كنز الفوائد – أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي

كنز الفوائد

أبو الفتح الكراجكي


[ 1 ]

كنز الفوائد لمؤلفه ابي الفتح محمد بن علي الكراجكى المتوفي سنة 449 وفيه خمسة رسائل 1 – رسالة البيان عن جمل اعتقاد اهل الايمان 109 2 – رسالة في وجوب الامامة 148 3 – رسالة في اصول الفقه عن كتاب (المفيد) 186 4 – رسالة المسمى بالبرهان 243 5 – رسالة التعجب من الكراجكى 307


[ 2 ]

هو الموفق والمعين بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين فانه خير معين الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد رسوله خاتم النبيين وآله الطاهرين (مختصر من الكلام في ان للحوادث اولا) اعلم ايدك الله ان من الملحدة فريقا يثبتون الحوادث ومحدثها ويقولون انه لا اول لوجوده ولا ابتداء لها ويزعمون ان الله سبحانه لم يزل يفعل ولا يزال كذلك وان افعاله لا اول لها ولا آخر فقد خالفونا في قولهم ان الافعال لا اول لها إذ كنا نعتقد ان الله تعالى ابتدئها وانه موجود قبلها ووافقونا بقولهم لا آخر لها لانهم وان ذهبوا في ذلك الى بقاء الدنيا على ما هي عليه واستمرار الافعال فيها وانه لا آخر لها فانا نذهب في دوام الافعال الى وجه آخر وهو تقضى أمر الدنيا وانتقال الحكم الى الاخرة واستمرار الافعال فيها من نعيم اهل الجنة الذي لا ينقطع عن اهلها وعذاب النار الذي لا ينقضى عن المخلدين فيها فافعال الله عزوجل من هذا الوجه لا آخر لها و هؤلاء ايدك الله هم الدهرية القائلون بان الدهر سرمدية لا اول له ولا آخر وان كل حركة تحرك بها الفلك فقد تحرك قبلها بحركة قبلها حركة من غير نهاية وسيتحرك بعدها بحركة بعدها حركه لا الى غاية وان لا يوم إلا وقد كان قبله ليله ولا ليله إلا وقد كان قبلها يوم ولا انسان إلا ان يكون من نطفه ولا نطفه تكونت إلا من انسان ولا طائر إلا من بيضه ولا بيضه إلا من طائر ولا شجره إلا من حبه ولا حبه الا من شجره وان هذه الحوادث لم تزل تتعاقب ولا تزال كذلك ليس للماضي فيها بدايه ولا للمستقبل منها نهايه وهي مع ذلك صنعه لصانع لم يتقدمها وحكمه من حكيم لم يوجد قبلها وان الصنعه و


[ 3 ]

الصانع قديمان لم يزالا تعالى الله الذي لا قديم سواه وله الحمد على ما اسداه من معرفه الحق واولاه وانا بعون الله اورد لك طرفا من الادله على بطلان ما ادعاه الملحدون وفساد ما تخيله الدهريون (دليل) فما يدل على ان الحوادث الماضية لا بد لها من اول اننا في كل وقت من اوقات زماننا بين آخر ماضيها واول مستقبلها فقد علمنا لا محالة آخر ما مضى هو أحد طرفيه ثم نحن نعلم علما لا نشك فيه انما ياتي من مستقبل الحوادث الى مائة سنة يكثر عدد الماضي ويزيد فيه فمعلوم انه قبل الزيادة اقل عددا منه إذ انضمت إليه وهذا يدل على تناهى عدد ما مضى وحصر طرفيه لانه لو كان لا نهايه له لم تتصور العقول دخول التكثر فيه وقد صح بما بيناه ان الحوادث الماضية تصير الى مائة سنة اكثر عددا مما هي اليوم عليه فبان بهذا تناهيها وصح اولها كما صح آخرها ويبطل مقال الدهرية فيها (معارضة) وقد قال الملحدون ان جميع ما ذكرتموه في الماضي عائد عليكم في المستقبل لانكم تقولون ان افعال الله تعالى المستقبلة لا آخر لها ومع هذا فقد علمتم اولها وهو أحد طرفيها فيجب ان يكون ما يوجد الى مائة سنة ينقص منها وإذا دخل النقصان فيها دل على تناهيها وانحصار طرفيها (انفصال) فيقال لهم بين الماضي والمستقبل في ذلك فرق وهو ان الحوادث الماضية ليس منها إلا ما كان موجودا قبل مضيه فقد شمل جميعها حكم الوجود فوجب ان يزيد فيها كل ما يخرج الى الوجود وليس المستقبل كذلك لانها لم توجد وإنما هي في امكان الفاعل فلا يصح فيها النقض ولا سبيل الى القول فيها بالتناهى (دليل آخر) على تناهى ما مضى وهو انه قد مضت ايام وليال ووقفنا اليوم عند آخرها فلا يخلوا ان تكون الايام اكثر عددا من الليالى أو الليالى اكثر من الايام أو يكونا في العدد سواء فإن كانت الايام اكثر من الليالى تناهت الليالى لانها اقل منها واقتضى ذلك تناهى الايام ايضا لبطلان اتصالها قبل الليالى بغير ليال بينها فوجب على هذا الوجه تناهيهما معا وان كانت الليالى اكثر من الايام كان الحكم فيها نظير ما قدمنا من تناهى الاول فتناهى الايام لزيادة الليالى عليها ويقتضى ذلك تناهى الليالى ايضا لفساد اتصالها قبل الايام بغير ايام بينها فوجب على هذا الوجه الاخر تناهيهما معا وان كانت الايام و الليالى في العدد سواء كان بمجموعهما اكثر عددا من احدهما بانفراده وهذا يشهد بتناهيهما إذ لو كان كل واحد منهما في نفسه غير متناه ما تصورت العقول عددا اكثر منه وقد علمنا ان الليالى مع الايام جميعا


[ 4 ]

اكثر عددا من احدهما وهذا موضح عن تناهيهما وبهذا الدليل نعلم ايضا تناهى جميع ما مضى من الحركات و السكنات ومن الاجتماعات والافتراقات ومن الطيور والبيض والشجر والحب وما يجرى مجرى ذلك (معارضة) قال الملحدون هذا الكلام عائد عليكم في نعيم المؤمنين في الجنة وعذاب الكافرين في النار وقد زعمتم كل واحد منهما لا نهاية له ولستم تذهبون الى ان احدهما اكثر من الاخر فنخاطبكم بما ذكرتم ولكن نقول لكم انهما بمجموعهما اكثر عددا من احدهما وهذا يوجب تناهيهما جميعا وحصرهما (انفصال) يقال لهم هذا الذي ذكرتموه لا يصح في المستقبلات وهو لازم لكم في الماضيات لأن الاعداد إذ يضم بعضها الى بعض بعد وجودها وحصرها وعدد الليل والنهار الماضيات فقد وجد أو انحصرا بالفراغ منهما والوقوف عند آخرهما فصح ضم بعضها الى بعض وامكن ما ذكرنا فيهما والمستقبلات من نعيم أهل الجنة وعذاب اهل النار فامور متوقعة لم توجد وليس لها آخر لانها تكون دائمة بغير انقضاء وما لم يوجد من العدد فلا يصح فيه ضم بعض الى بعض وما يتوقع حدوثه ابدا بغير نهاية لا يكون مثل ما قد حدث وكان وتناهى بادراك آخره في كل حال (دليل آخر) ومما يدل على ان للافعال الماضية اولا كونها ووجودها ولو لم يكن لها اول ما صح وجودها لانها كالعدد الذي لا يصح ان يتوالى إلا ان يكون له اول أما واحدا أو جملة يبتدأ بها تقوم مقام الواحد (انفصال) قيل لهم لا يجب ذلك من قبل ان المستقبل منوطة بقدرة القادر والعاد يصح منه ان يعد ما دام حيا فإذا كان ليس لوجوده آخر صح ان ليس لعده آخر ومع ذلك فلا بد من ان يكون لعدده اول (دليل آخر) ومما يدل على ان الافعال لا يصح وجودها إلا بعد ان يبدأ باولها انه لو قيل لرجل لا تدخلن دارا حتى تدخل قبلها غيرها لم يصح منه دخول شئ من الدور ابدا ولم يمكن ذلك إلا بان يبتدأ بواحدة منها (سؤال) فإن قالوا هذا يستحيل كما ذكرتم في المستقبل من الافعال لانه لا بد للمستقبلات من اول فمن اين لكم ان هذا حكم الماضيات (جواب) قيل لهم علمنا ذلك من قبل ان الماضيات قد كانت مستقبلة قبل وجودها ومضيها فلو لم يكن لها اول ما صح وجودها و بعد فلو رأينا هذا الرجل الذي مثلنا به وهو يدخل دارا بعد دار فقلنا له هل كان بعد دخولك هذه الدور ابتداء حتى يقول لنا لم ابتدا بدار منها ولا دخلت دارا حتى دخلت قبلها دورا لا تتناهى فعلمنا انه كاذب


[ 5 ]

فيما ادعى (دليل اخر) ومما يدل على تناهى الافعال الماضية وانحصارها وصحة طرفيها خروجها الى الوجود على كمالها وفراغ فاعلها منها وكل شئ فعله الفاعل فقد يتوهم ان يفعل امثاله وهذا وجه صحيح يدل على تناهيها وانحصار طرفيها لجواز وجود اكثر منها (معارضة) وقال الملحدة هذا راجع عليكم في نعيم أهل الجنة لأن الله تعالى يقدر على امثاله فيتناهى بوجود اكثر منها (انفصال) فيقال لهم ومتى صحت المماثلة بين الموضعين والافعال الماضية فقد خرج جميعها الى الوجود ونعيم اهل الجنة ليس له جميع ليخرج الى الوجود وإنما يوجد شئ من غير ان يوقف له على وجه آخر من الوجوه فان قالوا فقد لزمكم على هذا ان يكون الله تعالى وعد أهل الجنة بنعيم لا يصلون الى جميعه ولا ينالون سائره قيل لهم قد اعلمناكم انه لا جميع له في الحقيقة له ولا سايره إذ ليس له آخرى والذي وعدهم الله به هو نعيم متصل غير منقطع فلو وجد حتى لا يبقى منه شئ ينتظر لكان في الحقيقة لم يف لهم بما وعد فان قالوا ان الافعال الماضية ايضا لا كل لها في الحقيقة لاستحالة حصرها قيل لهم ولم زعمتم ذلك وقد سلمتم لنا انها قد دخلت في باب الوجود عن آخرها واشتمل الحدوث عليها (مسألة) على الملحدة يقال لهم اخبرونا عن الشمس اليس لم تتحرك بحركة حتى تحركت قبلها بحركات لا نهاية لها فإن قالوا بلى قيل لهم فإذا جاز ان يفرغ الحركات التي لا نهاية لها وتحركت الشمس بها كلها حتى ينتهى الى آخرها فالا جاز ان تتحرك بالحركات المستقبله كلها حتى تفرغ منها وتقف عند آخرها ولا يبقى مستقبل بعدها فإن قالوا ان المستقبلات لا كل في الحقيقة لها اجابوا بمثل قولنا ثم لم ينفعهم ذلك فيما سالنا لأن الفراغ مما لا نهاية له قد صح عندهم وهو غير صحيح عندنا ان يلزمهم تقضى المستقبلات حتى توقف عند آخرها فإن قالوا ان الشمس تتحرك بحركة واحدة باقية دائمة قيل لهم انه ليس يلزمنا قبول ما لا طريق الى فهمه ولا سبيل لمدعيه الى اثبات علمه وهذا الذي زعمتموه دعوى عارية من برهان وبعد فانا إذا لم تنازعكم في ذلك نسالكم فنقول الستم معترفين بان الشمس قد دارت الفلك قبل هذه الدورة التي هي فيها دورات لا نهاية لها فلا بد لهم من الاقرار بذلك فيقال لهم فقد عاد الامر الى الفراغ مما لا نهاية له فما انكرتم ان تنقضي دوراتها المستقبلة التي يقولون انها لا نهاية لها ويفرغ حتى تقف عند آخرها كما فرغت فيما مضى وهي الان في آخره فإن قالوا هذا يستحيل في المستقبل وهو صحيح في الماضي قيل لهم بنظير الكلام المتقدم


[ 6 ]

وهو ان الماضي قد كان مستقبلا فلو استحال ان يصير المستقبل ماضيا لاستحال في الماضي لانه قد كان مستقبلا (مسألة اخرى) عليهم يقال لهم ايجوز ان تدور الشمس في المستقبل دورات بعد الدورات الماضية ام لا يجوز ذلك فإن قالوا غير جائز قيل لهم لم زعمتم ذلك وعندكم انها تدور في المستقبل دورات لا نهاية لعددها فليس في ذلك ما يفى بما قد مضى فإن قالوا لا يفى به جعلوا الماضي اكثر من المستقبل واوجبوا تناهى المستقبل وان قالوا ان الشمس ستدور دورات يفى عددها بما مضى اوجبوا تناهى ما مضى وقيل لهم افيبقى من المستقبل بعد ذلك بقية فإن قالوا لا اقروا بوجود الاول و الاخر واوجبوا تناهى الزمان من طرفيه وجعلوا لدورات الشمس بداية ونهاية وهو خلاف ما ذهبوا إليه وان قالوا انه ستدور دورات يفى بما مضى ويبقى من المستقبل ما لا نهاية له ايضا لم يبق شبهة في تناهى الماضي وصح اوله وبطل مذهبهم في قدمه والحمد لله (دليل آخر) على ان للافعال الماضية اولا فما يدل على ذلك انه قد ثبت ان كل واحد منها محدث كائن بعد ان لم يكن ولها محدث متقدم عليها فوجب ان يكون جميعهما محدثة كائنة بعد ان لم يكن ولها محدث متقدم عليها لأن جميعها هو مجتمع آحادها ولا يصح ان يختلف في الجمع والتفرقة هذا الحكم فيهما كما ان كل واحد من الزنج بانفراده اسود فا الجميع باجتماعهم سود والحكم في ذلك واحد في الجمع والتفريق وقد اجتمع معنا على ان جميعها افعال الفاعل وصنعة الصانع والعقول تشهد بوجوب تقدم الفاعل على افعاله وسبق الصانع لصنعته وليس يخالف في ذلك إلا مكابر لعقله بسم الله الرحمن الرحيم واعلم ان الملحدة لما لم تجد حيلة تدفع بها وجوب تقدم الصانع على الصنعة قالت انه متقدم عليها تقدم رتبته لا تقدم زمان فيجب ان نطالبهم بمعنى تقدم الرتبه ليوضحوه فيكون الكلام بحسبه وقد سمعنا قوما منهم يقولون ان معنى ذلك انه الفعال فيها والمدبر لها فسألناهم هل يدافع عنها حقيقة الحدث فعادوا الى الكلام الاول من ان كل واحد من اجزاء الصنعة محدث فاعدنا عليهم ما سلف حتى لزمهم الاقرار بحدوث الكل وطالبناهم بحقيقة المحدث والقديم فلم يجدوا مهربا من التقدم والقديم في الوجود على المحدث التقدم المفهوم المعلوم الذي يكون احدهما موجودا والاخر معدوما ولسنا نقول ان هذا التقدم موجب الزمان لان الزمان


[ 7 ]

احد الافعال والله تعالى متقدم على جميع الافعال وليس ايضا من شرط التقدم والتاخر في الوجود ان يكون ذلك في زمان لأن الزمان نفسه قد يتقدم بعضه على بعض ولا يقال ان ذلك مقتض لزمان آخر والكلام في هذا الموضع جليل ومن الحق فيه سقطت عنه شبه كثيرة وقد كنت اجتمعت في الرملة برجل عجمى يعرف بابى سعيد البزدعى وكان يحفظ شبها في هذا الباب وكنت كثيرا ما اكلمه واستظهر باثبات الحجة عليه فاورد على يوما شبهة كانت اكبر مما في يديه وتكلمت عليها بكلام لم اقنع به فاحكيه ثم كتبت كتابا الى بغداد الى حضرة سيدنا الشريف المرتضى ذى المجدين رضى الله عنه وذكرت الشبهة فيه فورد الي جوابه عنها فانا اذكر الشبهة والجواب وما وجدته بعد ذلك من الكلام في هذا الباب الشبهة قال الملحدة مستدلا على ان الصانع لم يتقدم الصنعة انى وجدت امرهما لا يخلو من ثلاث خصال أما ان تتقدم الصنعة عليه أو ان يتاخر عنه أو ان يكونا في الوجود سواء وقد فسد باتفاق تقدمهما عليه قال ويفسد ايضا تقدمه عليها إذ كان لا يخلو من ان يكون تقدمه عليها بمدة محصورة وتقدير اوقات متناهية أو بمدة غير محدودة وتقدير اوقات غير محصورة قال فان كان بينهما في الوجود امد محصور وتقدير زمان محدود فهو متناوله اول واخر فكما ان اخره حدوث الصنعة فكذلك اوله حدوث الصانع ونعوذ بالله من القول بذلك قال وان تقدمها بمدة لا تحد وتقدير اوقات لا تتناهى وتحصر فلا آخر لهذه المدة كما لا اول لها وإذا لم يكن لها آخر فقد بطل حدوث الصنعه وان نفيتم الاوقات والازمان التي يصح هذا فيها فانه لا يمكنكم انكار تقديرها وفي التقدير يلزم هذا هنا قال فهذا دليل على ان الصنعة والصانع قديمان لم يزالا (والجواب) قاله الشريف المرتضى رحمه الله أما الصانع من حيث كان صانعا فلا بد من تقدمه على صنعته سواء كان قديما أو محدثا لأن تقدم الفاعل على فعله حكم يجب له من حيث كان فاعلا ويستوى في هذا الحكم الفاعل القديم والفاعل المحدث غير ان الصانع القديم يجب ان يتقدم صنعته بما إذا قدرناه اوقاتا وازمانا كانت غير متناهية ولا محصورة ولا يجب هذا في الصانع المحدث بل يتقدم الصانع من المحدثين صنعته بالزمان الواحد والازمان المتناهية المحصورة والذي يدل على ان الصانع لا بد من ان يتقدم صنعته ويستوى في هذا الحكم القديم والمحدث انه لو لم يتقدم عليها لم تكن فعلا له وحادثة به لأن من شان


[ 8 ]

الفاعل ان يكون قادرا والقادر لا يقدر على الموجود لان وجوده يغني عن تعلق القدرة به فهذا يدل على استحالة مصاحبة الفاعل لفعله فاما تقدم الفعل على فاعله فاظهر فسادا لأن المؤثر في وجود الفعل وحدوثه كون فاعله قادرا فكيف يتقدم المؤثر فيه على المؤثر وأما تقدم الصانع القديم تعالى على صنعته فيجب ان يكون غير محصورة الاوقات وإنما وجب ذلك فيه ولم يجب في الصانع المحدث لكونه قديما لانه لو كان بين القديم والمحدث اوقات متناهية لخرج من ان يكون قديما ودخل في ان يكون محدثا لأن من شان القديم ان لا يكون بوجوده ابتداء وتناهى ما بينه وبين الاوقات وبين المحدث يقتضى ان يكون بوجوده اول وابتداء فاما ما تضمنه السؤال من التقسيم والتعويل في افساد تقدم الصنعه على الصانع على الاتفاق على ذلك فغير صحيح لأن مثل هذا لا يعول فيه على الاتفاق بل لا بد ان يعين طريق العلم أما من ضرورة أو استدلال وقد بينا ما يدل على ان الصنعة لا تتقدم الصانع فاما ما مضى من السؤال من الزام نفي التناهى والاخر عن المدة التي تكون بين الصانع والصنعة كما نفى عنها الابتداء والتناهى من قبل اولها فغير صحيح ولا لازم لانا قد بينا انا متى جعلنا بين الصانع القديم وصنعته مدة متناهية الابتداء محصورة لحق القديم بالمحدث وخرج من ان يكون قديما وإذا جعلناها محصورة الانتهاء لم يجب ذلك فيها ولا ادى الى ما قد علمنا فساده من كون القديم محدثا ولا الى غيره من ضروب الفساد فلم يلزم نفي الاخر عن المدة قياسا على نفي الاول وقد بين شيوخ أهل العدل في كتبهم الفرق بين هذين الامرين وقالوا من المستحيل اثبات فاعل لم يزل فاعلا وليس بمنكر ولا مستحيل اثبات فاعل لا يزال فاعلا وبينوا ان نفي التناهي والابتداء عن الافعال من قبل اولها يخرجها من ان يكون افعالا و ليس نفي التناهي عنها من قبل آخرها يخرجها من ان تكون افعالا وذكروا ان نعيم أهل الجنة وعقاب اهل النار دائمان لا انقطاع لهما ولا آخر ولم يؤد ذلك الى المحال والفساد الى ما ادى إليه نفي التناهي عن الافعال من قبل اولها وقالوا ليس بمنكر ان يدخل داخل دارا بعد دار ابدا بغير انقطاع ومن المستحيل المنكر ان يدخل دارا قبل دار ابدا بلا اول وقد استقصينا نحن هذا الكلام في مواضع كثيرة من كتبنا وذكرناه في الملخص وغيره من اجوبة المسائل والنقوض على المخالفين وأما ما تضمنه السؤال من ان هذا


[ 9 ]

يدل على ان الصنعة والصانع قديمان لم يزالا فمناقضة ظاهرة لان الوصف المتصف بالقدم ينقض كونه صفة كما ان وصف القديم بانه مصنوع ينقض كونه قديما وهل هذا إلا تصريح بان المحدث قديم والقديم محدث ولا خفاء بفساد ذلك هذا آخر الجواب الوارد الي من حضرة السيد الشريف المرتضى رضى الله عنه عن هذه الشبهة وجميع ما تضمنه من اطلاق القول بان بين القديم واول المحدثات اوقات لا اول لها فانما المراد به تقدير اوقات دون ان يكون القصد اوقاتا في الحقيقة لأن الاوقات افعال فقد ثبت ان للافعال اولا فلو قلنا ان بين القديم واول الافعال اوقاتا في الحقيقة لناقضناه ودخلنا في مذهب خصمنا نعوذ بالله من القول بهذا (جواب آخر عن هذه الشبهة) وقد قال بعض أهل العلم انه لا ينبغي ان نقول بين القديم وبين المحدث لأن هذه اللفظة إنما تقع بين شيئين محدودين والقديم لا اول له والواجب ان نقول ان وجود القديم لم يكن عن عدم ونقول انه لو امكن وجود حوادث بلا نهاية ولم يتناقض ذلك لامكن ان يفعلها حادثا قبل حادث لا الى اول فيكون قد وجدت حوادث بلا نهاية ولسنا نريد بذلك انه كان قبل فعل مدة يريد امتدادها لأن هذا هو الحدوث والتجدد وهو معنى الزمان والحركة فإن قال قائل انه لا يثبت في الاوهام إلا هذا الامتداد قيل له ليس يجب إذا ثبت في الوهم ان يكون صحيحا اليس عندكم انه ليس خارج العالم خلاء وذلك غير متوهم ثم يقال لهم ايثبت في الوهم ذلك مع فرضكم نفي الحركات والتغييرات ام مع فرضكم اثبات ذلك فإن قالوا مع فرضنا اثبات ذلك قيل لهم فيجب مع نفي ذلك ان لا يثبت هذا التوهم وان قالوا يثبت هذا التوهم مع فرضنا نفي ذلك قيل لهم فقد ثبت في التوهم النقيضان لأن هذا التوهم هو ان ينتقل ويمتد قال ثم يقال ارايتم لو قال لكم قائل ليس يثبت في ذهني موجود ليس في جهة فيجب ان يكون البارئ عزوجل في جهة اليس يكون يمكن ان يقال إنما يثبت ذلك في الوهم متى فرضتموه جسما وأما متى فرضتموه غير جسم ولا متحيز فانه لا يثبت ذلك في الوهم فهكذا يكون جوابنا لكم ثم قال هذا المتكلم فإن قالوا فإذا لم تثبتوا مدة مديدة قبل الفعل فقد قلتم ان الباري سبحانه لم يتقدم فعله قيل بل نقول انه يتقدم على معنى ان وجوده قارن عدم فعله ثم قارن وجود فعله وقولنا ثم يترتب على عدم الفعال لا غير قال ونقول إذا فعل الله سبحانه شيئا انه كان يجوز ان يتقدم على معنى انه يفعله فيكون بينه وبين يومنا من الحوادث اكثر مما هو الان وليس الكثرة والتقدم والتاخر راجعا إلا


[ 10 ]

الى الحوادث دون مدة يقع فيها ثم تكلم في نفي المدة فقال والذي يبين ان تقدم الحركات وتاخرها يثبت من دون مدة يقع فيها انه لا يخلو هذه المدة من ان تكون شيئا واحدا لا امتداد فيه ولا ينتقل من حال الى حال أو يكون فيه تنقل وامتداد والاول يقتضى اثبات الزمان على غير الوجه المعقول ويقتضى ان تكون الاشياء غير متقدم بعضها على بعض إذا كان بالاجل تقدمه وتاخره بتقدم الاشياء ويتاخر ليس فيه تقدم وتاخر فليت شعري اثبت التقدم والتاخر بنفسه ام بغيره ان كان يثبت فيه بغيره ادى الى ما لا نهاية له وان كان ذلك الزمان متقدما ومتاخرا بنفسه من غير ان يكون في شئ متقدم ومتاخر فهلا قيل ذلك في الحركات واستغنى عن معنى غيرها فصل وبيان وهذه الطريقة التي حكيتها هي عندي قاطعة لمادة الشبهة كافية في اثبات الحجة المستدل بها وهي مطابقة لاختيار أبي القاسم البلخي لانه لا يطلق القول بان بين القديم واول المحدثات مدة ويقول ان قبلها بمعنى انه كان موجودا ثم وجدت وهي معنى ما ذكر هذا المتكلم في قوله ان وجوده قارن عدم فعله ثم قارن وجود فعله فهو على هذا الوجه قبل افعاله واعلم ايدك الله ان العبارات في هذه المواضع تضيق عن المعاني وتدعو الضرورة الى النطق بما عهد ووجد في الشاهد وان لم يكن المراد حقيقة في المتعارف ويجوز ذلك إذا كان مؤديا لحقيقة المعنى الى النفس كقولنا قبل وبعد وكان وثم فليس المعهود في الشاهد استعمال هذه الالفاظ إلا في الاوقات والمدد فإذا قلنا ان الله تعالى كان قبل خلقه ثم اوجد خلقه فليس هذا التقديم والتاخير مفيد الاوقات ومدد وقد تتقدم الاوقات بعضها على بعض بانفسها من غير ان يكون لها اوقات اخر وكذلك ما يطلق به اللفظ من قولنا ان وجود الله قبل وجود خلقه فليس للوجود في الحقيقة معنى غير الموجود و إنما هو اتساع في القول والمعنى مفهوم معقول وقد سال أبو القاسم البلخى نفسه فقال ان قال قائل اخبرونا عن اول فعل فعله الله تعالى اكان من الجائز ان يفعل قبل غيره واجاب عن ذلك فقال هو جائز بمعنى ان يكون لم يفعله وفعل غيره بدله وفعله هو فاما غير ذلك فلا يجوز لانه يؤدى الى المحال وفي هذا القدر كفاية في الكلام على الملحدة الدهرية والحمد لله (مسألة) في تأويل خبر ان سال سائل فقال ما معنى قول النبي صلى الله عليه واله في الخبر المروى عنه لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر (الجواب) قيل له الوجه


[ 11 ]

في ذلك ان الملحدين ومن نفى الصانع من العرب كانوا ينسبون ما ينزل بهم من افعال الله تعالى كالمرض و العافية والجدب والخصب والغناء الى الدهر جهلا منهم بالصانع جلت عظمته ويذمونه في كثير من الاحوال من حيث اعتقدوا انه الفاعل بهم هذه الافعال فنهاهم النبي صلى الله عليه واله عن ذلك وقال لهم لا تسبوا من فعل بكم الافعال ممن يعتقدون انه هو الدهر فإن الله تعالى هو الفاعل لهذه الافعال وإنما قال ان الله هو الدهر من حيث نسبوا الى الدهر افعال الله تعالى وقد حكى الله تعالى عنهم قولهم ما هي إلا حيوتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وقال لسيد في قروم سادة من قومه نظر الدهر إليهم وابتهل أي دعا عليهم (قصيدة في الاداب والامثال لابن دريده) (ما طاب فرع لا يطيب اصله) (حمى مؤاخاة اللئيم فعله) (وكل من آخا لئيما مثله) (من يشتكى الدهر يطل في الشكوى) (فالدهر ما ليس عليه عدوى) (مستشعر الحرص عظيم البلوى) (من امن الدهر اتى من مامنه) (لا تستثر ذا لبد من مكمنه) (وكل شئ يبتغى من معدنه) (لكل ناع ذات يوم ناعى) (وإنما السعي بقدر الساعي) (قد يهلك المرعى عنف الراعى) (من يترك القصد تضق مذاهبه) (دل على فعل امرئ مصاحبه) (لا تركب الامر وأنت عائبه) (من لزم التقوى استبان عدله) (من ملك الصبر عليه عقله) (نجا من العير وبان فضله) (يجلو اليقين كدر الظنون) (والمرء في تقلب الشئون) (حتى توفاه يد المنون) (يا رب حلو سيعود سما) (ورب حمد سيحوز ذما) (ورب روح سيصير هما) (من لم تصل فارض إذ حباكا) (واوله حمدا إذا قلاكا) (أو اوله منك الذي اولاكا) (مالك إلا ما عليك مثله) (لا تحمدن المرء ما لم تبله) (والمرء كالصورة لو لا فعله) (يا ربما اورثت اللجاجة) (ما ليس للمرء إليه حاجه) (وضيق أمر يبتغ انفراجه) (ليس يقي من لم يق الله الحذر) (وليس يقدر امرؤ على القدر) (والقلب يعمى مثلما يعمى البصر) (كم من وعيد يخرق الاذانا) (كانما يعنى به سوانا) (اصمنا الاهمال بل اعمانا) (ما افسد الخرق وساء الرفق) (وخير ما انبأ عنك الصدق) (كم صعقة دل عليها البرق) (لكل ما يؤذى وان قل الم) (ما اطول الليل على من لم ينم) (وسقم عقل المرء من شر السقم) (اعداء عيب اخوة التلاقي) (يا سواتا لهذه الاخلاق) (كانما اشتقت من النفاق) (انف الفتى وهو صريم اجدع) (من وجهه وهو قبيح اشنع) (هل يستوى المحظوظ والمضيع) (ما منك من لم يقبل المعاتبة) (وشر اخلاق الفتى المؤاربة) (ينجيك مما نكره المجانبه) (متى تصيب الصاحب المهذبا) (هيهات ما اعسر هذا المطلبا)


[ 12 ]

(وشر ما طالبته ما استصعبا) (اف لعقل الاشمط النصاب) (رب معيب فعله عياب) (ذم الكلام حذر الجواب) (لكل ما يجرى جواد كبوه) (ما لك إلا ان قبلت عفوه) (من ذا الذي يسقيك عفوا صفوه) (لا يسلك الشر سبيل الخير) (والله يقضى ليس زجر الطير) (كم قمر عاد الى قمير) (لا يجتمع جمع لغير بين) (لفرقه كل اجتماع اثنين) (يعمى الفتى وهو البصير العين) (الصمت ان ضاق الكلام اوسع) (لكل جنب ذات يوم مصرع) (كم جامع لغيره ما يجمع) (مالك إلا ما بذلت مال) (في طرفة العين يحول الحال) (ودون آمال الفتى الاجال) (كم قد بكت عين وليس تضحك) (وضاق من بعد اتساع مسلك) (لا تبر من امرا عليك يملك) (خير الامور ما حمدت غبه) (لا يرهب المذنب إلا ذنبه) (والمرء مقرون بمن احبه) (كل مقام فله مقال) (كل زمان فله رجال) (وللعقول تضرب الامثال) (دع كل أمر منه يوما تعتذر) (عف كل ورد غير محمود الصدر) (لا تنفع الحيلة في ماضى القدر) (نوم امرئ خير له من يقظة) (لم يرضه فيه الكرام الحفظة) (وفي صروف الدهر للمرء عظة) (مسألة الناس لباس ذل) (من عف لم يسئم ولم يمل) (فارض من الاكثر بالاقل) (جواب سوء المنطق السكوت) (قد افلح المبتدئ الصموت) (ما حم من رزقك لا يفوت) (في كل شئ عبرة لمن عقل) (قد يسعد المرء إذا المرء اعتدل) (ترجو غدا ودون ما يرجو الاجل) (من لك بالمحض وليس محض) (يخبث بعض ويطيب بعض) (ورب أمر قد نهاه النقض) (كم زاد في ذنب جهول عذره) (ذا مرض يعنى عليك امره) (يخشى امرء شيئا ولا يضره) (يا رب احسان يعود ذنبا) (ورب سلم سيعود حربا) (وذو الحجى يحمل ان احبا) (قد يدرك المعسر في اعساره) (ما يبلغ الموسر في ايساره) (وينتهى الهاوى الى قراره) (الشئ في نقص إذا تناها) (والنفس تنقاد الى رداها) (مذعنه يحنث سائقاها) (الناس في فطرتهم سواء) (وان تساوت بهم الاهواء) (كل بقاء بعده فناء) (لم يغل شئ وهو موجود الثمن) (مال الفتى ما قصه لا ما احتجن) (إذا حوى جثمانه ثرى الجبن) (المال يحكى الغى في اثقاله) (وإنما المنفق من امواله) (ما عمر الخلة من سؤاله) (من لاح في عارضه القتير) (فقد اتاه بالبلى النذير) (ثم الى ذي العزة المصير) (رايت غب الصبر مما يحمد) (وانما النفس كما تعود) (وشر ما يطلب ما لا يوجد) (ان اتباع المرء كل شهوة) (ليلبس القلب لباس قسوة) (وكبوة العجب اشد كبوة) (من يزرع المعروف يحصد ما رضى) (لكل شئ غاية ستفتضى) (والشر موقوف لدى التعرض) (لا ياكل الانسان إلا ما رزق) (ما كل اخلاق الرجال تتفق) (هان على النائم ما يلقى الارق) (من يلذع الناس يجد من يلذعه) (لسان ذي الجهل وشيكا يوقعه)


[ 13 ]

(لا يعدم الباطل حقا يدمغه) (كل زمان فله توابع) (والحق للباطل ضد دامغ) (لا يغصك المشرب وهو سائغ) (رب رجاء قض من مخافة) (ورب امن سيعود آفة) (ذو النجح لا يستبعد المسافة) (كم من عزيز قد رايت ذلا) (وكم سرور مقبل تولى) (وكم وضيع شال فاستقلا) (لا خير في صحبة من لا ينصف) (والدهر يجفو امره ويلطف) (والموت يفنى كل عين تطرف) (رب صباح لامرئ لا يمسه) (حتف الفتى موكل بنفسه) (حتى يحل في ضريح رمسه) (انى ارى كل جديد بالي) (وكل شئ فالى زوال) (فاستشف من جهلك بالسؤال) (آن رحيلا فاعد الزادا) (آن معادا فاحذر المعادا) (لا يملك العمر وان تمادى) (انك مربوب مدين تسئل) (والدهر عن ذى غفله لا يغفل) (وكل ما قدمته محصل) (حتى يجئ يومك المؤجل) (فصل) روى عن أحد الائمه انه قال رسول الله صلى الله عليه واله ان الله عزوجل كتم ثلاثة في ثلاثة رضاه في طاعته وكتم سخطه في معصيته و كتم وليه في خلقه ولا يستخفن احدكم شيئا من الطاعات فانه لا يدرى في ايها رضا الله تعالى ولا يستقلن احدكم شيئا من المعاصي فانه لا يدرى في ايها سخط الله ولا يزرين احدكم باحد من خلق الله فانه لا يدرى ايهم ولى الله ومن كلامه صلى الله عليه واله من سرتة حسنته وساءته معصيته فهو مؤمن لا خير في العيش إلا لرجلين عالم مطاع ومستمع واع كفى بالنفس غنى وبالعبادة شغلا لا تنظروا الى صغير الذنب ولكن انظروا الى من اجتراتم وقال عليه واله السلام آفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان وآفة العبادة الفترة وآفة الطرف الصلف لا حسب إلا بتواضع ولا كرم إلا بتقوى ولا عمل إلا بنية ولا عبادة إلا بيقين ان العاقل من اطاع الله وان كان ذميم المنظر حقير الخطر وان الجاهل من عصى الله وان كان جميل المنظر عظيم الخطر افضل الناس اعقل الناس ان الله تعالى قسم العقل ثلاثة اجزاء فمن كانت فيه كمل عقله ولم تك فيه فلا عقل له المعرفة بالله تعالى وحسن الطاقة وحسن الصبر ان لكل شئ آلة وعدة وآلة المؤمن وعدته العقل ولكل شئ مطية ومطية المرء عقله ولكل شئ غاية وغاية العبادة العقل ولكل قوم راع وراعي العابدين العقل ولكل تاجر بضاعة وبضاعة المجتهدين العقل ولكل خراب عمارة وعمارة الاخرة العقل ولكل سفر فسطاط يلجئون إليه وفسطاط المسلمين العقل (فصل) روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه انه قال العقل ولادة والعلم افادة ومجالسة العلماء زيادة وروى عنه عليه السلام انه قال هبط جبرئيل عليه السلام على آدم عليه السلام فقال له يا آدم


[ 14 ]

امرت ان اخيرك في ثلاث فاختر منهن واحدة ودع اثنتين فقال له آدم عليه السلام وما الثلاث قال العقل والحياء والدين فقال آدم عليه السلام فانى قد اخترت العقل فقال جبرئيل للحياء والدين انصرفا فقالا (يا جبرئيل انا امرنا ان نكون مع العقل حيث كان قال فشانكما وعرج (مسألة) ان سئل سائل فقال كيف يحسن مخاطبة الحياء والدين وكيف يصح منهما النطق وهما داخلان في باب الاعراض التي لا تقوم بانفسها ولا تصح الحيوة والنطق منهما (الجواب) قيل له هذا مجاز من القول وتوسع في الكلام والمعنى فيه انهما لو كانا حيين قائمين بانفسهما تصح المخاطبة لهما والنطق منهما لكان هذا حكمهما والمحكى عنهما جوابهما وقد يستعمل العرب ذلك في كلامهما وهو نوع من انواع فصاحتها قال الشاعر (امتلا الحوض وقال قطني) (مهلا رويدا قد ملات بطني) ونحن نعلم ان الحوض لا يصح منه النطق ولكنه استعار النطق لانه عنده لو كان في صورة ما ينطق لكان هذا قوله (خبر آخر) في هذا المعنى وهو المشتهر بين الخاصة والعامة من ان اول شئ خلق الله تعالى العقل فقال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو احب الي منك بك اعطي وبك امنع وبك اثيب وبك اعاقب وعزتي وجلالي لا اكملتك إلا فيمن احببت فالمعنى فيه نظير ما تقدم هو ان العقل لو كان قائما بنفسه حتى يوجد مفردا لكان اول شئ خلقه تعالى لفضله ولأن منازل العالية لا تستحق إلا به ولو كان حيا قادرا لصح منه امتثال أمر الشارع الى ما يؤمر به ولم يقع خلاف للمراد منه وهذا كله بينة على شرف العقل وجلالته وحث على وجوب الرجوع إليه والتمسك بحججه وفي القرآن لذلك نظائر (فصل) مما ورد في القرآن في هذا المعنى فمن ذلك قول الله عزوجل إنما امرنا بشئ إذا اردناه ان نقول له كن فيكون فدليل شاهد بان المراد بذلك ليس هو القول ولا يصح فيه حقيقة الامر لانه لو كان يامر الشئ في الحقيقة بالكون كان لا يخلو من حالين أما ان يامره بذلك والشئ في حال عدمه أو في حال وجوده ومحال ان يامره وهو في حال عدمه لان المعدوم في الحقيقة ليس بشئ فيتوجه إليه الامر والذين يثبتون انه شئ في حال عدمه من المتكلمين لا يخالفون في انه لا يصح ان يؤمر ومحال ايضا ان يامره بالكون وهو في حال وجوده لأن الموجود هو الكائن ولا يقال للكائن كن كما لا يقال للساكن اسكن وايضا فلو كان يامره في الحقيقة بالكون لكان الشئ المأمور هو الذي


[ 15 ]

يفعل نفسه ويكونها ولا يصح من شئ ان يفعل الا ان يكون حيا قادرا ولا يصح منه ان يفعل الحكم المتقن الا بعد كونه عالما وهذا كله على ان المعدوم لا يؤمر وان الشئ لا يفعل نفسه ولم يبق إلا ان يكون ذلك مجازا في القول والمراد به الاخبار عن تيسر الفعل على الله سبحانه إذا اراده وانه غير متعذر منه ومتى اراد كونه كان بغير حائل ولا مانع حتى كان الذي يريده لو كان حيا قادرا يصح ان يكون نفسه ثم امره الله تعالى بذلك ليبادر إليه ولم يتاخر عنه ومثل ذلك قول الله عزوجل ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا اتينا طائعين وليس المراد ان السماء والأرض وهما جماد نطقتا وإنما المعنى تيسر فعلهما وما اراده فيهما فكأنهما لو كانتا حيا قادرا في حكم الاحياء القادرين الذين يصح منهم النطق و الاتيان لقالتا إذا امرنا بالاتيان اتينا طائعين ونظير هذا في الكلام كثير والناس يجعلون من تيسر منه الفعل كان فعله قد اطاعه ويقولون للشاعر الحاضر الخاطر ان القوافى لتسمع وتطيع وانك لتراها راى العين وانها لمحصورة بين يديك ومرادهم انها لا يتعذر عليه متى رامها ولا يتوقف في شئ منها إذا قصدها فكأنها لو كانت في حيز ما ترى لرآها أو في حكم من يطيع لاطاعت امره إذا امرها فاما الاخبار عن السماء والأرض بانهما قالتا اتينا طائعين بلفظ التذكير فيحتمل ان يكون المعنى اتينا بمن فينا ومن يصح فيه التذكير ومن ذلك قول الله عزوجل يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد وجهنم في الحقيقة لا يصح ان يخاطب ولا يقع منها القول فالمعنى انها لو كانت في حكم من يخاطب ويصح منها القول لقالت هل من مزيد وقيل في الاية بوجه آخر وهو ان الذكر لها أو الخطاب في الحقيقة متوجه الى خزنتها وهم القائلون هل من مزيد وإنما اضيف ذلك إليها كما يقال قالت البلدة الفلانية اي قال اهلها قال الله تعالى واسئل القرية التي كنا فيها والمراد اهلها ومن ذلك قول الله عزوجل يوم تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون وقوله جل اسمه وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الذي انطق كل شئ وهو خلقكم اول مره وإليه ترجعون فالقول عندنا ذلك كله انه على الاستعارة ومجاز اللغة دون الحقيقة والمعنى فيه ان الجوارح لو كانت مما تنطق لنطقت على اصحابها بالشهادة وقالت انطقنا الله وقد يجوز في ابعاض الانسان ما يقام الشهادة بفعله وان لم يكن نطق والعرب تقول رب عين انطق من لسان ويقولون


[ 16 ]

عيناك تشهد بسحرك ونظرك يدل على خبرك والشواهد على هذا كثيرة وفيما ذكرناه كفاية (مسألة) (من عويص النسب إلاقل لابن ام حماة امي) (انا ابن اخ ابن اختك غير وهم) (فلو زوجت اختك من اخ لي) (فأولدها غلاما كان عمي) (وكان اخي لذاك العم عما) (وصار العم مثل دمي ولحمي) (فمن منك أو من أنت مني) (اجب ان كنت ذا لب وفهم) (الجواب) القائل ابن ابن المقول له هو خال اب القائل واخت المقول له هي ام أبي القائل فإذا تزوجها اخو القائل لامه وهو جائز لانه لا قرابة بينها فأولدها غلاما فا لغلام عم القائل لانه يصير اخا لابيه ويكون القائل ايضا عما للغلام من الام وكانت اخوة القائل من أبيه و امه اعماما للغلام (فصل) في ذكر الدنيا قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من احب دنياه اضر باخرته قال أمير المؤمنين عليه السلام الدنيا دول فاطلب حظك منها باجمال الطلب وقال عليه السلام من امن الزمان خانه ومن غالبه هانه وقال الدهر يومان يوم لك ويوم عليك فإن كان لك فلا تبطر وان كان عليك فاصبر فكلاهما عنك يمضى قال بعض الشعراء (وان امرءا دنياه اكثر همه) (لمستمسك منها بحبل غرور) وقال بعضهم اياك والاغترار بالدنيا والركون إليها فإن امانتها كاذبة وآمالها خائبة وعيشها نكد وصفوها كدر وأنت منها على خطر أما نعمه زائلة وأما بلية نازلة وأما مصيبة موجعة ومنية مفجعة وقال آخر صاحب الدنيا في حرب يكابد الاهواء لتنقدح والجهالة لتقمح والارواع لتندفع والامال لتنال والمكروه ليزال وبعض ذلك عن بعض شاغل والمشغل عنه ضائع فلما راى الحكماء انه لا سبيل الى احكام ذلك تركوا ما يفنى ليحرزوا ما يبقى (فصل) في ذكر الامل روى ان الله تعالى قال يا ابن آدم ياتي رزقك وأنت تحزن وينقص من عمرك وأنت لا تحزن تطلب ما يطغيك وعندك ما يكفيك وقال رسول الله صلى الله عليه واله من كان يامل ان يعيش غدا فانه يامل ان يعيش ابدا وقال بعضهم الامال لا تنتهى والحى لا يكتفى وقيل ما اطاع عبدا ملة إلا قصر امله وقال آخر لا يلهك الامل الطويل عن الاجل القصير وقال آخر من جرى في عنان عمله عثر باجله وقال آخر انك إذا ادركت املك قربك من اجلك وإذا ادركك اجلك لم تبلغ املك لابن الرومي (خمسون عاما كنت آملها) (كانت امامى ثم خلفتها) (كنز حياة لي انفقته) (على تصاريف تطرفتها) (لو كان عمري ماة هدني) (تذكري تسوفتها) (فصل) في ذكر الموت روي انه كان في التوراة مكتوبا يا بن آدم لا


[ 17 ]

لا تشتهى حتى تموت حتى تتوب وأنت لا تتوب حتى تموت وقال أمير المؤمنين عليه السلام من اكثر ذكر الموت رضى من الدنيا باليسير وقال بعضهم لو رأيتم الاجل ومسيره لابغضتم الامل وغرورة وانشد (نراع لذكر الموت ساعة ذكره) (فتعترض الدنيا فنلهو ونلعب) وقيل ان امرءا آخره الموت لحقيق ان يخاف ما بعده وروى ان أمير المؤمنين عليه السلام سمع انسانا يقول انا لله وانا إليه راجعون فقال قولنا انا لله اقرار منا له بالملك وقولنا وانا إليه راجعون اقرار على انفسنا بالهلك وقيل ان من عجائب الدنيا انك تبكى على تدفنه وتطرح التراب على وجه من تكرمه (أبو نؤاس غر جهولا امله) (يموت من جا اجله ومن دنا من يومه لم تغن عنه حيله) (وكيف يبقى آخر قد مات عند اوله) (لا يصحب الانسان من دنياه إلا عمله) – أبو ذؤيب – (وإذا المنيه انشبت اظفارها) (الفيت كل تميمة لا تنفع) (غيره ننافس في الدنيا ونحن نعيبها) (وقد حذرتناها لعمري خطوبها) (وما نحسب الساعات تقطع مدة) (على انها فينا سريع ربيبها) (كاني برهطى يحملون جنازتي) (الى حفرة يحث على كثيبها) (وباكية حرى تنوح واننى) (على غفلة من صوتها لا اجيبها) (ايا هادم اللذات ما منك مهرب) (يحاذر نفسي منك ما يصيبها) (رايت المنايا قسمت بين انفس) (ونفسي سيأتي بعد ذاك نصيبها) – لابي اسحاق الصابى – (من قطعة كتبها الشريف الرضى أبي الحسن الموسوي وهو هذا شعر (واني على عيب الردى في جوانبى) (وما كف من خطوى وبطش بنانى) (وان لم يدع إلا فؤادا مروعا) (به غير باق من الخفقان) (تلوم تحت الحجب تنقب حكمة) (الى اذن تصغي لنطق لساني) (لاعلم انى ميت عاق دفنه) (دماء قليل في غد هو فان) (وان فما للارض غرتان حائما) (يراصد من اكلى حضور أو ان) (به فترة عم الورى لفجائع) (تركن فلانا ثاكلا لفلان) (غدا فاغرا يشكو الطوى فهو راتع) (وما تلتقي يوما له شفتان) (وكيف وحد القوت منه فناؤنا) (وما دون ذاك الحد رد عيان) (إذا عاصيا بالنسك ممن يعوله) (فلا اولا منه بمهلك ثان) (الى ذات يوم لا ترى الأرض وارثا) (سوى الله من انس تراه وجان) (لغيره فكم من صحيح بات للموت


[ 18 ]

آمنا) (اتته المنايا رقدة بعد ما هجع) (فلم يستطع إذ جاءه الموت بغته) (فرارا ولا منه بحيلة انتفع) (فاصبح تبكيه النساء مكفنا) (ولا يسمع الداعي إذا صوته رفع) (وقرب من لحد فصار مقيله) (وفارق ما قد كان بالامس قد جمع) (فصل) وفي ذكر الموت والقتل وما بينهما اعلم ان الموت غير القتل والذي يدل على انهما غير ان قول الله عزوجل فإن مات أو قتل وقوله تعالى ولئن متم أو قتلتم وقوله سبحانه ما ماتوا وما قتلوا وليس يجوز ان يكون التأكيد والتكرير في اللفظين يرجعان الى معنى واحد ويدل على ذلك ايضا العلم بان الله سبحانه ليس بقاتل لمن مات حتف انفه ولو قال قائل في ميت ان الله قتله لاعاب العقلاء عليه والموت والقتل عرضان وليسا بجسمين وقد قال شيخنا المفيد رضى الله عنه ان القتل متولد عن الاسباب ومحله محل حياة الاجسام والموت معنى يضاد حياة الفاعل المخلوق ولا يصح حلوله في الاجسام قال وهذا مذهب يختص بي والقتل عند جميع أهل العدل من مقدورات العباد والموت لا يقدر عليه أحد إلا الله تأويل آية ان سئل سائل عن قول الله سبحانه وإذا الموؤدة سئلت باي ذنب قتلت فقال كيف يصح ان يسئل من لا عقل وأي فائدة في سؤالها عن ذلك ولا ذنب لها وما الموؤدة ومن أي شئ اشتقاق هذه اللفظة (جواب) قلنا في قوله تعالى سئلت وجهان احدهما ان يكون المراد ان قاتلها طولب بالحجة في قتلها وسئل عن سبب قتله لها وباي ذنب قتلها وذلك على سبيل التوبيخ والتعنيف واقامة الحجة فالقتلة ههنا هم المسئولون على الحقيقة لا المقتولة مسئول عنها ومثله قوله تعالى واوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولا أي مطالبا به ومسئولا عنه (والوجه الاخر) ان يكون السؤال توجه الى الموؤدة على الحقيقة توبيخا لقاتلها وتقريعا له على انه لا حجة له في قتلها ويجرى هذا مجرى قوله تعالى لعيسى عليه السلام اونت قلت للناس اتخذوني وامى الهين من دون الله على طريق التوبيخ لقومه واقامة الحجة عليهم (فإن قيل) على هذا الوجه كيف يخاطب ويسئل من لا عقل له ولا فهم (فالجواب) ان في الناس من زعم ان الغرض بهذا القول إذا كان تبكيت القاتل وتهجينة وادخال الغم عليه في ذلك


[ 19 ]

الموقف على طريق العقاب لم يمتنع ان يقع وان لم يكن من الموؤدة فهم لأن الخطاب وان توجه إليها فالغرض في الحقيقة به غيرها وهذا يجرى مجرى رجل ضرب ضارب طفلا له من ولده فاقبل الرجل على ولده يقول له لم ضربت وما ذنبك وباى شئ استحل هذا منك وغرضه تبكيت الظالم لا خطاب الطفل وفي الناس من قال ان توجه السؤال الى الموؤدة وان كان الغرض فيه تبكيت القائل فانه لا يكون إلا والموؤدة قد اكملت لها العقل وجعلت على افضل الهيئات لانها في القيامة تعوض عما نالها با لنعيم الدائم فلا بد من اكمال عقولها لتعرف عدل الله تعالى ويحسن التذاذها بما وصل إليها فليس يتوجه السؤال إليها الا وهذه حالها وقد روى عن أمير المؤمنين عليه السلام وعن ابن عباس رضى الله عنه عنهما وعن غيرهما انهم قراوا إذا الموؤدة سئلت بفتح السين والهمزة واسكان التاء باي ذنب قتلت باسكان اللام وضم التاء الثانية فكانت الموؤدة هي السائلة والقائلة وأما الموؤدة فهي المقتولة صغيرة وكانت العرب في الجاهلية تدفن البنات احياء وهو قوله تعالى ايمسكه على هون ام يدسه في التراب وهو قوله عزوجل قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم ويقال انهم كانوا يفعلون ذلك لامرين احدهما انهم كانوا يقولون ان الملائكة بنات الله فالحقوا البنات بالله فهو احق بالبنات والامر الاخر انهم كانوا يقتلونهم خشية الاملاق قال الله عزوجل لا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقكم واياهم ان قتلهم كان خطا كبيرا (فصل) في معرفة الاسم والصفة (اعلم) ان المسمى غير الاسم والصفة غير الموصوف والاسم والصفة جميعا لا يكونان الا قولا من المسمى والوصف أو كتابة يدل على ما يدل عليه القول والاسم في الحقيقة ما دل على المسمى والصفة ما دل على معنى في المسمى وفي هذا اللفظ تجوز لانها تعطى الظرفية والحلول وربما كان الموصوف غير ظرف ولا محل واقرب من هذا ان يقال ان الصفة ما افادت امرا يكون في الموصوف عليه وإنما افتقر المتكلم الى استعمال هذه الالفاظ لضيق العبارات عن استيفاء المعاني فإذا فهم اللفظ الغرض جاز استعماله فالاسم قولنا زيد وعمرو ونحو ذلك مما وسمت به الاشخاص وحصل لها القابا تتخصص بها عند الاشارات وليست دالة على معنى في الموصوف


[ 20 ]

