مبني على عدم بطلان هذا النقل فكثرة تداول ما ذكر على الالسنة وعدم وجود مخالف في ذلك في العصر ولا نقل عمن سلف في غيره تفيد القطع بصحته وذلك نظير الاجماع على المسألة وليس ذلك من باب التواتر فالظاهر أن وجود البلاد النائية والامم الخالية لنا من هذا الباب لا من باب التواتر بل الذي يحصل لنا من باب المتواتر في هذا العصر ليس من باب تلك الامثلة والمثال المناسب لهذا العصر هو نقل زلزلة وقعت في بلد فتكاثر الواردون المشاهدون لذلك وتضافروا في الاخبار حتى حصل القطع فعلى هذا فاجتماع اليهود والنصارى على الخبر أو على ملتهم ليس من إحدى القبيلتين أما التواتر فلعدم العلم بتساوي الطبقات بل العلم بالعدم كما ذكرنا وأما الاجماع فلوجود المخالفة من المسلمين وغيرهم فلا نغفل فإن أكثر الامثلة


[ 422 ]

التي يذكرون في هذا الباب من باب الثاني لا الاول وكم من فرق بينهما ورابعا إن الكذب يجوز على كل واحد من الآحاد فيجوز على الجميع لانه عبارة عن الآحاد وفيه منع إتحاد حكم المجموع مع الآحاد فإن العسكر يفتح البلاد ويظفر ولا يتمشى ذلك من كل واحد والعشرة من حكمها ان الواحد جزئها بخلاف الواحد فلا يلزم من حصول العلم من اخبار الجميع بسبب التعاضد والتقوى حصوله من كل واحد وذكروا غير ذلك أيضا من الشبه الواهية الظاهرة الدفع مع أنها تشكيكات في مقابلة الضرورة فلا يستحق الجواب كالشبه السوفسطائية المنكرين للحسيات فإن غاية مراتب الجواب الضرورة وهم ينكرونها و لهم شبهتان أخريان إنما تردان على من قال بأن العلم الحاصل من التواتر ضروري كما هو المشهور وهو أنه لو حصل العلم به بالضرورة لما فرقنا بينه وبين سائر الضروريات واللازم باطل لانا نفرق بين وجود الاسكندر وكون الواحد نصف الاثنين وانه لو كان ضروريا لما اختلف فيه ونحن لكم مخالفون وفيهما مع أنهما لا يردان إلا على القول بكون العلم به ضروريا لا مطلقا أنه يرد على الاول أن الفرق إنما هو من جهة تفاوت الضروريات في حصول العلم من جهة كثرة المؤانسة ببعضها دون بعض وعلى الثاني أن الضرورة لا تستلزم عدم المخالف كما نشاهد في السوفسطائية وإنما هو من جهة بهت وعناد تنبيهات الاول انهم إختلفوا في كيفية العلم الحاصل بالتواتر فالمشهور أنه ضروري وقال الكعبي وأبو الحسين والجويني وإمام الحرمين أنه نظري وعن الغزالي الميل إلى الواسطة وذهب السيد رحمه الله إلى التوقف في موضع وإلى التفصيل في موضع آخر وارتضاه الشيخ في العدة والاقرب عندي القول بالتفصيل احتج المشهور بأنه لو كان نظريا لتوقف على توسط المقدمتين واللازم منتف لانا نعلم علما قطعيا بالمتواترات مثل وجود مكة وهند وغيرهما مع إنتفاء ذلك وأيضا لو كان نظريا لما حصل لمن لا قدرة له على النظر كالعوام والصبيان وأيضا يلزم أن لا يعلمه من ترك النظر قصدا إذ كل علم نظري فإن العالم به يجد نفسه أولا شاكا ثم طالبا ونحن لا نجد أنفسنا طالبين لوجود مكة ويمكن دفع الاول بأنا نمنع عدم الاحتياج إلى توسط المقدمتين في المتواترات مطلقا نعم يتم فيما حصل القطع من جهة التواتر إضطرارا فإن المتواترات على قسمين قسم منها ما يحصل بعد حصول مباديها إضطرارا وبدون الكسب كالمشاهدات وضروريات الدين ووجود مكة وهند وأمثال ذلك و منها ما هو مسبوق بالكسب كالمسائل العلمية التي لا بد أن يحصل التتبع فيه من جهة ملاحظة الكتب وملاقاة أهل العلم والاستماع منهم أصولية كانت وفروعية ولا ريب أن التتبع وإستماع الخبر يتدرج في حصول الرجحان في النظر إلى حيث يشرف المتتبع على حصول العلم فيلاحظ حينئذ المقدمات من كون هذه


[ 423 ]

الاخبار مسموعة ومنوطة بالحس وإن هؤلاء الجماعة الكثيرين لا يتواطؤن على الكذب ثم يحصل له القطع بمضمونها فهذا متواتر نظري ومن علامات النظري أن بعد حصول العلم أيضا إذا ذهل عن المقدمتين قد يتزلزل القطع ويحتاج إلى مراجعة المقدمات وهو مما يحصل في كثير من المتواترات بخلاف الضروري فالضروري وإن كان أيضا لا ينفك عن المقدمات لكنها لا تحتاج إلى المراجعة إليها والاعتماد عليها ما دام ضروريا فإن كان مراد المشهور هو ذلك فمرحبا بالوفاق وإن كان مرادهم إن كل متواتر لا يحتاج إلى النظر مطلقا فهو مكابرة وإلى ما ذكرنا ينظر كلام سيدنا المرتضى رحمه الله حيث قال ان اخبار البلدان والوقائع والملوك وهجرة النبي صلى الله عليه وآله ومغازيه وما يجري هذا المجرى يجوز أن يكون العلم بها ضرورة من فعل الله تعالى ويجوز أن تكون مكتسبة من أفعال العباد وأما ما عدا ذلك مثل العلم بمعجزات النبي صلى الله عليه وآله وكثير من أحكام الشريعة والنص الحاصل على الائمة عليهم السلام فنقطع على أنه مستدل عليه وهذا هو التفصيل الذي أشرنا إليه وارتضاه الشيخ في العدة والظاهر أن القول بالتوقف المنسوب إليه أيضا إنما هو في القسم الاول من الضروريات ومنشأ التوقف الشك والتأمل في أن العلم هل يحصل بجعل الله تعالى إضطرارا من دون إختيار العبد بعد حصول المقدمات (هنا) ؟ ويحصل من جهة كسب العبد والتأمل في المقدمات من كون المخبرين عددا يمتنع كذبهم وأنهم أخبروا عن حس وإن لم يكن متفطنا بها حين حصول العلم إذ يصدق حينئذ أن العلم ناش عن الكسب وإن لم يتفطن بالمكتسب عنه حين العلم إذ لا فرق بين المعلومات الموصلة إلى المطلوب التي كانت حاصلة بالعلم الاجمالي أو التفصيلي فإن من أسس أساسا وأصل أصلا وقاعدة يتفرع عليه فروع كثيرة فقد إكتسب في ذلك فكلما ترتب عنده نتيجة على ما أصله بسبب علمه به إجمالا يصدق أنه من كسبياته و إن احتمل أيضا أن يكون مع ذلك إلقاء العلم في روعه بفعل الله تعالى ومجرى عادته عقيب اخبار هذا القدر من المخبرين ومما ذكرنا ظهر أن المتواتر بعد العلم بالتواتر أيضا يمكن أن يكون نظريا فضلا عن إبتداء الامر وأما الدليل الثاني ففيه أن العوام والصبيان إيضا لهم معلومات نظرية بالضرورة وأنهم يستفيدون ذلك من المقدمات ويترتب في نظرهم مقدمات الدليل ويحصل لهم النتيجة لكنهم لا يتفطنون بها من حيث هي كذلك والمقدمات العادية لا إشكال فيها ولا دقة بحيث لم تحصل للعوام والصبيان بل مدار العالم وأساس عيش بني آدم غالبا على المقدمات العادية التي يفهمه أكثر العقلاء وإلا فلا نجد أحدا من غير العلماء والازكياء يعلم ضره من نفعه وخيره من شره مع أن ذلك مبتن على قاعدة إدراك الحسن والقبح العقلي ولزوم الاجتناب عن المضار وحسن إرتكاب المنافع و


[ 424 ]

النظري هو ما كان العلم به موقوفا على المقدمتين لا بالعلم بهما ويظهر مما ذكرنا الجواب عن الدليل الثالث فلا يفيد واحتج القائلون بكونه نظريا بأنه لو كان ضروريا لما احتاج إلى توسط المقدمتين والتالي باطل لانه يتوقف على العلم بأن المخبر عنه محسوس وأن هذه الجماعة لا يتواطؤن على الكذب وأجيب بمنع التوقف على ذلك إذ العلم بالصدق ضروري حاصل بالعادة ووجود صورة الترتيب للمقدمتين لا يستلزم الاحتياج إليه على أن مثل ذلك موجود في كل ضروري فإن قولنا الكل أعظم من الجزء يمكن أن يقال لان الكل مشتمل على جزء آخر غيره وما هو كذلك فهو أعظم ومما ذكرنا من بيان التفصيل يعرف حقيقة الحال وإن الحق هو التفصيل وأما مذهب الغزالي فالذي نقل عنه في كتابه المستصفى أنه قال العلم الحاصل بالتواتر ضروري بمعنى أنه لا يحتاج إلى الشعور به بتوسط واسطة مفضية إليه مع أن الواسطة حاضرة في الذهن وليس ضروريا بمضي أنه حاصل من غير واسطة كقولنا الموجود لا يكون معدوما فإنه لا بد فيه من حصول مقدمتين إحداهما أن هؤلاء مع كثرتهم وإختلاف أحوالهم لا يجمعهم على الكذب جامع الثانية أنهم قد إتفقوا على الاخبار عن الواقعة لكنه لا يفتقر إلى ترتيب المقدمتين بلفظ منظوم ولا إلى الشعور بتوسطهما وإفضائهما إليه وقال التفتازاني أن حاصل كلامه أنه ليس أوليا ولا كسبيا بل من قبيل القضايا التي قياساتها معها مثل قولنا العشرة نصف العشرين وأنت بعد التأمل فيما ذكرنا تعرف أنه ليس من هذا القبيل وأن الحق ما ذكرنا من التفصيل والظاهر أن ما ذكره الغزالي نوع من النظري لا واسطة ولذلك نسب العلامة رحمه الله في يب القول بالنظرية إليه ولعل مراد الغزالي أنه من باب نظريات العوام فإنهم وإن إستفادوها من المقدمتين لكنهم لم يتفطنوا بهما بكيفيتهما المترتبة في نفس الامر فكان الغزالي قسم النظري إلى قسمين بالنسبة إلى الناظرين وهو في الحقيقة تقسيم للناظرين لا للنظري فكأنه قال العالم والعامي كلاهما مساويان في النظر فيما نحن فيه دون سائر النظريات الثاني أنهم بعدما عرفوا المتواتر بما نقلنا عنهم قالوا ان هذا المعنى يتحقق بأمور فيشترط في تحقق هذا الخبر الذي يفيد العلم بنفسه أمور منها ما يتعلق بالمخبرين ومنها ما يتلعق بالسامع فأما الاول فهو كون المخبرين بالغين في الكثرة حدا يمتنع منه في العادة تواطئهم على الكذب وكون علمهم مستندا إلى الحس فإنه في مثل حدوث العالم لا يفيد قطعا وإستواء الطرفين والواسطة بمعنى أن يبلغ كل واحد من الطبقات حد الكثره المذكورة وذلك فيما لو حصل هناك أكثر من طبقة وإلا فلا واسطة ولا تعدد في الطبقات وربما زاد بعضهم إشتراط كون اخبارهم عن علم ولا دليل عليه بل يكفي حصول العلم من إجتماعهم وإن كان بعضهم ظانين مع كون الباقين عالمين وأقول الكثرة المذكورة التي


[ 425 ]

إشترطوا هنا إن كانت مأخوذة في ماهية المتواتر فالتعريف مختل لعدم دلالته على ذلك إذ مع ملاحظة مدخلية لوازم الخبر في حصول العلم وعدم ضرره في الحد فلا حاجة إلى الكثرة فإذا حصل العلم بخبر ثلاثة بسبب صدقهم وصلاحهم وثقتهم سيما مع إنضمام حال نفس الخبر فيحصل العلم ويصدق الحد على ذلك فيكفي ذلك في تحقق التواتر وإن لم تكن مأخوذة في ماهية فما معنى قولهم ويشترط في حصول التواتر و تحققه كون المخبرين في الكثرة إلى هذا الحد إذ ذلك من مقومات المهية عندهم وإلا فلا معنى لكون ذلك شرطا لحصول العلم بالمتواتر بعدما أخذوا إفادة العلم بنفسه في تعريفه فإن ما يفيد العلم بنفسه لا يتوقف حصول العلم بسببه على شرط آخر كما لا يخفى وأيضا قولهم ويشترط في حصول التواتر كون المخبرين في الكثرة إلى هذا الحد إما أن يراد به إعتبار الكثرة المطلقة بإعتبار الجعل والاصطلاح في والتواتر فما معنى تقييده بكونهم حدا يمتنع تواطؤهم على الكذب وما وجه تخلية التعريف عن لفظ الكثرة إذ المراد كثرة الجماعة لا الكثرة مطلقا حتى تشتمل الثلاثة مع أنه مما يناقش في صدقه في الثلاثة أيضا فلا يحسن أن يقال أن الثلاثة أيضا كثير واما أن يراد به الكثرة المقيدة بما ذكر وحينئد فنقول إن أريد من إمتناع تواطئهم على الكذب عادة من جهة نفس الكثرة مع قطع النظر عن لوازم الخبر وعن كل شئ فمع أنهم لا يقولون به لا يلائم تخصيصهم الاحتراز بما لو كان العلم من جهة القرائن الخارجة عن لوازم الخبر بل لا بد أن يحترزوا من القرائن اللازمة للخبر أيضا فالمتواتر حينئذ هو ما كان إفادته العلم من جهة الكثرة لا غير مع أنه ليس لذلك معيار معين بل يختلف بإختلاف لوازم الخبر جزما ولذلك لم يعين الجمهور للمتواتر عددا خاصا وإن أريد إمتناع تواطئهم على الكذب بملاحظة خصوصيات المواضع وتفاوت لوازم الخبر فيرجع هذا إلى أن هذا الشرط لمحض إدراج قيد الكثرة إذ إمتناع تواطئهم على الكذب بحسب لوازم الخبر كان مستفادا من قولهم يفيد بنفسه العلم فيرجع الكلام فيه البحث الاول وهو أن التعريف مختل للزوم إدراج قيد الكثرة فيه وإن قولهم بنفسه لا يغني عنه وبالجملة كلماتهم هنا في غاية الاختلال فالاولى في التعريف ما ذكرنا سابقا والذي يحضرني من كلام القوم ما يوافق ما اخترته التعريف الذي إختاره السيد عميد الدين رحمه الله في شرح التهذيب حيث قال هو في الاصطلاح عبارة عن خبر أقوام بلغوا في الكثرة إلى حيث حصل العلم بقولهم وأما الثاني فهو كون السامع غير عالم بما أخبر به لاستحالة تحصيل الحاصل وأن لا يكون قد سبق بشبهة أو تقليد إلى إعتقاد نفي موجب الخبر وهذا الشرط مما اختص به سيدنا المرتضى رحمه الله وأوفقه المحققون فمن تأخر عنه وهو شرط وجيه وبذلك يجاب عن كل من خالف الاسلام ومذهب الامامية في إنكارهم حصول العلم بما


[ 426 ]

تواتر من معجزات النبي صلى الله عليه وآله والنص على الوصي عليه السلام وكذلك كل من اشرب (قلبه حب) ؟ خلاف ما إقتضاه المتواتر لا يمكن حصول العلم له إلا مع تخليته عما شغله عن ذلك إلا نادرا الثالث إختلفوا في أقل عدد التواتر والحق أنه لا يشترط فيه وعدد وهو مختار الاكثرين فالمعيار هو ما حصل العلم بسبب كثرتهم وهو يختلف بإختلاف الموارد فرب عدد يوجب القطع في موضع دون الاخر وقيل أقله الخمسة وقيل إثنى عشر وقيل عشرون وقيل أربعون وقيل سبعون وقيل غير ذلك وحججهم ركيكة واهية لا يليق بالذكر فلا نطيل بذكرها وذكر ما فيها وقد إشترط بعض الناس هنا شروطا آخر لا دليل عليها وفسادها أوضح من أن يحتاج إلى الذكر فمنهم من شرط الاسلام والعدالة ومنهم من إشترط أن لا يحويهم بلد ليمتنع تواطئهم ومنهم من إشترط إختلاف النسب ومنهم من إشترط غير ذلك والكل باطل ونسب بعضهم إلى الشيعة إشتراط دخول المعصوم عليه السلام فيهم وهو إفتراء أو إشتباه بالاجماع. تتميم إذا تكثرت الاخبار في الوقايع واختلف لكن إشتمل كل منها على معنى مشترك بينها بالنص أو الالتزام وحصل العلم بذلك القدر المشترك بسبب كثرة الاخبار فيسمى ذلك متواترا بالمعنى و قد مثلوا بذلك بشجاعة علي عليه الصلاة والسلام وجود حاتم فقد روي عنه عليه السلام أنه عليه السلام فعل في غزوة بدر كذا وفي أحد كذا وفي خيبر كذا وهكذا وكذلك عن حاتم أنه أعطى فلانا كذا وفلانا كذا وهكذا فإن كل واحد من الحكايات الاول يستلزم شجاعته عليه السلام وكل واحد من الحكايات والاخر بتضمن جود حاتم لان الجود المطلق جزء الجود الخاص وفيه مسامحة لان الجود صفة للنفس وليس من جملة الافعال حتى تتضمنه بل هو مبدئها وعلتها فذلك أيضا من باب الاستلزام وتحقيق المقام أن التواتر يتصور على وجوه الاول أن يتواتر الاخبار باللفظ الواحد سواء كان ذلك اللفظ تمام الحديث مثل إنما الاعمال بالنيات على تقدير تواتره كما إدعوه أو بعضه كلفظ من كنت مولاه فعلى مولاه ولفظ إني تارك فيكم الثقلين لوجود تفاوت في سائر الالفاظ الواردة في تلك الاخبار والثاني أن يتواتر بلفظين مترادفين أو ألفاظ مترادفة مثل أن الهر طاهر والسنور طاهر أو الهر نظيف والسنور طاهر و هكذا فيكون إختلاف الاخبار بإختلاف الالفاظ المترادفة والثالث أن يتواتر الاخبار بدلالتها على معنى مستقل وإن كان دلالة بعضها بالمفهوم والاخرى بالمنطوق وإن إختلف ألفاظها أيضا مثل نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة الحاصلة من مثل أن يرد في بعض الاخبار ان الماء القليل ينجس بالملاقاة وفي آخر الماء الانقص من الكر ينجس بالملاقاة وفي آخر إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ بل ويتم ذلك على وجه فيما كان النجاسة في تلك الاخبار مختلفة كما في قوله عليه السلام ولا تشرب سؤر الكلب إلا


[ 427 ]

أن يكون حوضا كبيرا يستسقى منه الماء وقوله صلى الله عليه وآله حين سئل عن التوضى في ماء دخله الدجاجة التي وطنت العذرة لا إلا أن يكون الماء كثيرا قدر كر وهكذا فإن المطلوب بالنسبة إلى الماء القليل وهو إنفعاله أمر مستقل مقصود بالذات لا أنه قدر مشترك منتزع من أمور فإن الحكم لمفهوم الماء القليل لا لخصوصيات أفراده التي يشترك فيها هذا المفهوم وذلك أيضا أعم من أن يكون الاخبار منحصرة في بيان هذا المطلب المستقل أو مشتمله على بيان مطلب آخر ايضا والرابع أن يتواتر الاخبار بدلالة تضمنية على شئ مع إختلافها بأن يكون ذلك المدلول التضمني قدرا مشتركا بين تلك الاخبار مثل أن يخبر احد أن زيدا اليوم ضرب عمروا وآخر أنه ضرب بكرا وآخر أنه ضرب خالدا وهكذا إلى أن يحصل حد التواتر مع فرض الواقعة واحدا فإنه يحصل العلم بوقوع الضرب من زيد وإن لم يحصل العلم بالمضروب وكذلك لو إختلفوا في كيفيات الضروب ومن ذلك ورود الاخبار فيما تحرم عنه الزوجة من الميراث بأن يقال أن حرمانها في الجملة يقيني لكن الخلاف فيما تحرم عنه فالقدر المشترك هو مطلق الحرمان الموجود في ضمن كل واحد من الحرمانات والخامس أن يتواتر الاخبار بدلالة إلتزامية بكون ذلك المدلول الالتزامي قدرا مشتركا بينها مثل أن ينهانا الشارع عن التوضى عن مطلق الماء القليل إذا لاقاه العذره وعن الشرب عنه إذا ولغ فيه الكلب وعن الاغتسال عنه إذا لاقاه الميتة وهكذا فإن النهي عن الوضوء في عرف الشارع يدل بالالتزام على النجاسة وهكذا الشرب والاغتسال فإنه يحصل العلم بنجاسة الماء القليل بذلك والسادس أن يتكاثر الاخبار بذكر أشياء تكون ملزومات للازم يكون ذلك اللازم منشأ لظهور تلك الاشياء مثل الاخبار الواردة في غزوات علي عليه الصلاة والسلام وما ورد في عطايا حاتم وذلك يتصور على وجهين الاول أن يذكر تلك الوقائع بحيث تدل بالالتزام على الشجاعة والسخاوة مثل أن يذكر غزوة خيبر بالتفصيل الذي وقع فإنه لا يمكن صدورها بهذا التفصيل والتطويل والمقام الطويل والكرارية من دون الفرارية إلا عن شجاع بطل قوي بالغ أعلى درجة الشجاعة وهكذا غزوته عليه السلام في أحد وفي الاحزاب وغيرها فباجتماع هذه الدلالات يحصل العلم بثبوت أصل الشجاعة التي هي منشأ لهذه الاثار وكذلك عطايا حاتم والفرق بين هذا وسابقه أن الدلالة في الاول مقصودة جزما والاخبار مسوقة لبيان ذلك الحكم الالتزامي بخلاف ما نحن فيه فإنه قد لا يكون بيان الشجاعة مقصودا أصلا وإن دل عليها تبعا فحصول العلم فيما نحن فيه من ملاحظة كل واحد من الاخبار ثم تلاحق كل منها بالاخر والثاني أن يذكر تلك الوقايع لا بحيث تدل على الشجاعة مثل أن يقال ان فلانا قتل في حرب كذا رجلا وقال آخر انه قتل في حرب آخر رجلا وهكذا


[ 428 ]

فبعد ملاحظة المجموع يحصل العلم بأن مثل ذلك الاجتماع ناش عن ملكة نفسانية هي الشجاعة وليس ذلك بمحض الاتفاق أو مع الجبن أو لاجل القصاص ونحو ذلك وكذلك في قصة الجود والقدر المشترك الحاصل من تلك الوقائع على النهج السابق هو كلي القتل والاعطاء وهو لا يفيد الشجاعة ولا الجود ولكن الحاصل من ملاحظة المجموع من حيث المجموع هو الملكتان ولعل من جعل الجود من باب الدلالة التضمنية غفل عن هذا واختلط عليه الفرق بينت الجود والعطاء ولعل كلام العضدي ناظر إلى هذا الوجه حيث قال واعلم أن الواقعة الواحدة لا تتضمن السخاوة ولا الشجاعة بل القدر المشترك الحاصل من الجزئيات ذلك وهو المتواتر لا لان آحادها صدق قطعا بل بالعادة إنتهى والظاهر أنه فرض المقام خاليا عن وجه يدل على الشجاعة بالالتزام ومع هذا الفرض فالامر كما ذكره من عدم دلالة كل واحد من الوقائع على الشجاعة والسخاوة ولذلك قال بل القدر المشترك الحاصل من الجزئيات يعني الحاصل من ملاحظة مجموع الجزئيات لا كل واحد منها هو الشجاعة والسخاوة لافادتها بكثرتها الملكة النفسانية وأما قوله لا لان آحادها صدق يعني أن المتواتر في سائر الاقسام لا ينفك عن صدق الآحاد بناء على المشهور في معنى الصدق بلا شبهة وإن كان من جهة الدلالة الالتزامية الحاصلة مع كل منها أو التضمنية الحاصلة مع كل منها كما في الصورتين السابقتين وأما في ذلك فلا يستلزم صدق واحد من الوقائع فضلا عن جميعها ولكن بالعادة يحصل العلم بالقدر المشترك يعني ما هو قدر مشترك في كونه لازما لها وهو الشجاعة والسخاوة من سماع تلك الواقعات وإن لم يحكم العقل بصدق واحد من الواقعات بعنوان القطع إذ لا مشترك بينها في الدلالة حينئذ والقدر المشترك إنما يحصل من جميعها هذا ويظهر من العضدي في هذا القام أنه حصر المتواتر المعنوي في الوجه الثاني من الوجهين ومقتضاه أنه يحصل بمجموع الآحاد الدلالة على القدر المشترك بعنوان القطع لا ان الدلالة كانت حاصلة في كل من الآحاد ولكن القطع حصل بمجموعها وإلا فكان اللازم عليه أن ينبه على ان ذلك مناقشة في المثال مع أن المثال الذي ذكروه قابل لكلا الوجهين كما عرفت وإدخال الوجه الاول تحت المتواتر اللفظي وكذا بعض ما تقدمه من الاقسام مشكل وعلى هذا فجميع أقسام المتواتر يجمعها قسمان أحدهما أن يدل آحاد الاخبار على شئ يوجب كثرتها مع دلالتها على ذلك الشئ القطع بحصول ذلك الشئ وذلك هو ما عدى الوجه الثاني من القسم السادس من الاقسام والثاني أن يحصل من مجموع آحاد متكثرة الدلالة على شي وكانت مقطوعا بها ويمكن أن يمثل للوجه الثاني بالاخبار التي وردت في نجاسة الماء القليل بالخصوصيات المعينة من جهة النجاسة ومن جهة الماء معا فإن


[ 429 ]

بملاحظة مجموعها يمكن دعوى القطع بأنها تدل على نجاسة مطلق الماء القليل بل الظاهر أن الحكم كذلك ولو كان الحكم بالنجاسات المخصوصة كان واردا في مطلق الماء القليل كما هو مضمون بعض الاخبار فإن عموم الموضوع لا ينفع مع خصوص الحكم إذا عرفت هذا فاعلم أن ما ذكروه في تعريف التواتر من إشتراط كونه منوطا بالحس فإن أرادوا إدراج المشترك المعنوي في التعريف فلا بد أن يقال ان المتواتر هو ما يكون نقل المخبرين منوطا بالحس وموجبا بنفسه العلم بذلك المحسوس أو بالقدر المشترك بين الاحاد الموجود في ضمنها الذي هو غير محسوس في نفسه وإن عرض له المحسوسية بسبب وجوده في ضمن الفرد أو بلازمه سواء كان فهم اللزوم من جهة كل واحد من الآحاد أو من مجموعها فعلى هذا يندفع الاشكال الذي أورده المحقق البهائي رحمه الله على الاجماع المنقول بالخبر المتواتر كما أشرنا سابقا فيكون هذا القسم من الخبر المتواتر والاجماع المتواتر من قبيل أصل الاجماع وفهم إتفاق آراء الكل و مطابقة آرائهم لاقوالهم فكما أن هناك الاقوال المحسوسة ومطابقة الآراء مدركة بالعقل فكذلك في الاجماع المتواتر والخبر المتواتر معنى بالمعنى الاخير ويمكن أن يقال في الوجه الاول من الوجهين أن العلم بحصول فرد محسوس من الافراد مع العلم بمقارنتها مع لازمها الذي دل عليه كل واحد من الآحاد يحصل للسامع وكذلك فيما قبله قانون خبر الواحد ما لم ينته إلى حد التواتر كثرت رواته أم قلت وقيل ما أفاد الظن ويبطل عكسه بخبر لا يفيد الظن والمستفيض ما زاد نقلته على ثلاثة كذا ذكره إبن الحاجب وقرره العضدي وقال التفتازاني في تفسيره أي خبر لا يفيد العلم بنفسه سواء لم يفد العلم أصلا أو أفاد بالقرائن الزايدة قال وعلى هذا لا واسطة بين الخبر المتواتر وخبر الواحد فالمستفيض نوع منه أقول قد عرفت أنهم عرفوا المتواتر بأنه خبر جماعة يفيد بنفسه العلم واحترزوا بالتقييد بنفسه عما لو حصل العلم من القرائن الخارجة عما لا ينفك الخبر عنه عادة كشق الثوب والصراخ والجنازة في المثال الآتي فظهر أن مدخلية القرائن الداخلة في حصول العلم لا تضر بكونه متواترا وإن كان للكثرة أيضا مدخلية في حصول العلم فإذا كان خبر الواحد بقرينة المقابلة هو ما لم ينته إلى حد التواتر يعني لم يكن مما حصل العلم به من جهة الكثرة فيكون له فردان فرد لا يثبت به العلم أصلا وفرد لا يثبت به العلم من جهة الكثرة وإن حصل من جهة القرائن الداخلة أو الخارجة إذ لم يقم دليل على إمتناع حصول العلم بخبر الواحد بملاحظة القرائن الداخلة كما سنذكره أو الخارجة كما هو مختار الاكثر فعلى هذا فللخبر الواحد اقسام كثيرة منها ما يفيد القطع من جهة القرائن الداخلة ومنها ما يفيد القطع من جهة القرائن الخارجة ومنها ما يفيد الظن ومنها ما لا يفيده أيضا وعلى هذا فالمستفيض يمكن دخوله في كل من القسمين فيكون قسما


[ 430 ]

ثالثا ولا مانع من تداخل الاقسام وهذا هو ظاهر إبن الحاجب والعضدي فإذا لم يبلغ الكثرة إلى حيث يكون له في العرف والعادة مدخلية في الامتناع من التواطؤ على الكذب مثل الثلاثة والاربعة و الخمسة وإن حصل العلم من جهة القرائن الداخلة فهو مستفيض قطعي وإن زاد على المذكورات بحيث يمتنع التواطؤ على الكذب بمثل هذا العدد في بعض الاوقات ولكن لم يحصل فيما نحن فيه فهذا مستفيض ظني ويمكن إلحاق الاول بالمتواتر على وجه مر الاشارة إليه من القول بكون خبر الثلاثة إن كان قطعيا متواترا وإلحاق الثاني بخبر الواحد ويمكن جعلهما قسمين من خبر الواحد على ما بيناه من جعل خبر الواحد أعم من الظني وبالجملة كلام القوم هنا غير محرر ويرجع النزاع إلى أن الخبر الواحد الخالي عن القرائن الزائدة هل يفيد العلم أم لا وعلى الاول فهل هو مطرد أم لا وعلى الثاني فهل يفيد العلم مع القرائن الزايدة أم لا فهناك أقوال أربعة واعلم أن القول بإفادة العلم مع قطع النظر عن القرائن الداخلة والخارجة في خبر غير العدل لم يعهد من أخذ منهم وكذلك إشتراط العدالة في الخبر المحفوف بالقرائن الخارجية ومحل نزاعهم في غير المحفوف بالقرائن الخارجية مخصوص بخبر العدل وفيه أعم فلنقدم الكلام في خبر العدل الخالي عن القرائن الخارجية فالمشهور عدم إفادته العلم مطلقا وذهب أحد من العامة إلى أنه يفيد العلم مطردا وذهب قوم إلى أنه يفيده غير مطرد وهذا أظهر لانا كثيرا ما نجد بالوجدان حصول العلم من خبر العدل الواحد بملاحظة القرائن اللازمة للخبر التي لا ينفك عنها عادة وإن لم يكن هناك قرينة خارجة إذ قد عرفت أن إعتبار القرائن الداخلة لم يخرج عن تعريف الخبر الواحد ولكن ذلك لا يطرد كما هو مشاهد بالوجدان بل (لامعد) ؟ القول بحصول ذلك في خبر غير العدل أيضا وما استدل به القائل بالاطراد في خبر العدل من أنه لو لم يفد العلم لما وجب العمل به بل لم يجز لقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وإن يتبعون إلا الظن والتالي باطل للاجماع فالمقدم مثله فهو باطل لان الاجماع إنما هو الباعث على العمل بالظن وهو قاطع ولمنع تعلق النهي بالعمل بالظن في الفروع وإنما هو في الاصول كما مر وسيجئ واحتج الجمهور بوجوه ثلاثة الاول أنه لو حصل بلا قرينة يعني خارجية لكان عاديا إذ لا علية عندنا ولا ترتب إلا بإجراء الله عادته بخلق شئ عقيب شئ آخر ولو كان عاديا لاطرد كالخبر المتواتر و إنتفاء اللازم بين الثاني أنه لو حصل العلم به لادى إلى تناقض المعلومين إذا أخبر عدلان بأمرين متناقضين فإن ذلك جائز بالضرورة بل واقع واللازم باطل لان المعلومين واقعان في الواقع وإلا لكان العلم جهلا فيلزم إجتماع النقيضين الثالث لو حصل العلم به لوجب القطع بتخطئة من


[ 431 ]

يخالفه بالاجتهاد وهو خلاف الاجماع والجواب عن الاول منع بطلان التالي إن اراد أنه لا يفيد القطع إذ فرض صورة أخرى مثله إذ نحن نقول في الصورة التي فرضنا كون خبر الواحد مفيدا للعلم من جهة القرائن الداخلة أنه إذا فرض مثل هذا الخبر في موضع آخر لم يتفاوت في القرائن المذكورة أيضا يفيد العلم فإن أراد من عدم الاطراد عدم الافادة في مثل ذلك الموضوع أيضا فهو ممنوع وإن أراد في جميع أفراد خبر الواحد فلا يضرنا كالمتواتر فإنه أيضا يختلف بإختلاف الموارد كما صرحوا به فكلما أرادوا من الاطراد وجريان العادة في المتواتر فيزيد نظيره فيما نحن فيه وقد يورد على هذا الدليل بأن دعوى الملازمة لغو إذ لو كان عقليا لثبت الاطراد بالطريق الاولى وإرادة نفي كون ذلك على سبيل الاتفاق من ذلك يأباه التعليل بقوله إذ لا علية ولا ترتب اه وفيه أن هذا الدليل من الاشاعرة وهو لما جعلوا عدم العلية والترتب العقلي مفروغا عنه ففرضهم أن الامر هنا منحصر في كون الترتب عاديا وكونه بسبب جريان عادة الله به ومقتضاه الدوام فلا يكون من باب محض الاتفاق ولا ينافيه التعليل بقوله إذ لا علية ولا ترتب اه فإن الحصر بالنسبة إلى محض الاتفاق وعن الثاني أن هذا الدليل إنما ينهض على القائل بالاطراد ونحن لا نقول به في كل خبر عدل فنمنع لزوم حصول العلم بالمتناقضين وإن هذا الفرض غير متحقق كما مر نظيره في شبه السومناتية في المتواتر ولو فرض أن أحدا إدعى حصول العلم بخبر بسبب القرائن الداخلة وآخر بنقيضه ظهر أن أحدهما أخطأ في دعوى العلم وكذلك ولو إدعى أولا حصول العلم بخبر ثم ظهر له العلم بنقيضه بخبر آخر فقوله ان ذلك جائز بالضرورة بل واقع إن أراد مجرد صدور خبر عدلين في طرفي النقيض فهو كذلك لكنا لا نقول بحصول العلم منهما وإن أراد حصول العلم بشئ لاحد من يخبر بسبب القرائن الداخلة ولاخر بنقيضه فهو جائز الوقوع لكن ذلك كاشف عن الخطأ في دعوى العلم ونظيره في البراهين غير محصور عن الثالث إن أراد ما لو حصل العلم به للمخالف بالاجتهاد ايضا فلا ريب ان المخالف له مخط جزما ودعوى الاجماع على خلافه باطل قطعا وإن أراد ما لو لم يحصل العلم به للمخالف فهو كما ذكره من جواز المخالفة ولا غائلة فيه إذ ربما يحصل لاحد العلم بشئ لا يحصل لآخر وكل مكلف بما حصل له والظاهر أن الدليلين الاخيرين في مقابل من يقول بالاطراد وأما الخبر المحفوف بالقرائن الخارجة فالاظهر فيه أنه قد يفيد القطع وذهب قوم إلى المنع لنا أنه لو أخبر ملك بموت ولد له مشرف على الموت وانضم إليه القرائن من صراخ وجنازة وخروج المخدرات على حالة منكرة غير معتادة من دون موت مثله وكذلك الملك وأكابر مملكته فإنه يحصل بذلك العلم بصحة الخبر ويعلم به موت الولد وجدانا ضروريا لا يعتريه شك وريب بل وقد يحصل


[ 432 ]

دون ذلك وأما ما أورد عليه من الشكوك ومنع العلم إذ لعله غشي عليه فأفاق أو مات وله آخر له فجأة واعتقده المخبر أنه المشرف على الموت ففيه أنها إحتمالات عقلية لا تنافي العلوم العادية مع أنا نفرض الواقعة بحيث لا يبقى هذه الاحتمالات وكذلك ما قيل أن ذلك العلم لعله من جهة القرائن من دون مدخلية الخبر كالعلم بخجل الخجل ووجل الوجل وإرتضاع الطفل اللبن من الثدي ونحوها فإن القرينة قد تستقل بإفادة العلم مدفوع بأنه حصل بالخبر بضميمة القرائن إذ لولا الخبر لجوز موت شخص آخر والحق أن إمكان حصول العلم بديهي لا يقبل التشكيك واحتج المنكرون بالوجوه الثلاثة المتقدمة والجواب عنها يظهر ما ذكرنا ثمة فلا نعيدها ثم ان بعضهم ذكر أن الخبر المحفوف بالقرائن القطعية لم يقع في الشرعيات أقول إمكان حصوله للحاضرين المستمعين من الصحابة والتابعين والمقاربين عهد الائمة عليهم السلام مما لا يمكن إنكاره وكذلك المحفوف بالقرائن الداخلة وأما في أمثال زماننا فلم نقف عليه في اخبارنا وما ذكره بعض أصحابنا كالشيخ رحمه الله في أول إستبصاره من القرائن المفيدة للقطع مثل موافقة الكتاب والسنة والاجماع والعقل فهو ليس مما يفيد القطع إذ غاية الامر موافقة الخبر لاحد المذكورات وهو لا يفيد قطعية صدوره ولا دلالته ولا فرض كون مضمونه قطعيا بسبب أخذ من تلك القرائن فهو الخبر المقرون بالقرينة الدالة على صحة مضمون الخبر لا صحة نفس الخبر وموضوع المسألة إنما هو الثاني لا الاول فاخبارنا اليوم كلها ظنية إلا ما ندر ومخالفة الاخباريين في ذلك ودعواهم قطعيتها مما لا يصغى إليه ولعلنا نتكلم في ذلك بعض الكلام في باب الاجتهاد والتقليد قانون إختلفوا في حجية الخبر الواحد العاري عن القرائن المفيدة للعلم بصدق نفسه وبصدق مضمونه وإن كان نصا في الدلالة فإنما قيدنا بذلك لانه قد يكون مضمونه قطعيا بإعتبار موافقته لدليل قطعي ولم يتعرضوا هنا للخلاف فيه لعدم فائدة مهمة في الخلاف من حيث حجيته في نفسه مع ثبوت قطعية مضمونه وقد يكون هو بنفسه قطعيا لكن يكون مضمونه ظنيا بإعتبار كون دلالته ظاهرا لا نصا وخلافهم في هذا المقام أيضا ليس فيه بل النزاع في جواز العمل به هو النزاع في جواز العمل بالظن مطلقا و أما الخبر الذي كان صدقه قطعيا بنفسه وبمضمونه فخروجه عن البحث ظاهر فانحصر البحث فيما لم يحصل العلم به من حيث السند والمضمون معا والحق أنه يجوز التعبد به عقلا أي لا يلزم من تجويز العمل به محال أو قبيح بلا خلاف فيه من أصحابنا إلا ما نقل عن إبن قبة وتبعه جماعة من الناس تمسكا بأنه يؤدي إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال وأنه لو جاز التعبد به في الاخبار عن المعصوم عليه السلام لجاز عن الله تعالى أيضا لجامع كون المخبر عادلا في الصورتين وفيه ما فيه ويمكن توجيه الاستدلال الاول بأن للمحرمات


[ 433 ]

مثلا قبحا ذاتيا وكذا الواجبات وربما يحرم شئ لكونه سما أو موجبا لفساد في العقل أو الجسم كالخمر والميتة الموجبتين للقساوة وظلمة القلب وتلك خاصيتهما ولا تزول بالجهل فإذا جوز العمل بخبر الواحد المفيد للظن فلا يؤمن عن الوقوع في تلك المفسدة فتجويز العمل به مظنة الوقوع في المهلكة ويمكن دفعه بأنا نرى بالعيان أن الشارع الحكيم جوز لنا أخذ اللحم عن أسواق المسلمين وحكم بالحل وإن لم نعلم كونه مذكى وكذلك وقع المؤاخذة عن الجاهل والناسي وغيرهما فعلم من ذلك أنه تدارك هذا النقص من شئ آخر من الشرائع من الاعمال الشاقة والمجاهدات الصعبة وسائر التكليفات فلا مانع من أن يجوز العمل بالظن الحاصل من خبر الواحد وإن كان في نفس الامر موجبا لارتكاب الحرام وترك الواجب ثم إختلفوا في جواز العمل به شرعا والمراد بهذا الجواز هو المعنى العام الشامل للوجوب بل المراد الوجوب لانه إذا جاز العمل به شرعا فلا بد أن يجب أن يعمل على مقتضاه بعنوان الوجوب في الواجب وبعنوان الاستحباب في المستحب وهكذا والحق جواز العمل به بالمعنى المذكور كما هو مختار جمهور المتأخرين خلافا لجماعة من قدمائنا كالسيد رحمه الله وإبن زهرة وإبن البراج وإبن إدريس والحق أنه يدل على ذلك السمع والعقل كلاهما كما سيجئ خلافا لجماعة حيث أنكروا دلالة العقل عليه لنا وجوه الاول قوله تعالى إن جائكم فاسق بنباء فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين وجه الدلالة أنه سبحانه علق وجوب التبين على مجئ الفاسق فينتفي عند إنتفائه عملا بمفهوم الشرط وإذا لم يجب التبين عند مجئ غير الفاسق فإما أن يجب القبول وهو المطلوب أو الرد وهو باطل لانه يقتضي كونه أسوء حالا من الفاسق وهو واضح الفساد هكذا ذكره كثير من الاصوليين والوجه عندي أنه ليس من باب مفهوم الشرط لان غاية ما يمكن توجيهه على ذلك أن يكون المعنى إن جائكم خبر الفاسق فتبينوا ومفهومه إن لم يجئكم خبر الفاسق فلا يجب التبين سواء لم يجئكم خبر أصلا أو جائكم خبر عدل فالمطلوب داخل في المفهوم وإن لم يكن هو هو وفيه أولا أن ظاهر الآية إن جائكم الفاسق بالخبر ومفهومه إن لم يجئ الفاسق بالخبر لا إن لم يجئ خبر الفاسق وثانيا أن المراد بالتبين والتثبت طلب ظهور حال خبر الفاسق والثبات والقرار حتى يظهر حال خبر الفاسق فكأنه قال تبينوا خبر الفاسق فالمفهوم يقتضي عدم وجوب تبين حال خبر الفاسق لا خبر العادل للزوم وحدة الموضوع والمحمول في المفهوم والمنطوق في الشرط والجزاء نعم لما كان مقدم المفهوم إن لم يجئكم خبر الفاسق بحيث يشمل عدم خبر أصلا أو مجئي خبر عادل وتاليه لا يجب تبين خبر الفاسق بحيث يشمل ما لو لم يكن هناك خبر اصلا أو كان ولكن كان خبر العادل فيندرج فيه خبر العادل ولكن لا يدل على عدم وجوب تبينه مع أن ذلك خروج عن حقائق الكلام


[ 434 ]

وترك للعرف والعادة بمجرد كون إحتمال السالبة منتفية الموضوع ولا ريب أنه مجاز لا يصار إليه وقسمة المنطقيين السالبة إلى الموجود الموضوع المنتفي الموضوع لا توجب كونه معنى حقيقيا لها أو عرفيا والكتاب والسنة إنما وردا على مصطلح أهل اللغة والعرف ولا مصطلح أهل الميزان فالاعتماد على مفهوم الوصف فإنا وإن لم نقل بحجيته في نفسه لكنه قد يصير حجة بإنضمام قرينة المقام كما أشرنا إليه في مباحث المفاهيم وعلى فرض إمكان تصوير مفهوم الشرط في هذا الكلام فلا يخفى أن حجية مثل هذا المفهوم الوصفي أوضح من حجية هذا الفرد من المفهوم الشرطي نعم لو جعل معنى الآية إن كان المنبئ فاسقا فتبينوا لصار ذلك من باب مفهوم الشرط وهو خلاف الظاهر وكيف كان فنتيجة الاستدلال بالآية والخدشة في الاستدلال بأن المفهوم نفي وجوب التبين وهو لا يدل إلا على جواز العمل والمقصود إثبات الوجوب لا وجه لها لما أشرنا إليه من معنى الجواز ولعدم القائل بالفصل فمن قال بالجواز قال بالوجوب وسيجئ تمام الكلام ثم ان هذا الاستدلال إنما ينهض على من جوز العمل بالمفاهيم وبالظن الحاصل من الظواهر في مسائل الاصول وقد عرفت في المباحث السالفة التحقيق فيهما وستعرف في الثاني أيضا واعترض أيضا بأن سبب نزول الاية أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث وليد بن عتبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق مصدقا فلما جاء إلى ديارهم ركبوا مستقبلين فحسبهم مقاتليه فرجع وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بأنهم إرتدوا فنزلت الآية وأيضا التعليل بقوله أن تصيبوا إلخ إنما يجري فيه وفي مثله لا مطلق الخر والمقصود إثبات حجية مطلق الخبر والاول مردود بما حققنا سابقا من أن العبرة بعموم اللفظ ولفظ فاسق وبنباء ينزلان على العموم كما لا يخفى إذ لو كان المراد الخصوص لناسب العهد والتعريف باللام والثاني بأن التعليل لبيان أن خبر الفاسق معرض لمثل هذه المفسدة العظمى لا أنه كذلك مطلقا وفي جميع الافراد وذلك لا يوجب إختصاص التبين بمثل هذه الواقعة مع أن ذلك أيضا يفيد المطلوب إذ مفهومه يقتضي عدم التثبت في مثل هذه الواقعة وغيرها لخبر العادل عملا بالعلة المنصوصة في المنطوق وقد يعترض أيضا بأن العمل بخبر العدل لا يصح في مورد نزول الاية لعدم جواز العمل بخبر العدل الواحد في الارتداد فلا يدل على حجية خبر العدل مطلقا فعلى هذا فالنكتة في ذكر الفاسق التنبيه على فسق الوليد وتعييره عليه وإلا فكان يكفي أن يقول إن جائكم أحد ونحوه وفيه أن عدم جواز العمل بخبر العدل في الردة لا يضر بحجية المفهوم لامكان التخصيص يعني إخراج المورد عن عام المفهوم بدليل خارجي والمناسب للتعيير حينئذ هو التعريف والعهد فالعدول عنه بعد ترك ذكر مثل أحد ونحوه يدل على أن ذلك من جهة إعتبار المفهوم مع أن عدم قبول خبر العدل الواحد في الردة إنما هو إذا لم ينضم إليه آخر بخلاف خبر الفاسق فإنه لا يقبل أصلا فكأنه أريد أن جائكم فاسق


[ 435 ]

بخبر وإن كان خبر غير الارتداد فلا تقبلوه أصلا لا منضما ولا منفردا إلا مع التثبت بخلاف خبر العدل فإنه يقبل في الجملة اما في غير الردة فمطلقا واما في الردة فمع إنضمام الغير الثاني قوله تعالى فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وجه الدلالة أنه تعالى اوجب الحذر عند إنذار الطوائف للاقوام وهو يتحقق بإنذار كل طائفة من الطوائف لقومهم ولما لم يدل لفظ الفرقة على كونهم عدد التواتر فلفظ الطائفة أولى بعدم الدلالة بل الظاهر أن الفرقة يطلق على الثلاثة فيصدق الطائفة على الاثنين بل الواحد أيضا ولا يضر ضمير الجمع في قوله تعالى ليتفقهوا في شموله للواحد ايضا لانه عبارة عن الطوائف ولا يلزم من ذلك لزوم إعتبار الانذار من جميع الطوائف لصدق حصوله بإنذار كل واحد منهم كل واحد من الاقوام ثم يصدق حصوله بملاحظة كل واحد واحد منهم بالنسبة إلى قومهم وكيف كان فالمقصود بيان حجية خبر الواحد في الجملة لا حجية مجرد خبر رجل واحد مع أنه لا قائل بالفرق في جانب المنع وأما دلالة الآية على وجوب الحذر فلان التهديد المستفاد من كلمة لولا يدل على وجوب النفر وتعليل النفر بالتفقه يدل على وجوبه وكذا تعليله بالانذار ومن المستبعد جدا وجوب الانذار وعدم وجوب إطاعة المستمع بل المتبادر وجوب الاطاعة للمنذرين والمشهور في وجه الدلالة أن كلمة لعل للترجي وهو ممتنع على الله تعالى فلا بد من إخراجها عن ظاهرها وأقرب مجازاتها الطلب الذي هو في معنى الامر الظاهر في الوجوب وهو فاسد لما بيناه في مبحث الامر وقيل ان أقرب مجازاتها مطلق الطلب و تحمله على الوجوب لانه لا معنى لندب الحذر وجوازه لانه إن حصل المقتضي له فيجب وإلا فلا يحسن و رد بأن ندب الحذر لا معنى له إذا كان المقتضي موجودا قطعا أو ظنا وأما مع إحتمال وجود المقتضي فربما كان الحذر مندوبا كالحذر عن الطهارة بالماء المشمس مخافة حصول البرص أقول نعم ولكن لا معنى لاستحباب الحذر هنا بمعنى أن يقال يستحب الحذر عما أنذر به بخبر الواحد بمعنى العمل بمدلوله مطلقا فإنه قد يكون خبر الواحد دالا على الوجوب ولا معنى لاستحباب الحذر عن ترك العمل بهذا الخبر بأن يقال يستحب أن يعمل بهذا الواجب وكذلك لا يصح حمل الطلب على القدر المشترك بينهما بمعنى أنه يجب العمل بخبر الطائفة إذا حصل منه القطع ويستحب إذا حصل منه الظن فإن معناه حينئذ إستحباب الحذر عن الانذار الظني الحاصل على سبيل الايجاب وحاصل الكلام أن القول بإستحباب العمل بخبر الواحد المفيد للوجوب مع بقاء الوجوب على معناه الحقيقي مما لا يتصور له معنى محصل فإن إستحباب الواجب لا يتصور إلا في أفضل فردي الواجب التخييري والمفروض أنه لا يتصور له


[ 436 ]

فرد آخر حينئذ سوى العمل بمقتضى الاصل فإن الكلام في العمل بخبر الواحد من حيث هو لا إذا كان معارضا لظاهر الاية أو الاجماع أو غيرهما والتخيير بين العمل بالاصل والعمل بخبر الواحد لا معنى له لانه إما أن يعتبر مفهوم الاصل في مقابل مفهوم خبر الواحد كليين فيقال ان المكلف مختار بين أن يعمل على مقتضى الاصل بأن يقول لا حكم في المسألة بالخصوص من الشارع لان الاصل عدم الحكم الشرعي وبين ان يعمل على مقتضى خبر الواحد بأن يقول ورد في المسألة حكم من الشارع فيرجع هذا إلى التخيير بين الاذعان بثبوت الحكم وعدم ثبوته ولكن يستحب الاذعان بثبوت الحكم وإما أن يعتبر الاصل الخاص في مقابل الخبر الخاص (مثل ان يقول الاصل برائة الذمة عن مقتضي الوجوب الذي هو مدلول هذا الخبر الخاص) مثلا فيقال لان المكلف مخير بين أن يعلم ذمته بريئة عن هذا التكليف وبين أن يعلم ذمته مشغولة بمقتضى مدلول الخبر وعلى أي الفرضين لا يصح جواز إعتقاد الوجوب الذي هو مدلول الخبر وما يتوهم أن هذا من باب التخيير في الرجوع إلى المجتهدين المخالفين في الرأي أو إلى الخبرين المتعارضين المتساويين من جهة الترجيح فهو باطل لان التخيير في هاتين الصورتين إنما هو في حال الاضطرار وإرشاد بطريقة العمل في صورة جهالة الحكم وعدم وجود ما يفيد القطع بالحكم ولا ريب أنه لا يعلم في هاتين الصورتين كون خصوص أحد الحكمين من الشارع بل يحتمل أن يكون كل منهما حقا ولكن لما لم يتعين ولا سبيل إلى العمل فرخص لنا الشارع حينئذ إلى الاخذ بأيهما شئنا من باب التسليم وأما فيما نحن فيه فليس كذلك إذ هو إنشاء الحكم الاولى حين حضور الشارع والاصل الثابت بالعقل ولاشرع متيقن الثبوت من الشرع جزما وليس من باب الاحكام الاضطرارية في حال عدم التمكن فالتخيير فيما نحن فيه من باب التخيير بين خصال الكفارة المصرح به في الكتاب والسنة لا من باب التخيير الذي دلنا عليه الالجاء والاضطرار حين جهالة الحكم وهذا التخيير قد يتصور بين جواز العمل بالاصل وجواز العمل بخبر الواحد وقد يتصور بين الاصل وخبر الواحد والاول إنما هو من باب المسائل الاصولية المبحوث عنها والذي يمكن ان يستدل عليه برجحان الحذر المستفاد من الاية على ما بني عليه المأول إنما هو من باب المسائل الفقهية المستنبطة من آحاد أخبار الآحاد وحمله على الاستحباب إنما يصح إذا قطع النظر عن دلالتها على الوجوب مثلا يعني إذا عارض خبر الواحد للاصل فيجوز العمل بكل منهما لكن يستحب إختيار العمل بخبر الواحد فهو في معنى التخيير في المطلوب بخبر الواحد بين الاتيان به وعدمه وهو صريح في نفي الوجوب ولا يجامع مع إتيانه على سبيل الوجوب كما توهمه فهذا إخراج للخبر عن المدلول الحقيقي وأما التخيير بين الاعتقاد بجواز العمل بالاصل وبين الاعتقاد بجواز العمل بخبر الواحد عند عدم دليل آخر رافع للاصل الذي هو من المسائل


[ 437 ]

الاصولية فهو غلط إذ لا يتوهم فيه تعارض وتناقض حتى يستلزم التخيير وأرجحية أحدهما فإن الاعتقاد بجواز العمل بالاصل قبل العثور على الدليل لا ينافي الاعتقاد بجواز العمل بخبر الواحد في الصورة المفروضة فإن قلت نعم ولكن إعتقاد جواز العمل بخبر الواحد لا ينافي إستحباب العمل قلت بعد ثبوت التكليف في الجملة ولزوم الامتثال بالتكاليف فكل ما يجوز إستخراج الحكم منه فيتمكن من العمل به فيحصل مقدمة الواجب فيجب الاتيان به فلا معنى للاستحباب فإن قلت نعم ولكن يقدر على إستنباطه من الاصل أيضا فهو مخير بينهما قلت المفروض أن الاصل إنما يصح العمل به قبل إمكان معرفة الحكم وبعد الامكان فلا يجوز ولهذا اشترط الاصوليون في جواز العمل بأصل البراءة الاستقراء والتتبع بل أوجبوا ذلك في العام مع أنه أولى بعدم الوجوب فكيف يقال بالاستحباب مع أنه لا دليل على الاستحباب في ذلك بقي الكلام في تأويل كلمة لعل بناء على ما إخترناه وأثبتناه في محله فيمكن جعلها من باب اللام في قوله تعالى ليكون لهم عدوا وحزنا بأن يكون إستعارة تبعية فيشبه حصول الخوف والاطاعة مرة وعدمه أخرى اما من جهة تفاوت الانذارات بالقطع والظن أو المخبرين بالصدق والكذب أو المستمعين بالاطاعة وعدمها بالترجي لان المترجي قد يحصل وقد لا يحصل واستعير كلمة لعل لذلك ويمكن أن يجعل حكاية عن حال المنذرين فإنهم مترجون لحصول الحذر وما يقال انه لا يدل إلا على وجوب الحذر عند الانذار وهو التخويف فهو أخص من المدعى مدفوع بعدم القول بالفصل وبأنه يثبت بذلك غيره بطريق أولى إذ إثبات الحرمة والوجوب أصعب من الكراهة والاستحباب للمسامحة في دليلهما دون الاولين ولموافقتهما للاصل وكمال مباينة الاولين له وقد اعترض على الاستدلال أيضا بأن مقتضى الاية الوجوب الكفائي على كل فرقة ولا يقول به أحد وأجيب بأنه مخصص بالدليل والاولى أن يقال ان المراد بالفرقة في الاية الجماعة العظيمة التي تحتاج إلى منذر مستقل مثل بني حرب أو بني أسد ونحوهما لا محض ما يصدق عليه الفرقة لغة فيصح الوجوب الكفائي في الكل واعترض أيضا بإمكان حمل التفقه على التفقه في أصول الدين وهو أيضا بعيد لان المفهوم منه في العرف هو الفروع مع أنه اهم بالتهديد على ترك النفر فيه لاستقلال العقل فيه غالبا دون الفروع مع أن الخطاب متعلق بالمؤمنين و إتصافهم بكونهم مؤمنين لا يكون إلا بعد كونهم عالمين بما يعتبر في الايمان واعترض أيضا بأن التفقه ظاهر في الاجتهاد ومعرفة الاحكام فلا يدل الآية إلى على لزوم المقلد بفتوى المجتهد وهو خارج عن المبحث وهو إتفاقي وأجيب بمنع ثبوت كونه حقيقة في ذلك في عرف الشارع بل هو إصطلاح جديد فيحمل على معناه اللغوي وهو مطلق الفهم وهو صادق على سماع الخبر ونقله مع أنه مستلزم


[ 438 ]

لتخصيص القوم بالمقلدين وهو أيضا مجاز نعم يمكن أن يدعى أن المتبادر من الفهم والانذار هو الفتوى لا نقل الخبر فتأمل هذا كله مبني على المشهور في تفسير الآية وأما على التفسير الاخر وهو أن يكون المراد بالطوائف المجاهدين وأن يكون التفقه واجبا على المتخلفين فيمكن توجيه الاستدلال أيضا بملاحظة ما سبق كما لا يخفى الثالث قوله تعالى والذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى الاية فان المنقول من النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم الصلاة والسلام أيضا من الهدي ويظهر وجه الاستدلال مما بينا سابا من التبادر فإن الظاهر من وجوب إظهاره أنه يجب على السامع الامتثال به فتأمل الرابع إشتهار العمل بخبر الواحد في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وعمل الصحابة عليه من غير نكير وذكر الخاصة والعامة وقائع كثيرة ذكروا فيها عمل الصحابة به يحصل من مجموعها العلم بإتفاقهم الكاشف عن رضاه صلى الله عليه وآله بل كان صلى الله عليه وآله يأمر به ويجوزه حيث كان يرسل والولاة إلى القبائل والاطراف لتعليم الاحكام بدون إعتبار عدد التواتر وكذلك أصحاب الائمة عليهم السلام ومن يليهم من أصحابنا القدماء كان طريقتهم رواية أخبار الآحاد وتدوينها وضبطها والتعرض لحال رجالها وتوثيقها وتضعيفها وتقرير الائمة عليهم السلام على ذلك بل أمرهم بالعمل بها كما يستفاد من تتبع أخبار كثيرة لا نطيل بذكرها فليراجعها من أرادها في مظانها بل من الواضح الجلي الذي لا يقبل الانكار أن كل واتحد من أصحاب الائمة عليهم السلام المترددين عندهم السائلين عنهم كانوا يأخذون الخبر وينقلون إلى غيرهم العلم ولم يكن يحصل بخبر كل واحد منهم العلم للسامع ومع ذلك كان أئمتهم عليهم السلام مطلعين على طريقتهم ويقررونهم على ذلك وإحتمال أن كل ذلك كان من القرائن المفيدة للعلم مما يأباه العقل السليم والفهم السمتقيم فحصل من جميع ما ذكرنا أن إطباقهم على هذه الطريقة من غير نكير منهم إجماع منهم على الجواز فيدل عليه الاجماع وتقرير المعصوم عليه السلام بل أمره وصرح بالاجماع الشيخ في العدة حيث قال و اما ما اخترته من المذهب فهو أن خبر الواحد إذا كان من طريق أصحابنا القائلين بالامامة وكان ذلك مرويا عن النبي صلى الله عليه وآله أو احد من الائمة عليهم السلام وكان ممن لا يطعن في روايته ويكون سديدا في نقله ولم تكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر لانه إذا كان هناك قرينة تدل على ذلك كان الاعتبار بالقرينة وكان ذلك موجبا للعلم ونحن نذكر القرائن فيما بعد جاز العمل به والذي يدل على ذلك إجماع الفرقة المحقة فإني وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي أوردوها في تصانيفهم ودونوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه حتى ان واحدا


[ 439 ]

منهم إذا أفتى بشئ لا يعرفونه سئلوه من أين قلت هذا فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور وكان رواية ثقة لا ينكرون حديثه سكتوا وسلموا الامر في ذلك وقبلوا قوله هذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده من الائمة عليهم السلام إلى زمان الصادق جعفر بن محمد عليهما الصلاة والسلام الذي إنتشر عنه العلم فكثرت الرواية من جهته عليه السلام فلولا أن العمل بهذه الاخبار كان جائزا لما أجمعوا على ذلك ولانكروه لان إجماعهم لا يكون إلا عن معصوم عليه السلام لا يجوز عليه الغلط والسهو والذي يكشف عن ذلك أنه لما كان العمل بالقياس محظورا في الشريعة عندهم لم يعملوا به أصلا وإذا شذ واحد منهم وعمل به في بعض المسائل أو إستعمله على وجه المحاجة لخصمه وإن لم يعلم إعتقاده تركوا قوله وأنكروا عليه وتبرأوا من قوله حتى أنهم يتركون تصانيف من وصفناه ورواياته لما كان عاملا بالقياس فلو كان العمل بخبر الاحد يجري هذا المجرى لوجب فيه أيضا مثل ذلك وقد علمنا خلافه إنتهى ما اردت نقله وقال العلامة رحمه الله في النهاية أما الامامية فالاخباريون منهم لم يعولوا في أصول الدين وفروعه إلا على أخبار الآحاد المروية عن الائمة عليهم السلام والاوصوليون منهم كأبي جعفر الطوسي رحمه الله وغيره وافقوا على قبول خبر الواحد ولم ينكره سوى المرتضى رحمه الله وأتباعه لشبهة حصلت لهم إنتهى ويظهر منه رحمه الله أن المخالف إنما هو السيد ومن تبعه من بعده ويظهر دعوى الاجماع أيضا من المحقق رحمه الله على ما نقل عنه وبالجملة من تتبع سيرة الفقه وتتبع أحوال اصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام ولاحظ الاخبار الدالة على رخصتهم في العمل بكتب أصحابهم والرجوع إليهم والاخبار الواردة في بيان علاج الاخبار المتخالفة سيما مع ملاحظة ان ذلك هو طريقة العرف والعادة وجميع أرباب العقول بل مدار العالم وأساس عيش بني آدم غالبا كان على ذلك يظهر له العلم بجواز العمل بخبر الواحد في الجملة وما يستبعد من أنه كان العمل بخبر الواحد جائزا وواقعا في زمان الائمة عليهم السلام لم يختف على مثل السيد رحمه الله مع قربه بزمانهم عليهم السلام وكمال فطانته وإطلاعه فهو مدفوع بإستبعاد انه لو كان وجوب الاقتصار باليقين الحاصل من مثل الاخبار المتواترة أو المحفوفة بالقرينة ونحوها ثابتا وكان المنع من العمل بخبر الواحد طريقة للائمة عليهم السلام ومذهبا لهم لصار شايعا من باب حرمة القياس ولم يختف على مثل الشيخ رحمه الله حتى إدعى إجماعهم على جواز العمل بل التحقيق أن الاشتباه أنما حصل للسيد رحمه الله ومن تبعه لما بينا ولما سنبينه إنشاء الله تعالى الخامس الادلة الدالة على حجية ظن المجتهد في حال غيبة الامام عليه السلام من أمثال وماننا المتباعدة عن زمان الائمة عليهم السلام واعلم أن ما تقدم من الادلة إنما يدل على حجية المراد بخبر الواحد فإنه هو المتبادر من النبأ والانذار


[ 440 ]