ولا مفيدة امرا هو عليه (والصفة) قولنا قادر وعالم ونحو ذلك مما يدل على امور يكون الموصوف عليها فقولنا قادر يفيد جواز وقوع الفعل منه وقولنا عالم يفيد صحة وقوع الفعل المحكم منه فإن انكشف لنا الاعتبار عن خروج الموصوف عن هاتين الصفتين الى ضدهما حتى يتعذر وقوع الفعل منه ويستحيل حصول الفعل المحكم المتقن منه فما ذاك إلا لأن فيه معنيين حالين وهما القدرة والعلم وبوجودهما فيه صح منه فعل المحكم المتقن وهما عرضان متغايران وضداهما العجز والجهل ولا يكون هذا إلا والموصوف محدث وليس القدرة والعلم صفتين للقادر والعالم وإنما الصفة قول الواصف هذا قادر وعالم أو كتابته الدالة على ذلك وكذلك ليس السواد بصفة للاسود وإنما صفته قولنا هذا اسود ومن خالف في هذا فقد غلط إلا ان يقال ان العلم صفة للعالم والسواد صفة للاسود على وجه التوسع في الكلام فذلك جائز وان كشف لنا الاعتبار عن استحالة خروج الموصوف عما وصف به وبطلان وصفه بضده فما ذاك إلا لانها صفات نفسية ولهذا قلنا ان الله تعالى قادر عالم لنفسه وانه لا علم ولا قدرة في الحقيقة له لاستحالة خروجه من جواز وقوع الفعل المحكم المتقن منه فالمعاني التي دلت الصفات عليها هي ما استفدناه من حال الموصوف وقد ظنت المجبرة ان الصفة غير الوصف وقالوا ان الصفة معنى قائم بالموصوف والوصف هو قول الواصف وهذا فاسد والصفة هي الوصف وهما مصدران لفعل واحد تقول وصف يصف صفة ووصفا وهذا كالوهب والواهب والهبة و الوعد والعدة تقول وهب يهب هبة ووهبا ووعد يعد عدة ووعدا (فصل) في معرفة اسماء الله تعالى وحقيقتها فاما اسماء الله تعالى كلها فعائدة الى الصفات لانها دالة على معان ومتضمنة لفوائد وليس فيها اسم يخلو من ذلك ويجرى مجرى اللقب إنما وضع على شخص تقع الاشارة إليه ليفرق بينه وبين ما شاركه في جنسه من الاشخاص المتماثلة ولما كان الله تعالى يجل عن المجانسة ويرتفع عن المماثلة استحال ان يكون في اسمائه لقب ووجب ان يكون جميعها مفيدا للمعانى كما تفيد الصفات فاما التسمية له تعالى بالله فانه يفيد من المعنى وله العباد إليه وتعلق نفوسهم به ورغبتهم عند الشدائد في ازالة المكروه إليه وقد روى عن الصادق عليه السلام في هذا المعنى مثل ما ذكرناه الحقيقة وان خالفه في


[ 21 ]

بعض اللفظ فروى عنه انه قال الاله يقتضى والها والوالد لا بد له من مالوه والاسم غير المسمى والاصل في قولنا الله الاه ثم دخلت الالف واللام للتعريف فصار الاله فاسقطت الهمزه الثانية تخفيفا و جعلت اللامان لاما واحدة مشددة فقيل الله فاما التسمية له (بالرحمن الرحيم) فهو ان الرحمن مشتق من فعل الرحمة على سبيل المبالغة في الوصف لوقوعها في الفعل على حد لا يصح وقوعها عليه من أحد من الخلق وقد روى عن الباقر عليه السلام صحة ذلك فقال الرحمن لسائر الخلق الرحيم بالمؤمنين فكان أحد الاسمين مشتق من عموم الرحمة وهو الرحمن والاخر مشتق من خصوصها وهو الرحيم فاما تسميته (باللطيف) فيفيد اجتماع الحكمة والرحمة ونفوذ مراده إذا شاء وقوعه على الحتم بلطائفه التي يلطف بها لخلقه على العلم بمصالحهم وهذا معروف في اللسان تقول العرب فلان لطيف في امره وفلان لطيف في صنعته إذا ارادوا وصفه بالحكمة في تدبيره وأما (الخبير) فيفيد علمه بالاشياء على حقائقها وتبينه لها على اوصافها وأما (الكريم) فهو مشتق من فعل الكرم وهو التفضل بالنعم والصفح عن الذنوب والتطول بالمنن وأما (الجواد) فهو مشتق من الجود و هو التفضل كما ذكرناه في معنى الكرم غير ان لفظ الجود ابلغ في الوصف في معنى الكرم من لفظ كريم وأما (الغني) فيفيد القدرة على ما يريد من غير معين عليه وليس يستحق هذه السمة مع الله عزوجل على الحقيقة غيره ومن وصف من المخلوقين فعلى سبيل الاتساع وأما (السخي) فمعناه عند من حقق اطلاقه على الله سبحانه بذل النعم والتفضل بها وقد ابت جماعة من أهل التوحيد اطلاق السخاء على الله تعالى لانه لم ينقطع عذري بكتاب منزل ولا سنة متواترة ولا اجماع ولا اثر مستفيض جاء عن الصادقين عليهما السلام في تسمية تعالى بالسخاء وليس له معنى تدل عليه العقول وقد ذكر بعض أهل التوحيد العارفين باللغة انه ماخوذ السخاوة وهي الأرض الرخوة وقد ثبت ان الاسماء لا تؤخذ إلا سماعا فلهذا وقفت ولم اقدم وأما قولنا (رب) فهو ماخوذ من التربية ثم نقل الى الملك و قولنا (مالك) مشتق من الملك وجميع ما سوى هذا مما سمى الله تعالى به نفسه فصفات مفيدة لمعان


[ 22 ]

يفهم ذلك من تأمله (فصل) في تمييز صفات الله تعالى اعلم ان جميع ما يوصف الله سبحانه به ينقسم على قسمين فقسم يوصف به على حقيقة والمراد به معنى الوصف وقسم يوصف به مجازا واتساعا و المراد غير حقيقة ذلك الوصف وصفات الحقائق ينقسم ايضا قسمين فقسم صفات ذاتية وهي التي لم يزل عليها ولا يزول عن استحقاقها وقسم صفات افعال وهي التي تجددت عند فعله الافعال ولا يصح ان يقال انه عليها فيما لم يزل بيان صفات الذات والدليل عليها وهي قولنا حى باق وقادر وعالم وكذلك موجود وقديم فهذه صفات استحقها لنفسه لا لمعنى آخر والدليل على ذلك انه لو كان حيا بحياة وباقيا ببقاء وقادرا بقدرة وعالما بعلم كان حياته وبقاءه وقدرته وعلمه لا يخلو عن حالين أما ان يكون معاني قديمة معه وأما ان تكون حادثة فلو كانت قديمة لشاركته في اخص صفاته وماثلته فيبطل التوحيد وقد تقدمت الادلة على صحته وايضا فلو ماثلت الصفة للموصوف لم تكن صفة له باولى من ان يكون هو صفة لها وان كانت هذه المعاني الموصوف بها اعني الحياة والبقاء والقدرة والعلم حادثة وجب ان يكون قبل حدوثها غير مستحق للوصف بها وقد ثبت الادلة على انه سبحانه لم يزل حيا باقيا قادرا عالما ولو كانت ايضا حادثة لم يكن لها غناء عن محدث احدثها ولا يصح ان يكون محدثا غيره تعالى لانه الفاعل الاول والقديم الذي لم يزل فكيف يفعل الحياة لنفسه من ليس بحي أو يحدث القدرة من ليس بقادر والعاقل يعلم ان هذا مستحيل باطل فعلم انه حي وباق وقادر وعالم لنفسه لا لمعان غيره وربما اطلق اللفظ اتساعا بان له قدرة وعلما قال الله سبحانه كذا والمعنى انزله وهو عالم به ويقول المتكلمون قدرة الله عظيمة والمعنى التعظيم لمقدوره وانه لا يعجزه شئ اراده فاما عند التحقيق فهو قادر عالم لنفسه وقد روى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال في كلام له وحد الله تعالى وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالما بمعلومه وهذا القول عنه عليه السلام انه تعالى عالم لنفسه وذاته وانه لا علم في الحقيقة له تعالى الله الذي ليس كمثله شئ وقد ذهب المجبرة الى ان الله تعالى موصوف بصفات قديمة معه وانها ليست غيره ولا بعضها غير بعض وهذا خروج عما يعقل ويفهم لان العقول


[ 23 ]

شاهدة بان الاشياء التي يقع عليها العدد ويشملها الوجود ويختص كل منها بدليل لا يكون الا غيارا بعضها سوى بعض وقد قال لهم أهل العدل إذا كانت لله تعالى صفات قديمة وليست غيره بقولها انها أو هي هو فإن العقل يقضى بانه لا بد لكم في اثباتكم لها من أحد هذه الثلاثة الاقسام قالت المجبرة كل واحد من هذه الثلاثة الاقسام قد ثبت الدليل على بطلانه فلا سبيل الى قوله ولكنا نقول ليست الصفات عين الموصوف ولا غيره ولا بعضه فقال لهم أهل العدل وقد هربتم من ان تقولوا باحد هذه الاقسام لبطلانه وصرتم الى ادعاء ما لا يتصور العقول صحته بل يشهد بفساده وبطلانه فاخبرونا ما الفرق بينكم في قولكم ان صفاته لا هي هو ولا غيره ولا بعضه قالت المجبرة هذا القول مناقضة حالت العدلية وقولكم في التناقض مثله وأي شئ اردتموه في ابطال ما عارضناكم به فقولكم يبطل بمثله وقد قالت المجبرة ايضا في نصرة مذهبها انا لم نر عالما إلا وله علم ولا قادرا إلا وله قدرة فلما كان الله عالما قادرا وجب ان يكون له علم وقدرة قال لها أهل العدل انكم إنما عولتم في ذلك على الشاهد فقولوا ان علم الله تعالى غيره وكذلك قدرته غيره لانكم لم تروا في الشاهد عالما قادرا إلا وهذا حكمه وقولوا ايضا ان علم الله تعالى محدث وكذلك قدرته وجميع صفاته لانكم لم تروا ذا صفات إلا وصفاته محدثة فاحتالوا في الخلاص مما لزمكم على سنن قياسكم (بيان صفات الافعال) اعلم ان صفة الفعل هي كل صفة داخلة في باب المضاف ومعنى ذلك ان يكون يقتضى وجود غير الموصوف كقولنا اله ورب ومالك وفاعل وجواد ورازق وراحم ومتكلم وصادق ونحو ذلك لانا قد بينا ان الاله والها والوالد لا يكون إلا موجودا والرب يقتضى مربوبا ولا يرب المعدوم وانما يصح ذلك بعد وجوده وكذلك مالك يقتضى وجود المملوك لانه لا يقال قد ملك المعدوم وفاعل صفة لا شبهة في انها لا تصح إذا وجد المفعول نعوذ بالله من القول بان القديم لم يزل فاعلا لأن ذلك يقتضى انه لم يتقدم افعاله فيصير الفاعل قديما وجميع صفات الافعال جارية هذا المجرى لمن تأملها الا ترى لو قلنا انه جواد فيما لم يزل اقتضى ذلك فعله للجود فيما لم يزل ووجود من يجود عليه ايضا فيما لم يزل وكذلك لو قولنا رازق


[ 24 ]

وراحم في القدم وجب ان يكون فاعلا للرزق والرحمة فيما لم يزل وان يكون المرزوق المرحوم شريكا له في القدم وكذلك قولنا متكلم يقتضى وجود كلام إذا تكلم فكلام الله تعالى أحد افعاله كما ان رزقه أحد افعاله و هو موجود قبل كلامه فاما صادق فلا يصح إلا بعد صحة التكلم والجميع صفات افعال على ما تبين (فصل) في فروق صفة الذات وصفة الفعل الفروق بينهما كثيرة فمنها ان تنظر الصفة التي تصف الله تعالى بها فإن كانت داخلة في باب المضاف فهى صفة نفسيه كقولنا موجود وقديم وباق وحي وكذلك ان كانت تقتضي اضافته الى أمر غير موجود كقولنا قادر فالقادر لا يكون قادرا إلا على مقدور ولكن المقدور غير موجود ويجرى مجرى ذلك قولك عالم لانه لا يكون عالما إلا بمعلوم وقد يصح ان يكون المعلوم معدوما غير موجود فاما ما سوى ذلك من الصفات الداخلة في باب المضاف المقتضية اثبات غير الموصوف مما يكون موجودا غير معدوم فكلها صفات افعال فرق آخر ومنها ان كل صفة تصف الله تعالى بها ولا يجوز ان يدخلها التخصيص فتثبتها له في حال وتنفيها منه في اخرى فهى صفة نفسية كقولك موجود وحى وقادر وعالم فانه لا يجوز ان ينتفى عنه ولا يتخصص شئ من ذلك وكل صفة تصفه بها ويجوز التخصيص فيها فتثبتها له في حال وتنفيها عنه في غيرها فهى صفة فعل كقولك فاعل وراحم ورازق ومتكلم فانك تقول انه سبحانه يفعل الخير ولا يفعل الشر ويرحم المؤمن ولا يرحم الكافر ويرزق زيدا ولا يرزق عمرا وكلم الله موسى عليه السلام ولم يكلم فرعون فيكون فيها صفات افعال صح فيها التخصيص وهذا واضح فرق آخر وهو ان كل ما استحال ان يوصف بالقدرة عليه وعلى ضدة فهو من صفات ذاته الا ترى انه يستحيل قولك يقدر اي يحيي ويقدر على الاحياء ويقدر على ان لا يقدر ويقدر على ان يعلم ويقدر على ان لا يعلم فهذه صفات ذات فاما ان كان ما يوصف به يصح ان يوصف بالقدرة عليه وعلى ضده فهو من صفات الافعال الا ترى انك تقول يقدر ان يفعل ويقدر ان لا يفعل ويقدر ان يرحم ويرزق ويقدر ان لا يرحم ولا يرزق ويقدر ان يتكلم ويقدر ان لا يتكلم فهذه كلها صفات افعال فافهم ذلك (بيان صفات المجاز) فاما الذي يوصف الله تعالى به ومرادنا غير حقيقة الوصف في نفسه فهو كثير فمنه مريد وكاره وغضبان وراض ومحب ومبغض وسميع وبصير


[ 25 ]

ورائي ومدرك فهذه صفات لا تدل على وجوب صفة يتصف بها وإنما نحن متبعون للسمع الوارد بها ولم يرد بها السمع إلا على مجاز اللغة واتساعاتها والمراد بكل صفة منها معنى غير حقيقتها (القول في المريد) اعلم ان المريد في الحقيقة والمعقولة هو القاصد الى أحد الضدين اللذين خطرا بباله الموجب له بقصده وايثاره دون غيره وهذا من صفات المخلوقين التي يستحيل ان يوصف في الحقيقة بها رب العالمين إذ كان سبحانه لا يعترضه الخواطر ولا يفتقر الى ذي ادنى روية وفكر إذ كان هذا على ما بيناه فانما معنى قولنا ان الله تعالى مريد لافعاله انها وقعت وهو عالم بها غير شاغلة ولا هو موجودا لمسبب وجب من غيره مريدا له فصح إذا اردنا ان نخبر بان الله تعالى يفعل لا من سهو ولا غفلة ولا بايجاب من غيره ان تقول هو مريد لفعله ويكون لهذا الوصف استعارة لأن حقيقة كما ذكرناه لا يكون إلا في المحدث (دليل) والذي يدل على صحة قولنا في وصف الله تعالى بالارادة انه سبحانه لو كان مريدا في الحقيقة لم يخل الامر من حالين أما ان يكون مريدا لنفسه لوجب ان يكون مريدا للحسن والقبح كما انه لما كان عالما لنفسه كان عالما بالحسن والقبح وارادة القبيح لا تجوز على الله سبحانه والكلام في هذا ياتي محررا على المجبرة في خلق الافعال فإذا ثبت ان الله عزوجل لا يجوز ان يريد المقبحات علم انه غير مريد لنفسه وان كان مريدا بارادة لم تخل الارادة من حالين أما ان تكون قديمة أو حادثة ويستحيل ان تكون قديمة بما بيناه من انه لا قديم سواه عزوجل والكلام على المجبرة في هذا داخل في باب نفى الصفات التي ادعت المجبرة انها قديمة مع الله تعالى وايضا فلو كان الله سبحانه مريدا فيما لم يزل أما لنفسه وأما بارادة قديمة معه لوجب ان يكون مراده معه فيما لم يزل لانه لا مانع له مما اراده ولا حائل بينه وبينه ولكان ما يوجده من الا فعال لا يختلف اوقاته ويتاخر بعضه عن بعض لأن الارادة للكل حاصلة موجدة في كل وقت وهذا كله موضح انه عزوجل ليس بمريد فيما لم يزل لا لنفسه ولا لارادة قديمة معه وإذا بطل هذا لم يبق إلا ان يكون مريدا بعد ان لم يكن مريدا بارادة محدثه وهذا ايضا يستحيل لان الارادة لا تكون إلا عرضا والعرض يفتقر الى محل والله تعالى غير محل من للاعراض ولا يجوز ان يكون ارادته حالة في غيره كما لا يجوز ان يكون عالما بعلم يحل في غيره وقادرا بقدرة تحل في


[ 26 ]

غيره ولا يجوز ايضا ان تكون ارادته لا فيه ولا في غيره لانه عرض والعرض يفتقر الى محل يحملها ويصح بوجوده وجودها ولو جاز ان يوجد ارادة لا في مريد بها ولا في غيره لجاز ان يوجد حركة لا في متحرك بها ولا في غيره (فإن قيل) ان الحركة هيئة للجسم وليس يجوز ان تكون هيئة غير حالة فيه (قلنا) ولم لا يجوز ذلك (فإن قيل) لأن يغيير هيئة الجسم مدرك بالحاسة فوجب ان يكون المعنى الذي يعتبر به حالا فيه (قلنا) وكذلك المريد للشئ بعد ان لم يكن مريدا له قد يتغير عليه حس نفسه فوجب ان تكون ارادته تحله (فإن قيل) بأي شئ من الحواس تحس الارادة قلنا وباى شئ من الحواس يحس الصداع (فإن قيل) ان الانسان يدرك الم الصداع في موضعه ضرورة قلنا فلم يزكم اشرتم الى حاسة بعينها ادركه بها (ولنا) ان نقول وكذلك المريد في الحقيقة يعلم بتغير حسه ويدرك ذلك من نفسه ضرورة (فصل) من كلام شيخنا المفيد رضى الله عنه في الارادة قال الارادة من الله جل اسمه نفس الفعل ومن الخلق الضمير واشباهه مما لا يجوز إلا على ذوى الحاجة والنقص وذاك ان العقول شاهد بان القصد لا يكون إلا بقلب كما لا تكون الشهوة والمحبة إلا لذى قلب ولا تصح النية والضمير والعزم إلا على ذى خاطر يصور معها في الفعل الذي يغلب عليه الارادة له والنية فيه والعزم ولما كان الله تعالى يجل عن الحاجات و يستحيل عليه الوصف بالجوارح والالات ولا يجوز عليه الدواعى والخطرات بطل ان يكون محتاجا في الافعال الى القصور والعرفات وثبت ان وصفة بالارادة مخالف في معناه لوصف العباد وانها نفس فعله الاشياء واطلاق الوصف بها عليه ماخوذ من جهة الاتباع دون القياس وبذلك جاء الخبر عن ائمة الهدى عليهم السلام قال شيخنا المفيد رحمه الله اخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن احمد بن ادريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان يحيى قال قلت لابي الحسن عليه السلام اخبرني عن الارادة من الله تعالى ومن الخلق فقال الارادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل والارادة من الله تعالى احداثه الفعل لا غير ذلك لانه جل اسمه لا يهم ولا يتفكر قال شيخنا المفيد رحمه الله وهذا نص من مولانا عليه السلام على اختياري في وصف الله تعالى بالارادة وفيه نص على مذهب لي آخر منها وهو ان ارادة العبد تكون قبل فعله والى هذا ذهب البلخي والقول في تقدم الارادة للمراد كالقول في تقدم القدرة للفعل وقول الامام عليه السلام في الخبر المقدم ان الارادة


[ 27 ]

من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد الفعل صريح في وجوب تقدمها للفعل إذ كان الفعل يبدو من العبد بعدها ولو كان الامر فيها على مذهب الجبائي لكان الفعل باديا في حالها ولم يتاخر بدوه الى الحال التي هي بعد حالها (فصل) اعلم انا نذهب الى ان الارادة تتقدم المراد كتقدم القدرة للمقدور غير ان الارادة موجبة للمراد والقدرة لا تصلح ان يفعل الشئ فضده بدلا منه والجمع اعراض لا يصح بقاؤها (فصل) من القول في ان الارادة موجبة هو ان الحى متى فعل الارادة لشئ وجب وجود ذلك الشئ إلا ان يمنعه منه غيره فاما ان يمتنع هو لا من مرادة فلا يصح ذلك ومن الدليل على صحة ما ذكرناه انه قد ثبت تقدم الارادة على المراد لاستحالة ان يريد الانسان ما هو فاعل له في حال فعله فيكون مريدا للموجود كما يستحيل ان يقدر على الموجود وإذا ثبت ان الارادة متقدمة للمراد لم يخل أمر المريد لحركة يده من ان يكون واجبا وجودها عقيب الارادة بلا فصل أو كان يجوز عدم الحركة فلو جاز ذلك لم يعدم إلا بوجود السكون منه بدلا منها ولو فعل السكون في الثاني من حال ارادته للحركة لم يخل من ان يكون فعله بارادته له أو سهو عنه ومحال ان يفعله بارادة لأن ذلك موجب لاجتماع ارادتي الحركة والسكون لشئ واحد في حالة واحدة ومحال وجود السكون في حال ارادته للحركة فيبطل جواز امتناع الانسان مما قد فعل الارادة له على ما شرحناه (مسألة) ان قال قائل إذا كنتم تقولون ان ارادة الله تعالى لفعله هي نفس ذلك الفعل ولا تثبتون له ارادة غير المراد فما معنى قولكم اراد الله بهذا الخبر كذا ولم يرد كذا واراد العموم ولم يرد الخصوص واراد الخصوص ولم يرد العموم (جواب) قيل له معنى ذلك ان في المقدور اخبار كثيرة عن اشياء مختلفة فقولنا اراد كذا ولم يرد كذا فهو انه فعل الخير الذي هو عن كذا ولم يفعل الخير الذي هو عن كذا وفعل القول الذي يفهم منه كذا ولم يفهم القول الذي يفهم منه كذا وهذا كقولنا انا إذا قلنا الحمد لله رب العالمين واردنا القزآن كان ذلك قرآنا وإذا اردنا ان منا ان يكون منا شكرا لله تعالى كان كذلك فانا لسنا نريد ان قولا واحدا ينقلب بارادتنا قرآنا ان جعلناه قرآنا ويكون كلامنا ان جعلناه لنا كلاما وإنما معناه ان في مقدورنا كلامين نفعل هذا مره وهذا مره فإن قال فكان من قولكم ان الحمد لله رب العالمين إذا اردتم به القرآن يكون مقدورا لكم قلنا


[ 28 ]

هذا كلام في الحكاية والمحكى وله باب يختص به وسنورد ان شاء الله تعالى طرفا منه (فصل) فاما ارادة الله تعالى لافعال خلقه فهى امره لهم بالافعال ووصفنا له بانه يريد منهم كذا إنما هو استعارة ومجاز وكذلك كل من وصف بانه مريد لما ليس من فعله تعالى بطريق الاستعارة والمجاز وقول القائل يريد منى فلان المصير إليه إنما معناه انه يامرني بذلك ويأخذني به وارادني فلان على كذا اي امرني به فقولنا ان الله يريد من عباده الطاعة انما معناه انه يامرهم بها وقد تعبر بالارادة عن التمنى والشهوة مجازا واتساعا فيقول الانسان انا اريد ان يكون كذا أي اتمناه وهذا الذي كنت اريده اي اشتهيه وتميل نفسي إليه والاستعارات في الارادات كثيرة فاما كراهة الله تعالى للشئ فهو نهيه عنه وذلك ايضا مجاز كالارادة فاعلمه (القول في الغضب والرضا) وهاتان صفتان لا تصح حقيقتيهما إلا في المخلوق لأن الغضب هو نفور الطباع والرضا هو ميلها وسكون النفس ووصف الله تعالى بالغضب والرضا انما هو مجاز والمراد بذلك ثوابه وعقابه فرضاه وجود ثوابه وغضبه وجود عقابه فإذا قلنا رضى الله عنه فانما نعنى اثابه الله تعالى وإذا قلنا غضب الله فانما نريد عاقبه الله فإن علق الغضب والرضا بافعال العبد فالمراد بهما الامر والنهى نقول ان الله يرضى الطاعة بمعنى يامر بها ويغضب من المعصية بمعنى ينهى عنها (القول في الحب والبغض) وهاتان الصفتان إنما يوصف الله تعالى بهما مجازا لأن المحبة في الحقيقة ارتياح النفس الى المحبوب والبغض ضد ذلك من الاوزاع والتنفر الذي لا يجوز على القديم فإذا قلنا ان الله عزوجل يحب المؤمن ويبغض الكافر فانما نريد بذلك انه ينعم على المؤمن ويعذب الكافر وإذا قلنا انه يحب من عباده الطاعة ويبغض منهم المعصية جرى ذلك مجرى الامر والنهى ايضا على المعنى الذي قدمنا في الغضب والرضا (القول في سميع وبصير) اعلم ان السميع في الحقيقة هو مدرك الاصوات بحاسة سمعه والبصير هو مدرك المبصرات بحاسة بصره وهاتان الصفتان لا يقال حقيقتيهما في الله تعالى لانه يدرك جميع المدركات بغير حواس ولا آلات فقولنا انه سميع إنما معناه لا يخفي عليه المسموعات وقولنا بصير معناه انه لا يغيب عنه شئ من المبصرات وانه يعلم هذه الاشياء على حقائقها بنفسه لا بسمع وبصر ولا بمعان زائدة على معنى العلم وقد جاءت الاثار عن الائمة عليهم السلام بما يؤكد ما


[ 29 ]

ذكرناه قال المفيد رضوان الله عليه اخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن عيسى عن حماد بن حريز عن محمد بن مسلم الثقفي قال قلت لابي جعفر الباقر عليه السلام ان قوما من أهل العراق يزعمون ان الله تعالى سميع بصير كما يعقلونه قال فقال الله تعالى إنما يعقل ذلك فيما كان بصفة المخلوق وليس الله تعالى كذلك وباسناده عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد مرسلا عن الرضا عليه السلام انه قال في كلام له في التوحيد وصفة الله تعالى كذلك بانه سميع اخبار بانه تعالى لا تخفى عليه شئ من الاصوات وليس على معنى تسميتنا بذلك وكذلك قولنا بصير فقد جمعنا الاسم واختلف فينا المعنى وقولنا ايضا مدرك ورائي مدرك لا يتعدى به معنى عالم فقولنا رائي معناه عالم بجميع المرئيات وقولنا مدرك معناه عالم بجميع المدركات فهذه صفات المجازات والحمد لله (القول في الخالق) في لغة العرب هو المقدر للشئ قيل فعل المروى المفكر فيه قال زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان (ولانت تفرى ما خلقت وبعض) (القوم يخلق ثم لا يفرى) وقال الحجاج ابن يوسف (اني لا اعد الا وفيت) (ولا اخلق إلا فريت) والشواهد في هذا كثيرة وإذا كان هذا حقيقة الخالق اعلم ان وصف الله تعالى به اتساع وتجوز والمراد به فاعل لأن الله تعالى لا يصح ان يقدر بروى وبفكر (فصل) في صفات أهل الايمان في كتاب المحاسن للبرقي قال مر أمير المؤمنين عليه السلام بمجلس من مجالس قريش فإذا هو بقوم بيض ثيابهم صافية الوانهم كثير ضحكهم يشيرون باصابعهم الى من مر بهم ثم مر بمجلس للاوس والخزرج فإذا هو بقوم بليت منهم الابدان ورقت منهم الرقاب واصفرت منهم الالوان قد تواضعوا بالكلام فتعجب أمير المؤمنين عليه السلام من ذلك ودخل على رسول الله صلى الله عليه واله فقال بابى أنت وامى يا رسول الله مررت بمجلس لال فلان ثم وصفهم ثم قال وجميع مؤمنون فاخبرني يا رسول الله بصفة المؤمن فنكس رسول الله صلى الله عليه واله راسه ثم رفعه فقال عشرون خصلة في المؤمن من لم تكن فيه لم يكمل ايمانه ان من اخلاق المؤمن يا علي الحاضرون الصلاة والسارعون الى الزكاة والمطعمون المساكين والماسحون راس اليتيم والمطهرون اظفارهم والمتزرون على اوساطهم الذين ان حدثوا لم يكذبوا وان وعدوا لم يخلفوا وان ائتمنوا لم يخونوا وان تكلموا صدقوا رهبان بالليل اسد بالنهار صائمون النهار قائمون الليل لا يؤذون جارا ولا


[ 30 ]

يتاذى بهم جار الذين مشيهم على الارض هونا وخطاهم الى المساجد والى بيوت الارامل وعلى اثر المقابر جعلنا الله واياكم من المتقين اخبرني أبو الرجاء محمد بن علي بن ابي طالب البلدي قال اخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن المطلب الشيباني الكوفى قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن حجاب الازدي بالكوفة قال حدثني خالد بن يزيد بن محمد الثقفى قال حدثني أبي خالد قال حدثني حنان بن سدير عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه عن جده قال قال علي عليه السلام لموليه نوف الشامي وهو معه في السطع يا نوف ارامق ام نبهان قال نبهان ارمقك يا أمير المؤمنين قال هل تدرى من شيعتي قال لا والله قال شيعتي الذبل الشفاه الخمص البطون الذين تعرف الرهبانية والربانية في وجوههم رهبان بالليل اسد بالنهار الذين إذا جنهم الليل اتزروا على اوساطهم وارتدوا على اطرافهم وصفوا اقدامهم وافترشوا جباههم تجرى دموعهم على خدودهم يجارون الى الله في فكاك رقابهم وأما النهار فحلماء علماء كرام نجباء ابرار اتقياء يا نوف شيعتي الذين اتخذوا الارض بساطا والماء طيبا والقرآن شعارا ان شهدوا لم يعرفوا وان غابوا لم يفتقدوا شيعتي من لم يهر هرير الكلب ولا يطمع طمع الغراب ولم يسال الناس ولو مات جوعا ان راى مؤمنا اكرمه وان راى فاسقا هجره هؤلاء والله يا نوف شيعتي شرورهم مامونة وقلوبهم محزونة وحوائجهم خفيفة وانفسهم عفيفة اختلفت بهم الابدان ولم تختلف قلوبهم قال قلت يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك اين اطلب هؤلاء قال فقال لي في اطراف الارض يا نوف يجئ النبي صلى الله عليه واله يوم القيامة آخذا بحجز ربه جلت اسماؤه يعنى يحمل الدين وحجزه الدين وانا آخذ بحجزته وأهل بيتي آخذون بحجزتي وشيعتنا آخذون بحجزتنا فالى اين الى الجنة ورب الكعبة قالها ثلاثا واخبرني ايضا أبو الرجا محمد بن علي بن طالب الرازي قال اخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن المطلب الشيباني قال حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر العلوي الحسني قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى الوابشي قال حدثني عاصم بن حميد الخياط قال أبو المفضل الشيباني وحدثنا محمد بن علي بن أحمد بن عامر البندار بالكوفة من اصل كتابه وهذا الحديث بلفظه وهو اتم سياقه قال حدثنا الحسن بن علي بن بزيع قال حدثنا مالك بن إبراهيم عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالى عن رجل من قومه يعنى يحيى بن ام الطويل انه اخبره عن نوف الكسائي قال عرضت لي الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حاجة فاستبعثت إليه جندب بن زهير والربيع


[ 31 ]

بن خيثم وابن اخته همام بن عبادة بن خيثم وكان من اصحاب البرانس فاقبلنا معتمدين لقاء أمير المؤمنين عليه السلام فالفيناه حين خرج يؤم المسجد فافضى ونحن معه الى نفر متدينين قد افاضوا في الاحدوثات تفكها وبعضهم يلهى بعضا فلما اشرف لهم أمير المؤمنين عليه السلام اسرعوا إليه قياما فسلموا ورد التحية ثم قال من القوم فقالوا اناس من شيعتك يا امير المؤمنين فقال لهم خيرا ثم قال يا هؤلاء ما لي لا ارى فيكم سيمة شيعتنا وحلية احبتنا أهل البيت فامسك القوم حياء قال نوف فاقبل عليه جندب والربيع فقالا ما سمة شيعتكم وصفتهم يا أمير المؤمنين فتثاقل عن جوابهما فقال اتقيا الله ايها الرجلان واحسنا فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون فقال همام بن عبادة وكان عابدا مجتهدا اسالك بالذي اكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم وفضلكم تفضيلا إلا انباتنا بصفة شيعتكم فقال لا تقسم فسانبئكم جميعا واخذ بيد همام فدخل المسجد فسبح ركعتين واوجزهما واكملهما ثم جلس واقبل علينا وحف القوم به فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه واله ثم قال أما بعد فإن الله جل شانه وتقدست اسماؤه خلق خلقه فالزمهم عبادته وكلفهم طاعته وقسم بينهم معا ئشهم ووضعهم في الدنيا بحيث وضعهم ووصفهم في الدين بحيث وصفهم وهو في ذلك غنى عنهم لا تنفعه طاعة من اطاعه ولا تضره معصية من عصاه منهم لكنه تعالى علم قصورهم عما يصلح عليه شؤونهم ويستقيم به دهما اودهم وهم في عاجلهم وآجلهم فادبهم باذنه في امره ونهيه فامرهم تخييرا وكلفهم يسيرا واماز سبحانه بعدل حكمه وحكمته بين الموجف من انامه الى مرضاته ومحبته وبين المبطئ عنها والمستظهر على نعمته منهم بمعصيته فذلك قول الله عزوجل * (ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) * ثم وضع امير المؤمنين عليه السلام يده على منكب همام بن عبادة فقال إلا من سئل من شيعة أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم في كتابه مع نبيه تطهيرا فهم العارفون بالله العاملون بامر الله أهل الفضائل والفواضل منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع وبخعوا لله بطاعته وخضعوا له


[ 32 ]

بعبادته فمضوا غاضين ابصارهم عما حرم الله عليهم واقفين اسماعهم على العلم بدينهم نزلت انفسهم منهم في البلاء كالذين نزلت منهم في الرخاء رضى عن الله بالقضاء فلو لا الاجال التي كتب الله لهم لم تستقر ارواحهم في اجسادهم طرفة عين شوقا الى لقاء الله والثواب وخوفا من العقاب عظم الخالق في انفسهم وصغر ما دونه في اعينهم فهم والجنة كمن رآها فهم على ارائكها متكئون وهم والنار كمن دخلها فهم فيها يعذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مامونة واجسادهم نحيفة وحوائجهم خفيفة وانفسهم عفيفة ومعرفتهم في الاسلام عظيمة صبروا اياما قليلة فاعقبتهم راحة طويلة وتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم اناس اكياس ارادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فاعجزوها أما الليل فصافون اقدامهم تالون لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يعظون انفسهم بامثاله ويستشفون لدائهم بدوائه تارة وتارة يفترشون جباههم واكفهم وركبهم واطراف اقدامهم تجرى دموعهم على خدودهم ويمجدون جبارا عظيما ويجارون إليه جل جلاله في فكاك رقابهم هذا ليلهم فاما نهارهم فحلماء علماء بررة اتقياء براهم خوف بارئهم فهم امثال القداح يحسبهم الناظر إليهم مرضى وما بالقوم من مرض أو قد خولطوا وقد خالط القوم من عظمة ربهم وشدة سلطانه أمر عظيم طاشت له قلوبهم وذهلت منه عقولهم فإذا استفاقوا من ذلك بادروا الى الله تعالى بالاعمال الزاكية لا يرضون له بالقليل ولا يستكثرون له الجزيل فهم لانفسهم متهمون ومن اعمالهم مشفقون ان زكى احدهم خاف مما يقولون وقال انا اعلم بنفسى من غيرى وربى اعلم بى اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون فانك علام الغيوب وساتر العيوب هذا (ومن علامة احدهم) ان ترى له قوة في دين وحزما في لين وايمانا في يقين وحرصا على علم وفهما في فقه وعلما في حلم وكيسا في رفق وقصدا في غنى وتحملا في فاقة وصبرا في شدة وخشوعا في عبادة ورحمة للمجهود واعطاء في حق ورفقا في كسب وطلبا في حلال وتعففا في طمع وطمعا في غير طبع أي دنس ونشاطا في هدى واعتصاما في شهوه


[ 33 ]

وبرا في استقامة لا يغيره ما جهله ولا يدع احصاء ما عمله يستبطئ نفسه في العمل وهو من صالح عمله على وجل يصبح وشغله الذكر ويمسى وهمه الشكر يبيت حذرا من سنة الغفلة ويصبح فرحا لما اصاب من الفضل والرحمة ان استعصبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما إليه تشره رغبته فيما يبقى وزهاده فيما يفنى قد قرن العمل بالعلم والعلم بالحلم يظل دائما نشاطه بعيدا كسله قريبا امله قليلا زلله متوقعا اجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه قانعة نفسه عازبا جهله محرزا دينه ميتا داؤه كاظما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره سهلا امره معدوما كبره ثبتا صبره كثيرا ذكره لا يعمل شيئا من الخير رياء و ما يتركه حياء الخير منه مامول والشر منه مامون ان كان بين الغافلين كتب في الذاكرين وان كان مع الذاكرين لم يكتب من الغافلين يعفو عمن ظلمه ويعطى من حرمه ويصل من قطعه قريب معروفه صادق قوله حسن فعله مقبل خيره مدبر شره غائب مكره في الزلازل وقور وفي المكاره صبور وفي الرخاء شكور لا يحيف على من يبغض ولا ياثم فيمن يحب ولا يدعى ما ليس له ولا يجحد ما عليه يعترف بالحق قبل ان يشهد به عليه لا يضيع ما استحفظه ولا ينابز بالالقاب ولا يبغى على أحد ولا يغلبه الحسد ولا يضار بالجار ولا يشمت بالمصاب مؤد للامانات عامل بالطاعات سريع الى الخيرات بطئ عن المنكرات يامر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويجتنبه لا يدخل في الامور بجهل ولا يخرج من الحق بعجز ان صمت لم يعيه الصمت وان نطق لم يعبه اللفظ وان ضحك لم يعل به صوته قانع بالذى قدر له لا يجمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى ولا يقهره الشح يخالط الناس بعلم ويفارقهم بسلم يتكلم ليغنم و يسال ليفهم نفسه منه في عناء والناس منه في راحه اراح الناس من نفسه واتعبها لاخوته ان بغى فصبر ليكون الله تعالى هو المنتصر يقتدى بمن سلف من أهل الخير قبله فهو قدوة لمن خلف من طالب البر بعده اولئك عمال الله ومطايا امره وطاعته وسرج ارضه وبريته اولئك شيعتنا واحبتنا ومنا ومعنا آها شوقا إليهم فصاح همام بن عبادة صيحة وقع مغشيا عليه فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا رحمة الله عليه فاستعبر الربيع باكيا وقال لاسرع ما اودت موعظتك يا أمير المؤمنين يا بن اخى ولوددت انى بمكانه فقال أمير المؤمنين عليه السلام هكذا تصنع المواعظ البالغة باهلها أما والله لقد كنت اخافها عليه فقال له قائل فما بالك انت يا أمير المؤمنين فقال ويحك ان لكل واحد اجلا لا يعدوه وسببا لن يتجاوزه فلا تعد بها فانما يعبثها على لسانك الشيطان قال


[ 34 ]

فصلى عليه أمير المؤمنين عليه السلام عشية ذلك اليوم وشهد جنازته ونحن معه قال الراوى عن نوف فصرت الى الربيع بن خيثم فذكرت له ما حدثني نوف فبكى الربيع حتى كادت نفسه ان تقبض وقال صدق اخى لا جرم ان موعظة أمير المؤمنين عليه السلام وكلامه ذلك منى بمرءا ومسمع ما ذكرت ما كان من همام بن عبادة يومئذ واتاني هنيئة الا كدرها ولا شدة إلا فرجها (فصل) من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الاخوان وآداب الاخوة في الايمان الناس اخوان فمن كانت اخوته في غير ذات الله فهى عداوة وذلك قوله الله عزوجل * (الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين) * من الاخوان عرف جواهر الرجال امحض اخاك بالنصيحة حسنة كانت ام قبيحة ساعده على كل حال وزل معه حيث زال ولا تطلبن منه المجازاة فانها من شيم الدناة ابذل لصديقك كل المودة ولا تبذل له كل الطمأنينة واعطه كل المواساة ولا تفض إليه بكل الاسرار توفى الحكمة حقها والصديق واجبه لا يكون اخوك اقوى منك على مودته (البشاشة) فخ المودة والمودة قرابة مستفادة لا يفسدك الظن على صديق اصلحه لك اليقين كفى بك ادبا لنفسك ما كرهته لغيرك لاخيك عليك مثل الذي لك عليه لا تضيعن حق اخيك اتكالا على ما بينك وبينه فانه ليس لك باخ من ضيعت حقه ولا يكن اهلك اشقى الناس بك اقبل عذر اخيك وان لم يكن له عذر فالتمس له عذرا لا يكلف احدكم اخاه الطلب إذا عرف حاجته لا ترغبن فيمن زهد فيك ولا تزهدن فيمن رغب فيك إذا كان للمخالطة موضع لا تكثرن العتاب فانه يورث الضغينة ويجر الى البغيضة وكثرته من سوء الادب ارحم اخاك وان عصاك وصله وان جفاك احتمل زلة وليك لوقت وثبة عدوك من وعظ اخاه سرا فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه من كرم المرء بكاه على ما مضى من زمانه وحنينه أو الى اوطانه وحفظه قديم اخوانه (فصل) مما جاء نظما في الاخوان روى ان الصادق جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام كان يتمثل كثيرا بهذين البيتين (شعر) (اخوك الذي لو جئت بالسيف عامدا) (لتضربه لم يستغشك في الود) (ولو جئته تدعوه للموت لم يكن) (يردك ابقاء عليك من الود) (وقال مسلم ابن وابصة) (احب الفتى ينفى الفواحش سمعه) (كأن به من كل فاحشة وقرا) (سليم دواعى الصدر لا باسطا اذى) (ولا مانعا خيرا ولا قائلا هجرا) (إذا ما اتت من صاحب لك زلة) (فكن أنت محتالا لزلته عذرا) (غنى


[ 35 ]

النفس ما يكفيك من سد خلة) (فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا) (لغيره) (إذا جمع الفتى حسبا ودينا) (فلا تعدل به ابدا قرينا) (ولا تسمح بخطك منه بل كن) (بخطك من مودته ظنينا) (الاخر) (وكنت إذا الصديق اراد غيظي) (واشرقنى على حنق بريقي) (غفرت ذنوبه وصفحت عنه) (مخافة ان اعيش بلا صديق) (والاخر) (ومن لا يغمض عينه من صديقه) (وعن بعض ما يعيش وهو عاتب) (ومن يعتب اخا جاهلا) (فلم يسلم له الدهر صاحب) وقال اياس بن القائف (يقيم الرجال الاغنياء بارضهم) (وترمى النوى بالمقترين المراميا) (فاكرم اخاك الدهر ما دمتما معا) (كفى بالممات فرقة وتباينا) (إذا زرت ارضا بعد طول اجتنابها) (فقدت صديقي والبلاد كما هيا) وقال حاتم بن عبد الله (وما انا بالساعي بفضل زمامها) (لتشرب ما في الحوض قبل الركائب) (وما انا بالطاري حقيقة رحلها) (لابعثها حقا واترك صاحبي) (لبعضهم بدا حين اثرى باخوانه) (ففتك عنهم شباه العدم) (وذكرهم الحزم غب الامور) (فبادر قبل انتقال النعم) (لغيره) (إلا ان عبد الله لما حوى الغنى) (وصار له من بين اخوانه مال راى) (خلة منهم يسد بماله) (فساواهم حتى استوت بهم الحال) لموسى بن يقطين (تتبع اخوانه في البلاد) (فاغنى المقل عن المكثر) ولسليمان بن فلاح (لي صديق ما مسنى عدم) (مذ وقعت عينه على عدم) (قام بعذري لما قعدت به) (ونمت عن حاجتى ولم ينم) (اغنى واقنى ولم يسم كرما) (يقبل كف له ولا قدم) لبشار بن برد ويكنى أبا معاذ ويلقب بالمرعث الداعمى (إذا كنت في كل الامور معاتبا) (صديقك لم تلق الذي من تعاتبه) (فعش واحدا أو صل اخاك فانه) (مفارق ذنب مرة ومجانبه) (إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى) (ظمئت واي الناس تصفو مشاربه) لزياد الاعجم (اخ لك لا تراه الدهر إلا) (على العلات بساما جوادا) (اخ لك ليس خلته بمذق) (إذا ما فاد فقر اخيه عادا) (إذا كان ذواقا اخوك من الهوى) (موجهه في كل فج ركايبه) (فخل له وجه الطريق ولا تكن) (مطيه رحال كثير مذاهبه) (تخاف المنايا ان ترحل صاحبي) (كان المنايا في المقام تناسبه) ولبشار ايضا (خير اخوانك المشارك في) (المرؤ واين الشريك المرانيا) (الذي ان شهدت سرك في الناس) (وان غبت كان اذنا وعينا) (مثل سر العقيان ان مسه النار) (جلاه البلا فازداد


[ 36 ]

زينا) (وانشدت) لابن نعمه الخطيب مما قاله في مجلس ابن خالويه (شعر) (ايها العالم الذي ملا الأرض علمه) (لما جرحت قلبى بحال تغمه) (لا يفر الحوار ان يتوطاه امه) (ولعمري لضمه كان احلى وشمه) (لا تهجم على الصديق بشئ يغمه) (فإذا احوج الشجاع بدا منه سمه) قال وانشد لغيره (لا توردن على الصديق من الدعابة ما يغمه) (واحذر بوادر طيشه) (يوما إذا ما طال حلمه) (فالعجل تنطحه على ادمان) (مس الضرع امه) (فصل آخر) في ذكر الاخوة والاخوان قال رسول الله صلى الله عليه واله إذا آخى احدكم رجلا فليسئله عن اسمه واسم أبيه وقبيلته ومنزله فانه من واجبي الحق وصافي الاخاء وإلا فهو مودة حمقاء و روي ان داود قال لابنه سليمان عليهما السلام يا بني لا تستبدلن باخ قديم اخا مستفادا ما استقام لك ولا تستقلن ان يكون لك عدو واحد ولا تستكثرن ان يكون لك الف صديق وانشد لامير المؤمنين عليه السلام (وليس كثيرا الف خل وصاحب) (وان عدوا واحدا لكثير) وروى ان سليمان عليه السلام قال لا تحكموا على رجل بشئ حتى تنظروا من يصاحب فانما يعرف الرجل باشكاله واقرانه وينسب الى اصحابه واخوانه وروى انه كانت بين الحسن والحسين صلوات الله عليهما وحشه فقيل للحسين عليه السلام لم لا تدخل على اخيك وهو اسن منك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول ايما اثنان جرى بينهما كلام فطلب احدهما رضاء صاحبه كان سابقا له الى الجنة فاكره ان اسبق أبا محمد الى الجنة فبلغ ذلك الى الحسن عليه السلام فقام يجر رداءه حتى دخل على الحسين صلوات الله عليهما فاسترضاه حدثني الشريف أبو عبد الله محمد بن عبيد الله بن الحسين بن ظاهر الحسينى رحمه الله وكتب لي بخطه قال حدثنا عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي قال اخبرنا أحمد بن محمد بن رباح قال حدثنا محمد بن العباس الحسينى عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني عن صفوان الجمال قال وقع بين أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام وبين عبد الله ابن الحسن بن الحسن كلام حتى ارتفع الضوضاء واجتمع الناس عليهما فتفرقا عشيتهما تلك ثم غدوت في حاجة لي فإذا انا بابى عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام على باب عبد الله بن عبد الله بن الحسن وهو يقول يا جاريه قولى لابي محمد هذا جعفر بالباب قال فخرج عبد الله فقال يا أبا عبد الله ما بكر بك فقال أبو عبد الله عليه السلام انى ذكرت آية من كتاب الله البارحه فاقلقتني قال


[ 37 ]

وما هي فقال قول الله عزوجل * (والذين يصلون ما أمر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) * فقال عبد الله صدقت والله يا أبا عبد الله كانى لم اقرء هذه الاية قط (وروى) في الكامل ان عبد الله بن علي بن جعفر بن أبي طالب افتقد صديقا له من مجلسه ثم جاءه فقال اين كانت غيبتك قال خرجت الى عرض من اعراض المدينة مع صديق لي فقال له ان لم تجد من صحبة الرجال بدا فعليك بصحبة من ان صحبته زانك وان خفقت له صانك وان احتجت إليه عانك وان راى منك خلة سدها أو حسنة عدها أو وعدك لم يحرضك وان كثرت عليه لم يرفضك وان سئلته اعطاك وان امسكت عنه ابتداك (وقال بعضهم) قارب اخوانك في لقاهم تسلم من بوائقهم (وفي بعض كتب الهند) ثق بذى العقل والكرم واطمئن إليه وواصل العاقل غير ذى الكرم واحترس من سئ اخلاقه وانتفع بعقله وواصل الكريم غير العاقل وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك واهرب من اللئيم الاحمق (وقال آخر) دع مصارعة اخيك وان حث التراب في فيك وقيل اياك وطاعة الاسفال فانه يهجم بصاحبه على مكروه وإذا صفا لك اخ فكن به اشد ضنا منك بنفائس اموالك ثم لا يزهدنك فيه ان ترى منه خلقا تكرهه فإن نفسك التي هي اخص الانفس بك لا تطيعك كالمقادة في كل ما تهوى فكيف تلتمس ذلك من غيرك ويحسبك ان يكون لك من اخيك اكثره فقد قالت العرب من لك يوما باخيك كله ووصف اعرابي رجلا فقال كان والله يتحسى مرارة الاخوان ويسقيهم عذبه وقيل لخالد بن صفوان أي الاخوان احب اليك فقال الذي يغفر زللي ويقبل عللى ويسد خللى (وسئل) رجل عن صديقين له فقال أما احدهما فعلق مصيبه لاتباع وأما الاخر فعلق مصيبه لا تبتاع (وكان آخر) يقول اللهم احفظني من الصديق فقيل له ولم قال لانى من العدو متحرز ومن الصديق آمن (وانشد) (احذر مودة ماذق شاب المرارة بالحلاوة) (يحصى العيوب عليك ايام الصداقة للعداوة) (وقيل) لبعضهم كم لك من صديق فقال لا ادرى لأن الدنيا على مقبلة فكل من يلقانى يظهر لي الصداقة وإنما احصيهم إذا ولت عنى (وقيل) ليحيى بن خالد وهو في الحبس وقد احتاج لو كتبت الى فلان فانه صديقك فقال دعوه يكون صديقا (لبعضهم) (قد اخلق الدهر ثوب المكرمات فلا) (تخلق لوجهك في الحاجات ديباجه) (ولا يغرونك اخوان تعدهم) (أنت العدو لمن كلفته حاجة) لغيره (ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها) (فحيث ما انقلبت


[ 38 ]

يوما مساعدوه) (على الدنيا فإن وثبت يوما) (عليه بما لا يشتهى وثبوا) لغيره (هي توبتي من ان اظن جميلا) (باخ ودود أو اعد خليلا) (كشفت لي الايام كل خبيئة) (فوجدت اخوان الصفاء قليلا) (الناس سلمك ما رأوك مسلما) (ورأو نوالك ظاهرا مبذولا) (فإذا امتحنت بمحنة الفيتهم) (سيفا عليك مع الردى مسلولا) للشريف الرضى أبي الحسن محمد بن الحسين الموسوي رحمه الله (وقد كنت مذ لاح المشيب بعارضى) (انفر عن هذا الورى واكشف) (فما إذ عرفت الناس إلا ذمتهم) (جزى الله خيرا كل من لست اعرف) ولابراهيم بن هلال الصابي (ايا رب كل الناس ابناء علة) (أما تغلط الدنيا لنا بصديق) (وجوه بها من مضمر الغل شاهد) (ذوات اديم في النفاق صفيق) (إذا اعترضوا عند اللقاء فانهم) (قذى لعيون أو شجا لحلوق) (وان عرضوا برد الوداد وظله) (اسروا من الشحناء حر صديق) (إلا ليتنى حيث انتوت افرخ القطا) (باقصى محل في البلاد سحيق) (اخو وجده قد انستنى كأننى) (بها نازل في معشري وفريقي) (فذلك خير للفتى من ثوابه) (بمسغبة من صاحب ورفيق) لغيره (اسم الصديق على كثير واقع) (وقد اختبرت فما وجدت فتى يفى) (كعجائب البحر التي اسماؤها معروفة مشهورة وشخوصها لم تعرف) لاحمد بن اسماعيل (مذ سمعنا باسم الصديق فطالبنا بمعناه) (فما استفدنا صديقا) (اتراه في الأرض يوجد لكن) (نحن لا نهتدي إليه طريقا) (ام ترى قولهم صديق مجازا) (لا نرى تحت لفظه تحقيقا) لعبد الملك بن مروان (صديقك حين تستغنى كثير) (وما لك عند فقرك من صديق) (فلا تأسف على أحد إذا ما) (لهى عنك الزيارة وقت ضيق) لبعضهم (هو خل ولكن لعن الله ولكن) (لفظه في ضمنها السوء تحامى في اماكن) مسألة فقهية ذكر شيخنا المفيد رضي الله عنه رجل صحيح دخل على مريض فقال له اوص فقال بما اوصى و إنما يرثنى زوجتاك واختاك وعمتاك وخالتاك وجدتاك وفي ذلك يقول الشاعر (اتيت الوليد ضحى عائدا) (وقد خامر القلب منه السقاما) (فقلت له اوص فيما تركت) (فقال إلا قد كفيت الكلاما) (ففي عمتيك وفي جدتيك) (وفي خالتيك تركت السواما) (وزوجاك حقهما ثابت) (واختاك منه تحوز التماما) (هنالك يا بن أبي خالد) (ظفرت بعشر حويت السهاما) الجواب هذا المريض تزوج جدتى الصحيح


[ 39 ]

ام امه وام أبيه فاولد كل واحدة منهما ابنتين فابنتاه من جدته ام امه هما خالتا الصحيح وتزوج الصحيح جدتى المريض ام ابيه وام امه وتزوج أبو المريض ام الصحيح فأولدها ابنتين فقد ترك المريض اربع بنات وهما عمتا الصحيح وخالتاه وترك جدتيه وهما زوجتا الصحيح وترك امراتيه وهما جدتا الصحيح وترك اختيه لابيه وهما اختا الصحيح لامه فلبناته الثلثان ولزوجته الثمن ولجدتيه السدس ولاختيه لابيه ما بقى وهذه القسمة على مذهب العامه دون الخاصة (شبهه المجبرة) استدل المجبرة على ان الايمان فعل الله تعالى ان قالت قد قال الله تعالى اهدنا الصراط المستقيم ولا شك انه اراد بذلك تعليمنا سؤاله فلا تخلو هذه الهداية التي نسئل فيها من حالين أما ان الدلالة على ما يقولون وأما ان يكون الايمان على ما نقول وزعموا انها لا تصح ان تكون الدلالة لأن الله عزوجل قد فعلها قالوا ولا يجوز ان نسئله في فعل ما قد فعله وإذا لم يصح ان يكون السؤال في الدلالة فما هو إلا في ان يفعل لنا الايمان فنكون بفعله مهتدين (نقض عليهم) أما قولهم ان هذه الهداية المسئول فيها لا تخلو في حالين أما ان تكون الدلالة وأما ان يكون الايمان فخطأ لانها قد تحتمل غير ذلك ويجوز ان يكون المراد بها فعل الالطاف التي إذا فعلها الله تعالى ازداد بها الصدر انشراحا للايمان ولا تكون هذه الالطاف إلا لمن آمن واهتدى وقد تكون الالطاف هداية قال الله تعالى * (والذين اهتدوا زادهم هدى) * وأما قولهم انها لا تجوز ان تكون الدلالة فخطأ لأن الدلالة وان كان الله سبحانه قد فعلها وازاح علل المكلفين باقامتها فانه قد يصح ان تسئله في الزيادة فيها وان يقوى خواطرنا بالتيسير لنا ادراك ادلة اخر بعدها ولا شبهه في ان ترادف الادلة زيادة في الهدى وأما قولهم انه لا يجوز سؤال الله تعالى في فعل قد فعله فخطأ ايضا وقد يصح ان نسال الله سبحانه في فعل ما فعله وفي ان لا يفعل ما يجوز ان يفعله وقد علمنا ذلك في كتابه وندبنا الى ما فعله عبادة تعبدنا بها ومصلحة هدانا إليها فقال سبحانه حاكيا عن ملائكته * (ربنا اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) * ولا شك انه قد فعل ذلك بهم قبل المسألة منهم وكقوله رب احكم بالحق ونحن نعلم انه لا يحكم الا به وكذلك ما تعبدنا به من سؤاله من ان تصلى على انبيائه ورسله مع علمنا انه قد صلى عليهم ورفع اقدارهم وحكى لنا سؤال إبراهيم خليله صلى الله عليه في قوله * (لا تخزني يوم يبعثون) * وهو يعلم انه لا يخزيه وعلمنا سبحانه كيف تقول ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ونحن نعلم انه لا يكلف عباده ما