وهو المستفاد من الاجماع الذي نقلناه وأما حجية ما يفهم من لفظ الخبر والظن الحاصل من جهة دلالته وإن هذا المظنون هو المراد أو غيره مع تفاوت ذلك بسبب إفهام الناظرين والمعاصرين للائمة عليهم السلام والمتباعدين فهو يحتاج إلى دليل آخر من إجماع عليه حجية امثال هذه الظنون أو غيره من الادلة التي تدل على حجية ظن المجتهد في أمثال زماننا فهذه الادلة دلالتها على حجية خبر الواحد ليس من حيث أنه خبر الواحد ولا تشمل جميع الازمان والاوقات بل إنما تتم في أمثال زماننا وتدل على حجية مطلق الظن وهي حقيقة أدلة على جواز عمل المجتهد بالظن إلا ما أخرجه الدليل في مقابل قول من لا يجوز العمل إلا باليقين أو الظن الذي ثبت فيه الرخصة من الشارع والاول أشهر وأظهر بل الظاهر من طريقة الفقهاء هو الاول ولعل وجه نزاعهم في خبر الواحد وإستدلالهم على حدة إنما هو لاجل إثبات حجيته بذاته من قبل الشارع ليتم حجيته في زمان إمكان العلم أيضا و لاجل دفع توهم حرمة العمل به خصوصا كالقياس لاجل ما ادعاه السيد رحمه الله من الاجماع على الحرمة كما سيجئ وإلا فهذه الادلة على جواز العمل بالظن عند الاضطرار يكفيهم بجواز العمل بخبر الواحد و كذلك إستدلالهم في حجية ظواهر الكتاب لدفع ما توهمه الاخباريون من المنع وعلى هذا فقس سائر المقاسات التي إستدلوا على حجيتها بالخصوص من القياس المنصوص العلة أو مفهوم الموافقة وإستصحاب حال الشرع وغيرها والادلة على ذلك من وجوه وأنت إذا تأملتها تقدر على إستنباط حجية خبر الواحد منها الاول إن باب العلم القطعي في الاحكام الشرعية منسد في أمثال زماننا في غير الضروريات غالبا ولا ريب إنا مشاركون لاهل زمان المعصومين عليهم السلام في التكاليف وليس في غير ما علم ضرورة أو إجماعا أو حكم به العقل القاطع ما يدل على الحكم باليقين فإن الكتاب بنفسه لا يفيد إلا الظن وكذلك أصل البرائة والضرورة والاجماع والعقل القاطع لا يثبت به شئ ينفعنا في الفقه غالبا بل هي إنما تثبت بعض الاحكام إجمالا ولا يحصل منها التفصيلات وعلى هذا فينحصر الامتثال في العمل بالظن وإلا لزم التكليف بما لا يطاق ويندرج في ذلك الظن الحاصل من الخبر الواحد فإنه لا فارق بين أفراد الظن من حيث هو فإذا حصل منه ظن أقوى من غيره فيجب متابعته بل لا معنى حينئذ لكونه أقوى بل الظن إنما هو من جهته وملاحظة القوة والضعف إنما هو بملاحظة كل منهما على حدة لا مجتمعا وقد أورد على ذلك بأن إنسداد باب العلم لا يوجب العمل بالظن من حيث أنه ظن لانه يجوز أن يعتبر الشارع ظنونا مخصوصة بخصوصها لا من حيث أنها ظن كظاهر الكتاب وأصل البرائة لا لانهما ظن بل للاجماع على حجيتهما وفيه أن حجية ظواهر الكتاب


[ 441 ]

من حيث الخصوص بعد تسليم معلوميته مطلقا لا يثبت إلا أقل قليل من الاحكام كما لا يخفى على المطلع و الاجماع على أصالة البرائة فيما ورد في خلافه خبر الواحد أول الكلام إن لم ندع الاجماع على خلافه و قد أورد على هذا الدليل أيضا أن إنسداد باب العلم بالاحكام الشرعية غالبا لا يوجب جواز العمل بالظن فيها حتى يتجه ما ذكره لجواز أن لا يجوز العمل بالظن فكل حكم حصل العلم به من ضرورة أو إجماع نحكم به وما لم يحصل العلم به نحكم فيه بأصالة البرائة لا لكونها مفيدة للظن ولا للاجماع على وجوب التمسك بها بل لان العقل يحكم بأنه لا يثبت تكليف علينا إلا بالعلم به أو ظن يقوم على إعتباره دليل يفيد العلم ففيما إنتفى الامران فيه يحكم العقل ببرائة الذمة عنه وعدم جواز العقاب على تركه لا لان الاصل المذكور يفيد ظنا بمقتضاها حتى يعارض بالظن الحاصل من أخبار الآحاد بخلافها بل لما ذكرنا من حكم العقل بعدم لزوم شئ علينا ما لم يحصل العلم لنا به ولا يكفي الظن به ويؤكد ذلك ما ورد من النهي عن إتباع الظن وعلى هذا ففيما لم يحصل العلم به على أحد الوجهين وكان لنا مندوحة عنه لغسل الجمعة مثلا فالخطب سهل إذ نحكم بجواز تركه بمقتضى الاصل المذكور وأما فيما لم تكن مندوحة عنه كالجهر بالتسمية والاخفات بها في الصلوات الاخفاتية التي قال بوجوب كل منهما قوم ولا يمكن لنا ترك التسمية في محيد لنا عن الاتيان بأحدهما فنحكم بالتخيير فيهما لثبوت وجوب أصل التسمية وعدم ثبوت خصوص الجهر أو الاخفات فلا حرج لنا في فعل شئ منهما وعلى هذا فلا يتم الدليل المذكور لانا لا نعمل بالظن أصلا أقول وفيه نظر من وجوه أما اولا فلان قوله وما لم يحصل العلم به نحكم فيه إلخ أن أراد منه عدم حصول العلم الاجمالي أيضا فهو كذلك لكنه خلاف المفروض وإن أراد منه عدم حصول العلم التفصيلي ففيه أن عدم العلم التفصيلي لا يوجب البراءة مع ثبوت التكليف بالمجمل سيما مع التمكن بالاتيان به بأن يأتي بالمحتملات بحسب القدرة والاستطاعة فإن قيل لا نسلم العلم الاجمالي بالتكليف بغير الضروريات في أمثال زماننا بل إنما تكليفنا هو العمل بالضروريات واليقينيات قلنا التكليف بغير الضروريات يقيني فإنا نعلم بالضرورة إن في الصلاة واجبات كثيرة علينا غير ما علم منها ضرورة مثل وجوبها أو مطلق مسمى الركوع والسجود أيضا مع أنا لا يمكننا معرفة تلك التفصيلات إلا بالظنون وأيضا الضروريات أمور إجمالية غالبا لا يمكن الامتثال بها إلا بما يفصلها فالحكم بين المسلمين وقطع الدعاوي ثبت وجوبه مثلا بالضرورة أو بالاجماع لكن معرفة كيفية ذلك يحتاج إلى الظنون التي يشتمل عليها كتب الفقهاء غاية الامر حصول القطع في كيفيته بأن البينة للمدعي واليمين على من أنكر لكن معرفة حقيقة المدعي والمنكر والتمييز بينهما ومعرفة معنى


[ 442 ]

البينة أنه رجل أو إمرئة أو واحد أو متعدد أو يشترط فيه العدالة أو لا وإن العدالة أي شئ وبأي شئ تثبت وإن الحكم أي شئ إلى غير ذلك مما لا يحصل للفقيه إلا بإستعمال الظنون كما لا يخفى على من ارتبط بالفقه قليلا فضلا عن المتدرب فيه وهكذا جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والاحكام فمن قال أنه يمكن الاعتماد على ما علم ضرورة أو بالاجماع في تحصيل الفقه فقد تغافل ولعله هنا في مقام المجادلة والتدقيق في نفس الدليل وأنت خبير بأنه لا وجه له وأما ثانيا فلان قوله بل لان العقل يحكم بأنه لا يثبت تكليف علينا إلخ هذا أول الكلام لان حكم العقل إما أن يريد به الحكم القطعي أو الظني فإن كان الاول فدعوى كون مقتضى أصل البرائة قطعيا أول الكلام كما لا يخفى على من لاحظ أدلة المثبتين والنافين من العقل والنقل سلمنا كونه قطعيا في الجملة لكن المسلم إنما هو قبل ورود الشرع وأما بعد ورود الشرع فالعلم بأن فيه أحكاما إجمالية بعنوان اليقين (يثبطنا) ؟ عن الحكم بالعدم قطعا كما لا يخفى سلمنا ذلك أيضا ولكن لا نسلم حصول القطع بعد ورود مثل الخبر الواحد الصحيح في خلافه وإن أراد الحكم الظني كما يشعر به كلامه أيضا سواء كان بسبب كونه بذاته مفيدا للظن أو من جهة إستصحاب الحالة السابقة فهو أيضا ظن مستفاد من ظواهر الآيات والاخبار التي لم يثبت حجيتها بالخصوص مع أنه ممنوع بعد ورود الشرع ثم بعد ورود الخبر إذا حصل من خبر الواحد ظن أقوى منه وأما ثالثا فلان قوله ويؤكد ذلك إلخ يرد عليه أنها عمومات لا تفيد إلا الظن وإن كان سندها قطعيا بل هي ظاهرة في غير الفروع وشمول عموم ما دل على حجية ظاهر القرآن لما نحن فيه ممنوع لانه إن كان هو الاجماع ففيما نحن فيه أول الكلام وإن كان غيره فهو ليس إلا الظنون الحاصلة من الاخبار وإن فرض التواتر في تلك الاخبار فقد مر الكلام في الاستدلال بها وأما رابعا فلان قوله إذ نحكم بجواز تركه بمقتضى الاصل إلخ فيه أن ذلك لا ينطبق على مدعاه إذ المفروض أن رجحان غسل الجمعة يقيني ولكنه مردد بين الوجوب والاستحباب لا ثالث لهما وما ذكره من الحكم بجواز الترك وأصل البرائة إن أراد نفي الوجوب مع عدم الحكم بالاستحباب فهو لا يلائم ما (ثبت) ؟ يقينا من الشرع وإن أراد إثبات الاستحباب فهو ليس إلا معنى ترجيح أحاديث الاستحباب على أحاديث الوجوب بسبب الاعتضاد بالاصل وأما الحكم بسبب الاصل إن الرجحان الثابت بالاجماع والضرورة لا بد أن يكون هو الرجحان الاستحبابي دون الوجوبي فهو لا يتم إلا بترجيح أصل البرائة على الاحتياط وهو موقوف على حجية هذا الظن وبالجملة الجنس لا بقاء له بدون الفصل والثابت من الشرع أحد الامرين وأصل البرائة لا ينفي إلا المنع عن الترك وعلى فرض أن يكون الرجحان الثابت بالاجماع هو


[ 443 ]

الحاصل في ضمن الوجوب فقط في نفس الامر فمع نفي المنع من الترك بأصل البراءة لا يبقى رجحان أصلا لانتفاء الجنس بإنتفاء فصله وأصل البراءة من المنع عن الترك لا يوجب كون الثابت بالاجماع في نفس الامر هو الاستحباب فكيف يحكم بالاستحباب نعم يصح ترجيح الحديث الدال على الاستحباب على الحديث الدال على الوجوب بسبب إعتضاده بأصل البرائة وهذا ليس مراده وإنما المناسب لما رامه من المثال هو أن يقال في نجاسة عرق الجنب من الحرام مثلا أن خبر الواحد الوارد في ذلك أو الاجماع المنقول الدال على ذلك لا حجة فيه والاصل برائة الذمة عن وجوب الاجتناب وحينئذ فالجواب عن ذلك يظهر مما قدمنا من منع حصول الجزم أو الظن بأصل البرائة مع ورود الخبر الصحيح وبما ذكرنا ظهر أن حكم غسل الجمعة نظير الجهر بالتسمية والاخفات على ما فهمه والحاصل أن الكلام فيما كان خبر الواحد الظني في مقابل أصل البرائة وفي غسل الجمعة الحكم بمطلق الرجحان القطعي الحاصل من الاجماع والنوعين من الاخبار الواردة فيه في مقابل أصل البراءة قوله وأما فيما لم تكن مندوحة إلخ إن أراد أن هذا التخيير الذي هو في معنى أصل البراءة في مقابل الدليل الظني هو مقدم فهو فاسد إذ بعد ملاحظة تعارض دليلي القولين لا شئ في مقابل أصل البراءة حتى يقال انه ظني ولا نعمل به بل يرجع الكلام فيه إلى مثل جريان أصل البراءة فيما لا نص فيه ومقابله حينئذ هو أدلة التوقف والاحتياط وهو لا يقول به والمستدل أيضا لا يقول به وإن أراد أن هذا التخيير إنما هو في العمل بأيهما إختار من القولين وعلى فرض إختيار كل منهما يصير واجبا عليه فلا معنى لاصل البرائة حينئذ نظير التخيير بين الرجوع إلى المجتهدين كما مر فإن المفروض أن القول منحصر في وجوب الجهر أو وجوب الاخفات وإن أحدهما ثابت في نفس الامر جزما لا أن الاصل عدم وجوب شئ والدليل الظني دل على وجوب أحدهما فينفيه أصل البراءة فبعد ثبوت التخيير أيضا يثبت حكم جزما والتخيير في الرجوع إلى الدليلين أو القولين غير التخيير في إختيار أحد المدلولين ليكون تخييرا في أصل المسألة كما مر الاشارة إليه مرارا إذا عرفت هذا ظهر أنه لا مناص عن العمل بالظن وأنه حجة إلا ما صرح الشارع بحرمته وثبت حرمته من جانبه مثل القياس والاستحسان ونحوهما والعبرة بقوة الظن والمعيار هو الرجحان في النظر فإذا حصل الظن بمدلول خبر الواحد أكثر مما دل عليه أصل البرائة وغيره فيقدم عليه وذلك ليس من قبيل ما نص الشارع بإعتباره من الظنون كشهادة العدلين وغيرها فإنه قد يحصل الظن بشاهد واحد أكثر من شاهدين ولا يعتبر ذلك لان الشارع جعل الشاهدين من حيث أنهما شاهدان مناطا للحكم لا من حيث الظن الحاصل بهما كالفتوى و الاقرار وغيرهما والثاني أنه لو لم يجب العمل بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو بديهي البطلان ذكره العلامة رحمه الله في النهاية وغيره وتوضيحه أن لفظ الترجيح في قولنا ترجيح المرجوح بمعنى الاختيار ولفظ


[ 444 ]

المرجوح عبارة عن القول بأن الموهوم حكم الله أو العمل بمقتضاه والراجح عبارة عن القول بأن المظنون حكم الله تعالى أو العمل بمقتضاه ومبدء الاشتقاق في لفظ الراجح والمرجوح هو الرجحان بمعنى إستحقاق فاعله المدح أو الذم لا بمعنى كون الشئ ذا المصلحة الداعية إلى الفعل كما هو المصطلح في لفظ المرجح والمرجوح في تركيب الترجيح بلا مرجح وترجيح المرجوح المصطلحين عند نزاعهم في أن الترجيح بلا مرجح محال وخلافه وكذا ترجيح المرجوح وبالجملة المراد أن الفتوى والعمل بالموهوم مرجوح عند العقل والفتوى والعمل بالراجح حسن ووجهه أن الاول يشبه الكذب بل هو هو بخلاف الثاني ولا يجوز ترك الحسن وإختيار القبيح وأورد على هذا بأنه إنما يتم إذا ثبت وجوب الافتاء والعمل ولا دليل عليه من العقل ولا من النقل إذ العقل إنما يدل على أنه لو وجب الافتاء أو العمل يجب إختيار الراجح وثبوت وجوب الافتاء لا يحكم به العقل وأما النقل فلانه لا دليل على وجوب الافتاء عند عدم القطع بالحكم والاجماع الذي إدعوه على وجوب الافتاء على المفتي فيما نحن فيه ممنوع إذ الاخباريون الذين يعتبر فتواهم في إنعقاد الاجماع مخالفون في ذلك ويقولون بوجوب التوقف أو الاحتياط عند فقد ما يفيد القطع أقول وهذا الايراد في جانب المقابل من الايراد المتقدم في الدليل الاول وكما أنه إفراط فهذا تفريط وإذ قد أبطلنا العمل بأصل البرائة ثمة فبطلان التوقف والاحتياط هنا أولى فإنا نقول أولا وجوب العمل بالمقطوع به في الفرعيات أول الكلام وما دل عليه من ظواهر الايات مع ان ظواهرها ليست بحجة عند الاخباريين ليست إلا ظنونا مع أن الظاهر منها أصول الدين سلمنا لكنها مخصوصة بحال الامكان ودعواهم أن الاخبار قطعية وأنهم يعملون بالقطع في غاية الوهن فإن عيان وجوه الاختلال في متنها وسندها ودلالتها وتعارضها الموجبة لعدم الوثوق بها فضلا عن حصول اليقين منها يغني عن البيان و قد أشرنا إليه سابقا وسنشير مع أنه لا دليل على حجيتها إذ الاتيان على فرض تسليم دلالتهما فهما من ظواهر القرآن وقد عرفت حالها مع أن آية النفر ظاهرة في التفقه وآية النبأ معللة بما علل ولا ريب أنه إذا وجد ظن أقوى من الظن الحاصل من خبر الواحد لا يجري العلة فيه وأما الاجماع فهو لم يثبت على حجيتها مطلقا وفي جميع الاحوال والازمان خصوصا فيما كان هناك ظن أقوى منه لا يقال ثبوت الاجماع على جواز العمل بها في زمن الصحابة والتابعين يكفي في ثبوته مطلقا لعدم القول بالفصل لانا نقول أولا لم نعلم الاجماع على عدم القول بالفصل بل بعضهم منعوا عن ثبوت الاجماع إلا في الصدر الاول فيفرق بين الزمانين وثانيا أن الاعتماد على الاجماع المركب إنما هو إذا لم يعلم مستند المجمعين ونحن علمنا أن مستند المجمعين من جانب القول بالحجية هو الاتيان والاجماع وقد عرفت حال


[ 445 ]

الآيتين وأما الاجماع فلم يثبت إلا في الصدر الاول ولا معنى حينئذ للتمسك بعدم القول بالفصل لاحد شطري الاجماع المركب إذ تحقق ذلك الشطر حينئذ إنما هو بهذا الاجماع البسيط ولم يتحقق إلا في هذا القدر فليفهم ذلك وبالجملة عدم إمكان القطع في الفقه في أمثال زماننا غالبا مما لا يجوز إنكاره في غير الضروريات والضروريات لا تكفينا كما أشرنا وأيضا العمل بالتوقف أو الفتوى أيضا يحتاج إلى دليل يفيد القطع فإن تمسكوا فيه بالاخبار الدالة على ذلك عند عدم العلم فمع أن تلك الاخبار لا يفيد القطع كما بينا لعدم تواترها معارضة بما دل على أصالة البرائة ولزوم العسر والحرج ولو فرض ترجيح تلك الاخبار عليها فلا ريب أنه ترجيح ظني أيضا مع أنه قد لا يمكن الاحتياط في العمل ولا التوقف كما لو دار المال بين شخصين ولا يقتضي الاحتياط إعطائه بأحدهما دون الاخر أو كان بين يتيمين فإن قلت إنا لا نتعرض للمال في العمل ولا نحكم به لاحدهما في الفتوى قلت إبقائه قد يوجب التلف فيكف تجترى بأن تقول إن الله تعالى يرضى عنك بذلك وأي شئ دلك على أن دليل هذا العمل قطعي وأنه لا يجوز العمل على مقتضى الظن الحاصل للمجتهد فترك الفتوى وترك العمل أيضا يحتاج إلى الدليل فلعل الله يعذبك على عدم الاعتناء وحرمة العمل بالظن لم يثبت من أدلتها بحيث يوازي الضرر المظنون في إتلاف مال اليتيم وتعطيل الامر وإلتزام العسر والحرج فلنأت بمثال من جهة التقريب فنقول ان المشهور بين أصحابنا أن لكل من أولاد الابن وأولاد البنت من مال جدهما نصيب من يتقربان به فالثلثان لاولاد الابن والثلث لاولاد البنت خلافا للسيد رحمه الله ومن تبعه حيث يجعلون الجميع مقام أولاد الجد فيقسمون بينهم للذكر مثل حظ الانثيين ثم المشهور بعدم إعتبار الفرق بين أولاد الابن وأولاد البنت يجعلون حصة كل واحد من الفريقين بينهم للذكر مثل حظ الانثيين ولا دليل لهم ظاهرا إلا الشهرة فإن جعلنا الشهرة حجة فهو وإلا فلا بد أن يوقف المال ويهلك الايتام من الجوع والتمسك بالاخبار الواردة في أن كل رحم يرث نصيب من يتقرب به لا يعطى إلا أن لكل واحد من الفريقين نصيب والدهم ولا يعطى كيفية القسمة بينهم بانفسهم والعمل بعموم آية يوصيكم الله في أولادكم كما ذهب إليه السيد ومن تبعه فمع أنه يوجب الرجوع إلى قول السيد في الاصل وأنه في نفسه ممنوع لكون الاولاد حقيقة في ولد الصلب إنما هو ظاهر آية ولا حجة فيه عندهم فلا بد للاخباريين هنا من بيان دليل قطعي على جواز التوقف والاحتياط وإرشادهم إيانا سبيل الاحتياط إذا كان الفريقان كلاهما أيتاما صغارا فقارا لا حيلة لهم في المعيشة إلا أخذ مالهم وبالجملة من سلك سبيل الفقه وإطلع على أحكامه وعاشر الناس ولاحظ وقايعهم المختلفة ومقتضياتهم المتناقضة


[ 446 ]

وتتبع الادلة ومؤداها وتأمل فيها حق التأمل وميزها حق التميز وعرف الفرق بين زمان المعصوم عليه السلام وغير زمانه يعلم أن ما ذكره الاخباريون محض كلام بلا محصل ولو فرضنا في مسألة قيام الشهرة في أحد طرفي المسألة وخبر واحد في الطرف الاخر من دون عامل أو مع عامل نادر فعلى الاخباري ان يثبت أن أدلة حجية خبر الواد تشمل مثل هذا المقام فلا يجوز العمل بالشهرة فإن قال لا أقول بنفي العمل ولا بوجوبه بل أتوقف واحتاط فأقول كيف تصنع فيما لا يمكن ذلك فيه بل أقول لك هنا كلاما هو بمنزلة السر لمختار العاملين بالظنون في امثال ذلك الزمان وهو أن العاقل البصير لا بد أن يلاحظ مضار طرفي الفعل والترك في كل ما يرد ولا يقتصر على أحد الطرفين ولذلك أمثلة كثيرة منها الاجتناب عن مساورة عامة الناس لكون غالبهم غير محترزين عن النجاسات فإن الاحتياط عن النجاسة حسن لكن الاجتناب عن كسر قلوب المؤمنين وتضييق الامر والمفاسد المترتبة على ذلك مما ليس هنا مقام تعداده أيضا حسن بل احسن وكذلك الاحتياط في الفتوى و العمل حسن لكن إقامة المعروف وإغاثة الملهوف ورفع المفاسد وقطع الدعاوي بين الناس و الاصلاح بينهم أيضا حسن بل أحسن وهكذا فإذا ورد عليك مسألة وتردد أمرك بين أن تحكم فيها بما أدى إليه ظنك وأن تحتاط فكما تحتاط في الفتوى والعمل بالظن من جهة ما دلك عليه من الآيات والاخبار الدالة على حرمة العمل بالظن وبتذكرها تثبط على الدخول فيه فتذكر حينئذ ما ورد عليك من الآيات والاخبار الدالة على إقامة المعروف والاصلاح بين الناس وأنه لا حرج في الدين ولا عسر ولا ضيق وأن التسبيب لتلف الاموال والنفوس وتعطيل أحكام الشرع مذموم وعليك أن تحتاط من أن يكون ذلك من جهة الوسواس وتسويل الشيطان فإن الشيطان أيضا قد يصير عالما صالحا متنسكا لاجل تغرير الصلحاء والعباد ألا ترى أنه يوسوس في أحكام النجاسات ونية العبادات إلى أن يجعل الانسان متأذيا عن طاعة الله ولا يتعرض لحال أمر الانسان في الاجتناب عن المحرمات المالية وحقوق الناس وغيرها فترى الوسواسين مجتنبين عن الطاهر اليقيني بسبب إحتمال قربه بالنجس ولا يحتاطون أبدا من أكل لحوم السوق مع ظهور أن أكثر الجزارين مما لا يعتمد على دينهم وتقويهم بل ولا يدرون كثير منهم مسائل الذبح والتذكية فلعله أكل لحم الميتة غالبا وكذلك لا يجتنبون من أكل السكر بل ولبس منسوجات أهل الكفر مع أن الغالب أنهم ملاقوها بالرطوبة وكما أن عدم التنزه عن النجاسة يوجب الهلاك فكذلك أكل الحرام وهكذا الكلام في فتوى القصاص فربما يظهر لفقيه لزوم القصاص ويحتاط لاجل التحرز عن الدخول في أحكام الدماء وينسى عما ذكره الله تعالى


[ 447 ]

في كتابه أن في القصاص حياة وعن النظر إلى حال أولياء الدم مع ما بهم من الوجع والالم وإن تركه ربما يوجب زيادة قتل النفوس وغير ذلك بل اقول لك أنه ربما يكون ظن أحدهم متاخما للعلم بل يصير إلى حد العلم العادي ولا يجترى على فتوى القصاص فإن سئلته عن ذلك يجيب بأنه يخاف الله عن سوء الحساب وان تتبعت حاله لا تجد يقينه بالمعاد وعذاب جهنم أكثر مما يظهر له من حقيقة الامر فكيف يصير الفرع زايدا على الاصل وبالجملة لا بد من ملاحظة طرفي الافراط والتفريط أعاذنا الله من الميل إلى الهوى ومتابعة النفس وإطاعة الشيطان لعنه الله تعالى ومع ذلك كله فلا تغتر بما نهيتك عن إلتزام الاحتياط ويصير ذلك سببا للمسامحة في الدين والمساهلة في الفتوى فإن ذلك أيضا من الموبقات المهلكة ومن أعظمها بل عليك بالاقتصاد وبذل الجهد والوسع ثم العمل بمقتضاه الثالث أن مخالفة ما ظنه المجتهد حكم الله مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون واجب و رد بمنع بان مخالفة الظن مظنة للضرر لان علمنا بوجوب نصب الدلالة من الشارع على ما يتوجه التكليف به يؤمننا الضرر عند صدق المخبر مع أنه منقوض برواية الفاسق بل برواية الكافر فإن الظن يحصل عند خبره ولا يمكن أن يقال انه مخرج بالاجماع لان للدليل العقلي لا يختلف بحسب مظانه ولا بد أن يكون مطردا وربما يمنع وجوب دفع هذا الضرر المظنون بل هو أولى للاحتياط وعلى تقدير التسليم فإنما يسلم في العقليات الصرفة المتعلقة بأمر المعاش دون المسائل الشرعية المتعلقة بالمعاد فإن العقل يستقل بمعرفة حكم العقليات دون الشرعيات أقول مراد المستدل أنه إذا علم بقاء التكليف ضرورة وانحصر معرفة طريق الحكم الشرعي في الظن فيجب متابعته ولا يجوز تركه بأن يقال الاصل برائة الذمة من هذا التكليف إذ ما ظنه حراما أو واجبا فيظن أن الله تعالى يؤاخذه على مخالفته وظن المؤاخذة موجب لوجوب التحرز عقلا ولا وجه لمنع ذلك وما ذكره من السند فيه أن وجوب نصب الدلالة القطعية بالخصوص على الشارع حينئذ ممنوع وهو أول الكلام ألا ترى أن الامامية تقول بوجوب اللطف على الله تعالى ونصب الامام عليه السلام لاجراء الاحكام والحدود ورفع المفاسد والاصلاح بين الناس وإقامة المعروف ومع ذلك مخفي عن الامة وإن كان خفاه بسبب ظلم ظالميهم وكما أن المجتهد صار نائبا عنه بالعقل والنقل وكان إتباعه واجبا كاتباعه فكذلك ظن المجتهد بقولهم ودينهم وشرايعهم صار نائبا عن يقينه بها وكما كان يجب أن يكون الامام عليه السلام عارفا بجميع الاحكام بحيث لو إحتاج الامة أعلمهم بها وإن لم تكن محتاجة بالفعل إليها فكذلك يجب للمجتهد الاستعداد لجميع الاحكام بقدر طاقته ليرفع إحتياج الامة عند إحتياجهم وإن لم يكن فعلية الاجتهاد واجبا ولا ريب أنه لا يمكن له تحصيل الكل باليقين


[ 448 ]

فناب ظنه مقام يقينه ولما لم يكن إثبات اليقين بحجية أخبار الآحاد وظواهر الكتاب في زماننا لما أشرنا سابقا فغاية الامر حصول ظن بحجيتها لنا والاعتماد على أصل البرائة قد عرفت حاله وكذلك التوقف والاحتياط مع عدم دليل عليهما نعم إذا فرض حصول ظن للمجتهد في مسألة أصلا فيرجع فيه إلى أصل البرائة لا يقال انه على هذا التقرير يرجع مال هذا الدليل إلى الدليل الاول لان مرجع الدليل الاول إلى لزوم تكليف ما لا يطاق في معرفة الاحكام لو لم يعمل بظن المجتهد ومرجع هذا الدليل إلى أن ترك العمل بالظن يوجب الظن بالضرر قوله مع أنه منقوض برواية الفاسق فيه أن عدم جواز العمل بخبر الفاسق إذا افاد الظن أول الكلام إذ إشتراط العدالة معركة للاراء والاستدلال بالاية غاية الظن ولم يحصل العلم بحجيته هذا الظن كما مر مع أن الشيخ صرح بجواز العمل بخبر المتحرز عن الكذب وإن كان فاسقا بجوارحه ولا ريب أن ذلك من القرائن الداخلية لا القرائن الخارجة مع أن المشهور بينهم جواز العمل بالخبر الضعيف المعتضد بعمل الاصحاب ولا ريب أن ذلك لا يفيد إلا الظن وغايته أن يثبت حجية هذا الظن بما ورد من الاخذ بالمشهور بين الاصحاب وهو مع أنه قد يعارض بغيره من المرجحات ظن حاصل من خبر الواحد بل من الترجيح الحاصل بين مختلفاتها وقد عرفت حاله والحاصل انا لم نجوز العمل بخبر الفاسق فإنما هو لاجل عدم حصول الظن به أو لحصول الظن بعدمه لا لانه فاسق وإن حصل الظن بن وهكذا يقال إذا اورد النقض بالقياس أيضا بل نقول أن الواجب على المجتهد العمل بمقتضى ما يؤديه إلى الظن بالحكم من الادلة التي تتداول إلا خبر الفاسق مثلا أو القياس مثلا وذلك أما لانهما لا يفيدان الظن وذلك هو علة منع الشارع عنهما أو لانهما مستثنيان من الادلة المفيدة للظن لا أن الظن الحاصل منهما مستثنى من مطلق الظن وهذا الكلام يجري في الوجه الاول أيضا لان تكليف ما لا يطاق إذا إقتضى العمل بالظن بعد إنسداد باب العلم فلا معنى لاستثناء الظن الحاصل من القياس والجواب أن تكليف ما لا يطاق وإنسداد بال العلم من جهة الادلة المقتضية للعلم أو الظن المعلوم الحجية مع بقاء التكليف يوجب جواز العمل بما يفيد الظن يعني في نفسه ومع قطع النظر عما يفيد ظنا أقوى وبالجملة ما يدل على مراد الشارع على مراد الشارع ولو ظنا ولكن لا من حيث أنه يفيد الظن لا أنه يوجب جواز العمل بالظن المطلق النفس الامري وهذا المعنى قابل للاستثناء فيقال أنه يجوز العمل بكل ما يفيد الظن بنفسه ويدل على مراد الشارع إلا بالقياس وبعد وضع القياس من البين فإذا تعارض باقي الادلة المفيدة للظن فحينئذ يعتبر الظن النفس الامري ويلاحظ القوة والضعف بل لا يبقى حينئذ ظن ضعيف بل الاقوى يصير ظنا والاضعف وهما ويمكن أن يقال أن في مورد القياس لم يثبت إنسداد باب العلم


[ 449 ]

بالنسبة إلى مقتضاه فإنا نعلم بالضرورة من المذهب حرمة العمل على مؤدى القياس فنعلم أن حكم الله غيره وإن لم نعلم أنه اي شئ هو ففي تعيينه يرجع إلى سائر الادلة وإن كان مؤداها عين مؤداه فليتأمل فإنه يمكن منع دعوى بداهة حرمة القياس حتى في موضع لا سبيل إلى الحكم إلا به فإن قلت لو لم يحصل الظن بشئ حين إنسداد باب العلم حتى بالقياس أيضا فما المناص في العمل والتخلص عن لزوم تكليف ما لا يطاق فإن عملت بأصل البرائة حينئذ فلم لم تعمل به أولا قلت المناص حينئذ هو المناص حين تعارض الادلة لمن لم يرجح شيئا مع وجود الادلة المعلومة الحجية فيتوقف في الفتوى أو يبني على أصل البرائة وكذلك في الظنون الغير المعلوم الحجية إذا تعارضت أو فقدت فقد يتوقف أو يعمل على أصل البرائة وعدم جواز العمل بأصل البرائة أولا لان الثابت من الادلة ان جواز العمل عليه موقوف على اليأس من الادلة بعد الفحص فكما يعتبر العمل عليه بعد اليأس عن الادلة في الادلة الاختيارية فكذا الحال في الادلة الاضطرارية فإن قلت ما ذكرت من منع بقاء الحرمة عند انحصار العمل في مثل القياس مثلا أو غيره من الظنون التي لم يثبت حرمتها بالخصوص أيضا يدفعه منع بقاء التكليف حينئذ أيضا قلت ما دل على حرمة العمل بالقياس وغيره من الظنون أيضا ليس بأقوى دلالة وأشمل افرادا وأوقاتا مما دل على بقاء التكليف إلى آخر الابد فغاية الامر عدم الوجوب فما الدليل على الحرمة ثم أجدد المقال في هذا المجال ليظهر جلية الحال وأقول غير آل جهدي في إقامة الدليل على الظنون وإثبات العلم في حجية بعضها بالخصوص مميزا إياها عن غيرها أنه لا ريب ولا شك أن الله بعث رسولا وأنزل كتابا وسنن شرايع وأحكاما واراد من عباده العمل عليها وطريق إبلاغ الاحكام إلى العباد على ما هو وفق مجرى عادته تعالى إنما هو بالنطق والكلام غالبا ونطقه تعالى مع عباده ليس إلا بلسان رسوله اما بتلاوة كتابه عليهم أو بحكمه بنفسه وبيانه اياها بلسانه الشريف فما حصل العلم بمراد الله تعالى للمخاطبين المشافهين من الكتاب أو سنته صلى الله عليه وآله فلا كلام فيه وفي أنه حجة على العباد ويجب متابعتهم وحصول العلم من الخطاب ولو بضميمة المقام مما لا يداني إمكانه ريب ولا شك وكذلك ما حصل الظن به لهم من العمل على مقتضى الحقايق والمجازات بحمل الالفاظ على حقايقها عند عدم القرينة على خلافها والبناء على القرائن في الحمل على المعاني المجازية لان ذلك كان طريقة العرف والعادة من لدن خلقة آدم عليه السلام إلى يومنا هذا وإنهم كانوا يبنون المحاورات على (ما لا) ؟ يعلم ذلك بملاحظة أحوال العرف والعادة علما وجدانيا فالشارع إكتفى في المحاورات مع أصحابه بما حصل لهم الظن به في التكاليف أيضا والسر في ذلك مع أن المحقق عند أصحابنا هو التخطئة وإن حكم الله الواقعي واحد في نفس الامر أن عمدة العماد في التدين والايمان بالله هو أصل التوحيد وخلع


[ 450 ]

الانداد والاضداد والتسليم والانقياد وتوطين النفس على تحمل المشاق الواردة من قبله تعالى فالاحكام الفرعية وإن كانت من الامور الحقيقية المتأصلة الناشئة من المصالح النفس الامرية لكن العمدة في تأسيسها هو الابتلاء والامتحان وتقوية الايمان بسبب الامتثال بها والتقرب بها من جهة أنه إطاعة فإذا فهم المكلف من خطاب الشارع فهما علميا بنفس الحكم وامتثل به فهو جامع للسعادتين أعني الفوز بالمصلحة الخاصة الكامنة فيه والفوز بالمصلحة العامة التي هي نفس الانقياد والاطاعة وإذا فهم فهما ظنيا على مقتضى محاورة لسان القوم الذي انزل الله الكتاب وبعث الرسول صلى الله عليه وآله عليه فهو وإن فقد المصلحة الخاصة لكنه أدرك المصلحة العامة بل عوض المصلحة الخاصة أيضا لئلا يخلو عمله عن الاجر وفاقا للعدل لحصول الانقياد بدونه أيضا وبعد ملاحظة هذا السر يندفع ما يتوهم انه كيف يجمع هذا مع القول بكون الاحكام ثابتة في نفس الامر في كل شئ على نهج مستقر ثابت وإن التصويب باطل والحاصل أن المقصود بالذات من الخطاب وإن كان حصول نفس الحكم النفس الامري لكن يظهر من جعل الشارع مناط تفهيمه النطق بالالفاظ التي جرى عادة الله بأنها لا تفيد اليقين في الاغلب أنه راض بهذا الظن ويكتفي به عما اراده في نفس الامر لانه غير فاقد للمصلحة أيضا كما عرفت فهذا الظن مما علم حجيته وهذا هو الذي اتفق العلماء على حجيته من دون خلاف بينهم قائلين ان الظن في موضوعات الاحكام من مباحث الالفاظ وغيرها حجة إجماعا ثم إن هذا الكلام إذا نقل إلى غير المشافهين المشاركين لهم في التكليف بمقتضاه فإن كان نقله بمعناه بمعنى أن مراده الواقعي صار يقينا لهم و علموا أنه أراد ذلك لا غير فلا كلام فيه أيضا وإن كان نقله بلفظه بمعنى أنه حصل لهم العلم بأن هذا هو لفظ الشارع فالاشكال حينئذ في أن الظن الحاصل لهم من هذا اللفظ القطعي الصدور حجة عليهم أم لا نقول حينئذ ان هذا اللفظ على قسمين قسم يحتمل أن يكون مما يقصد به بقائه في الدهر والاستفادة منه كتأليفات المصنفين وقسم لا يقصد به ذلك بل إنما قصد به تفهيم المخاطبين وإن كان غيرهم أيضا مشاركون لهم في أصل الحكم فأما الكتاب كالعزيز فهو وإن كان يمكن أن يكون من القسم الاول وذلك لانا وإن لم نقل بعموم خطاب المشافهة للغائبين كما حققناه في محله لكنا نقول بأن الله تعالى يريد من جميع الامة فهمه والتدبر فيه والعمل على مقتضاه خلافا لاخباريين كما بيناه سابقا فيكون هذا الظن أيضا حجة بالخصوص لان طريقة العرف والعادة في تأليف الكتب وإرسال المكاتيب والرسائل إلى البلاد البعيدة سيما مع مخالفة مخالفة الالسنة ومباينة الاصطلاحات تقتضي ذلك فإن المصنفين وأهل المكاتيب والرسائل لا يريدون ممن يبلغ إليه كتابهم إلا العمل على مقتضاه بقدر فهمهم ووسعهم


[ 451 ]

فالذي يجب على الله تعالى أن يكتفي عنا بما نفهمه من كتابه إما يقينا أو ظنا ولكن لم يثبت ذلك ثبوتا علميا لاحتمال أن يكون الكتاب العزيز من باب القسم الثاني سيما الخطابات الشفاهية منه وسيما ما إشتمل على الاحكام الفرعية ولا ينافي ذلك تعلق الغرض ببقائه أبد الدهر أيضا لحصول الاعجاز و سائر الفوائد مع ذلك أيضا فإن قلت إن أخبار الثقلين وغيرها مما دل على العرض على كتاب الله تعالى تفيد ان الكتاب من القسم الاول قلنا أولا ننقل الكلام إلى تلك الاخبار ونقول ان الاستدلال بها فيما نحن فيه موقوف على أن يكون تلك الاخبار من قبيل القسم الاول لا من باب مجرد الخطاب الشفاهي مع الاصحاب وثانيا أنه لا قطع لنا بكونها ظني الدلالة بالنسبة إلى المشافهين في هذا المعنى كما ذكرنا القدح من الاخباريين في دلالتها وإن كان خلاف الظاهر فإن غايتها الظن بكون جواز العمل بما يظن من جهة الكتاب جائزا لهم ولا قاطع لحجية هذا الظن ويمكن أن يكون المراد تمسكوا بها إذا فسرها الائمة عليهم السلام كما ذكروه الاخباريون وإن كان خلاف الظاهر وإن سلمنا أن تعاضد تلك الاخبار بعضها ببعض مع قرائن خارجية يفيد القطع بجواز العمل فذلك أيضا لا يفيد إلا جواز العمل في الجملة وأما لو حصل ظن أقوى من ظاهر الكتاب من جهة خبر الواحد وغيره من الادلة التي لم يثبت حجيتها بالخصوص فلا قطع لوجوب العمل على ظاهر الكتاب حينئذ وأما السنة المعلومة الصدور عنه صلى الله عليه وآله فيحتمل ضعيفا أن تكون مثل المصنفات والمكاتيب ولكن الاظهر أن يكون المراد منها تفهيم المخاطبين وبلوغ نفس الحكم إلى من سواهم بواسطة تبليغهم ومع ذلك فلا يعلم من حاله رضاه صلى الله عليه وآله بما يفهمه الغير المشافهين حتى يكون ظنا معلوم الحجية فهذا هو القدر الذي يمكن أن يقال أنه الظن المعلوم الحجية وأما أصل البرائة فهو ليس من الظنون التى علم حجيتها بل هو من الادلة الظنية كما أشرنا و سنشير إليه في محله وأما خبر الواحد فقد عرفت أنه لا دليل على وجوب العمل به إذ أقوى أدلته الاجماع وهو على فرض تسليمه لا يثبت إلا حجيته في الجملة وفي زمان خاص وفي نوع خاص إذ حجيته في الاعصار المتأخرة عن زمن الصحابة غير معلومة وكذلك القدر المسلم منه خبر العادل والمسلم منه العادل المعلوم العدالة والمسلم منه ما لم يعارضه مثله أو لم يعارضه أضعف منه إذا كان معمولا به وهو مهجور أو لم يسنحه السوانح من المعارضات والاشكالات في علاج التعارض وغيره مما ليس هنا محل البسط وقد أشرنا إلى بعضها في مباحث التخصيص وغيرها وأكثر هذه السوانح يعود إلى كيفية الاستنباط من الكتاب والسنة المتواترة أيضا بإعتبار حصول العلم بالتخصيص والتقييد بالنظر إلى العمومات في الجملة وإحتمال (ورودها فيما لم نطلع عليه فيجب البحث والفحص إلى ان يحصل الظن بعدمه كما مر في محله لما بينا انها من باب الخطابات الشفاهية المقصودة عنها تفهيم المخاطبين واحتمال) أن يكون معهم من القرائن ما يفيد أن المراد خلاف ظاهرها كما علم في كثير


[ 452 ]

من المواضع بالاجماع وغيره وإحتمال أن يكون من هذا الباب أيضا يكفي وثبوت إشتراكنا معهم في أصل التكليف بالاجماع لا يوجب إشتراكنا معهم في كيفية الفهم من هذه الادلة وتوجه الخطاب إلينا ولا إجماع على مساواتنا في العمل بالظن بالحاصل منها لنا فالحاصل أن العمل على مقتضى الظن المعلوم الحجية مجرد كلام لا يحصل منه الفقه فبعد حصول العلم ببقاء التكليف بالتفصيلات المجملة كيف يكمن تحصيل العلم بها بمجرد حصول العلم بجواز العمل بخبر الواحد الذي علم كون راويه عادلا على النهج المتفق عليه مع كونه غير معارض بشئ آخر خاليا عن السوانح التي لا مناص عنها إلا بالعمل بالظن مع أنه إن لم نقل بإمتناع وجوده في أخبارنا فهو في غاية الندرة ولا إجماع ولا دليل قطعي آخر يدل على حجية الظنون الحاصلة من جهة المعالجات كما لا يخفى سيما مع ملاحظة الاختلاف في الاخبار التي وردت في علاج التعارض بينها وكذلك الكلام في الكتاب والسنة المتواترة باللفظ مع غاية ندرة علمية مدلولهما وكذلك أصل البرائة إن سلمنا كونه ظنا معلوم الحجية إذ العلم بحجيتها مع وجود خبر صحيح يفيد ظنا أقوى منه أو ظن أخر ممنوع ودعوى الاجماع على حجيتها حتى فيما نحن فيه غير مسموعة ونقل الاجماع لا يفيد لنا إلا الظن لو ثبت فيصير حال الظنون المعلومة الحجية عندنا مثل حال نفس الاحكام المعلومة إجمالا بالضرورة من الدين فكما أن العلم الاجمالي بنفس الاحكام لا يفيد في التفصيلات فكذلك العلم بجواز العمل بالظن الاجمالي في إستفادتها لا يفيد فيها إذ العلم بجواز العمل بظاهر الكتاب والسنة المتواترة في الجملة أو مع خبر الواحد في الجملة أيضا مع عدم العلم بحجية ما يستفاد منها مفصلا بضميمة ما لا مناص لنا عنه في علاج الاختلالات الحاصلة من المعارضات اليقينية والمحتملة كيف يجدينا فيما نريده من العمل بأحكام الله تعالى مع الاجتناب عن العمل بظن لا نعلم حجيته بالخصوص وليس ذلك غالبا إلا مثل من يتكلف في جعل إحدى مقدمتي قياسه قطعية مع كون الاخرى ظنية فهل ينفعه ذلك في صيرورة النتيجة قطعية أو من يحصل العلم في بعض أجزاء صلاته مثلا مع كون سائر الاجزاء ظنية فهل ينفعه ذلك في صيرورة صلاته يقينية مع ملاحظة عدم كون الجزء مطلوبا بذاته وغير مفيد منفردا في نفسه ولو فرض ثبوت حكم مستقل من جهة الظنون المعلومة الحجية مستقلا من دون حاجة إلى غيرها فهو في غاية الندرة ونتكلم فيما لا يمكن ذلك فيه مع ثبوت التكليف فيه يقينا فثبت من جميع ذلك أنه لا مناص من العمل بالظن إلا ما أخرجه الدليل كالقياس والاستحسان ونحوهما فمن جميع ما ذكرنا ثبت حجية خبر الواحد وهذا هو الدليل المعتمد في إثبات حجيتها ثم قد ظهر ذلك مما حققنا المقام أنه لا فرق بين مسائل اصول الفقه وفروعه في جواز البناء على الظن وأنه لا دليل على إشتراط القطع في الاصول نعم


[ 453 ]

لا بد في إثبات حجية ظن المجتهد من دليل قطعي وسنشير في موضعه أنه من الاصول الكلامية لا الاصول الفقهية وإذا صار ظنه حجة فلا فرق بين الاصول والفروع وسيجئ زيادة توضيح لهذا في مبحث الاجتهاد والتقليد فلنرجع إلى ذكر أدلة النافين لحجية خبر الواحد وهو أيضا من وجهين أحدهما هو الدليل على حرمة العمل بالظن إلا ما أثبته الدليل حذوا لما ذكرناه في خامس الادلة وثانيهما في نفي حجية خبر الواحد بالخصوص أما الاول فهو الآيات والاخبار الدالة على حرمة العمل بالظن مثل قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله تعالى إن يتبعون إلا الظن إن الظن لا يغني من الحق شيئا وغير لك فإن النهي والذم على إتباع الظن دليل على الحرمة وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن بالفرض والجواب اما عن آية النهي فإنها مختصة بالنبي صلى الله عليه وآله ولا دليل على مشاركة غيره له في جميع الخطابات سلمنا لكن الخطاب شفاهي فلعله كان قرينة تدل على خلاف المقصود من إختصاصها بأصول الدين أو بما ينسب إلى المسلمين كما يظهر من قوله تعالى يا أيها الذين الذين أمنوا إجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ومن إرادة المعنى الراجح من العلم مجازا مع أن إشتراك غير المشافه للمشافه إنما هو بالاجماع والضرورة وهما منتفيان في موضع النزاع وهو صورة إنسداد باب العلم وأيضا التمسك بهذه الآية يفيد حرمة العمل بالظن فالتمسك بالظن الحاصل بها هو ما نفاه نفس الآية وكل ما يستلزم وجوده عدمه فهو محال ودعوى قطعية حجية الظن الحاصل من الكتاب وقد عرفت الكلام فيه وأنه ليس بثابت في الاصل وعلى فرض الثبوت فلم يثبت فيما كان هناك خبر واحد يدل على حكم بالخصوص مع أن الآية إنما تفيد العموم لو كانت (كلية) ؟ ما نكرة ولو كانت موصولة فلا تنافي جواز إتباع بعض الظنون وأما مثل قوله تعالى إن الله لا يجب كل مختال فخور فعلى خلاف الاصل فإن الظاهر من ليس كل أنه سور للسلب الجزئي وأما عن آية الذم فمع أنه يرد عليه بعض ما ذكر فيه أنها ظاهرة في أصول الدين بالنظر إلى سياقها وإن قلنا بأن السبب والمحل لا يخصص اللفظ سلمنا العموم في جميع الايات لكن ما ذكرنا من الادلة يخصصها لان الخاص مقدم على العام وأما الثاني فهو ما ذكره السيد المرتضى رحمه الله في جواب المسائل البتانيات من أصحابنا لا يعملون بخبر الواحد وإن إدعاء خلاف ذلك عليهم رفع للضرورة قال لانا نعلم علما ضروريا لا يدخل في مثله ريب ولا شك ان علماء الشيعة الامامية يذهبون إلى أن أخبار الآحاد لا يجوز العمل بها في الشريعة ولا التعويل عليها وأنها ليست بحجة ولا دلالة وقد ملؤا الطوامير و سطروا الاساطير في الاحتجاج على ذلك والنقض على مخالفيهم فيه ومنهم من يزيد على هذه الجملة ويذهب إلى أنه مستحيل من طريق العقول أن يتعبد الله بالعمل بأخبار الآحاد ويجري ظهور مذهبهم في أخبار


[ 454 ]

الآحاد ويجري ظهور مذهبهم في أخبار الآحاد مجرى ظهوره في إبطال القياس في الشريعة وخطره وقال في المسألة التي أفردها في البحث عن العمل بخبر الواحد أنه بين في جواب مسائل البتانيات ان العلم الضروري حاصل لكل مخالف للامامية أو موافق بأنهم لا يعملون في الشريعة بخبر لا يوجب العلم وإن ذلك قد صار شعارا لهم يعرفون به كما أن نفي القياس في الشريعة من شعارهم الذي يعلمه منهم كل مخالط لهم وتكلم في الذريعة على التعلق بعمل الصحابة والتابعين بأن الامامية تدفع ذلك وتقول إنما عمل بأخبار الآحاد من الصحابة المتأمرون الذين يحتشم التصريح بخلافهم والخروج من جملتهم فإمساك النكير عليهم لا يدل على الرضا بما فعلوه لان الشرط في دلالة الامساك على الرضا أن لا يكون له وجه سوى الرضا من تقية وخوف وما أشبه ذلك هكذا نقله عنه في المعالم والجواب عنه منع ما إدعاه ولا يحصل لنا العلم بالاجماع الحقيقي على ذلك لو لم يحصل على عدمه والاتكال على نقله الاجماع رجوع إلى العمل بخبر الواحد مع أنه لو سلم الاجماع فإنما يسلم فيها لو لم ينقطع باب العلم والمفروض في زماننا إنقطاعه كما مر فالقدر المسلم منه في زمان أصحاب الائمة عليهم السلام لكونهم قادرين على تحصيل العلم بل ولبعضهم لعدم تمكن كثير منهم من العلم أيضا ووجه إمتناع أصحاب الائمة عليهم السلام عن العمل بأخبار الآحاد لعله كان لاجل تمكنهم بل الظاهر أن السيد رحمه الله أيضا كان متمكنا لقرب عهده بصاحب الشرع ووجود القرائن والامارات ولذلك قال ان معظم الفقه يعلم بالضرورة من مذاهب أئمتنا عليهم السلام وبالاخبار المتواترة وما لم يتحقق فيه ذلك فيعول فيه على إجماع الامامية وفي سائر المتخالفات يرجع إلى التخيير بين الاقوال وأنت خبير بأنه لا يحصل لنا سبيل إلى العلم بتفاصيل الفقه بشئ مما ذكر فكيف يكون حالنا متحدة مع حال السيد رحمه الله وأصحاب الائمة عليهم السلام مع أن السيد رحمه الله أيضا يكتفي بالظن فيما لا سبيل فيه إلى العلم هذا إذا أردنا إثبات حجية الخبر في أمثال زماننا وكان غرضنا إبطال القول بحرمة العمل به في أمثال هذا الزمان وأما لو أردنا إثبات جواز العمل به مطلقا ومع تمكن العلم فيحتاج إلى تتميم الادلة المخصوصة بإثبات حجية خبر الواحد مطلقا والظاهر من الاجماع الذي إدعاه الشيخ والعلامة هو ذلك بقي الكلام في تحقيق الحق في هذا الاجماع المدعى على طرفي النقيض من السيد والشيخ ووجه ذلك المخالفة فاعلم أن إنكار العمل بخبر الواحد في الجملة مما لا ريب فيه أنه كان مذهبا للامامية وعلى ذلك تنزل دعوى السيد وإن غفل في تعميم الدعوى وذكر في المعالم في وجه المخالفة في الدعويين أن السيد كان إعتماده في هذه الدعوى على ما عهده من كلام أوائل المتكلمين منهم والعمل بخبر الواحد بعيد عن طريقتهم حتى قال بعضهم بإستحالته عقلا وتعويل الشيخ والعلامة كان على ما ظهر لهما من حال علمائنا المعتنين بالفقه والحديث


[ 455 ]

حيث أوردوا الاخبار في كتبهم واستراحوا إليها في المسائل الفقهية وأقول الذي هو صريح كلام الشيخ في العدة موافقته للسيد في إنكار الامامية للعمل بخبر الواحد لكنه ذكر أنه هو ما رواه المخالفون في كتبهم وأما الذي رواه أصحابنا الامامية في كتبهم وتداولوه بينهم فاتفقوا على العمل بها وصاحب المعالم رحمه الله بعد ما ذكر في وجه الدعويين ما ذكرنا أولا كتب في الحاشية إن ذلك كان قبل وقوفه على كتاب العدة ثم نقل رحمه الله في الحاشية في وجهها ما نقلناه عن الشيخ واستبعده عن الصواب لان الاعتراف بإنكار عمل الامامية بأخبار الآحاد لا يعقل صرفه إلى روايات مخالفيهم لاشتراط العدالة عندهم وإنتفائها في خبرهم كاف في الاضراب عنها فلا وجه للمبالغة في نفي العمل بخبر يروونه أقول و يمكن دفع الاستبعاد بأن الامامية لما كانوا مخالطين مع المخالفين وكان المخالفون من مذهبهم جواز وضع الاحاديث كما لا يخفى على من إطلع على طريقتهم ومنها ما اشتهر أن سمرة بن جندب إختلق رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر معاوية في إزاء أربعمأة ألف درهم بأن آية إشتملت على مذمة عظيمة نزلت في شأن علي عليه الصلاة والسلام وآية أخرى مشتمله على مدح عظيم نزلت في شأن قالته كذا غيره من المعروفين بالكذب وما كانوا متمكنين عن التصريح بتكذيبهم ومنع قبول أخبارهم من حيث أنها أخبارهم فاحتالوا فيه مناصا واعتمدوا في إحتجاجاتهم على أن خبر الواحد لا يفيد العلم فلا يثبت به شئ وتخلصوا بذلك عن تهمتهم فاشتهر بينهم هذا المطلب بهذا الاشتهار حتى ظن السيد ونظرائه أن ذلك كان مذهبا لهم في خبر الواحد وإن كان من طرق الاصحاب في فروع المسائل الحق أن الغفلة إنما وقع من السيد في التعميم وإن العمل بخبر الواحد من طرق الاصحاب كان جايزا عند الامامية وعليها شواهد كثيرة لا تخفى على المتتبع المتأمل ثم ان صاحب المعالم رحمه الله تصدى لرفع التنافي بين الدعويين وبيان الموافقة بين المدعيين وقال الانصاف أنه لم يتضح من حال الشيخ وموافقيه مخالفة السيد رحمه الله إذ كانت أخبار الاصحاب يومئذ قرينة العهد بزمان لقاء المعصومين عليهم السلام وإستفادة الاحكام منهم وكانت القرائن المعاضدة لها متيسرة كما أشار إليه السيد رحمه الله ولم يعلم أنهم إعتمدوا على الخبر المجرد ليظهر مخالفتهم لرأيه فيه ثم إستشهد على ذلك بكلام المحقق رحمه الله وأنت إذا تأملت كتاب العدة تعرف أن هذا الكلام بعيد بمراحل عن الصواب وكذلك لا شهادة في كلام المحقق له ووجه غفلته رحمه الله أنه لم يكن عنده كتاب العدة حين تأليف المعالم والحاصل أن في العدة مواضع متعددة من كلامه رحمه الله ينادي بأعلى صوتها أن كلامه في الاخبار المجردة عن القرائن الدالة على صحة الخبر وصحة المضمون لا حاجة لنا إلى نقلها نعم خص الشيخ القول بجواز العمل بأخبار


[ 456 ]

الامامية التي دونتها في الكتب المتداولة الدائرة بين الاصحاب سواء رواها الامامية أو غيرهم أيضا إذا كان سليما عن المعارض وهذا هو الذي نقله المحقق عنه أيضا وأنت خبير بأن مجرد ذلك لا يوجب كون تلك الاخبار مقرونة بالقرائن المفيدة للقطع بالصدور سيما مع تصريحه في مواضع كثيرة مما يدل على أنها غير موجبة للعلم فلاحظ مع أن كون تلك الاخبار مقترنة بالقرائن المفيدة للقطع لاصحاب الائمة عليهم السلام لا يفيد كونه كذلك عند الشيخ أيضا ولا دلالة في كلام الشيخ على أنها كانت كذلك عند هذا ولكن الحق والتحقيق أن الاعتماد في الاستدلال بخبر الواحد في أمثال زماننا على الاجماع أيضا مشكل لان ما نقله الشيخ وإن كان يفيد عموم حجية الكتب المتداولة لكنه لفظ عام والاعتماد على عموم لفظ الاجماع المنقول في إثبات خبر الواحد دوري والعلم بجواز العمل بجميعها لانفسنا غير معلوم فلا يمكننا اليوم دعوى الاجماع على حجية جميع ما في الكتب المتداولة مع أن الاجماع لا يثبت إلا جواز العمل في الجملة وقطعية حجية بعضها في الجملة مع الاجمال والاشتباه لا يحصل منه شئ ودعوى الاجماع على العمل بالنحو الذي رخصوه في الجمع والترجيح وتقديم بعضها على بعض مع عدم حصول العلم بنفس الكيفية وخصوصيتها لاختلاف وجوه الجمع والترجيح بالنسبة إلى الاخبار وغيرها مما لا يسمن ولا يغني فظهر من جميع ذلك أن ذلك أيضا بعد التسليم حجة إجمالية لا يحصل العلم بتفاصيلها فالمرجع في حجية خبر الواحد حقيقة انما هو الدليل الخامس كما أشرنا سابقا ثم ان بعض المتأخرين تمسك بالاخبار الواردة في أمرهم عليهم السلام بحفظ الكتب والعمل بها ولو سلم التواتر فيها فإنها لا تفيد أيضا إلا الاجمال كما بينا والله العالم قانون ذكر العلماء للعمل بخبر الواحد شرائط ترجع إلى الراوي وهي البلوغ والعقل و الاسلام والايمان والعدالة والضبط والتحقيق أن هذه الشرائط إنما تتم إذا ثبت جواز العمل بخبر الواحد من الادلة الخاصة به وعلى القول بجواز العمل به من حيث هو وأما إذا كان بناء العمل عليه من جهة أنه مفيد للظن كما هو مقتضى الدليل الخامس فلا معنى لهذه الشرائط بل الامر دائر مدار حصول الظن فحينئذ إشتراط هذه الشرائط لا بد أن يكون للتنبيه على أن الخالي عن المذكورات لا يفيد الظن أو لبيان مراتب الظن أو لاثبات تحريم العمل بالخالي عن الشرائط كالقياس وقد عرفت أنه ليس كذلك إذ قد يحصل الظن بخبر الفاسق والمخالف ما لا يحصل من غيره مع قطع النظر عن القرائن الخارجية أيضا وستعرف الكلام في دعوى حرمة العمل في الخالي عنها في الاكثر مع ما عرفت من الاشكال في صحة الاستثناء فيما ذكرناه في إستثناء القياس وأما تفصيل القول في الشرائط فأما البلوغ والعقل فنقلوا الاجماع على عدم قبول خبر المجنون المطبق والصبي الغير المميز وأما المجنون الادواري فلا مانع من قبول روايته حال إفاقته


[ 457 ]

إذا إنتفى اثر الجنون عنه وأما الصبي المميز فالمعروف من مذهب الاصحاب وجمهور العامة المنع ودليله الاصل وعدم شمول أدلة حجية خبر الواحد له وربما يستدل بالاولوية بالنسبة إلى الفاسق فإن للفاسق خشية من الله ربما منعه عن الكذب بخلاف الصبي وفيه تأمل وذهب أخرون إلى القبول قياسا على جواز الاقتداء به ورد ببطلان القياس أولا وبمنع الاصل ثانيا وبوجود الفارق ثالثا فانهم يجيزون الاقتداء بالفاسق ولا يقبلون خبره هذا إذا رواه قبل البلوغ وأما إذا رواه بعده وسمعه قبله فلا إشكال في القبول إذا جمع سائر الشرائط ولذلك قبل الصحابة رواية إبن عباس وغيره ممن تحمل الرواية قبل البلوغ وما ذكره بعض الاصحاب من أن وجه رد الصدوق رحمه الله ما يرويه محمد بن عيسى عن يونس هو هذا لا وجه له وأما الاسلام فظاهر بعضهم دعوى الاجماع على ذلك مستندا إلى قوله تعالى إن جائكم فاسق اما الاجماع فيشكل دعواه مطلقا حتى في صورة إنسداد باب العلم نعم يفيد دعواه في تضعيف الظن الحاصل بخبره والحاصل أنه يمكن الاعتماد على الاجماع وإن كان منقولا لو ثبت حجية خبر الواحد بالخصوص ولو في صورة إمكان تحصيل العلم وأما في غيره فلا إلا إذا أوجب نفي الظن وأما الاستناد إلى الآية فإن كان مستند الاجماع هو أيضا هذه الآية فلا يبقى إعتماد على الاجماع أصلا وإن كان المستند نفس الآية ففيه منع الدلالة لمنع إطلاق الفاسق على الكافر المؤتمن الغير العاصي بجوارحه حقيقة والاستدلال بطريق الاولوية حينئذ ممنوع فإنه قد يكون الاعتماد على الكافر الثقة أكثر من الفاسق الغير المتحرز عن الكذب نعم يمكن أن يقال لو سلم عدم تبادر الكافر من الفاسق فلا نسلم تبادر عدمه فغاية الامر الشك فيحتمل أن يكون الكافر فاسقا ولما كان الحكم معلقا على الفاسق وهو إسم لما هو في نفس الامر كذلك كما سنبينه فيشترط قبول الخبر بعدمه ولا نعلم إلا بالعلم بعدم كونه فاسقا والجهالة كما قد تكون في كون الشئ من الافراد المعلومة الفردية لمفهوم فقد تكون في كون الشئ من أفراد تلك المفهوم مطلقا وهما سيان فيما نحن بصدده ويمكن أن يقال مع تسليم صدق الفاسق على الكافر أيضا لا يدل الآية على عدم قبول روايته إذا كان ثقة لان معرفة كونه ثقة نوع تثبت في خبره ولو كان إجمالا كما سنبينه في خبر المخالفين وكيف كان فلا ثمرة يعتد بها في خصوص العمل برواياتنا وإن كان يثمر في غير الرواية المصطلحة مما يحتاج إليه في الموضوعات وأما الايمان والمراد كونه إماميا إثنى عشريا فالمشهور بين الاصحاب إشتراطه لقوله تعالى إن جائكم فاسق والكلام فيه مثل ما تقدم بل أظهر ومقتضى هذا الشرط عدم جواز العمل بخبر المخالفين ولا سائر فرق الشيعة وقال الشيخ رحمه الله في العدة بجواز العمل بخبر المخالفين إذا رووا عن أئمتنا عليهم السلام إذا لم يكن في روايات الاصحاب ما يخالفه ولا يعرف لهم قول فيه لما روي عن الصادق عليه الصلاة والسلام (أنه قال) إذا


[ 458 ]

نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا فانظروا إلى ما رووه عن علي عليه الصلاة والسلام فاعملوا به ولاجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج و السكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا عليهم السلام فيما لن ينكروه ولم يكن عندهم خلافه ورد بمنع صحة الرواية التي استدل بها الشيخ وبمنع إجماع الطائفة على العمل بخبر هؤلاء لو أريد من عمل الطائفة إجماعهم سيما إذا إنفرد بعض العامة بروايته لاحتمال أن يراد من قوله عليه السلام إجتماعهم على روايته وما ذكرنا سابقا من حصول التثبت الاجمالي يجري هنا أيضا فيمن وثقه الاصحاب منهم كالسكوني فإن المحقق رحمه الله في المعتبر وثقه في مسائل النفاس وكذلك غيره وأما على البناء على الدليل الخامس فالامر واضح مما بينا و أما سائر فرق الشيعة مثل الفطحية والواقفية والناووسية وغيرهم فقال الشيخ أيضا في عدة إن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أن يعمل به إذا كان متحرزا في روايته موثوقا به في امانته وإن كان مخطئا في أصل الاعتقاد ولاجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره وأخبار الواقفية مثل سماعة بن مهران وعلي بن ابي حمزة وعثمان بن عيسى ومن بعد هؤلاء مما رواه بنو فضال وبنو سماعة والطاطريون وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلاف و رده المحقق رحمه الله بأنا لا نعلم إلى الآن أن الطائفة عملت بأخبار هؤلاء ولعله أراد منع إجماعهم على العمل وأنه لا حجية في عمل البعض وإلا فلا مجال لانكار العمل مطلقا وإختلف كلام العلامة رحمه الله ففي الخلاصة أكثر من قبول روايات فاسدي المذهب مع إشتراطه الايمان في يب ونقل صاحب المعالم رحمه الله عن والده في فوائد الخلاصة أنه حكى عن فخر المحققين أنه سئل والده عن أبان بن عثمان فقال الاقرب عندي عدم قبول روايته لقوله تعالى إن جائكم فاسق ولا فسق أعظم من عدم الايمان وأشار بذلك إلى ما رواه الكشي أن أبانا كان من الناووسية أقول والاظهر قبول أخبار الموثقين منهم إذ لو قلنا بصدق العدالة مع فساد العقيدة وعدم إطلاق الفاسق عليهم فيدل على حجية مفهوم الآية كما سيجئ وإن لم نقل بذلك وقلنا بكونهم فساقا لاجل عقائدهم فيدل على الحجية منطوق الآية لان التوثيق نوع من التثبت سيما مع ملاحظة العلة المنصوصة فإن التثبت إنما يحصل بتفحص حال كل واحد واحد من الاخبار أو بتفحص حال الرجل في خبره فإذا حصل التثبت في حال الرجل وظهر أنه لا يكذب في خبره فهذا تثبت في خبره لاتحاد الفايدة وإن ابيت عن ذلك مع ظهوره فالعلة المنصوصة تكفي عن ذلك وأما على البناء على الدليل الخامس فالامر واضح وأما العدالة فهي في الاصل الاستقامة والاستواء فالكيفية الحاصلة من تعديل القوي النفسانية وكسر سورة كل منها بعد فعلها وإنفعالها من الطرفين بحيث يحصل شبه