[ 40 ]

لا يطيقون وقد شهد بذلك قوله عزوجل * (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) * وإنما جازت العبادة بذلك ونحوه لما فيه من التذلل والخضوع والاستكانة والخشوع فيجوز على هذا الوجه ان نسئله ان يهدينا الصراط المستقيم بمعنى يدلنا عليه وان كان قد دل وهدى جميع المكلفين قال الله تعالى * (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) * (مسألة) لهم قالت المجبرة ما معنى قول الله تعالى * (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو اخطانا) * وكيف يجوز ان يتعبدنا بالدعاء بذلك وعندكم ان النسيان من فعله سبحانه ولا تكليف على الناس في حال نسيانه (جواب) يقال للمجبرة لسنا نحيل ان يكون المراد من النسيان المذكور في هذه الاية السهو وفقد العلم ويكون وجه الدعاء الى الله تعالى بترك المؤاخذة عليه جاريا مجرى ما تقدم ذكره من الانقطاع إليه واظهار الفقر الى مسئلته والاستعانة به وان كان مامونا منه في المؤاخذة بمثله على المعنى الذي اوضحنا قبل هذه المسألة ويجوز ايضا ان نحمل النسيان المذكور فيها على ان المراد به الترك كما قال سبحانه * (ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى) * أي فترك ولو لا ذلك لم يكن فعله معصية كقوله * (نسوا الله فنسيهم) * أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه ورحمته وقد يقول الرجل لصاحبه لا تنسنى من عطيتك اي لا تتركني منها وانشد أبو عرفة (ولم اك عند الجود للجود قاليا) (ولا كنت يوم الروع للطعن ناسيا) يعنى تاركا ويشهد بصحة ذلك قول الله عزوجل * (اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم) * بمعنى وتتركون انفسكم (فصل) من الفرق بين مذهبنا ومذهب المجبرة في الافعال التي نعتقده ان الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يثيبهم ولا يعاقبهم الا على ما يفعلون وان الايمان فعل المؤمن وان الكفر فعل الكافر وتزعم المجبرة ان الله تعالى يكلف العبد ما لا يطيقه ويامره بما لا يقدر عليه ولا يتاتى منه ويثيبه ويعاقبه على ما لم يفعله والايمان والكفر فعلان لله تعالى ونعتقد ان القدرة التي اعطاها الله تعالى للعبد هي قدرة على الايمان والكفر وانه يفعل بهما ايهما شاء باختياره ولا يصح ان يفعلهما معا في حال واحدة لتضادهما فقد حصل من هذا ان الذي امره الله بالايمان ونهاه عن الكفر قادر على ما امره به ونهاه عنه و صح انه سبحانه لا يكلف العبد الا ما يستطيعه وتزعم المجبرة ان القدرة التي اعطاها الله عزوجل للعبد لا تصلح إلا لشئ واحد أما للايمان وأما للكفر وان قدرة الايمان تضاد قدرة الكفر ولا يصح اجتماعهما معا فالذي معه قدرة الايمان


[ 41 ]

قد كلف ترك الكفر وهو غير قادر عليه والذي معه قدرة الكفر قد كلف فعل الايمان ولا قدرة معه عليه فحصل من هذا تكليف ما لا يطاق والزام ما لا يستطاع تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ونعتقد ان القدرة على الفعل توجد قبله وان الفعل يوجد بعدها فالمأمور بالايمان قادر عليه غير فاعل له وإنما امر بمعدوم ليوجده وهو يقع ويحصل ثانى وقت القدرة كما قدمناه وكذلك المنتهى عن الكفر إنما نهى وهو قادر على ان يفعل كفرا يقع منه في ثانى حال قدرته فإن كان كافرا وقت قدرته فكفره ذلك إنما صح منه بقدرة اخرى تقدمته وتزعم المجبرة ان القدرة على الفعل توجد هي والفعل معا ولا يتاخر الفعل عنها فالمأمور بالايمان ومعه قدرة عليه إنما أمر بموجود والمنتهى عن الكفر ومعه قدرة عليه إنما نهى عن موجود فكأنه قيل للمؤمن افعل ما قد فعلت والموجود المفعول لا يفعل وقيل للكافر لا تفعل ما قد فعلت وما قد فعل ووجد لا يصلح الامتناع منه وهذا تخبيط محكم ونعتقد ان القدرة غير موجبة للمقدور ولا حامله عليه وان القادر مخير بين ان يفعل الشئ أو ضده بدلا منه (وتزعم المجبرة) ان القدرة موجبة للمقدور حامله عليه ولا يصح وجودها إلا والمقدور معها ونعتقد ان المقدور الكائن بالقدرة هو فعل للعبد في الحقيقة سواء كان طاعة أو معصية أو مباحا وان العبد محدث الفعل وموجده وتزعم المجبرة ان جميع المقدورات فعل الله تعالى وهو المحدث لسائر الافعال في الحقيقة ولا محدث سواه ويقولون ان معنى قولنا ان العبد فعل انما هو اكتسب فإذا سئلوا عن حقيقة الكسب لم يتحصل منهم فيه فائدة تعقل وتعتقد ان الله تعالى لا يريد من العباد إلا الطاعة وانه مريد لما أمر به كاره لما نهى عنه وتزعم المجبرة ان الله تعالى يريد من قوم الطاعة ويريد من آخرين معصيته وانه قد يامر الكافر بالايمان ولا يريده منه فقد امره بما لا يريد ونهى عما اراد ونعتقد ان الله تعالى إذا اراد شيئا فهو كان يحبه ويرضاه وإذا كره شيئا فانه لا يحبه ولا يرضاه وتزعم المجبرة ان الله عزوجل قد يريد شيئا ويشاؤه ولا يحبه ولا يرضاه وانه قد يكره شيئا ويحبه ويرضاه وهذه مناقضة لا تخفى على عاقل وكل ما ذهبنا إليه في الافعال بما وصفناه وعددناه فالمعتزلة توافقنا عليه وتخالفنا المجبرة فيه وكل من قال الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يعذبهم على ما لم يفعلوا فهو من أهل العدل ومن خالف في ذلك فهو من أهل الجور والجبر (فصل)


[ 42 ]

من القول في ان الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون الذي يدل على ان الله تعالى لا يفعل ذلك انا وجدنا قد قبحه في عقولنا لا لعلة من نهى أو غيره بل جعل العقول شاهدة بانه قبيح لنفسه وما كان قبيحا لنفسه لا للنهى عنه فلن يجوز ان يفعله فاعل إلا وقد خرج من كونه حكيما ولو جاز ان يكلفنا سبحانه وتعالى ما لا نطيق لجاز ان يكلف الاعمى النظر والاخرس النطق والزمن العدو ولجاز ان يكلف السيد منا عبده ذلك ويعاقبه على ما لا يقدر عليه وهذا كله واضح البطلان (فعلم) انه لا يكلف احدا من عباده إلا ما يطيقه ويستطيعه (فإن قالوا) ان تكليف ما لا يطاق قبيح و هو حسن من خالقنا لأن الخلق خلقه والامر امره ولا يسال عما يفعل وهم يسئلون قيل لهم فاجيزوا عليه الاخبار بالكذب وقولنا ان ذلك قبيح بيننا حسن من خالقنا لأن الخلق خلقه والامر امره ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فإن اعتقدوا ذلك وجب ان لا يثقوا بشئ مما تضمنه القرآن من الاخبار وان امتنعوا منه طولبوا بعلة الامتناع فمهما قالوه في قبح الاخبار بالكذب من قول قيل لهم قد قبح تكليف ما لا يطاق مثله فاما ما يشهد من القرآن بان الله تعالى لا يكلف ما لا يطاق فقوله سبحانه * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وقوله عزوجل * (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) * (فصل) من القول في ان القدرة على الايمان هي قدرة على الكفر مما يدل على ذلك ان الكافر مامور بالايمان فلو كانت قدرة الايمان ليست معه كان قد كلف ما لا يطيقه وقد تقدم القول في فساد هذا وإذا كانت معه فلا يجوز ان تكون غير قدرة الكفر الحاصلة له لما في ذلك من اجتماع الضدين فعلم انها قدرة واحدة تصلح للضدين على ان يفعل بها ما يتعلق به اختيار المكلف منها فإن قالوا إذا كانت قدرته على الضدين فيجب ان يفعلهما معا قيل لهم لا يجب ذلك لأن القدرة غير موجبة للفعل والقادر بها مخير غير مجبر (فإن قالوا) فجوزوا ان يختارهما فيفعلهما قيل لهم هذا غير صحيح ولا جائز لأن الاختيار هو ان يختار احدهما على الاخر فيفعله بدلا منه ولا يصح ذلك فيهما معا وبعد فهما ضدان وكل واحد منهما ترك لصاحبه فلا يصح ان يوجدا في حال واحد معا وقد اجمع المسلمون على ان الله تعالى يقدر على ان يبقي العبد على حاله ويغنيه ويحييه ويميته ولا يجوز ان يفعل ذلك اجمع في وقت واحد فإن قيل فإذا كان الله تعالى قد اعطى العبد قدرة تصلح للكفر فقد اراد الكفر منه (قلنا) ليس الامر كذلك لأن الله سبحانه انما اعطاه القدرة ليطيع بها مختارا فلو كانت لا تصلح الا للطاعة لكان في فعلها


[ 43 ]

مضطرا ومثل القدرة كمثل السيف الذي يعطيه السيد لعبده ليقتل به اعدائه وهو يصلح ان يقتل به اولياءه وكالدراهم التي تصلح ان تنفق في الطاعة والمعصية ويدفع الى من ينفقها في الطاعة فيعصي وينفقها في المعصية والقدرة معنى تحل القادر يصح به الفعل وهي القوة وهي ايضا الاستطاعة (فصل) من القول في ان القدرة على الفعل توجد قبله الدليل على ان القدرة متقدمة في الوجود للفعل انها انما يحتاج إليها ليحدث بها الفعل ويخرج بها من العدم الى الوجود فمتى وجدت والفعل موجود وجدت في حال الاستغناء عنه (ومما يدل) على تقدمها انها لو كانت مع الفعل كان الكافر غير قادر على الايمان لانه لو قدر عليه لكان موجودا منه على هذا المذهب فكان يكون مؤمنا في حال كفره وهذا فاسد ولو لم يكن قادرا على الايمان لما حسن ان يؤمر به ويعاقب على تركه لما قدمناه من قبح تكليف ما لا يطاق وبطلانه وقد قال اصحابنا مؤكدين القول بتقدم القدرة على الفعل فيمن كان في يده شئ فالقاه ان استطاعة الالقاء لا تخلو من حالتين أما ان تأتيه والشئ في يده أو تأتيه وهو خارج عن يده فإن كانت تأتيه والشئ في يده فقد صح تقدم على الالقاء وهو الذي قلنا وان كانت تأتيه والشئ خارج عن يده ملقى عنها فقد اتت في حال الغنى عنها وفي ذلك ايضا انه قد قدر على ان يلقى ما ليس في يده وهذا محال وليس بين كون الشئ في يده وكونه خارجا عنها واسطة ومنزلة ثالثة وقد قال أهل العلم ايضا لو كانت القدرة والفعل يوجدان معا ولا يصح غير هذا لم تكن القدرة المؤثرة فيه باولى من ان يكون هو المؤثر فيها وقالوا ولو كان لا يصح وجود القدرة حتى يوجد الفعل كما لا يصح وجود الفعل حتى توجد القدرة لكان لا يصح ان يوجدا (حدثني شيخي) رحمه الله ان متكلمين احدهما عدلى والاخر جبري كانا كثيرا ما يتكلمان في هذه المسألة وان الجبري اتى منزل العدلي فدق عليه الباب فقال العدلي من ذا قال انا فلان قال له العدلي ادخل قال له الجبري افتح لي حتى ادخل قال العدلي ادخل حتى افتح فانكر هذا عليه وقال له لا يصح دخولي حتى يتقدم الفتح فوافقه على قوله في القدرة والفعل واعلمه بذلك وجوب تقدمها عليه فانتقل الجبري عن مذهبه وصار الى الحق (فصل) من القول في ان القدرة غير موجبة للفعل الدليل على انها غير موجبة ما قدمناه من انها قدرة على الضدين فلو كانت موجبة لاوجبتهما فادى ذلك الى المحال وكون المكلف حاضرا ومسافرا في حال ومتحركا ساكنا في حال ولو كانت القدرة ايضا موجبة لكان القادر


[ 44 ]

بها مضطرا ويخرج من كونه مختارا والمضطر لا معنى لتوجه الامر والنهى إليه ولا يحسن ثوابه وعقابه على أمر هو مضطر فيه (فصل) من القول في ان الله تعالى لم يخلق افعال العباد وانها فعل لهم على سبيل الاحداث والايجاد من الدليل على انه سبحانه لم يفعلها ان فيها قبايح من كفر وفسق وظلم وكذب وليس بحكيم من فعل القبائح ولا يجوز من الحكيم ايضا ان يخلق سب نفسه وشتمه وسوء الثناء عليه ثم نحن نعلم ان من فعل شيئا اشتق له اسم من فعله كما يقال في من فعل الحركة انه متحرك ومن فعل السكون انه ساكن ومن فعل الضرب ضارب ومن فعل القتل قاتل فلو كان الله تعالى هو الفاعل لافعالنا والخالق لها دوننا لوجب ان يسمى بها جل الله عزوجل عن ذلك وتعالى والذي يدل على انها فعل لنا دون غيرنا وقوعها بحسب تصورنا وارادتنا وانتفاء المنفى منها بحسب كراهتنا وانتظام ما ينتظم منها بحسب مبلغ علومنا واختلالها بقدر اختلالاتنا فلو كانت فعلا لغيرنا لم يكن الامر مقصودا على ما ذكرنا ونحن قد نفرق ضرورة بين حركة نحدثها في بعض جوارحنا وبين الرعشة إذا حدثت في عضو منا ونرى وقوع احد الحركتين عن قصد ووقوع الاخرى بخلاف ذلك فلسنا نشك في ان احديهما حادثة منا وفعل في الحقيقة لنا وهي الكائنة عن قصدنا (وشئ آخر) وهو ان الله تعالى خلق فينا الشيب والهرم والصحة والسقم ولم يامرنا بشئ من ذلك ولا نهانا عنه ولا مدح الشاب على شبيبته ولا ذم الشيخ لشيخوخته عدلا منه سبحانه في حكمه فلو كانت الطاعات والمعاصي ايضا من فعله وخلقه لجرت مجرى ذلك وقبح ان يامرنا بطاعة أو ينهانا عن معصية ولم يصح على شئ من ذلك مدح ولا ذم ولا ثواب ولا عقاب وهذا واضح لمن عقل (فصل) من القول ان الله تعالى لا يريد من خلقه الا الطاعة وانه كاره للمعاصي كلها وأما الذي يدل على انه سبحانه لا يريد المعاصي والقبائح ولا يجوز ان يشاء شيئا منها وانه كاره لها ساخط لجميعها فهو وانه تعالى نهى عنها والنهى إنما يكون نهيا بكراهه الناهي للفعل المنهى عنه الا ترى ان احدنا لا يجوز ان ينهى إلا عما يكرهه فلو كان النهى في كونه نهيا غير مفتقرة الى الكراهية لم يجب ما ذكرناه لانه لا فرق بين قول احدنا لغيره لا يفعل كذا وكذا ناهيا له و بين قوله انا كاره له كما لا فرق بين قوله افعل امرا له وبين قوله انا مريد منك ان تفعل وإذا كان سبحانه كارها لجميع المعاصي والقبائح من حيث كان ناهيا عنها استحال ان يكون مريدا لها لاستحالة ان يكون مريدا كارها


[ 45 ]

لامر واحد على وجه واحد ويدل على ذلك ايضا انه لو كان مريدا للقبيح لوجب ان يكون على صفة نقص وذم ان كان مريدا بلا ارادة وان كان مريدا بارادة وجب ان يكون فاعلا للقبيح لأن ارادة القبيح قبيحة ولا يكون كذلك كما في الشاهد كما لا خلاف في قبح الظلم من احدنا وقد دل السمع من ذلك على مثل ما دل عليه العقل قال الله عزوجل * (وما الله يريد ظلما للعباد) * وفي موضع آخر * (وما الله يريد ظلما للعالمين) * وقال تعالى * (كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها) * وقال تعالى * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * ونعلم ان الكفر اعظم العسر وقال تعالى * (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) * فإذا كان خلقهم للعبادة فلا يجوز ان يريد منهم غيرها وقال * (ولا يرضى لعباده الكفر وتشكروا يرضه لكم) * (فصل) وقد سئل أهل العدل المجبرة عن مسألة الزموهم بها ما لم يجدوا فيه حيلة وذلك انهم قالوا لهم اخبرونا عن رجل نكح احدى المحرمات عليه باحد المساجد المعظمة في نهار شهر رمضان وهو عالم غير جاهل اتقولون ان الله تعالى اراد منه هذا الفعل على هذه الصفة قالت المجبرة بل الله اراده قال لهم أهل العدل اخبرونا عن ابليس اللعين هل اراد ذلك ام كرهه قالت المجبرة بلى هذا إنما يريده ابليس ويؤثره قال لهم أهل العدل فاخبرونا لو حضر النبي صلى الله عليه واله وعلم بذلك اكان يريده ام يكرهه قالت المجبرة بل يكرهه ولا يريده قال لهم أهل العدل فقد لزمكم على هذا ان تثنوا على ابليس اللعين وتقولوا انه محمود لموافقته ارادته لارادة الله عزوجل وهذا ما ليس فيه حيلة لكم مع تمسككم بمذهبكم وقد كنت اوردت هذه المسألة في مجلس بعض الرؤساء مستطرفا له بها وعند جمع من الناس فقال رجل ممن كان في المجلس يميل الى الجبر ان كان هذه المسألة لا حيلة للمجبرة فيها فعليكم انتم ايضا مسألة لهم اخرى لا خلاص لكم مما يلزمكم منها (فقلت) وما هي قال يقال لكم إذا كان الله تعالى لا يشاء المعصية وابليس يشاؤها ثم وقعت معصية من المعاصي فقد لزم من هذا ان تكون مشيئة ابليس غلبت مشيئة رب العالمين فقلت له إنما تصح الغلبة عند الضعف وعدم القدرة ولو كنا نقول ان الله تعالى لا يقدر ان يجبر العبد على الطاعة و يضطره إليها ويحيل بينه وبين المعصية بالقسر والالجاء الى غيرها لزمنا ما ذكرت وإلا بخلاف ذلك وعندنا ان الله تعالى يقدر ان يجبر عباده ويضطرهم ويحيل بينهم وبين ما اختاروه فليس يلزمنا ما ذكرتم من الغلبة


[ 46 ]

وقد ابان الله تعالى ذلك فقال * (ولو شاء الله لجعل الناس امه واحدة) * وقال تعالى * (ولو شئنا لاتينا كلا هديها) * و إنما لم يفعل ذلك لما فيه من الخروج عن سنن التكليف وبطلان استحقاق العباد للمدح والذم فتأمل ما ذكرت تجده صحيحا فلم يات بحرف بعد هذا (فصل) اعلم ايدك الله تعالى ان جناية المجبرة على الاسلام كثيرة وبليتها على الامة عظيمة بحملها المعاصي على الله تعالى وقولها انه لا يكون إلا ما اراده تعالى وانه لا قدرة للكافر على الخلاص من كفره ولا سبيل للفاسق الى ترك فسقه وان الله تعالى قضى بالمعاصي على قوم وخلقهم لها وفعلها فيهم ليعاقبهم عليها وقضى بالطاعات على قوم وخلقهم لها وفعلها فيهم ليثيبهم عليها وهذا الاعتقاد القبيح يسقط عن المكلف الحرص على فعل الطاعة والاجتهاد و الاجتناب عن المعصية لانه يرى ان اجتهاده لا ينفع وحرصه لا يغني بل لا اجتهاد في الحقيقة ولا حرص لانه مفعول فيه غير فاعل وموجد فيه غير موجد ومخلوق لشئ لا محيد له عنه ومسبوق لامر لا انفصال له منه فاى خوف مع هذا يقع وأي وعيد معه ينفع نعوذ بالله مما يقولون ونبرا إليه مما يعتقدون وانشدت لبعض اهل العدل (شعر) (سالت المخنث عن فعله) (علام تخنث يا ماذق) (فقال ابتلاني بدائى العضال) (واسلمني القدر السابق) (ولمت الزناة على فعلهم) (فقالوا بهذا قضى الخالق) (وقلت لاكل مال اليتيم) (الؤما وأنت امرؤ فاسق) (فقال ولجلج في قوله) (اكلت واطعمني الرازق) (وكل بخيل على ربه) (وما فيهم أحد صادق) (فصل) اعلم ايدك الله تعالى قد يعبر عن نفى الفعل بنفى الاستطاعة توسعا ومجازا فيقال لمن يعلم انه لا يفعل شيئا لثقله على قلبه ونفور طبعه منه انك لا تستطيعه وان كان في الحقيقة مستطيعا له ويقول احدنا لمن يعلم انه يبغضه انك لا تستطيع ان تنظر الي والمعنى ان ذلك يثقل عليك ويقال للمريض الذي يجهده الصوم انك لا تستطيع الصيام و هو في الحقيقة يستطيعه ولكن بمشقة تدخل عليه وثقل يناله وعلى هذا المعنى يتأول قول الله جل اسمه فيما حكاه عن العالم الذي تبعه موسى عليه السلام حيث قال له موسى * (هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا قال انك لن تستطيع معى صبرا) * المعنى فيه انك لا تصبر ولا يخف عليك وانه يثقل على طبيعتك فعبر عن نفي الصبر بنفي الاستطاعة وإلا فهو قادر مستطيع ويدل على ذلك قول موسى عليه السلام في جوابه * (له ستجدني ان شاء الله صابرا) * ولم يقل ان شاء الله مستطيعا ومن حق الجواب ان يطابق السؤال فدل جوابه على ان الاستطاعة المذكورة في الابتداء هي عبارة عن


[ 47 ]

الفعل نفسه مجازا كما ذكرنا وقد يستعمل الناس هذا كثيرا وانشده (شعر) (ارى شهوات لست اسطيع تركها) (واحذر ان واقعتها ضرر الاثم) فلا النفس تنهاني وتبصر رشدها) (واكره اتيان العقاب على علم) و لسنا نشك في ان الشاعر عنى بقوله لست اسطيع تركها ان تركها يثقل عليه ولا يلائم ما يدعوه إليه طبعه وانه لم ينف الاستطاعة في الحقيقة عن نفسه ولو كان اراد نفيها لم يكن معنى لقوله واحذر ان واقعتها ضرر الاثم وقوله واكره اتيان العقاب على علم وعلى هذا المعنى ايضا يتاول قول الله عز وجل * (وما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) * وهو انهم لاستثقالهم استماع آيات الله تعالى وكراهتهم تأملها وتدبرها جروا مجرى من لا يستطيع السمع كما يقال لمن عهد منه العناد واستثقال استماع الحجج والبينات ما يستطيع استماع الحق وما يطيق ان يذكر له قال الاعشى شعر (ودع هريره ان الركب مرتحل) (وهل تطيق وداعا ايها الرجل) ونحن نعلم انه قادر على الوداع وإنما نفى قدرته عليه من حيث الكراهية والاستثقال ومعنى قوله وما كانوا يبصرون ان ابصارهم لم تكن نافعة لهم ولا مجدية عليهم نفعا لاعراضهم عن تأمل آيات الله عز وجل وتفهمها فلما انتفت عنهم منفعة الابصار جاز ان ينفي عنهم الابصار نفسه كما يقال عن المعرض عن الحق العادل عن تأمله ما لك لا تسمع ولا تعقل وقد تأول الشريف المرتضى رحمه الله هذه الاية على وجه آخر وهو ان يكون ما في قوله ما يستطيعون السمع ليست للنفي بل تجري مجرى قولهم لا واصلتك ما لاح نجم لا اقيمن على مودتك ما طلعت شمس قال الله تعالى * (يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) * ويكون المعنى اتصال عذابهم ودوامه ما كانوا احياء (مسالة) وقد سالت المجبرة عن معنى قول الله تعالى * (صم بكم عمى فهم لا يبصرون) * وظنوا ان لهم في هذه الاية حجة يتشبثون بها (والجواب) ان ظاهر هذه الاية يقتضي ان المنافقين كانوا بهذه الصفات ومعلوم من حالهم انهم كانوا بخلافها ولا شئ ادل على فساد التعلق بظاهرها من ان يعلم ان العيان بخلافه فوجب ضرورة صرف الاية عن ظاهرها الى ما يقتضيه الصواب من تأويلها والمراد بها انهم لما لم ينتفعوا بهذه الحواس والالات فيما خلقت له وانعم عليهم بها لاجله صاروا كأنهم قد سلبوها وحرموها وهذا مستعمل في الشاهد يقول احدنا لغيره وقد بين له الشئ وبالغ في ايضاحه وهو غير متامل بوروده انك اصم واعمى فلا تستطيع كذا تسمع على قلبك وربما تجاوز ذلك فقال له


[ 48 ]

انك ميت لا تفهم ولا تعقل قال الله تعالى * (انك لا تسمع الموتى) * وفي هذا المعنى قال الشاعر (لقد اسمعت لو ناديت حيا) (ولكن لا حيوة لمن تنادي) (شبهه للمجبرة) وقد احتجت في تصحيح قولها ان الله تعالى خلق طائفة من خلقه ليعذبهم بقوله سبحانه * (ولقد ذرانا كثيرا من الجن والانس) * قالت فبين انه خلقهم لمجرد العذاب في النار لا في غيره نقض عليهم يقال لهم حمل هذه الاية على ظاهرها مناف للعدل والحكمة ومباين لما وصف نفسه به من الرافة والرحمة ومناقض لقوله عز وجل * (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) * ولقوله تعالى * (انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكره واصيلا) * الفتح ولقوله سبحانه * (ليذكروا فابى اكثر الناس إلا كفورا) * الفرقان ولقوله جل اسمه * (انزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) * الحديد ولقوله تبارك وتعالى * (هو الذي انزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات الى النور) * الحديد فالواجب ردها الى ما يلائم هذه الايات المحكمات ويوافق الحجج العقلية والبينات والوجه في ذلك ان يكون المراد بقوله ولقد ذرانا لجهنم العاقبة فكأنه قال ولقد ذراناهم والمعلوم عندنا ان مصيرهم وحال امرهم وعاقبة حالهم دخول جهنم بسوء اختيارهم قال الله عز وجل * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * القصص والمراد به ان ذلك يكون عاقبة امرهم لانهم ما التقطوه إلا ليسروا به وكقوله سبحانه * (وكذلك جعلنا في كل قرية اكابر مجرميها ليمكروا فيها) * الانعام والمراد ان امرهم بينهم يؤول الى هذه وعاقبتهم تنتهي إليه لا لأن الله عز وجل جعلهم فيها ليعصوا ويمكروا وقوله إنما نملي لهم ليزدادوا اثما وإنما اخبر بذلك عن عاقبتهم وهذا ظاهر في اللغة مستعمل بين اهلها قال الشاعر (الشعر ام سماك فلا تجزعي) (فللموت وما تلد الوالدة) وقال آخر (فللموت تغذو الوالدات سخالها) (كما لخراب الدور تبنى المساكن) وهي لا تغذو اولادها للموت ولا تبني المساكن لخرابها وإنما تبنى لعمارتها وسكناها وتغذى السخال لمنفعتها ونموها ولكن لما كانت العاقبة تؤول الى الموت والخراب جاز ان يقال ذلك (ومثله قول الاخر) اموالنا لذوي الميراث نجمعها * ودورنا لخراب الدهر نبنيها * والمعنى في هذا كله واحد والمقصود به العاقبة وفيما ذكرناه كفاية (مسالة) لهم اخرى وقد احتجوا لمذهبهم بقول الله تعالى * (لا ينفعكم نصح ان اردت ان انصح لكم ان كان الله يريد ان يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون) * هود وقالوا ظاهر هذه الاية تدل على


[ 49 ]

ان نصح النبي صلى الله عليه واله لا ينفع الكفار الذين اراد الله بهم الكفر والغواية وهذا خلاف مذهبكم نقض عليهم (يقال لهم) ان الغواية هنا الخيبة وحرمان الثواب قال الشاعر * فمن يلق خيرا يحمد الناس امره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائمه * فكأنه قال ولا ينفعكم نصحي ان كنتم مصرين على الكفر الذي يريد الله معه ان يحرمكم الثواب ويخيبكم منه (وايضا) فقد سمى الله تعالى العقاب غيا قال * (فسوف يلقون غيا) * مريم فيكون المعنى على هذا الوجه ان كان الله يريد ان يعاقبكم بسوء اعمالكم وكفركم فليس ينفعكم نصحي الا بان تفعلوا وتتوبوا (وما قيل) ان الاية تشهد بصحة هذا وان القوم استعجلوا عقاب الله تعالى * (فقالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين قال إنما ياتيكم به الله ان شاء وما انتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي ان اردت ان انصح لكم ان كان الله يريد ان يغويكم هو ربكم واليه ترجعون) * سوره هود (ووجه آخر) في الاية وهو انه قد كان في قوم نوح طائفة بقوا بالجبر فنبههم بهذا القول على فساد مذاهبهم وقال لهم على طريق الانكار عليهم والتعجب من قولهم ان كان القول كما تقولون من ان الله يفعل فيكم الكفر والفساد فما ينفعكم نصحي فلا تطلبوا منى نصحا وانتم على قولكم لا تنتفعون به (فصل) في معرفة القدرية اعلم انا وجدنا كل فرقة تعرف باسم أو تنعت بنعت فهى ترتضيه ولا تنكره سواء كان مشتقا من فعل فعلته أو قول قالته أو من اسم مقدم لها تبعته ولم نجد في اسماء الفرق كلها اسما ينكره اصحابه ويتبرا منه اهله ولا يعترف أحد به إلا القدرية فاهل العدل يقولون لاهل الجبر انتم القدرية واهل الجبر يقولون لاهل العدل انتم القدرية وإنما تبرا الجميع من هذا الاسم لأن رسول الله صلى الله عليه واله لعن القدرية واخبر انهم مجوس الامة والاخبار بذلك مشتهرة فمنها ما حدثني به أبو القاسم هبة الله ان إبراهيم ابن عمر الصواف بمصر قال حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي قال حدثنا عباس ابن محمد الدورسي قال حدثنا عثمان ابن زفر قال حدثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لكل امة مجوس ومجوس هذه الامة القدرية فإن مرضوا فلا تعودوهم وان ماتوا فلا تشهدوهم وان لقيتموهم في طريق فالجاوهم الى ضيقه وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه واله دلالة لنا على المعرفة بالقدرية وتمييز لهم من بين الامة لانهم لم ينعتهم بالمجوسية (إلا لموضع المشابهة بينهم وبين المجوس في المقال والاعتقاد وقد علمنا بغير شك ولا ارتياب ان من قول المجوس) ان الله تعالى فاعل لجميع ما سر ولذوا ابهج ومالت إليه الانفس واشتهته الطباع كائنا ما كان حتى انه فاعل الملاهي والاغاني وكلما دخل في هذا


[ 50 ]

الباب وهذا مذهب المجبرة بغير خلاف ويقول المجوس ان الله تعالى محمود على فعل الخير وهو لا يقدر على ضده وان ابليس مذموم على فعل الشر ولا يقدر على ضده وهذا بعينه يضاهي قول المجبرة ان المؤمن محمود على الايمان و هو لا يقدر على ضده وان الكافر مذموم على الكفر ولا يقدر على ضده وتذهب المجوس الى القول بتكليف ما لا يطاق وهو رأيها الذي تدين به في الاعتقاد ولهم في السنة يوم ياخذون فيه بقرة قد زينوها فيربطون يديها و رجليها اوثق رباط ثم يقربونها الى سفح الجبل ويضربونها لتصعد فإذا راوا ان قد تعذر عليها ذلك قتلوها ويسمون هذا اليوم عيد الباقور وهذا هو مذهب المجبرة في القول بتكليف ما لا يستطاع فهم مجوس هذه الامة وقدريتها بما اقتضاه هذا البيان (وقد قالت العدلية) للمجبرة ان من ادل دليل على انكم القدرية قولكم ان جميع افعال العباد بقدر من الله عزوجل وانه الذي قدر على المؤمن ان يكون مؤمنا وعلى الكافر ان يكون كافرا وانه لا يكون شئ إلا ان يقدره الله تعالى (قالت المجبرة) بل انتم احق بهذا لانكم نفيتم القدر وجحدتموه وانكرتم ان يكون الله سبحانه قدر لعباده ما اكتسبوه (قالت العدلية) قد غلطتم فيما ذكرتموه وجرتم فيما قضيتموه لأن الشئ يجب ان ينسب الى من اثبته واوجبه لا الى من نفاه وسلبه ويضاف الى من اقر به واعتقده لا الى من انكره وجحده فتأملوا قولنا تعلموا انكم القدرية دوننا (فصل) وقد ظنت المعتزلة ان الشيعة هم المرجئة لقولهم انا نرجو من الله تعالى العفو عن المؤمن إذا ارتكب معصية ومات قبل ان تقع منه التوبة وهذا غلط منهم في التسمية لأن المرجئة اسم مشتق من الارجاء وهو التاخير يقال لمن اخر امرا ارجات الامر يا رجل فانت مرجئ قال الله * (ارجه واخاه) * الاعراف أي اخره وقال تعالى * (وآخرون مرجون لامر الله) * التوبة يعنى مؤخرون الى مشيته (وأما الرجاء) فانما يقال منه رجوت فانا راج فيجب ان تكون الشيعة راجية لا مرجئة والمرجئة هم الذين اخروا الاعمال ولم يعتقدوها من فرائض الايمان وقد لعنهم النبي عليه السلام فيما وردت به الاخبار (حدثنا) القاضي أبو الحسن محمد ابن علي بن محمد بن صخر الازدي البصري بمصر سنه ست وعشرين واربعمائة قراءة منه علينا قال اخبرنا أبو القاسم عمر بن محمد بن يوسف قال حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني ببغداد سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة قال حدثنا داود بن سليمان العادي قال حدثنا علي بن موسى الرضا قال حدثنا أبي


[ 51 ]

الحسين بن علي قال حدثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله صنفان من امتي ليس لهم في الاخرة نصيب المرجئة والقدرية (فصل) واعلم ان المعتزلة لها من الاغلاط القبيحة والزلات الفضيحة ما يكثر تعداده وقد صنف ابن الراوندي كتاب فضائحهم فاورد جملا من اعتقاداتهم وآراء شيوخهم مما ينافر العقول ويضاد شريعة الرسول صلى الله عليه واله وقد وردت الاخبار بذمهم من أهل البيت ولعنهم جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فقال لعن الله المعتزلة ارادت ان توحد فالحدت ورامت ان ترفع التشبيه فاثبتت فمن اقبح ما تعتقده المعتزلة وتضاهي فيه قول الملحدة قولهم ان الاشياء كلها كانت قبل حدوثها اشياء ثم لم يقنعهم ذلك حتى قالوا ان الجواهر في حال عدمها جواهر وان الاعراض قبل ان توجد كانت اعراضا حتى ان السواد عندهم قد كان في عدمه سوادا وكذلك الحركة قد كانت قبل وجودها حركة وسائر الاعراض يقولون فيها هذا المقال ويزعمون ان جميع ذلك في العدم ذوات كما هو في الوجود ذوات وهذا انكار لفعل الفاعل ومضاهاة لمقال الملحديبن وقد اطلقوا هذا القول اطلاقا فقالوا ان الجواهر والاعراض ليست بفاعلها وفسروا ذلك فقالوا اردنا ان الجوهرة لم يكن جوهرا بفاعله ولا كان العرض ايضا بفاعله وانهما على ما هما عليه من ذلك لنفوسهما قبل وجودهما ولا بجاعل جعلها وهذا تصريح غير تلويح وقد قال لهم شيوخنا وعلماؤنا فإذا كانت الذوات في عدمها ذواتا والجواهر والاعراض قبل وجودها جواهر واعراضا فما الذي صنع الصانع قالت المعتزلة اوجد هذه الذوات قال أهل الحق لهم ما معنى قولكم اوجدها وانتم ترون انها لم تكن اشياء به ولا ذواتا بفعله ولا جواهر ولا اعراضا ايضا بصنعته قالت المعتزلة معنى قولنا انه اوجدها انه فعل لها صفة الوجود قال اصحابنا فإذن ما فعلها ولا تعلقت قدرته بها وانما المفعول المقدور هو الصفة دونها فاخبرونا الان ما هذه الصفة لنفهمها وهل هي نفس الجوهر ونفس العرض فهما اللذان فعلا فكانا جوهرا وعرضا بفاعلهما وان قلتم انها شئ آخر غيرها فهل هي شئ ام ليست بشئ واعلموا انكم ان قلتم انها شئ لزمكم ان تكون في عدمها ايضا شيئا وان قلتم انها ليست بشئ نفيتم ان يكون الله تعالى فعل شيئا قالت المعتزلة هي أمر معقول ولم تزد على ذلك واتت فيه بنظير ما اتى اصحاب الكسب في المخلوق وجميع المعتزلة على هذا القول إلا أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي فانه يرى ان الاشياء قد كانت كلها في عدمها اشياء ولم تكن جواهر ولا اعراضا ولا ذواتا وإنما جعلت كذلك بفاعلها ولم تكن اشياء بفاعلها فقد تبين


[ 52 ]

لك راى المعتزلة في هذا (فصل) من الكلام في الاصلح وقد اشتهر عن المعتزلة انها من أهل العدل وذلك لقولها ان الله تعالى لا يكلف العبد إلا ما يستطيع ولها مع ذلك قول تنسب الله عزوجل فيه الى الامر القبيح وتضاد به ما اوجبه الدليل من وصفه بالحسن الجميل وهو ما ذهب إليه الجبائي وابنه عبد السلام ومن وافقها وهم اليوم اكثر المعتزلة من ان الله تعالى وان كان عدلا كريما فانه لا يفعل بخلقه الاصلح ولا يتفضل عليهم بالانفع وانه يقتصر بهم من النفع والصلاح على نهاية غيرها افضل منها واصلح مع حاجتهم الى ما يمنعهم اياه من الصلاح أو فقرهم الى المنافع التي حرمهم اياها من الانعام والاحسان وهو قادر على ما يحتاجون إليه ومع ذلك هو غني عن منعه عالم بحسن بذله وفعله والعباد يتضرعون إليه في التفضل عليهم به فلا يرحم تضرعهم ويسالونه المنة بفعله فلا يجيبهم ويرجونه منه فيخيب رجاءهم ويتمنون من فعله فلا يهب لهم مناهم تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا والذي نذهب في ذلك إليه مما وافقنا البلخي فيه هو ان الله سبحانه متفضل على جميع خلقه بنهاية مصالحهم متطول عليهم بغاية منافعهم لا يسالونه صلاحا إلا اعطاهم ولا يلتمسون منه ما يعلم انه لهم انفع إلا فعله بهم ولا يمنعهم إلا مما يضرهم ولا يصدهم إلا عما يفسدهم ولا يحول بينهم وبين شئ يصلحهم وانه لا يقضي عليهم بشئ يسرهم أو يسوؤهم الا وهو خير لهم واصلح مما صرفه عنهم والذي يدل على ذلك هو ما ثبت من ان الله تعالى عالم بقبح القبيح وغنى عن فعله لا يجبر على الحسن ولا يحتاج الى منعه وانه مستحق للوصف بغاية الجود ومنفي عنه البخل والتقصير خلق الخلق لمنافعهم واخترعهم لمصالحهم فلو منعهم صلاحا لناقض ذلك الغرض في خلقهم ولم يكن مانعا نفعا هو قادر عليه عالم بحسنه إلا لحاجة إليه أو للبخل به أو الافتقار في صنعه وذلك كله منفي عن الله سبحانه ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه انا وجدنا الحكيم إذا كان آمرا بطاعته فلن يجوز ان يمنع المأمور ما به يصل إليها إذا كان قادرا على ان يعطيه اياه وكان بذله له لا يضره ولا يخرجه من استحقاق الوصف بالحكمة ومنعه لا ينفعه وكذلك إذا كان له عدو يدعوه الى موالاته ويحب رجوعه الى طاعته فلن يجوز ان يعامله من الغلظة أو اللين إلا مما يعلم انه انجع فيما يريده منه وادعى له الى ترك ما هو فيه من عداوته والرجوع الى ولايته فإن عرض له امران من الشدة والغلظة أو الملاطفة والملاينة يعلم ان احدهما ادعا لعدوه الى المراجعة والانابة والاخر دون ذلك ففعل الدون وترك ان يفعل الاصلح الادعاء وكلاهما في قدرته عليهما سواء ولا يضره بذلهما ولا ينفعه منعهما كان عند الحكماء جميعا مذموما خارجا من


[ 53 ]

استحقاق الوصف بالجود والحكمة فلما كان هذا فيما بينا على ما وصفنا وكان الله تعالى قادرا حكيما جوادا عالما بمواضع حاجة عباده آمرا لهم بطاعته وترك عداوته والرجوع الى ولايته لا يضره الاعطاء ولا يلحق به صفة الذم ولا ينفعه المنع ولا يزيد في ملكه علمنا انه لا يفعل بعباده إلا ما كان اصلح بحالهم في دينهم وادعاها الى طاعته صحة كان أو سقما لذة كان أو الما آمنوا أو كفروا اطاعوا ام عصوا قال الله تعالى لرسوله عليه السلام * (قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) * طه هذا حين علم ان الدعاء على جهه اللين اصلح له ثم قال في موضع آخر * (ولقد ارسلنا الى امم من قبلك واخذناهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون) * الانعام حين كانت الشدة والغلظة اصلح في دعائهم الى التضرع والخشوع لديهم واعلم ان الاصلح إذا فعل بالعبد لا يضطره الى ايجاد الفعل وإنما هو تيسر في ايجاده ومعونة عليه كما ان القدرة لا تضطر العبد الى ايجاد الفعل وإنما هي تمكين منه وازاحة للعلة فيه فمن نسب الله تعالى الى انه تعالى لا يفعل بمن كلفه الا الاصلح فقد جعله بخيلا ومقتصدا ومن نسبه الى ان لا يعطى من كلفه الطاعة القدرة عليها فقد جعله ظالما جائرا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فإن قال قائل إذا كان قد فعل بجميع خلقه الاصلح فقد ساوى بين وليه وعدوه ومن ساوى بينهما فغير حكيم في فعله قلنا إنما التسوية بينهما ان يثيبهما جميعا أو يمدحهما أو يفعل بهما جميعا ما يشتهيانه ويلذهما وليس التسوية بينهما ان يفعل لهما ما يكون ادعى الى طاعته وازجر عن معصيته الا ترى ان رجلا لو كان له عبدان قد اطاعه احدهما وعصاه الاخر فقصد الى الذي اطاعه فمدحه واعطاه ليزداد بذلك رغبته في طاعته ويرغب عبيده في فعلها وقصد الى الاخر فشتمه وعاقبه على ذنبه الذي ارتكبه ليزجره عن معصيته ويصير الى طاعته وينزجر غيره ايضا عن مثل فعله لكان قد فعل بكل واحد منهما ما هو اصلح له ولم يجز ان يقال مع ذلك انه قد ساوى بينهما وقد أمر الله تعالى عبديه المؤمن والكافر بالطاعة ونهاهما جميعا عن المعصية واقدرهما على ما كلفهما وازاح عللهما ولا يقال مع ذلك انه قد ساوى بينهما إلا ان يراد بالمساواة انه قد عدل فيهما ولم يظلم احدهما فذلك صحيح فإن قال إذا اوجبتم ان يفعل بعباده كل ما فيه صلاحهم في دينهم وفي اداء ما كلفهم فقد اوجبتم ان لما عنده مما فيه صلاحهم غاية ونهاية قلنا لسنا نقول ذلك بل نقول لا غاية لما عند الله تعالى مما فيه صلاح العباد ولا نهاية له ولا نفاد وان في سلطانه وقدرته امثالا لما فعله بهم مما فيه صلاحهم و


[ 54 ]

لكنه إنما ياتيهم من ذلك في كل وقت بقدر حاجتهم وما يعلم انه الاصلح لهم فإن قال فإذا كان الذي فعل بهم مما تقولون انه الاصلح لهم امثال فقد وجب إذا جمعت لهم تلك الامثال ان تكون اصلح لهم من الواحد قلنا لهم ليس يجب ذلك ومما يدل على ان القول ما قلناه انه يكون صلاح المريض مقدارا من الدواء ولذلك المقدار من الدواء امثال لو جمعت كلها له لصار تضررا عليه ولقتلته وكذلك الجائع قد يكون مقدار من الطعام فيه صلاحه ولذلك المقدار امثله لو ضمت فاكلها لعادت عليه ضررا ولامرضته وكذلك قد يكون معنى هو صلاح العبد في دينه وله امثال لو جمعت له لم يكن فيها صلاحه بل كان فيها ضرره وفساده وقد جاءت الاخبار عن آل محمد صلوات الله عليهم بان الله لا يفعل بعبده إلا اصلح الاشياء له اخبرني شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضى الله عنه قال اخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن عده من اصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن يحيى بن ابراهيم عن عاصم بن عبيد عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام انه قال الصبر والرضا عن الله راس طاعة الله ومن صبر ورضى عن الله بما قضى عليه فيما احب أو كره هو خير له وقد ظن من لا معرفة له انا لما قلنا ان الله تعالى يفعل بعباده الاصلح لهم انه يلزمنا على ذلك ان يكون ما يفعله باهل النار من العذاب اصلح لهم وقد رايت من اصحابنا من يلتزم ذلك ويقول قد اخبر الله تعالى عن أهل النار انهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه قال ولو ردوا وعادوا لاستحقوا من العذاب اكثر مما يفعل بهم في النار فالاقتصار بهم على ما هم فيه اصلح لهم وهذا غير صحيح والاصلح إنما هو التيسير الى فعل الطاعة وتسهيل الطريق التي هي تناولها وهذا لا يكون إلا في حال التكليف دون غيرها فاما الاية فانما تضمنت تكذيب أهل النار فيما قالوه لان الله تعالى اخبر عنهم فقال * (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا ونكون من المؤمنين) * الانعام فقال الله تعالى مكذبا لهم * (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون) * الانعام (فصل) من الكلام في الترك وقد اختار عبد السلام الجبائي لنفسه قولا قبيحا ضاهى فيه قول المجبرة ان الله تعالى يعذب العبد على ما لم يحدثه وزاد عليهم زيادة بانه قال انه يعذب العبد من غير فعل فعله ولا شئ اكتسبه وذلك لانه يقول ان ترك الطاعة التي افترضها الله تعالى واوجبها يجوز ان لا يكون فعلا ثم يعذب الله تعالى العبد لانه ترك وان لم يكن ترك


[ 55 ]

شيئا لا فعلا ولا كسبا وهذا قول انفرد به وراى استحدثه ثم تبعه معظم المعتزلة عليه من بعده والذي يدل على ان الله تعالى لا يعذب العبد الا على فعل فعله انا رأينا العذاب إنما يستحقه من يستحق الذم واللوم وراينا في الشاهد انا لا نستحسن ذم احد إلا وقد استقبحنا حالا حصل المذموم عليها متى ارتفعت من اوهامنا ارتفع استحساننا لذمه ومتى حصلت حسن ذمه حتى انه متى خفي امره فلم يعلم على أي حال هو لم يستحسن حمده ولا ذمه إلا بتعليقه بحال ما حصل عليها نستحسنها في عقولنا أو نستقبحها فنقول ان كان على كذا حسن حمده وقبح ذمه وان كان على كذا حسن ذمه وقبح حمده وكذلك من انتهى الى آخر اوقات الظهر حتى تيقن انه لم يبق من وقته إلا مقدار اربع ركعات من اخف ما يجزي وهو قادر ممكن ذاكر للواجب عليه من الصلاة فلم يصل فإن العقول لا تمتنع من استقباح حال هذا الانسان على أي هيئة حصل عليها من اضطجاع أو قعود أو قيام أو مشي أو غير ذلك من الهيئات التي تصح معها الصلاة وقد علمنا ان الاستقباح يتعلق بمستقبح فقد وجب ان يكون هناك قبيح وإذا كان هذا الاستقباح إنما يوجد عند وجود احدى تلك الهيئات ويعدم بعدمها لانها متى عدمت كان مصليا وجب ان تكون هي القبيح الذي تعلق به الاستقباح ولذلك ثبت حسن ذمه في عقولنا عند حصول هذا الاستقباح ووجود هذه الهيئة وإلا لم يحسن وإذا ثبت ان لهذه الهيئة حسن ذمه ثم استدللنا بدلائل حدوث هذه الهيئات ان هذه الهيئة حادثة من فعله صح بذلك انه لا يحسن ذم الانسان على فعله وكذلك سبيل سائر المستحقين للذم انهم لا يستحقون الا وقد جروا مجرى هذا التارك للصلاة وإذا كان الذم لا يحسن إلا لما قلنا وجب ان يكون العقاب لا يحسن الا له وذلك بين لمن تأمله فإن اعترضه معترض في هذا وقال ما تنكرون ان يكون الانسان يستحق الذم لانه لم يفعل ما وجب عليه إذا كان قد يحسن من العقلاء فيما بيننا إذا لاموا انسانا فقيل لهم لم لمتموه ان يقولوا لانه لم يفعل ما وجب عليه ويقتصروا على هذا القدر في استحقاق الذم قلنا انا لسنا نمنع من ان يكون الانسان يعبر عن الشئ ويريد غيره مما يتعلق به مجازا واستعارة أو لعادة جارية أو لدلالة قائمة فيعبر في حال بعبارة نفي والمراد بها اثبات ضد المنفى الا ترى انا نقول للانسان انت قادر على ان لا تمضى مع فلان وعلى ان لا تقوم معه وانا اريد منك ان لا تصحبه ولا تمشي معه والقدرة عندنا وعند مخالفينا إنما هي قدرة على ان


[ 56 ]

يفعل الشئ ليس على ان لا يفعل فقولنا أنت قادر على ان لا تمشي معه إنما نريد انه قادر على ان يفعل ضد الشئ وما لا يقع المشي معه وكذلك في الارادة وإذا كان هذا كما وصفنا لم يجز لعاقل ان يقتصر في هذا الباب على ما يطلقه الناس من عباراتهم ويدع التأمل للمعنى الذي تعلق به الذم في العقول وايضا فانا نعلم انهم كما يقولون لمن لم يصل اسات إذ لم تصل فكذلك يقولون له اسات في تركك الصلاة وتشاغلك عنها بما لا يجدى عليك في دين ولا دنيا وفرطت وضيعت وظلمت زيدا إذ منعته حقه الذي له عليك وفعلت ما لا يحل ولا يحمد فيعلقون الذم في ظاهر القول بافعال وقد علمنا انهم لم يقصدوا من الذم باحد القولين إلا الى ما يقصدونه بالاخر وفي أحد القولين الافصاح عن فعل عقلوه فوجب ان يكون هو المقصود بالقول الاخر وهو الفعل المعقول الذي هو الترك (فصل) واعلم ان الفاعل المحدث لا يخلو من اخذ أو ترك وهما فعلان متضادان فهو لا يعرب من الافعال في تعاقب الاضداد ولا يقال ان الله سبحانه لا يخلو من اخذ أو ترك لانه يصح ان يخلو من الافعال وليس هو بمحل للاعراض ولا لتعاقب الاضداد والترك في الحقيقة يختص بالمحدثين ولا يوصف الله تعالى به إلا على المجاز والاتساع ولا يصح ان يقال ان لم يزل تاركا في الحقيقة لأن ذلك يوجب انه لم يزل خاليا من الا فعال والقول الصحيح انه كان قبل خلقه ليس بفاعل ولا تارك متقدما لجميع الافعال فافهم ما ذكرناه (فصل) مما ورد في ذكر الظلم روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام انه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله اوحى الله تعالى الى نبي من انبيائه ابن آدم اذكرني عند غضبك اذكرك عند غضبي فلا امحقك فيمن امحق فإذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك فإن انتصاري خير من انتصارك لنفسك واعلم ان الخلق الحسن يذيب السيئة كما تذيب الشمس الجليد وان الخلق السئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل وروي عن رسول الله صلى الله عليه واله انه قال من ولي شيئا من امور امتي فحسنت سريرته لهم رزقه الله تعالى الهيبة في قلوبهم ومن بسط كفه لهم بالمعروف رزق المحبة منهم ومن كف يده عن اموالهم وقى الله عزوجل ماله ومن اخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنة مصاحبا ومن كثر عفوه مد في عمره ومن عم عدله نصر على عدوه ومن خرج من ذل المعصية الى عز الطاعة آنسه الله عزوجل بغير انيس واعانه بغير مال


[ 57 ]

وروى ان في التوراة مكتوبا من يظلم يخرب بيته ومصداق ذلك في كتاب الله عزوجل * (وتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) * النمل وقد قيل إذا ظلمت من دونك عاقبك من فوقك وقال رسول الله صلى الله عليه واله ان تعالى يمهل الظالم يقول حتى اهملني ثم إذا اخذه اخذه اخذة رابية وقال رسول الله صلى الله عليه واله ان الله تعالى حمد نفسه عند هلاك الظالمين فقال * (فقطع دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) * الانعام ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فانما يسعى في مضرته ونفعك وليس جزاء من سرك ان تسوءه ومن سل سيف البغي قتل به ومن حفر لاخيه بئرا وقع فيها ومن هتك حجاب اخيه هتكت عورات بيته بئس زاد الى المعاد العدوان على العباد اسد حطوم خير من سلطان ظلوم وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم اذكر عند الظلم عدل الله فيك وعند القدرة قدرة الله عليك (قال المتنبي) * واظلم خلق الله من بات حاسدا * لمن بات في نعمائه يتقلب * (فصل) قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما رايت ظلما اشبه بمظلوم من الحاسد نفس دائم وقلب هائم وحزن لازم وقال عليه السلام الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له إليه بخيل بما لا يملكه وقال عليه السلام الحسد ياكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وقال عليه السلام الحسد آفة الدين وحسب الحاسد ما يلقى وقال عليه السلام لا مروءة لكذوب ولا راحة لحوسد يكفيك من الحاسد انه يغتم وقت سرورك وقال عليه السلام الحسد لا يجلب إلا مضرة وغيظا يوهن قلبك ويمرض جسمك وشر ما استشعر قلب المرء الحسد تغنم ونق قلبك من الغل تسلم وقال عليه السلام الحسود سريع الوثبة بطئ العطفة الحسود مغموم واللئيم مذموم وقال عليه السلام لا غنى مع فجور ولا راحة لحسود ولا مودة لملوك وقال لقمان لابنه اياك والحسد فان يتبين فيك ولا يتبين فيمن تحسده وقال آخر ليس في خلال الشر خلة هي اعدل من الحسد لانه يقتل الحاسد قبل ان يصير الى المحسود وقال آخر إذا مطر التحاسد نبت التفاسد و قال آخر كل الناس اقدر ان ارضيهم إلا الحاسد فانه لا يرضيه إلا زوال نعمتي انشدت للشريف الرضى أبي الحسن محمد الموسوي (شعر) * لو كنت احسد ما تجاوز خاطري * حسد النجوم على بقاء السرمد * لا تغبطن على ترادف نعمة * شخصا تبيت له المنون بمرصد * إذ ليس بعد بلوغه آماله * افضى الى عدم كان لم يوجد * (فصل) * لا تخضعن لمترف متكبر * ان كان ذا مال وأنت عديما * واصبر على مضض الزمان وعيبه * حتى يساعد أو تموت كريما * فلأن يموت المرء غير مذمم * خير له من ان يعيش ذميما * غيره في الياس عز واتباع * مطامع الامال ذل * وطلاب ما لم يقض صعب * وهو في المقدور سهل * (غيره وهو ضمرة التميمي) * وللموت


[ 58 ]

خير للفتى من علاقة * من العار يرميه بها كل قائل * وانشدني الشريف أبو الحسن علي ابن عبد الله بن حمزة قال انشدني أبو طاهر الخوارزمي للقاضي الجرجاني يقولون * لي فيك انقباض وإنما راو رجلا عن موقف الذل احجما * إذا قيل هذا مورد قلت قد ارى * ولكن نفس الحر تحتمل الظما * وما كل برق لاح لي يستفزني * ولا كل من لاقيت ارضاه منعما * ولو ان أهل العلم صانوه صانهم * ولو عظموه في النفوس تعظما * ولكنهم قد دنسوه وعرضوا * محياه للاطماع حتى تجهما * ولم ابتذل في خدمة العلم مهجتي * لاخدم من لاقيت الا لاخدما * ااغرسه عزا واجنيه ذله * إذا فاتباع الجهل قد كان اجرما * (وانشدت لعبد المحسن الصوري) * كد كد العبد ان احببت ان تحسب حرا * واقطع الامال من جود بني آدم طرا * لا تقل ذا مكسب يزري ففضل الناس ازرى * (فصل) في الصبر روى عن رسول الله صلى الله عليه واله انه قال الصبر ستر من الكروب وعون على الخطوب وقال صلى الله عليه واله بالصبر يتوقع الفرج ومن يدمن قرع الباب يلج وقال عليه واله السلام الصبر صبران صبر عند البلاء وافضل منه الصبر عند المحارم ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام الصبر مطية لا تكبو والقناعة سيف لا ينبو من كنوز الايمان الصبر على المصائب الصبر جنة من الفاقة اطرح عنك الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين من صبر ساعة حمد ساعات الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا ايمان لمن لا صبر له افضل العبادة الصبر والصمت وانتضار الفرج الصبر على ثلاثة اوجه صبر على المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية من ركب مراكب الصبر اهتدى الى ميدان النصر من جعل الصبر له واليا لم يلف بحادث مباليا وقال عليه السلام للاشعث بن قيس يعزيه ان صبرت صبر الاكارم والا سلوت سلو البهائهم وقال بعض الحكماء انك لن تنال القليل مما تحب الا بالصبر على الكثير مما تكره وقال آخر افضل العدة الصبر على الشدة وقال آخر بالصبر على مرارة العاجل ترجي حلاوة الاجل وقال آخر الصبر كاسمه وثمرته ثمرته لبعض اصبر لدهر نال منك فهكذا مضت الدهور فرح وحزن مرة لا الحزن دام ولا السرور كتب رجل الى اخيه الصبر مجنة المؤمن وسرور الموقن وعزيمة المتوكل وسبب درك الحاجة وإنما يوفى الصابرون اجورهم بغير حساب * قال ديك الجن من كان يبغي الذل في دهره * فليطلع الناس على فقره * للفتى ان عضه دهره * معول اكرم من صبره * وكان يقال العافية عشرة اجزاء فتسعة منها في الصبر والعاشر في التفرد عن الناس لبعضهم * اما ترى ان الصبر اجمل للفتى * إذا ضاق أمر لم يجد عنه


[ 59 ]

مخرجا * فما صفت الدنيا لصاحب نعمة * ولا اشتد أمر قط إلا تفرجا * (وقيل) ان الادب هو الصبر على الغصة حتى تدرك الفرصة (لاخر) * ولما امتطيت صروف الزمان * واسلمت للدهر طوعا قيادي * تزودت صبرا لوعثائه * وزاد اخي للصبر من خير زاد * ولم يضع الصبر قدر امرئ * وهل يضيع الترب اثر النجاد * (فصل) اخبرني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن صخر قال حدثنا أبو شجاع فارس بن موسى العرضي بالبصرة قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن محمد بن شيبة الكوفي ببغداد قال حدثنا أبو نعيم محمد بن يحيى الطوسي السراج قال حدثنا محمد بن خالد الدمشقي قال حدثنا سعيد بن محمد بن عبد الرحمن بن خارجة الرقي قال قال معاوية بن العضلة كنت في الوفد الذين وجههم عمر بن الخطاب وفتحنا مدينة حلوان وطلبنا المشركين في الشعب فلم نقدر عليهم فحضرت الصلاة فانتهيت الى ماء فنزلت عن فرسي واخذت بعنانه ثم توضأت واذنت فقلت الله اكبر الله اكبر فأجابني شئ من الجبل وهو يقول كبرت كبيرا بكبيرا ففزعت لذلك فزعا شديدا ونظرت يمينا وشمالا فلم ار شيئا فقلت اشهد ان لا اله إلا الله فأجابني وهو يقول الان حين اخلصت فقلت اشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه واله فقال نبي بعث فقلت حى على الصلاة فقال فريضة افترضت فقلت حي على الفلاح فقال قد افلح من اجابها واستجاب لها فقلت قد قامت الصلاة فقال البقاء لامة محمد صلى الله عليه واله وعلى راسها تقوم الساعة فلما فرغت من اذاني ناديت باعلى صوتي حتى اسمعت ما بين لابتي الجبل فقلت انسي ام جني قال فاطلع راسه من كهف الجبل فقال ما انا بجني ولكني انسي فقلت له من أنت يرحمك الله قال انا ذريب بن ثملا من حواري عيسى بن مريم عليه السلام اشهد ان صاحبكم نبي وهو الذي بشر به عيسى بن مريم عليه السلام ولقد اردت الوصول إليه فحالت بيني وبينه فارس وكسرى واصحابه ثم ادخل راسه في كهف الجبل فركبت دابتي ولحقت بالناس وسعد بن أبي وقاص اميرنا فاخبرته بالخبر فكتب بذلك الى عمر بن الخطاب فجاء كتاب عمر يقول الحق الرجل فركب سعد وركبت معه حتى انتهينا الى الجبل فلم نترك كهفا ولا شعبا ولا واديا إلا التمسناه فلم نقدر عليه وحضرت الصلاة فلما فرغت من صلاتي ناديت باعلى صوتي يا صاحب الصوت الحسن والوجه الجميل قد سمعنا منك كلاما حسنا فاخبرنا من أنت يرحمك الله اقررت بالله تعالى ووحدانيته قال فاطلع راسه من كهف الجبل فإذا شيخ ابيض الراس واللحية له هامة كأنها رحى فقال السلام عليكم ورحمه الله قلت وعليك السلام ورحمه الله من أنت يرحمك الله قال انا ذريب بن ثملا وصي العبد الصالح عيسى بن مريم عليه السلام كان سئل ربه لي البقاء الى نزوله من السماء وقراري في هذا الجبل وانا موصيكم سددوا


[ 60 ]

وقاربوا واياكم وخصالا تظهر في امة محمد صلى الله عليه واله فإن ظهرت فالهرب الهرب ليقوم احدكم على نار جهنم حتى تطفا عنه خير له من البقاء في ذلك الزمان قال معاوية بن الفضلة قلت له يرحمك الله اخبرنا بهذه الخصال لنعرف ذهاب دنيانا واقبال آخرتنا قال نعم إذا استغنى رجالكم برجالكم واستغنت نساؤكم بنسائكم وانتسبتم الى غير مناسبكم وتوليتم الى غير مواليكم ولم يرحم كبيركم صغيركم ولم يوقر صغيركم لكبيركم وكثر طعامكم فلم تروه إلا غلاء اسعاركم وصارت خلافتكم في صبيانكم وركن علماؤكم الى ولاتكم فاحلوا الحرام وحرموا الحلال وافتوهم بما يشتهون واتخذوا القرآن الحانا ومزامير في اصواتهم ومنعتم حقوق الله من اموالكم ولعن آخر امتكم اولها وزوقتم المساجد وطولتم المنابر وحليتم المصاحف بالذهب والفضة وركب نساؤكم السروج وصار مستشار اموركم نساءكم و خصيانكم واطاع الرجل امراته وجفى وعق والديه وضرب شاب والدته وقطع كل ذي رحم رحمه وبخلتم بما في ايديكم وصارت اموالكم عند شراركم وكنزتم الذهب والفضة وشربتم الخمر ولعبتم بالميسر وضربتم بالكبر ومنعتم الزكاة و رأيتموها مغرما والخيانة مغنما وقتل البرئ لتتعظ العامة بقتله واختلست قلوبكم فلم يقدر احد منكم يامر با لمعروف ولا ينهى عن المنكر وقحط المطر فصار قيضا والولد غيظا واخذتم العطاء فصار في السقاط وكثر اولاد الخبيثة يعنى الزنا وطففت المكيال وكلب عليكم عدوكم وضربتم بالذلة وضربتم بالمذلة وصرتم اشقياء وقلت الصدقة حتى يطوف الرجل من الحول الى الحول ما يعطى عشرة دراهم وكثر الفجور وغارت العيون فعندها نادوا فلا جواب لهم يعنى دعوا فلم يستجب لهم شرح قوله (فصل) اعلم ايدك الله تعالى ان قوله في هذا الخبر ولعن آخر امتكم اولها مما يظن الناصبي ان فيه طعنا علينا لما نحن عليه من ذم المعتدلين بعد رسول الله صلى الله عليه واله وذلك ظن فاسد لانا انما نلعن من ثبت عندنا ظلمه وقد لعن الله تعالى الظالمين فقال * (إلا لعنه الله على الظالمين) * هود واخبر النبي صلى الله عليه واله بان من اصحابه من يغير بعده ويبدل ويغوى ويفتن ويضل ويظلم ويستحق العقاب الاليم والخلود في الجحيم فمما رووا عنه في ذلك قوله عليه السلام لاصحابه لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في حجر ضب لاتبعتموهم فقالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن اذن وقوله صلى الله عليه واله وقد ذكرت عنده فتنة الدجال لا فاني لفتنة بعضكم اخوف منى لفتنة الدجال وقوله صلى الله عليه واله لاصحابه انكم محشورون الى الله يوم القيامة حفاة عراة وانه سيجاء برجال من امتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فاقول يا رب اصحابي فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك


[ 61 ]

انهم لا يزالون مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم وقوله صلى الله عليه واله في حجة الوداع لاصحابه إلا لاخبرنكم ترتدون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض إلا اني قد شهدت وغبتم وقوله صلى الله عليه واله في مرضه الذي توفى فيه اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها اولها الاخرة شر من الاولى وقوله صلى الله عليه واله تكون لاصحابي بعدي زلة يعمل بها قوم يكبهم الله عزوجل في النار على مناخرهم وحدثني من طريق العامة أبو محمد عبد الله بن عثمان بن حماس بمدينة الرملة قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن محبوب قال حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني قال حدثنا كثير بن عبيد أبو الحسن الحذاء قال حدثنا محمد بن حمير عن مسلمة بن علي عن عمر بن ذرة عن قلابة الحرمي عن أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة الجراح عن عمر بن الخطاب قال اخذ رسول الله صلى الله عليه واله بلحيتي وانا اعرف الحزن في وجهه فقال يا عمر انا لله وانا إليه راجعون اتاني جبرائيل آنفا فقال انا لله وانا إليه راجعون فقلت اجل فانا لله وانا إليه راجعون فمم ذاك يا جبرئيل قال ان امتك مفتنة بعدك بقليل من الدهر غير كثير فقلت فتنة كفر أو فتنة ضلالة قال كل سيكون فقلت فمن اين ذلك وانا تارك فيهم كتاب الله قال بكتاب الله يضلون واول ذلك من قبل امرائهم وقرائهم يمنع الامراء الحقوق فيسئل الناس حقوقهم فلا يعطونها فيفتتنوا ويقتلوا يتبع القراء هؤلاء الامراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون فقلت يا جبرائيل فبم يسلم من يسلم منهم قال با لكف والصبر ان اعطوا الذي لهم اخذوه وان منعوهم تركوه فهذا بعض ما ورد من الاخبار في انه قد كان بعد رسول الله صلى الله عليه واله من ضل واضل وظلم وغشم ووجب لعنه والبراءه منه من فعله فاما الوجه في اللعن الذي يجب ان يحمل عليه ما تضمنه الخبر الذي اوردناه من قوله صلى الله عليه واله ولعن آخر امتكم اولها فهو ما استحله الظالمون المبغضون لامير المؤمنين عليه السلام من لعنه والمجاهرة بسبه وذمه فلسنا نشك في انه قد تبرأت منه الخوارج ولعنه معاوية ومن بعده من بني امية على المنابر وتقرب اكثر الناس الى ولاة الجور بذمه ونشا اولادهم على سماع البراءة منه وسبه حدثني القاضي أبو الحسن اسد بن ابراهيم بن كليب السلمي الحراني رحمة الله عليه بمدينة الرملة من نقل العامة قال اخبرني أبو حفص حمر بن علي العتكي الخطيب قال حدثني أحمد بن محمد بن سليمان الجوهري قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن السبري قال حدثنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن عبد الرحمن بن السائب عن أبيه قال جمعنا زياد في الرحبة فملا منا الرحبة والقصر وحملنا على شتم علي بن أبي طالب والبراءي منه والناس في أمر عظيم قال ابي فهومت براسي هويمة فإذا شئ اهدب اهدل ذو مشفر طويل مد الي من السماء الى الأرض ففزعت وقلت من أنت قال انا النقاد ذو الرقبة ارسلني ربي الى صاحب هذا القصر


[ 62 ]

فانتبهت فحدثت اصحابي فقالوا أنت مجنون فما برحنا ان خرج الاذن فقال انصرفوا فإن الامير قد شغل وإذا الفالج قد ضربه قال فانشا عبد الرحمن يقول * ما كان منتهيا عما اراد بنا * حتى تناوله النقاد ذو الرقبة * فاسقط الشق منه حربة ثبتت * كما تناول ظلما صاحب الرحبة * وحدثني السلمي قال اخبرني العتكي قال اخبرنا محمد بن الحسين الخزاعي الهمداني فيما قرات عليه ان محمود بن مثوبة الواسطي حدثهم قال حدثنا القاسم بن عيسى قال حدثنا رحمة بن مصعب بن الباهلي قال حدثنا قرة بن خالد عن أبي رجاء العطاردي قال لا تسبوا هذا الرجل يعني عليا عليه السلام فإن رجلا سبه فرماه الله بكوكبين في عينيه وحدثني السلمي ايضا قال اخبرني العتكي قال اخبرنا أبو جعفر محمد بن صالح الرازي وراق أبي ذرعة الرازي بمكة سنة ست وثلاثمائة قال حدثنا أبو ذرعة الرازي قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الملك قال حدثني ابن أبي فديك قال حدثني عبد الرحمن ابن عبد الله بن أبي نعيم عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال كنت مستندا الى المقصورة وخالد بن عبد الملك على المنبر يخطب وهو يؤذي عليا عليه السلام في خطبته فذهب بي النعاس فرايت القبر قد انفرج فاطلع منه مطلع فقال آذيت رسول الله لعنك الله وحدثني ايضا السلمي قال اخبرني العتكي قال اخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب البغدادي ويعرف بابن نساوران بانطاكية قال حدثني أبو سعيد الحسن بن عثمان بن زياد الخلال التستري بتستر قال حدثني أحمد بن حماد الطهري قال حدثنا عبد الرزاق بن معمر عن الزبيري عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه واله قال ان الله تبارك وتعالى حبس قطر المطر عن بني اسرائيل بسوء رأيهم في انبيائهم و انه حابس قطر المطر عن هذه الامة ببغضهم علي بن أبي طالب عليه السلام وحدثني السلمي قال اخبرني العتكي قال حدثني أبو عبد الله أحمد بن جعفر الجوهري قال حدثنا أحمد بن علي المروزي قال حدثنا الحسن بن شعيب قال حدثنا خلف بن أبي هارون العبدي قال كنت جالسا عند عبد الله بن عمر فاتى رافع بن الازرق فقال والله اني لابغض عليا فرفع ابن عمر راسه فقال ابغضك الله اتبغض ويحك رجلا سابقة من سوابقه خير من الدنيا بما فيها فقد بان بما ذكرناه ورويناه ان آخر هذه الامة لعن اولها وان متاخرها سب سابقها فاللعن متوجه في الخبر المتقدم الى مبغضي امير المؤمنين عليه السلام والقادحين فيه وحدثنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي بمكة في المسجد الحرام محاذي المستجار سنة اثنتي عشرة واربعمائة قال اخبرني أبو محمد بن أحمد بن الحسين الشامي من كتابه قال حدثني أحمد بن زياد القطان في دكانه بدار القطن قال حدثنا يحيى بن أبي طالب قال حدثنا عمرو بن عبد الغفار قال حدثنا الاعمش عن


[ 63 ]

أبي صالح عن أبي هريرة قال كنت عند النبي صلى الله عليه واله إذ اقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه واله اتدري من هذا قلت هذا علي بن أبي طالب فقال النبي صلى الله عليه واله هذا البحر الزاخر هذا الشمس الطالعة اسخى من الفرات كفا واوسع من الدنيا قلبا فمن ابغضه فعليه لعنة الله وحدثنا الشيخ الفقيه ابن شاذان رحمه الله قال حدثنا سهل بن أحمد عن احمد بن عبد الله الديباجي رحمه الله قال حدثنا محمد بن محمد بن محمد بن الاشعث بمصر قال حدثنا موسى بن اسماعيل عن أبيه قال حدثني موسى بن جعفر عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه عن الحسين بن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله دخلت الجنة فرايت على بابها مكتوبا بالذهب لا اله إلا الله محمد حبيب الله علي بن ابي طالب ولي الله فاطمة آية الله الحسن والحسين صفوتا الله على مبغضيهم لعنة الله وحدثنا ابن شاذان ايضا قال حدثني أبو حفص عمر بن ابراهيم أحمد بن كثير المقري المعروف بالكناني قال حدثني عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا عبد الملك بن عمير قال حدثنا سالم البزاز قال حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله خير هذه الامة من بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فمن قال غير هذا فعليه لعنة الله ومما حدثنا به الشيخ الفقيه أبو الحسن بن شاذان رحمه الله قال حدثني أبي رضي الله عنه قال حدثنا ابن الوليد محمد بن الحسن قال حدثنا الصفار محمد بن الحسين قال حدثنا محمد بن زياد عن مفضل بن عمر عن يونس بن يعقوب رضي الله عنه قال سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول ملعون ملعون كل بدن لا يصاب في كل اربعين يوما قلت ملعون قال ملعون فلما راى عظم ذلك علي قال الي يا يونس ان من البلية الخدشة واللطمة والعثرة والنكبة والفقر وانقطاع الشسع واشباه ذلك يا يونس ان المؤمن اكرم على الله تعالى من ان يمر عليه اربعون يوما لا يمحص فيها من ذنوبه ولو بغم يصيبه لا يدري ما وجهه وان احدكم ليضع الدراهم بين يديه فيراها فيجدها ناقصة فيغتم بذلك فيجدها سواء فيكون ذلك حطا لبعض ذنوبه يا يونس ملعون ملعون من آذى جاره ملعون ملعون رجل يبداه اخوه بالصلح فلم يصالحه ملعون ملعون حامل للقرآن مصر على شرب الخمر ملعون ملعون عالم يؤم سلطانا جائرا معينا له على جوره ملعون ملعون مبغض علي بن أبي طالب عليه السلام فانه ما ابغضه حتى ابغض رسول الله صلى الله عليه واله ومن ابغض رسول الله صلى الله عليه واله لعنه الله تعالى في الدنيا والاخرة ملعون ملعون من رمى مؤمنا بكفر ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله ملعونة ملعونة امراة تؤذي زوجها وتغمه وسعيدة سعيدة امراة تكرم زوجها ولا تؤذيه وتطيعه في جميع احواله يا يونس قال جدي رسول الله صلى الله عليه واله ملعون ملعون من يظلم بعدي فاطمة ابنتي ويغصبها حقها ويقتلها ثم قال يا فاطمة البشرى فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك و


[ 64 ]

شيعتك فتشفعين يا فاطمة لو ان كل نبي بعثه الله وكل ملك قربه شفعوا في كل مبغض لك غاصب لك ما اخرجه الله من النار ابدا ملعون ملعون قاطع رحمه ملعون ملعون مصدق بسحر ملعون ملعون من قال الايمان قول بلا عمل ملعون ملعون من وهب الله له مالا فلم يتصدق منه بشئ اما سمعت ان النبي صلى الله عليه واله قال صدقة درهم افضل من صلاة عشر ليال ملعون ملعون من ضرب والده أو والدته ملعون ملعون من عق والديه ملعون ملعون من لم يوقر المسجد اتدري يا يونس لم عظم الله تعالى حق المساجد وانزل هذه الاية * (وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا) * كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم اشركوا بالله تعالى فامر الله سبحانه نبيه ان يوحد الله تعالى فيها ويعبده رسالة كتبتها أحد الاخوان وسميتها بالقول المبين عن وجوب مسح الرجلين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد رسوله خاتم النبيين وآله الطاهرين سالت يا اخي ايدك الله تعالى في ان اورد لك من القول في مسح الرجلين ما يتبين لك به وجوبه وصحة مذهبنا فيه وصوابه وانا اجيبك الى ما سالت واورد مختصرا نطلب به ما طلبت بعون الله وتوفيقه (اعلم) ان فرض الرجلين عندنا في الوضوء هو المسح دون الغسل ومن غسل فلم يؤد الفرض وقد وافقنا على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين كابن عباس رحمه الله وعكرمة وانس وأبي العالية والشعبي وغيرهم (ودليلنا) على ان فرضهما المسح قول الله تعالى * (يا ايها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين) * النساء فتضمنت الاية جملتين صرح فيهما بحكمين بدأ في الجملة الاولى بغسل الوجوه ثم عطفت الايدي عليها فوجب لها من الحكم بحقيقة العطف مثل حكمها ثم بدأ في الجملة الثانية بمسح الرؤوس ثم عطف الارجل عليها فوجب ان يكون لها من الحكم بحقيقة العطف مثل حكمها حسبما اقتضاه العطف في الجملة التي قبلها ولو جاز ان يخالف في الجملة الثانية بين حكم الرؤوس والارجل المعطوفة عليها لجاز ان يخالف في الجملة الاولى بين حكم الوجوه والايدي المعطوفة عليها فلما كان هذا غير جائز كان الاخر مثله فعلم وجوب حمل كل عضو معطوف في جملة على ما قبله وفيه كفاية لمن تأمله فإن قال قائل انا نجد اكثر القراء يقراون الاية بنصب الارجل فيكون الارجل في قراءتهم معطوفة على الايدي وذلك موجب للغسل قيل له أما الذين قراوه بالنصب من السبعة فليسوا باكثر من الذين قراوا بالجر بل هم مساوين


[ 65 ]

لهم في العدد وذلك ان ابن كثير وأبا عمرو وابا بكر وحمزة عن عاصم قراوا ارجلكم بالجر ونافعا وابن عامر والكسائي وحفصا عن عاصم قراوا وارجلكم بالنصب وقد ذكر العلماء بالعربية ان العطف من حقه ان يكون على اقرب مذكور دون ابعده هذا هو الاصل وما سواه عندهم تعسف وانصراف عن حقيقة الكلام الى التجوز من غير ضرورة تلجئ الى ذلك وفيه ايقاع للبس وربما صرف المعنى عن مراد القائل الا ترى ان رئيسا لو اقبل على صاحب له فقال له اكرم زيدا وعمرا واضرب بكرا وخالدا كان الواجب على الصاحب ان يميز بين الجملتين من الكلام ويعلم انه ابتداء في كل واحدة منهما ابتداء عطف باقي الجملة عليه دون غيره وان بكرا في الجملة الثانية معطوف على خالد كما ان عمرا في الجملة الاولى معطوف على زيد ولو ذهب هذا المأمور الى ان بكرا معطوف على عمرو لكان قد انصرف عن الحقيقة ومفهوم الكلام في ظاهره وتعسف تعسفا صرف به الامر عن مراد الامر به فاداه ذلك الى اكرام من أمر بضربه (ووجه آخر) وهو ان القراءة بنصب الارجل غير موجبة ان تكون معطوفة على الايدي بل تكون معطوفة على الرؤوس في المعنى دون اللفظ لأن موضع الرؤوس نصب لوقوع الفعل الذي هو المسح وإنما انجرت بعارض وهو الباء و العطف على الموضع دون اللفظ جائز مستعمل في لغة العرب الا تراهم يقولون مررت بزيد وعمرا ولست بقائم ولا قاعدا قال الشاعر * معاوي اننا بشر فاسحج * فلسنا بالجبال ولا الحديدا * والنصب في هذه الامثلة كلها إنما هو العطف على الموضع دون اللفظ فيكون على هذا من قرا الاية بنصب الارجل كمن قراها بجرها وهي في القرآن جميعا معطوفة على الرؤوس التي هي اقرب إليها في الذكر من الايدي ويخرج ذلك عن طريق التعسف ويجب المسح بهما جميعا والحمد لله (وشئ آخر) وهو ان حمل الارجل في النصب على ان تكون معطوفة على الرؤوس اولى من حملها على ان تكون معطوفة على الايدي وذلك ان الاية قد قرئت بالجر والنصب معا والجر موجب للمسح لانه عطف على الرؤوس فمن جعل النصب إنما هو لعطف الارجل على الايدي اوجب الغسل وابطل حكم القراءة بالجر الموجب للمسح ومن جعل النصب إنما هو لعطف الارجل على موضع الرؤوس اوجب المسح الذي اوجبه الجر فكان مستعملا للقرائتين جميعا غير مبطل لشئ منهما ومن استعملهما فهو اسعد ممن استعمل احدهما (فإن قيل) ما انكرتم ان يكون استعمال القرائتين انما هو بغسل الرجلين وهو احوط في الدين وذلك ان الغسل ياتي على المسح ويزيد عليه فالمسح داخل فيه فمن غسل فكانما مسح وغسل وليس كذلك من مسح لأن الغسل غير داخل في المسح (قلنا) هذا غير صحيح لأن الغسل


[ 66 ]

والمسح فعلان كل واحد منهما غير الاخر وليس بداخل فيه ولا قائم مقامه في معناه الذي يقتضيه ويتبين ذلك ان الماسح كانه قيل له اقتصر فيما تتناوله من الماء على ما يندى به العضو الممسوح والغاسل كأن انما قيل له لا تقتصر على هذا القدر بل تتناول من الماء ما يسيل ويجري على العضو المغسول فقد تبين ان لكل واحد من الفعلين كيفية يتميز بها عن الاخر ولو لا ذلك لكان من غسل راسه فقد اتى على مسحه ومن اغتسل للجمعة فقد اتى على وضوئه هذا مع اجماع أهل اللغة والشرع على ان المسح لا يسمى غسلا والغسل لا يسمى مسحا (فإن قيل) لم زعمتم ذلك وقد ذهب بعض المفسرين الى ان معنى قوله سبحانه * (فطفق مسحا بالسوق والاعناق) * انه غسل سوقها واعناقها فسمي الغسل مسحا (قلنا) ليس هذا مجمعا عليه في تفسير هذه الاية وقد ذهب قوم الى انه اراد المسح بعينه وقال أبو عبيدة والفراء وغيرهما انه اراد بالمسح الضرب وبعد فإن من قال انه اراد بالمسح الغسل لا يخالف في ان تسمية الغسل مسحا مجاز واستعارة وليس هو على الحقيقة ولا يجوز لنا ان نصرف كلام الله تعالى عن حقائق ظاهرة إلا بحجة صارفة (فإن قال) ما تنكرون من ان يكون جر الارجل في القراءة إنما هو لاجل المجاورة لا للنسق فإن العرب قد تعرب الاسم باعراب ما جاوره كقولهم حجر ضب خرب فجروا خربا لمجاورته لضب وان كان في الحقيقة صفة للحجر لا للضب فتكون كذلك الارجل إنما جرت لمجاورتها في الذكر لمجرور وهو الرؤوس قال امروء القيس * كان ثبيرا في عرانين وبله * كبير اناس في بجاد مزمل * فجر مزملا لمجاورته لبجاد وان كان من صفات الكبير لا من صفات البجاد فتكون الارجل على هذا مغسولة وان كانت مجرورة (قلنا) هذا باطل من وجوه اولها اتفاق أهل العربية على ان الاعراب بالمجاورة شاذ نادر ولا يقاس عليه وانما ورد مسموعا في مواضع لا يتعداها الى غيرها وما هذا سبيل فلا يجوز حمل القرآن عليه من غير ضرورة يلجا إليه وثانيها ان المجاورة لا يكون معها حرف عطف وهذا ما ليس فيه بين العلماء خلاف وفي وجود واو العطف في قوله تعالى وارجلكم دلالة على بطلان دخول المجاورة فيه وصحة العطف وثالثها ان الاعراب بالجوار انما يكون بحيث ترتفع الشبهة عن الكلام ولا يعترض اللبس في معناه الا ترى ان الشبهة زائلة والعلم حاصل في قولهم حجر ضب خرب بان خربا صفة للحجر دون الضب وكذلك ما انشد في قوله مزمل وان من صفات الكبير دون البجاد وليس هكذا الاية لأن الارجل يصح ان يكون فرضها المسح كما يصح ان يكون الغسل فاللبس مع المجاورة فيها قائم والعلم بالمراد منها مرتفع فبان بما ذكرناه ان الجر فيها ليس هو بالمجاورة والحمد لله فان قيل كيف ادعيتم ان المجاورة لا تجوز مع واو العطف وقد قال الله عزوجل * (يطوف عليهم ولدان مخلدون باكواب واباريق) * ثم قال


[ 67 ]

وحور عين فخفضهن بالمجاورة لانهن يطفن ولا يطاف بهن قلنا اول ما في هذا ان القراء لم يجمعوا على جر حور عين بل اكثر السبعة يرى ان الصواب فيها الرفع وهم نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي عمرو وابن عامر وإنما قراها بالجر حمزة والكسائي وفي رواية المفضل عن عاصم وقد حكى عن أبي عبيدة انه كان ينصب فيقرا وحورا عينا ثم ان للجر فيها وجها صحيحا غير المجاورة وهو انه لما تقدم قوله تعالى * (اولئك المقربون في جنات النعيم) * الواقعة عطف بحور عين على جنات النعيم فكأنه قال هم في جنات النعيم وفي مقارنة أو معاشرة حور عين وحذف المضاف وهذا وجه حسن وقد ذكره أبو علي الفارسي في كتاب الحجة في القرآن واقتصر عليه دون ما سواه ولو كان للجر وبالمجاورة فيه وجه لذكره (فإن قيل) ما انكرتم من ان تكون القراءة بالجر موجبة للمسح إلا انه متعلق بالخفين لا بالرجلين وان تكون القراءة بالنصب موجبة للغسل المتعلق بالرجلين باعيانهما فيكون للاية قراءتان مفيدة لكلا الامرين (قلنا) انكرنا ذلك لانه انصراف عن ظاهر القرآن والتلاوة الى التجوز و الاستعارة من غير ان تدعو إليه ضرورة ولا اوجبته دلالة ذلك خطا لا محالة والظاهر يتضمن ذكر الارجل باعيانها فوجب ان يكون المسح متعلقا بها دون غيرها كما انه يتضمن ذكر الرؤوس وكان الواجب المسح بها انفسها دون اغيارها ولا خلاف في ان الخفاف لا يعبر عنها بالارجل كما ان العمائم لا يعبر عنها بالرؤوس ولا البراقع بالوجوه فوجب ان يكون الغرض متعلقا بنفس المذكور دون غيره على جميع الوجوه ولو شاع سوى ذلك في الارجل حتى تكون هي المذكورة والمراد من سواها لشاع نظيره في الوجوه والرؤوس ولجاز ايضا ان يكون قوله سبحانه * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف) * المائدة محمولا على غير الابعاض المذكورة ولا خلاف في ان هذه الاية دالة بظاهرها على قطع الايدي والارجل باعيانها وانه لا يجوز ان يتصرف عن دليل التلاوة وظاهرها فكذلك آية الطهارة لانها مثلها (فإن قيل) ان عطف الارجل على الايدي اولى من عطفها على الرؤوس لاجل ان الارجل محدودة كاليدين وعطف المحدود على المحدود اشبه بترتيب الكلام (قلنا) لو كان ذلك صحيحا لم يجز عطف الايدي وهي محدودة (ذكر عضوا مغسولا غير محدود وهو الوجه وعطف عليه من الايدي بمحدود مغسول ثم ذكر عضوا على الوجوه وهي غير محدودة) في وجود ذلك وصحة اتفاق الوجوه والايدي في الحكم مع اختلافهما في التحديد دلالة على صحة عطف الارجل على الرؤوس واتفاقهما في الحكم وان اختلفا في التحديد على ان هذا اشبه بترتيب الكلام مما ذكره الخصم لأن الله تعالى ذكر


[ 68 ]

عضوا ممسوحا غير محدود وهو الراس وعطفه عليه من الارجل بممسوح محدود فتقابلت الجملتان من حيث عطف فيهما مغسول محدود على مغسول وغير محدود وممسوح محدود على ممسوح غير محدود فاما من ذهب الى التخيير وقال انا مخير في ان امسح الرجلين واغسلهما لأن القراءتين تدل على الامرين كليهما مثل الحسن البصري والجبائي ومحمد بن جرير الطبري ومن وافقهم فيسقط قولهم بما قدمناه من ان القراءتين لا يصح ان تدلا إلا على المسح وانه لا حجة لمن ذهب الى الغسل وإذا وجب المسح بطل التخيير وقد احتج الخصوم لمذهبهم من طريق القياس فقالوا ان الارجل عضو يجب فيه الدية امرنا بايصال الماء إليه (فوجب ان يكون مغسولا كاليدين وهذا احتجاج باطل وقياس فاسد لأن الراس عضو يجب فيه الدية وقد امرنا بايصال الماء إليه) وهو مع ذلك ممسوح ولو تركنا والقياس لكان لنا منه حجة هي اولى من حجتهم وهي ان الارجل عضو من اعضاء الطهارة الصغرى يسقط حكمه في التيمم فوجب ان يكون فرضه المسح دليله الراس فإن قالوا هذا ينتقض عليكم بالجنب لان غسل جميع بدنه واعضائه يسقط في التيمم وفرضه مع ذلك الغسل وقد احترزنا من هذا بقولنا ان الارجل عضو من اعضاء الطهارة الصغرى فلا يلزمنا بالجنب نقض على هذا فإن قال قائل فما تصنعون في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه واله انه توضأ فغسل وجهه وذراعيه ثم مسح راسه وغسل رجليه وقال هذا وضوء الانبياء من قبلي هذا الذي لا تقبل الصلاة إلا به قيل هذا الخبر الذي ذكرته مختلط من وجهين رواهما اصحابك احدهما ان النبي صلى الله عليه واله توضأ مرة مرة وقال هذا الذي لا يقبل الله صلاة إلا به ولم يات في الخبر كيفية الوضوء والاخر ان النبي صلى الله عليه واله غسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ومسح راسه وغسل رجليه الى الكعبين فقال هذا وضوئي ووضوء الانبياء من قبلي ولم يقل لم يقبل الله صلاة إلا به فخلطت روايتك أحد الخبرين بالاخر لبعدك من معرفة الاثر وبعد فلو كانت الرواية على ما اوردته لم يكن لك فيها حجة لأن الخبر إذا خالف ما دل عليه القرآن وجب اطراحه والمصير الى القرآن دونه ولو سلمنا لك باللفظ الذي تذكره بعينه كان لنا ان نقول ان النبي صلى الله عليه واله مسح رجليه في وضوئه ثم غسلهما بعد المسح لتنظيف أو تبريد أو نحو ذلك مما ليس هو داخلا في الوضوء فذكر الراوي الغسل ولم يذكر المسح الذي كان قبله أما لانه لم يشعر به لعدم تأمله أو لنسيان اعترضه أو لظنه ان المسح لا حكم له وان الحكم للغسل الذي بعده أو لغير ذلك من الاسباب وليس هذا بمحال فإن قال فقد روى عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال ويل للاعقاب من النار فلو كان ترك غسل العقب في الوضوء جائزا لما توعد على ترك غسله قلنا ليس في هذا الخبر ذكر مسح ولا غسل فيتعلق به ولا فيه ايضا ذكر وضوء فنورده لنحتج به وليس فيه اكثر من قوله ويل للاعقاب


[ 69 ]

من النار فإن قال قد روى انه رآها تلوح فقال ويل للاعقاب من النار قيل له وليس لك في هذا ايضا حجة ولا فيه ذكر لوضوء في طهارة وبعد فقد يجوز ان يكون راي قوما غسلوا ارجلهم في الوضوء عوضا عن مسحها وراى اعقابهم يلوح عليها الماء فقال ويل للاعقاب من النار ويجوز ايضا ان يكون راي قوما اغتسلوا من جنابة ولم يغمس الماء جميع ارجلهم ولاحت اعقابهم بغير ماء فقال ويل للاعقاب من النار ويمكن ايضا ان يكون ذلك في الوضوء لقوم من طغام العرب مخصوصين كانوا يمشون حفاه فتشقق اعقابهم فيداوونها بالبول على قديم عادتهم ثم يتوضاون ولا يغسلون ارجلهم قبل الوضوء من آثار النجس فتوعدهم النبي صلى الله عليه واله بما قال وكل هذا في حيز الامكان ثم يقال له وقد قابل ما رويت اخبار هي اصح واثبت في النظر والمصير إليها اولى لموافقة ظاهرها لكتاب الله تعالى فمنها ان النبي صلى الله عليه واله قام بحيث يراه اصحابه ثم توضأ فغسل وجهه وذراعيه ومسح براسه ورجليه ومنها ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال للناس في الرحبة الا ادلكم على وضوء رسول الله صلى الله عليه واله قالوا بلى فدعا بعقب فيه ماء فغسل وجهه وذراعيه ومسح على راسه ورجليه وقال هذا وضوء من لم يحدث حدثا فإن قال الخصم ما مراده بقوله وضوء من لم يحدث حدثا وهل هذا إلا دليل على انه قد كان على وضوء قبله قيل له مراده بذلك انه الوضوء الصحيح الذي كان يتوضا رسول الله صلى الله عليه واله وليس هو وضوء من غير واحدث في الشريعة ما ليس منها ويدل على صحة هذا التأويل وفساد ما توهمه الخصم انه قصد ان يريهم فرضا يعولون عليه ويقتدون به فيه ولو كان على وضوء قبل ذلك لكان لم يعلمهم الفرض الذي هم احوج إليه ومن ذلك ما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله ما نزل القرآن إلا بالمسح ولا يجوز ان يكون اراد بذلك إلا مسح الرجلين لأن مسح الرؤوس لا خلاف فيه ومنه قول ابن عباس رحمه الله نزل القرآن بغسلين ومسحين ومن ذلك اجماع آل محمد عليهم السلام على مسح الرجلين دون غسلهما وهم الائمة والقدوة في الدين لا يفارقون كتاب الله عزوجل الى يوم القيامة وفيما اوردناه كفاية و الحمد لله (سؤال) فإن قال قائل فلم ذهبتم في مسح الراس والرجلين الى التبعيض (جواب) قيل له لما دل عليه من ذلك كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه واله اما دليل مسح بعض الراس فقول الله تعالى وامسحوا برؤوسكم فادخل الباء التي هي علامة التبعيض وهي التي تدخل على الكلام مع استغنائه في افادة المعنى عنها فتكون زائدة لانه لو قال وامسحوا رؤوسكم لكان الكلام صحيحا ووجب مسح جميع الراس فلما دخلت الباء التي يفتقر الفعل في تعديته


[ 70 ]

إليها افادت التبعيض واما دليل مسح بعض الارجل فعطفها على الرؤوس والمعطوف يجب ان يشارك المعطوف عليه في حكمه وأما شاهد ذلك من السنة فما روى ان رسول الله صلى الله عليه واله توضأ ومسح بناصيته ولم يمسح الكل ومن الحجة على وجوب التبعيض في مسح الرؤوس والارجل اجماع أهل البيت عليهم السلام على ذلك وروايتهم اياه عن رسول الله جدهم صلى الله عليه واله وهم اخبر بمذهبه (سؤال) فان قال قائل ما الكعبان عندكم اللذان تمسحون عليهما (جواب) قيل له العظمان النابتان في ظهر القدمين عند عقد الشراك وقد وافقنا على ذلك محمد بن الحسن دون من سواه دليلنا ما رواه ابان بن عثمان عن ميسر عن أبي جعفر عليه السلام انه قال الا احكي لك وضوء رسول الله صلى الله عليه واله ثم انتهى الى ان قال فمسح راسه وقدميه ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال ذكرت فاوجزت وقد علمت انا لا نقبل إلا ما ادركناه بابصارنا أو سمعناه باذاننا أو ذقناه بافواهنا أو شممناه بانوفنا أو لمسناه ببشرتنا فقال الصادق عليه السلام ذكرت الحواس الخمس وهي لا تنفع في الاستنباط إلا بدليل كما لا يقطع الظلمة بغير مصباح قال شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رضي الله عنه ان الصادق عليه السلام اراد ان الحواس بغير عقل لا توصل الى معرفة الغائبات وان الذي اراه من حدوث الصورة معقول بنا العلم به على محسوس واعلم ايدك الله تعالى ان الاجسام إذا لم تخل من الصور التي قد ثبت حدوثها فهى محدثة مثلها (فصل في ذكر مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله ووصف شئ من فضله) روي نقلة الاخبار وحملة الاثار من الخاص والعام ان رسول الله صلى الله عليه واله قال انا سيد ولد آدم وانا سيد البشر وقال أمير المؤمنين عليه السلام ما برء الله لنسمة خيرا من محمد صلى الله عليه واله وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه واله انه قال نقلت من الاصلاب الطاهرة الى الارحام الطاهرة نكاحا لا سفاحا وروى عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه واله فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويقول اني قد حرمت النار على صلب انزلك وبطن حملك وثدي ارضعك وروي ان نوره صلى الله عليه واله كان يلوح في جبهة آدم عليه السلام وان الله سبحانه اعلم بحاله وبين امره وعهد إليه ان لا يقرب حواء إلا وهما طاهران لاجل انتقال ذلك النور الى ولده وان يجعل عهدا باقيا في عقبه ياخذه كل اب منهم على ابنه ممن يظهر نور رسول الله صلى الله عليه واله في وجهه بان لا يتزوج إلا باطهر نساء أهل وقته حراسة لهذا النور ان لا ينتقل إلا درجات الشرف ومنازل الطهارة


[ 71 ]

من الدنس فلم يزل نوره منتقلا فيهم ظاهرا بين اعينهم يدركه الناس بالمشاهدة ويرون خلو الوالد منه إذا انتقل الى ولده رؤية حاسة وهو يزداد بالانتقال بيانا ويتضاعف بالموارثة برهانا الى ان انتهى الى عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف رضوان الله عليهم فعظم في وجهه واضاء في غرته وعلمت بحاله الاحبار واخبرت بامره الكهان وذاع خبره في البلاد حتى روى ان احبار يهود الشام كانت عندهم جبة مغموسة في دم يحيى بن زكريا عليهم السلام وكانوا قد وجدوا في كتبهم ان إذا رأيتم الجبة بيضاء والدم يقطر فاعلموا ان أبا النبي محمد المصطفى قد ولد فلما راوا ذلك من حالها وتحققوا ولادة عبد الله بن عبد المطلب عمدوا باجمعهم الى الحرم ليغتالوه ويغتنموا الظفر به فيقتلوه فصرف الله سبحانه كيدهم وردهم خائبين الى بلادهم وكانوا إذا سئلوا عنه قيل لهم تركناه نورا يتلالا في قريش تلالؤ القمر فيقول الاحبار ليس ذلك النور لعبد الله إنما هو لولده محمد صلى الله عليه واله ثم ترجع في كفرها وعنادها فإذا تأملت الحال وافاقت للاستدلال قالت هو هو ورب موسى و قيل ان الكهنة اجتمعت فقالت نحن نتخوف لتزايد نور عبد الله ان يغلب كهانتنا وروي ان نساء قريش افتتن به وكن يتعرضن به في طريقه حتى لقي منهن ما لقي يوسف عليه السلام من امراة العزيز وهو لا يلوي عليهن ويقول لهن ليس لي سبيل الى كلامكن حتى ورد في الحديث ان الجواري الابكار كن يقفن في طريقه وإذا رمن كلامه تصورت الملائكة لهن في صورة مفزعة يصدونهن عنه فيرجعن مذعورات فزعات ثم ان وهب بن عبد مناف لما راى عظم امره وجلالة قدره اجتهد في تزويجه آمنه ابنته وراسل في ذلك عبد المطلب رضوان الله عليه فزوجه بها ونقل الله تعالى نور نبيه صلى الله عليه واله إليها فحملت به في ليلة الجمعة لتسع خلون من ذي الحجة ليلة عرفة وقيل بل في ايام التشريق وذلك بمنى عند الجمرة الوسطى وكانت منزل عبد الله بن عبد المطلب فروي عنها من الايات التي شاهدتها ليلة حملها به وعند ولادتها ما يطول ذكره فكان مما قالت انه اتاني المخاض وانا وحدي فلما وضعته صلى الله عليه واله رايته ساجدا قد رفع اصبعه الى السماء كالمبتهل المتضرع ثم غشتني سحابة غيبته عن عيني وسمعت منها كلاما ثم اعيد الي وهو مدرج في ثوب صوف اشد بياضا من الثلج وتحته حريرة خضراء وولد صلى الله عليه واله طاهرا مطهرا فكان من دلائل ولادته خمود نيران المجوس وتزعزع اسرة الملوك وكلام كثير من الدواب وسقوط الاوثان من البيت الحرام وروي عن عبد المطلب رضي الله عنه انه قال كنت في تلك الليلة في البيت الحرام ارم منه شيئا فلما انتصف الليل رايته قد اهوى من جميع جوانبه مائلا كالساجد الى ناحية المقام ثم استوى


[ 72 ]

قائما وسمعت منه تكبيرا عجبا يقول الله اكبر رب محمد المصطفى الان قد طهرني ربي من انجاس المشركين وارجاس الجاهلية فحرت من ذلك حتى ظننت اني نائم ثم ان عبد المطلب اتي آمنة رضوان الله عليها فسئلها عن حالها فاخبرته بولادتها والايات التي راتها فقال لها اريني المولود فقالت لا سبيل لاحد الى رؤيته حتى تمضي ثلاثة ايام فعند ذلك جرد سيفه ليقتل نفسه فقالت هو في ذلك البيت ادخل ان احببت ان تراه فلما دخل عبد المطلب تراءى له رجل وقال اليك يا عبد المطلب لا سبيل لك الى رؤيته حتى تنقطع عنه زيارة الملائكة وكانت ولادته صلى الله عليه واله يوم الجمعة عند طلوع الفجر في اليوم السابع عشر من شهر ربيع الاول عام الفيل بمكة في شعب أبي طالب رضوان الله عليه وهذا اليوم الذي ولد فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله يوم عظيم الشرف جليل القدر ولم يزل آل محمد عليهم السلام يعظمونه ويرعون حرمته ويتطوعون بصيامه والصدقة فيه وروى ان من صامه كتب الله له صيام سنة و لما صار له صلى الله عليه واله شهران توفي ابوه عبد الله بن عبد المطلب رضوان الله عليه عند اخواله بالمدينة وكذلك ماتت امه رحمة الله عليها وهو طفل وروي ان الله تعالى ايتم نبيه صلى الله عليه واله لئلا تجري عليه رئاسة لاحد من الناس وشرف الله تعالى حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية برضاعه وخصها بتربيته وكانت ذات عقل وفضل فروت من آياته ما يبهر عقول السامعين واغناها الله ببركته في الدنيا والدين وكان لا يرضع إلا من ثديها اليمين قال ابن عباس رضي الله عنه الهم العدل حتى في رضاعه لانه علم ان له شريكا فناصفه عدلا منه صلى الله عليه واله قالت حليمة فكان ثديي اليمين لرسول الله واليسار لولدي ضميرة وكان ولدي لا يشرب حتى يراه قد شرب قالت ولم ار قط ما يرى للاطفال طهارة ونظافة وإنما كان له وقت واحد ثم لا يعود الى وقته من الغد وما كان شئ ابغض إليه من ان يرى جسده مكشوفا فكنت إذا كشفته يصيح حتى استر عليه وروى عنها انها قالت سمعته لما تمت له سنة يتكلم بكلام لم اسمع احسن منه سمعته يقول قدوس قدوس نامت العيون والرحمن لا تأخذه سنة ولا نوم ولقد ناولتني امراة كف تمر من صدقة فناولته منه وهو ابن ثلاث سنين فرده علي وقال يا امة الله لا تأكلي الصدقة فقد عظمت نعمتك وكثر خيرك فاني لا آكل الصدقة قالت فوالله ما قبلتها بعد ذلك من أحد من العالمين وكان بنو سعيد يرون البركات بمقامه معهم وسكناه بينهم حتى انهم كانوا إذا عرض لدوابهم بؤس اتوا بها إليه ليمسها بيده فيزول ما بها وتعود الى احسن حالها ولم يزل كذلك الا ان ردته حليمة الى اهله فاشتمل عليه جده عبد المطلب


[ 73 ]

يحبوه التحف ويمنحه الطرف ويعد قريشا به ويخبرهم بما يكون من حاله الى ان دنت وفاته فوضعه في حجر أبي طالب واوصاه به وامره بحياطته ورعايته وعرفه ما يكون من امره ثم توفى عبد المطلب رضوان الله عليه في شهر ربيع الاول وللنبي صلى الله عليه واله ثماني سنين من عمره فكفله أبو طالب احسن كفالة ولم يكن له يومئذ ولد وكانت امراته فاطمة بنت اسد بن هاشم المعروفة بسودة الفاضلة فتولت معه تربيته واحسنا جميعا حياطته ورعايته واتخذاه لانفسهما ولدا ولم يؤثرا في المحبة عليه احدا وقد شغفا بواضح دلالته وذهلا من ظاهر حجته و الكهان مع ذلك يخبرونه بشانه ويتعجبون من جلي برهانه ويبشرون أبا طالب بامره وبانه سيكفل ولدا له من ظهره ثم نشا صلى الله عليه واله نشوءا يحير أهل عصره يحضر مشاهد قريش كلها غير السجود للاصنام والعبادة لها وشرب الخمر ونظم الشعر وافتعال الكذب والاشتغال باللعب الى ان اظهر الله امره واعلى قدره وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا (فصل في ذكر شئ من معجزات رسول الله صلى الله عليه واله وباهر آياته) فمن ذلك انه دعا شجرة فجاءت تخد الأرض ثم اشار إليها فرجعت ومن ذلك انه مسح شطري ضرع العناق وهما ملتصقان لا لبن فيهما فدر وحلب منه لبن كثير هذا في هجرته الى المدينة وذلك مشتهر قد اتت به الاخبار وقيل فيه الاشعار ومن ذلك رمي الحصى في وجوه الاعداء يوم بدر فنالهم في عيونهم ما نالهم وكانت في الحال هزيمتهم وانزل الله سبحانه * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * الانفال وفعل مثل ذلك يوم حنين وقال شاهت الوجوه فانهزم المشركون باسرهم ومن ذلك اخباره عن العير التي جاءت من الشام وحال القوم وافعالهم وما معهم من متاعهم وكثير من كلامهم ومن ذلك كلام الذئب والجر ايضا معروف ومن ذلك الميضاة التي وضع فيها يده وفيها شئ يسير من الماء فشرب منه خلق كثير وتوضاوا منه ومن ذلك ان ناقة ضلت من صاحبها في بعض اسفاره فقال المنافقون لو كان نبيا لعلم اين الناقة فبلغه ذلك فقال الغيب لا يعلمه إلا الله انطلق يا فلان لصاحب الناقة فان ناقتك بمكان كذا قد تعلق زمامها بالشجرة فوجدها كما قال صلى الله عليه واله ومن ذلك انه اقام بتبوك فنفدت ازوادهم فامرهم عليه السلام فجمعوا ما بقي منها ثم أمر بانطاع فبسطت وقال من كان عنده فضل زاد فليأتنا به فكان الرجل ياتي بالمد الدقيق والسويق والقليل من الخبز فيوضع كل صنف على حدة فكان جميع ذلك قليلا ثم


[ 74 ]

توضأ وصلى ودعا بالبركة فيه فكثر ذلك حتى فاض من الانطاع ثم نادى الناس ان هلموا فاقبل الناس فحملوا من كل شئ حتى ملاوا كل جراب ومزود ومن ذلك انه نزل بالحديبية فإذا ببئرها لا ماء فيها فشكا الناس ذلك إليه صلى الله عليه واله فاخرج سهما من كنانته فدفعه الى البراء بن عازب فنزل في البئر فغرز السهم فاقبل الماء من عيون البئر حتى ملاوا كل ما معهم وسقوا ركائبهم ومن ذلك انه كان في سفر فاستيقظ من نومه فقال مع من وضوء فقال أبو قتادة معي في ميضاة فاتاه به فتوضأ وفضلت في الميضاة فضلة فقال صلى الله عليه واله احتفظ بها يا أبا قتادة فسيكون لها شان فلما حمى النهار واشتد العطش بالناس فابتدروا الى النبي صلى الله عليه واله يقولون الماء الماء فدعا النبي صلى الله عليه واله بقدحه ثم قال هلم الميضاة يا أبا قتادة فاخذها ودعا فيها وقال اسكب فسكب في القدح وابتدر الناس الماء فقال رسول الله صلى الله عليه واله كلكم يشرب ان شاء الله تعالى فكان أبو قتادة يسكب ورسول الله يسقي حتى شرب الناس اجمعون ثم قال النبي صلى الله عليه واله لابي قتادة اشرب فقال لا بل اشرب أنت يا رسول الله فقال اشرب فإن ساقي القوم آخرهم يشرب فشرب أبو قتادة ثم شرب رسول الله وانتهى القوم رواء ومن ذلك انه اتى بشاة فاخذ باذنها بين اصبعيه ثم خلاها فصار لها وسم وكانت تولد والاثر في اولادها ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله الانصاري رضي الله عنه قال اصاب الناس يوم الخندق كربة ضربوا فيها بمعاولهم حتى انكسرت فاخبروا رسول الله صلى الله عليه واله فدعا بماء فصبه عليها فصارت كثيبا ومن ذلك ان اعرابيا باع شيئا من أبي جهل فمطله فاتى قريشا فقال اعدونى على أبي الحكم فقد لوى بحقي فاشاروا الى النبي صلى الله عليه واله وقالوا ائت هذا الرجل فاستعدني عليه وهم يهزاون بالاعرابي ويريدون ان يغروا أبا جهل برسول الله صلى الله عليه واله فاتى الاعرابي رسول الله صلى الله عليه واله فقال يا عبد الله اعدني على عمرو بن هشام فقد مطلني حقي قال نعم فمضى معه النبي صلى الله عليه واله فضرب على أبي جهل بابه فخرج إليه متغيرا فقال ما حاجتك فقال اعط هذا الرجل حقه قال نعم الساعة فاعطاه فجاء الرجل الى قريش فقال جزاكم الله خيرا انطلق معي الرجل الذي دللتموني عليه فاخذ لي حقي وجاء أبو جهل فقالوا اعطيت الاعرابي حقه قال نعم قالوا إنما اردنا ان نغريك بمحمد صلى الله عليه واله قال ما هو إلا ان دق بابي وسمعت كلامه فما تمالكت ان خرجت إليه وخلفه مثل الفالج فاتح فاه فكانما يريدني فقال اعطه حقه فلو قلت لا لابتلع راسي ومن ذلك ان أبا جهل جاء الى النبي صلى الله عليه واله ومعه حجر يريد ان يرميه به