[ 459 ]

مزاج منها عدالة وأما القوة العاقلة إذا اعتدلت بين طرفي أاراطها وهو الجربزة وتفريطها وهو البلادة تسمى حكمة والقوة الشهوية إذا اعتدلت بين الشرة والخمود تسمى عفة والقوة الغضبية إذا اعتدلت بين التهور والجبن تسمى شجاعة وحلما وأما في عرف الفقهاء والاصوليين فالمشهور بين المتأخرين أنها ملكة في النفس تمنعها من فعل الكبائر والاصرار على الصغائر ومنافيات المروة يعني ما يدل على خسة النفس ودنائة الهمة بحسب حاله سواء كانت صغيرة كالتطفيف (بحبة) ؟ أو سرقتها أو مباحا كلبس الفقيه لباس الجندي والاكل في الاسواق في بعض الاوقات والازمان والكاشف عن تلك الكيفية هو المعاشرة المطلعة على تلك الملكة يقينا أو ظنا أو شهادة عدلين والمختار الاكتفاء بحسن الظاهر وظهور الصلاح وكون الشخص ساتر العيوب ومجتنبا عن الكبائر مواظبا للطاعات على ما إشتمل عليه صحيحة عبد الله بن أبي يعفور المروية في كتاب من لا يحضره الفقيه وغيره وأما الاكتفاء بظاهر الاسلام مع عدم ظهور الفسق كما هو مذهب جماعة من القدماء فهو ضعيف وتفصيل الكلام والخلافات في معنى العدالة والكاشف عنها وأدلتها ونقضها وإبرامها قد أوردناه في كتبنا الفقهية فالمشهور إشتراط العدالة في قبول الرواية واكتفى الشيخ رحمه الله بكون الراوي ثقة متحرزا عن الكذب في الرواية وإن كان فاسقا بجوارحه وهذه عبارته في عدة فأما من كان مخطئا في بعض الافعال أو فاسقا بأفعال الجوارج وكان ثقة في روايته متحرزا فيها فإن ذلك لا يوجب رد خبره ويجوز العمل به لان العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه وإنما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته وليس بمانع من قبول خبره ولاجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم وعن ظاهر جماعة من متأخري الاصحاب الميل إلى العمل بخبر مجهول الحال كما هو مذهب بعض العامة والظار أن هذا القول ليس من جهة إختيار هذه الجماعة الاكتفاء في الكاشف عن العدالة بظهور الاسلام و عدم ظهور الفسق كما هو مذهب بعض العامة بل لان آية التثبت وغيرها تدل على جواز العمل بخبر المجهول وإن لم نقل بكونه عادلا بسبب عدم ظهور الفسق حجة المشهور قوله تعالى إن جائكم فاسق الآية وجه الدلالة ان الفاسق هو من ثبت له الفسق لا من علم أنه فاسق فإذا وجب التثبت عند خبر من له هذه الصفة في الواقع فيتوقف القبول على العلم بإنتفائها وهو يقتضي إشتراط العدالة إذ لا واسطة بين الفاسق والعادل في نفس الامر فيما يبحث عنه من رواة الاخبار لان فرض كون الراوي في أول سن البلوغ مثلا بحيث لم يحصل له ملكة قبل البلوغ ولم يتجاوز عن اول زمان التكليف بمقدار يحصل له الملكة ولم يصدر عنه فسق أيضا فرض نادر لا إلتفات إليه وأما في غير ذلك فهو إما فاسق في


[ 460 ]

نفس الامر أو عادل والواسطة إنما تحصل بين من علم عدالته ومن علم فسقه وهو من يشك في كونه عادلا أو فاسقا وذلك الواسطة إنما هو في الذهن لا في نفس الامر وبالجملة تقدم العلم بالوصف لا مدخلية له في ثبوت الوصف والواجبات المشروطة بوجود شئ إنما يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجودها فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط مثل أن من شك في كون ماله بقدر إستطاعة الحج لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه أن يقول إني لا أعلم إني مستطيع ولا يجب علي شئ بل يجب عليه محاسبة ماله ليعلم أنه واجد للاستطاعة أو فاقد لها نعم لو شك بعد المحاسبة في ان هذا المال هل يكفيه في الاستطاعة أم لا فالاصل عدم الوجوب حينئذ فمقتضى تعليق الحكم على المتصف بوصف في نفس الامر لزوم الفحص ثم العمل على مقتضاه فإذا قيل أعط كل بالغ رشيد من هذه الجماعة درهما يقتضي إرادة السؤال عمن جمع الوصفين لا الاكتفاء بمن علم إجتماعهما فيه ويؤيده التعليل المذكور في الآية فإن الوقوع في الندم يحصل بقبول خبر من كان فاسقا في نفس الامر وإن لم يحصل العلم به فيه وأما خبر العدل وإن ظهر كذبه فيما بعد فلا يذم عليه ولا ذم فيه على عدم الفحص لانه عمل على مقتضى الدليل ومقتضى طريقة العرف والعادة بخلاف مجهول الحال ومن حكاية التعليل يظهر أن في صورة فرض ثبوت الواسطة أيضا لا يجوز العمل لعدم الاطمينان بخبر مثله فهو قد يوجب الندم أيضا مع أن العلم بتحققها متعذر لعدم إمكان العلم بإنتفاء المعاصي الباطنية عادة وقد تصدى بعضهم لبيان أن المراد الفاسق النفس الامري بما لا كرامة فيه فقال إذا علق أمر بشئ فالظاهر أن المراد ما هو مدلول ذلك الشئ بحسب الواقع فإذا قيل زيد صالح أو فاسق أو شاعر أو كاتب فالمراد إتصافه بالصفة المذكورة بحسب نفس الامر لا بحسب معتقد المخاطب وإلا إنتفى من الكلام الذي لا قرينة على إرادة إفادة معنى الخبر المتعارف إفادة معنى الخبر وإنحصر الافادة حينئذ في إفادة لازم معنى الخبر وأيضا لو كان المراد هو مدلول الكلام بحسب معتقد المخاطب لصح للمخاطب الجزم بكذب المتكلم بمحض عدم إعتقاده بما أخبر به وايضا ليس إثبات المتكلم تحقق صلاح زيد مثلا في نفس الامر إثباتا لما أخبر به وأيضا لا يصح طلب الدليل عما اخبر به لانه حينئذ بمنزلة أن يقول أقم الدليل على بأني معتقد بصلاح زيد وبطلان اللوازم أظهر من أن يحتاج إلى البيان فظهر أن المتبادر من الفاسق هو الفاسق بحسب نفس الامر إنتهى وفيه مالا يخفى من الاشتباه بين النسبة الخبرية المصرحة واللازمة للنسبة التقييدية الحاصلة في كل واحد من المحكوم عليه والمحكوم به بالنسبة إلى ذاتهما والوصف العنواني الثابت لهما فإن معنى قولنا زيد صالح ان ما هو زيد في الواقع صالح في الواقع وكلمة في الواقع في الموضعين قيد لطرفي النسبة والمراد بالواقع هنا


[ 461 ]

مقابل إشتراط علم المخاطب لا مقابل الامكان والواقع في الواقع لا بحسب إعتقاد المتكلم وأما النسبة الخبرية المستفادة من الجملة فلا يلزم أن تكون مقيدة بالواقع نعم ظاهر المتكلم دعوى مطابقته للواقع وأنه معتقد لذلك ووضع الجملة الخبرية لافادة هذه النسبة ولا يجري فيه توهم إرادة ثبوت النسبة على معتقد المخاطب حتى يلزم إنحصار فائده الجملة في إفادة لازم معنى الخبر وغيره من اللوازم المذكورة فالملازمة المدعاة في كلامه ممنوعة وإن كان بطلان اللوازم ظاهرا وحجة القول بالعمل بخبر مجهول الحال إن الله تعالى علق وجوب التثبت على فسق المخبر وليس المراد الفسق الواقعي وإن لم يعلم به وإلا لزم التكليف بما لا يطابق فتعين أن يكون المراد الفسق المعلوم فإنتفاء الامر بالتثبت ليس بالرد للزوم كونه أسوء حالا من معلوم الفسق وهو باطل فهو بالقبول أولى ومما بينا يظهر لك جوابه من أن المراد بالفسق هو الفسق النفس الامري وبعد إمكان تحصيل العلم به أو الظن فلا يلزم تكليف بما لا يطاق وقد يتمسك بالاصل في نفي الفسق وهو باطل لان الاظهر ان العدالة أمر وجودي فالاصل بالنسبة إليهما سواء مع أنه معارض بغلبة الفسق في الوجود وأنه مقتضى الشهوة والغضب اللتين هما غريزتان في الانسان و الراجح وقوع مقتضاهما ما لم يظهر عدمه والحاصل أن مجهول الحال ملحق بالفاسق في الحكم وأما قبول قول المسلم المجهول الحال في التذكية والطهارة ورق الجارية ونحوها فهو من دليل خارجي من القاعدة المقتضية لحمل فعل المسلم وقوله على الصحة ومطابقته للاصل في بعضها وأما إخراج الخبر و الشهادة من البين فلانهما مخصصان بالدليل الخاص والسر فيهما أنهما يثبت بهما الحكم على الغير غالبا ولذلك لا يسمع قول المدعي بمجرده ولو كان عدلا وأما حجة الشيخ رحمه الله فالظاهر أنها أيضا آية التثبت لا ما فهمه صاحب معالم رحمه الله من كلام المحقق رحمه الله أن دليل الشيخ هو مجرد عمل الطائفة ورده تبعا للمحقق أما أولا فبمنع العلم بحصول العمل من الطائفة واما ثانيا فبأن عملهم إنما يدل على قبول تلك الاخبار المخصوصة لا مطلقا فلعله كان لانضمام القرائن إليها لا بمجرد الخبر ولا يخفى ما ذكرناه على من لاحظ كلام الشيخ و تأمل فيه ووجه الاستدلال بآية التثبت أن معرفة حال الراوي بأنه متحرز عن الكذب في الرواية تثبت إجمالي محصل للظن بصدق الراوي فيجوز العمل به كما مر في أخبار الموثقين من المخالفين وسائر فرق الشيعة والظاهر كفاية الظن فإن الظاهر من الآية أنه إذا حصل الاطمينان من جهة خبر الفاسق بعد التثبت بمقدار يحصل من خبر العدل فهو يكفي سيما العدل الذي ثبت عدالته بالظن والادلة الظنية فإن المراد بالعادل النفس الامري هو ما اقتضى الدليل إطلاق العادل عليه في نفس الامر لا ما كان عادلا في نفس الامر والدليل قد يفيد القطع وقد يفيد الظن وأما بناء على الدليل الخامس في أمثال


[ 462 ]

زماننا فالامر واضح نعم قال المحقق دعوى التحرز عن الكذب مع ظهور الفسق مستبعد وإستجوده في معالم أقول وجه الاستبعاد أن الداعي على ترك المعصية قد يكون هو الخوف عن فضيحة الخلق وقد يكون لاجل إنكار الطبيعة لخصوص المعصية وقد يكون من أجل الخوف عن الحاكم وقد يكون هو الخوف عن الله تعالى وهذا هو الذي يعتمد عليه في عدم حصول المعصية في السر والعلن بخلاف غيره فمن كان فاسقا بالجوارح ولا يبالي عن معصية الخالق فكيف يعتمد عليه في ترك الكذب والتحقيق أن إنكار حصول الظن مطلقا حينئذ لا وجه له كما ترى بالعيان أن كثيرا ممن (لا يجتنب عن اكل مال الحرام انه يهتم في الصلاة وترك الشرب والزنا وغيرها وكذلك كثيرا ممن) هو مبتلى بأنواع الفسوق أنه لا يستخف بكتاب الله وسائر شعائره وكذلك الكذب خصوصا في الرواية بالنسبة إلى الائمة عليهم السلام كما هو ظاهر كلام الشيخ فمجرد ظهور سائر الفسوق عمن يعظم في نظره الكذب على الامام عليه السلام لا يوجب عدم حصول الظن بصدقه وكذلك إذا كان طبيعة مجبولة على الاجتناب عن الكذب نعم إن كان ترك الكذب محضا من جهة أن الشارع منعه وأوعد عليه لا يحصل الظن به مع صدور ما هو أعظم منه مما يدل على عدم الاعتناء بوعيده تعالى ونواهيه فالاقوى إذن ما ذهب إليه الشيخ ويرجع هذا في الحقيقة إلى التثبت الاجمالي أو إلى مطلق العمل بالظن عند إنسداد باب العلم ومن جميع ما ذكرنا يظهر لك حال الحسن من أقسام الخبر وإن حجيته ايضا من جهة حصول التثبت الاجمالي وهو تابع لما ذكروه في مدح الرجل فيتبع ما أفاده دون غيره وأما الضبط فلا خلاف في إشتراطه إذ لا إعتماد ولا وثوق إلا مع الضبط لانه قد يسهو فيزيد في الحديث أو ينقص أو يغير ويبدل بما يوجب إختلاف الحكم وإختلال المقصود وقد يسهو عن الواسطة مع وجودها وبذلك قد يحصل الاشتباه بين السند الصحيح والضعيف وغير ذلك والمراد به من يغلب ذكره سهوه لا من لا يسهو ابدا وإلا لما صح العمل إلا عن معصوم عن السهو وهو باطل إجماعا عن العاملين بالخبر فمفهوم الآية المتقضي لقبول خبر العدل مطلقا مخصص بالضابط لاشعار المنطوق به من حيث التعليل ولاجماعهم ظاهرا وإما بناء على العمل بمقتضى الدليل الخامس فالامر واضح ومراد علماء الرجال حيث يقولون في مقام التزكية فلان ثقة هو العدل الضابط إذ لا وثوق إلا مع الضبط ولذلك اختاروا هذا اللفظ لا يقال ان العدالة كافية عن هذا الشرط لان العدل لا يروي إلا ما تحققه لانا نقول ان العدل لا يكذب عن عمد لا عن سهو فإنه قد يسهو عن كونه غير مضبوط عنده أو عن كونه ساهيا والظاهر أنه يكفي في إطلاق الضبط كثرة الاهتمام في نقل الحديث بأنه بمجرد سماع الحديث يكتبه ويحفظه ويراجعه ويزاوله بحيث يحصل له الاعتماد وإن كان كثيرا السهو إذ ربما يكون الانسان متفطنا زكيا لا يغفل عن درك المطلب حين الاستماع ولكن يعرضه السهو بعد ساعة أو أكثر فمثل هذا إذا كتب


[ 463 ]

واتقن حين السماع فقد ضبط الحديث وهو ضابط وبمثل هذا يمكن أن يجاب عما يقال أن حبيب الخثعمي ممن وثقوه في الرجال مع أن الصدوق رحمه الله روى في الفقيه أنه سئل أبا عبد الله عليه السلام فقال إني رجل كثير السهو فما أحفظ على صلاتي الحديث ويمكن أن يقال في وجهه أن كثرة السهو في الصلاة لا تنافي الضبط في الرواية أو أن المراد كثير الشك لكثرة إستعمال الشك في السهو واعلم أن معرفة الضبط أيضا اما تحصل بممارسة حال الراوي بإختبار رواياته وإعتبارها بروايات الثقات المعروفين بالضبط والاتقان وموافقتها لها ولو من حيث المعنى فقط أو بشهادة العدول وقد ذكرنا أن قولهم ثقة شهادة على ذلك تنبيه المعتبر في شرائط الراوي هو حال الاداء لا حال التحمل كما أشرنا إليه في الصبي فلا إشكال في جواز الرواية عمن تاب ورجع عما كان عليه من مخالفة في دين أو فسق في حال إستقامته وكذا في عدم الجواز عمن خلط بعد الاستقامة في حال الخلط إن كان فسقا مطلقا وعلى المشهور إن كان مخالفة في المذهب أيضا قال الشيخ في عدة فأما ما يرويه الغلاة والمتهمون والمضعفون وغير هؤلاء فما يختص الغلاة بروايته فإن كانوا ممن عرف لهم حال إستقامة وحال غلو بما رووه حال الاستقامة وترك ما رووه في حال خطأهم فلاجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب محمد بن أبي زينب في حال إستقامته وتركوا ما رواه في حال تخليطه وكذلك القول في أحمد بن هلال (العبرتاني) ؟ وإبن أبي العزاقر وغير هؤلاء وأما ما يروونه في حال تخليطهم فلا يجوز العمل به على كل حال إنتهى ومقتضى ما ذكرنا ترك رواياتهم مع جعل التاريخ إلا أن يكون موثقا عند من يعمل بالموثق كما هو الاظهر وقد يتأمل في ذلك لان خطأ أبي الخطاب لم يكن بعنوان السهو والغفلة بل دعته الاهواء الفاسدة إلى تعمد الكذب والظاهر أنه لم يكن في المدة التي لم يظهر منه الكفر بريئا من غاية الشقاوة لكن جعل إخفاء المعصية و إظهار الطاعة وسيلتين إلى ما أراد من الرياسة وإضلال الجماعة فكيف يمكن الاعتماد على روايته و رواية أمثاله في وقت من الاوقات وربما يجعل هذا مؤيدا لضعف القول بكون عثمان بن عيسى و علي بن أبي حمزة ثقتين أقول فما نراه من أخبار أمثال هؤلاء قد عمل به الاصحاب ولم يظهر لنا تاريخ الرواية فعلينا أن نرجع إلى القرائن الخارجية إذ لعلهم عملوا بها لاعتمادهم على القرائن الخارجية لا لكون الرواية في حال الاستقامة فعلينا أن نجتهد في القرائن ايضا ومن القرائن المفيدة للرجحان هو عمل جمهور الاصحاب والحاصل أن المعيار في أمثال ذلك قوة الظن من القرائن الخارجية فلا بد من التأمل والتفحص فمثل ما يرويه الاصحاب عن الحسين بن بشار وعلي بن أسباط ممن كانوا من غير الامامية ثم تابوا ورجعوا واعتمد الاصحاب على روايتهم ومثل علي بن محمد بن رياح وعلي بن أبي حمزة وإسحق بن


[ 464 ]

جرير من الواقفية الذين كانوا على الحق ثم توقفوا وروى عنهم ثقات الاصحاب وصرح أجلاء المتأخرين بقبول روايتهم مع جهل التاريخ فيمكن الوثوق على روايتهم لاجل ما ذكر لان المعهود من حال أصحاب الائمة عليهم السلام كما إجتنابهم عن الواقفية وأمثالهم من فرق الشيعة وكان معاندتهم معهم وتبريهم عنهم أزيد منها عن العامة سيما الواقفية حتى أنهم كانوا يسمونهم الممطورة أي الكلاب التي اصابها المطر يتنزهون عن صحبتهم والمكالمة معهم وكان أئمتهم عليهم الصلاة والسلام يأمرونهم باللعن عليهم التبري عنهم فرواية ثقاتهم وأجلائهم عنهم قرينة على أن الرواية كانت حال الاستقامة أو أن الرواية عن أصلهم المعتمد المؤلف قبل فساد العقيدة أو المأخوذ عن المشايخ المعتمدين من أصحابنا ككتب علي بن الحسن الطاطري فإن الشيخ ذكر في الفهرست أنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم قال المحقق البهائي رحمه الله في كتاب مشرق الشمسين والظاهر أن قبول المحقق طاب ثراه رواية علي بن حمزة مع شدة تعصبه في مذهبه الفاسد مبني على ما هو الظاهر من كونها منقولة عن أصله وتعليله رحمه الله يشعر بذلك فإن الرجل من أصحاب الاصول وكذلك قول العلامة رحمه الله بصحة رواية إسحق بن جرير عن الصادق عليه الصلاة السلام فإنه ثقة من أصحاب الاصول أيضا وتأليف أمثال هؤلاء أصولهم كان قبل الوقف لانه وقع في زمن الصادق عليه الصلاة والسلام فقد بلغنا عن مشايخنا قدس الله أرواحهم أنه كان من دأب أصحاب الاصول أنهم إذا سمعوا من أحد الائمة عليهم السلام حديثا بادروا إلى إثباته في اصولهم لئلا يعرضه لهم نسيان لبعضه أو كله بتمادي الايام وتوالي الشهور والاعوام قانون تعرف عدالة الراوي بالملازمة والصحبة المتأكدة حتى يظهر سريرته علما أو ظنا وبإشتهارها بين العلماء وأهل الحديث كالصدوق فان علماء الرجال لم يذكروا له توثيقا وإشتهاره بذلك كفافا من غيره وبشهادة القرائن الكثيرة المتعاضدة مثل كونه مرجع العلماء والفقهاء وكونه ممن يكثر عنه الرواية من لا يروي إلا عن عدل ونحو ذلك من القرائن وبالتزكية من العالم بها إما بأن يقول هو عدل أو ما يشمله أو يقبل شهادته إن كان ممن يرى العدالة شرطا أو نحو ذلك واختلفوا في أن الواحد هل يكفي في التزكية أو لا بد من المتعدد على قولين وبني كثير منهم ذلك على أن التزكية رواية أو شهادة فعلى الاول يكفى دون الثاني ولا بد في ذلك من تمهيد مقدمة وهو ان الرواية والشهادة والفتوى كلها من أفراد الخبر المقابل للانشاء والشهادة في اللغة أخبار عن اليقين وعلى ما عرفها الفقهاء أخبار جازم بحق لازم للغير من غير الحاكم فحكم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وخلفائه عليهم السلام والحاكم ليس بشهادة وقال الشهيد رحمه الله في القواعد الشهادة والرواية تشتركان في الجزم وتنفردان في أن المخبر عنه إذا كان


[ 465 ]

أمرا عاما لا يختص بمعين فهو الرواية لقوله لا شفعة فيما لا يقسم فإنه شامل لجميع الخلق إلى يوم القيامة و إن كان لمعين فهو الشهادة كقوله عند الحاكم اشهد بكذا لفلان وقد يقع لبس بينهما في صور الاولى رؤية الهلال فان الصوم مثلا لا يتشخص بمعين فهو رواية ومن إختصاصه بهذا العام دون ما قبله ما بعده بل بهذا الشهر فهو كالشهادة ومن ثم إختلف في التعدد الثانية المترجم عند الحاكم من حيث أنه يصير عاما للترجمة ومن اخباره عن كلام معين والاقوى التعدد في الموضعين الثالثة المقوم من حيث أنه منصوب لتقويمات لا نهاية له فهو رواية ومن أنه إلزام لمعين الرابعة القاسم من حيث نصبه لكل قسمة ومن حيث التعيين في كل قضية الخامسة المخبر عن عدد الركعات أو الاشواط من أنه لا يخبر عن إلزام حكم لمخلوق بل للخالق سبحانه وتعالى فهو كالرواية ومن أنه إلزام لمعين لا يتعداه السادسة المخبر بالطهارة أو النجاسة ترد فيه الشهادة ويمكن الفرق بين قوله طهرته ونجسته لاستناده إلى الاصل هناك وخلافه في الاخبار بالنجاسة أما لو كان ملكه فلا شك في القبول السابعة المخبر عن دخول الوقت الثامنة المخبر عن القبلة التاسعة الخارص والاقرب في هذه الخمسة الاكتفاء بالواحد إلا في الاخبار بالنجاسة إلا أن تكون يده ثابتة عليه بإذن المالك أما المفتي فلا خلاف في أنه لا يعتبر فيه التعدد وكذا الحاكم لانه ناقل عن الله تعالى إلى الخلق فهو كالراوي ولانه وارث النبي صلى الله عليه وآله أو الامام عليه السلام الذي هو واحد وأما قبول الواحد في الهدية وفي الاذن في دخول دار الغير فليس من باب الشهادة لا لانه رواية إذ هو خاص بل هو شهادة لكن إكتفى فيها بالواحد عملا بالقرائن المفيدة للقطع ولهذا قيل وإن كان صبيا ومنه أخبار المرأة في إهداء العروس إلى زوجها ولو قيل بأن هذه الامور قسم ثالث خارج عن الشهادة والرواية وإن كان مشبها للرواية كان قويا وليس اخبارا ولهذا لا يسمى الامين المخبر عن فعله شاهدا ولا راويا مع قبول قوله وحده كقوله هذا مذكى أو ميتة لما في يده وقول الوكيل بعت أو أنا وكيل أو هذا ملكي إنتهى ما أردنا ذكره أقول ولا يخفى على المتأمل في كلامه رحمه الله ما فيه من المسامحة في البيان وإشتباه ما هو المقصود من الرواية والشهادة ووجه التفرقة بينهما وحكمهما فإن من يقول بأن الواحد يكفي في الرواية دون الشهادة إن أراد بالرواية الخبر المصطلح الذي هو واحد من أدلة الفقه بناء على حجية خبر الواحد لا مطلق الخبر المقابل للانشاء فهو لا يتم لانه لا معنى حينئذ للتفريعات التي ذكروها من حكاية رؤية الهلال والمترجم وغيرهما مما ذكروه ولا لجعل التزكية رواية بهذا المعنى مطلقا كما لا يخفى وإن قيل أن المراد مقابلة الشهادة بساير أفراد الخبر والغرض من الرواية هو سائر أفراد الخبر فيشمل الخبر المصطلح وغيره أيضا ففيه أنه لا معنى حينئذ لاشتراط كون المخبر عنه في الخبر عاما وفي الشهادة خاصا


[ 466 ]

إذ قد يكون المخبر عنه في الخبر خاصا مع كونه غير شهادة كإخبار زيد بمجئ ولده من السفر مثلا مع أن أكثر الروايات إخبار عن الخاص لان إخبار عن سماع خاص أو رؤية خاصة فإن قول الراوي قال النبي صلى الله عليه وآله كذا أو الامام عليه السلام كذا إخبار عن جزئي حقيقي وإن اعتبر نفس إلزام الحق في الشهادة فلا وجه لتخصيص الفرق بالتخصيص والتعميم كما يظهر منه رحمه الله في أول كلامه ولا لتخصيص الحق بالمخلوق في الشهادة كما يظهرمن أواسط كلامه إذ قد يكون الشهادة في حق الله تعالى كالشهادة على شرب الخمر لاجراء الحد وجعله رحمه الله الامور المذكورة أخيرا قسما ثالثا أيضا ينافي إرادة المعنى الاعم أيضا والظاهر أن مرادهم من الرواية هنا مطلقا الخبر غير الشهادة لا الخبر المصطلح فالتقرير الواضح حينئذ أن يقال أن كل خبر يسمع فيه الواحد إلا الشهادة وهو إخبار جازم عن حق لازم للغير عن غير الحاكم ووجهه أن أقوال المسلمين وأفعالهم محمولة على الصدق والصحة كما حقق في محله وذلك يقتضي الاكتفاء بالواحد في الجميع وذلك فيما لا يسري إلى غير الخبر واضح وأما إذا اوجب تكليفا للغير فيعارضه أصالة البرائة عن التكليف فلا بد في إثبات التكليف من ظن بالصدق أزيد من أصل كونه قول المسلم لرفع الظن الحاصل بأصل البرائة وهو إما بعدالة الراوي علاوة على الاسلام أو بالتثبت المحصل للظن بالصدق فهذا خير مثبت للتكليف وإن كان مع ذلك معارضا بفعل مسلم آخر أو قوله وكان في واقعة خاصة فقد ينبغي فيه التعدد كما في الشهادة فلا بد حينئذ من ملاحظة أدلة ججية خبر الواحد هل تفيد حجية الخبر المصطلح أو مطلق خبر الواحد وقد عرفت أن آية النفر ظاهرة في الفتوى غايته دخول الخبر المصطلح فيه ايضا وأما غيرهما فلا وأما آية النبأ فهو وإن كان أعم من ذلك لكنه ينافي ما ذكروه من إشتراط عموم المخبر عنه في الخبر فإنه أعم من ذلك بل حكاية وليد التي هو شأن نزول الاية واقعة خاصة وهي بالشهادة اشبه وكيف كان فالشهادة داخلة فيه و لذلك إستدل الفقهاء في رد شهادة الفاسق والمخالف بهذه الآية وحينئذ فلا دلالة فيها على قول الواحد إذ مقتضاها لا بد أن يكون إن كان عادلا لا يجب التوقف من حيث تحصيل الصدق بل يجوز العمل به حينئذ في الجملة وإن كان من جهة كونه أحد شطري (التنبيه) ؟ وذلك لا يفيد إلا جواز العمل في الجملة لا خصوص العمل إذا كان واحدا مطلقا كما هو المطلوب وإرادة المعنيين معا بالنسبة إلى الشهادة وغير الشهادة إستعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي وهو باطل كما حققناه سابقا وجعل الاصل والظاهر من الآية العمل بالواحد والقول بأن الشهادة مخرج بالدليل مع كون الآية واردة فيما هو من باب الشهادة على ما هو شأن نزول الاية محل إشكال سيما وهو مستلزم لتخصيص المنطوق بالخبر أيضا لان الظن الحاصل بالتثبت لا يفيد في الشهادة وأما الاجماع فهو ظاهر في الخبر المصطلح واما الدليل


[ 467 ]

الخامس فهو لا يفيد الاعتماد على الواحد من جهة أنه خبر الواحد بل لانه ظن لا مناص عن الظن عند إنسداد باب العلم فالحق والتحقيق أن هذا البناء باطل إذ ليس ذلك من باب الخبر المصطلح ولا دليل على كفاية الواحد بالخصوص في غير الشهادة من أقسام الخبر ولا دليل على كونه من باب الشهادة لعدم صدق تعريفها عليه عند التأمل فإن المراد من التزكية ليس إثبات حق لازم للمخلوق أو للخالق وإفادته لذلك بالاخرة بعد العمل بالرواية بسبب التعديل مشترك الورود في الخبر والشهادة مع أن العلم معتبر في الشهادة غالبا بخلاف ما نحن فيه لاستحالة العلم بالعدالة عادة سلمنا أنه شهادة لكن لا دليل على وجوب التعدد في مطلق الشهادة فإن بعض الاصحاب قد اعتبر الواحد في بعض المواد بل اعتبروا المرئة الواحدة أيضا في بعض الاحيان ولا دليل على عدم كون التزكية مما يقبل فيه الواحد فالاولى أن يقال أن ذلك من باب الظنون الاجتهادية المرجوع إليها عند إنسداد باب العلم وليس من باب الشهادة ولا الرواية المصطلحة ثم انه يمكن توجيه كلام الشهيد رحمه الله حيث قال وينفردان في أن المخبر عنه اه بأن المراد أن العموم انما يوجد في الرواية دون الشهادة لان المخبر عنه في الرواية دائما يكون عاما ويلزمه أن الشهادة دائما مخصوصة وهو كذلك ومراده بيان أحد المميزات لا الجميع حتى يرد أن بينهما فرقا اخر وهو أن الشهادة اخبار بحق لازم للغير البتة ولا يلزم أن يوجد ذلك في الرواية بل لا يوجد فيها إلا على سبيل التبعية والاستلزام كالفتوى وأما قوله فإن الصوم مثلا لا يتشخص لمعين فلا وجه له لان الاخبار عن رؤية الهلال الجزئي المتشخص لا عموم فيه بالضرورة وذلك يوجب إثبات حق الله تعالى وهو الصوم الخاص الحاصل في الشهر الخاص على عباده كإثبات الحد على شارب الخمر وتوهم عموم الصائم والمفطر مدفوع بان المراد بالعموم و الخصوص هنا أن أكثر الروايات مفيد للحكم لموضوع مفروض وإن لم يتحقق ولم يتصور تحققه كالفتاوي فقوله عليه السلام لا شفعة فيما لا يقسم يعني كلما وجد ما لا يقسم فحكمه أنه لا شفعة فيه لا أن الاملاك الموجودة الغير المقسومة حكمه كذا بخلاف رؤية الهلال فإنه يثبت الصوم والافطار لو أجدى الشرائط من الحياة والعقل والبلوغ وغيرها بالفعل بل لاهل البلاد الخاصة بخلاف مثل يجب الصوم للرؤية والفطر للرؤية وكذلك الشهادة على الوقف العام فإن المصلحة العامة مصلحة خاصة ورد عليها الوقف بالخصوص فهو حقيقة متعين من حيث المورد وإن لزمه الشيوع والاستمرار بالتبع في أفراد الموقوف عليه وأشخاصه وكذلك الشهادة على النسب فإنها تثبت شيئا معينا خاصا ولكن الانتساب إلى آخر الابد يتبعه و أما المترجم فهو أيضا أخبار عن جزئي معين مشخص وتوجيه كلامه في العموم هنا بأن يقال مراد المترجم أن كل من يقول بمثل هذا الكلام فمراده هذا ولا يخفى بعده وأما القاسم والمقوم فيظهر توجيه العموم


[ 468 ]

مما ذكرنا في المترجم والتوجيه فيهما أظهر من المترجم وأما قوله الخامس المخبر عن عدد الركعات والاشواط ففيه ما قدمناه من عدم إنحصار الشهادة في حق الخلق ثم ان تحقيق هذه المسائل والتكلم في كل واحد منها ليس وظيفة هذا الكتاب وحظ الاصولي في هذا الباب التفرقة بين الشهادة وغيرها من الاخبار حتى يجعل الشهادة أصلا ويطلب فيها العدد وهو مشكل إذ ما ذكروه من المميزات للشهادة كثيرا يتخلف عن العدد فدعوى لزوم العدد في الشهادة إلا ما أخرجه الدليل ليس بأولى من دعوى كفاية مطلق الخبر إلا ما أثبته الدليل فالمتبع هو ما اقتضاه الادلة في خصوصيات المقامات إلا أن يتمسك بالاستقراء وتتبع موارد الاحكام فإنه يقتضي كون الاصل فيها العدد وإن ما اكتفى فيه بالواحد فإنما خرج بدليل خاصل بقي الكلام في الفرق بين الفتوى والحكم وهو أن الفتوى هو إخبار عن الله تعالى بأن حكمه في هذه القضية كذا ومن خواصه عدم المنع من مخالفته من المجتهد والمقلد أما المجتهد فظاهر وأما المقلد فلان له أن يستفتي عن آخر ومع التعدد فيختار الاعلم ثم الاورع ومع التساوي يتخير والحكم هو إنشاء إطلاق أو الزام في المسائل الاجتهادية وغيرها مع تقارب المدارك فيها مما يتنازع فيه الخصمان بمصالح المعاش هكذا عرفه الشهيد رحمه الله في القواعد وحكمه أنه لا يجوز لغيره نقضه وإن كان مجتهدا مخالفا له في الرأي لاستلزام ذلك عدم إستقرار الاحكام والمصلحة في شرع الاحكام هو حصول النظام وذلك ينافيه وقال في القواعد فبالانشاء يخرج الفتوى لانها أخبار والاطلاق والالزام نوعا الحكم وغالب الاحكام إلزام ومثل للاطلاق بإطلاق مسجون لعدم ثبوت الحق عليه وبإطلاق حر من يد من إدعى رقه بلا بينة وغير ذلك قال وبتقارب المدارك في المسائل الاجتهادية يخرج ما ضعف مدركه جدا كالعول والعصيب وقتل المسلم بالكافر فإنه لو حكم به حاكم وجب نقضه و بمصالح المعاش يخرج العبادات فإنه لا مدخل للحكم فيها فلو حكم الحاكم بصحة صلاة زيد لم يلزم صحتها بل إن كانت صحيحة في نفس الامر فذاك وإلا فهي فاسدة وكذا الحكم بأن مال التجارة لا زكورة فيه وأن الميراث لا خمس فيه فإن الحكم به لا يرفع الخلاف بل لحاكم غيره أن يخالفه في ذلك نعم لو إتصل بها أخذ الحاكم ممن حكم عليه بالوجوب مثلا لم يجز نقضه فالحكم المجرد عن إتصال الاخذ اخبار كالفتوى وأخذه للفقراء حكم بإستحقاقهم فلا ينقض إذا كان في محل الاجتهاد ولو إشتملت الواقعة على أمرين أحدهما من مصالح المعاد والاخر من مصالح المعاش كما لو حكم بصحة حج من أدرك إضطراري المشعر وكان نائبا فإنه لا أثر له في برائة ذمة النائب في نفس الامر ولكن يؤثر في عدم رجوعهم عليه بالاجرة إنتهى وسيجئ تحقيق الكلام في أواخر الكتاب إذا تمهد هذا فنقول ذهب الاكثرون إلى كفاية المزكي الواحد في الرواية وهو مذهب


[ 469 ]

العلامة رحمه الله في التهذيب وذهب المحقق رحمه الله ومن تبعه إلى أنه لا يقبل فيه إلا ما يقبل في تزكية الشاهد وهو شهادة عدلين وعن بعض العامة عدم إعتبار التعدد فيهما فلنقدم الكلام في معنى هذا النزاع ثم نتعرض إلى ذكر أدلة الاقوال فإنه غير مجرد في كلام القوم وأقول ان حجية خبر الواحد إما من حيث أنه ظن كما هو مقتضى الدليل الخامس أو من حيث هو خبر كما هو مقتضى آية النبأ أو من حيث أنه الخبر المصطلح أعني المروي عن المعصوم عليه السلام كما هو مقتضى الاستدلال بالاجماع ثم ان إشتراط العدالة لا معنى له على الاول إلا بإعتبار اعلام طرق الظن والتنبيه عليها والتنبيه على أن خبر الفاسق لا يفيد الظن كما أشرنا إليه سابقا وأما عن الثاني فمقتضاه قبول خبر العدل مطلقا سواء كان رواية مصطلحة أو شهادة أو غيرهما ولذلك إستدل الاصحاب بآية النبأ على إشتراط عدالة الشاهد أيضا ومقتضاه قبول خبر العدل الواحد في التزكية مطلقا ولما ثبت من دليل خارجي إشتراط التعدد في نفس الشهود فيرجع الكلام هنا في أن التزكية شهادة أم لا وبعد ثبوت كونها شهادة فلا فرق بين الراوي والشاهد وكذا مع عدمه فالقول بالتفصيل لا معنى له إذ عدالة الراوي إن ثبت بتزكية الواحد فهو عدل يجوز قبول شهادته أيضا والاقتداء به وإلا فلا يقبل في قبول الرواية أيضا لان معنى العدالة شئ واحد و لا معنى لكون الشخص عادلا بالنسبة إلى أمر دون أمر وأما ما يفهم من كلام الشيخ رحمه الله في العدة من الفرق بين عدالة الراوي وغيره فمع أن مراده أن مجرد الوثوق بالصدق كاف لا أن محض ذلك عدالة وان كان فاسقا بالجوارح فلا ينفع في محل النزاع إذ هو مطرح نظر جميع العلماء فلا بد أن يوافق مذاق الجميع فيرجع الكلام في هذا الفرق ايضا إلى أن المدار هو حصول الظن وإن مجرد حصول الظن يكفي في الرواية وهو رجوع إلى الوجه الاول أعني الاعتماد على الدليل الخامس وجعل المعيار هو مطلق الظن ولا يفيد ذلك إثبات إشتراط العدالة في الخبر من حيث أنه خبر والحاصل أن سبيل العلم بالاحكام الشرعية إذا كان منسدا فالمدار على الظن والظن يحصل بالخبر بمجرد تعديل واحد وأما إثبات حقوق الله أو حقوق الناس فالمدار فيهما على العلم أو البينة أو اليمين فلم ينحصر المناص فيهما في العمل بمطلق الظن فمثل اخبار الطبيب عن إنبات اللحم وشد العظم للرضاع وعن كون الصوم مضر للمريض واخبار أهل الخبرة بالقيمة والارش ونحو ذلك فهي مثل الفتوى فيكفي فيها الواحد ولا وجه للحكم بوجوب الاثنين كما وقع من بعض الفقهاء وتوضيحه أن الاحكام الشرعية المتعلقة بالموضوعات التي ليس بيانها وظيفة الشارع مثل أن يقول يجوز الصلاة في الخز أو إنبات اللحم محرم أو المرض المضر مبيح للافطار ونحو ذلك لا شبهة في أنها إنما تعلقت بما هو في نفس الامر كذلك فإن حصل للمكلف العلم به فهو وإلا فيرجع إلى الظن لاستحالة التكلف بالمحال


[ 470 ]

والعدالة من هذا القبيل فالمعتبر في الطبيب وأهل الخبرة والمزكي هو كونه معتمدا بحيث يحصل الظن فليس ذلك من باب الرواية ولا من باب الشهادة فخبر هؤلاء بالنسبة إلى كون ما ذكروه مطابقا لنفس الامر بمقعدهم وبحسب ظنهم وإعتبار العدالة في هؤلاء لاجل حصول الاعتماد بعدم كذبهم في ذلك وعدم مسامحتهم في إجتهادهم فبهذا يحصل الظن بل قد يكتفي بما يحصل الظن وإن كان أهل الخبرة فاسقا بل وكافرا أيضا بل وظاهر الفقهاء جواز الاعتماد على كلام الاطباء إذا أفاد الوثوق مطلقا وهو مقتضى الاخبار الواردة في مسألة القيام في الصلاة ويقتضي ذلك تخصيص آية التثبت عند خبر الفاسق بما لم يفد الظن فالاصل يقتضي الاكتفاء بالواحد في مطلق التزكية إلا أن تزكية الشاهد خرج بالدليل من الاجماع كما إدعى بعضهم أو لاجل ما ذكرنا من مقابلة حق المسلم ولذلك خص حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحة بما لو لم يعارضه مثله أو أقوى منه مع تأمل في الاخير لكون الخبر أيضا قد يكون كذلك كما اشرنا من أنه أيضا قد يثبت حقا على أحد بالاخرة ولكن يبقى الاشكال الذي أوردناه اولا من أن العدالة شئ واحد والمشروط بالعدالة مشروط بمهية العدالة فمتى ثبت سبب ثبوت العدالة فيتحقق العدالة في الخارج ويحصل شرط القبول في مشروطها فما معنى الفرق وأي معنى للاجماع على ثبوت العدالة في الرواية دون الشهادة ويمكن دفعه بأن المراد أن قبول شهادة العدل موقوف على كون مزكيه إثنين دون الرواية لا أن ثبوت العدل فيها مشروط بتزكية إثنين دون الرواية فهو شرط لقبول العدلين لا لثبوت العدالة وأما مثل مترجم القاضي واخبار المقلد مثله بفتوى المجتهد وإعلام المأموم الامام بوقوع ما شك فيه واخبار النائب عن إيقاع الحج و نحو ذلك فيكفي فيه الواحد لانه خبر ويعتبر فيه العدالة الظنية الحاصلة من تزكية واحد وأما مثل الاخبار عن القبلة أو الوقت أو نحو ذلك فإن كان المراد الاخبار عن القبلة التي بناء عمل المسلمين عليها في هذا البلد وكذا الوقت فهو اخبار وإن كان المراد الاخبار عن إجتهاده فهو مثل ما مر من أنه خبر عن مطابقة ما اجتهد فيه فالخبر المطلق إما فتوى من فقيه أو من هو في معناه من أهل الخبرة أو شهادة أو مجرد اخبار عن نفس الامر ويختلف احكامها حسب ما ذكرنا فلاحظ وتأمل وميز بينها حتى يختلط عليك الامر واما على الثالث فإثبات إشتراط العدالة إما من جهة أية النبأ وقد مر الكلام فيه و مقتضاه كفاية المزكي وأما من جهة الاجماع والاجماع لم يثبت على أزيد من العدالة الثابتة بمزك واحد فلنرجع إلى ذكر أدلة الاقوال أما على المذهب المختار فإما بناء على الدليل الخامس كما هو المعتمد في الاستدلال فظاهر لحصول الظن بتزكية الواحد واما على غيره من الادلة فلآية النبأ


[ 471 ]

وتقريبه صدق النبأ على التزكية من جهة الاخبار عن موافقة المعتقد كما بينا ولكن يخدشه أنه لا يدل إلا على قبوله في الجملة كما مرت الاشارة إليه في الشهادة إلا أن يثبت بالعموم وإخراج الشهادة بالدليل كما أشرنا سابقا وأما ما أورد عليه بأنه مؤد إلى حصول التناقص في مدلول الاية لانه يدل على أن قبول خبر الواحد موقوف على إنتفاء الفسق في نفس الامر كما مر وإنتفاء الفسق في نفس الامر لا يعلم إلا مع العلم بالعدالة فشرط قبول الخبر هو العلم بالعدالة وخبر المزكي الواحد لا يفيد العلم وإن كان عدلا فإن إعتبرنا تزكية العدل الواحد فقد علمنا بالخبر مع عدم حصول العلم بعدالة الراوي لعدم إفادته العلم وهذا تناقض فلا بد من حملها على ما سوى الاخبار بالعدالة ففيه أن المراد بالفاسق النفس الامري والعادل النفس الامري هو ما يجوز إطلاق العادل والفاسق عليه فنفس الامر هنا مقابل مجهول الحال لا مقابل مظنون الفسق والعدالة ألا ترى أنا نكتفي في معرفة العدالة بالاختبار والاشتهار وهما لا يفيدان العلم غالبا بل العدلان أيضا لا يفيد العلم فمن ظنناه عادلا بأحد الامور المذكورة فنقول أنه عادل ويؤيده قوله تعالى ممن ترضون وكذلك المرض المبيح للتيمم والافطار وإنبات اللحم وشد العظم وغير ذلك فإنه يطلق على ما هو مظنون أنه كذلك والكلام فيها وفي العدالة على السواء سلمنا لكن لا ريب أن مع إنسداد باب العلم يكتفي بالظن في الاحكام والموضوعات جميعا مع أن إشتراط العلم بالعدالة مستفاد من المنطوق فلا مانع من تخصيصه بمفهومها حيث أفاد بعمومه قبول خبر العدل الواحد في التزكية وما قيل ان تخصيص المنطوق بالمفهوم ليس أولى من العكس بل العكس أولى فيدفعه أن المفهوم إذا كان أقوى بسبب المعاضدات الخارجة فيجوز تخصيص المنطوق به وهو معتضد بالشهرة وغيره من الامور التي ذكرنا مع أنه مخصص بشهادة العدلين جزما وهو لا يفيد العلم وذلك أيضا يوجب وهنا في عمومه وإن كان العام المخصص حجة في الباقي على التحقيق والمشهور بين المتأخرين في الاستدلال على هذا المذهب هو أن العدالة شرط في الرواية وشرط الشئ فرعه والاحتياط في الفرع لا يزيد على الاحتياط في الاصل وقد إكتفى في الاصل وهو الرواية بواحد فيكفي الواحد في الفرع أيضا أعني العدالة وإلا زاد الاحتياط في الفرع على الاصل وأنت خبير بضعف هذا الاستدلال ويشبه أن يكون مبناه القياس كما ذكره بعض العامة وما يظهر من بعض أصحابنا أنه قياس الاولوية أيضا ممنوع بل لا يبعد دعوى أن ثبوت الحكم في الاصل أقوى منه في الفرع لان الاصل وهو الرواية معلوم أنه ليس بشهادة فلا يعتبر فيه التعدد جزما بخلاف الفرع لاحتمال كونه شهادة كما إدعاه صاحب القول الاخر وإن كان ضعيفا على ما إخترناه وهذا قياس لم يقل به العامة أيضا ما قيل في دفع


[ 472 ]

ذلك بأن الاصل مشروط بثلاثة الراوي ومزكييه والفرع بإثنين وهما المزكيان فالفرع لم يزد على الاصل فهو مدفوع بأنك تقبل رواية عدل واحد زكاه عدلان ولا تقبل تزكية عدل واحد زكاه عدلان فثبت زيادة الفرع على الاصل والتحقيق في الجواب منع عدم جواز زيادة الفرع على الاصل بهذا المعنى إذ لا دليل عليه من عقل ولا نقل وما قيل ان المتبادر من الشرط أن لا يكون وجوده و إعتباره زايدا على المشروط كما هو شأن المقدمات فإنكاره مكابرة فيدفعه أن ذلك لو سلم فإنما هو من جهة التبعية لا من حيث هو ألا ترى أن الايمان شرط لصحة الصلاة مع أن وجوده وإعتباره زايد على المشروط من جهة إعتبار اليقين فيه والاكتفاء بالظن في المشروط وكونه من أصول الدين وهي من فروعه مع أن فرض التعدد في الفرع دون الاصل أيضا موجود في الاحكام الشرعية فإن بعض الحقوق يثبت بشهادة واحد بل إمرئة واحدة كربع ميراث المستهل وربع الوصية مع أن تزكية الشاهد لا بد فيه من عدلين وأما ما مثل به من ثبوت وجوب الحد بالقذف بخبر الواحد وهو مشروط بثبوت القذف وبلوغ القاذف وكل منهما يتوقف ثبوته على الشاهدين ففيه نظر فإنه إن اريد من خبر الواحد حكم الحاكم فهو فرع الشهادة لا أصلها وإن أريد منه الرواية الدالة على أصل المسألة فهو ليس بمشروط بثبوت القذف بالشاهدين بل المشروط به هو إجرائه في المادة المخصوصة وما قيل في دفعه من أن هذا شهادة وثبوت التعدد فيها لا يوجب ثبوته في غيرها وبعبارة أخرى أن هذا مخرج بالدليل ففيه أن عدم زيادة الفرع على الاصل إن سلم فهو قاعدة عقلية لا تقبل التخصيص ومما يؤيد بطلان إشتراط التعدد إن المدار في أمثال زماننا بتزكية الشيخ والنجاشي والعلامة وأمثالهم وهم ينقلون تعديل أكثر الرواة عن غيرهم وموافقة إثنين منهم في التزكية إنما تنفع لو علم أن مذهب كل واحد منهم في التزكية إشتراط العدد وهو غير معلوم بل خلافه معلوم من حال بعضهم كالعلامة حيث إكتفى في كتبه الاصولية بالمزكي الواحد فالقول بإشتراط التعدد في أمثال زماننا إنما يتم لو كان هؤلاء المزكون عرفوا العدالة من جهة المعاشرة أو بشهادة العدلين وأنى للمشترط بإثباته واحتج من اعتبر إثنين بوجهين الاول أنها شهادة ومن شأنها إعتبار التعدد وقد يجاب بالمعارضة بأنها خبر ومن شأنه قبول الواحد وأنت بعد التأمل فيما ذكرناه في المقدمة تعرف ضعف المعارضة نعم يتجه في الجواب منع كونها شهادة أولا فيبقى تحت باقي أقسام الخبر الذي يقبل فيها خبر الواحد لآية النبأ أو يدخل تحت ما هو من قبيل لفتوى وأنه ظن من الظنون الاجتهادية الحاصلة لارباب الخبرة بكل مسلك كمعرفة المرض المضر والقيمة والارش ونحو ذلك وإن


[ 473 ]

اعترته الخبرية بالعرض أيضا من جهة أنه إخبار عما هو مطابق لظنه ومنع كلية الكبرى ثانيا سنده ما مر من ثبوت ربع ميراث المستهل وربع الوصية وثبوت هلال رمضان برجل واحد عند بعض علمائنا وإن أمكن دفع ذلك بأن إعتبار التعدد صار أصلا في الشهادة من جهة تتبع الآيات و الاخبار فخروج ما خرج بالدليل لا يضر ببقاء الباقي تحت الاصل حتى يثبت المخرج فالاولى منع الصغرى والثاني أن مقتضى إشتراط العدالة إعتبار حصول العلم بها ولا يحصل بالواحد واكتفينا بالعدلين مع عدم إفادته العلم لقيامه مقامه شرعا ويظهر جوابه مما أسلفناه سابقا من منع إعتبار العلم فيها كيف وكل ما جعلوه طريقا لمعرفة العدالة لا يفيد إلا الظن سلمنا لكنه إنما يسلم إذا أمكن تحصيل العلم ومع إنسداد بابه يكفي الظن كما مر وهو يحصل بالمزكي الواحد ثم ان الظاهر كفاية تزكية غير الامامي العادل أيضا مثل علي بن الحسن بن فضال وغيره لانه نوع تثبت ويؤيده أن الفضل ما شهد به الاعداء ومقتضى طريقة المشهور عدم الاعتبار والاقوى إعتباره لافادته الظن وهو على ما اخترناه من البناء على الدليل الخامس في أصل حجية الخبر أوضح وأما الجرح فالكلام فيه هو الكلام في التزكية ونقل عن المحقق البهائي رحمه الله قول بالفرق بين التزكية والجرح إذا صدر عن غير الامامي فيقبل الاول دون الثاني والحق ما إخترناه لما ذكرناه ومن جميع ما ذكر يظهر أنه لاوجه للجرح في مثل أبان بن عثمان لاجل ما رواه الكشي رحمه الله عن علي بن الحسن بن فضال أنه كان من الناووسية فإن كون الرجل غير إمامي إن كان جرحا فالجارح مجروح وإلا فلا وجه لكون أبان مجروحا فعلى هذا فما نقله فخر المحققين عن والده وذكرناه في القانون السابق فيه ما فيه إلا أن يكون إطلاعه على هذا من جهة غير هذه الرواية قانون إختلف الاصوليون في قبول الجرح والتعديل مطلقين بأن يقال فلان عدل أو ضعيف من دون ذكر سبب العدالة والضعف على أقوال ثالثها قبولها في التعديل دون الجرح ورابعها العكس وخامسها إنهما إن كانا عالمين بالاسباب قبل وإلا فلا و سادسها القبول مع العلم بالموافقة فيما يتحقق به الجرح والتعديل والاقوال الاربعة من العامة والخامس من العلامة رحمه الله والثالث هو مختار الشهيد الثاني وقبله السيد عميد الدين في شرح التهذيب وهو الاقوى حجة الاولين أنه إن كان من ذوي البصائر بهذا الشأن لم يكن معنى للاستفسار وإن لم يكن منهم لم يصلح للتزكية وفيه أنه مع إختلاف المجتهدين في معنى العدالة و الجرح وعدد الكبائر وغير ذلك فلا يكفي كونه ذا بصيرة إذ لعله يبني كلامه على مذهبه ولا يعلم موافقته للحاكم والمجتهد إلا أن يقال إطلاقه مع عدم العلم بالموافقة وإحتمال عدم الموافقة تدليس


[ 474 ]

وظاهر العدل عدم التدليس وبذلك يندفع إشكال إحتمال غفلته عن هذا المعنى فإن المعيار هو الظاهر وأنت خبير بأن الكلامين في محل المنع نعم يتم ذلك فيما إذا كان تزكيته لاجل عامة المكلفين أو لمن كان قوله حجة عليه ومن هذا يحصل الجواب عن إشكال مشهور وهو أن مذاهب علماء الرجال غير معلومة لنا الآن فكيف نعلم موافقتهم لما هو مختارنا في العدالة حتى يرجع إلى تعديلهم إذ هم يطلقون العدالة والجرح ولا نعلم سببه عندهم بل ونرى العلامة رحمه الله أنه يبني تعديله على تعديل الشيخ مثلا مع أنا نعلم مخالفتهما في المذهب وتوضيحه أن إحتمال أن يكون تعديله على وفق مذهبهم خاصة مع كونهم عارفين بالاختلاف وتفاوت المذاهب مع أن تأليفهم إنما هو للمجتهدين وأرباب النظر لا لمقلديهم في زمانهم إذ لا يحتاج المقلد إلى معرفة الرجال والظاهر أن المصنف لمثل هذه الكتب لا يريد إختصاص مجتهدي زمانه به حتى يقال أنه صنفه للعارفين بطريقته سيما وطريقة أهل العصر من العلماء عدم الرجوع إلى كتب معاصريهم من جهة الاستناد غالبا وإنما ينفع المصنفات بعد موت مصنفه غالبا وسيما إذا تباعد الزمان فعمدة مقاصدهم في تأليف هذه الكتب بقائها أبد الدهر وإنتفاع من سيجئ بعدهم منهم فإذا لوحظ هذا المعنى منضما إلى عدالة المصنفين وورعهم وتقويهم وفطانتهم وتقويهم وحذاقتهم يظهر أنهم أرادوا بما ذكروا من العدالة المعنى الذي هو مسلم الكل حتى ينتفع الكل وإحتمال الغفلة للمؤلف عن هذا المعنى حين التأليف سيما مع تمادي زمان التأليف و الانتفاع به في حياته في غاية البعد وخصوصا من مثل هؤلاء الفحول الصالحين فلو قيل أن ما ذكرت معارض بأن إرادة المعنى الاعلى وإن كان مستلزما لتعميم النفع ولكنه مفوت لفايدة أخرى وهي أنه قد يكون مذهب المجتهدين اللاحقين إن العدالة هو المعنى الادنى فلا يعلم حينئذ هل كان الراوي متصفا بهذا المعنى أم لا فلو لم يسقط المؤلف إعتبار هذا المقدار لكان النفع أكثر قيل مع أن هذا النفع بالنسبة إلى الاول أقل لمهجورية القول بكون العدالة هو ظاهر الاسلام عند المتأخرين فيه انا نراهم كثيرا ما يمدحون الرجل بمدايح كثيرة توجب العدالة بمعنى حسن الظاهر بل وأكثر منه ومع ذلك لا يصرحون بعدالتهم فمن لحق بهؤلاء وليس مذهبه في العدالة هو المعنى الاعلى فليأخذ بمقتضى هذا المدح ويجعله عدالة وهذا من أعظم الشواهد أنهم أرادوا بالعدالة هو المعنى الاعلى فهم لاحظوا الاطراف وأخذوا بمجامع النفع سيما وقولهم ثقة لا يحتمل مجرد ظهور الاسلام مع عدم ظهور الفسق كما هو واضح بل الظاهر أنه ليس مجرد حسن الظاهر أيضا فإن الوثوق غالبا لا يحصل إلا مع إعتبار الملكة ويؤيده أن العلماء اكتفوا بمجرد التعديل ولم يتأملوا من هذه الجهة ولم يحصل تشكيك لهم من هذه الجهة ويظهر مما مر حجة القول الثاني فإن أسباب الجرح


[ 475 ]

والتعديل كليهما مختلف فيها فلا بد من بيانها وفيه أن ذلك حسن لو لم يعلم الموافقة وعدم المخالفة وحجة القول الثالث وهو مذهب الشافعي وكثير من الاصحاب إختلاف المذاهب في الاحكام الشرعية فربما جرح بما ليس جرحا وفيه أنه لا فرق بين الجرح والتعديل بل العدالة تابع للجرح فإنها ترك لما هو موجب للجرح وما يقال ان التعديل يصعب ذكر أسبابه لكثرة أسبابها بخلاف الجرح فإنه يثبت بسبب واحد لا ينفع في دفع هذا البحث و حجة القول الرابع أن مطلق الجرح كاف في إبطال الثقة برواية المجروح وشهادته وليس مطلق التعديل كذلك لتسارع الناس إلى البناء على الظاهر فيها فلا بد من ذكر السبب وفيه أيضا ما مر من أن الجرح مما يختلف فيه فكيف يكتفى بمطلقه في إبطال الاعتماد مع أن التسارع إلى البناء على الجرح أغلب وأقرب إلى طباع الناس من العدالة لعدم إجتنابهم كثيرا من الظن مضافا إلى أن تسارع الناس إلى البناء على الظاهر في العدالة مبني على القول المهجور عند عامة متأخري أصحابنا بل وأكثر متقدميهم أيضا وحجة القولين الاخيرين لا يحتاج إلى البيان وكذلك ضعف أولهما وقوة الثاني قانون إذا تعارض الجرح والتعديل فقيل يقدم الجرح مطلقا وقيل التعديل مطلقا وقيل بالتفصيل فإن أمكن الجمع بينهما بمعنى أن لا يلزم تكذيب أحدهما في دعواه فيقدم الجرح لان التعديل لا ينافي عدم الاطلاع ببعض ما يوجب الفسق فكلاهما صادقان بمعنى أنه معذور في إجتهاده في التعديل وهذا مصدق في اخباره عن الفسق ولا فرق في ذلك بين التصريح بسبب الجرح وعدمه وذلك مثل قول المفيد رحمه الله في محمد بن سنان أنه من ثقات الكاظم عليه الصلاة والسلام وقول الشيخ رحمه الله أنه ضعيف لجواز إطلاع الشيخ على ما لم يطلع عليه المفيد رحمه الله وإن لم يمكن الجمع بينهما كما لو عين الجارح السبب ونفاه المعدل كما لو قال الجارح رأيته في أول الظهر يوم الجمعة يشرب الخمر وقال المعدل إني رأيته في ذلك الوقت بعينه أنه يصلي فلا بد حينئذ من الرجوع إلى المرجحات كالكثرة والاعدلية والاورعية وغير ذلك ومن هذا القبيل توثيق الشيخ ومدح الكشي والعلامة لداود بن كثير الرقي وروايته في شأنه أن الصادق عليه الصلاة والسلام قال انزلوا داود الرقي مني بمنزلة المقداد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن سره أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم عليه الصلاة والسلام فلينظر إلى هذا يعني داود وقيل أنه موافق لما رواه الصدوق رحمه الله أيضا وتضعيف النجاشي وقول إبن الغضائري فيه بأنه كان فاسد المذهب ضعيف الرواية لا يلتفت إليه فيرجع إلى الاكثرية سيما وتضعيف إبن الغضائري مما لا يعتمد عليه غالبا وإن جبر ضعفه بتضعيف النجاشي المعتمد و الاقوى عندي وفاقا لجماعة من المحققين من أصحابنا الرجوع إلى المرجحات في القسم الاول أيضا


[ 476 ]

غاية الامر هنا معارضة الظاهر مع النص فإن الجرح في حكم النص والتعديل في حكم الظاهر هذا فيما صرح بالسبب وإلا فمثل قولهم ضعيف أو مجروح أيضا ظاهر والظاهر قد يقدم على النص بسبب المرجحات كما مرت الاشارة إليه في باب التخصيص ومن هذا الباب تقديم قول النجاشي في داود بن الحصين أنه ثقة على قول الشيخ أنه واقفي فإنه وإن أمكن القول بكونه موثقا جمعا بين القولين ولكن الظاهر من النجاشي حيث يطلق الثقة ويسكت عن حال المذهب أن الرجل إمامي فلا يمكن الجمع بينهما و كون النجاشي أضبط من الشيخ يرجح كونه إماميا إن لم يكافئه نصوصية كلام الشيخ وكذلك الكلام في ترجيح تعديل الشيخ والنجاشي على جرح إبن الغضائري في إبراهيم بن سلمان وغيره والحاصل أن المعتمد الرجوع إلى المرجحات مطلقا وكل ما ذكرنا في هذا القانون وسابقه من الشواهد على كون التزكية من باب الظنون الاجتهادية لا الرواية والشهادة وإن المعيار هو حصول الظن على أي نحو يكون كيف لا والمزكون لم يلقوا أصحاب الائمة عليهم السلام وإنما إعتمدوا على مثل ما رواه الكشي وقد يفهمون منه ما لا دلالة فيه أو فيه دلالة على خلافه بل وكل منهم قد يعتمد على تزكية من تقدم عليه الحاصلة بإجتهاده ومن ذلك قد يتطرق الخلل من جهة فهم كلام من تقدمه أيضا فضلا عن عدم كونه موافقا للحق أو كونه موافقا مثل أن العلامة رحمه الله وثق في الخلاصة حمزة بن بزيع مع أنه لم يوثقه أحد ممن اعتمد عليه العلامة ولعله توهمه من جهة عبارة النجاشي كما نبه عليه جماعة من المحققين فإن النجاشي قال في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع ان ولد بزيع ليس منهم حمزة بن بزيع وذكر بعد ذلك كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم ومراده محمد لا حمزة ولعلك تقول فإذا كان الامر كذلك فيلزم أن يكون مثل العلامة رحمه الله مقلدا لمن تقدمه وكذلك من تقدمه لمن تقدمه فإنهم قلما ثبت لهم عدالة الرواة من جهة الاشتهار كسلمان وأبي ذر أو من جهة المزكيين اللذين عاشرا الراوي ومع ذلك فلم يميزوا بينهم ولم يفرقوا بين من ثبت عدالته عندهم من مثل ما ذكر أو من جهة الاجتهاد ويلزم من جميع ذلك جواز تقليد المجتهد للمجتهد وإذا كان كذلك فلا فرق بين ما ذكر وبين أن يقول الصدوق مثلا أو الكليني مثلا ان ما ذكرته من الروايات صحيحة أو يقول العلامة هذه الرواية صحيحة مع كون السند مشتملا على من لم يوثقه أحد من علماء الرجال قلت ان إشتراط العدالة في الراوي إما للاجماع أو للاية أما الاول فلم يثبت إلا على إشتراطه لقبول الخبر من حيث هو وإلا فلا ريب أن أكثر الاصحاب يعملون بالاخبار الموثقة والحسنة والضعيفة المعمول بها عند جلهم وأما الآية فمنطوقها يدل على كفاية التثبت في العمل بخبر الفاسق فضلا عن مجهول الحال وهذا


[ 477 ]