[ 75 ]

إذا سجد فلما سجد رسول الله صلى الله عليه واله رفع أبو جهل يده فيبست على الحجر فرجع فقالوا له اجبنت قال لا ولكن رايت بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه وهذا الحديث مشهور وفيه يقول أبو طالب رضوان الله عليه * افيقوا بني غالب وانتهوا * عن الغي في بعض ذا المنطق * وإلا فاني إذا خائف * بواثق في داركم تلتقي * تكون لعابركم عبرة * ورب المغارب والمشرق * كما ذاق من كان من قبلكم * ثمود وعاد فمن ذا بقى * غداة اتتهم بها صرصر * وناقة ذي العرش إذ تستقي * فحل عليهم بها سخطه * من الله في ضربه الازرق * غداه بعيص بعرقوبها * حسام من الهند ذو رونق * واعجب من ذاك في امركم * عجائب في الحجر الملصق * يكف الذي قام من جبنه * الى الصابر الصادق المتقى * فايبسه الله في كفه * على رغم ذي الخائن الاحمق * وهذا مما يستدل به على صحيح ايمان أبي طالب عليه السلام بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله لما تضمنه قوله من اقراره بالله سبحانه واعترافه باياته وبالمعجز الذي بان لنبيه واخباره عنه بانه صابر صادق متقي ومن ذلك ان امراة سلام بن مسكين اتت بشاة قد سمتها الى النبي صلى الله عليه واله فقال لها ما هذا فقالت الطفتك بها وكان مع النبي صلى الله عليه واله بشر بن البراء بن المعروف فتناول النبي صلى الله عليه واله من الذراع (وتناول بشر فاما النبي صلى الله عليه واله فانه لاكها ثم لفظها وقال ان هذه الذراع) تكلمني وتزعم انها مسمومة وأما بشر فلاك البضعة ليبلعها فمات منها فارسل النبي صلى الله عليه واله الى المراة فاقرت فقال ما دعاك الى هذا قالت قتلت زوجي واشراف قومي فقلت ان كان ملكا قتلته وان كان نبيا فسيطلعه الله على ذلك ومن ذلك ان صفوان بن امية وعمرو بن وهب الجعفي قالا من لنا بمحمد صلى الله عليه واله فقال عمرو بن وهب لو لا دين على لخرجت الى محمد حتى اقتله فقال صفوان علي دينك ونفقة عيالك ان قتلته فخرج حتى قدم المدينة فدخل على رسول الله صلى الله عليه واله فقال انعم صباحا ابيت اللعن فقال النبي صلى الله عليه واله قد ابدلنا الله لها خيرا منها قال ان عهدك بها حديث قال اجل ثم اكرمنا الله بالنبوة ثم قال يا عمرو ما جاء بك قال ابني اسير عندكم قال لا ولكنك جلست مع صفوان ثم قص عليه الذي قال فقال عمرو والله ما حضرنا أحد وما اتاك بهذا إلا الذي ياتيك باخبار السماء وانا اشهد ان لا اله إلا الله وانك رسول الله ومن ذلك ان المدينة اجدبت فشكوا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه واله فرفع يديه الى السماء وقال اللهم اني سألتك فاعطيتني ودعوتك فأجبتني اللهم اسقنا غيثا مريا مريعا عاجلا غير رايث نافعا غير بايث نافعا غير ضار فمطر الناس للوقت وسالت الاودية وامتلأ كل شئ فدامت جمعة فاتى رجل


[ 76 ]

فقال يا رسول الله غرقنا وانقطعت السير في اسواقنا فقال رسول الله صلى الله عليه واله حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة وكان فيما حولها حتى حصلت السماء فوقها والسحاب ذلك فقال كل واحد منهم في نفسه آمنت إذا مضيت ان ياتي أحد غيري فيشعر بي فاجتمعوا باسرهم لاتفاق ما في نفوسهم ولما ازعجهم من التعجب لاستماع ما حيرهم واذهلهم فوقفوا الى الصباح فلما انصرفوا اجتمعوا ايضا وافتضح بعضهم عند بعض وجددوا العهد بينهم ثم عادوا حتى فعلوا ذلك عدة دفعات تطلعا الى سماع القرآن مع ما هم عليه من الاصرار على العناد وأما تعجب الجن منه فقولها * (انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فامنا به ولن نشرك بربنا احدا) * سورة الجن (فصل من البيان عن اعجاز القرآن) فمن ذلك عجز بلغاء العرب عن الاتيان بمثله في فصاحته ونظمه مع علمهم بان النبي صلى الله عليه واله قد جعله علما على صدقه وسماعهم للتحدي فيه على ان ياتوا بسورة من مثله هذا مع اجتهادهم في دفع ما اتى به صلى الله عليه واله وتوفر دواعيهم الى ابطال امره وفل جمعه واستفراغ مقدورهم في اذيته وتعذيب اصحابه وطرد المؤمنين به ثم ما فعلوه بعد ذلك من بذل النفوس والاموال في حربه والحرص على اهلاكه مع علمهم بان ذلك لا يشهد بكذبة ولا فيه ابطال الحجة ولا يقوم مقام معارضته فيما جعله دلالة على صدقه وتحداهم على الاتيان بمثله وقد كانوا قوما فصحاء حكماء عقلاء خصماء لا يصبرون على التقريع ولا يتغاضون عن التعجيز وعاداتهم معروفة في الشرع الى الافتخار وتحدي بعضهم لبعض بالخطب والاشعار وفي انصرافهم عن المعارضة دلالة على انها كانت متعذرة عليهم وفي التجائهم الى الحروب الشاقة دونها بيان انها الايسر عندهم وأي عاقل يطلب امرا بما فيه هلاك حاله والتغرير بنفسه وهو يقدر على كلام يقوله يغنيه بذلك وينال به امله ومراده فلا يفعله هذا ما لا يتصور في العقل ولا يثبت في الوهم وفي عجزهم الذي ذكرناه حجة في بيان معجز القرآن وفي صحة نبوة نبينا صلى الله عليه واله ومن ذلك ما يتضمنه من اخبار الدهور الماضية واحوال القرون الخالية وانباء الامم الغابرة ووصف الديار الداثرة وقصص الانبياء المتقدمين وشرح احكام أهل الكتابين مما لا يقدر عليه إلا من اختص بهم وانقطع الى الاطلاع في كتبهم وسافر في لقاء علمائهم وصحب رؤساءهم ولما كان نبينا صلى الله عليه واله معلوم المولد والدار والمنشا والقرار لا تخفي احواله ولا تستتر افعاله لم يلف قط قبل بعثته مدارسا لكتاب ولا رئي مخالطا لاهل الكتاب ولم يزل معروفا بالانفراد عنهم غير مختص باحد منهم ولا سافر لاتباع عالم سرا ولا جهرا ولا احتال في نيل ذلك اولا ولا آخرا علم انه لم ياخذ


[ 77 ]

ذلك إلا عن رب العالمين دون الخلائق اجمعين وثبت صدقه وحجته واعجاز القرآن الوارد على يده وكان قول الله عزوجل * (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا الى موسى الامر وما كنت من الشاهدين) * سورة القصص وقوله عزوجل * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا و لكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما اتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون) * سورة القصص يعضد ما ذكرناه ويشهد بصحة ما وصفناه ومن ذلك ايضا ما ثبت فيه من الاخبار بالكائنات كونها واعلام ما في القلوب وضمائرها كقوله سبحانه في اليهود من أهل خيبر * (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون واكثرهم الفاسقون لن يضروكم إلا اذى وان يقاتلوكم يولوكم الادبار ثم لا ينصرون) * سورة آل عمران وكان الامر في هزيمتهم وخذلانهم كما قال سبحانه وقال في قصة بدر تشجيعا للمسلمين واخبارا لهم عن عاقبة امرهم وأمر المشركين * (سيهزم الجمع ويولون الدبر) * سورة القمر وكان ذلك يقينا كما قال سبحانه * (وقال فيهم الذين ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون) * سورة الانفال فكان الظفر قريبا كما قال سبحانه وقال عز اسمه * (واورثكم ارضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطئوها) * يعني العراق وفارس فكان الامر كما قال سبحانه وقال عزوجل * (الم غلبت الروم في ادنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم) * سورة الروم فاخبر الله تعالى عن ظفرهم بغلبهم وغلبتهم له وحدد زمان ذلك وحصره فكان الامر فيه حسب ما قال سبحانه وقال عزوجل * (يا ايها الذين هادوا ان زعمتم انكم اولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين ولا يتمنونه ابدا بما قدمت ايديهم والله عليم بالظالمين) * سورة الجمعة فقطع على بغيهم واعلم انهم لا يتمنون الموت فلم يقدر احد منهم على دفعه ولا اظهر تمنيه كان الامر في ذلك موافقا لما قال سبحانه * (ويقولون في انفسهم لو لا يعذبنا الله بما نقول) * سورة المجادلة فاخبر عن ضمائرهم بما في سرائرهم قبل ان يبدو على السنتهم وكان الامر كما قال سبحانه وقال في ابي لهب وهو حي متوقع منه الايمان والبصيرة والاسلام * (تبت يدا أبي لهب وتب) * سورة المسد فمات على كفره ولم يصر الى الاسلام وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه واله * (انا كفيناك المستهزئين) * سورة الحجر وكلهم يومئذ حي عزيز في قومه فاهلكهم الله اجمعين وكفاه امرهم على ما اخبر به وامثال ذلك كثيرة يطول بها الكتاب وقد ذكرها أهل العلم وهذا طرف منها يدل على معجزة القرآن وصدق من اتى به عليه السلام دليل على حدوث العالم الذي يدلنا على ذلك انا


[ 78 ]

نرى اجساما لا تخلو من الحوادث المتعاقبة عليها ولا يتصور في العقل انها كانت خالية منها وهذا يوضح انها محدثة مثلها لشهادة العقل بان ما لم يوجد عاريا من المحدث فانه يجب ان يكون مثله محدثا وهذه الحوادث هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون والالوان والروائح والطعوم ونحو ذلك من صفات الاجسام التي تدل على انها اشياء غير الجسم من نراه من تعاقبها عليه وهو موجود مع كل احد منها وهذا يقين ايضا على حدوثها لأن الضدين المتعاقبين لا يجوز ان يكونا مجتمعين والجسم ولا يتصور اجتماعهما العقل وإنما وجد احدهما وعدم الاخر فالذي طرا ووجد هو المحدث لانه كائن بعد ان لم يكن والذي انعدم ايضا محدث لانه لو كان غير محدث لم يجز ان ينعدم ولانه مثله ايضا نراه قد تجدد وحدث والذي يشهد بان الاجسام لم تخل من هذه الحوادث بداية العقول واوائل العلوم إذ كان لا يتصور فيها وجود الجسم مع عدم هذه الامور ولو جاز ان يخلو الجسم منها فيما مضى لجاز ان يخلو منها الان وفيما يستقبل من الزمان والذي يدل على ان حكم الجسم كحكمها في الحدوث ان المحدث هو الذي لوجوده اول والقديم هو المتقدم على كل محدث وليس لوجوده اول فلو كان الجسم قديما لكان موجودا قبل الحوادث كلها خاليا منها وفيما قدمناه من استحالة خلوه منها دلالة على انه محدث مثلها والحمد لله (فصل في الاشعار المأثورة عن أبي طالب بن عبد المطلب رضوان الله عليهما التي يستدل بها على صحة ايمانه) من ذلك قوله في قصيدته اللامية * لعمري لقد كلفت وجدا باحمد * واحببته حب الحبيب المواصل * وجدت بنفسي دونه وحميته * ودارات عنه بالذرا والكلاكل * فلا زال في الدنيا جمالا لاهلها * وشيئا لمن عاداه زين المحافل * حليما رشيدا حازما غير طائش * يوالي اله الخلق ليس بما حل * فايده رب العباد بنصره * واظهر دينا حقه غير باطل * لقد علموا ان ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعني بقيل الا باطل * (ومن قطعة له ميمية) * ترجون ان نسخي بقتل محمد * ولم نختضب سمر العوالي من الدم * كذبتم وبيت الله حتى تعرفوا * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم * وتقطع ارحام وتنسى حليله * حليلا ويغشى محرما بعد محرم * وينهض قوم في الحديد اليكم * يذودون عن احسابهم كل محرم * على ما اتى من بغيكم وضلالكم * وغشيانكم في امرنا كل ماتم * بظلم نبي جاء يدعو الى الهدى *


[ 79 ]

وأمر اتى من عند ذي العرش مبرم * فلا تحسبونا مسلميه ومثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم * (وقوله ايضا) اخلتم بانا مسلمون محمدا * ولما تقاذف دونه بالمراجم * امينا حبيبا في البلاد مسوما * بخاتم رب قاهر للجراثم * يرى الناس برهانا عليه وهيبة * وما جاهل في فعله مثل عالم * نبي اتاه الوحي من عند ربه * فمن قال لا يقرع بها سن نادم * تطيف به جرثومة هاشمية * يذبون عنه كل باغ وظالم * (وقوله ايضا) إلا ابلغا عني على ذات بينها * لؤيا وخصا من لؤي بني كعب * الم تعلموا انا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في اول الكتب * وان عليه في العباد محبة * ولا سن فيمن خصه الله بالحب * (وقوله ايضا يحض اخاه حمزة بن عبد المطلب رحمة الله عليهما على اتباع رسول الله صلى الله عليه واله ونصرته) فصبرا ابا يعلي على دين أحمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا * وحط من اتى بالدين من عند ربه * بصدق وحق لا تكن حمز كافرا * فقد سرني إذ قلت انك مؤمن * فكن لرسول الله في الله ناصرا * وباد قريشا بالذي قد اتيته * جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا * (وقوله لابنه جعفر وقد امره بالصلاة مع النبي صلى اله عليه واله وقال يا بني صل جناح ابن عمك فلما اجابه قال) ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والكرب * والله لا اخذل النبي * ولا يخذله من بني ذوي حسب * لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * اخي لامي من بينهم وأبي * (وقوله ايضا) زعمت قريش ان أحمد ساحر * كذبوا ورب الراقصات الحرم * ما زلت اعرفه بصدق حديثه * وهو الامين على الخرائب والحرم * بهتوه لا سعدوا بقطر بعدها * و مضت مقالتهم تسير الى الامم (وقال في الاقرار بالتوحيد) مليك الناس ليس له شريك * هو الوهاب والمبدي المعيد * ومن فوق السماء له بحق * ومن تحت السماء له عبيد * (و قال ايضا) يا شاهد الله علي فاشهد * آمنت بالواحد رب أحمد * من ضل في الدين فاني مهتدي * وهذا كله دليل واضح على ايمانه رضوان الله عليه بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه واله ومن الحديث الوارد بصحة ايمانه


[ 80 ]

ما اخبرني به شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن علي المعروف بابن الواسطي رضي الله عنه قال اخبرني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري قال حدثني أبو علي بن همام قال حدثنا أبو الحسن علي بن محمد القمي الاشعري قال حدثني منجح الخادم مولى بعض الطاهرية بطوس قال حدثني ابان بن محمد قال كتبت الى الامام الرضا علي بن موسى عليه السلام جعلت فداك قد شككت في ايمان ابي طالب قال فكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فمن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى انك ان لم تقر بايمان أبي طالب كان مصيرك الى النار وباسناده عن ابان بن محمد عن يونس بن نباته عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال يا يونس ما يقول الناس في ايمان أبي طالب قلت جعلت فداك يقولون هو في ضحضاح من نار يغلي منها ام راسه فقال كذب اعداء الله ان أبا طالب من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ومن ذلك ما حدثنا به الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن احمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي رضي الله عنه قال حدثني القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان بن عبد الله النصيبي في داره قال حدثنا جعفر بن محمد العلوي قال حدثنا عبيد الله بن أحمد قال حدثنا محمد بن زياد قال حدثنا مفضل بن عمر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام انه كان جالسا في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل فقال له يا أمير المؤمنين انك بالمكان الذي انزلك الله وابوك معذب في النار فقال له مه فض الله فاك والذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله اأبي معذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار والذي بعث محمدا بالحق ان نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ انوار الخلائق إلا خمسة انوار نور محمد ونور فاطمة ونور الحسن والحسين ونور ولده من الائمة ان نوره من نورنا خلقه الله من قبل خلق آدم بالفي عام ومن ذلك ما حدثني به الحسن بن محمد بن علي الصيرفي البغدادي قراءة علي من طريق نقل العامة قال حدثني أبو القاسم منصور بن جعفر بن ملاعب قراءه علي قال حدثنا أبو عيسى محمد بن داود بن جندل الحلبي قال اخبرنا علي بن حرب قال حدثنا زيد بن الجناب قال اخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن اسحاق بن عبد الله عن العباس انه سئل رسول الله صلى الله عليه واله فقال ما ترجو لابي طالب فقال كل خير ارجو من ربي عزوجل وحدثني أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني قال حدثنا أبو القاسم ميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا مزاحم بن عبد الوارث البصري قال حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد العزيز بن الرحمن بن ايوب الجوهري قال حدثنا العباس بن علي قال


[ 81 ]

حدثنا علي بن عبد الله الجرشي قال حدثنا جعفر بن عبد الواحد بن جعفر قال قال لنا العباس بن الفضل عن اسحاق بن عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس قال سمعت أبي يقول سمعت المهاجر مولى نوفل اليماني يقول سمعت أبا رافع يقول سمعت أبا طالب بن عبد المطلب يقول حدثني محمد صلى الله عليه واله ان ربه بعثه بصلة الرحم وان يعبد الله وحده ولا يعبد معه غيره ومحمد عندي الصادق الامين (فصل من اخبار عبد المطلب رضي الله عنه) واخبرني شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي الواسطي رضي الله عنه قال اخبرني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري قال اخبرني محمد بن همام وأحمد بن هوذة جميعا عن أبي محمد الحسن بن محمد بن جمهور القمي قال حدثنا ابي عن الحسن بن محبوب الزراد عن عبد الرحمن بن الحجاج عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال لما ظهرت الحبشة باليمن وجه يكسوم ملك الحبشة بقائدين من قواده يقال لاحدهما ابرهة والاخر ارباط في عشرة من الفيلة كل فيل في عشرة آلاف لهدم بيت الله الحرام فلما صاروا ببعض الطريق وقع باسهم بينهم واختلفوا فقتل ابرهة ارباط واستولى على الحبش فلما قارب مكة طرد اصحابه عيرا لعبد المطلب بن هاشم فصار عبد المطلب الى ابرهة وكان ترجمان ابرهة والمستولي عليه ابن داية لعبد المطلب فقال الترجمان لابرهة هذا سيد العرب وديانها فاجله واعظمه ثم قال لكاتبه سله ما حاجته فسئله فقال ان اصحاب الملك طردوا لي نعما فامر بردها ثم اقبل على الترجمان فقال قل له عجبا لقوم سودوك وراسوك عليهم حيث تسألني في عير لك وقد جئت لاهدم شرفك ومجدك ولو سألتني الرجوع عنه لفعلت فقال ايها الملك ان هذه العير لي وانا ربها فسألتك اطلاقها وان لهذه البيت ربا يدفع عنها قال فاني غاد لهدمها حتى انظر ماذا يفعل فلما انصرف عبد المطلب حل ابرهة بجيشه فإذا هاتف يهتف في السحر الاكبر يا أهل مكة اتاكم أهل عكة بجحفل جرار يملاه لاندار ملأ الجفار فعليهم لعنة الجبار فانشا عبد المطلب يقول ايها الداعي لقد اسمعتني * كلما قلت وما بي من صمم * ان للبيت لربا مانعا * من يرده باثام يصطلم * رامه تبع في اجناده * حمير والحي من آل ارم * هلكت بالبغي فيهم جرهم * بعد طسم وجديس وجثم * وكذاك الامر فيمن كاده * ليس أمر الله بالامر الامم * نحن آل الله فيما قد خلا *


[ 82 ]

لم يزل لله فينا حجة * ذاك على عهد ابرهم * نعرف الله وفينا شيمة * صلة الرحم ونوفى بالذمم * يزل لله فينا حجه يدفع الله بها عنها النقم * ولنا في كل دور كرة * نعرف الدين وطورا في العجم * فإذا ما بلغ الدور الى * منتهى الوقت اتى الطين قدم * بكتاب فصلت آياته * فيه تبيان احاديث الامم * فلما اصبح عبد المطلب جمع بنيه وارسل الحرث ابنه الاكبر الى اعلى جبل أبي قبيس فقال انظر يا بني ماذا ياتيك من قبل البحر فرجع فلم ير شيئا فارسل واحدا بعد آخر من ولده فلم ياته أحد منهم عن البحر بخبر فدعا ولده عبد الله وانه لغلام حين ايفع وعليه ذؤابه تضرب الى عجزه فقال له اذهب فداك أبي وامى فاعل أبا قبيس وانظر ماذا ترى يجئ من البحر فنزل مسرعا فقال يا سيد النادي رايت سحابا من قبل البحر مقبلا يسفل تارة ويرتفع اخرى ان قلت غيما قلته وان قلت جهاما خلته يرتفع تارة وينحدر اخرى فنادى عبد المطلب يا معشر قريش ادخلوا منازلكم فقد اتاكم الله بالنصر من عنده فاقبلت الطير الابابيل في منقار كل طير حجر وفي رجليه حجران فكان الطائر الواحد يقتل ثلاثة من اصحاب ابرهة كان يلقي الحجر في قمة راس الرجل فيخرج من دبره وقد قص الله تبارك وتعالى نباهم فقال سبحانه * (الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل الم يجعل كيدهم في تضليل وارسل عليهم طيرا ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف ماكول) * السجيل الصلب من الحجارة والعصف ورق الزرع وماكول يعنى كانه قد اخذ ما فيه من الحب فاكل وبقي لا حب فيه وقيل ان الحجارة كانت إذا وقعت على رؤسهم وخرجت من ادبارهم بقيت اجوافهم فارغة خالية حتى يكون الجسم كقشر الحنظلة وباسناده عن ابن جمهور رحمه الله قال حدثني أبي قال حدثني علي بن حرب بن محمد بن علي بن حيان بن مازن الطائي قال حدثني عمر بن بكر عن أحمد بن القاسم عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما ظفر سيف بن ذي يزن واسمه النعمان بن قيس بالحبشة وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه واله بسنتين اتته وفود العرب واشرافها وشعراؤها تهنيه وتمدحه وتذكر ما كان من حسن بلائه وطلبه بثار قومه فاتاه فيمن اتاه وفد قريش وفيهم عبد المطلب بن هاشم وامية بن عبد شمس وعبد الله بن جدعان وخويلد بن اسد بن عبد العزى في اناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعا فإذا هو في راس غمدان وهو الذي ذكره امية بن الصلت في قصيدته حيث تقول اشرب هنيئا عليك التاج * مرتفعا في راس غمدان * دارا منك محلالا * فدخل الاذن فاخبره بمكانهم فاذن


[ 83 ]

لهم فدنا عبد المطلب فاستاذنه في الكلام فقال ان كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد اذنا لك فقال عبد المطلب ان الله قد احلك ايها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا انبتك منبتا طابت ارومته وعزت جرثومته وثبت اصله وسبق فرعه اكرم موطن واطيب معدن وأنت ابيت اللعن ملك العرب وربيعها الذي حضت به وراس العرب الذي إليه تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي يلجا إليه العباد سلفك خير سلف وأنت لنا منهم خير خلف فلم يخمل من هم سلفه ولن يهلك من أنت خلفه نحن ايها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته اشخصنا اليك الذي ابهجنا لكشف الكرب الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة فقال سيف وايهم أنت ايها المتكلم قال انا عبد المطلب بن هاشم قال ابن اختنا قال نعم قال ادن فدنا ثم اقبل عليه وعلى القوم فقال مرحبا واهلا وناقة ورحلا ومستناخا سهلا وملكا نحلا يعني يعطي عطاء جزيلا قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم فانتم أهل الليل والنهار ولكم الكرامة ما اقمتم والحباء إذا ظعنتم ثم نهضوا الى دار الضيافة والوفود واقاموا بها شهرا لا يصلون إليه ولا يؤذن لهم في الانصراف ثم انتبه لهم انتباهة فارسل الى عبد المطلب اني مفوض اليك من سر علمي ما لو يكون غيرك لم ابح به ولكني رايتك معدنه فاطلعتك عنه طلعة فليكن عندك مطويا حتى ياذن الله فيه فإن الله بالغ امره اني اجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لانفسنا واحتجبناه دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة وللناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة قال عبد المطلب مثلك ايها الملك سر وبر فما هو فداك اهل الوبر زمرا بعد زمر قال إذا ولد بتهامة غلام بين كتفية شامة كانت له الامامة ولكم به الدعامة الى يوم القيامة قال عبد المطلب ابيت اللعن لقد ابت بخير ما آب به وافد لو لا هيبة الملك واجلاله لسئلته من بشارته اياي ما ازداد به سرورا قال ابن ذي يزن هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد يموت ابوه وامه ويكفله جده وعمه قد ولدناه مرارا والله باعثه جهارا و جاعل له منا انصارا يعز بهم اولياؤه ويذل بهم اعداؤه يضرب بهم الناس عن عرض ويستبيح به كرائم الأرض يكسر الاوثان ويخمد النيران ويعبد الرحمان ويدحر الشيطان قوله فصل وحكمه عدل يامر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله قال عبد المطلب ايها الملك عز جدك وعلا كعبك ودام


[ 84 ]

ملكك وطال عمرك فهل الملك ساري بافصاح فقد اوضح لي بعض الايضاح فقال ابن ذي يزن والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب انك يا عبد المطلب لجده غير الكذب فخر عبد المطلب ساجدا فقال ارفع راسك وثلج صدرك وعلا امرك فهل احسست شيئا مما ذكرت لك فقال ايها الملك كان لي ولد وكنت به معجبا وعليه شفيقا فزوجته كريمة من كرائم قومي آمنة بنت وهب بن عبد مناف فجاءت بغلام وسميته محمدا صلى الله عليه واله مات ابوه و امه فكفلته انا وعمه بين كتفيه شامة وكل ما ذكرت من علامة قال ابن ذي يزن ان الذي قلت لك كلما قلت فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود فانهم اعداء له ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا واطو ما قلت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فاني لست آمن ان تدخلهم النفاسة من ان تكون لك الرئاسة فيطلبوا لك الغوائل وينصبوا لك الحبائل وهم فاعلون لو انبئهم ولو لا اني اعلم ان الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى اصير يثرب دار ملكي فاني اجد في الكتاب الناطق والعلم الباسق ان يثرب استحكام امره وأهل نصره وموضع قبره ولو لا اني اقيه الافات واحذر عليه العاهات لاعلنت على حداثة سنه امره ولاوطئنا سنان العرب عقبه لكني صارف ذلك اليك عن غير تقصير لمن معك فعليه مني التحية والسلام الدائم ثم أمر لكل واحد منهم بعشرة اعبد وعشرة اماء وبمائة من الابل وخمس من البرود وخمسة ارطال من الذهب وعشرة ارطال فضة و كرش مملوء عنبرا وأمر لعبد المطلب بعشرة اضعاف ذلك وقال إذا حال الحول فاتني فمات ابن ذي يزن قبل ان يحول الحول فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول يا معشر قريش لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك وان كثر فانه الى نفاد ولكن ليغبطني مما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره وفخره وشرفه فإذا قيل له وما ذلك قال سيعلم ما اقول ولو بعد حين وفي ذلك يقول امية بن عبد شمس * جلبنا النصح تحمله المطايا * على اكوار اجمال ونوق * مغلغلة مراقعها تعالى * الى صنعاء من فج عميق * ترم بنا ابن ذي يزن ومعرى * ذوات بطونها ام الطريق * و ترعى عن مخايله بروقا * مواصلة الوميض الى بروق * فلما وافقت صنعاء حلت * بدار الملك والحسب العريق * وروى انه قيل لاكثم بن صيفي وكان حكيم العرب انك لاعلم اهل


[ 85 ]

زمانك واحكمهم واعقلهم واحلمهم فقال وكيف لا اكون كذلك وقد جالست أبا طالب بن عبد المطلب دهره وهاشما دهره وعبد مناف دهره وقصيا دهره وكل هؤلاء سادات ابنا سادات فتخلقت باخلاقهم وتعلمت من حلمهم واقتفيت سؤددهم واتبعت آثارهم وكان اكثم بن صيفي من المعمرين (خبر) ربيعة بن نصر اللخمي ملك اليمن ورؤياه التي تأولها سطيح وشق ذكر الرواة من أهل العلم ان ربيعة بن نصر راى رؤيا هالته وفظع بها فلما رآها بعث في أهل مملكته فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا قائضا ولا منجما إلا احضره إليه فلما جمعهم قال لهم اني قد رايت رؤيا هالتني وفظعت بها فاخبروني بتأويلها قالوا اقصصها علينا لنخبرك بتأويلها قال اني ان اخبرتكم بها لم اطمئن الى خبركم عن تأويلها انه لا يعرف تأويلها الا من يعرفها قبل ان اخبره بها فلما قال لهم ذلك قال رجل من القوم ان كان الملك يريد هذا فليبعث الى سطيح وشق فانه ليس أحد اعلم منهما فهما يخبرانك بما سئلت فلما قيل له ذلك بعث اليهما فقدم عليه سطيح قبل شق ولم يكن مثلهما من الكهان فلما قدم عليه سطيح دعاه فقال له يا سطيح اني قد رايت رؤيا هالتني وفظعت بها فاخبرني بها فانك ان اصبتها اصبت تأويلها قال افعل رايت جمجمة خرجت من ظلمة فرفعت بارض تهامة فاكلت منها كل ذات جمجمة قال له الملك ما اخطات شيئا يا سطيح فما عندك في تأويلها فقال احلف بما بين الحرمين من حبش ليهبطن ارضكم الحبش فلتملكن ما بين اثنين الى جرش قال له الملك وابيك يا سطيح ان هذا لغائظ موجع فمتى هو كائن يا سطيح افي زماني ام بعده قال لا بل بعده بحين اكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين ثم يقبلون بها اجمعون ويخرجون منها هاربين قال الملك من ذا الذي يلي ذلك من قبلهم واخراجهم قال يليه ارم ذي يزن يخرج عليهم من عدن فلا يترك منهم احدا باليمن قال افيدوم ذلك من سلطانه أو ينقطع قال بل ينقطع قال ومن يقطعه قال نبي زكي ياتيه الوحي من قبل العلي قال وممن هذا النبي قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه الى آخر الدهر قال وهل للدهر يا سطيح من آخر قال نعم يوم يجمع فيه الاولون والاخرون ويسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون قال احق ما تخبرنا يا سطيح قال نعم والشفق والليل إذا اتسق ما انباتك به لحق


[ 86 ]

فلما فرغ قدم عليه شق فدعاه فقال له يا شق اني رايت رؤيا هالتني وفظعت بها فاخبرني عنها فانك ان اصبتها اصبت تأويلها كما قال السطيح وقد كتمه ما قال السطيح لينظر ايتفقان ام يختلفان قال نعم رايت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة واكمة فاكلت منها كل ذات نسمة قال له الملك ما اخطات منها فما عندك في تأويلها قال احلف بما بين الحرمين من انسان لينزلن ارضكم الحبشان فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين اثنين الى نجران فقال له الملك وابيك ان هذا لنا لغائظ موجع فمتى كاين افي زماني ام بعده قال بعده بزمان ثم يستنقذكم منهم عظيم الشان ويذيقهم اشد الهوان قال ومن هذا العظيم الشان قال غلام ليس بدني ولا مدني يخرج من بيت ذي يزن قال فهل يدوم سلطانه أو ينقطع قال بل ينقطع برسول مرسل ياتي بالحق والعدل بين أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه يوم الفصل قال وما يوم الفصل قال يسمع منها الاحياء والاموات ويجمع الناس للميقات يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات قال احق ما تقول يا شق قال اي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض ان ما انباتك لحق ما فيه امض (دليل في تثبيت الصانع) حكى عن إبراهيم النظام قال الدليل على ذلك انا رأينا اشياء متضادة من شانها التنافي والتباين والتفاسد مجموعة وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة المجتمعة في كل حيوان وفي اكثر سائر الاجسام فعلمنا ان جامعها قسرها على الاجتماع ولو لا ذلك لتباينت وتفاسدت قال ولو جاز ان تجتمع المتضادات المتنافرات وتتقاوم من غير جامع جمعها لجاز ان يجتمع الماء والنار ويتقاوما من ذاتهما بغير جامع مدبر مقيم يقيمهما وهذا محال لا يتوهم قال وفي اجتماعهما دليل على حدوثها لانها لا يجوز عليها الانفراد فإذا كانت لا توجد إلا مجتمعة وبطل ان توجد كذلك إلا بجامع جمعها صح انه قبلها وانها لم توجد إلا حين ابتدعها مجتمعة ولو وجدت قبل ذلك لم توجد إلا على أحد وجهين أما ان يكون كل واحد منهما منفردا وهذا محال أو تكون مجتمعة لا جامع لها وهذا ايضا محال فقد صح انها ابتدعت وان الذي جمعها كان موجودا قبلها لم يزل (مسألة) على نفاة الحقائق هم الذين يقولون المذاهب باطلة كلها وانه لا حق بشئ منها فيقال لهم اخبرونا عن مذهبكم هذا احق هو ام باطل فإن قالوا هو حق قيل لهم فقد ناقضتم


[ 87 ]

واوجبتم ان في المذاهب حقا (من حيث نفيتم ذلك وان قالوا ليس مذهبنا حقا وهو باطل وقيل لهم فإذا بطل قولكم انه لا حق في شئ من المذاهب فقد صح ان فيها حقا) (مسألة) على مبطلي النظر وحجج العقل يقال لهم ابنظر افسدتم النظر ام بالحواس ام بالخبر وبعقل افسدتم حجة العقل ام بغير عقل فإن قلتم افسدنا النظر بنظر فقد ناقضتم ورجعتم الى ما اعيتم وصححتم النظر من حيث رمتم افساده وان قلتم بالحواس قلنا حواسنا كحواسكم وعلوم الحواس لا يختلف فيها فما بالنا لا نعلم من ذلك ما علمتم وان قلتم بخبر فباي شئ فصلتم بين هذا الخبر وبين ضده من الاخبار إلا بالعقل والنظر فإن قلبتم السؤال فقالوا ابنظر صححتم النظر ام بحس ام بخبر وبعقل اوجبتم حجة العقل ام بغير عقل أو قلتم بالحواس علمنا ذلك قلنا لكم حواسنا كحواسكم وعلوم الحواس ليس فيها اختلاف فما بالنا لا نعلم من صحة أمر النظر والعقل ما علمتم وان قلتم بالخبر جعلتم الخبر عيارا على العقل وليس هذا قولكم وان قلتم عرفنا صحة النظر والعقل جاز لنا ان نزعم انا عرفنا صحة الخبر بالخبر (فالجواب) ان يقال لهم انا عرفنا صحة النظر والعقل بالنظر والعقل وليس يصح لكم مثل ذلك في الخبر لانكم ان كنتم عرفتم صحة الخبر نفسه فيجب ان يكون كل من طرقه الخبر علم صحته حتى لا يوجد الخلف فيه ولسنا نجد ذلك وان قلتم علمنا صحة الخبر بخبر آخر فهذا يؤديكم الى ما لا يتناهى فإن قالوا فانتم إذا عرفتم صحة النظر والعقل بنظر وعقل فقد وجب ان يؤديكم هذا ايضا الى ما لا يتناهى قيل لهم انا لا نزعم انا عرفنا صحة النظر والعقل بنظر وعقل غيرهما بل نعرف صحتهما بها وذلك انا نعرف بهما ان كل نظر لزم صاحبه السنن والترتيب ولم يمل به هواه ولا الفه وعصبيته فهو صحيح وكل علم بني على ما في بداية العقول فغير فاسد فيكون هذا النظر نفسه داخلا فيما شهد بصحته ان كان حكمه ذلك (فصل ما جاء في الحديث في العقل) اخبرني شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن علي المعروف بابن الواسطي رضي عنه قال اخبرني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري قال اخبرني أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن الامام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا الى حسن عقله فانما يجازى بعقله وباسناده عن الكليني عن أحمد بن محمد عن بعض من رفعه الى أبي عبد الله عليه السلام انه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتى تنظروا عقله وباسناده عن الكليني عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن اسماعيل بن مهران عن بعض رجاله عن أبي عبد الله


[ 88 ]

عليه السلام انه قال العقل دليل المؤمن (فصل من كلام امير المؤمنين صلوات الله عليه في العقل) لا عدة انفع من العقل ولا عدو اضر من الجهل زينة الرجل عقله من صحب جاهلا نقص من عقله التثبت راس العقل والحدة راس الحمق غضب الجاهل في قوله وغضب العاقل في فعله الادب صورة العقل فحسن عقلك كيف شئت العقول مواهب والاداب مكاسب فساد الاخلاق معاشرة السفهاء وصلاح الاخلاق معاشرة العقلاء قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل والعاقل من وعظته التجارب رسولك ترجمان عقلك لا تاوي من لا عقل له فيكثر ضررك ظن الرجل قطعة من عقله من ترك الاستماع من ذوي العقول مات عقله من جانب هواه صح عقله من اعجب برايه ضل ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل اعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله من لم يكن اكثر ما فيه عقله كان باكثر ما فيه قتله لا جمال ازين من العقل عجبا للعاقل كيف ينظر الى شهوة يعقبه النظر إليها حسرة همة العقل ترك الذنوب واصلاح العيوب الجمال في اللسان والكمال في العقل لا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل الى ثماني عشرة سنة فإذا بلغها غلب عليه اكثرهما فيه ليس على العاقل اعتراض المقادير انما عليه وضع الشئ في حقه العقول ائمة الافكار والافكار ائمة القلوب والقلوب ائمة الحواس والحواس ائمة الاعضاء (فصل من الاستدلال على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه واله) اعلم ايدك الله ان المتمحلين من الكفار في ابطال نبوة نبينا عليه وعلى آله السلام قد اداهم الحرص في الانكار الى وجوب الاذعان والاقرار وساقهم الخبر والقضاء الى لزوم التسليم والرضا فلا خلاص لهم من ثبوت الحجة عليهم وهم راغمون ولا محيص لهم من وجوب تصديقه وهم صاغرون وذاك انهم لم يجدوا طريقا يسلكونها في انكار حقه من النبوة والدفع لما اتى به من الرسالة إلا بان اقروا له ببلوغه من كل درجة في الفضل منيفة ومرتبة في الكمال والعقل شريفة ما قد قصر عنه جميع خلق الله وبدون ذلك تجب له الرياسة والتقدم على الكافة ولا يجوز ان يتوجه إليه الظنة والتهمة لمنافاتها لما اقروا به في موجب العقل والحكم وبيان ذلك انهم إذا سمعوا القرآن الوارد على يده الذي قد جعله علما على صدقه وراوا قصور العرب عن معارضته وعجزهم عن الاتيان بمثله قالوا انه كان قد فاق جميع البلغاء في البلاغة وزاد على سائر الفصحاء في الفصاحة قصر مساواته في ذلك الناس كافة ففضلوه بهذا على الخلق اجمعين وقدموه على العالمين فإذا تأملوا ما في القرآن من اخبار الماضين و


[ 89 ]

الذاكرين واعاجيب السالفين وذكر شرائع الانبياء المتقدمين قالوا قد كان اعرف عباد الله باخبار الناس واعلمهم بجميع ما حدث وكان في سالف الازمان قد احاط بنبا الغابرين وحفظ جميع علوم الماضين ففضلوه بهذه الرتبة على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين فإذا راوا ما تضمنه القرآن من عجيب الفقه والدين وبديع عبادات المكلفين وترتيب الفرائض وانتظامها وحدود الشريعة واحكامها قالوا قد كان احكم أهل زمانه وافضلهم وابصرهم بانواع الحكم واعلمهم ولم يكن خلق في ذلك يساويه ولا بشر يدانيه ففضلوه بذلك ايضا على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين فإذا علموا ما في القرآن من الاخبار بالغائبات وتقديم الاعلام بمستقبل الكائنات وسمعوا ما تواترت به الاخبار من انبائه لكثير من الناس بما في نفوسهم واظهاره في الاوقات لمغيب مستورهم قالوا قد كان اعرف الناس باحكام النجوم وابصرهم بما تدل عليه في مستانف الامور وان لم يظهر معرفته بها لامته ونهاهم عن الاطلاع فيها لينتظم له حال نبوته وانه كان معولا عليها مستندا في اموره إليها له قولا يخرم واخباره بالشئ لا يختلف يعلم الحوادث والضمائر ويطلع على الخبايا والسرائر ولا يخفى عنه اوقات المساعد والمناجين ولم يكن أحد يعثره في ذلك ففضلوه بهذا ايضا على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين فإذا قيل لهم فما تقولون في المأثور من معجزاته والمنقول من جرائحه وآياته الخارقة للعادة التي اقام بها الحجة قال المسلمون منهم لذلك المتعاطون لاخراج معناه كان اعرف الناس بخواص الموجودات واسرار طبائع الحيوان والحوادث فيظهر من ذلك للناس ما يتحير له من رآه لقصوره عن ادراك سببه ومعناه ففضلوه بهذا ايضا على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين وقد سمعنا في بعض الاحاديث ان أحد السحرة قال لموسى عليه السلام ان هذه العصا من طبعها ان تسعى إذا القيت وتتشكل حيوانا إذا رميت وخاصية لها بسبب فيها فقال له موسى على نبينا وآله وعليه السلام فخذها انت وارمها قالوا فاخذها الساحر ورماها فما تغيرت عن حالها فاخذها موسى ورماها فصارت حية تسعى فقال الساحر ليس السر في العصا وإنما السر فيمن القاها آمنت باله موسى افترى لو اخذ أحد المشركين الحصا الذي سبح في كف رسول الله صلى الله عليه واله فتركه في يده كان يسبح ايضا فيها ام ترى احدهم لو اشار بيده الى الشجرة التي


[ 90 ]

اشار إليها رسول الله صلى الله عليه واله فاتت لكانت تأتيه ايضا إذا اوما إليها وان هذه الاشياء تفعل بالطبع كما يفعل حجر المغناطيس في الحديد الجذب كلا والحمد لله ما يتصور هذا عاقل فإذ نظر واحسن تمام النظر أمر رسول الله صلى الله عليه واله وانتظام مراده الذي قصده وانه نشا بين قوم يتجاذبون العز والمنعة ويتنافسون في التقدمة و الرفعة ويانفون من العار والشنعة ولا يعطون لاحد امره ولا طاعة فلم يزل بهم حتى قادهم الى امره وساقهم الى طاعته واستعبدهم بما لم يكونوا عرفوه وامرهم بهجران ما الفوه الى ان صاروا يبذلون انفسهم دون نفسه ويسلمون لقوله وياتمون لامره من غير ان كان له ملك خافوه ولا مال املوه تفتح له البلاد واذعن له ملوك العباد ونفذ امره في الانفس والاموال والحلائل والاولاد قالوا إنما تم له ذلك لانه فاق العالمين بكمال عقله وحسن تدبيره ورايه ولم يكن ذلك في أحد غيره ففضلوه بهذا ايضا على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين فإذا سمعوا المشتهر من عدله ونصفته وحسن سيرته في امته ورعيته وانه كان لا يكلف احدا شيئا في ماله وإذا حصلت المغانم فرقها في امته وقنع من عيشه بدون كفايته هذا مع سخاوته وكرمه و ايثاره على نفسه ووفائه بوعده وصدق لهجته واشتهاره منذ كان بامانته وشريف طريقته وحسن عفوه و مسامحته وجميل صبره وحلمه قالوا كان ازهد الناس واعلاهم قدرا في العدل والانصاف ولا طريق الى انكار احاطته بالفضائل الكرام والمناقب العظام ففضلوه في جميع هذه الامور على الخلق اجمعين واوجبوا له التقدم على العالمين فإذا قيل لهم فهذه العلوم العظيمة متى ادركها وفي أي زمان جمعها وتلقطها وأي قلب يعيها ويحفظها وهل راى قط بشر يحيط بجميع الفضائل ويتقدم العالمين كافة في سائر المناقب ويكون اوحد الخلق في كمال العقل والتمييز وثاقب الراي والتدبير مع نزاهه النفس وصفائها وجلالتها وشرفها وزهدها وفضلها وجودها وبذلها قالوا كانت له سعادات فلكية وعطايا نجومية فاق بها على جميع البرية قيل لهم فمن يكون بهذا الوصف العظيم والمحل الجليل كيف يستجيز عاقل مخالفته أو يسوغ له مباينته وبمن يقتدي افضل منه ومتى يكون مصيبا في الانصراف عنه بل كيف لا يرضى بعقل اعقل وياخذ العلم من اعلم الناس ويقتبس الحكمة من احكم الناس وما الفرق بينكم في قولكم ان هذه العطايا التي حصلت له إنما كانت فلكية ونجومية وبيننا إذا قلنا الهية ربانية وبعد فكيف يستجيز من يكون بهذا العقل الكامل والفضل الشامل والورع الظاهر والزهد الباهر والشرف العريق واللسان الصدوق ان يكذب


[ 91 ]

على خالق السموات والارضين فيقول للناس انا رسول رب العالمين ويدعى هذا المقام الجليل ويكون الامر بخلاف ما يقول وكيف تلائم صفاته التي سلمتموها لهذه الحال التي ادعيتموها فدعوا المناقضة والمكابرة واثبتوا على ما اقررتم به في المناظرة فكلامكم لازم لكم وقولكم حجة لكم عليكم قد اقررتم بالحق وانتم راغمون والتجاتم الى ما هربتم منه وانتم صاغرون واعلموا ان من باين المسعود كان منحوسا ومن خالف العاقل العالم كان جاهلا غبيا ومن كذب الصادق كان هو في الحقيقة كاذبا والحمد لله مقيم الحجة على من انكرها وموضح الحجة لمن آثرها (فصل مما في التوراة يتضمن البشارة بنبينا صلى الله عليه واله وبامته المؤمنين به) في التوراة مكتوب إذا جاءت الامة الاخيرة تتبع راكب البعير يسبحون الرب تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد فليفرح بنو اسرائيل ويسيروا الى صهون ولتطمئن قلوبهم لأن الله اصطفى منهم في الايام الاخيرة امما جديدة يسبحون الله باصوات عالية بايديهم ذات شفرتين فينتقمون لله من الامم الكافرة في جميع اقطار الارض فمن ترى راكب البعير غير رسول الله صلى الله عليه واله والامم الاخيرة المسبحة تسبيحا جديدا غير امته ومن الذين اتوا وفي ايديهم السيوف غير ناصريه والمتبعين لدعوته وفي التوراة ايضا مكتوب في السفر الخامس الرب ظهر فتجلى على سنين واشرف على جبل ساعير واشرف من جبل فاران واتى من ربوات القدس من يمينه نار شريعة لهم وجبال فاران جبال مكة وظهور الرب إنما هو ظهور امره (فصل في الانجيل وفي الانجيل اليوم) مكتوب ابن البشر ذاهب والفا قليظ اتى من بعده وهو الذي يجلي لكم الاسرار ويعيش لكم كل شئ وهو يشهد له كما شهدت له فاني انا جئتكم بالامثال وهو ياتيكم با لتاويل ومن قول شعيا النبي عليه السلام قال لي اله اسرائيل اقم على المنظرة فانظر ماذا ترى فإذا رايت راكبين يسيران اضاءت لهما الارض احدهما على حمار والاخر على جمل فقال ويل لبابل ويل لبابل كل صنم بها يكسر ويضرب به الأرض ومن قول يوشع النبي عليه السلام رايت راكبين يسيران اضاءت لهما الارض احدهما على حمار والاخر على جمل فراكب الحمار عيسى عليه السلام وراكب الجمل محمد صلى الله عليه واله ومن قول دانيال النبي عليه السلام جاء الله بالبيان من جبل فاران وامتلات السموات والارض من تسبيح محمد وامته وقال ايضا ياتينا كتاب جديد بعد خراب بيت المقدس فما الكتاب الجديد إلا القرآن ومن قول داود عليه السلام اللهم ابعث الينا مقيم السنة بعد


[ 92 ]

الفترة فمن اقامها غير رسول الله صلى الله عليه واله ومن ذلك تأويل دانيال لرؤيا بخت نصر ملك بابل حيث قال رايت في المنام صنما راسه من ذهب وصدره وذراعاه من فضة وبطنه وفخذاه من نحاس وركبتاه وساقاه من حديد وفيه خلط قليل من فخار ثم رايت بعد ذلك حجرا انقطع من جبل عظيم بغير يد انسان فضرب ذلك الصنم الذي فيه الصور الكثيرة فكسره ثم جعله مثل الرماد في يوم ريح ثم عظم الحجر بعد ذلك حتى رايت الأرض قد امتلات منه فقال له دانيال أما الصنم الذي فيه الصور الكثيرة فهم الملوك الذين مضوا في سائر الاحقاب والذين يكونون على مر الايام وأما الحجر الذي يجئ في آخر الزمان خاتم الانبياء وأما امتلاء الأرض منه فهم الذين يتبعونه ويؤمنون به (فصل من اخبار الوافدين على رسول الله صلى الله عليه واله للاسلام وما راوه قبل قدومهم من الايات والاعلام وما شاهدوه من احوال الاصنام) فمن ذلك خبر اهبان بن انس الاسلمي روي ان ذئبا شد على غنم لاهبان بن انس فاخذ منها شاة فصاح به فخلاها ثم نطق الذئب فقال اهبان سبحان الله ذئب يتكلم فقال الذئب اعجب من كلامي ان محمدا يدعو الناس الى التوحيد بيثرب ولا يجاب فساق اهبان غنمه واتى الى المدينة فاخبر رسول الله صلى الله عليه واله بما رآه فقال خذ هذه غنمي طعمة لاصحابك فقال امسك عليك غنمك فقال لا والله لا اسرح بها ابدا بعد يومي هذا فقال اللهم بارك عليه وبارك له في طعمته فاخذها أهل المدينة فلم يبق في المدينة بيت إلا اناله منها (وخبر) ذباب ذكروا انه كان لسعد العشيرة صنم يقال له فراص وكانوا يعظمونه وكان سادنه رجل من انس الله بن (سعد العشيرة يقال له ابن وقشة فحدث رجل من بني انس الله) يقال له ذباب بن الحرث بن عمرو قال كان لابن وقشة ربئ من الجن يخبر بما يكون فاتاه ذات يوم فاخبره قال فنظر الى وقال يا ذباب اسمع العجب العجاب بعث أحمد بالكتاب * يدعو بمكة لا يجاب * قال فقلت ما هذا الذي تقول قال ما ادري هكذا قيل لي قال فلم يكن إلا قليل حتى سمعنا بخروج النبي صلى الله عليه واله فقام ذباب الى الصنم فحطمه ثم اتى النبي صلى الله عليه واله فاسلم على يده وقال بعد اسلامه تبعت رسول الله إذ جاء بالهدى * وخلفت فراصا بارض هوان * شددت عليه شدة فتركته * كأن لم يكن والدهر ذو حدثان * ولما رايت الله اظهر دينه * اجبت رسول الله حين دعاني * فمن مبلغ سعد العشيرة انني * شربت الذي يبقى باخر فان *


[ 93 ]

(وخبر زمل بن عمرو العذري روي انه كان لبني عذرة صنم يقال له حمام وكانوا يعظمونه وكان في بني هند بن حزام وكان سادنه رجل منهم يقال له طارق وكانوا يعقرون عنده العقائر قال زمل بن عمرو العذري فلما ظهر النبي صلى الله عليه واله سمعنا منه صوتا وهو يقول يا بني هند بن حزام ظهر الحق واودى حمام ودفع الشرك بالاسلام قال ففزعنا لذلك وهالنا فمكثنا اياما ثم سمعنا صوتا آخر وهو يقول يا طارق بعث النبي الصادق بوحي ناطق صدع صادع بارض تهامة لناصريه السلامة ولخاذليه الندامة هذا الوداع مني الى يوم القيامة ثم وقع الصنم لوجهه قال زمل فخرجت حتى اتيت النبي صلى الله عليه واله ومعي نفر من قومي فاخبرناه بما سمعناه فقال ذلك كلام مؤمن من الجن ثم قال يا معشر العرب اني رسول الله الى الانام كافة ادعوكم الى عبادة الله وحده واني رسوله وعبده وان تحجوا البيت وتصوموا شهرا من اثني عشر شهرا وهو شهر رمضان فمن اجابني فله الجنة نزلا وثوابا ومن عصاني كانت له النار منقلبا وعقابا قال فاسلمنا وعقد لي لواء وكتب لي كتابا فقال زمل عند ذلك * اليك رسول الله اعلمت نصها * اكلفها حزنا وفوزا من الزمل * لانصر خير الناس نصرا مؤزرا * واعقد حبلا من حبالك في حبلي * واشهد ان الله لا شئ غيره * ادين له ما اثقلت قدمي ونعلي * (خبر عمرو بن مرة الجهني) ذكروا ان عمرو بن مرة كان يحدث فيقول خرجت حاجا في الجاهلية في جماعة من قومي فرايت في منامي وانا في الطريق كان نورا قد سطع من الكعبة حتى اضاء الى نخل يثرب وجبلي جهينة الاشعر والاجرد وسمعت في النوم قائلا يقول تقشعت الظلماء وسطع الضياء وبعث خاتم الانبياء ثم اضاء اضاءه اخرى حتى نظرت الى قصور الحيرة وابيض المدائن وسمعته يقول اقبل حق فسطع ودمغ باطل فانقمع فانتبهت فزعا وقلت لاصحابي والله ليحدثن بمكة في هذا الحي من قريش حدث ثم اخبرتهم بما رايت فلما انصرفنا الى بلادنا جاءنا مخبر بخبر ان رجلا من قريش يقال له احمد وقد بعث وكان لنا صنم فكنت انا الذي اسدنه فشددت عليه فكسرته وخرجت حتى قدمت عليه مكة فاخبرته فقال يا عمرو بن مرة انا النبي المرسل الى العباد كافة ادعوهم الى الاسلام وآمرهم بحفظ الدماء وصلة الارحام وعبادة الرحمان ورفض الاوثان وحج البيت وصوم شهر رمضان فمن اصاب فله الجنة ومن عصى فله النار فامن بالله يا عمرو بن مرة تأمن يوم القيامة من النار فقلت اشهد ان


[ 94 ]

لا اله إلا الله وانك رسول الله آمنت بما جئت به من حلال وحرام وان ارغم ذلك كثيرا من الاقوام وانشات اقول شهدت بان الله حق وانني * لالهة الاحجار اول تارك * وشمرت عن ساق الازار مهاجرا * اليك اجوب الوعث بعد الدكاذك * لاصحب خير نفسا ووالدا * رسول مليك الناس فوق الحبائك * قلت يا رسول الله ابعثني الى قومي لعل الله تبارك وتعالى يمن عليهم كما من علي بك فبعثني فقال عليك بالرفق والقول السديد ولا تك فظا ولا غليظا ولا مستكبرا ولا حسودا فاتيت قومي فقلت يا بني رفاعة بل يا معشر جهينة اني رسول رسول الله اليكم ادعوكم الى الجنة واحذركم النار يا معشر جهينة ان الله وله الحمد قد جعلكم خيار من انتم منه وبغض اليكم في جاهليتكم ما حببت الى غيركم من العرب الذين كانوا يجمعون بين الاختين ويخلف الرجل منهم على امراة أبيه واغارت في الشهر الحرام فاجيبوا هذا الذي من لؤي اتانا بشرف الدنيا وكرامة الاخرة وسارعوا في امره يكن بذلك لكم عنده فضيلة قال فأجابوني الا رجل منهم فانه قام فقال يا عمرو بن مرة أمر الله عيشك اتامرنا برفض آلهتنا وتفريق جماعتنا ومخالفة دين آبائنا ومن مضى من اوائلنا الى ما يدعوك إليه هذا المضري من أهل تهامة لا ولا حبا ولا كرامة ثم انشا يقول ان ابن مرة قد اتى بمقالة * ليست مقالة من يريد صلاحا * اني لاحسب قوله وفعاله * يوما وان طال الزمان ذباحا * اتسفه الاشياخ ممن قد مضى * من رام ذلك لا اصاب فلاحا * فقال له عمرو الكذاب مني أو منك أمر الله عيشه وابكم لسانه واكمه انسانه قال عمرو فو الله لقد عمى وما مات حتى سقط فوه وكان لا يقدر على الكلام ولا يبصر شيئا وافتقر و احتاج (وخبر ركانة) وفيه من الاية كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف اشد قريش واقواهم فخلا يوما برسول الله صلى الله عليه واله في شعاب مكة فقال له رسول الله صلى الله عليه واله يا ركانة الا تتقي الله وتقبل ما ادعوك إليه فقال له ركانة اني اعلم الذي تقول حقا لاتبعتك قال فقال رسول الله صلى الله عليه واله افرايت ان صرعتك اتعلم ان ما اقول حق قال نعم قال فقم حتى اصارعك فقام ركانة إليه فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه واله اضجعه لا يملك من نفسه شيئا فقال ركانة وقد عجب من ذلك عد يا محمد فعاد فصرعه رسول الله صلى الله عليه واله دفعه اخرى فاستعظم ذلك وقال يا محمد ان


[ 95 ]

ذا العجب فقال رسول الله صلى الله عليه واله واعجب من ذلك ان شئت ان اريكه ان اتقيت الله واتبعت امري قال ما هو قال ادعو لك هذه الشجرة التي ترى فتاتيني قال فادعها فدعاها فاقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه واله ثم قال لها ارجعي الى مكانك فرجعت حتى وقفت فذهب ركانة الى قومه فقال يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض فوالله ما رايت اسحر منه قط ثم اخبرهم بالذي راى والذي صنع (وخبر ابي تميمة الهجيمي) قال أبن تميمة وفدت على رسول الله صلى الله عليه واله فوجدته قاعدا في حلقة فقلت ايكم رسول الله فلا ادري اشار الى رسول الله صلى الله عليه واله فقال انا رسول الله أو اشار الى بعض القوم فقالوا هذا رسول الله وإذا عليه بردة حمراء تتناثر هدبها على قدميه فقلت الى ما تدعو يا رسول الله قال ادعوك الى الذي إذا كنت بارض أو فلاة فاضللت راحلتك فدعوته اجابك وادعوك الى الذي إذا استنت ارضك أو اجدبت فدعوته اجابك قال قلت وابيك لنعم الرب هذا فاسلمت وقلت يا رسول الله علمني مما علمك الله تبارك وتعالى فقال النبي صلى الله عليه واله اتق الله لا تحقرن شيئا من المعروف ولو ان تلقى اخاك ووجهك مبسوط إليه واياك واسبال الازار من المخابلة قال الله تبارك وتعالى * (ان الله لا يحب كل مختال فخور) * سورة لقمان ولا تسبن احدا وان امر سبك بامر لا يعلم فيك فلا تسبه بامر تعلمه فيه فيكون لك الاجر وعليه الوزر (وخبر اهيب) بن سماع وروى ان النبي صلى الله عليه واله كان يوما جالسا في نفر من اصحابه وقد صلى الغداة فإذ اقبل اعرابي على ناقة له حتى وقف بباب المسجد فاناخها ثم عقلها ودخل المسجد يتخطى الناس والناس يوسعون له وإذا هو رجل مديد القامة عظيم الهامة معتجر بعمامة فلما مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه واله اسفر عن لثامه ثم هم ان يتكلم فارتج حتى اعترضه ذلك ثلاث مرات فلما رآه النبي صلى الله عليه واله وقد ركبه الزمع لها عنه بالحديث ليذهب عنه بعض الذي اصابه وقد كسا الله نبيه جلالة وهيبة فلما انس وفرح روعه قال له النبي صلى الله عليه واله قل لله ما أنت قائل فانشا يقول رب يوم يعي الالد المداري شره حاضر يروع الرجالا * قمته فانجلى ولو قام فيه مسجل الجن اطاق المقالا * جئت بالاقتدار في ذات نفسي * انني اقهر الرفا والكلالا * فانثت حدتي وفلت ثباتي * والهدى يقهر العمى والضلالا * لم اضق بالكلام ذرعا ولكن * شدة البغى يستجير الحبالا * قال فاستوى رسول الله صلى الله عليه واله جالسا وكان متكئا فقال أنت اهيب بن سماع ولم يره قط قبل وقته ذاك فقال انا اهيب بن سماع


[ 96 ]

الابي الدفاع القوي المناع قال أنت الذي ذهب جل قومك بالغارات ولم ينفضوا رؤوسهم من الهفوات إلا منذ اشهر وسنوات قال انا ذاك قال افتذكر الازمة التي اصابت قومك احرنجم لها الذبح واخلف نوا المريخ وامشعت السماء وانقطعت الانواء واحترقت الغمة وخفت البرية حتى ان الضيف لينزل بقومك وما في الغنم عرق ولا غرر فتر صدون الضب المكنون فتصيدونه وكانك قلت في طريقك الي لتسالني عن جل ذلك وعن حرجه إلا ولا حرج على مضطر ومن كرم الاخلاق بر الضيف قال فقال لا والله لا اطلب اثرا بعد عين لكانك كنت معي في طريقي أو شريكي في امري اشهد لا اله إلا الله وانك محمد رسول الله ثم قال يا رسول الله زدني شرحا وبيانا ازدد بك ايمانا فقال له النبي صلى الله عليه واله اتذكر إذ اتيت صنمك في الظهيرة فعرت له العشيرة قال نعم بابي أنت وامي يا رسول الله ان الحرث بن أبي ضرار المصطلقي جمع لك جموعا ليدهمك بالمدينة واستعان بي على حربك وكان لي صنم يقال له راقب فرقبت خلوته وقممت ساحته ثم نفضت التراب عن راسه ثم عترت له عتيرة فاني لاستخيره في امري واستشيره في حربك إذ سمعت منه صوتا هائلا فوليت عنه هاربا وهو يقول كلاما في معنى كلامه الاول قال فلما كان من غد ركبت ناقتي ولبست لامتي وتكبدت الطريق حتى اتيتك فانر لي سراجك و اوضح لي منهاجك قال قال له النبي صلى الله عليه واله قل لا اله إلا الله وحده لا شريك له واني محمد عبده ورسوله فقالها غير مستنكف واسلم وحسن اسلامه ووقر حب الاسلام في قلبه فقال النبي صلى الله عليه واله لامير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خذ بيده فعلمه القرآن فاقام عند النبي صلى الله عليه واله فلما احذق شيئا من القرآن قال يا نبي الله ان الحرث بن أبي ضرار المصطلقي قد جمع لك جموعا ليدهمك بالمدينة فلو وجهت معي قوما بسرية نشن عليهم الغارة فوجه النبي صلى الله عليه واله ومعه امير المؤمنين عليه السلام وجماعة من المسلمين فظفروا بهم واستاقوا ابلهم وماشيتهم واهيب الذي يقول في اسلامه جبت الفلاة على حرف مبادرة * خطارة تصل الارقال بالخبب * لا تشتكي لم لا جابت جوانبه * وما تاتي لابن السير والتعب * خطرفتها والثريا النجم واقفة * كأنها قطف ملاح من العنب * أو كالجمان زهى في صدر جارية * ممطرة بنظام الدر والذهب * سارت ثلاثا فوافت بعد ثالثة ذات المناهل ارض النخل والكرب * فيها النبي الذي لاحت حقائقه * في معشر يستقوا في ذروة الحسب * حلو الشمائل ميمون نقيبته * محض الضرائب حياد عن الكذب * لا ينثني


[ 97 ]

وسعير الحرب مضرمة * تحش بالنبل والارماح والقضب * والحرب حامية والهام راسية * و الموت يختطف الارواح من كثب * هناك تخبو إذا ما راس اخمصه * سماحها لعظيم الهول والرهب * داخت رقاب الورى من هول رؤيته * إذا بدا لهم في الموكب اللجب (فصل من كلام سيدنا رسول الله صلى اله عليه واله) أما بعد فإن اصدق الحديث كتاب الله واوثق العرى كلمة التقوى * وخير الملل ملة إبراهيم * وخير السنن سنة محمد صلى الله عليه واله * واشرف الحديث ذكر الله * واحسن القصص هذا القرآن * وخير الامور عوامها * وشر الامور محدثاتها * واهدى الهدى هدي الانبياء * واشرف الموت قتل الشهداء * واعمى العمى ضلالة بعد الهدى * وخير العمل ما نفع * وخير الهدى ما اتبع * واليد العليا خير من اليد السفلى * وما قل وكفى خير مما كثر والهى * وشر المعذرة عند حضرة الموت * وشر الندامة ندامة يوم القيامة * ومن الناس من لا ياتي الجمعة إلا نزرا * ولا يذكر الله إلا هجرا * ومن اعظم الخطايا اللسان الكذوب * وخير الغنى غنى النفس * وخير الزاد التقوى * وراس الحكمة مخافة الله * وخير ما القي في القلب اليقين * والارتياب من الكفر * والنياحة من عمل الجاهلية * والغلول من جمر جهنم * و السكر من النار * والشعر من ابليس * والخمر جماعة الاثم * والنساء حبائل الشيطان * والشباب شعبة من الجنون * وشر الكسب كسب الربوا * وشر المال اكل مال اليتيم * والسعيد من وعظ بغيره * والشقي من شقي في بطن امه * وإنما بصير احدكم الى موضع اذرع * والامر الى آخره وملاك الامر خواتمه * وشر الروايات روايات الكذب * وكل ما هو آت قريب * وسباب المؤمن فسوق * وقتاله كفر * واكل لحمه من معصيه الله * وحرمة ماله كحرمة دمه * ومن يتال على الله يكذبه * ومن يستغفر الله يغفر له * ومن يتبع المستمع يستمع الله به * ومن يعف يعف الله عنه * ومن يكظم الغيظ ياجره الله * ومن يصبر على الرزية يعوضه الله * ومن يصم يضاعف الله اجره * ومن يعص الله يعذبه * و (من كلامه صلى الله عليه واله) قوله انكم في زمان من ترك عشر ما أمر به هلك وسيأتي على الناس زمان من عمل بعشر ما أمر به نجى (ومن كلامه عليه السلام)


[ 98 ]

قوله استحيوا من الله حق الحياء قيل له يا رسول الله انا لنستحيي فقال ليس كذلك من استحيي من الله حق الحياء فليحفظ الراس وما حوى والبطن وما وعى وليذكر الموت والبلى ومن اراد الاخرة ترك زينه الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحيا وقال عليه السلام حب الدنيا راس كل خطيئة و قال انكم لا تنالون ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون ولا تبلغون ما تأملون إلا بترك ما تشتهون (فصل من البيان والسؤال) ان سئل سائل عن اول ما فرض الله عليك فقل النظر المؤدي الى معرفته فإن قال لم زعمت ذلك فقل لانه سبحانه قد اوجب معرفته ولا سبيل الى معرفته الا بالنظر في الادلة المؤدية إليها فإن قال فإذا كانت المعرفة بالله عزوجل لا تدرك إلا بالنظر فقد حصل المقلد غير عارف بالله فقل هو ذاك فإن قال فيجب ان يكون جميع المقلدين في النار فقل ان العاقل المستطيع إذا اهمل النظر والاعتبار واقتصر على تقليد الناس فقد خالف الله تعالى وانصرف عن امره ومراده ولم يكفه تقليده في اداء فرضه واستحق العقاب على مخالفته وتفريطه غير انا نرجو العفو عمن قلد الحق والتفضيل عليه ولا نرجوه لمن قلد المبطل ولا نعتقده فيه وكل مكلف يلزمه من النظر بحسب طاقته ونهاية ادراكه وفطنته فاما المقصر الضعيف الذي ليس له استنباط صحيح فانه يجزيه التمسك في الجملة بظاهر ما عليه المسلمون فإن قال كيف يكون التقليد قبيحا من العقلاء المميزين وقد قلد الناس رسول الله صلى الله عليه واله فيما اخبر به عن رب العالمين ورضي بذلك عنهم ولم يكلفهم ما تدعون فقل معاذ الله ان نقول ذلك أو نذهب إليه ورسول الله صلى الله عليه واله لم يرض من الناس التقليد دون الاعتبار وما دعاهم الا الى الاستدلال ونبههم عليه بايات القرآن من قوله سبحانه وتعالى * (اولم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شئ) * الاعراف وقوله * (ان في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لايات لاولى الالباب) * آل عمران وقوله * (وفي الأرض آيات للموقنين وفي انفسكم افلا تبصرون) * الذاريات وقوله * (افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الأرض كيف سطحت) * الغاشية ونحن نعلم انه ما اراد بذلك إلا نظر الاعتبار فلو كان عليه السلام انما دعى الناس الى التقليد ولم يرد منهم الاستدلال لم يكن معنى لنزول هذه الايات ولو اراد ان يصدقوه ويقبلوا قوله تقليدا بغير تأمل واعتبار لم يحتج الى ان يكون على يده ما ظهر


[ 99 ]

من الايات والمعجزات فاما قبول قوله صلى الله عليه واله بعد قيام الدلالة على صدقه فهو تسليم وليس بتقليد وكذلك قبولنا لما اتت به ائمتنا عليهم السلام ورجوعنا الى فتاويهم في شريعة الاسلام فإن قال فابن لنا ما التقليد في الحقيقة وما التسليم ليقع الفرق والبيان فقل التقليد هو قبول قول من لم يثبت صدقه وهذا معنى التقليد لا يكون إلا عن بينة وحجة (فصل من كلام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام مما حفظ عنه في وجوب المعرفة بالله عزوجل وبدينه) قوله وجدت علم الناس في اربع احدها ان تعرف ربك والثاني ان تعرف ما صنع بك والثالث ان تعرف ما اراد منك والرابع ان تعرف ما يخرجك عن دينك قال شيخنا المفيد رحمه الله هذه اقسام تحيط با لمفروض من المعارف لانه اول ما يجب على العبد معرفة ربه جل جلاله فإذا علم ان له الها وجب ان يعرف صنعه وإذا عرف صنعه عرف نعمته فإذا عرف نعمته وجب عليه شكره فإذا اراد تادية شكره وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بفعله وإذا وجب عليه طاعته وجب عليه معرفة ما يخرجه من دينه ليتجنبه فتخلص له به طاعة ربه وشكر انعامه انشد في بعض اهل هذا العصر لنفسه * والزم من الدين ما قام الدليل به * فإن اكثر دين الناس تقليد * فكلما وافق التقليد مختلق * زور وان كثرت فيه الاسانيد * وكل ما نقل الاحاد من خبر * مخالف لكتاب الله مردود * (فصل آخر السؤال و البيان) ان سئل سائل فقال ما اول نعمة الله تعالى عليك فقل خلقه اياي حيا لينفعني فإن ولم زعمت ان خلقه اياك حيا اول النعم فقل لانه خلقني لنفعي ولا طريق لنيل النفع إلا بالحيوة التي يصح معها الادراك فإن قال ما النعمة فقل هي المنفعة إذا كان فاعلها قاصدا لها فإن قال المنفعة فقل هي اللذة الحسنة أو ما يؤدي إليها فان قال لم شرطت ان تكون اللذة حسنة فقل لأن من اللذات لا يكون حسنا فإن قال لم قلت أو ما يؤدي إليها فقل لأن كثيرا من المنافع لا يتوصل إليها إلا بالمشاق كشرب الدواء الكريه والفصد ونحو ذلك من الامور المؤدية الى السلامة واللذات فتكون هذه المشاق منافع لما يؤدي إليه في عاقبة الحال ولذلك قلنا ان التكليف نعمة حسنة لان به ينال مستحق النعيم الدائم واللذات فان قال فما كمال نعم الله تعالى فقل ان نعمه تتجدد علينا في كل حال ولا يستطاع لها الاحصاء فإن قال فما تقولون في شكر


[ 100 ]

المنعم فقل هو واجب فإن قال فمن اين عرفت وجوبه فقل من العقل وشهادته وواضح حجته ودلالته و وجوب شكر المنعم على نعمته مما يتفق العقول عليه ولا تختلف فيه فإن قال فهل أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى بشكر أو يوفي حقها بعمل فقل لا يستطيع احد من العباد من قبل ان الشئ إنما يكون كفوا لغيره إذا سد مسده وناب منابه وقابله في قدره وماثله في وزنه وقد علمنا انه ليس شئ من افعال الخلق تسد مسد نعم الله عليهم لاستحالة الوصف لله تعالى بالانتفاع أو تعلق الحوائج به الى المجازاة وفساد مقال من زعم ان الخلق يحيطون علما بغاية الانعام من الله تعالى عليهم والافضال فيتمكنون من مقابلتها بالشكر على الاستيفاء للواجب والاتمام فيعلم بهذا تقصير العباد من مكافات نعم الله تعالى عليهم ولو بذلوا في الشكر و الطاعات غاية المستطاع وحصل ثوابهم في الاخرة تفضيلا من الله تعالى عليهم واحسانا إليهم وانما سميناه استحقاقا في بعض الكلام لانه وعد به على الطاعات وهو الموجب له على نفسه بصادق وعده وان لم يتناول شرط الاستحقاق على الاعمال وهذا خلاف ما ذهبت إليه المعتزلة إلا أبو القاسم البلخي فانه يوافق في هذا المقال وقد تناصرت به مع قيام الادلة العقلية عليه الاخبار اخبرني شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رضوان الله عليه اجازة قال اخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن عدة من اصحابه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن داود بن كثير عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله تعالى لا يتكلوا العاملون على اعمالهم التي يعملونها لثوابي فانهم لو لا اجمعوا واتعبوا انفسهم واعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون من كرامتي والنعيم في جناني ورفيع الدرجات العلى في جواري ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا والى حسن الظن بي فليطمئنوا فإن رحمتي عند ذلك تدركهم وبمني ابلغهم رضواني ومغفرتي والبسهم عفوي فاني انا الله الرحمن الرحيم بذلك تسميت اخبرني شيخنا المفيد رحمه الله قال اخبرني أبو الحسن أحمد بن الوليد عن أبيه عن محمد بن الحسن الصفار عن علي بن محمد القاشاني عن القاسم بن محمد الاصبهاني عن سليمان بن الخالد المنقري عن سفيان بن عيينه عن حميد بن زياد عن عطاء بن يسار عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال يوقف العبد بين يدي الله تعالى فيقول قيسوا بين نعمي عليه وبين عمله فستغرق النعم


[ 101 ]

العمل فيقول هبوا له النعم وقيسوا بين الخير والشر منه فإن استوى العملان اذهب الله الشر بالخير وادخله الجنة وان كان له فضل اعطاه الله بفضله وان كان عليه فضل وهو من أهل التقوى لم يشرك بالله تعالى واتقى الشرك به فهو من أهل المغفرة يغفر الله له برحمته ويتفضل عليه بعفوة واخبرني ايضا شيخنا المفيد رحمه الله قال اخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن سعد بن خلف عن أبي الحسن عليه السلام انه قال عليك بالجد ولا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله وطاعته فإن الله تعالى لا يعبد حق عبادته (شبهة للبراهمة في النبوة) اعتلت البراهمة في ابطال الرسالة بان قالت ليس يخلو أمر الرسول من حالين أما ان ياتي ما يدل عليه العقل أو بخلافه فإن اتى بما في العقل كان من كمل عقله غنيا عنه لأن الذي ياتيه به مستقر عنده موجود في عقله وان اتى بخلاف ما في العقل فالواجب رد ما ياتيه به لان الله تعالى إنما خلق العقول للعباد ليستحسنوا بها ما استحسنت ويقروا بما اقرت وينكروا ما انكرت (نقض) يقال لهم ان الرسول لا ياتي ابدا بما يخالف العقل غير ان الامور في العقول على ثلاثة اقسام واجب وممتنع و جائز فالواجب في العقل ياتي السمع بايجابه تأكيدا له عند من علمه وتنبيها عليه لمن لم يعلمه والجائز هو الذي يمكن في العقل حسنه تارة وقبحه تارة كانتفاع الانسان بما يتملكه غيره فانه يجوز ان يكون حسنا إذا اذن له فيه مالكه و قبيحا إذا لم ياذن له وكل واحد من القسمين جائز في العقل ولا طريق الى القطع على احدهما إلا بالسمع ومن الا مور التي لا يصل العقل إليها ايضا فيها الى القطع على العلم بادوية الاعلال ومواضعها وطبائعها وخواصها ومقاديرها التي يحتاج إليه منها أو اوزانها فهذا مما لا سبيل للعقل فيه الى حقيقة العلم وليس يمكن امتحان كل ما في البر والبحر ولا تحسن التجربة والسير لما فيها من الخطر المستقبح في العقل فعلم ان هذا مما لا غناء فيه عن طارق السمع وبعد فإن شكر المنعم عندنا وعند البراهمة مما هو واجب في العقل وليس في وجوبه ووجوب تعظيم مبدى النعمة بينا خلاف وشكر الله تعالى وتعظيمه اوجب ما يلزمنا العظيم اياديه لدينا واحسانه الينا ولسنا نعلم بمبلغ عقولنا أي نوع يريده من تعظيمنا له وشكرنا هذا مع الممكن من لطفه يكون في نوع من ذلك لا يعلمه إلا خالقنا (ثم) يقال للبراهمة ايضا لو لم يكن في العقل القسم الجائز الذي ذكرناه وكانت الاشياء في العقول لا تخلو من واجب وممتنع دون ما بيناه لم يستغن مع هذا التسليم عن المرسلين لانهم ينبهون على طرق الاستدلال المسترشدين ويحركون الخواطر


[ 102 ]

بالتذكار الى سنن التأمل والاعتبار وهذا أمر يدل عليه ما نشاهده من احوال العقلاء وافتقارهم الى من يفتح لهم باب الاستدلال اولا وفي بعض ما اوردناه بيان عن غلط البراهمة فيما اعتمدت ونقض لشبهتها التي ذكرت والحمد لله (مختصر من الكلام على اليهود في انكارهم جواز النسخ في الشرع) اعلم ان اليهود طائفتان احداهما تدعي ان نسخ الشرع لا يجوز في العقل والاخرى تجيز ذلك عقلا وتزعم ان المنع منه ورد به السمع فاما المدعون على العقل الشهادة بقبح النسخ فانهم زعموا ان النسخ هو البداء قالوا والبداء لا يجوز على الله تعالى فيقال لهم لم زعمتم ان النسخ هو البداء فإن قالوا للمتعارف بين العقلاء ان الامر بالشئ إذا نهى عنه بعد امره وقد بدا له فيه و كذا إذا نهى عن الشئ ثم أمر به من بعد نهيه قيل لهم ما تنكرون من ان يكون على هذا قسمين احدهما ان يامر الامر بالشئ في وقت وإذا فعل وجاز وقت فعله نهى عنه من بعد فيكون في الحقيقة إنما نهى عن مثله وهذا هو النسخ بعينه وكذلك القول في الامر بالشئ بعد النهي عنه والقسم الاخر ان يامر بفعل الشئ في وقت فإذا اتى ذلك الوقت نهى عنه فيه بعينه قبل ان يفعل ويكون هذا هو البداء دون القسم الاول ويحصل الفرق بين البداء والنسخ ويتضح ان دعويكم فيهما انهما واحد لم تصح فإن قالوا ان العبادة إذا تعلقت على المكلف بامر نهي فالحكمة اقتضتها فمتى تغيرت العبادة دلت على تغيير الحكمة والحكمة لا يجوز تغييرها قيل لهم قالا قلتم ان العبادة إذا الزمت المكلف فالحكمة اقتضتها المصلحة من مصالح المكلف اوجبتها فإذا تغيرت العبادة دلت على ان الحكمة اقتضت ذلك لتغير المصالح (والمصلحة يجوز تغييرها فإن قالوا انا لا نعلم العقل تغيير) قيل لهم وكذلك لا تعرفون بالعقل المصالح ثم يقال لهم ما السبب في ان نقل الله تعالى الانسان من كونه شابا الى ان صيره شيخا وافقره ثم اغناه واماته بعد ان احياه وكيف اصحه ثم اسقمه واوجده ثم اعدمه فكيف تغيرت الحكمة في جميع ما عددنا وما انكرتم من ان يكون هذا كله بداء أي اختلاف في المصالح يكون اوضح من هذا وأما المدعون من اليهود ان ابطال النسخ علم بالسمع دون العقل فانهم ادعوا في ذلك على موسى عليه السلام انه قال ان شريعته دائمة لا تنسخ والذي يدل على بطلان دعواهم هذه ظهور المعجزات على من اتى بالنسخ ولو كان خبرهم حقا لم يصح اتيان ذي معجز بنسخ وهذه المعجزات يعلم انها قد كانت بمثل ما تعلم له اليهود ومعجزات موسى عليه السلام من غير فرق (فصل في ذكر البداء) اعلم ايدك الله تعالى ان اصحابنا دون المتكلمين يقولون بالبداء ولهم في نصرة القول به كلام ومعهم فيه آثار وقد استشنع ذلك منهم مخالفوهم وشنع عليهم به مناظروهم وإنما استشنعوه لظنهم انه يؤدي الى القول بان الله تعالى علم في


[ 103 ]

البداء ما لم يكن يعلم وإذا قدر الناصر للبداء على الاحتراز من هذا الموضع فقد احسن ولم تبق عليه اكثر من اطلاق اللفظ وقد قلنا ان ذلك قد ورد به السمع وقد اتفق لي فيه كلام مع أحد المعتزلة بمصر انا احكيه لتقف عليه (حكاية مجلس في البداء) كنت سئلت معتزليا حضرت معه مجلسا فيه قوم من اهل العلم فقلت له لم انكرت القول بالبداء وزعمت انه لا يجوز على الله تعالى فقال لانه يقتضي ظهور امر الله سبحانه كان عنه مستورا وفي هذا انه قد تجدد له العلم بما لم يكن به عالما فقلت له ابن لنا من اين علمت انه يوجب ذلك وتقتضيه ليسع الكلام معك فيه فقال هذا هو معنى البداء والتعارف يقضي بيننا ولسنا نشك ان البداء هو الظهور ولا يبدو للامر إلا لظهور شئ مجدد من علم أو ظن لم يكن معه من قبل (وبيان ذلك) ان طبيبا لو وصف لعليل ان يشرب في وقته شراب الورد حتى إذا اخذ العليل القدح بيده ليشرب ما امره به قال له الطبيب في الحال صبه ولا تشربه وعليك بشرب النيلوفر بدله فلسنا نشك في ان الطبيب قد استدرك الامر (وظهر له من حال العليل ما لم يكن عالما به من قبل فغير عليه الامر) لما تجدد له من العلم ولو لا ذلك لم يكن معنى لهذا الخلاف فقلت له هذا مما في الشاهد وهو من البداء فيجوز عندك ان يكون في البداء قسم غير هذا فقال لا اعلم في الشاهد غير هذا القسم ولا ارى انه يجوز في البداء قسم غيره ولا يعلم فقلت له ما تقول في رجل له عبد اراد ان يختبر حاله وطاعته من معصيته ونشاطه من كسله فقال له في يوم شديد البرد سر لوقتك هذا الى مدينة كذا لتقبض مالا لي بها فاحسن العبد لسيده الطاعة وقدم المبادرة ولم يحتج بحجة فلما راى سيده مسارعته وعرف شهامته ونهضته شكره على ذلك وقال له اقم على حالك فقد عرفت انك موضع للصنيعة وأهل للتعويل عليك في الامور العظيمد ايجوز عندك هذا وان جاز فهل هو داخل في البداء ام لا فقال هذا مستعمل وراينا مثله في الشاهد وقد بدا فيه للسيد وليس هو قسما ثانيا بل هو بعينه الاول هو الذي لا يجوز على الله عزوجل فقلت له لم زعمت لنه القسم الاول فقال لان في الاول قد استفاد الطبيب علما بحال المريض له يكن بها عالما كما ان في الثاني قد استفاد السيد علما بحال العبد لم يكن بها عالما فهما عندي سواء فقلت له لم جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت اولى من التفرقة بينهما من حيث كان احدهما مريدا لاتمام قبل ان يبدو له فيه فينهى عنه وهو الطبيب والاخر غير مريد لاتمامه على كل وجه وهو سيد العبد بل كيف لم تفرق بينهما من حيث ان


[ 104 ]

الطبيب لم يجز قط ان يقع منه اختلاف الامر إلا لتجدد علم له لم يكن وسيد العبد يجوز ان يقع منه النهي بعد الامر من غير ان يتجدد له علم ويكون عالما بنهضته في الحالين ومسارعته الى ما احب و إنما امره بذلك ليعلم الحاضرون حسن طاعته ومبادرته الى ما امره وانه ممن يجب اصطفاؤه والاحسان إليه والتعويل في الامور عليه قال فإذا سلمت لك الفرق بينهما فما تنكر ان يكون دالا على ان مثالك الذي اتيت به غير داخل في البداء قلت انكرت ذلك من قبل البداء هو عندنا جميعا نهي الامر عما أمر به قبل وقوعه في وقته وإذا كان هذا هو الحد المراعي فهو موجود في مثالنا وقد اجمع العقلاء ايضا على ان السيد فيه قد بدا له فيما أمر به عبده قال فإذا دخل القسمان في البداء فما الذي تجيز على الله تعالى منهما فقلت اقربهما الى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام واشبههما لما أمر الله تعالى في المنام بذبح ولده اسماعيل عليه السلام فلما سارع المأمور راضيا بالمقدور واسلما جميعا صابرين وتله للجبين نهاه الله عن الذبح بعد متقدم الامر واحسن الثناء عليهما وضاعف لهما الاجر وهذا نظير ما مثلت من أمر السيد وعبده وهو النهي عن المأمور به قبل وقوع فعله قال فمن سلم لك ان إبراهيم عليه السلام مامور بذلك من قبل الله سبحانه قلت سلمه لي من يقر بان منامات الانبياء عليه السلام صادقه ويعترف بانها وحي الله في الحقيقة وسلمه لي من يؤمن بالقرآن ويصدق ما فيه من الاخبار وقد تضمن الخبر عن اسماعيل انه قال لابيه عليهما السلام يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء من الصابرين وقول الله تعالى لابراهيم قد صدقت الرؤيا وثناؤه عليه حيث قال (كذلك نجزي المحسنين وليس بمحسن من) امتثل غير أمر الله تعالى في ذبح ولده وهذا واضح لمن انصف من نفسه قال فاني لا اسمي هذا بداء فقلت له ما المانع لك من ذلك اتوجه الحجة عليك به ام مخالفته للمثال المتقدم ذكره فقال يمنعني من ان اسميه البداء ان البداء لا يكشف الا عن متجدد علم لمن بدا له وظهوره له بعد ستره وليس في قصة إبراهيم واسماعيل عليهم السلام ما يكشف عن تجدد علم الله سبحانه ولا يجوز ذلك عليه فلهذا قلت انه ليس ببداء فقلت له هذا خلاف لما سلمته لنا من قبل واقررت به من ان سيد العبد يجوز ان يامره بما ذكرناه ثم يمنعه مما امره به وينهاه مع علمه بانه يطيعه في الحالين لغرضه في كشف امره للحاضرين ثم يقال لك ما تنكر من اطلاق


[ 105 ]

اللفظ بالبداء في قصة إبراهيم واسماعيل عليهما السلام لانها كشفت لهما عن علم متجدد ظهر لهما كان ظنهما سواه وهو ازالة هذا التكليف بعد تعلقة والنهى عن الذبح بعد الامر به قال افتقول ان الله تعالى اراد الذبح لما أمر به ام لم يرده واعلم انك ان قلت انه لم يرده دخلت في مذاهب المجبرة لقولك ان الله تعالى أمر بما لا يريده وكذلك ان قلت انه اراده دخلت في مذهبهم ايضا من حيث انه نهى عما اراده فما خلاصك من هذا فقلت له هذه شبهة يقرب امرها والجواب عنها لازم لنا جميعا لتصديقنا بالقصة واقرارنا بها وجوابي فيها ان الذبح في الحقيقة هو تفرقة الاجزاء ثم قد تسمى الافعال التي في مقدمات الذبح مثل القصد والاضجاع واخذ الشفرة ووضعها على الحلق ونحو ذلك ذبحا مجازا واتساعا ونظير هذا ان الحاج في الحقيقة هو زائر بيت الله تعالى على منهاج ما قررته الشريعة من الاحرام والطواف والسعي وقد يقال لمن شرع في حوائجه لسفره في حجة من قبل ان يتوجه إليه انه حاج اتساعا ومجازا (فاقول) ان مراد الله تعالى فيما أمر به لخليله إبراهيم عليه السلام من ذبح ولده انما كان مقدمات الذبح من الاعتقاد اولا والقصد ثم الاضطجاع للذبح ترك الشفرة على الحلق وهذه الافعال الشاقة ليس بعدها غير الاتمام بتفرقة اجزاء الحلق وعبر عن ذلك بلفظ الذبح ليصح من إبراهيم عليه السلام الاعتقاد له والصبر على المضض فيه الذي يستحق جزيل الثواب عليه ولو فسر له في الامر المراد على التعيين لما صح منه الاعتقاد للذبح ولا كان ما أمر به شاقا يستحق عليه الثناء والمدح وعظيم الاجر (الذي) نهى الله تعالى عنه هو الذبح في الحقيقة وهو الذي لم يبق غيره ولم تتعلق الارادة قط به فقد صح بهذا ان الله تعالى لم يامر بما لا يريد ولا نهى عما اراد والحمد لله قال الخصم فقد انتهى قولك الى ان الذي امر به غير الذي نهى عنه وليس هذا هو البداء فقلت أما في ابتداء الامر فما ظن إبراهيم عليه السلام إلا ان المراد هو الحقيقة وكذلك كان ظن ولده اسماعيل عليه السلام فلما انكشف بالنهي لهما ما علماه مما كان ظنهما سواه كان ظاهره بداء لمشابهته لحال من يامر بالشئ وينهى عنه بعينه في وقته وليستسلمه على ظاهر الامر دون باطنه فلم يرد على ما ذكرت شيئا وهذا الذي اتفق لي من الكلام في البداء والحمد لله (مسألة) فان قال قائل ما تقولون في الذبيح ومن كان من ولدي إبراهيم صلى الله عليه اكان اسماعيل ام اسحاق عليهما السلام قلنا الذبيح عندنا هو اسماعيل وبهذا يشهد


[ 106 ]

ظاهر القرآن والخبر المأثور عن النبي صلى الله عليه واله اما القرآن فإن الله تعالى قال حكاية عن ابراهيم عليه السلام * (رب هب لي من الصالحين) * الصافات فاخبر عن سؤاله في الولد قال الله تعالى * (فبشرناه بغلام حليم) * الصافات ثم اخبر عن حال هذا الغلام فقال فلما بلغ معه السعي * (قال يا بني انى ارى في المنام اني اذبحك) * الصافات فوصف قصة الذبح المختصة بهذا الغلام الى قوله * (انا كذلك نجزى المحسنين) * الصافات ثم قال بعد ذلك * (وبشرناه باسحاق نبيا من الصالحين) * الصافات فاعلمنا ان اسحاق إنما اتاه بعد الولد الاول الذي اجيبت فيه دعوته وراى في المنام انه يذبحه وهذا يدل على انه غير اسحاق وليس غيره ممن ينسب هذا إليه إلا اسماعيل عليه السلام وأما الخبر المأثور فقول رسول الله صلى الله عليه واله انا ابن الذبيحين يعنى اسماعيل وعبد الله بن عبد المطلب ولو كان الذبيح اسحاق لما صح هذا الخبر على ظاهره لانه ليس هو ابنه وهو ابن اسماعيل عليه السلام (فصل) جاء في الحديث ان الله تعالى بعث الى عبد المطلب في منامه ملكا فقال له يا عبد المطلب احفر زمزم قال وما زمزم قال تراث ابيك آدم عليه السلام وجدك الاقدم عند الفرث والدم عند الغراب الاعصم وان عبد المطلب راى ذلك في منامه ثلاث ليال متواليات واصبح اليوم الرابع فقعد عند البيت الحرام فبينا هو قاعد إذا بقرة قد افلتت من بعض الجزارين في اعلا الابطح من وثاقها حتى جاءت الى موضع زمزم فوقفت هناك فجزرت مكانها وسقط غراب اعصم على الفرث والدم والاعصم هو الذي احدى رجليه بيضاء فقال عبد المطلب هذا تأويل رؤياي فحفرها في موضعها فصعب عليه الحفر فقال اللهم ان لك على نذرا ان اتقرب ببعض ولدي ان انبطت الماء فلما نبع الماء عزم على ان يقرب بعض ولده فجاء بنو مخزوم وسائر قريش فقالوا له اقرع بين ولدك فخرجت القرعة على عبد الله فقال بنو مخزوم له افد ولدك بمالك فاقرع بينه وبين عشرة من الابل فخرجت القرعة على عبد الله فجعلها عشرين وقرع بينه وبينها فخرجت القرعة على عبد الله فما زال كذلك حتى صارت الابل مائة و في حديث آخر انها بلغت الفا وهي دية الملوك فعند ذلك وقعت القرعة على الابل فقربها فجعلها هديا اخبرني شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله رضي الله عنه قال اخبرني أبو محمد بن هارون بن موسى قال اخبرني محمد بن همام عن أبي محمد الحسن بن جمهور قال حدثني أبي قال حدثني الحسن بن محبوب عن علي بن رباب عن مالك بن عطية قال لما حفر عبد المطلب بن هاشم زمزم وانبط منها الماء اخرج منها غزالين من ذهب وسيوفا وادراعا فجعل الغزالين زينة للكعبة واخذ السيوف والدروع وقال هذه وديعة كان اودعها مضاض الجرهمي بن الحرث بن عمرو بن مضاض


[ 107 ]

والحارث الذي يقول كأن لم يكن بين الجحون الى الصفا * انيس ولم يسمر بمكة سامر * بلى نحن كنا اهلها فابادنا * صروف الليالي والجدود العواثر * ويمنعنا من كل فج نريده * اقب كسرحان الان بات ضامر * وكل لجوج في الجراء طمره * كعجزاء فتحاء الجناحين كاسر * والقصيدة طويلة فحسدته قريش بذلك فقالوا نحن شركاؤك فيها فقال هذه فضيلة نبئت بها دونكم رأيتها في منامي ثلاث ليال تباعا فقالوا فحاكمنا الى من شئت من حكام العرب فخرجوا الى الشام يريدون أحد كهانها وعلمائها فأصابهم عطش شديد فأوصى بعضهم الى بعض فبينا هم على تلك الحال إذ بركت ناقة عبد المطلب فنبع الماء من بين اخفافها فشربوا وتزودوا وقالوا يا عبد المطلب ان الذي سقاك في هذه الاودية القفر هو الذي سقاك بمكة فرجعوا وسلموا له هذه الماثرة (بيان عن قول النصارى ومسألة عليهم لا جواب لهم عنها) اعلم انهم يزعمون ان المسيح عليه السلام مجموع شيئين لاهوت وناسوت يعنون با للاهوت الله سبحانه وتعالى عما يقولون وبالناسوت الانسان وهو جسم المسيح ان هذين الشيئين اتحدا فصارا مسيحا ومعنى قولهم اتحدا اي صارا شيئا واحدا في الحقيقة وهو المسيح فيقال لهم انتم مجمعون معنا على ان الاله قديم وان الجسم محدث وقد زعمتم انهما صارا واحدا فما حال هذا الواحد اهو قديم ام محدث فإن قالوا هو قديم قيل لهم فقد صار المحدث قديما لانه من مجموع شيئين احدهما محدث وان قالوا هو محدث قيل لهم فقد صار القديم محدثا لانه من مجموع شيئين احدهما قديم وهذا ما لا حيلة لهم فيه وليس يتسع لهم ان يقولوا بعضه قديم وبعضه محدث لأن هذا ليس باتحاد في الحقيقة ولا ان يقولوا هو قديم محدث لتناقض ذلك واستحال ولان يقولوا ليس هو قديم ولا محدث فظاهر فساد ذلك ايضا وبطلانه وهذا كاف في ابطال الالحاد الذي ادعوه وقد سالهم بعض المتكلمين فقال إذا كنتم تعبدون المسيح والمسيح اله وانسان فقد عبدتم الانسان وعبادة الانسان كفر بغير اختلاف (مسألة اخرى عليهم) قال لهم إذا كان المسيح عندكم مجموع من شيئين اله وانسان فاخبرونا عن القتل والضرب والصلب ما ذا وقع اتقولون انه وقع بهما ام باحدهما فان قالوا بهما قيل لهم ففي هذا ان الاله ضرب وصلب وقتل ودفن وهي فضيحة لا ينتهى إليها ذو عقل وان قالوا بل وقع ذلك على احدهما وهو الناسوت لأن اللاهوت لا يجوز هذا عليه قيل لهم فإذا قد صح مذهب المسلمين


[ 108 ]

في انهم ما قتلوا المسيح ولا صلبوه لأن المسيح عندكم ليس هو الناسوت بانفراده وانما هو مجموع شيئين لم يظفر اليهود إلا باحدهما الذي هو المسيح (مسألة اخرى عليهم) يقال لهم ايجوز ان يكون جسم متحرك وشخص آكل شارب تحله الاعراض الحادثات وتناله الالام والافات قديما فإن قالوا ايجوز ذلك لم يامنوا ان يكون ناسوتا قديما وان قالوا لا يجوز ذلك قيل لهم فالمسيح عليه السلام كانت فيه هذه الصفات معلومات مرئيات فإن انكروا ذلك كابروا وقبح معهم الكلام وان اقروا به وقالوا قد كان على هذه الصفات قيل لهم فقد صح حدوثه وبطل قدمه وحصلتم عابدين لبشر مخلوق مربوب فإن قالوا إنما رأينا ناسوته المحدث ولم نر لاهوته القديم قيل لهم اوليس من مذهبكم انهما اتحدا وصارا شيئا واحدا فإذا قالوا نعم قيل لهم فيجب ان يكون من راى احدهما فقد رآهما وان لم يكن الامر كذلك فما اتحدا (فصل آخر من قولهم وكلام عليهم) هم يذهبون الى ان الههم من ثلاثة اقانيم والاقنوم عندهم هو الجوهر يعنون الاصل فالثلاثة الجواهر عندهم اله واحد ويسمون هذه الثلاثة الاب والابن والروح فيقال لهم إذا جاز ان يكون عندكم ثلاثة اقانيم الها واحدا فلم لا يجوز ان يكون ثلاثة آلهه اقنوما واحدا ويكون ثلاثة فاعلين جوهرا واحدا فيما ابطلوا به هذا بطل قولهم سواء (فصل من قولهم) وقد احتجوا فقالوا وجدنا من له ابن اشرف وافضل ممن لا ابن له ومن لا ابن له ناقص قالوا وكذلك وجدنا من لا حيوة له ميت والروح هي الحيوة فوجب ان تصف الهنا بالشرف والكمال ووجود الحيوة فيقال لهم فقولوا ان له بنين عدة فإن ذلك اكثر لشرفه واسنى لمنزلته بل قولوا ان له نسلا وان جدا لأن من له ابن اجل ممن ليس له الابن فقط وإذا اوجبتم الروح التي زعمتم انها الحيوة لئلا يكون ميتا فاوجبوا له علما لئلا يكون جاهلا وقدره لئلا يكون عاجزا قولوا ايضا ان له عينين ليكون ناظرا وجميع الحواس ليكون مدركا فإن قالوا ان كان له ما ذكرتم لما اتحد بالناسوت فصار مسيحا قيل لهم بل يجب ان يكون له فيما لم يزل ولا كان ناقصا (فصل من الالفاظ التي يقرون ان المسيح عليه السلام قالها وهي دالة على بطلان مذهبهم فيه) قوله في الانجيل لا يكون الرسول اعظم ممن ارسله وقوله من آمن بى وآمن بالذي ارسلني وقوله يا الهي قد علموا انك أنت الله وحدك لا شريك لك وانك أنت الله الخالق وانك أنت ارسلت المسيح عيسى ليبلغ رسالتك وان نعبدك وحدك لا شريك لك وقال له الحواريون اين تذهب وتدعنا فقال اذهب الى الهي والهكم فاسئله ان يبعث


[ 109 ]

اليكم البرقليط فانه الذي يذكركم الحق ولا يتكلم إلا بامره وإذا جاءكم فهو يشهد لي ويبين لكم امري وزعموا ان الشيطان جرب المسيح واراه ملكوت الأرض وقال له هذا كله لي فاسجد سجدة واحدة اعطيكه واسلطك عليه فقال له اعزب عني فان الله امرني ان لا اسجد لغيره وقال الحواريون الان علمنا ان الله بعثك فرفع عينه الى السماء فقال رب قد بلغت رسالتك وإنما جنة الخلد لمن علم انك وحدك وانك ارسلت المسيح من عندك وقد امرتهم يا الهي بالذي امرتني به علموا انك ارسلتني فكيف ابتغي لك من الناس ولا ابتغي للناس منك (فصل) فإن قالوا هذا كله انما قاله المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته قيل لهم وما يدريكم ذلك وبعد فهل هو صادق فيما قال ام كاذب فإن قالوا كاذب اعظموا الفرية وقيل لهم وما يؤمنكم ان يكون جميع ما قاله لكم كذب أو كيف يتحد الاله الصادق بالانسان الكاذب وان قالوا انه لم يقل إلا حقا قيل لهم فاي حجة بقيت في ايديكم مما اقررتم بان المسيح قاله وصدق فيه وهل هو إلا دال على ما يقول المسلمون وقد احتجوا بان في الانجيل امضى الى أبي فيقال لهم في هذا انه قد شارككم بهذا اللفظ في النبوة فإن وجب ان يكون ابنه فالجميع ابناؤه على انه لفظ يحتمل التأويل ويكون معناه ربي وربكم والهي والهكم في هذا المختصر من الكلام عليهم كفايد والحمد لله (رسالة كتبتها الي أحد الاخوان وسميتها بالبيان عن جمل اعتقاد أهل الايمان) بسم الله الرحمن الرحيم سئلت يا اخى اسعدك الله بالطافه وايدك باحسانه واسعافه ان اثبت لك جملا من اعتقاد الشيعة المؤمنين واصولا في المذهب يكون عليها بناء المسترشدين لتذاكر نفسك بها وتجعلها عدة لطالبها وانا اختصر لك القول واجمله واقرب الذكر واسهله واورده على سنن الفتيا في المقالة من غير حجة ولا دلالة وما توفيقي إلا بالله (اعلم) ان الواجب على المكلف ان يعتقد حدوث العالم باسره وانه لم يكن شيئا قبل وجوده ويعتقد ان الله هو محدث جميعه من اجسامه واعراضه إلا افعال العباد الواقعة منهم فانهم محدثوها دونه سبحانه ويعتقد ان الله تعالى قديم وحده لا قديم سواه وانه موجود لم يزل وباق لا يزال وانه شئ لا كالاشياء لا يشبه الموجودات ولا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات وان له صفات يستحقها لنفسه لا لمعان غيره وهي كونه حيا عالما قادرا قديما باقيا لا يجوز خروجه عن هذه الصفات الى ضدها يعلم الكائنات قبل كونها ولا يخفى عليه


[ 110 ]

شئ منها وان له صفات افعال لا يصح اضافتها إليه في الحقيقة إلا بعد فعله وهي ما وصف به نفسه من انه خالق ورازق ومعط وراحم ومالك ومتكلم ونحو ذلك وان له صفات مجازات وهي ما وصف به نفسه من انه يريد ويكره ويرضى ويغضب فارادته لفعل هي الفعل المراد بعينه وارادته لفعل غيره هي امره بذلك الفعل وليس تسميتها بالارادة حقيقة وانما هو على مجاز اللغة وغضبه هو وجود عقابه ورضاه هو وجود ثوابه وانه لا يفتقر الى مكان ولا يدرك بشئ من الحواس وانه منزه من القبائح لا يظلم العباد وان كان قادرا على الظلم لانه عالم بقبحه غني عن فعله قوله صدق ووعده حق لا يكلف خلقه ما لا يستطاع ولا يحرمهم صلاحا لهم فيه الانتفاع ولا يامر بما لا يريد ولا ينهى عما يريد وانه خلق الخلق لمصلحتهم وكلفهم لاجل منازل منفعتهم و ازاح في التكليف عللهم وفعل اصلح الاشياء بهم وانه اقدرهم قبل التكليف واوجدهم العقل والتمييز وان القدرة تصلح ان يفعل بها الشئ وضده بدلا منه وان الحق الذي تجب معرفته تدرك بشيئين وهما العقل والسمع وان التكليف العقلي لا ينفك من التكليف السمعي وان الله تعالى قد اوجد للناس في كل زمان مسمعا من انبيائه وحججه بينه وبين الخلق ينبههم على طريق الاستدلال في العقليات ويفقههم على ما لا يعلمون الا به من السمعيات وان جميع حجج الله تعالى محيطون علما بجميع ما يفتقر إليهم فيه العباد وانهم معصومون من الخطا والزلل عصمة اختيار وان الله فضلهم على خلقه وجعلهم خلفاء القائمين بحقه وانه اظهر على ايديهم المعجزات تصديقا لهم فيما ادعوه من الانباء والاخبار وانهم مع ذلك باجمعهم عباد مخلوقون وبشر مكلفون ياكلون ويشربون ويتناسلون ويحيون باحيائه ويموتون باماتته تجوز عليهم الالام المعترضات فمنهم من قتل ومنهم من مات لا يقدرون على خلق ولا رزق ولا يعلمون الغيب الا ما اعلمهم اله الخلق وان اقوالهم صدق وجميع ما اتوا به حق وان افضل الانبياء اولي العزم وهم خمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه واله وعليهم وان محمدا صلى الله عليه واله بن عبد الله افضل الانبياء اجمعين وخير الاولين والاخرين وانه خاتم النبيين وان آباءه من آدم عليه السلام الى عبد الله بن عبد المطلب رضوان الله عليهم كانوا جميعا مؤمنين موحدين لله تعالى عارفين وكذلك كان أبو طالب بن عبد المطاب رضوان الله عليه ويعتقد ان الله سبحانه شرف نبينا محمد صلى الله عليه واله بباهر الايات


[ 111 ]

وقاهر المعجزات فسبح في كفه الحصا ونبع من بين اصابعه الماء وغير ذلك مما قد تضمنته الانباء واجمع على صحته العلماء واتى بالقرآن المبين الذي بهر به السامعين وعجز عن الاتيان بمثله سائر الملحدين وان القرآن كلام رب العالمين وانه محدث ليس بقديم ويجب ان يعتقد ان جميع ما فيه من الايات الذي يتضمن ظاهرها تشبيه الله تعالى بخلقه وانه يجبرهم على طاعته أو معصيته أو يضل بعضهم عن طريق هدايته فإن ذلك كله لا يجوز حمله على ظاهرها وان له تأويلا يلائم ما تشهد العقول به مما قدمنا ذكره في صفات الله تعالى وصفات انبيائه فإن عرف المكلف تأويل هذه الايات فحسن وإلا اجزاه ان يعتقد في الجملة انها متشابهات وان لها تأويلا ملائما تشهد بما تشهد به العقول والايات المحكمات وفي القرآن المحكم والمتشابه والحقيقة والمجاز والناسخ والمنسوخ والخاص والعام ويجب عليه ان يقر بملائكة الله اجمعين وان منهم جبرئيل وميكائيل وانهما من الملائكة الكرام كالانبياء بين الانام وان جبرئيل عليه السلام هو الروح الامين الذي نزل بالقرآن على قلب محمد خاتم النبيين وهو الذي كان ياتيه بالوحي من رب العالمين ويجب الاقرار بان شريعة الاسلام التي اتى بها محمد عليه السلام ناسخة لما خالفها من شرائع الانبياء المتقدمين وانه يجب التمسك بها والعمل بما تضمنته من فرائضها وان ذلك دين الله الثابت الباقي الى ان يرث الله الأرض ومن عليها لا حلال إلا ما احلت ولا حرام إلا ما حرمت ولا فرض إلا ما فرضت ولا عبادة الا ما اوجبت وان من ينصرف عن الاسلام وتمسك بغيره كافر ضال مخلد في النار ولو بذل من الاجتهاد في العبادة غاية المستطاع وان من اظهر الاقرار بالشهادتين كان مسلما ومن صدق بقلبه ولم يشك في فرض اتى به محمد صلى الله عليه واله كان مؤمنا ومن الشرائط الواجبة للايمان العمل بالفرائض اللازمة فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن وقول الله تعالى ان الدين عند الله الاسلام إنما اراد به الاسلام الصحيح التام الذي يكون المسلم فيه عارفا مؤمنا عالما بالواجبات طائعا ويجب ان يعتقد ان حجج الله تعالى بعد رسوله الذين هم خلفاؤه وحفظة شرعه ائمة امته اثنا عشر أهل بيته أو لهم اخوه وابن عمه وصهره بعل فاطمة الزهراء ابنته ووصيه على امته علي بن أبي طالب امير المؤمنين ثم الحسن بن علي الزكي ثم الحسين بن علي الشهيد ثم علي بن الحسين زين


[ 112 ]