نوع تثبت مع أنا حققنا سابقا أن المعيار في حجية خبر الواحد والمعتمد هو الدليل الخامس والمعتبر هو حصول الظن وإنما ذكرنا سائر الادلة على فرض تسليمها لبيان إمكان إثبات حجيتها مع قطع النظر عن إنسداد باب العلم أيضا وكذلك الكلام في إثبات العدالة فاي مانع من الاعتماد على هذا الظن و ليس ذلك من باب التقليد بل لانه مفيد للظن للمجتهد كما يرجع إلى قول اللغوي بل وإجتهادات المصنفين في اللغة وذلك لا ينافي تقليدهم في الفروع الشرعية فإذا حصل الظن من جهة تصحيح الصدوق للرواية أو تصحيح العلامة رحمه الله للسند ولم يحصل ظن أقوى منه من جهة تزكية غيره للراوي صريحا أو غير ذلك فيتبع ولا مانع عنه تنبيه إعلم أن القول في المزكي والجارح هو القول في الادلة المتعارضة فكما أنه لا يجوز العمل بكل خبر حتى يتفحص عن معارضه وبالعام قبل الفحص عن مخصصه فكذلك لا يجوز العمل بقول أحد من علماء الرجال في رجل معين حتى يتفحص عن معارضه هذا حال علماء الرجال بالنسبة إلى رواة الاخبار وأما مطلق التزكية والجرح فليس كذلك مثل أن يزكي عدل في هذا الزمان رجلا موجودا في هذا الزمان عند الحاكم مع عدم ظهور خلاف في ذلك نظير العام المسموع من الامام عليه السلام حين المخاطبة وقد بينا الفرق بين زمان الغيبة والحضور في مبحث العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص ولا فرق بين قول النجاشي مثلا ان داود بن الحصين ثقة وبين قول العلامة في رواية كان هو في سنده مثلا صحيح في أنه لا بد أن يراجع رجال الشيخ وغيره في معرفة حال وجود المعارض و عدمه ويتطرق الاشكال في تصحيح السند من جهة أخرى أيضا وهو إحتمال الاشتباه في تعيين الرجل إذ أكثر الرجال مشترك فلا بد من الاجتهاد في تعيين المشتركات أيضا أولا ثم العمل على ما أدى إليه النظر في الجرح والتعديل في خصوص الرجل فالاعتماد على تزكية المزكي للرجل المعين إنما هو في تزكيته وأما في السند المعين ففي ذلك وفي كون الرجل هو الرجل الذي رأيه فيه العدالة والجرح هذا كله إذا تعين الرجل أو السند وأما إذا قال حدثني عدل من أصحابنا فإن كان ذلك المزكي والمزكى من جملة رواة أصحابنا الذين وقع الخلاف في جرحهم وتعديلهم فلا يمكن الاعتماد لعدم إمكان الفحص عن حاله بسبب جهالته وكذلك لو قال عالم في كتابه في حق حديث مجهول السند أنه صحيح وأما لو كان ذلك في غير ما وقع الاختلاف فيه كما لو أخبرنا أحد في زماننا هذا وقال أخبرني عدل بكذا فيمكن الاعتماد عليه إذا كان المخبر والمستمع عارفين بأسباب الجرح والتعديل متفقين في الرأي أو مقلدين لمجتهد واحد إذا لم يكن المخالفة في الجرح والتعديل وفي هذا البلد موجودة في حق العدول وأما ما ذهب إليه المحقق من الاكتفاء بقول العدل حدثني عدل بل بما دونه حيث قال


[ 478 ]

إذا قال أخبرني بعض أصحابنا وعنى الامامية يقبل وإن لم يصفه بالعدالة إذا لم يصفه بالجرح لان إخباره بمذهبه شهادة أنه من أهل الامانة ولم يعلم منه الجرح المانع من القبول فإن قال عن بعض أصحابه لم يقبل لامكان أن يعني نسبته إلى بعض الرواة أو أهل العلم فيكون البحث فيه كالمجهول إنتهى فهو في غاية البعد مع قوله بإشتراط العدالة في الراوي لعدم إنحصار أصحابنا في العدول ولعل مراده أن هذا نوع مدح يوجب التثبت لتعبيره بلفظ الصاحب المفيد للاختصاص ثم انه لا فرق فيما تقدم جميعا بين ما أخبر عدل واحد أو عدلان على القولين في إعتبار المزكي الواحد أو المتعدد كما لا يخفى قانون إذا أسند العدل الحديث إلى المعصوم عليه السلام ولم يلقه أو ذكر الواسطة مبهمة مثل أن يقول عن رجل أو عن بعض أصحابنا ويقال له المرسل ففيه خلاف بين العامة والخاصة فقيل بالقبول مطلقا وقيل بعدمه مطلقا وقيل بالقبول إن كان الراوي ممن عرف أنه لا يرسل إلا مع عدالة الواسطة كمراسيل إبن أبي عمير والاول منقول عن محمد بن خالد البرقي من قدماء أصحابنا ونسبه إبن الغضائري إلى إبنه أحمد أيضا والثاني أحد قولي العلامة رحمه الله في التهذيب والثالث قوله الاخر وذهب الشيخ إلى قبوله إن كان الراوي ممن عرف أنه لا يروي إلا عن ثقة مطلقا وإلا فيشترط أن لا يكون له معارض من المسانيد الصحيحة ويظهر من المحقق رحمه الله التوقف والاقوى هو القول الثالث لا لان ذلك تعديل للواسطة حتى يقال انه على فرض تسليمه شهادة على عدالة مجهول العين ولا يصح الاعتماد عليه لاحتمال ثبوت الجارح كما تقدم بل لانه يفيد نوع تثبت إجمالي إذ غايته أن العدل يعتمد على صدق الواسطة ويعتقد الوثوق بخبره وإن لم يكن من جهة العدالة عنده أيضا ولا ريب ان ذلك يفيد ظنا بصدق خبره وهو لا يقصر عن الظن الحاصل بصدق خبر الفاسق بعد التثبت ولذلك نعتمد على مسانيد إبن أبي عمير مثلا و إن كان المروي عنه المذكور ممن لا يوثقه علماء الرجال فإن رواية إبن أبي عمير عنه يفيد الظن بكون المروي عنه ثقة معتمدا عليه في الحديث لما ذكر الشيخ في عدة أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة ولما ذكره الكشي أنه ممن إجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ولما ذكروا أن أصحابنا يسكنون إلى مراسيله وغير ذلك وكذلك نظرائه مثل البزنطي وصفوان بن يحيى والحمادين وغيرهم والحاصل أن ذلك يوجب الوثوق ما لم يعارضه أقوى منه وبالجملة حجية الخبر لا تنحصر في الصحيح و خبر العدل بل المراد من إشتراط العدالة في قبول الخبر هو أنه شرط في قبوله بنفسه وأما من جهة ملاحظة التثبت والاعتضادات الخارجية فلا ريب أنه لا ينحصر الحجة في خبر العدل وغرضنا إثبات حجية


[ 479 ]

مثل هذه المراسيل لا إثبات أن أمثالها صحيحة في الاصطلاح والواسطة عادل واحتج المثبت مطلقا بوجوه أقواها أمران الاول أن رواية العدل عن الاصل المسكوت عنه تعديل له لانه لو روى عن غير العدل ولم يبين حاله لكان ذلك غشا وتدليسا وهو مناف للعدالة وفيه أولا أنه إنما يتم فيما لو أسقط الواسطة لا ما أبهمه وثانيا أنه يتم لو إنحصر أمر العدل في روايته عن العدل أو عن الموثوق بصدقه وهو ممنوع كما لا يخفى على من تتبع ويشهد بذلك ما يظهر من كلام الصدوق رحمه الله في أول من لا يحضره الفقيه حيث قال ان دأبه في هذا الكتاب ليس دأب المصنفين والثاني أن إسناد الحديث إلى المعصوم عليه السلام يقتضي صدقه لمنافاة إسناد الكذب العدالة فيتعين قبوله وفيه مع أنه لا يتم في صورة إبهام الواسطة إنما يدل على كون الواسطة عادلا أو موثوقا بصدقه وهو توثيق مجهول العين فلعل له جارحا والاولى بناء على ما مر (تحقيقه منع) كون ذلك إسنادا حقيقيا بل لعله يريد الاسناد الظني الحاصل بمجرد إخبار المسلم ويمكن دفعه بأن الظاهر أن العدل يعتبر ظنا فوق ذلك الظن بصدوره عن المعصوم عليه السلام فإما يتكل على عدالة الاصل أو التثبت الحاصل له المفيد لصدقه ودعوى أن الاسناد لا بد أن يكون من جهة حصول العلم به في غاية البعد كما هو الغالب في الاخبار فالانصاف أن ذلك لا يخلو عن قوة سيما في غير المواعظ والمندوبات والمقامات الخطابية فإن العدل لا ينسب إلى المعصوم عليه السلام في مقام بيان الاحكام إلا ما حصل له الظن بالصدق اما من جهة العدالة أو التثبت وكلاهما يفيد الظن واحتج الثاني مطلقا بما مرت الاشارة إليه من أن شرط قبول الرواية معرفة عدالة الراوي ولم يثبت لعدم دلالة رواية العدل عليه كما مر وإن كان مثل إبن أبي عمير أيضا فإن عدالة الواسطة إن ثبت باخباره فهو شهادة منه على عدالة مجهول العين وإن علم ذلك من إستقراء مراسيله والاطلاع عن خارج على أنه لا يروي إلا عن ثقة فهو في معنى الاسناد ولا نزاع فيه ويظهر الجواب عنه مما مر واحتج الشيخ رحمه الله لما ذكره أخيرا بعمل الطائفة على المراسيل مطلقا إذا لم يعارضها من المسانيد الصحيحة فإن أراد الاجماع فلم يثبت وإلا فلا حجة فيه على الاطلاق قانون لا خلاف بين أصحابنا ظاهرا في جواز نقل الحديث بالمعنى وذهب بعض العامة إلى المنع عنه مطلقا وبعضهم في غير المرادف وشرط الجواز هو كون الناقل عارفا بمعاني الالفاظ بوضعها وبالقرائن الدالة على خلافه وأن لا يقصر الترجمة على إفادة المراد وإن إقتصر على نقل بعضه فلا يضر إذا لم يكن مخلا بما ذكر وأن يكون مساويا له في الخفاء والجلاء وعلله بعضهم بأن الخطاب الشرعي تارة يكون بالمحكم وتارة بالمتشابه لحكم وإسرار لا يصل إليها عقول البشر وهو


[ 480 ]

غير واضح إذ المتشابه إذا اقترن بقرينة تدل على السامع المراد فلا يضر نقله بالمعنى فإنه ليس بمتشابه عند السامع بل هو كأحد الظواهر فلا يضر تغييره وإن لم يقترن بقرينة فحمله على أحد المعاني المحتملة من دون علم من جانب الشارع باطل ولا معنى لاشتراط المساواة في الخفاء والجلاء حينئذ بل الشرطان السابقان يكفيان مؤنة ذلك نعم لو أريد مثل ما لو نقل غير السامع من الرواة والوسائط وأداه بمعنى أدى إليه إجتهاده بملاحظة سائر الاخبار والادلة فهو كذلك إذ ربما كان الرواية في الاصل متشابهة بالنسبة إلى السامع أيضا والحكمة إقتضت ذلك أو الحكمة إقتضت أن يوصل إلى المراد بالاجتهاد والفحص فحينئذ فلابد للناقل من ذكر اللفظ المتشابه وتعقيبه بالتفسير الذي فهمه وهذا ليس من باب النقل بالمعنى بل هو مسألة أخرى ذكروها بعنوان آخر وسنشير إلها أللهم إلا أن يكون المراد أنه لو ادى المعصوم عليه السلام المطلوب بلفظ متشابه بالذات مبين للسامع بإنضمام القرائن فيجب على الناقل ذكر هذا اللفظ المتشابه وإن عقبه ببيان ما قارنه بالعرض من القرينة المبينة له بإنضمام أحوال التحاور والتخاطب بناء على الفرق بين أقسام الدلالات مثل ما لو حصل من المشترك مع القرينة أو من اللفظ الاحادي المعني ويظهر من ذلك أنه ينبغي مراعاة النص والظاهر أيضا بل وأقسام الظواهر إذ في عدم مراعاة ذلك يحصل الاختلاف في مدلول الاخبار في غاية الكثرة فإذا ذكر الامام عليه السلام لفظ القرء في بيان العدة وفهم الراوي بقرينة المقام الطهر مثلا فلا يروي الحديث بلفظ الطهر إذ ربما كان فهم الراوي خطاء لاشتباه القرينة عليه فلو أراد بيان ذلك فليذكر لفظ القرء ثم يفسره ما فهمه وكذا في النص والظاهر مثلا إذا قال الامام عليه السلام لو بقي من اليوم بمقدار صلاة العصر فهو مختص به فنقله الراوي بقوله إذا بقي من اليوم بمقدار أربع ركعات العصر فهو مختص به مريدا به صلاة العصر أيضا إذ يتفاوت الامر بين اللفظين بملاحظة شمول صلاة العصر لركعتي المسافر وأقل منه لصلاة الخوف وأمثال ذلك وكذلك في صلاة العشاء ونصف الليل ومن أجل ذلك الفرق أفردت في هذه المسألة من الاصحاب في جواز الاتيان بصلاة المغرب والعشاء كليهما إذا بقي من نصف الليل بمقدار أربع ركعات فإنهم يخصونه بالعشاء وأنا أجمع بينهما لما إستفاض من النقل الصحيح أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت فيصدق على هذا أنه يدرك وقت الصلاتين وإن لم يدرك وقت الثلاث والاربع وبالجملة فلا بد لناقل الحديث بالمعنى من ملاحظة العنوانات (المتعاورة) ؟ على مصداق واحد مع إختلاف الحكم بإختلافها وملاحظة تفاوت الاحكام بتفاوت العنوانات أهم شئ للمجتهد في


[ 481 ]

المسائل الشرعية فبادني غفلة يختل الامر ويحصل الاشتباه هذا وأما ضبط مراتب الوضوح و الخفاء بالنسبة إلى مؤدى الالفاظ فهو مما يصعب إثبات إشتراطه إذ الظاهر أن المعصوم عليه السلام إنما يقصد من الاخبار غالبا تفهيم المخاطب ورفع حاجته في الموارد الخاصة المحتاج إليها بحسب إتفاق الوقائع التي دعتهم إلى السؤال عنه عليه السلام أو علم المعصوم عليه الصلاة والسلام إحتياجهم إليها فهم عليهم السلام يكلمون أصحابهم بقدر فهمهم لا أنهم عليهم السلام يتكلمون على معيار خاص يكون هو المرجع والمعول حتى يعتبر في نقله للآخر ذلك المقدار بل الناقل للغير أيضا لا بد أن يلاحظ مقدار فهم مخاطبه لا كل مخاطب وهكذا فنقل المطلوب بعبارة أوجز إذا كان المخاطب ألمعيا فطنا زكيا لا مانع منه وكذلك نقله أبسط وأوضح إذا كان بليدا غبيا وكيف كان فالحق جواز نقل الحديث بالمعنى مع الشرائط المذكورة لنا إن ذلك هو الطريقة المعهودة في العرف والعادة من لدن آدم وعلى نبينا وآله وعليه السلام إلى زماننا هذا والشارع أيضا بنائه في المحاورات على طريقة العرف والعادة فإن المقصود في العرف والعادة هو إفهام المراد من دون إعتبار خصوصية لفظ وأنه مرسل بلسان قومه ومن ذلك نقل الراوي إلى العجمي باللسان العجمية وكذا الناقل من المجتهد إلى أهله أو عياله والاخبار الواردة عنهم عليهم السلام منها ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح قال قلت لابي عبد الله عليه الصلاة والسلام اسمع الحديث منك فأزيد وأنقص قال عليه السلام إن كنت تريد معانيه فلا بأس والظاهر أن المراد من الزيادة والنقصان ما لا مدخلية له في تغيير المراد بقرينة جلالة شأن الراوي وجواب الامام عليه السلام وقوله عليه السلام إن كنت تريد معانيه يعني إن لم تقصد نسبة اللفظ إلينا فإنه كذب ولا يخفى أن أفراد العام كلها من مدلولات العام وكذلك لوازم المفهوم فيصدق أن الكل معاني اللفظ فإذا أراد أن ينقل عن الامام عليه السلام أنه قال اتقوا الله مثلا فيقول قال الامام عليه السلام خافوا من الله واجتنبوا عما نهاكم الله عنه من الشرك والفسق وشرب الخمر والزنا إلى غير ذلك وواظبوا على ما أوجبه عليكم من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ونحو ذلك فيصدق على ذلك أنه نقل المعاني كلام الامام عليه السلام بل وكذلك أيضا لو كان مما دل عليه بالاشارة أيضا مع إشكال فيه لحصول الغفلة ووجود الثمرة بين الخطابات الاصلية والتبعية كما أشرنا سابقا ويدل على المختار أيضا أنه تعالى قص القصة الواحدة بعبارات مختلفة ومن المعلوم أنها وقعت بغير العربية أو بعبارة واحدة منها بل يمكن أن يقال لم يقع بإحدى تلك العبارات لان هذا الكلام على هذا الطور الغريب


[ 482 ]

والاسلوب العجيب منحصر في القرآن الذي هو منزل على سبيل الاعجاز فتأمل ويظهر جواز ذلك لمن تتبع الاثار والاخبار فإن تتبعها يفيد أن ذلك كان طريقة أصحاب النبي وآله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين واحتج المنكر بان ذلك يوجب إختلال المقصود وإستحالة المعنى سيما مع كثرة الطبقات وتطاول الازمنة وتغيير كل منهم اللفظ لاختلاف أهل اللسان بل العلماء في فهم الالفاظ وإستنباط المقصود وفيه أن بعدما ذكرنا من الشروط لا وقع لهذا الاحتجاج سيما وذلك معارض بما مر من الادلة فلو فرض الاشتباه والغفلة مع ذلك فهو معفو مع أن إعتبار النقل باللفظ في الجميع يقرب من المحال بل هو محال عادة نعم يتم في مثل الادعية التي اعتبر فيها الالفاظ المخصوصة وطريقتهم في ذلك غالبا أنهم عليهم السلام كانوا يملؤن على أصحابهم وهم يكتبون ولذلك ندر الاختلاف فيها بخلاف الاخبار وبقوله صلى الله عليه وآله نصر الله من سمع مقالتي فرعاها ثم أداها كما سمعها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه وأدائه كما سمعه إنما يتحقق بنقل اللفظ المسموع وفيه منع الصحة أولا ومنع الدلالة على الوجوب ثانيا كما لا يخفى ومنع الدلالة على وجوب التأدية بلفظه ثالثا لصدق التأدية كما سمعه عرفا بمجرد أداء المعنى كما هو مع أن الظاهر أن هذا الحديث واحد وقد إختلف ألفاظه ففي رواية كما ذكر و في أخرى نضر الله بالضاد المعجمة وفي أخرى رحم الله وفي رواية إلى من لا فقه له فهذا الحديث لنا لا علينا إلا أن يمنع الظهور ويتمسك بأصالة عدم التغيير وهو معارض بأصالة عدم التعدد و أما المفصل فيظهر ضعف قوله مما تقدم بقي الكلام فيما وعدنا ذكره وهو أن الراوي الثقة إذا روى مجملا وفسره بأحد محامله فالاكثر على لزوم حمله عليه بخلاف ما لو روى ظاهرا وحمله على خلاف الظاهر لانه فهم الراوي الثقة قرينة وليس له معارض من جهة اللفظ لعدم دلالة المجمل على شئ بخلاف الثاني فإن فهمه معارض بالظاهر الذي هو حجة أقول وكما أن مقتضى الظاهر العمل عليه فمقتضى المجمل السكوت عنه ولا يتفاوت الحال مع أن الظاهر إنما يعتبر لان الظاهر أنه هو الظاهر عند المخاطب بالحديث لا لظهوره عندنا لان الخطاب مختص بالمشافهين كما بيناه في محله فإذا ذكر المخاطب به أن مراده هو ما هو خلاف الظاهر فالظاهر إعتباره غاية الامر التوقف وأما تقديم الظاهر فلا وبالجملة فالمعيار هو حصول الظن خاتمة فيها مباحث الاول إصطلح المتأخرون من أصحابنا بتنويع خبر الواحد بإعتبار إختلاف أحوال رواته في الاتصاف بالايمان والعدالة والضبط وعدمها بانواع أربعة الاول الصحيح وهو ما كان جميع


[ 483 ]

سلسلة سنده إماميين ممدوحين بالتوثيق مع الاتصال ولا يضره الشذوذ وإن سقط عن الحجية خلافا لبعض العامة حيث اعتبر في وصفه بالصحة عدم الشذوذ وعدم كونه معللا يعني مشتملا على علة خفية في متنه أو سنده لا يطلع عليها إلا الماهر كالارسال فما ظاهره الاتصال أو مخالفته لصريح العقل أو الحس وإعتبار عدم كونه معللا أيضا مستغنى عنه إذ ما ظهر كونه منقطعا أو ما شك فيه فلا يصح الحكم بأنه متصل السند إلى المعصوم عليه السلام بالامامي العدل الثقة فإن ظاهر هذا التعريف هو ما حصل اليقين بذلك أو ما ترجح في النظر كونه كذلك فالمعلل أعني ما حصل الشك في ذلك خارج عن التعريف فوصف بعضهم مثل ذلك بالصحة مع ظهور كونه معللا عند آخر مبني على غفلة الواصف وخطائه في إجتهاده وترجيحه أنه غير معلل وأما عيب المتن فلا مدخلية له بهذا الاصطلاح الثاني الحسن وهو ما كانوا إماميين ممدوحين بغير التوثيق كلا أو بعضا مع توثيق الباقي الثالث الموثق وهو ما كان كلهم أو بعضهم غير إمامي مع توثيق الكل وقد يسمى بالقوي أيضا وقد يطلق القوي على ما كان رجاله إماميين مسكوتا عن مدحهم وذمهم كنوح بن دراج وأحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري وغيرهما وأما لو كان رجال السند منحصرا في الامامي الممدوح بدون التوثيق وغير الامامي الموثق ففي لحوقه بأيهما خلاف يرجع إلى الترجيح بين الموثق والحسن لان السند يتبع في التوصيف أخس رجاله كالنتيجة تتبع أخس مقدمتيها والاظهر كون الموثق أقوى فيتصف بالحسن نعم قد يصير الحسن أقوى بسبب خصوص المدح في خصوص الرجل وهو لا يوجب ترجيح ماهيته ثم انه قد يطلق الصحيح مضافا إلى راو معين على خبر كان سنده إلى هذا الرجل متصفا بصفات رجال الصحيح وإن لحقه بعد ذلك ضعف وإرسال مثل أن يقال يدل على ذلك صحيحة إبن أبي عمير عن رجل عن الصادق عليه الصلاة والسلام ولا ريب أن ذلك ليس من الصحيح المصطلح الذي هو حجة بنفسه بل هو غفلة أو إصطلاح لاعلام تصحيح السند إلى الرجل المعين وأما قولهم أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير مثلا فهو ليس من هذا القبيل كما توهم من وجهين أحدهما أنه ليس المراد فيه الصحة المصطلحة والثاني أنه أريد منه بيان الوثوق بما قبل عبد الله بن بكير أيضا وقد يطلق على جملة محذوفة من السند للاختصار جامعة لاوصاف رجال صحيح السند مثل أن يقال روى الشيخ في الصحيح عن فلان وإن لم يكن الفلان ولا ما قبله متصفا بها ويثمر ذلك في الاغلب فيما كان لفلان ممن إجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ونحو ذلك مما يدل على إعتبار ذلك الحديث بسبب روايته والاصطلاحان المذكوران يجريان


[ 484 ]

في القسمين الاخرين أيضا الرابع الضعيف وهو ما لم يجتمع فيه شرائط أحد الثلاثة وقد عرفت مما سبق كون الصحيح والموثق حجة وكذلك الحسن إذا أفاد مدحه التثبت الاجمالي وأما الضعيف فلا حجة فيه إلا إذا إشتهر العمل به وحينئذ يسمى مقبولا وهو حجة حينئذ سيما إذا كان الاشتهار بين قدماء الاصحاب نعم يجوز الاستدلال به في المندوبات والمكروهات للاخبار المستفيضة المعتبرة جملة منها الدالة على أن من بلغه ثواب على عمل ففعله إلتماس ذلك الثواب اوتيه وإن لم يكن كما بلغه رواها العامة والخاصة وغيرها من الادلة وقد بيناها وحققناها في كتاب مناهج الاحكام وغيره ثم ان نسبة هذا الاصطلاح إلى المتأخرين لان قدماء الاصحاب لم يكن ذلك معروفا بينهم بل كانوا يطلقون الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي إعتمادهم عليه مثل وجوده في كثير من الاصول الاربعمأة أو تكرره في أصل أو أصلين فصاعدا بطرق متعددة أو وجوده في أصل أحد من الجماعة الذين إجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى وأحمد بن أبي نصر ويونس بن عبد الرحمن أو على تصديقهم كزرارة ومحمد بن مسلم وفضيل بن يسار أو على العمل بروايتهم كعمار الساباطي ونظرائه ممن عده الشيخ رحمه الله في كتاب العدة أو وقوعه في أحد الكتب المعروضة على الائمة عليهم السلام فأثنوا على مؤلفيها ككتاب عبد الله الحلبي المعروض على الصادق عليه الصلاة والسلام وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري عليه الصلاة والسلام أو كونه مأخوذا عن أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب بني سعيد وعلي بن مهزيار وكتاب حفص بن غياث القاضي وأمثالها وعلى هذا الاصطلاح جرى إبن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه فحكم بصحة ما أورده فيه مع عدم كون المجموع صحيحا بإصطلاح المتأخرين وقد أشار إلى هذه الطريقة القدماء وبينها شيخنا البهائي رحمه الله في مشرق الشمسين ثم قال ما حاصله أن الباعث للمتأخرين على عدولهم عن طريقة القدماء ووضع هذا الاصطلاح هو تطاول الازمنة بينهم و بين صدر السالف وإندراس بعض الاصول المعتمدة لتسلط الظلمة والجابرين من أهل الضلال والخوف من إظهارها وإنتساخها وانضم إلى ذلك إجتماع ما وصل إليهم من الاصول في الكتب المشهورة في هذا الزمان (فالتبست) ؟ المأخوذة من الاصول المعتمدة بغيرها واشتبهت المتكررة فيها بغير المتكررة وخفي عليهم كثير من القرائن فاحتاجوا إلى قانون يتميز به الاحاديث المعتبرة غن غيرها فقرروا هذا الاصطلاح وقال أول من سلك هذا الطريق العلامة أقول و


[ 485 ]

لا يتم ذلك إلا بعد ملاحظة أن التوثيق والتعديل أيضا كان أحد القرائن الموجبة للاعتماد عند القدماء أيضا والظاهر أنه كان كذلك كما يستفاد من طريقتهم في تعديل الرجال وتوثيقهم وأخبارهم المنقولة في الرجوع إلى الاعدل والافقه وغيرهما فالظاهر أن القدماء أيضا كانوا يعتبرون ذلك كما أن المتأخرين ايضا قد يسلكون مسلك القدماء في التصحيح بسب الاعتضاد بالقرائن أيضا فيطلقون الصحيح على ما ظهر لهم من القرائن الوثوق عليه ولكن ذلك نادر والاطلاق في كلامهم محمول على مصطلحهم وذلك تجوز منهم إعتمادا على القرائن أو غفلة والعمدة أنهم قد يعتمدون على الحديث مع عدم التصريح بالعدالة وإن كان توصيفهم إياه بالصحة مجازا على مصطلحهم فلا بد من التفطن لتلك القرائن وعدم الاقتصار على الصحيح والحسن المصطلحين كما اقتصر بعض المتأخرين من أصحابنا لحصول التثبت الموجب لظن الصدق بغيرهما أيضا فمن أسباب الوثاقة وقرائنها ما نقلناه سابقا ومنها قولهم عين ووجه فقيل انهما يفيدان التوثيق وأقوى ومنهما وجه من وجوه أصحابنا وأوجه منه اوجه من فلان إذا كان المفضل عليه ثقة ومنها كون الراوي من مشايخ الاجازة فقيل انه توثيق وقيل انه في أعلى درجات الوثاقة وقيل ان مشايخ الاجارة لا يحتاجون إلى التنصيص على تزكيتهم وربما نسب كون ذلك توثيقا إلى كثير من المتأخرين ومنها كونه وكيلا لاحد من الائمة عليهم الصلاة والسلام لما قيل أنهم لا يجعلون الفاسق وكيلا ومنها رواية الاجلاء عنه سيما الذين يردون رواية الضعفاء والمراسيل كأحمد بن محمد بن عيسى ومنها أن يروي عنه الذين قيل فيهم أنهم لا يروون إلا عن ثقة مثل صفوان بن يحيى والبزنطي وإبن أبي عمير وذهب جماعة من المتأخرين إلى أن ذلك من إمارات الوثاقة وقبول الرواية ويقرب عنهم علي بن الحسن الطاطري ومحمد بن إسماعيل بن ميمون وجعفر بن بشير ومنها إعتماد القميين عليه ومنها وقوعه في سند حصل القدح فيه من غير جهة و منها وجود الرواية في الكافي والفقيه لما ذكرا في أولهما وما وجد في كليهما فأقوى وإذا إنضم إليهما التهذيب والاستبصار فأقوى وأقوى وهكذا ومنها إكثار الكليني الرواية عن رجل أو الفقيه ومنها كونه معمولا به عند مثل السيد رحمه الله وإبن إدريس رحمه الله ممن لا يجوز العمل بخبر الواحد ومنها قولهم معتمد الكتاب وقولهم ثقة في الحديث وصحيح الحكايات ومنها قولهم سليم (الجنة) ؟ إن أريد سليم الاحاديث وقيل سليم الطريقة ومنها قولهم فقيه من فقهائنا أو فاضل دين أو أصدق من فلان إذا كان المفضل عليه جليلا ومنها توثيق إبن فضال وإبن عقدة وربما


[ 486 ]

يعتمد على توثيق مثل إبن نمير ومن ضارعه أيضا ومنها رواية الثقة عن رهط أو عن غير واحد أو عن أشياخه ومنها أن يذكره واحد من الاجلاء مترحما عليه أو مترصيا له ومنها أن يقول الثقة حدثني الثقة ومنها أن يروي محمد بن أحمد بن يحيى عنه ولم يكن من جملة ما استثناه القميون وعن جماعة من المحققين أن فيه شهادة على العدالة والصحة وكذلك إستثناء محمد بن عيسى عن رواة يونس بن عبد الرحمن ففيه شهادة على وثاقة غيره ومنها قولهم اسند عنه يعني سمع منه الحديث على وجه الاسناد إلى غير ذلك مما يستفاد منه التوثيق أو الحسن مما هو مذكور في كتب الرجال وغيرها في المواضع المتفرقة ويمكن إستنباطها للفقيه الماهر بالتتبع في الموارد الخاصة فاجعل المعيار حصول الظن وإن إكتفى بالتعديل الصريح في العمل بالاخبار ويلزم خلو أكثر الاحكام عن الدليل ويلزم مخالفة طريقة جل العلماء سيما على القول بإشتراط العدلين في التزكية وقد أشرنا إلى معنى إشتراط العدالة ووجه الاجماع المنقول فيه الثاني إنهم ذكروا للخبر أقساما أخر بإعتبارات شتى كلها ترجع إلى الاقسام الاربعة بعضها مختص بالضعيف وبعضها مشترك بين الكل في الجملة وذكر تفصيلها وتعريفاتها وإن كان وظيفة علم الدراية إلا أنا نذكر هنا أكثرها لتكثير الفايدة فمنها المسند وهو ما اتصل سنده إلى المعصوم عليه السلام بأن لا يعرضه قطع بسقوط شئ منه ومنها المتصل ويسمى الموصول وهو ما اتصل إسناده بنقل كل راو عمن فوقه سواء رفع إلى المعصوم عليه السلام كذلك أو وقف على غيره فهو أعم من الاول ومنها المرفوع وهو ما أضيف إلى المعصوم عليه السلام من قول أو فعل أو تقرير سواء إعتراه قطع أو إرسال في سنده أم لا ومنها المعلق وهو ما حذف من أول إسناده واحد أو أكثر فإن علم المحذوف فهو كالمذكور وإلا فهو كالمرسل ومنها العالي الاسناد وهو القليل الوسائط ومنها المعنعن وهو ما يقال في سنده فلان عن فلان بدون ذكر التحديث والاخبار والاظهر أنه متصل كما عليه الاكثر إذا لم يظهر قرينة على عدم اللقاء وأمن التدليس و منها المدرج وهو أن يدرج في الحديث كلام بعض الرواة فيظن أنه منه ومنها المشهور و هو الشايع عند أهل الحديث بأن ينقله جماعة منهم ومنها الشاذ وهو ما رواه الثقة مخالفا لما رواه الاكثر فإن رواه غير الثقة فهو المنكر والمردود ومنها الغريب وهو إما غريب الاسناد والمتن بأن ينفرد بروايته واحد أو غريب الاسناد خاصة كخبر يعرف متنه عن جماعة من الصحابة مثلا إذا إنفرد بروايته واحد عن آخر غبرهم أو غريب المتن خاصة بأن


[ 487 ]