العابدين ثم محمد بن علي باقر العلوم ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي التقي ثم علي بن محمد المنتجب ثم الحسن بن علي الهادي ثم الخلف الصالح بن الحسن المهدي صلوات الله عليهم اجمعين لا امامة بعد رسول الله صلى الله عليه واله إلا لهم عليهم السلام ولا يجوز الاقتداء في الدين إلا بهم ولا اخذ معالم الدين إلا عنهم وانهم في كمال العلم والعصمة من الاثام نظير الانبياء عليهم السلام وانهم افضل خلق الله بعد رسوله عليه السلام وان امامتهم منصوص عليها من قبل الله على اليقين والبيان وانه سبحانه اظهر على ايديهم الايات واعلمهم كثيرا من الغائبات والامور المستقبلات ولم يعطهم من ذلك إلا ما قارن وجها يعمله من اللطف والصلاح وليسوا عارفين بجميع الضمائر والغائبات على الدوام ولا يحيطون العلم بكل ما علمه الله تعالى والايات التي تظهر على ايديهم هي فعل الله دونهم اكرمهم بها ولا صنع لهم فيها وانهم بشر محدثون وعباد مصنوعون لا يخلقون ولا يرزقون وياكلون ويشربون وتكون لهم الازواج وتنالهم الالام والاعلال ويستضامون ويخافون فيتقون وان منهم من قتل ومنهم من قبض وان امام هذا الزمان هو المهدي ابن الحسن الهادي وانه الحجة على العالمين وخاتم الائمه الطاهرين لا امامة لاحد بعد امامته ولا دولة بعد دولته وانه غائب عن رعيته غيبة اضطرار وخوف من أهل الضلال وللمعلوم عند الله تعالى في ذلك الصلاح ويجوز ان يعرف نفسه في زمن الغيبة لبعض الناس وان الله عزوجل سيظهره وقت مشيئته ويجعل له الاعوان والاصحاب فيمهد الدين به ويطهر الارض على يديه ويهلك أهل الضلال ويقيم عمود الاسلام ويصير الدين كله لله وان الله عزوجل يظهر على يديه عند ظهوره الاعلام وتاتيه المعجزات بخرق العادات ويحيى له بعض الاموات فإذا اقام في الناس المدة المعلومة عند الله سبحانه قبضه إليه ثم لا يمتد بعده الزمان ولا تتصل الايام حتى تكون شرائط الساعة واماتة من بقي من الناس ثم يكون المعاد بعد ذلك ويعتقد ان افضل الائمة عليهم السلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانه لا يجوز ان يسمى بامير المؤمنين أحد سواه وان بقية الائمة صلوات اله عليهم يقال لهم الائمة والخلفاء والاوصياء والحجج وانهم كانوا في الحقيقة امراء المؤمنين فانهم لم يمنعوا من هذا الاسم لاجل معناه لانه حاصل لهم على الاستحقاق وإنما منعوا من لفظه حشمة لامير المؤمنين عليه السلام و


[ 113 ]

ان افضل الائمة بعد أمير المؤمنين ولده الحسن ثم الحسين وافضل الباقين بعد الحسين امام الزمان المهدي صلى الله عليه واله ثم بقية الائمة بعده على ما جاء به الاثر وثبت في النظر وان المهدي عليه السلام هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه واله انه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر فيه رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملاها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا فاسمه يواطئ اسم رسول الله صلى الله عليه واله وكنيته تواطئ كنيته غير ان النهي قد ورد عن اللفظ فلا يجوز ان يتجاوز في القول المهدي والمنتظر والقائم بالحق والخلف الصالح وامام الزمان وحجة الله على الخلق ويجب ان يعتقد ان الله فرض معرفة الائمة عليهم السلام باجمعهم وطاعتهم وموالاتهم والاقتداء بهم والبراءة من اعدائهم وظالميهم ومخالفيهم والمتعلين على مقاماتهم والمدعين لمنازلهم واشياعهم واتباعهم وجميع المتفقيهن لغير الائمة صلوات الله عليه وانه لا يتم الايمان إلا بموالاة اولياء الله ومعاداة اعدائه وان اعداء الائمة عليهم السلام كفار ملحدون في النار وان اظهروا الاسلام فمن عرف الله ورسوله والائمة الاثني عشر وتولاهم وتبرا من اعدائهم فهو مؤمن ومن انكرهم أو شك فيهم أو انكر احدهم أو شك فيه أو تولى اعدائهم أو احد اعدائهم فهو ضال هالك بل كافر لا ينفعه عمل ولا اجتهاد ولا تقبل له طاعة ولا يصح له حسنات ويعتقد ان الله يزيد وينقص إذا شاء في الارزاق والاجال وانه لم يرزق العبد إلا ما كان حلالا طيبا ويعتقد ان باب التوبة مفتوح لمن طلبها وهي الندم على ما مضى من المعصية والعزم على ترك المعاودة الى مثلها وان التوبة ماحية لما قبلها من المعصية التي تاب العبد منها وتجوز التوبة من زلة إذا كان التائب منها مقيما على زلة غيرها لا تشبهها ويكون له الاجر على التوبة وعليه وزر ما هو مقيم عليه من الزلة وان الله يقبل التوبة بفضله وكرمه وليس ذلك لوجوب قبولها في العقل قبل الوعد وإنما علم بالسمع دون غيره ويجب ان يعتقد ان الله سبحانه يميت العباد ويحييهم بعد الممات ليوم المعاد وان المحاسبة حق والقصاص وكذلك الجنة والنار والعقاب وان مرتكبي المعاصي من العارفين بالله ورسوله والائمة الطاهرين المعتقدين لتحريمها مع ارتكابها المسوفين التوبة منها عصاة فساق وان ذلك لا يسلبهم اسم الايمان كما لم يسلبهم اسم الاسلام وانهم يستحقون العقاب


[ 114 ]

على معاصيهم والثواب على معرفتهم بالله تعالى ورسوله والائمة من بعده صلوات الله عليهم وما بعد ذلك من طاعتهم وامرهم مردود الى خالقهم وان عفا عنهم فبفضله ورحمته وان عاقبهم فبعدله وحكمته قال الله سبحانه * (وآخرون مرجون لامر الله أما يعذبهم وأما يتوب عليهم) * التوبة وان عقوبة هؤلاء العصاة إذا شاءها الله تعالى لا تكون مؤبدة ولها آخر يكون بعده دخولهم الجنة وليسوا من جملة من توجه إليهم الوعيد بالتخليد والعفو من الله تعالى يرجى برجاء العصاة المؤمنين وقد غلطت المعتزلة فسمت من يرجو العفو مرجئا وإنما يجب ان يسمى راجيا و لا طريق الى القطع على العفو وإنما هو الرجاء والتجوير فقط ويعتقد ان لرسول الله صلى الله عليه واله والائمة من بعده عليهم السلام شفاعة مقبولة يوم القيامة ترجا للمؤمنين من مرتكبي الاثام ولا يجوز ان يقطع الانسان على انه مشفوع فيه على كل حال ولا سبيل له الى العلم بحقيقة هذه الحال وإنما يجب ان يكون المؤمن واقفا بين الخوف والرجاء ويعتقد ان المؤمنين الذين مضوا من الدنيا وهم غير عاصين يؤمر بهم يوم القيامة الى الجنة بغير حساب وان جميع الكفار و المشركين ومن لم تصح له الاصول من المؤمنين يؤمر بهم يوم القيامة الى الجحيم بغير حساب وإنما يحاسب من خلط عملا صالحا وآخر سيئا وهم العارفون العصاة وان انبياء الله تعالى وحججه عليهم السلام هم في القيامة المسؤولون للحساب باذن الله تعالى وان حجة أهل كل زمان يتولى أمر رعيته الذين كانوا في وقته وان سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله والائمة الاثني عشر من بعده عليهم السلام هم اصحاب الاعراف الذين لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار الا من انكرهم وانكروه وان رسول الله صلى الله عليه واله يحاسب أهل وقته وعصره وكذلك كل امام بعده وان المهدي عليه السلام هو المواقف لاهل زمانه والمسائل للذين في وقته وان الموازين التي توضع في القيامة هي اقامة العدل في الحساب والانصاف في الحكم والمجازاة وليست في الحقيقة موازين بكفات وخيوط كما تظن العوام (وان الصراط المستقيم في الدنيا دين محمد وآل محمد عليهم السلام وهو في الاخرة طريق الجنان) وان الاطفال والمجانين والبله من الناس يتفضل عليهم في القيامة بان تكمل عقولهم ويدخلون الجنان وان نعيم أهل الجنة متصل ابدا بغير نفاد وان عذاب المشركين والكفار متصل في النار بغير نفاد ويجب ان تؤخذ معالم الدين في زمان الغيبة من ادلة العقل وكتاب الله عزوجل والاخبار المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه واله وعن الائمة عليهم السلام وما اجمعت عليه الطائفة الامامية واجماعها حجة فاما عند ظهور الامام عليه السلام فانه المفزع عند المشكلات وهو المنبه على العقليات والمعرف بالسمعيات كما كان النبي صلى الله عليه واله ولا يجوز استخراج الاحكام في السمعيات بقياس ولا اجتهاد فاما العقليات فيدخلها القياس والاجتهاد ويجب على العاقل مع هذا كله إلا يقنع


[ 115 ]

بالتقليد في الاعتقاد وان يسلك طريق التأمل والاعتبار ولا يكون نظره لنفسه في دينه اقل من نظره لنفسه في دنياه فانه في امور الدنيا يحتاط ويحترز ويفكر ويتامل ويعتبر بذهنه ويستدل بعقله فيجب ان يكون في أمر دينه على اضعاف هذه الحال فالغرر في أمر الدين اعظم من الغرر في أمر الدنيا فيجب ان لا يعتقد في العقليات إلا ما يصح عنده حقه ولا يسلم في السمعيات إلا لمن ثبت له صدقه نسئل الله حسن التوفيق برحمته وإلا يحرمنا ثواب المجتهدين في طاعته قد اثبت لك يا اخي ايدك الله ما سئلت واقتصرت وما اطلت والذي ذكرت اصل لما تركت والحمد لله وصلواته على سيدنا محمد رسوله وآله وسلم (فصل في ذكر مولد أمير المؤمنين صلى الله عليه) روى المحدثون وسطر المصنفون ان أبا طالب بن عبد المطلب بن هاشم وامراته فاطمة بنت اسد بن هاشم رضوان الله عليهما لما كفلا سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله استبشرا بغرته واستسعدا بطلعته واتخذاه ولدا لانهما لم يكونا رزقا من الولد احدا ثم انه نشا عليه السلام اشرف نشوء واحسنه وافضله وايمنه فراى فاطمة ورغبتها في طلب الولد وقربانها وقتا بعد وقت فقال لها يا امه اجعلي قربانك لوجه الله تعالى خالصا ولا تشركي معه احدا فانه يرضاه منك ويتقبله ويعطيك طلبتك ويعجله فامتثلت فاطمة امره وقبلت قوله وقربت قربانا مضاعفا وجعلته لله تعالى خالصا وسالته ان يرزقها ولدا صالحا ذكرا فأجاب الله عزوجل دعاها وبلغها مناها ورزقها من الاولاد خمسة عقيلا ثم طالبا ثم جعفرا ثم عليا ثم اختهم فاخته المعروفة بام هاني فمما جاء من حديثها قبل ان ترزق اولادها انها جلست يوما تتحدث مع عجائز العرب والفواطم من قريش منهن فاطمة ابنة عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم جدة رسول الله صلى الله عليه واله لابيه وفاطمة ابنه زائدة بن الاصم وهي ام خديجة بنت خويلد وفاطمة ابنه عبد الله رزام وفاطمة ابنه الحارث بن عكرشة وتمام الفواطم التي انتمى اليهن رسول الله صلى الله عليه واله فاطمة ام قصي وهي ابنه نضر فانهن لجلوس إذ اقبل رسول الله بنوره الباهر وسعده الظاهر وقد تبعه بعض الكهان ينظر إليه ويطيل فراسته فيه الى ان اتى اليهن فسئلهن عنه فقلن هذا محمد ذو الشرف الباذخ والفضل الشامخ فاخبرهن الكاهن بما يعلمه من رفيع قدره وبشرهن بما سيكون من مستقبل امره وانه سيبعث نبيا وينال منالا عليا وقال ان التي تكفله منكن في صغره سيكفل لها ولدا يكون عنصره من عنصره يختصه بسره وبصحبته ويحبوه بمصافاته واخوته فقالت له فاطمة ابنه اسد


[ 116 ]

رضوان الله عليها انا التي كفلته وانا زوجة عمه الذي يرجوه ويؤمله فقال ان كنت صادقة فستلدين غلاما علاما مطواعا لربه هماما اسمه على ثلاثة احرف يلي هذا النبي في جميع اموره وينصره في قليله وكثيره حتى يكون سيفه على اعدائه وبابه لاوليائه يفرج عن وجهه الكربات ويجلو عنه حندس الظلمات تهاب صولته اطفال المهاد وترتعد من خيفته الفرائض عن الجلال له في فضائل شريفة ومناقب معروفة وصلة منيعة ومنزلة رفيعة يهاجر الى النبي في طاعته ويجاهد بنفسه في نصرته وهو وصيه الداقن له في حجرته قالت ام علي عليه السلام جعلت افكر في قول الكاهن فلما كان الليل رايت في منامي كان جبال الشام قد اقبلت تدب وعليها جلابيب الحديد وهي تصيح من صدورها بصوت مهول فاسرعت نحوها جبال مكة واجابتها بمثل صياحها واهول وهي تصيح كالشرد المحمر (المحمر الناقة يلبوس في بطنها ولد فلا تخرج حتى تموشق الشرد البعير النافر) وأبو قبيس ينتفض كالفرس ونصال تسقط عن يمينه وشماله والناس يلتقطون ذلك فلقطت معهم اربعة اسياف وبيضة حديدة مذهبة فاول ما دخلت مكة سقط منها سيف في ماء فغمر وطار الثاني في الجو واستمر وسقط الثالث الى الأرض فانكسر وبقي الرابع في يدي مسلولا فبينا انا به اصول إذ صار السيف شبلا فتبينته فصار ليثا مهولا فخرج عن يدي ومر نحو الجبال يجوب بلاطحها ويخرق صلادحها والناس منه مشفقون ومن خوفه حذرون إذ اتى محمد صلى الله عليه واله فقبض على رقبته فانقاد له كالظبية الالوف فانتبهت وقد راعني الزمع والفزع فالتمست المفسرين فطلبت القائفين والمخبرين فوجدت كاهنا زجر لي بحالي واخبرني منامي وقال لي أنت تلدين اربعة اولاد ذكور وبنتا بعدهم وان أحد البنين يغرق والاخر يقتل في الحرب والاخر يموت ويبقى له عقب والرابع يكون اماما للخلق صاحب سيف وحق ذا فضل وبراعة يطيع النبي المبعوث احسن طاعة فقالت فاطمة فلم ازل مفكرة في ذلك ورزقت بني الثلاثة عقيلا وطالبا وجعفرا ثم حملت بعلي عليه السلام في عشر ذي الحجة فلما كان الشهر الذي ولده فيه وكان شهر رمضان رايت في منامي كان عمود حديد قد انتزع من ام راسي ثم سطع في الهواء حتى بلغ السماء ثم رد الي فقلت ما هذا فقيل لي هذا قاتل أهل الكفر وصاحب ميثاق النصر باسه شديد يفزع من خيفته وهو معونه الله لنبيه وتاييده على عدوه قالت فولدت عليا عليه السلام وجاء في الحديث انها دخلت الكعبة على ما جرت به عادتها فصادف دخولها وقت ولادتها فولدت أمير المؤمنين صلى الله عليه واله داخلها وكان ذلك في النصف من شهر رمضان ولرسول الله صلى الله عليه واله ثلاثون سنة على الكمال فتضاعف ابتهاجه به وتمام مسرته


[ 117 ]

وامرها ان تجعل مهده جانب فراشه وكان يلى اكثر تربيته ويراعيه في نومه ويقظته ويحمله على صدره وكتفه ويحبوه بالطافه وتحفه ويقول هذا اخي وسيفي وناصري ووصيي فلما تزوج النبي صلى الله عليه واله خديجة عليه السلام اخبرها بوجده بعلي ومحبته فكانت تستزيده فتزينه وتحليه وتلبسه وترسله مع ولائدها ويحمله خدمها فيقول الناس هذا اخو محمد واحب الخلق إليه وقرة عين خديجة ومن اشتملت السعادة عليه وكانت الطاف خديجة تطرق منزل أبي طالب ليلا ونهارا وصباحا ومساء ثم ان قريشا اصابتها ازمة مهلكة وسنة مجدبة منهكة وكان أبو طالب رضي الله عنه ذا مال يسير وعيال كثيرة فأصابه ما اصاب قريشا من العدم والاضاقة والجهد والفاقة فعند ذلك دعى رسول الله صلى الله عليه واله عمه العباس فقال له يا أبا الفضل ان اخاك أبا طالب كثير العيال مختل الحال ضعيف النهضة والغرمة وقد ناله ما نزل بالناس من هذه الازمة وذوو الارحام احق بالرفد واولى من حمل محمل الكل في ساعة الجهد فانطلق بنا إليه لنعينه على ما هو عليه فلنحمل عنه بعض اثقاله وتخفف عنه من عياله ياخذ كل واحد منا واحدا من بنيه يسهل عليه بذلك بعض ما هو فيه فقال له العباس نعم ما رايت و الصواب فيما اتيت هذا والله الفضل الكريم والوصل الرحيم فلقيا أبا طالب فصبراه ولفضل آبائه ذكراه وقالا انا نريد ان نحمل عنك بعض العيال فادفع الينا من اولادك من يخف عنك به الاثقال قال أبو طالب إذا تركتما لي عقيلا وطالبا فافعلا ما شئتما فاخذ العباس جعفرا واخذ رسول الله صلى الله عليه واله عليا عليه السلام فانتجبه لنفسه واصطفاه لمهم امره وعول عليه سره وجهره وهو مسارع لمرضاته موفق السداد في جميع حالاته وكان رسول الله صلى الله عليه واله في ابتداء طروق الوحي إليه كلما هتف به هاتف أو سمع من حوله رجفة راجف أو راى رؤيا أو سمع كلاما يخبر بذلك خديجة وعليا عليهما السلام ويستسرهما هذه الحال فكانت خديجة تثبته وتصبره وكان علي يهنيه ويبشره ويقول له والله يا ابن العم ما كذب عبد المطلب فيك ولقد صدقت الكهان فيما نسبته اليك ولم يزل كذلك الى ان أمر صلى الله عليه واله بالتبليغ فكان اول من آمن به من النساء خديجة ومن الذكور أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعمره يومئذ عشر سنين (ومما عملته لبعض الاخوان كتاب الاعلام بحقيقة اسلام أمير المؤمنين عليه السلام) وبه نستعين بسم الرحمن الرحيم الحمد لله ذي الجود والاكرام الهادي الى شريعة الاسلام وصلاته على خيرته من جميع الانام سيدنا محمد رسوله وأهل بيته المطهرة من الاثام وسلام من الله على اول السابقين اسلاما وايمانا واخلص المصدقين اقرارا واذعانا وانصح الناصرين سرا واعلانا


[ 118 ]

واوضح العالمين حجة وبرهانا الذي كان سبقه الى الدخول في الاسلام وكونه بعد الرسول الحجة على الانام مشابها لخلق آدم عليه السلام في وجود الخليفة قبل المستخلف عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ذي الفضائل والمناقب ولعنه الله على باغضيه ومنكري فضله وحاسديه هذا (مختصر جمعت لاخواني) فيه من الكلام في اسلام أمير المؤمنين عليه السلام ما يجب الانتهاء إليه والاعتماد في المسألة عليه (فصل يجب ان يقدم القول بان أمير المؤمنين صلوات الله عليه واله وسلم اسلم) اعلموا ايدكم الله ان المخالفين لشدة عداوتهم لامير المؤمنين القوا بشبهة تموهوا بها على المستضعفين وجعلوا لها طريقا يسلكها من يروم نفي الاسلام عن امير المؤمنين عليه السلام وذلك انهم قالوا إنما يصح الاسلام ممن كان كافرا فاما من لم يك قط ذا كفر ولا ضلال فلا يجوز ان يقال انه اسلم وإذا كان علي بن أبي طالب عليه السلام لم يكفر قط فلا يصح القول بانه اسلم وهذا ملعنة من النصاب لا تخفي على اولي الالباب يتشبثون بها الى القدح في أمير المؤمنين عليه السلام والراحة من ان يسمعوا القول بانه اسلم قبل سائر الناس وقد تعدتهم هذه الشبهة فصارت في مستضعفي الشيعة ومن لا خبرة له بالنظر والادلة حتى اني رايت جماعة منهم يقولون هذا المقال ويستعظمون القول بان أمير المؤمنين عليه السلام اسلم اتم استعظام وقد نبهتهم على ان هذه الشبهة مدسوسة عليهم وان اعداءهم القوها بينهم فمنهم من قبل ما اقول ومنهم من اصر على ما يقول وقد كنت اجتمعت باحد الناصرين لهذه الشبهة من الشيعة فقلت له اتقول ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مسلم فقال لا يسعني غير ذلك فقلت له افتقول انه يكون مسلما من لم يسلم فقال ان قلت بانه اسلم لزمني الاقرار بانه قبل اسلامه لم يكن مسلما ولكني اقول انه ولد مسلما مؤمنا فقلت هذا كقولك انه ولد حيا وقادرا وهو يؤديك الى ان الله تعالى خلق فيه الاسلام والايمان كما خلق فيه القدرة والحياة ويدخل بك في مذهب أهل الجبر ويبطل عليك القول بفضيلة أمير المؤمنين عليه السلام في الاسلام وما يستحق عليه من الاجر فاختر لنفسك أما القول بان اسلامه وايمانه فعل الله سبحانه وانه ولد مسلما ومؤمنا وان ساقك الى ما ذكرناه وأما القول بان الله تعالى اوجده حيا قادرا ثم آتاه عقلا وكلفه بعد هذا فاطاع وفعل ما أمر به بما يستحق جزيل الاجر على فعله فاسلامه وايمانه من افعاله الواقعة بحسب قصده وايثاره وان اداك في وجوده قبل فعله الى ما وصفناه فحيره هذا الكلام ولم يجد فيه حيلة من جواب ومما يجب ان يكلم به في هذه المسألة أهل الخلاف ان يقال لهم لم زعمتم انه لم يسلم إلا من كان كافرا فإن قالوا لأن من صح منه


[ 119 ]

وقوع الاسلام فهو قبله عار منه وإذا عرى منه كان على ضده وضده الكفر قيل لهم لم زعمتم انه إذا عرى منه كان على ضده وما انكرتم من ان يخلو منهما فلا يكون على احدهما فإن قالوا ان ترك الدخول في الاسلام هو ضده لانه لا يصح اجتماع الترك والدخول فمتى كان تاركا كان كافرا لأن معه الضد قيل لهم إنما يلزم ما ذكرتم متى وجدت شريعة الاسلام ولزم العمل بها وعلم العبد وجوبها عليه بعد وجودها عليه فاما إذا لم يكن نزل به الوحي ولا لزم المكلف منها أمر ولا نهي فالزامكم الكفر جهل وغي فإن قالوا قد سمعناكم تقولون ان الوحي لما نزل على النبي صلى الله عليه واله بتبليغ الاسلام دعا إليه أمير المؤمنين عليه السلام فلم يجبه عند الدعاء وقال له اجلني الليلة وتعدون هذا له فضيلة وفيه انه قد ترك الدخول في الاسلام بعد وجوده قلنا هو كذلك لكنه قبل علمه بوجوبه وهذه المدة التي سئل فيها الانظار هي زمان مهلة النظر التي اباحها الله تعالى للمستدل ولو مات فيها العبد قبل ان يعتقد الحق لم يكن على غلط وهكذا رأيناكم تفسرون قول إبراهيم عليه السلام * (لما راى كوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لا احب الافلين) * الانعام الى تمام قصته عليه السلام وقوله * (انني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما انا من المشركين) * الانعام وتقولون ان هذا منه كان استدلالا وهي في زمان مهلة النظر التي وقع منه عقيبها العلم بالحق فإن قالوا فما تقولون في أمير المؤمنين عليه السلام قبل الاسلام وهل كان على شئ من الا عتقادات قيل لهم الذي نقول فيه انه كان في صغره عاقلا مميزا وكان في الاعتقاد على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه واله قبل الاسلام من استعماله عقله والمعرفة بالله تعالى وحده وان ذلك حصل له من تنبيه الرسول صلى الله عليه واله وتحريك خاطره إليه وحصل للرسول من الطاف الله تعالى التي حركت خواطره الى الاسلام والاعتبار ولم يكن منهما من سجد لوثن ولا دان بشرع متقدم فاما الامور الشرعية فلم تكن حاصلة لهما فلما بعث رسول الله صلى الله عليه واله لزم أمير المؤمنين عليه السلام الاقرار به والتصديق له واخذ المشروع منه وانما قال له اجلني الليلة ليعتبر فيقع له العلم واليقين مع اعتقاد التصديق لرسول رب العالمين فلما ثبت له ذلك اقر بالشهادتين مجددا للاقرار بالله سبحانه وشاهدا ببعثه رسول الله صلى الله عليه واله فإن قالوا فانتم تقولون ان رسول الله صلى الله عليه واله اسلم وهذا اعظم من الاول قيل لهم ان العظيم في العقول هو الانصراف من هذا القول فإن لم تفهموا فيه حجة العقل فما تصنعون في دليل السمع وقد قال الله عزوجل لنبيه عليه السلام * (قل انني امرت ان اكون اول من اسلم ولا تكونن من المشركين) * الانعام وقوله سبحانه * (قل ان هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم لرب العالمين) * الانعام وقوله * (فإن حاجوك فقل اسلمت وجهي لله ومن اتبعني وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين ااسلمتم فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فانما عليك البلاغ والله بصير بالعباد) * آل عمران


[ 120 ]

ونظير ذلك كثير في القرآن فكيف يصح هذا الاسلام من الرسول ولم يكن قط كافرا وهل بعد هذا البيان شك يعترض عاقلا ثم يقال لهم إذا كان لا يسلم إلا من كان كافرا فما تقولون في اسلام إبراهيم الخليل عليه السلام ولم يكن قط كافرا ولا عبد وثنا حيث قال له ربه * (اسلم قال اسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون) * البقرة فقد تبين لكم ايها الاخوان ثبتكم الله على الايمان ما تضمنه هذا الفصل من البيان عن صحة اسلام أمير المؤمنين عليه السلام وانا اتكلم بعد هذا على النصاب الذين قالوا انه عليه السلام قد اسلم ولكن ايكن السابق الاول وزعمهم ان المتقدم على جميع الناس أبو بكر (فصل من البيان عن ان امير المؤمنين عليه السلام اول بشر سبق الى الاسلام بعد خديجه عليها السلام) اعلموا ان أهل النصب والخلاف قد حملتهم العصبية والعناد على ان ادعوا تقدم اسلام أبي بكر على سائر الناس وإذا هم عرجوا عن طريق المكابرة واطلعوا في السير الظاهرة والاخبار المتواترة والاثار المتظافرة والاشعار السائرة واقوال امير المؤمنين عليه السلام الظاهرة وجدوا جميع ذلك ناطقا بخلاف ما يزعمون شاهدا بكذبهم فيما يدعون قاضيا بان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام اول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه واله وسبق الى الاسلام وانه لم يتقدمه بشر من الامة باسرها غير خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وقد روي ان رسول الله صلى الله عليه واله بعث يوم الاثنين وفيه اسلمت خديجة وان أمير المؤمنين عليه السلام اسلم يوم الثلاثاء وروي اصحاب الحديث عن مجاهد عن ابن عباس قال كان علي عليه السلام يالف النبي صلى الله عليه واله فاتاه فوجده وخديجة يصليان قال ابن عباس وعلي يومئذ ابن عشر حجج فقال لرسول الله صلى الله عليه واله ما هذا قال يا علي هذا دين الله الذي ارتضاه لنفسه وبعث به رسله ادعو الى الله وحده لا شريك له فقال علي عليه السلام هذا شئ لم اسمع به قال صدقت يا علي فمكث علي تلك الليلة مفكرا فلما اصبح اتى النبي صلى الله عليه واله فقال له لم ازل البارحة مفكرا فيما قلت لي فعرفت الحق والصدق في قولك وانا اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وانك رسول الله واخبرني شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه اجازه قال اخبرني أبو الجيش المظفر بن محمد البلخي قال اخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي البلخ قال حدثني أبو الحسن أحمد بن القاسم البرقي قال حدثني اسد بن عبيدة عن يحيى بن عفيف عن أبيه قال كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بمكة قبل ان يظهر أمر النبي صلى الله عليه واله فجاء شاب فنظر الى السماء حين تحلقت الشمس ثم استقبل الكعبة فقام يصلي ثم جاء غلام فقام عن يمينه ثم جاءت امراة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمراة ثم رفع الشاب فرفعا ثم سجد الشاب فسجدا فقلت يا عباس أمر عظيم فقال العباس أمر عظيم اتدرى من هذا الشاب هذا محمد بن عبد الله بن عبد


[ 121 ]

المطلب ابن اخي اتدري من هذا الغلام هذا علي بن أبي طالب ابن اخي اتدرى من هذه المراة هذه خديجة ابنة خويلد ان ابن اخي هذا حدثني ان ربه رب السموات والأرض امره بهذا الدين الذي هو عليه ولا والله ما على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة وحدثني الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن شاذان القمي رضي الله عنه بمكة في المسجد الحرام قال حدثني أحمد بن محمد بن عمران قال حدثنا الحسن بن محمد العلوي قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه قال اخبرني أبو هريرة العبدي قال حدثني جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه واله علي بن طالب عليه السلام اقدم امتي سلما واكثرهم علما واصحهم دينا واكثرهم يقينا واكملهم حلما واسمحهم كفا واشجعهم قلبا وهو الامام والخليفة بعدي وجاء في الحديث عن أبي ذر رحمه الله انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول علي اول من آمن بي وصدقني وعن انس بن مالك انه قال قال النبي صلى الله عليه واله ان اول هذه الامة ورودا علي اولها اسلاما وان علي بن أبي طالب عليه السلام اولها اسلاما فقال له سلمان رضي الله عنه قبل أبي بكر وعمر فقال قبل أبي بكر وعمر وعن انس بن مالك ايضا انه قال بعث النبي صلى الله عليه واله يوم الاثنين واسلمت خديجة في آخر ذلك اليوم واسلم علي عليه السلام يوم الثلاثاء وعن أبي ذر وسلمان جميعا قالا اخذ رسول الله صلى الله عليه واله بيد علي عليه السلام فقال إلا ان هذا اول من آمن بي وهذا اول من يصافحني يوم القيامة وهذا الصديق الاكبر وهذا فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب الدين والمال يعسوب الظالمين وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله لفاطمة عليها السلام اما ترضين يا فاطمة اني زوجتك اقدمهم سلما واكثرهم علما وافضلهم حلما وفي رواية اخرى زوجتك اقدم المسلمين سلما واكثرهم علما وافضلهم حلما وعن عكرمة عن ابن عباس قال كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام اربع مناقب لم يسبقه إليها عربي كان اول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه واله وكان صاحب رايته في كل زحف وانهزم الناس يوم المهراس وثبت وغسله وادخله قبره والاخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة فاما المحفوظ من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك واحتجاجه به في جملة ما له من المناقب فمنه ما حدثني به القاضي أبو الحسن اسد بن إبراهيم السلمي الحراني رحمه الله قال حدثني الخطيب العتكي أبو حفص عمر بن علي قال اخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم البغدادي ويعرف بابن ذوران قال حدثنا الخضرمي ويعرف بمطين قال حدثنا سعيد بن وهب بن شيبان وعبد الرحمن بن جبلة قالا حدثنا نوح بن قيس الطلاحي عن سليمان بن غالب عن معادة بنت الرحمن العدوية قالت سمعت عليا عليه السلام على منبر البصرة وهو يقول انا الصديق الاكبر وانا الفاروق بين الحق والباطل اسلمت قبل ان يسلم أبو بكر وآمنت قبل ان يؤمن وجاء عنه عليه السلام انه قال


[ 122 ]

اللهم لا اعرف ان احدا من هذه الامة عبدك قبلي غير نبيها وجرى بينه وبين عثمان كلام فقال له عثمان وعمر خير منك فقال له كذبت بل انا خير منك ومنهما عبدت الله قبلهما وبعدهما وقد تضمن ذكر تقدم ايمانه كثير من اشعاره الواردة في اخباره حدثني القاضي السلمي قال اخبرني الخطيب العتكي قال حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى الفتات قال حدثنا أبو بكر محمد بن يعقوب الدينوري (قال حدثنا محمد بن عبد الله البلوي الانصاري قال حدثنا عمارة بن زيد) قال حدثنا بكير بن حارثة عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن مالك عن جابر بن عبد الله عليا عليه السلام ينشد ورسول الله صلى الله عليه واله يسمع (شعر) انا اخو المصطفى لا شك في نسبي * معه ربيت وسبطاه هما ولدي * جدي وجد رسول الله منفرد * وفاطم زوجتي لا قول ذي فند * صدقته وجميع الناس كان بهم * من الضلالة والاشراك ذي والنكد * فالحمد لله حمدا لا شريك له * البر بالعبد والباقي بلا امد * قال وتبسم رسول الله صلى الله عليه واله وقال صدقت يا علي ولدي منه احتجاجه صلى الله عليه واله على معاوية في جواب كتابه من الشام إليه وقد رام معاوية الافتخار فيه فقال أمير المؤمنين عليه السلام اعلي يفتخر ابن آكلة الاكباد ثم قال لعبيد الله بن أبي رافع اكتب محمد النبي اخي وصنوي * وحمزة سيد الشهداء عمي * وجعفر الذي يضحى ويمسي * يطير مع الملائك ابن امي * وبنت محمد سكني وعرسي * مناط لحمها بدمي ولحمي * وسبطا أحمد ابناي منها * فايكم له سهم كسهمي * سبقتكم الى الاسلام طرا * غلاما ما بلغت اوان حلمي * واوجب لي الولاء معا عليكم * خليلي يوم روح غدير خم * فكان صلى الله عليه واله يحتج بتقدم اسلامه على الكافة ويفتخر به في جملة مناقبه على الامة ويذكره بحضرة رسول الله صلى الله عليه واله دفعة بعد دفعة وبعد رسول الله صلى الله عليه واله بين الصحابة فما انكر ذلك قط عليه الرسول صلى الله عليه واله وكيف ينكره عليه وهو الشاهد له بذلك ولا قال له أحد من الناس لا تحتج بهذا الكلام فإن أبا بكر هو الذي اسلم قبل جميع الانام بل يذعن لقوله عليه السلام الناس ويعلمون صدقه من غير اختلاف ويقولون فيه كما قد قال عليه السلام فمن ذلك قول ابي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب (شعر) ما كنت احسب هذا الامر منتقل * عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن * اليس اول من صلى لقبلتهم * واعرف الناس بالاثار والسنن * من فيه ما فيهم من كل صالحة * وليس في القوم ما فيه من الحسن * وجرير بن عبد الله البجلي يقول فيه مثل ذلك ايضا وقيس بن سعد بن عبادة له فيه اقوال كثيرة وغيرهم ممن شهد رسول الله صلى الله عليه واله وسمع منه الاخبار بتقديم اسلامه و الحال اشهر عند أهل العلم من ان يستتر واظهر بين أهل النقل من ان تكتم غير ان الناصبة قد غلبها الهوى على التقوى فاثرت الضلال على الهدى وقد احتج النصاب في تقديم اسلام أبي بكر بقول حسان * إذا تذكرت شجوا من اخي ثقة * فاذكر اخاك


[ 123 ]

أبا بكر بما فعلا * خير البرية اتقاها واعدلها * بعد النبي واوفاها بما حملا * الصاحب الثاني المحمود مشهده * و اول الناس منهم صدق الرسلا * واحتجاجهم بقول حسان يدل على عمي القلوب وصدا الالباب أو على تعمد التلبيس على ضعفاء الناس وإلا فلو اعتمدوا الانصاف علموا ان حسان بن ثابت هو الذي تضمن شعره الاقرار لامير المؤمنين عليه السلام بالامامة والرئاسة على الانام لما مدحه بذلك يوم الغدير بحضرة رسول الله صلى الله عليه واله على رؤوس الاشهاد بعد ان استاذن الرسول صلى الله عليه واله فاذن له فقال * يناديهم يوم الغدير نبيهم * نجم واسمع بالرسول مناديا * يقول فمن مولاكم ونبيكم * فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا * الهك مولانا وأنت نبينا * ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا * فقال لهم قم يا علي فانني * رضيتك من بعدي اماما وهاديا * فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له انصار صدق مواليا * هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا * فصوبه النبي صلى الله عليه واله في هذا المقال وقال له لا تزال يا حسان مؤيدا ما نصرتنا بلسانك فكيف سمعت الناصبة تلك الابيات (التي رويت لها من قول حسان ولم تسمع عنه هذه الابيات) التي قد سارت بها الركبان بل كيف تثبت لها بما ذكرته من شعره ان أبا بكر سبق الناس الى الاسلام ولم تثبت بما ذكرناه من شعره ايضا ان أمير المؤمنين عليه السلام لجميع الناس امام وكيف احتجت ببعض قوله وصدقته فيه ولم تر الاحتجاج بالبعض الاخر وكذبته فيه اوليس إذا قالت انه كذب فيما قاله في علي عليه السلام في هذه الابيات امكن ان يقال لها بل كذب فيما حكيتموه عنه من تلك الابيات وان قالت ان حسانا شاعر النبي صلى الله عليه واله ولسنا نكذبه (لكن نقول انه كذب) في الشعر الذي رويتموه قيل لها فإن قال لكم قائل مثل هذا الكلام وانه كذب عليه في الشعر الذي ذكرتموه ما يكون الانفصال واعلم انا لم نقل ذلك لهم إلا لنعلمهم لانه لا حجة في ايديهم وانه لا فرق بين قولهم وقول من قلبه عليهم ولسنا ننفي عن حسان الكذب ولا رأينا فيه بحسن وذلك انه فارق الايمان وانحاز الى جملة اعداء أمير المؤمنين عليه السلام وحصل من عصبة عثمان فهو عندنا من أهل الضلال فإن قال قائل كيف تجيزون ذلك عليه بعد ما مدحه به الرسول صلى الله عليه واله في يوم غدير خم واثنى عليه قلنا ان مدحه وثناءه عليه مشروطا ولم يكن مطلقا وذلك انه قال ما تزال مؤيدا ما نصرتنا بلسانك وهذا يدل على انه متى انصرف عن النصرة زال عنه التأييد واستحقاق المدحة وقد انصرف عنها بطعونه على أمير المؤمنين عليه السلام وانصبابه في شعب عدوه وقعوده في جملة من قعد عن نصرته في حرب البصرة ويشبه ما قال فيه النبي عليه السلام قول الله تعالى في ذكر ازواج نبيه ونسائه * (يا نساء النبي لستن كاحد من النساء ان اتقيتن) * الاحزاب فعلق ذلك بشرط وجود التقوى فإذا عدمت كن كمن


[ 124 ]

سواهن بل تكن اسوا حالا من غيرهن واعلم ايدك الله تعالى انه قد روى المخالفون عن اسماء بنت أبي بكر انها قالت لما اسلم ابي جاء الى منزله فما قام حتى اسلمنا واسلمت عائشة وهي صغيرة وروايتهم هذه دليل على تأخر اسلامه وذلك ان مولد عائشة معروف وزمانها معلوم ولدت البعثة بخمس سنين وكان لها وقت الهجرة ثمان سنين وتزوجها رسول الله صلى الله عليه واله بعد الهجرة بسنة ولها يومئذ تسع سنين واقامت معه تسعا وكان لها يوم قبض عليه السلام ثمان عشرة سنة فإذا كانت يوم اسلام ابيها صغيرة فاقل ما يكون عمرها في ذلك الوقت سنتين وهذا يدل على ان اباها اسلم بعد البعثة بسبع سنين فهو مقدار الزمان الذي اتت الاخبار بان أمير المؤمنين عليه السلام كان يصلي فيه مع رسول الله صلى الله عليه واله والناس في بهم الضلال وسنذكر طرفا مما ورد في ذلك من الاخبار فإذا كان الناس سوى أمير المؤمنين إنما اجابوا الى الاسلام بعد سبع سنين من مبعث النبي فليس يستحيل ان يكون أبو بكر أحد المستجيبين في هذه السنة وليس ذلك بموجب ان يكون اولهم لانه قد تناصرت الاخبار بتقديم اسلام جعفر بن أبي طالب عليه بل على غيره من الناس سوى أمير المؤمنين عليه السلام حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الازدي قال حدثنا عمر بن محمد بن سيف بالبصرة سنة سبع وستين وثلاثمائة قال حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان قال حدثنا محمد بن صفر بن صلصال بن الدلهمش بن جهل بن جندل قال حدثني أبو صفو بن صلصال بن الدلهمس قال كنت انصر النبي صلى الله عليه واله مع أبي طالب قبل اسلامي فاني يوما لجالس بالقرب من منزل أبي طالب في شدة القيض إذ خرج أبو طالب الى شبيها بالملهوف فقال لي يا أبا الغضنفر هل رايت هذين الغلامين العلامين يعني النبي صلى الله عليه واله وعليا عليه السلام فقلت ما رايتهما مذ جلست فقال قم بنا في الطلب فلست آمن قريشا ان تكون لقتالهما قال فمضينا حتى خرجنا من ابيات مكة ثم صرنا الى جبل من جبالها فاسترقيناه قلة فإذا النبي صلى الله عليه واله وعلي عليه السلام عن يمينه وهما قائمان بازاء عين الشمس يركعان ويسجدان قال فقال أبو طالب لجعفر ابنه صل جناح ابن عمك فقام الى جنب علي فاحس بهما النبي صلى الله عليه واله فتقدمهما واقبلوا على امرهم حتى فرغوا مما كانوا فيه ثم اقبلوا نحونا فرايت السرور يتردد في وجه أبي طالب ثم انبعث يقول ان عليا وجعفرا ثقتي * عند مهم الامور والكرب * لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * اخي لامي من بينهم وأبي * والله لا يخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب * وقد اتت الاخبار بان زيد بن حارثة تقدم أبا بكر في الاسلام بل قد روي ان أبا بكر لم يسلم حتى اسلم قبله جماعة من الناس وروي سالم بن ابي الجعد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص انه قال لابيه سعد كان أبو بكر اولكم اسلاما قال لا قد اسلم قبله اكثر من خمسين رجلا واما


[ 125 ]

الاخبار الواردة بان أمير المؤمنين عليه السلام صلى مع رسول الله صلى الله عليه واله سبع سنين والناس كلهم كانوا ضالين فمنها ما اخبرني به شيخنا المفيد أبو عبد الله رضي الله عنه قال اخبرني أبو حفص عمر بن محمد الصيرفي قال حدثنا محمد بن أبي الثلج عن أحمد بن القاسم البرقي عن أبي صالح سهل بن صالح وكان قد جاوز مائة سنة قال سمعت أبا المعمر عباد بن عبد الصمد قال سمعت انس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه واله صلت الملائكة علي وعلى علي عليه السلام سبع سنين وذلك انه لم يرفع الى السماء شهادة ان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه واله إلا مني ومن علي عليه السلام ومنه ما روى عن أبي ايوب انه قال ان رسول الله صلى الله عليه واله قال لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لانا كنا نصلي ليس معنا أحد غيرنا وما رواه أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ان الملائكة صلت علي وعلى علي سبع سنين قبل ان يسلم بشر وما رواه عباد بن يزيد قال سمعت عليا عليه السلام يقول لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه واله سبع حجج ما يصلي معه غيري إلا خديجة بنت خويلد ولقد رأيتني ادخل معه الوادي فلا نمر بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله وانا اسمعه وما روى عليه السلام من قوله انا عبد الله وانا اخو رسول الله صلى الله عليه واله وانا الصديق الاكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر صليت قبلهم سبع سنين وما رواه أبو رافع قال قال صلى الله عليه واله بعثت اول يوم الاثنين وصلت خديجة آخر يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء من الغداة مستخفيا قبل ان يصلي مع النبي صلى الله عليه واله أحد سبع سنين (فصل في اسلامه عليه السلام كان عن بصيرة واستدلال) اعلم انه لما توجهت الحجة على المخالفين بتقدم اسلام امير المؤمنين عليه السلام على سائر المكلفين قالوا وما الفضيلة في اسلام طفل لم يلحق بدرجة العقلاء البالغين وأي تكليف يتعين عليه يستحق بفعله الاجر من رب العالمين وهل كان القاء الاسلام إليه إلا على سبيل التوقيف والتلقين الذي يفعله احدنا مع ولده لينشا عليه ويصير له من الالفين وخطا هؤلاء القوم لا يخفى للمتاملين وضلالهم عن الحق واضح للمنصفين وذلك ان الحال التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه واله في ابتداء امره من كتمان ما هو عليه وستره وصلاته مختفيا في شعاب مكة للمخافة التي كان فيها والتقيه منتظرا لاذن الله تعالى له في الاعلان والاظهار فيبدى حينئذ امره على تدريج يامن معه اسباب المضار يقضي الى ان يلقى ذلك الى الاطفال و الصبيان الذين لا عقول لهم يصح معها الكتمان والذين من عادتهم الاخبار بما علموه والاعلان فإذا علمنا وهذه صورة الحال ان النبي صلى الله عليه واله قد خص في ابتدائها بالوقوف على سر أحد الاطفال تحققنا ان ذلك الطفل مميز بصحة العقل والكمال


[ 126 ]

وليس يستحيل حصول العقل والتمييز لابن عشر سنين ولا تجويزه ذلك في الامور المستبعدة عند العارفين والمنكر لذلك إنما يعول على الغالب في المشاهدات والعقل لا يمنع من وجود ما ذكرناه في نادر الاوقات بل لا يمنع من ان يجعل الله تعالى ذلك آية يخرق بها العادات وقد اخبر الله سبحانه عن نبيين من انبيائه عليهم السلام بما هو اعجب من هذا وهما عيسى ويحيى فقال حاكيا كلام عيسى عليه السلام للناس في المهد اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وقال في يحيى يا يحيى عليه السلام خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا فإن قال الخصوم ان هذين نبيان يصح ان يكون لهما الايات والمعجزات قلنا فما المانع من ان يكمل الله تعالى عقل طفل في زمن نبينا عليه السلام ويمنحه صحة التمييز والاستدلال ويخصه بالتكليف دون جميع الاطفال ويكون ذلك آية لنبيه صلى الله عليه واله وكرامة له في اخص الناس به ولوجه آخر من الصلاح يختص بعلمه وليكون مع هذا كله ابانه لوليه الذي هو حجته ووصي نبيه صلى الله عليه واله فما المحيل لما ذكرناه والمانع من كونه كذلك اوليس قد روى ان الشاهد الذي شهد من اهلها في قميص يوسف عليه السلام كان طفلا في المهد له سنتان وليس بنبي وبعد فقد اوجدكم الله تعالى عيانا من احد ائمتنا عليهم السلام ما هو اكثر مما انكرتموه من هذه الحال وهو أبو جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام وشهادة المأمون له لما عزم على تقريبه ومصاهرته وهو ابن تسع سنين بالعقل والعلم والكمال واتفاقهم معه على ان يعقدوا له مجلسا للامتحان وسؤالهم يحيى بن اكثم القاضي في ان يتولى لهم ذلك وبذلهم له الاموال وما جرى له من عجيب الكمال في السؤال والجواب حتى عجز يحيى ووقف في يديه واذعن بالاستفادة منه والرجوع فيما لا يعلمه إليه وهذا أمر قد شاركتمونا في نقله واتفق اصحاب الحديثين على حمله ولسنا نشك ان هذا العلم والفضل والفهم لم يحصل لابي جعفر عليه السلام إلا من أحد وجهين أما الالهام فهو إذن معجز بان به من الانام وأما عن تلقين وتعليم وكم كان عمره وقت تلقينه ذلك وهو في وقت المناظرة ابن تسع سنين وقيل ثماني سنين اوليس هذه اعجوبة قد نقلتموها واقررتم بها وسالتموها فاخبرونا كيف اقررتم لولد أمير المؤمنين عليه السلام في زمن المأمون بكمال العقل والعلم وحسن المعرفة والفهم وهو ابن تسع سنين وانكرتم ان يصح لامير المؤمنين صلوات الله عليه عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه واله كمال العقل والتكليف وله عشر سنين فإن قالوا نحن لا نعترف لابي جعفر عليه السلام بهذا كانت السير قاضيه بيننا وبينهم شاهدة للمحق منا ثم يقال لهم ان لم يكن الامر كما ذكرناه من كمال عقل أمير المؤمنين عليه السلام وقت دعاء النبي صلى الله عليه واله له الى الاسلام وهو في حال سر لامره وكتمان وخوف من الشرك والضلال اليس يكون قد غرر بنفسه فيما القاه إليه وفعل ما يشهد العقل بقبحه وخطا المقدم عليه حاشا


[ 127 ]

الرسول الله صلى الله عليه واله مما ينسبونه إليه والذي ذكرناه في أمير المؤمنين عليه السلام اوضح من ان يشتبه الامر فيه اليس هو القائل لرسول الله صلى الله عليه واله انني لم ازل البارحة مفكرا فيما قلت لي فعرفت الحق والصدق في قولك وانا اشهد ان لا اله الله وحده لا شريك له وانك رسول الله فوقع منه الاقرار بالشهادة بعد فكر ليلة كاملة فكيف تصح من طفل كما زعمتم غير عاقل ان يفكر في صحة النبوة ليلة كاملة حتى حصل له العلم بصدق المخبر بها بعد طول الروية وهل بعد هذا لبس يعترض عاقلا الا هجر العصبية و قد روى اعجب منه عن ابن عباس رضي الله عنه انه قال ان النبي صلى الله عليه واله عرض على علي عليه السلام الاسلام فقال له علي عليه السلام انظرني الليلة فقال له النبي صلى الله عليه واله هي امانة في عنقك لا تخبر بها احدا فلينظر الغافلون الى هذا الكلام الواقع منهما عليهما السلام وسؤال أمير المؤمنين عليه السلام له في التاجيل و الانظار هذا وهو الذي كفله ورباه ولم يزل طائعا له في جميع ما يامره ويؤثره ويراه فلما اتاه الامر الذي راى ان الاقدام على الاقرار به من غير علم ويقين قبيح ساله التاجيل ثم قول النبي صلى الله عليه واله له انها امانة في عنقك لا تخبر بها احدا مما تشهد العقول باسرها انه لا يقال إلا لمميز يكون عقله كاملا ويزيد هذه الحال ايضا بيانا انه لما اسلم عليه السلام كان يخرج مع رسول الله صلى الله عليه واله الى شعاب مكة فمرة يصلي معه ومرة اخرى يرصد له حتى روى ان كل واحد منهما كان إذا صلى صاحبه حرسه ووقف يرصد له فهل يصح ان يختص بهذا الامر من لا عقل له لا ولكن قد يخفى صحته عمن لا عقل له والعجب ان مخالفينا يدفعون ان يكون اسلام أمير المؤمنين عليه السلام وهو ابن عشر سنين له فضيلة ورسول الله صلى الله عليه واله لم يدفع ذلك بل كان يعده له من اول الفضائل ويخبر به إذا مدحه واثنى عليه في المحافل والعجب انهم ينكرون علينا الاحتجاج بتقدم اسلامه وهو صلى الله عليه واله كان يحتج بذلك بين الصحابة ولا ينكره احد عليه ولا يقول له وما في هذا لك من الفضل وانما اسلمت وأنت طفل ليس لك عقل (فصل في البلوغ) وأما ما ظن الخصوم من ان البلوغ الى درجة التكليف هو الاحتلام و قولهم ان أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن بلغ وقت اسلامه مبلغ المحتلمين فلا يكون من المكلفين فظن غير صحيح ولو كان الامر كما زعموه لكان كل من بلغ الحلم مكلفا ونحن نعلم فساد ذلك لوجود بالغين من البله والمجانين غبر مكلفين والواجب الذي ليس عنه محيد ان يقال ان وجود العقل في الانسان وصحة التمييز منه والادراك شرط في وجوب تكليف العقليات من النظر والاستدلال ومعرفة ما لا يسع جهله من الامور الواجبات واعتقاد الحق باسره وادراك الصواب وشرط ايضا في صحة تعلق العبادات السمعيات وان كان اكثرها يسقط عمن لم يبلغ الاحتلام ولا يعلم سقوطه إلا من جهة السمع الوارد دون ما سواه ولم يكن للمشروع كله حاصلا في ابتداء البعثة ولا اتى الوحي وقت


[ 128 ]

اسلام أمير المؤمنين عليه السلام لجميع العبادات السمعية فيعلم ما هو لازم لمن لم يبلغ مما هو غير لازم له فاما التكليف الواجب في العقول فلا يجوز ان يسقط عمن له عقل وتحصيل فحصول العقل إذ هو بلوغ حد التكليف وقد بينا ان أمير المؤمنين عليه السلام كان كامل العقل وهو ابن عشر سنين فلزمته المعرفة بالله تعالى والرسول وبجميع ما يوجب معرفة العقول للمعتزل ولزمه من التعبد المسموع قارن وجها من المصلحة له في المعلوم وهذا كاف لذوي التحصيل وقد اوردت في هذا الكتاب من القول في اسلام امير المؤمنين عليه السلام ما فيه منفعة للمؤمنين وحجة على المخالفين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين (فصل من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وحكمه) قال أمير المؤمنين * لا شرف اعلا من الاسلام * ولا كرم اعز من التقوى * ولا معقل احرز من الورع * ولا شفيع انجح من التوبة * من ضاق صدره لم يصبر على اداء حق * من كسل لم يؤد حق الله * من عظم اوامر الله اجاب سؤاله * من تنزه عن حرمات الله سارع إليه عفو الله * من تواضع قلبه لله لم يسام بدنه طاعة الله * الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر * ليس مع قطيعة الرحم نماء ولا مع الفجور غنى * عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر * تصفية العمل خير من العمل عند الخوف يحسن العمل * راس الدين صحة اليقين * افضل ما لقيت الله به نصيحة من قلب وتوبة من ذنب * اياكم والجدال فانه يورث الشك في دين الله * بضاعة الاخرة كاسدة فاستكثر منها في اوان كسادها * اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل * ودخول الجنة رخيص * ودخول النار غال * التقي سابق الى كل خير * من غرس اشجار التقى جنى ثمار الهدى * الكريم من اكرم عن ذل النار وجهه ضاحك * معترف بذنبه افضل من باك مدل على ربه * من عرف عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره * من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره * ومن نظر في عيوب الناس ورضاها لنفسه فذلك الاحمق بعينه * كفاك ادبك لنفسك ما كرهته لغيرك * اتعظ بغيرك ولا تكن متعظا بك * لا خير في لذة تعقب ندامة * تمام الاخلاص تجنب المعاصي * من احب المكارم اجتنب المحارم * جهل المرء بعيوبه من اعظم ذنوبه * من احبك نهاك ومن ابغضك اغراك * ومن اساء استوحش * من عاب عيب ومن شتم اجيب * ادوا الامانة ولو الى قاتل الانبياء * الرغبة مفتاح العطب والتعب مطية النصب * الشر داع الى التقحم في الذنوب * من تورط في الامور غير ناظر في العواقب * فقد تعرض لمدرجات النوائب * من اتى ذميا وتواضع له ليصيب من دنياه شيئا ذهب ثلثا دينه * من لزم الاستقامة لزمته السلامة * حدثنا الشيخ المفيد أبو الحسن محمد بن احمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي رضي الله عنه بمكة في المسجد الحرام قال حدثني أبو الفرج المعافي بن زكريا


[ 129 ]