ينفرد بروايته واحد ثم يرويه عنه جماعة ويشتهر فيسمى غريبا مشهورا لاتصافه بالغرابة في طرفه الاول وبالشهرة في طرفه الاخر ومنها المصحف وهو إما في الراوي كتصحيف بريد بالباء الموحدة المضمومة والراء المهملة بيزيد بالياء المثناة التحتانية والزاء المعجمة اوفي المتن وهو كثير ومنها الغريب لفظا وأكثره مذكور في الكتب الموضوعة لغريب الحديث كالنهاية لابن الاثير والفائق للزمخشري وغيرهما ومنها المقبول وهو ما نقلوه وعملوا به سواء كان رواته ثقة أم لا ومنها المزيد على غيره مما في معناه إما في المتن كأن يزيد فيه ما لا يفهم من الاخر أو في السند كأن يرويه أحدهم عن إثنين والاخر من ثلاثة سواء كان في الوسط أو في الاخر ومنها المسلسل وهو ما تتابع فيه رجال الاسناد على صفة أو حالة من قول أو فعل كالمسلسل بالتحديث بان يقول حدثنا فلان قال حدثنا فلان وهكذا أو بالاسماء نحو أخبرنا محمد عن محمد أو بالاباء نحو فلان عن أبيه عن فلان عن أبيه عن فلان وغير ذلك كالمسلسل بالمصافحة والمشابكة وأخذ الشعر وغير ذلك فإن إتصل السند كذلك إلى المعصوم عليه السلام فتأم وإلا فبحسبه وهذه المذكورات مما يشترك فيه أصول الانواع الاربعة وأما ما يختص بالضعيف فمنها المقطوع وقد يقال له المنقطع وهو الموقوف على التابعي ومن في حكمه وقد يطلق على الاعم من ذلك فيشمل المعلق والمرسل والمنقطع الوسط وغير ذلك ثم إن كان الساقط من السند أكثر من واحد يسمى معضلا بصيغة إسم المفعول بمعنى المشكل وإلا فمنقطع ومنها المرسل وهو ما رواه عن المعصوم عليه السلام أو غيره من لم يدركه أو لم يلقه من دون واسطة أو بواسطة مبهمة كرجل أو بعض أصحابنا وإختصاص هذا القسم بالضعيف مبني على إصطلاح المتأخرين وإلا فقد عرفت أن بعض المراسلات في قوة الصحيح في الحجية ومنها الموقوف وهو ما روي عن صاحب المعصوم عليه السلام من غير أن يسنده إلى المعصوم عليه السلام وأما المضمر كأن يقول صاحب المعصوم عليه السلام سئلته عن كذا قال كذا فإن كان من مثل زرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما من الاجلاء فالاظهر حجيته بل الظاهر أن مطلق الموثقين من أصحابنا أيضا كذلك لان ظاهر حال أصحاب الائمة عليهم السلام أنهم لا يسئلون إلا عنهم عليهم السلام والذي صار سببا للاضمار اما التقية أو تقطيع الاخبار من الاصول فإنهم كانوا يكتبون في صدر سؤالاتهم سئلت فلانا عليه السلام عن فلان قال كذا وسئلته عن كذا قال كذا وهكذا ثم بعد تقطيعها وجمعها في الكتب المؤلفة صار مشتبها والاظهر الاعتماد على القرائن وأشخاص الرواة ومنها المدلس كأن يقول الراوي قال فلان على


[ 488 ]

وجه يوهم روايته عنه بلا واسطة مع انه ليس كذلك فإن قال حدثني فهو كذب وهكذا إن أسقط عن السند رجلا مجروحا لتقوية الحديث أو يذكر بعض الرجال بإسم أو لقب أو نسبة غير مشتهر به فإن كل ذلك قبيح مذموم إلا لاجل تقية أو غيرها من الاغراض الصحيحة ومنها المضطرب وهو ما اختلف فيه الرواية إما بالسند كأن يرويه تارة بواسطة وأخرى بدونها أو في المتن كحديث تمييز الدم المشتبه بدم الحيض والقرحة بأن خروجه عن الايمن علامة الحيض كما في بعض النسخ أو عن الايسر كما في الاخر ومنها المعلل وقد مر الاشارة إليه ومنها المقلوب وهو حديث يروى بطريق فيغير كل الطريق أو بعض رجاله ليرغب فيه وهو مردود إلا إذا كان سهوا فيغتفر عن صاحبه ومنها الموضوع وهو معلوم الثالث لابد لراوي الحديث من مستند يصح من جهته رواية الحديث ويقبل منه اما الرواية عن المعصوم عليه السلام فله وجوه أعلاها السماع ولفظه أن يقول سمعت العصوم عليه السلام يقول كذا واسمعني أو شافهني أو حدثني ثم ان يقول قال كذا لاحتمال كون السماع حينئذ بواسطة وإن كان خلاف الظاهر ثم أن يقول أمر بكذا ونهى عن كذا فإنه يحتمل مضافا إلى إحتمال الواسطة الغفلة في فهم الامر والنهي أو إطلاق الامر والنهي على ما فهمه بالدلالة التبعية من النهي عن ضده أو الامر به وإن كان بعيدا وأما مثل أمرنا بكذا أو نهانا عن كذا ونحو ذلك بصيغة المجهول أو من السنة كذا أو قول الصحابي كنا نفعل كذا وأمثال ذلك فهي أدون الكل ويتبع العمل بها وقبولها الظهور من جهة القرائن وأما الرواية عن الراوي فله أيضا وجوه أعلاها السماع من الشيخ سواء كان بقرائة من كتابه أو بإملائه من حفظه فيقول سمعته أو حدثني أو أخبرني إن قصد الشيخ سماعه وإن قصد إسماع غيره فيقول حدث فلانا وأنا أسمع وعلل الشهيد رحمه الله كونه أعلا بأن الشيخ أعرف بوجوه ضبط الحديث وتأديته ولانه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسفيره إلى أمته والاخذ عنه كالاخد منه ولان النبي صلى الله عليه وآله أخبر الناس أولا وأسمعهم ما جاء به والتقرير على ما جرى بحضرته صلى الله عليه وآله أولى ولان السامع أربط جاشا وأوعى قلبا وشغل القلب وتوزع الفكر إلى القارى أسرع وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال قلت لابي عبد الله عليه الصلاة والسلام يجيئني القوم فيستمعون مني حديثكم فاضجر ولا أقوى قال فاقرء عليهم من أوله حديثا ومن وسطه حديثا ومن آخره حديثا فعدوله إلى قرائة هذه الاحاديث مع العجر يدل على أولويته من قرائة الراوي وإلا أمر بها إنتهى وفي دلالة الصحيحة على مدعاه تأمل ظاهر ثم دونه القرائة على الشيخ مع إقراره به وتصريحه بالاعتراف بمضمونه ويسمى ذلك عرضا والظاهر أن يكون السكوت


[ 489 ]

مع توجهه إليه وعدم مانع عن المنع والرد من غفلة أو إكراه أو خوف وإنضمام القرائن بالرضا كافيا وعبارته قرأت على فلان وأقربه واعترف أو حدثنا أو أخبرنا فلان قرائة عليه وبدون قوله قرأته عليه عند جماعة والحق المنع إذا لم يقم قرينة على إرادة ذلك فإن ظاهره سماعه من الشيخ وعن السيد رحمه الله المنع عنه مقيدا أيضا محتجا بأنها مناقضة لان معنى الاخبار والتحديث هو السماع منه وقوله قرائة عليه يكذبه وهو مدفوع بان كل مجاز كذلك فينسد باب المجاز ومن وجوه التحمل الاجازة وهو اخبار إجمالي بأمور مضبوطة معلومة مأمون عليها من الغلط والتصحيف ونحوهما وذلك اما تشخص التاب كقوله أجزت لك رواية هذه النسخة المصححة أو بنوعه المتعين في نفس الامر الصحيح في الواقع مثل تهذيب الشيخ رحمه الله أو إستبصاره مثلا ثم انه لا إشكال في جواز النقل والرواية والعمل بسبب الاجازة وعبارته الشايعة أنبأنا ونبأنا ويجوز حدثنا وأخبرنا أيضا والاظهر عدم الجواز على الاطلاق إلا مع القرينة بل يقول أنبأنا بهذا الكتاب إجازة كما ذكرنا في القرائة على الشيخ والاجازة على أقسام الاول إجازة معين بمعين كقوله أجزتك التهذيب أو هذه النسخة منه وهذا على أقسام الاجازة والثاني إجازة معين بغير معين كأن يقول أجزت لك مسموعاتي فيقتصر على ما ثبت عنده أنه من مسموعاته الثالث إجازة غير معين بغير معين كقوله أجزت التهذيب لكل الطلبة أو لاهل زماني الرابع إجازة غير معين بغير معين كأجزت مسموعاتي لكل أحد من أهل زماني الخامس إجازة المعدوم إما منفردا أو عطفا على الموجود وفي جوازه خلاف وفائدة الاجازة إنما تظهر في صحة الاصل الخاص المعين وحصول الاعتماد وعليه أو ما لم يثبت تواتره من المروي عنه وإلا فلا فايدة فيها في المتواترات كمطلق الكتب الاربعة عن مؤلفيها نعم يحصل بها بقاء إتصال سلسلة الاسناد إلى المعصوم عليه السلام وذلك أمر مطلوب للتيمن والتبرك ويظهر مما ذكرنا الكلام في قرائة الشيخ والقرائة عليه أيضا فيحصل منه التصحيح والخلاص من التصحيف والتحريف وغير ذلك ومن أنحاء التحمل المناولة وهي إما مقرونة بالاجازة أو خالية عنها فالاول هو أن يدفعه كتابا ويقول هذا سماعي أو روايتي عن فلان فأرووه عني أو أجزت لك روايته عني ولا إشكال في جواز روايته والثاني أن يناوله الكتاب مقتصرا على قوله هذا سماعي من فلان والاكثر على عدم جواز الرواية عنه بذلك حينئذ ومنها الكتابة وهو أن يكتب مسموعه لغائب أو حاضر بخطه أو يأذن لثقة أن يكتبه أو كتب أن الفلان سماعي فإن إنضم ذلك بالاجازة وكتب فأرووه عني أو أجزت لك روايته فلم ينقل خلاف في جواز الرواية بشرط معرفة الخط والامن من التزوير وإن خلا عن ذكر


[ 490 ]

الاجازة ففيه خلاف والاكثر على الصحة وهو الاظهر والعبارة أن يقول كتب إلي فلان أو أخبرنا أو حدثنا مكاتبة ومنها الوجادة وهي أن يجد الانسان أحاديث بخط راويها معاصرا كان له أو لا ولم يجوزوا الرواية بمجرد ذلك بل يقول وجدت أو قرأت بخط فلان وفي جواز العمل به قولان المطلب الثاني في الفعل والتقرير قانون فعل المعصوم عليه السلام حجة كقوله لكن الشأن في تحقيق محله وتعيين ما يحكم بمتابعته فنقول أما الافعال الطبيعية كالاكل والشرب والنوم والاستيقاظ فالكل مباح له ولنا بلا إشكال وذلك إذا لم يلحقه حيثية وإعتبار وخصوصية كالاستمرار على القيلولة وأكل الزبيب على الريق مثلا فإنها بذلك تندرج في الاقسام الاتية وأما ما يتردد بين كونه من أفعال الطبايع أو من الشرع ففي حمله على أيهما وجهان نظرا إلى أصالة عدم التشريع وإلى أنه صلى الله عليه وآله بعث لبيان الشرعيات قال الشهيد رحمه الله في القواعد وقد وقع ذلك في مواضع منها جلسة الاستراحة وهي ثابتة من فعله صلى الله عليه وآله وبعض العامة زعم أنه صلى الله عليه وآله إنما فعلها بعد أن بدن و حمل اللحم فتوهم أنه للجبلة ومنها دخوله في ثنية كداء وخروجه من ثنية كذا فهل ذلك لانه صادف طريقه أو لانه سنة ويظهر الفايدة في إستحبابه لكل داخل ومنها نزوله (بالمخصب) ؟ لما نفر في الاخير و تعريسه لما بلغ ذا الحليفة وذهابه بطريق في العيد ورجوعه بآخر والصحيح حمل ذلك كله على الشرعي إنتهى كلامه رفع مقامه أول ويرجع الكلام فيه إلى ما لم يعلم وجهه وسيجئ التفصيل والتحقيق ثم انه لا إشكال أيضا فيما علم إختصاصه به صلى الله عليه وآله كوجوب التهجد وإباحة الوصال في الصوم والزيادة على أربع في النكاح الدائم وأما غيرهما فإما أن لا نعلم وجهه وقصده به من الوجوب أو الندب أو غيرهما أو نعلم وجهه وعلى الاول فإما أن نعلم أنه قصد به التقرب أم لا وعلى الاول فيتردد فعله لنفسه بين الواجب و المندوب وعلى الثاني فيتردد فعله لنفسه بينهما وبين المباح والمكروه لو قلنا بصدوره عنهم عليهم السلام لاستحالة صدور المحرم عنهم عندنا فهذه أقسام ثلاثة وهذا كله إذا لم يكن فعله بيانا لمجمل وسيجئ الكلام فيه فأما ما لم يعلم وجهه فهل يجب علينا متابعته مطلقا أو يستحب مطلقا أو يباح أو يجب التوقف فيه أقوال أقواها القول الثاني لنا أصالة البرائة من الوجوب عدم دليل قائم عليه كما ستعرف وإحتمال الاباحة مقهور بأكثرية الراجح في أفعالهم ولان ذلك مقتضى الاحتياط لاحتمال الوجوب بل والندب أيضا فيستحب ولان ذلك مقتضى عمومات ما دل على حسن التأسي بعد نفي دلالتها على الوجوب واحتج القائل بالوجوب بوجوه ضعيفة أقواها الآيات الآمرة بإتباعه صلى الله عليه وآله مثل قوله تعالى فاتبعوه وفيه أن المتابعة


[ 491 ]

والتأسي هو الاتيان بمثل فعل الغير على الوجه الذي فعله لانه فعله ففعل ما فعله بقصد الندب بعنوان الوجوب ليس متابعة له فكما يمكن التجوز في مادة الصيغة لابقاء هيئتها على حقيقتها يمكن العكس بإرادة الطلب الراجح سيما والاول مستلزم للتخصيص أيضا جزما لعدم الوجوب في كثير من الافعال وفي خصوص الخواص إجماعا مع أنه إذا بقي الاتباع على معناه الحقيقي وهو إتيان الفعل على ما فعله لاجل أنه فعله على الوجه الذي فعله فالوجوب المتعلق بهذا المعنى من جهة صيغة الامر إنما يتعلق بالقيد لا بالمقيد فلا مجاز أصلا ومنه يظهر الجواب عن قوله تعالى إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ووجه الاستدلال بها أنه جعل وجوب المتابعة معلقا على محبة الله تعالى التي هي واجبة إتفاقا وما أجيب بأن وجود الشرط غير مستلزم للمشروط فهو فاسد لابتنائه على الخلط بين معاني الشرط وجعله هنا عبارة عن الشرط الاصولي ومثل قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وتقديره من كان يرجو الله واليوم الاخر فله فيه أسوة حسنة ويلزمه بعكس النقيض ان من لم تكن فيه اسوة حسنة فليس ممن يرجو الله اليوم الاخر وهذا تهديد ووعيد على ترك الاسوة وهو دليل الوجوب ويظهر الجواب عنه مما تقدم فإن التأسي هو متابعة الفعل لاجل أنه فعله على الوجه الذي فعله لا بعنوان الوجوب مطلقا والقدح في عموم اسوة في مقام الجواب مما لا كرامة فيه لارجاعه إلى العموم في أمثال هذا المقام في العرف والعادة والجواب عن سائر الآيات مثل أطيعوا الرسول وما آتيكم الرسول فخذوه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج أوضح فإن إطاعة موافقة الامر وهو حقيقة في القول والمراد بالمأتي القول بالتبادر سيما مع مقابلة قوله وما نهاكم عنه فانتهوا وغاية ما يدل عليه الاية الاخيرة الاباحة سيما وهو في مقام توهم الحظر وأين هو من الوجوب وأما الاستدلال بالاحتياط ففيه مع أنه لا يتم لاجل إحتمال الحرمة لاحتمال كون ما فعله من الخصائص لا دليل على وجوبه بل إنما يتم لو سلم فيما يثبت التكليف يقينا وتوقف برائة الذمة على العمل وهو أول الكلام وانت بعد التأمل في جميع ما ذكرنا تقدر على إستنباط دليل القائل بالاباحة والتوقف والجواب عنهما فالقائل بالاباحة يقول إن تعارض الاحتمالات من الرجحان والحظر يوجب الرجوع إلى الاصل و هو الاباحة المتوقف يتوقف ويظهر الجواب مما مر مضافا إلى أن إحتمال الحظر من جهة كونه من الخصائص نادر ولا يلتفت إليه فإن الغالب موافقة النبي صلى الله عليه وآله والائمة


[ 492 ]

عليهم السلام لامتهم وتابعيهم فالاصل هو المشاركة إلا ما أخرجه الدليل وأما ما علم وجهه (حتب) ؟ أنه يعلم أنه واجب عليه أو مندوب أو غيره ولم يعلم أنه من خصائصه صلى الله عليه وآله فالاظهر لزوم إتباعه بمعنى إشتراكنا معه على الوجه الذي يفعله وذهب بعضهم إلى ذلك في العبادات دون المناكحات والمعاملات واخر إلى إنكار ذلك كله لنا الادلة المتقدمة للقائلين بالوجوب في المسألة السابقة وضعف إحتمال الاختصاص فيما لم يعلم كونه من الخصائص وأما ما علم أنه ليس منها فلا إشكال فيه وضعف قول المنكر مطلقا فيها أيضا وجوابه فيما يحتملها عدم الالتفات إلى النادر سيما مع قيام الادلة على حسن التأسي وأما المفصل فلا دليل له يعتد به وقد استدل على المختار مضافا إلى ما مر بإجماع العصابة على الرجوع في الاحكام إلى أفعاله كقبلة الصائم لما رواه أم سلمة عن فعله صلى الله عليه وآله والغسل بمجرد إلتقاء الختانين وإن لم ينزل لما رواه عايشة عن فعله صلى الله عليه وآله نظرا إلى أن وجه الاول معلوم فإنه للاباحة وإن الغسل من إلتقاء الختانين ظاهر في أنه كان يفعله بعنوان الوجوب لانه صلى الله عليه وآله كأن يجعله غسل الجنابة ويترتب عليه أحكامه وغسل الجنابة واجب جزما والظاهر أن الحكم في الترك وهو الحكم في الفعل ومما يتفرع على هذا التأسي به صلى الله عليه وآله في التباعد عن الناس عند التخلي المعلوم أنه كان على سبيل الاستحباب ثم ان معرفة وجه فعله صلى الله عليه وآله إما يعرف بنصه بأن هذا الذي فعلته فعلته بعنوان الوجوب أو يعلم أنه كان إمتثالا لامر يدل على الوجوب مثل قوله تعالى أقم الصلاة الدال على الوگجوب أو أمر يدل على مجرد الرخصة أو أمر ندبي والتمثيل لذلك بقوله تعالى إذا حللتم فاصطادوا وكاتبوهم سهو لعموم الخطاب فيهما أو يعلم بإنضمام القرائن كما أشرنا في قبلة الصائم والتباعد عند التخلي أو غير ذلك من القرائن ومنها أصالة عدم الوجوب الدالة على الاباحة إليه إذا فقد الدليل على الوجوب والندب قانون إذا وقع الفعل بيانا لمجمل فيتبعه في الوجه ويظهر منه وجهه مما سبق ثم إنك قد عرفت في باب المجمل والمبين حكم كون الفعل بيانا وأقسام ما يدل على بيانيته فاعلم أن المعصوم عليه السلام إذا صدر منه فعل في مقام البيان فما علم مدخليته وما علم عدم مدخليته فيه من الحركات والسكنات وغيرهما فلا كلام فيه وما لم يعلم فإن كان مما إستحدثه ولم يكن متلبسا به قبل الفعل فالظاهر دخوله في البيان و ما كان متلبسا به قبله كالستر في الصلاة بل مثل الطهارة لصلاة الميت إذا كان فعلها في حالة توضأ قبلها للصلاة اليومية فالظاهر عدم المدخلية إلا أن يثبت بدليل من خارج و كذلك الكلام في عوارض ما استحدثه مثل التقصير والتطويل والسرعة والبطؤ الغير المعتد بها


[ 493 ]

عرفا فمثل تفاوت القرائة بسبب طلاقة اللسان وعدمها في التكلم ومثل تطويل الغسل في كل واحد من أعضاء الوضوء وتعجيلها بحيث يتفاوت في المصداق العرفي غالبا لا يعتد بها لاقتضاء العرف ذلك وعدم إنضباط ذلك تحت حد محدود لا يتجاوز عنه فالتكليف به تكليف بما لا يطاق وأما التفاوت الفاحش الخارج عن حد متعارف الاوساط فالظاهر إعتباره فيشكل الاكتفاء بوضوء يغسل كل واحد من أعضائه في ظرف ساعة مثلا وأما ما يشك في دخوله في البيان وعدمه مثل التوالي بين الاعضاء في الوضوء بحيث إذا فرغ من عضو شرع في الاخر بلا فصل وكذلك غسل الوجه من الاعلى وكذلك اليد وكذلك المسح من الاعلى فإن ذلك كله مما يشك في دخوله لان الغسل العرفي للاعضاء يصدق مع الفصل وعلى أي وجه اتفق لكن إختيار هذا الفرد من الماهية هنا مما يشك في أنه هل هو بمجرد الاتفاق لانه فرد من ماهية الغسل أو أنه معتبر وكذلك الكلام فيما لو علم إشتمال المجمل على واجبات ومندوبات وحصل الشك في بعضها أنه من الواجبات أو المندوبات كالسورة في الصلاة ففيه الاشكال المتقدم في أوائل الكتاب من أنه يمكن الاعتماد على الاصل ونفي الجزئية والوجوب بأصالة عدمهما أم لا وقد بينا أن التحقيق إمكان جريان الاصل في مهية العبادات كنفس الاحكام الشرعية وأنه لا فرق بينهما فإعتبار المذكورات في الماهية موقوف على ثبوتها من دليل خارجي ومما حققنا لك في القانون السابق يظهر أن الاقوى في أمثال المذكورات والبناء على الاستحباب لدخوله في الفعل الذي لم يعلم وجهه وقد عرفت أن التحقيق فيها الاستحباب لحسن التأسي والاحتياط وأما الوجوب فلا دليل عليه وما يتوهم من أن إشتغال الذمة بالمجمل يقيني وتحصيل البرائة اليقينية واجبة فيحكم بالوجوب فقد عرفت جوابه في أول الكتاب وإن الاشتغال بأزيد مما يقتضيه ظن المجتهد فيما لا يمكن تحصيل العلم به بشخصه ممنوع ولا دليل على وجوب الاحتياط ومن ذلك يظهر أن مقتضى ما ذكره الشهيد من حمل الافعال المتردد في كونها من أفعال الجبلة والعادة أو الشرع والعبادة على الشرعي هو الحمل على الاستحباب لا غير لعدم الدليل على ما فوقه قانون تصرف المعصوم عليه الصلاة و السلام إما بالامامة كالجهاد والتصرف في بيت المال أو بالقضاء كرفع النزاع بين الخصمين بالبينة أو اليمين أو الاقرار أو علمه أو بالفتوى والتبليغ وتصرفاته في العبادات كلها من باب التبليغ وفي غيرها قد يشتبه بين القضاء والفتوى كقوله صلى الله عليه وآله لهند زوجة أبي سفيان خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف حيث شكت إليه صلى الله عليه وآله وقالت ان أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني


[ 494 ]

ولولدي ما يكفيني فلو كان فتوى فيثبت منه جواز التقاص للمسلط بإذن الحاكم وغيره ولو كان قضاء فلا يجوز الاخذ إلا بقضاء قاض قال الشهيد رحمه الله في القواعد لا ريب أن حمله على الافتاء أولى لان تصرفه صلى الله عليه وآله بالتبليغ أغلب والحمل على الغالب أولى من النادر وقد يشتبه بين التصرف بالامامة والفتوى كقوله صلى الله عليه وآله من أحيى أرضا ميتة فهي له فعلى الاول كما هو قول الاكثر لا يجوز الاحياء إلا بإذن الامام عليه السلام وعلى الثاني يجوز كما ذهب إليه بعض أصحابنا ويرد عليه أن التصرف بالتبليغ أغلب فلا بد من الحمل عليه كالسابق فلا يشترط الاذن وأجاب عنه الشهيد رحمه الله بإن إشتراطه يعلم من دليل خارج لا من هذا الدليل قانون الحق أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة كان متعبدا ولكن لا بشريعة من قبله من الانبياء عليهم السلام وقيل لم يكن متعبدا بشئ وقيل كان متعبدا بشريعة من قبله على إختلاف في مذاهبهم فقيل بشريعة نوح عليه السلام وقيل بإبراهيم عليه السلام وقيل بموسى عليه السلام وقيل بعيسى عليه السلام وقيل بكل الشرايع وقيل بالوقف لنا أن ضرورة ديننا يقتضي أفضليته صلى الله عليه وآله عن كل الانبياء عليهم السلام وفيما ذكروه يلزم تقديم المفضول وهو قبيح ولانه لو كان كذا لكان إما بالوحي أو بالتعليم من علمائهم والاول هو معنى الرسالة والموافقة لا يقتضي المتابعة وأما الثاني فلو ثبت لافتخر أهل الاديان بذلك ولو إفتخروا به لشاع ولم يعاشر أهل الكتاب ولم يأخذ منهم شيئا وإلا فالعادة تقتضي بنقله ولا من كتبهم لانه صلى الله عليه وآله كان أميا لا يقرء ولا يكتب ومع ما روى الخاصة والعامة أنه صلى الله عليه وآله قال كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وأيضا كون عيسى عليه السلام في المهد نبيا ويحيى عليه السلام في الصبى دون نبينا صلى الله عليه وآله إلى أربعين سنة ينافي أفضليته وأما بطلان القول بعدم تعبده بشئ فأوضح لاستلزامه كمال النقص وكونه أسوء حالا من آحاد الناس مع ما ورد بما كان يفعله من الاعمال والحج في الاخبار وأما بعد البعثة فالحق أيضا أنه صلى الله عليه وآله لم يكن متعبدا بشريعة من قبله وتوافقه مع غيره في كثير منها ليس نفس المتابعة واختلف الناس فيه أيضا فقال بعضهم بمتابعة شرع من قبله في الجملة مستدلا بظواهر بعض الآيات لنا مع ما تقدم من الادلة وإن هو إلا وحي يوحى وإن شرعه كان ناسخا وكان ينتظر الوحي في كل مسألة ولا يتمسك بالاديان السابقة وإخباره عن التوراة برجم الزانية لاتمام الحجة على اليهود وإظهار علمه وأما الآيات مثل قوله تعالى ثم أوحينا إليك ان اتبع ملة إبراهيم وبهداهم إقتده وشرع لكم من الدين ما وصى به نوحا فهي محمولة على أصول العقائد وإلا فلم يجز النسخ سيما مع ملاحظة قوله تعالى ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه وكذلك المراد بهدي الجميع ما اتفق الجميع فيه وهو


[ 495 ]

أصول العقائد وإلا فاديانهم مختلفة ويظهر من ذلك الجواب عن سائر الايات فايدة إذا ثبت بطريق صحيح أمر من الشرائع السابقة ولم يثبت نسخه في ديننا فهل يجوز لنا إتباعه أم لا مثل أن يذكر في القرآن أو في الاخبار المتواترة حكم من الاحكام في شرع من الشرائع السابقة مثل قوله تعالى في شأن يحيى عليه السلام انه كان سيدا وحصورا ونحو ذلك إختلف الاصوليون فيه على قولين والاقوى أنه إن فهم أنه تعالى أو نبيه صلى الله عليه وآله نقل ذلك على طريق المدح لهذه الامة أيضا وبحيث يدل على حسنه مطلقا فنعم وإلا فلا وربما يقال ان عدم علم الناسخ كاف في إستصحاب بقائه فهو حجة مطلقا وهو مبني على القول بكون حسن الاشياء ذاتيا وهو ممنوع ومناف للقول بالنسخ بل التحقيق أنه بالوجوه والاعتبارات إن كنا لا نمنع الذاتية في بعض الاشياء لكن إعمال الاستصحاب لا يمكن إلا مع قابلية المحل كما سيجئ حقيقة ويتفرع على المسألة فروع ذكرها في تمهيد القواعد منها الاحتجاج على أرجحية العبادة على التزويج بالاية المتقدمة ومنها لو حلف ليضربن زيدا مثلا مأة خشبة فضربه بالعثكال ونحوه لقوله تعالى بيدك ضغثا لايوب عليه السلام والضغث هو الشماريخ القائمة على الساق الواحد وهو المسمى بالعثكال قال في تمهيد القواعد وهذا الحكم مروي عندنا في اليمين بشروط خاصة وفي الحدود وكذلك لا مطلقا ومنها الاحتجاج بقوله تعالى ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم على صحة كون عوض الجعالة مجهولا ومنها الاحتجاج بقوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين على إشتراط الاخلاص إن لم نضم إليها قوله تعالى وذلك دين القيمة فقد يفسر القيمة بالثابتة التي لا تنسخ قانون تقرير المعصوم عليه السلام حجة وهو أن يفعل بحضوره فعل أو إطلع على فعل في عصره ولم ينكر فهو يدل على الجواز إن لم يمنعه مانع من خوف أو تقية أو سبق منعه عليه أو معلومية عدم الفائدة في المنع ونحو ذلك من المصالح وأصالة عدمه تكفي في المقام وكذلك إذا إطلع أن المكلف اعتقد شيئا على خلاف الواقع والدليل على ذلك لزوم النهي عن المنكر سيما على المعصوم عليه السلام وأن التقرير على الحرام حرام لكونه إعانة على الاثم فالظاهر من السكوت الرضا بفعله قال المحقق في المعتبر وأما ما يندر فلا حجة فيه كما روي أن بعض الصحابة قال كنا نجامع فنكسل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فلا نغتسل لجواز أن يخفى فعل ذلك على النبي صلى الله عليه وآله فلا يكون سكوته صلى الله عليه وآله عنه دليلا على جوازه لا يقال قول الصحابي كنا نفعل دليل على عمل الصحابة أو أكثرهم فلا يخفى ذلك عن الرسول صلى الله عليه وآله لانا نمنع إذ قد يخبر بمثل ذلك عن نفسه أو عن جماعة يمكن أن يخفى حالهم على النبي صلى الله عليه وآله يقاظ قيل ان الحكم الذي حكم به المعصوم


[ 496 ]

عليه السلام في الرؤيا حجة لما ورد من أن من رآه فقد رآه وإن الشيطان لا يتمثل به ورد بانه فرع أن يعرفه بصورته في اليقظة حتى يصدق عليه أنه رآه فلا يتم الاطلاق وأجيب بأنه ورد أنه رأى أحد رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام في زمان مولانا الرضا عليه الصلاة والسلام فقال هو رسول الله صلى الله عليه وآله ومن رآه فقد رآه ومن المعلوم أن الرائي لم يره صلى الله عليه وآله ويدفعه أن كثيرا ما نرى في المنام صورتهم ويظهر في اليقظة أنه كان عالما صالحا (تروئي) ؟ بصورته إظهارا لجلالته كما في حكاية رؤيا المفيد رحمه الله حيث رأى في المنام فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها والحسنين عليهما الصلاة والسلام معها قالت له في المنام يا شيخ علمهما الفقه فجائت في يومه والدة السيدين المرتضى والرضي رحمهما الله بهما وقالت يا شيخ علمهما الفقه وكيف كان فالاعتماد مشكل سيما إذا خالف الاحكام الشرعية الواصلة إلينا مع أن ترك الاعتماد مطلقا حتى فيما لو لم يخالفه شئ أيضا مشكل سيما إذا حصل الظن بصحته وخصوصا لمن كان أغلب رؤياه صادقة سيما بملاحظة ما رواه الكليني رحمه الله في الحسن لابراهيم بن هاشم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال سمعته يقول رأى المؤمن ورؤياه في آخر الزمان على سبعين جزء من أجزاء النبوة وفي الصحيح عن معمر بن خلاد عن الرضا عليه الصلاة والسلام قال ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان مشكل سيما إذا خالف الاحكام الشرعية الواصلة إلينا مع أن ترك الاعتماد مطلقا حتى فيما لو لم يخالفه شئ أيضا مشكل سيما إذا حصل الظن بصحته وخصوصا لمن كان أغلب رؤياه صادقة سيما بملاحظة ما رواه الكليني رحمه الله في الحسن لابراهيم بن هاشم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال سمعته يقول رأى المؤمن ورؤياه في آخر الزمان على سبعين جزء من أجزاء النبوة وفي الصحيح عن معمر بن خلاد عن الرضا عليه الصلاة والسلام قال ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا أصبح قال لاصحابه هل من مبشرات يعني به الرؤيا وفي معناه روايات أخر الحمد لله رب العالمين الذي وفق عبده العاجز الذليل عبد الرحيم بن عبده محمد تقي المرحوم المغفور بحوله وقوته ومنه العظيم الجليل لاتمام تحرير المجلد الاول من القوانين المحكمة في الاصول المتقنة في العشر لاخر من شهر ذي حجة الحرام من شهور سنة 1302 ونسئله التوفيق في إتمام المجلد الثاني من هذا الكتاب والصلاة والسلام على سيدنا النبي ووصيه الولي أمير المؤمنين وعلى آلهما الائمة المعصومين الذين هم حجج الله على الخلق أجمعين وكان إنطباع هذا الكتاب في دار الطباعة المخصوصة لفخر الحاج والمعتمرين الحاج إبراهيم وفقه الله في الدارين و نلتمس الدعاء من المؤمنين الطالبين المنتفعين من هذا الكتب لمؤلفه وكاتبه وسائر مباشريه المغفرة من الله تعالى طبعت على نفقة الحاج سيد محمود كتابچي في شهر بيع الاول صاحب المكتبة العلمية الاسلامية بطهران سنة 1378 ق

اترك تعليقاً