قال حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج قال حدثنا الحسن بن محمد بن بهرام قال حدثنا يوسف بن موسى القطان قال حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله لو ان الغياض اقلام والبحر مداد والجن حساب والانس كتاب ما احصوا فضائل علي بن أبي طالب وانشدت بيتين لابن وكيع الشاعر في أمير المؤمنين صلوات الله عليه هذه الابيات * قالوا علي لماذا لست تمدحه * فقلت اصبحت في ذا الفعل معذورا * صرفت مدحي الى من نور مدحته * يعده الناس اسرافا وتكثيرا * ولم اطق مدح من فاتت فضائله * قدر المدائح منظوما ومنثورا * ومن جواد قريضي ان بعثت به * في مدحه من علاه عاد محسورا * اازعم الغيث يحيى الأرض وابله * ام ازعم البدر قد عم الورى نورا * ما زلت ذاك وذا بالوصف منهية * ولا اتيت بفضل كان مستورا * متى صرفت إليه الشعر امدحه * شهرت من وصفه ما كان مشهورا * وطلت اتعب فيمن ليس يرفعه * مدحى وانشر فضلا كان منشورا * سارت ماثره بالفضل ظاهرة * فما ترى لمديح فيه تأثيرا * واصبح الوصف منه لاستفاضته * كاللفظ كرر في الاسماع تكريرا * يعد جهدي تقصيرا بمدحته * ولست ارضى بجهد عد تقصيرا * واظنه بني على قول المتنبي * وتركت مدحى للوصي تعمدا * إذ كان نورا مستقلا كاملا * وإذا استقل الشئ قام بنفسه * وارى صفات الشمس تذهب باطلا * وفي هذا المعنى لابي نؤاس في الرضا عليه السلام قيل لي لم تركت مدح ابن موسى * والخصال التي تجمعن فيه * قلت لا اهتدي لمدح امام * كان جبريل خادما لابيه * ولبعضهم لا يبلغن مدح النبي وآله * قوم إذا ما بالمدائح فاهوا * رجل يقول إذا تكلم قال لي * جبريل اخبرني بذاك الله * ومن مديح ما وجدته لابن الرومي لي احمدان لدنياي وآخرتي * ولي عليان فانظر من اعدت ولي * من خاتم الملك في الدنيا بخنصره * ومن على كتفيه خاتم الرسل * تعلقت راحتي منهم باربعة * ان عشت أو مت للتاميل والامل * منهم باثنين ما استسمحت يسمح لي * كما باثنين ما استشفعت يشفع لي * فللشفاعة حسبي أحمد وعلي وللمعيشة حسبي احمد وعلي (فصل في فضل اقتناء الكتب) قال بعض الحكماء الكتب اصداف الحكم تنشق عنه جواهر الشيم وقيل لاخر ما بلغ من شهوتك للكتب ورغبتك في قراءتها فقال إذا نشطت فهي لذتي وإذا اغتممت فهي سلوتي وقال آخر ما ورثت الاسلاف للاخلاف كنوزا افضل من الكتب ولا حلت الاباء الابناء حليا اجمل من الادب وليم آخر على انفاذ المال في الكتب وترك الولد بغير عقل فقال اني اعتقد لهم كتب علوم تخلص ارواحهم لاعقد اموال تنعم اشباحهم وقيل لاخر فلان مات وما خلف لولده إلا كتبا فقال لقد خلف لهم ماثر لا تعفوها الايام وترك لهم موارث لا تنفدها الاعوام وقال بعض المصنفين في فضل الكتب واقتنائها اعلم ان الكتاب قيد على الناس


[ 130 ]

علم الدين واخبار الاولين مع خفة محمله وصغر جثته صامت ما اسكته بليغ ما استنطقته ومن لك بمسامر لا يبتديك في حال شغلك ولا يدعك في اوقات نشاطك ولا يحوجك الى التجمل له والتذمم منه ومن لك بزائر ان شئت جعل زيارته غبا ووروده حبا وان شئت لزمك لزوم ظلك فكان منك مكان بعضك والكتاب هو الذي إذا نظرت فيه اطال امتاعك وشحذ طباعك وبسط لسانك وجود بيانك وفخم الفاظك وعمر صدرك و منحك صداقة الملوك وتعظيم العوام وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من افواه الرجال في دهر قال والكتاب هو الذي يطيعك بالليل كطاعته بالنهار ويطيعك في السفر كطاعته في الحضر لا يقصر عنك بنوم ولا يعتريه ملال وهو المعلم الذي ان افتقرت إليه لم يحقرك وان قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة وان عدلت عنه لم يدع طاعتك وان هب ريح اعدائك لم ينقلب عليك ومتى كنت منه متعلقا بسبب ومعتصما بحبل لم يضيرك معه وحشة الوحدة الى الجليس السوء ولو لم يكن من فضله عليك واحسانه اليك الا منعه لك من الجلوس على بابك والنظر الى المارة بك مع ما في ذلك من التعرض للحقوق في فضول النظر وملابسة صغار الناس وحضور الفاظهم الساقطة واخلاقهم الردية لكان في ذلك السلامة يوم القيامة ونعم الجليس وقال في هذا المعنى والكتاب نعم الذخر والقعدة ونعم الجليس والعقدة ونعم السيرة والنزهة ونعم الشغل والحرفة ونعم الانيس ساعة الوحدة ونعم المعرفة ببلاد الغربة ونعم القرين والدخيل ونعم الوزير والزميل والكتاب وعاء ملئ علما وظرف حشي ظرفا واناء شحن مزاحا وجدا ان شئت كان ابين من سحبان وائل وان شئت كان اعيا من باقل وان شئت ضحكت من نوادره وان شئت عجبت من غرائب فوائده وان شئت الهتك نوادره وان شئت اشجتك مواعظه وبعد فمتى رايت بستانا يحمل في ردن وروضته ينقلب في حجر ينطق عن الموتى ويترجم كلام الاحياء ومن لك بمؤنس لا ينطق إلا بما تهوى آمن من في الأرض واكتم للسر من صاحب السر وقال لا اعلم اجارا ابر ولا خليطا انصف ولا رفيقا اطوع ولا معلما اخضع ولا صاحبا اظهر كفاية واقل جناية ولا اقل ملالا وإبراما وخلافا وجزافا ولا اقل غيبة ولا ابعد من مراي ولا اترك لشغب ولا ازهد في جدل ولا اكف عن قتال من كتاب ولا اعلم قرينا ولا احسن موافاة ولا اعجل مكافاة ولا احصر معرفة ولا اخف مؤنة ولا شجرا اطول عمرا ولا اطيب ثمرا ولا اقرب مجنى ولا اسرع ادراكا ولا اوجد في كل اوان من كتاب وانشد بعضهم وإذا الهموم تضيقتك ولم تجد * احدا ومل فؤادك الاصحابا * فاعمد الى الكتب التي قد ضمنت * اوراقها الاشعارا والادابا * فهي التي تنفي الهموم ولم تجد * احدا له ادب يمل كتابا (فصل) حكى شيخنا


[ 131 ]

المفيد رضي الله عنه في بعض كتبه قال قد الزم الناصبة الفضل بن شاذان رحمه الله فقهاء العامة قولهم في الميراث ان يكون نصيب بني العم اكثر من نصيب الولد واضطرهم الى الاعتراف بذلك فقال لهم اخبروني عن رجل توفى وخلف ثلاثين الف درهم وخلف ثماني وعشرين بنتا وابنا واحدا كيف تقتسمون الميراث فقالوا نعطي الولد الذكر الفي درهم ونعطي كل بنت الف درهم فيكون للبنات ثمانية وعشرون الف درهم على عددهم ويحصل الذكر الفا درهم فيكون له ما قسمه الله عزوجل واوجبه في كتابه من قوله وللذكر مثل حظ الانثيين قال لهم فما تقولون لو كان موضع الابن ابن عم كيف تقسم الفريضة فقالوا نعطي ابن العم عشرة الاف درهم ونعطي البنات كلهن عشرين الف درهم فقال لهم الفضل بن شاذان رحمه الله فقد صار ابن العم اوفر حظا من الابن للصلب والابن مسمى في التنزيل متقربا بنفسه وبنو العم لا تسميه لهم وإنما يتقربون بابيهم و ابوهم يتقرب بجده والجد يتقرب بابيه وهذا نقض للشريعة قال شيخنا المفيد رضي الله عنه وإنما لزمت هذه الشناعة فقهاء العامة خاصة لقولهم بان من عدا الزوج والزوجه والابوين يرثون مع الولد على خلاف مسطور الكتاب والسنة وإنما اعطوا ابن العم عشرة آلاف درهم في هذه الفريضة من حيث تعلقوا بقوله تعالى فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك فلما بقي الثلث اعطوه لابن العم فلحقتهم الشناعة المخرجة لهم من الدين ونجت الشيعة من ذلك والحمد لله ووجدت في امالي شيخنا المفيد رضي الله عنه ان أبا الحسن علي بن ميثم رضي الله عنه دخل على الحسن بن سهل والى جانبه ملحد قد عظمه الناس وحوله فقال له قد رايت عجبا قال وما هو قال رايت سفينة تعبر الناس من جانب الى جانب بغير ملاح ولا ناصر قال فقال له الملحد ان هذا اصلحك الله لمجنون قال وكيف قال لانه يذكر عن خشب جماد لا حيلة له ولا قوة ولا حيوة فيه ولا عقل انه يعبر الناس ويفعل فعل الانسان كيف يصح هذا فقال له أبو الحسن فايما اعجب هذا أو هذا الماء الذي يجري على وجه الأرض يمنة ويسرة بلا روح ولا حيلة ولا قوى وهذا النبات الذي يخرج من الأرض والمطر الذي ينزل من السماء كيف يصح ما تزعمه من ان لا مدبر له كله وأنت تنكر ان تكون سفينة تتحرك بلا مدبر وتعبر الناس بلا ملاح قال فبهت الملحد (فصل اجبت به بعض الاخوان عن ثلاث آيات من القرآن) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الموفق للسداد


[ 132 ]

وصلواته على حججه في العباد مولانا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين هذه ثلاث آيات من القرآن سئل عنها بعض أهل الايمان اوضحت معانيها وما يتعلق به المخالفون منها واجبت عن ذلك بما اقتضاه الصواب على سبيل الاختصار دون الاطناب الاية الاولى قول الله عزوجل * (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما اخذتهم الرجفة قال رب لو شئت لاهلكتهم من قبل واياي افتهلكنا بما فعل السفهاء منا ان هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء و تهدي من تشاء انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين) * الاعراف المواضع المسؤول عنها من هذه الاية التي يتعلق بها المخالفون منها ثلاث مواضع احدها قول موسى عليه السلام افتهلكنا بما فعل السفهاء منا فيقولون كيف خفى على نبي الله انه لا يجوز في العدل والحكمة اخذ العبد بجرم غيره الثاني ان هي إلا فتنتك فزعمت المجبرة ان في هذا دلالة على ان الله تعالى يفتن العباد الفتنة التي هي الاضلال الثالث قوله تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء قالوا وهذا بيان انه سبحانه يفعل في طائفة من عباده الضلال ويحرمهم الايمان ويخص اخرى بالهدى ويجنبها الضلال (الجواب) أما قول موسى عليه السلام اتهلكنا بما فعل السفهاء منا ففيه وجهان احدهما ان الهلاك هنا هو الموت قال الله تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد يعنى مات فكان موسى عليه السلام قال على سبيل السؤال اتميتنا مع هؤلاء السفهاء وليس الموت الذي سئل عنه عقوبة بل على ما جوزه من اتفاق حضور المنية كما اتفق هلاك العالمين في طوفان نوح عليه السلام إلا من حملت السفينة فكانت هلاك الكفار منهم عقوبة لهم وهلاك الاطفال والبهائم ومن لا تكليف عليه معهم لحضور آجالهم وقامت الباء في قوله تعالى بما فعل السفهاء مقام مع لانهما جميعا من حروف الخفض والوجه الثاني ان يكون قوله اتهلكنا بما فعل السفهاء منا خرج منه على وجه الاستبعاد لذلك والنفي والانكار كما يقول اخذنا للحاكم اتراك تظلمني في فعلك أو تجور علي في حكمك وهو لا يريد سؤاله بل يقصد نفي الظلم والجور عنه واستبعاد وقوعهما منه قال جرير اعبدا حل في شعبي غريبا * الؤما لا أبا لك واغترابا * يريد ان لا يجتمع هذان وأما قوله ان هي إلا فتنتك تكن الفتنة على ضروب في الكلام وهي في هذا المكان بمعنى المحنة والاختبار قال الله تعالى وفتناك فتونا يعنى اختبرناك اختبارا وكانه قال ان هي إلا فتنتك التي امتحنت بها خلقك واختبرتهم في التكليف لتثبت من اهتدى بها وتعاقب من ضل عندها وأما قوله تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء فانه ذكر في هذه الاية وفي نظائرها انه يضل قوما ويهدي آخرين مجملا للقول في


[ 133 ]

ذلك من غير تفسير وكشف في آيات اخر عمن يشاء ان يضلهم ومن يريد ان يهديهم وميزهم ووصف بعضهم من بعض وبينهم فقال في الضلال ويضل الله الظالمين وقال * (وما يضل به إلا القوم الفاسقين فاخبر انه لا يشاء ان يضل إلا من سبقت منه الجناية واقترف الاساءة وقال في الهدى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) * المائدة وقال * (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) * التغابن فاوضح بهذه الايات المفسرة عما ذكره في تلك الايات المجملة فاما هذا الضلال منه والهدي فهو يحتمل وجوها منها ان يكون الاضلال العقاب والهدى الثواب وجاز ذلك في الكلام لأن الجزاء عندهم على الشئ يسمى باسم ذلك الشئ على طريق الاتساع وله نظائر في القرآن ومنها ان يضل العصاة عن الالطاف في الدنيا التي وعد بها أهل الايمان ومنها للتسمية فقد يقال اكذبني فلان إذا سماني كاذبا واضلني إذا سماني ضالا قال الشاعر وطائفة قد اكفروني بحبكم * وطائفة قالوا مسئ ومجرم * (الاية الثانيه) قوله سبحانه * (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة انا هدنا اليك قال عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شئ فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة وهم باياتنا يؤمنون) * الاعراف المواضع المسؤول عنها من هذه الاية الذي يسئل عنه من معانيها قوله انا هدنا اليك وما في معناه في اللغه وقوله عذابي اصيب به من اشاء فهو مما يتشبث به المجبرة وقوله ورحمتي وسعت كل شئ فقد قال بعض الملحدة إذا كانت رحمته وسعت كل شئ فكيف لم تسع الكافر الذي لم يرحمه (الجواب) أما قوله هدنا اليك فمعناه تبنا اليك وأما قوله عذابي اصيب به من اشاء فالكلام فيه كالكلام في الضلال والهدى وقد تقدم من الكلام في ذلك ما يستدل به على انه تعالى لا يشاء ان يعذب إلا من عصى وأما قوله ورحمتي وسعت كل شئ ففيه وجهان احدهما ان نعمه سبحانه في الدنيا قد شملت الخلائق ووسعت العباد وسيكتبها في الاخرة للذين يتقون ويكونون على ما نعته من الصفات والوجه الاخر ان اراد بقوله وسعت كل شئ ان رحمته تسع الخلائق لو دخلوها ولا تقصر عنهم لو عملوا لها غير انه لا يكتبها الا لمن اتقى وفعل الحسنى (الاية الثالثة) قول الله تعالى * (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه


[ 134 ]

مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون) * الاعراف (المواضع المسؤول عنها من هذه الاية منها) قوله تعالى النبي الامي فقد ظن قوم انه اراد بذلك عدم علمه بالخط (ومنها) قوله تعالى ويضع عنهم اصرهم ما هذا الاصر والاغلال التي كانت عليهم (ومنها) قوله فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه فقد تأول قوم ذلك في أبي بكر وعمر وعثمان (ومنها) النور الذي كان معه عليه السلام ما هو ليقع العلم به (الجواب) أما قوله سبحانه الامي فانما نسبه الى ام القرى وهي مكة قال الله تعالى لتنذر ام القرى ومن حولها واهلها هم الاميون قال الله تعالى * (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم) * الجمعة وهذا كاف في ابطال ما ظنوه (وأما الاصر) ههنا هو الثقل والاثقال التي كانت عليهم والاغلال يحتمل ان تكون الذنوب التي اقترفوها في حال الكفر والضلال فاخبر الله سبحانه ان يضعها عنهم إذا آمنوا به (وبرسوله عليه وعلى آله السلام وأما قوله فالذين آمنوا) به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون فهو مدح لمن كان على هذه الصفات وليس فيه تسمية لاحد يزول معها الاشكال ولا على ما ادعاه المخالفون في ذلك دليل اجماع ومن سير الاخبار واطلع في صحيح السير والاثار علم ان أبا بكر وعمر وعثمان معرون من هذه الصفات وهذا باب يتسع فيه الكلام والواجب مطالبة من ادعى ان هذه الاية فيهم بدليل على دعواه يصح بمثله الاحتجاج (فاما الاية نفسها) فلا تدل على ذلك واولى الاشياء ان يكون المدح فيها للذين حصل الاتفاق على استحقاقهم ما تضمنته من الصفات ممن لا ريب في صحيح ايمانهم وعالى نصرتهم وجهادهم من أهل البيت عليهم السلام امير المؤمنين علي بن أبي طالب وحمزة بن المطلب وعبيدة بن الحرث بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب ومن الصحابة الاخيار والنجباء الاطهار زيد بن حارثة وخباب وعمار بن ياسر وسعد بن معاذ والمقداد وسلمان وأبو ذر وأبو ايوب الانصاري وأبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وابا حنيف سهل وعثمان ومن في طبقتهم أهل الايمان رحمة الله عليهم اجمعين (وأما النور) الذي انزل معه فهو القرآن ولم يسم بذلك لأن فيه اجساما من الضياء لكن لما يتضمنه من الحجج والبيان الذي يستنار به في شريعة الاسلام وقد سماه الله تعالى نورا في موضع آخر فقال * (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) * المائدة وقال ايضا انا * (انزلنا التوراة فيها هدى ونور) * المائدة ولم يرد ان فيها اجساما من الضياء وانما اراد ما ذكرنا فهذا مختصر من الكلام في معاني هذه الايات والحمد لله الموفق للصواب وصلى الله على خيرته من خلقه محمد رسوله وآله ووجدت في بعض الاناجيل مكتوبا ان المسيح عليه السلام قال وحقا اقول لست الشارب مما لفظته الكروم حتى اشرب ذلك غدا في الملكوت وفي هذا على النصارى حجتان (احدهما) ان المسيح عليه السلام كان لا يشرب الخمر وهو خلاف ما رووه


[ 135 ]

عنه من قوله في لحم الخنزير والخمر هذا لحمي فكلوه وهذا دمي فاشربوه (والحجة الاخرى) ان في الجنة شربا وإذا كان فيها شرب كان فيها اكل وليست تذهب النصارى الى هذا فاما روايتهم عنه عليه السلام انه قال هذا لحمي فكلوه وهذا دمي فاشربوه فانه يحتمل وجها من التأويل ويكون معناه التهديد وان كان بلفظ الامر كما يقول احدنا لمن يتهدده اعمل ما شئت وهو لا يريد امره ويقوى هذا التأويل ما تضمنه الخبر عن قوله هذا لحمي وهذا دمي ونحن نعلم ان لحمه ودمه محرمان فيصح بما ذكرناه من ان المراد بالخبر التهديد واعلم انا لم نتأول هذا الخبر توقفا عن رده وانا لنعلم انهم متهمون فيما يروون وإنما تأولناه تصرفا في النظر واقامة الحجة على الخصم فاما ما في القرآن من التهديد الذي هو بلفظ الامر فمواضع احدها قول الله سبحانه لابليس * (اجلب عليهم بخيلك ورجلك و شاركهم في الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) * الاسراء وقوله تعالى * (اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير) * فصلت مسألة ان سئل سائل عن قول الله تعالى في موضع من ذكر موسى عليه السلام * (وان الق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جآن ولى مدبرا ولم يعقب) * النمل وعن قوله في موضع آخر * (فالقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) * الشعراء وقال ما معنى هذا الاختلاف في وصف العصى وقد اخبر في احدى الايتين انها كانت كالجآن والجآن الحية الصغيرة وذكر في الاية الاخرى انها ثعبان مبين والثعبان الحية العظيمة فكيف تكون في حال واحدة بهاتين الصفتين المتباينتين (جواب) قلنا قد اجيب عن هذا السؤال بان موسى لما القى العصى جعلها الله تعالى على صفة الجآن في سرعة حركتها وقوتها وكثرة نشاطها وعلى صفة الثعبان في عظم خلقها وهول منظرها وكبر جسمها فاجتمع فيه الوصفان لها فليس تشبيها لها بالجآن في احدى الايتين بموجب ان يكون تشبيهه في جميع صفاته ولا تشبيهه لها بالثعبان في الاية الاخرى بدليل على انها تماثله في سائر حالاته وعلى هذا الجواب لا تباين في الايتين بحمد الله ومنه ووجه آخر وقد اجيب عن ذلك بجواب آخر وهو ان الايتين ليستا خبرا عن حال واحدة بل لكل واحدة منهما حال منفردة فالحال التي كانت العصا فيها كأنها جآن كانت في ابتداء النبوة وقبل مصير موسى عليه السلام الى فرعون مؤديا للرسالة والحال التي صارت العصا فيها ثعبانا كانت عند لقائه وابلاغه الرسالة وعلى هذا تدل التلاوة ولم يبق في المسألة شبهه والمنة لله (فصل) وروى في الحديث ان فضال بن الحسن بن فضال الكوفي مر بابي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقه حديثه فقال فضال لصاحب كان معه والله لا ابرح حتى اخجل أبا حنيفة فقال له صاحبه ان أبا حنيفة من قد علمت حاله وظهرت حجته فقال فضال مه هل رايت حجته علت على المؤمن ثم دنا منه فسلم عليه وقال يا أبا حنيفة يرحمك الله ان لي اخا يقول ان خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه واله علي بن أبي طالب عليه السلام وانا اقول أبو بكر وبعده عمر فما تقول أنت يرحمك الله فاطرق


[ 136 ]

أبو حنيفة مليا ثم رفع راسه فقال كفى بمكانهما من رسول الله صلى الله عليه واله كرما وفخرا اما علمت انهما ضجيعاه فاي حجة اوضح لك من هذا فقال له فضال اني قد قلت لاخى هذا فقال والله لأن كان الموضع لرسول الله صلى الله عليه واله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما وان كان لهما فوهبا لرسول الله صلى الله عليه واله لقد اساءا وما احسنا في ارتجاعهما هبتهما ونكثهما عهدهما فاطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال لم يكن خاصة ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحق ابنتيهما فقال فضال قد قلت له ذلك فقال أنت تعلم ان النبي صلى الله عليه واله مات عن تسع فنظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان اكثر من ذلك وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله صلى الله عليه واله وفاطمة ابنته تمنع الميراث فصاح أبو حنيفة يا قوم نحوه عني فانه رافضي (فصل) حدثني الحسين بن محمد بن علي الصيرفي قال حدثني القاضي أبو بكر محمد بن عمر المعروف بالجعابي قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن سليمان بن محبوب قال حدثنا أحمد بن عيسى الحربي قال حدثنا اسماعيل بن يحيى عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه واله ليلة بدر قائما يصلي ويبكي ويستعبر ويخشع ويخضع كاستطعام المسكين ويقول اللهم انجز لي ما وعدتني ويخر ساجدا ويخشع سجوده ويكثر التضرع فأوحى الله تعالى إليه قد انجزنا وعدك وايدناك بابن عمك علي ومصارعهم علي يديه وكفيناك المستهزئين به فعلينا فتوكل وعليه فاعتمد فانا خير من توكلت عليه وهو افضل من اعتمد عليه وحدثني القاضي أبو الحسن اسد بن ابراهيم السلمي الحراني نزيل بغداد قال اخبرني أبو حفص عمر بن علي العتكي الخطيب قال قرات على الحسن بن أحمد البالسي حدثكم أبو امية محمد بن ابراهيم قال حدثنا أبو عاصم النبيل عن أبي الجراح عن جابر بن صبيح عن ام سرحيل عن ام عطية ان رسول الله صلى الله عليه واله بعث عليا عليه السلام في سرية قال فرأيته رافعا يده يقول اللهم لا تمتني حتى تريني عليا وباسناده عن العتكي قال حدثني سعيد بن محمد قال اخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال حدثنا عباد بن يعقوب قال حدثنا علي بن عابس عن الحارث بن حميرة عن القاسم بن جندب قال سمعت رجلا من خثعم يقول سمعت اسماء بنت عميس قالت رايت رسول الله صلى الله عليه واله يشير وهو يقول اشرق ثبير اللهم اني اسئلك بما سئلك به اخي موسى ان تشرح لي صدري وان تيسر لي من امري وان تحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي وان تجعل لي وزيرا من اهلي عليا اخي اشدد به ازري واشركه في امري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا وباسناده ايضا عن العتكي قال اخبرني محمد بن صفوة قال حدثني الحسن بن علي العلوي قال حدثني أحمد بن العلاء قال حدثنا صباح بن يحيى المري قال حدثني خالد بن يزيد عن أبي جعفر محمد بن علي


[ 137 ]

عن أبيه عن الحسين بن علي عن أبيه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله يوم الاحزاب اللهم انك اخذت مني عبيدة بن الحرث يوم بدر وحمزة عبد المطلب يوم أحد وهذا اخي علي بن طالب رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين (فصل) روى في الحديث انه لما اتت الاحزاب وحاصرت المدينة واقامت عليها بضعا و عشرين ليلة طاف المشركون بالخندق فلم يكن منهم من تقدم عليه غير عمرو بن عبد ود فانه ضرب فرسه فعبر به عرضه وحصل في حيز المدينة فاخذ يرتجز في ممره ومجيئه على رسول الله صلى الله عليه واله وينادى بالبراز ولا يجيبه أحد فقال رسول الله صلى الله عليه واله لاصحابه وهم مطيفون به ايكم يبرز الى عمرو اضمن له على الله الجنة فلم يجبه منهم أحد هيبة لعمرو واستعظاما لامره فقام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له اجلس ونادى اصحابه دفعه اخرى فلم يقم منهم أحد والقوم ناكسوا رؤوسهم فقام علي بن ابي طالب عليه السلام فأمره بالجلوس ونادى الثالثة فلما لم يجبه أحد سواه استدناه وعممه بيده وامره بالبروز الى عدوه فتقدم إليه ورسول الله صلى الله عليه واله يقول برز الايمان كله الى الشرك كله وكان عمرو حينئذ يرتجز ويقول ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز * ووقفت إذ جبن الشجاع موقف الخصم المناجز * اني كذلك لم ازل متسرعا نحو الهزاهز * ان الشجاعة في الفتي والجود من كرم الغرائز * فتقدم إليه أمير المؤمنين صلى الله عليه وهو يقول لا تعجلن فقد اتاك مجيب صوتك غير عاجز * ذو نية وبصيرة والصدق منجى كل فائز * اني لارجو ان تقوم عليك نائحة الجنائز * من طعنة نجلاء يبقى ذكرها بين الهزاهز * ثم جادله فما كان باسرع من ان صرعه أمير المؤمنين وجلس على صدره فلما هم ان يذبحه وهو يكبر الله ويحمده قال له عمرو يا علي قد جلست مني مجلسا عظيما فإذا قتلتني فلا تسلبني حلتي فقال له امير المؤمنين صلى الله عليه واله هي اهون علي من ذلك وذبحه واتى براسه وهو يتبختر في مشيته فقال عمر الا ترى يا رسول الله الى علي كيف يتيه في مشيته فقال رسول الله صلى الله عليه واله انها مشية لا يمقتها الله في هذا المقام ثم نهض رسول الله صلى الله عليه واله (الى أمير المؤمنين عليه السلام فتلقاه ومسح الغبار عن عينيه فرمى الراس بين يديه فقال له رسول الله صلى الله عليه واله) ما منعك من سلبه قال يا رسول الله خفت ان يلقاني بعورته فقال له النبي صلى الله عليه واله ابشر يا علي فلو وزن اليوم عملك بعمل جميع امة محمد صلى الله عليه واله لرجح عملك على عملهم وذلك انه لم يبق بيت من المشركين إلا وقد دخله ذل من قتل عمرو ولم يبق بيت من المسلمين الا وقد دخله عز بقتل عمرو فانشا أمير المؤمنين يقول نصر الحجارة من سفاهه رأيه * ونصرت رب محمد بصواب *


[ 138 ]

فضربته وتركته متجدلا * كالنسر فوق دكادك وروابي * وعففت عن اثوابه ولو انني * كنت المقطر بزني اثوابي * لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الاحزاب * ولما قتل علي صلوات الله عليه عمرا سمع مناديا ينادي ولا يرى شخصه قتل علي عمرا قصم على ظهرا ابرم على امرا ووقعت الجفلة بالمشركين فانهزموا اجمعين وتفرقت الاحزاب خائفين مرعوبين فروى عن جابر رحمه الله انه قال ما شبهت قتل علي عمرا إلا بما قصة الله تعالى في أمر داود عليه السلام وجالوت حيث يقول فهزموهم باذن الله تعالى وقتل داود جالوت (فصل من كلام امير المؤمنين عليه السلام وحكمه) العفاف زينة الفقر * الشكر زينة الغنى * الصبر زينه البلاء * التواضع زينة الحسب * الفصاحة زينة الكلام * العدل زينة الامارة * السكينة زينة العبادة * الحفظ زينة الرواية * خفض الجناح زينة العلم * حسن الادب زينة العقل * بسط الوجه زينة الحلم * الايثار زينة الزهد * بذل المجهود زينة المعروف * الخشوع زينة الصلاة * ترك ما لا يعنى زينة الورع * جاء في الحديث عن الامام جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم اجمعين ان رسول الله صلى الله عليه واله قال اعبد الناس من اقام الفرائض * وازهد الناس من اجتنب المحارم * واسخى الناس من ادى زكوة ماله * واتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه * واعدل الناس من رضي للناس ما يرضى لنفسه * وكره لهم ما يكره لنفسه * واكيس الناس من كان اشد ذكرا للموت * واغبط الناس من كان في التراب في امن من العقاب يرجو الثواب * و اغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال الى حال * واعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل للدنيا عنده خطرا * و اعلم الناس من جمع علم الناس الى علمه * واشجع الناس من غلب هواه * واكثر الناس قيمة اكثرهم علما * واقل الناس قيمة اقلهم علما * واقل الناس لذة الحسود * واقل الناس راحة البخيل * وابخل الناس من بخل بما افترض الله عزوجل عليه * واولى الناس بالحق اعلمهم به * واقل الناس حرمة الفاسق * واقل الناس وفاء الملوك * وافقر الناس الطمع * واغنى الناس من لم يكن للحرص اسيرا * واكرم الناس اتقاهم * واعظم الناس قدرا من ترك المراء وان كان محقا * و اقل الناس مروءة من كان كاذبا * وامقت الناس المتكبر * واشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب * واسعد الناس من خالط كرام الناس * واعقل الناس اشدهم تهمة للناس * واولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة * وابغي الناس من قتل غير قاتله * أو ضرب غير ضاربه * واولى الناس بالعفو اقدرهم على العقوبة * واحق الناس بالذنب المغتاب * واذل الناس من اهان الناس * واحزم الناس اكظمهم للغيظ * واصلح الناس اصلحهم للناس * وخير الناس من انتفع به الناس *


[ 139 ]

وروى ان هذه الابيات لامير المؤمنين عليه السلام تخذتكم درعا حصينا لتدفعوا * سهام العدي عني فكنتم نصالها * فإن انتم لم تحفظوا لمودتي * ذماما فكونوا لا عليها ولا لها * قفوا موقف المعذور عني بجانب * وخلوا نبالي للعدا ونبالها * وانشدني الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن أحمد الموسوي * كنا نعظم بالامال بعضكم * ثم انقضت فتساوى عندنا الناس * لم تفضلونا بشئ غير واحدة * هي الرجاء فسوى بيننا الياس * وانشد لابراهيم بن العباس كتبه الى محمد بن عبد الملك * اخي بينى وبين الدهر صاحب اينا غلبا * صديقي ما استقام فإن * نبا دهر على نبا * وثبت على الزمان به * فعاد به وقد وثبا * ولو عاد الزمان لنا * لطار به اخا حدبا * وله ايضا فيه * كنت اخي باخاء الزمان فلما * جفا بنا صرت حربا وعوانا * كنت اذم اليك الزمان * فاصبحت فيك اذم الزمانا * فكنت اعدك للنائبات * فاصبحت اطلب منك الامانا * وله ايضا فيه * قدرت فلم تضرر عدوا بقدرة * وسمت به اخوانك الذل والرغما * وكنت مليا بالتي قد يعافها * من الناس من يابا الدنية والوفا (مسألة) امراة جامعها ستة نفر في يوم واحد فوجب على احدهم القتل وعلى الثاني الرجم وعلى الثالث الجلد وعلى الرابع نصف الجلد وعلى الخامس التعزير ولم يجب على السادس شئ (الجواب) كان احدهم ذميا فوجب عليه القتل وكان الاخر محصنا مسلما فوجب عليه الرجم وكان الاخر بكرا فوجب عليه الجلد وكان الاخر عبدا فعليه نصف الجلد وكان الاخر صبيا فعليه التعزير وكان الاخر زوجا فليس عليه شئ (مسألة اخرى) رجل له جارية يملك جميعها ليس لاحد معه فيها نصيب لا يحل له جماعها حتى يجامعها رجل غيره (جواب) هذا كان زوجا لهذه الجارية ثم ابتاعها من سيدها وقد كان طلقها تطليقين فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره (مسألة اخرى) امراة ولدت على فراش بعلها ببغداد فلحق نسبه برجل ببصرة فلزمه دون صاحب الفراش من غير ان يكون شاهد المراة أو عرفها أو عقد عليها أو وطاها حلالا أو حراما (جواب) هذه امراة بكر وقعت عليها ثيب في حال قد قامت فيها من جماع زوجها فحولت نطفة الرجل الى فرجها فحملت منه ومضى على ذلك تسعة اشهر فتزوجت البكر في آخر التاسع برجل ودخلت عليه في ليلة العقد فولدت على فراشه ولدا تاما فانكر الزوج ذلك وقررها على صنعها فاعترفت بما ذكرناه واقرت الفاعلة ايضا فلحق المولود بصاحب النطفة على ما حكم به الحسن بن علي عليهم السلام في اثر مذكور (فصل في الوعظ والزهد) قيل لبعضهم كيف حالك قال كيف حال من يفنى ببقائه ويسقم بسلامته ويؤتى من مأمنه وقيل لبعض حكماء


[ 140 ]

العرب من انعم الناس عيشا فقال من تحلي بالعفاف ورضى الكفاف وتجاوز ما يخاف الى ما لا يخاف قيل فمن اعلمهم فقال من صمت فاذكر ونظر فاعتبر ووعظ فازدجر وروى ان الله تعالى يقول يا ابن آدم في كل يوم يؤتى رزقك وانت تحزن وينقص عمرك وأنت لا تحزن تطلب ما يطغيك وعندك ما يكفيك وقيل اغبط الناس من اقتصد فقنع ومن قنع فك رقبته من عبودية الدنيا وذل المطامع وقيل الفقير من طمع والغنى من قنع وقيل من كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ وقيل لا يزال العبد بخير ما دام له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همه ووعظ رجل فقال عباد الله الحذر الحذر فوالله لقد سر حتى كانه قد غفر ولقد امهل حتى كانه قد اهمل وقيل العجب لمن يغفل وهو يعلم انه لا يغفل عنه ولمن يهنئه عيشه وهو لا يعلم الى ماذا يصير امره وقيل ان للباقي بالفانى معتبر وللاخر بالاول مزدجر فالسعيد لا يركن الى الخدع ولا يغتر بالطمع قال آخر كيف اذخر عملي ولست ادري متى يحل اجلي ام كيف تشد حاجتي الى الدنيا وليست بداري ام كيف اجمع وفي غيرها قراري ام كيف لا امهد لرجعتي قبل انصراف مدتي وقال عمر بن الخطاب لابي ذر الغفاري رحمه الله عظني قال له ارض بالقوت وخف الفوت واجعل صومك الدنيا وفطرك الموت وقال آخر عجبا لمن تكتحل عينه برقاد والموت ضجيعها على وساد وقال آخر نظرنا فوجدنا الصبر على طاعة الله اهون من الصبر على عذاب الله وقال آخر عجبي لمن يحتمي من الطيبات مخافة الداء ولا يحتمي من الذنوب مخافة النار وقيل كيف يصفو عيش من هو مسؤول عما عليه ماخوذ بما لديه محاسب على ما وصل إليه وقال آخر عجبا لمن يقصر عن الواضحة وقد يعمل بالفاضحة وقيل إذا زللت فارجع وإذا اذنبت فاقلع وإذا اسأت فاندم وإذا ائتمنت فاكتم وقال المسيح عليه السلام تعملون للدنيا وانتم ترزقون فيها بغير عمل ولا تعملون للاخرة وانتم لا ترزقون فيها إلا بعمل وقال عليه السلام إذا عملت الحسنة فاله عنها فانها عند من لا يضيعها وإذا عملت السيئة فاجعلها نصب عينيك وقيل لحكيم لم تدمن امساك العصا ولست بكبير ولا مريض قال لاعلم اني مسافر وقيل من احسن عبادة الله في مشيته لقاه الله الحكمه في بلوغه اشده وذلك قوله سبحانه * (ولما بلغ اشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين) * سورة يوسف ولا باس ان يعذل المقصر المقصر قال بعضهم لا يمنعكم معاشر السامعين سوء ما تعلمون منا ان تقبلوا احسن ما تسمعون منا قال الخليل بن أحمد اعمل بعلمي ولا تنظر الى عملي ولا يضرك تقصيري نعوذ بالله ان يكون ما علمنا حجة علينا لا لنا انظر اخي لنفسك ولا تكن ممن جمع علم العلماء وطرائف الحكماء وجرى في العمل مجرى السفهاء حدثني الحسين بن محمد بن علي الصيرفي قال حدثني أبو بكر محمد بن علي الجعاني قال حدثنا أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر العلوي


[ 141 ]

قال حدثني أبي عن ابيه عن آبائه عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله للمسلم على اخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بالاداء العفو يغفر زلته ويرحم عبرته ويستر عورته ويقيل عثرته ويقبل معذرته ويرد غيبته و يديم نصيحته ويحفظ خلته ويرعى ذمته ويعود مرضته ويشهد ميتته ويجيب دعوته ويقبل هديته ويكافي صلته ويشكر نعمته ويحسن نصرته ويحفظ حليلته ويقضي حاجته ويشفع مسئلته ويسمت عطسته ويرشد ضالته ويرد سلامه ويطيب كلامه ويبر انعامه ويصدق اقسامه ويوالي وليه ويعادي عدوه وينصره ظالما ومظلوما فاما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه وأما نصرته مظلوما فيعينه على اخذ حقه ولا يسلمه ولا يخذله و يحب له من الخير ما يحب لنفسه ويكره له من الشر ما يكره لنفسه ثم قال عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول ان احدكم ليدع من حقوق اخيه شيئا فيطالبه به يوم القيام فيقضى له وعليه قال وحدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الازدي قال حدثنا أبو زيد عمرو بن أحمد العسكري بالبصرة قال حدثنا أبو ايوب قال حدثنا أحمد بن الحجاج قال حدثنا ثوبان بن إبراهيم عن مالك بن مسلم عن ابي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه واله قال تعرض اعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن الا من كانت بينه وبين اخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يصطلحا (مسألة فقهيه) لابي النجا (شعر) اتعرف من قد باع من مهر امه * اباه فوفاها بحق صداقها * وكانت قديما اشهدت كل من رات * بان اباه قد ابت طلاقها (الجواب) إذا أنت عقدت المسائل ملغزا * اتتك جوابات تحل وثاقها * تزوج عبد حرة انجبت فتى * وصادفه قول ابان فراقها * فانكحها مولاه من بعد رغبة * لما قد راى منها واسنى صداقها * فوكلت ابن العبد في قبض مهرها * وافلس مولاه وابدى عتاقها * فباع الوكيل العبد بالحكم إذ راى * هوى امه في بيعها وارتفاقها * (تفسير الجواب) هذه امراة حرة فتزوجت عبدا فولدت منه ابنا ثم طلقها العبد فانكحها مولاه بصداق مسمى فوكلت ابنها من العبد بقبض مهرها وفلس المولى فقضى لها بالعبد في واجبها فوكلت ابنها في بيعه لاستيفاء صداقها (فصل في ذكر مجلس جرى لي بتلبيس) حضرت في سنة ثماني عشرة واربعمائة مجلسا فيه جماعة ممن يحب استماع الكلام ومطلع نفسه فيه الى السؤال فسألني احدهم فقال كيف يصح لكم القول بالقول والاعتقاد بان الله تعالى لا يجوز عليه الظلم مع قولكم انه سبحانه يعذب الكافر في يوم القيامة بنار الابد


[ 142 ]

عذابا متصلا غير منقطع وما وجه الحكمة والعدل في ذلك وقد علمنا ان هذا الكافر وقع منه كفره في مدة متناهية واوقات محصورة وهي مبلغ عمره الذي هو مائة سنة في المثل واقل واكثر فكيف جاز في العدل عذابه اكثر من زمان كفره والا زعمتم ان عذابه متناهي كعمره ليستمر لكم القول بالعدل وتزول مناقضتكم لما تنفون عن الله تعالى من الظلم (الجواب) فقلت له سئلت فافهم الجواب اعلم ان الحكمة لما اقتضت الخلق و التكليف وجب ان يرغب العبد فيما امره به من الايمان بغاية الترغيب ويزجره عما نهى عنه من الكفر بغاية التخويف والترهيب ليكون ذلك ادعى له الى فعل المأمور به وازجر له عن ارتكاب المنهى عنه وليس غاية الترغيب إلا الوعد بالنعيم الدائم المقيم ولا يكون غاية التخويف والترهيب إلا التوعيد بالعذاب الخالد الاليم وخلف الخبر كذب والكذب لا يجوز على الحكيم فبان بهذا الوجه ان تخليد الكافر في العذاب الدائم ليس بخارج عن الحكمة ولا القول به مناقض للادلة فقال صاحب المجلس قد اتيت في جوابك بالصحيح الواضح غير انا نظن بقية في السؤال تطلع نفوسنا الى ان نسمع عنها الجواب وهي ان الحال قد افضت الى ما ينفرد منه العقل وهو ان عذاب اوقات غير محصورة يكون مستحقا على ذنوب مدة متناهية محصورة فقلت له اجل ان الحال افضت الى ان الهالك على كفره يعذب بعذاب تقدير زمانه اضعاف زمان عمره وهذا هو السؤال بعينه وفي مراعاة ما اجبت به عنه بيان ان العقل لا يشهد به ولا ينفرد منه على انني آتي بزيادة في الجواب مقنعة في هذا الباب (فاقول) ان المعاصي تتعاظم في نفوسنا قدر نعم المعصى بها ولذلك عظم عقوق الولد لوالده لعظم احسان الوالد عليه وجلت جناية العبد على سيده لجليل انعام السيد عليه فلما كانت نعم الله تعالى اعظم قدرا واجل اثرا من ان توفى بشكر أو تحصى بحصر وهي في الغاية في الانعام الموافق لمصالح الانفس والاجسام كان المستحق على الكفر به وجحده احسانه ونعمه هو غاية الالام وغايتها هو الخلود في النار فقال رجل ينتمي الى الفقه كان حاضرا قد اجاب صاحبنا الشافعي عن هذه المسألة بجوابين هما اجلي وابين مما ذكرت قال له السائل وما هما قال أما احدهما فهو ان الله سبحانه كما ينعم في القيامة على من وقعت منه الطاعة في مدة متناهية بنعيم لا آخر له ولا غاية وجب قياسا على ذلك ان يعذب من وقعت منه المعصية في زمان محصور متناه بعذاب دائم غير منقص ولا متناه قال والجواب الاخر انه خلد الكفار في النار لعلمه انهم لو بقوا ابدا لكانوا كفارا فاستحسن السائل هذين الجوابين منه استحسانا مفرطا أما


[ 143 ]

لمغايظتي بذلك أو لمطابقتهما ركاكة فهمه فقال صاحب المجلس ما تقول في هذين الجوابين فقلت اعفني عن الكلام فقد مضى في هذه المسألة ما فيه كفاية فاقسم علي وناشدني فقلت ان المعهود من الشافعي والمحفوظ منه كلامه في الفقه وقياسه في الشرع فأما اصول العبادات والكلام في العقليات فلم تكن من صناعته ولو كانت له في ذلك بضاعة لاشتهرت إذ لم يكن خامل الذكر فمن نسب إليه الكلام فيما لا يعلمه على طريق القياس والجواب فقد سبه من ان فساد هذين الجوابين لا يكاد يخفى عمن له ادنى تحصيل أما الاول منهما وهو مماثلته بين ادامة الثواب والعقاب فانه خطا في العقل والقياس وذلك ان مبتدى النعم المتصلة في تقدير زمان اكثر من زمان الطاعة ان لم يكن ما يفعله مستحقا كان تفضلا ولا يقال للمتفضل المحسن لم تفضلت واحسنت ولا للجواد المنعم لم جدت وانعمت وليس كذلك المعذب على المعصية في تقدير زمان زائد على زمانها لأن ذلك ان لم يكن مستحقا كان ظلما تعالى الله عن الظلم فالمطالبة بعلة المماثله بين الموضعين لازمة والمسألة مع هذا الجواب عما يوجب التخليد قائمة والعقلاء مجمعون على ان من اعطى زيدا على فعله اكثر من مقدار اجره فليس له قياسا على ذلك ان يعاقب عمرا على ذنبه باضعاف ما يجب في جرمه واما جوابه الثاني فهو وان كان قد ذكره بعض الناس لاحق بالاول في السقوط لانه لو كان تعذيب الله عزوجل للكافر بعذاب الابد (إنما هو لانه علم منه انه لو بقي ابدا كان كافرا لكان انما عذابه على تقدير كفر لم يفعله) وهذا هو الظلم في الحقيقة الذي يجب تنزيه الله تعالى عنه لأن العبد لا يفعل الكفر إلا مدة محصورة وقد اقتضى هذا الجواب ان تعذيبه الزائد على مدة كفره هو عذاب على ما لم يفعله ولو جاز ذلك لجاز ان يبتدئ خلقا ثم يعذبه من غير ان يبقيه ويقدره ويكلفه إذا علم منه إذا انه لو ابقاه واقدره وكلفه كان كافرا جاحدا لانعمه وقد اجمع أهل العدل على ان ذلك لا يجوز منه سبحانه وهو كالاول بعينه في العذاب للعلم بالكفر قبل وجوده لا على ما فعله واحدثه وقبحها يشهد العقل به ويدل عليه تعالى الله عن اضافة القبيح إليه فعلم انه لا يعتبر في الجواب عن هذا السؤال بما اورده هذا الحاكي عن الشافعي وان المصير الى ما قدمناه من الجواب عنه اولى والحمد لله فلما سمع المتفقة طعني فيما اورده وقولى ان الشافعي ليس من أهل العلم بهذه الصناعة ولا له فيها بضاعة ظهرت امارات الغضب في وجهه وتعذر عليه نصره ما جاء به كما تعذر عليه وعلى غيره ممن حضر القدح فيما كنت اجبت به فتعمد لقطع ما كنا فيه بحديث ابتداه لا يليق بالمجلس ولا يقتضيه فبينا نحن كذلك إذ حضر رجل كانوا يصفونه بالمعرفة وينسبونه الى الاصطلاح بالفلسفة فلما استقر به المجلس حكوا له السؤال وبعض ما جرى فيه من الكلام فقال الرجل هذا سؤال يلزم الكلام فيه ويجب على من اقر بالشريعة طلب جواب عنه صحيح يعتمد عليه ثم سئلوني الرجوع الى الكلام


[ 144 ]

والاعادة لما سلف لي من الجواب ليسمع ذلك الرجل الحاضر فقلت له الا سئلتم الفقيه اعادة ما كان اورده لعله ان يرضي هذا الشيخ إذا سمعه وعنيت بالفقيه الحاكي عن الشافعي قالوا قد تبين لنا فساد ما كان اجاب به ولا حاجة بنا الى اشغال الزمان باعادته قلت فانا مجيبكم الى الكلام وسالك غير الطريقة الاولى في الجواب لعل ذلك ان يكون اسرع لزوال اللبس واقرب الى سكون النفس ان وجدت منكم مع الاستماع حسن انصاف قالوا نحن مستمعون لك غير جاحدين لحق يظهر في كلامك فقلت كان السؤال عن وجه العدل والحكمة في تعذيب الله عزوجل لمن مات وهو كافر بالعذاب الدائم الذي تقدير زمانه لا ينحصر وقد كان وقع من العبد كفره في مبلغ عمره المتناهي المنحصر والجواب عن ذلك ان العذاب المجازى به على المعصية كائنة ما كانت لا كلام بيننا في استحقاقه وإنما الكلام في اتصاله وانقطاعه فلا يخلو المعتبر في ذلك ان يكون هو الزمان الذي وقعت المعصية فيه ومقداره وتناهيه والمعصية في نفسها وعظمها من صغرها فلو كانت مدة هي المعتبرة وكان يجب تناهي العذاب لاجل تناهيها في نفسها لوجب ان يكون تقدير زمان العقاب عليها بحسبها وقدرها حتى لا يتجاوزها ولا يزيد عليها وهذا حكم يقضي الشاهد بخلافه ويجمع العقلاء على فساده فكم قد رأينا فيما بيننا معصية وقعت في مدة قصيرة كان المستحق من العقاب عليها يحتاج الى اضعاف تلك المدة وراينا معصيتين تماثل في القدر زمانهما واختلف زمان العقاب المستحق عليهما كعبد شتم سيده فاستحق من الادب على ذلك اضعاف ما يستحقه إذا شتم عبدا مثله وان كان زمان الشتمين متماثلا فالمستحق عليهما من الادب والعقاب يقع في زمان غير مماثل ولو لم يكن في هذا حجة إلا ما نشاهده من هجران الوالد اياما كثيرة لولده على فعل وقع في ساعة واحدة منه مع تصويب كافة العقلاء للوالد في فعله بل لو لم يكن فيه إلا جواز حبس السيد فيما بيننا لعبده زمانا طويلا على خطيئته وكذلك الامام العادل لمن يرى من رعيته لكان فيه كفاية في وضوح الدلالة وليس يدفع الشاهد الا مكابر معاند فعلم مما ذكرناه انه لا يعتبر فيما يستحق على المعصية بقدر زمانها ولا يجب ان يماثل وقت الجزاء عليها لوقتها ووجب ان يكون المرجع إليها نفسها فبعظمها يعظم المستحق عليها سواء طال الزمان أو قصر اتصل ام انقطع وجد فكان محققا أو عدم فكان مقدرا والحمد لله فلما سمع القوم مني هذا الكلام وتاملوا ما تضمنه من الافصاح والبيان وتمثيلي بالمتعارف من الشاهد والعيان لم يسعهم غير الاقرار للحق والاذعان والتسليم في جواب السؤال لما اوجبه الدليل والبرهان والحمد لله الموفق للصواب وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين (زيادة في المسألة) وقد احتج من نصر الجواب الثاني المنسوب الى الشافعي بقول الله تعالى * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) * الانعام


[ 145 ]

وجعل ذلك دلالة على انه عذبهم بعذاب الابد لعلمه بذلك من حالهم وليس في هذه الاية دلالة على ما ظن وإنما هي مبنية على باطن امرهم ومكذب لهم فيما يكون في القيامة من قولهم وما قبل الاية تتضمن وصف ذلك من حالهم وهو قوله تعالى سبحانه * (إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا ونكون من المؤمنين) * الانعام فقال الله سبحانه * (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون) * الانعام هذا لما تمنوا الرجوع الى دار التكليف و ليس فيه اخبار بانه عذبهم لما علمه منهم ان لو اعادهم حسبنا الله ونعم الوكيل (فصل) روي ان امراة العزيز وقفت على الطريق فمرت بها المواكب حتى مر يوسف عليه السلام فقال الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته والحمد لله الذي جعل الملوك عبيدا بمعصيته وذكروا ان المتمناة ابنة النعمان بن المنذر دخلت على بعض ملوك الوقت فقالت انا كنا ملوك هذا البلد يجبى الينا خرجها ويطيعنا اهلها فصاح بنا صائح الدهر فشق عصانا وفرق ملانا وقد اتيتك في هذا اليوم اسئلك ما استعين به على صعوبة الوقت فبكى الملك وأمر لها بجائزة حسنة فلما اخذتها اقبلت بوجهها عليه فقالت اني محييتك بتحية كنا نحي بها فاصغي إليها فقالت شكرتك يد افتقرت بعد غني ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر واصاب الله بمعروفك مواضعه وقلدك المنن في اعناق الرجال ولا ازال الله عن عبد نعمه إلا جعلك السبب لردها عليه والسلام فقال اكتبوها في ديوان الحكمة وروي ان أمير المؤمنين مر على المدائن فلما راى آثار كسرى وقرب خرابها قال رجل ممن معه * جرت الرياح على رسوم ديارهم * فكأنهم كانوا على ميعاد * فقال أمير المؤمنين عليه السلام * (افلا قلت كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمه كانوا فيها فاكهين كذلك واورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) * الدخان (فصل من المقدمات في صناعة الكلام) اعلم ان المعدوم عندنا ليس بشئ ولا يكون الشئ إلا موجودا فإن قال لك قائل ما الشئ فقل هو الموجود فإن قال ما الموجود فقل هو الثابت العين في الوجود فإن قال ما المعدوم فقل هو ما خرج بانتفائه عن كونه شيئا فإن قالوا ما القديم فقل ما ليس لوجوده اول فان قال ما المحدث فقل هو الذي لوجوده اول فإن قال ما الجسم فقل هو ذو الطول والعرض والعمق فان قال ما الجوهر فقل هو اصغر ما تالفت منه الاجسام فإن قال ما العرض فقل هو العارض في المحل بغير بقاء واعلم ان الاعراض عندنا لا تبقى وإنما تتجدد حالا بعد حال ولا يوجد العرض عندنا إلا وقتا واحدا والموجود وقتا واحد ليس بباق ولا يوجد شئ من الاعراض الا في محل فإن قال ما الباقي فقل هو المستمر الوجود فإن احببت فقل هو ما وجد وقتين فما زاد فإن قال ما الفاني فقل هو ما انعدمت عينه بعد وجوده وقد كان يجوز ان لا ينعدم فإن قال ما الاجتماع فقل هو محاسن جواهر الاجسام فإن


[ 146 ]

قالا ما الافتراق فقل هو مباينتها فإن قال ما الحركة فقل هي ما فرغ به التحرك مكانا وشغل مكانا فإن قال ما السكون فقل هو لبث الجوهر في مكان وقتين فما زاد واعلم ان الجوهر إذا لم يكن في مكان فهو ليس بمتحرك ولا ساكن فإن قال لك ما المكان فقل هو ما احاط بالمتمكن فمكان الجوهر ستة امثاله تحيط به من جميع جهاته وصفحة العالم العليا هي مكان للعالم ولا مكان لها ولا يقال في الحقيقة انها متحركة ولا ساكنة وكذلك المستفتح الوجود من الجواهر عندنا وعند اكثر اهل النظر انه ليس بمتحرك ولا ساكن فإن قال لك ما الحي فقل من صح كونه قادرا فان قال ما القادر فقل هو من صح منه الفعل فإن قال ما العالم فقل هو من كان فعله محكما منتظما فان قال ما المريد فقل هو عند التحقيق من قطع على احد الامرين المعترضين فإن قال اتقولون ان الله تعالى مريد فقل أما على الحقيقة فلا يجوز ذلك عليه وأما على المجاز فقد يوصف به اتساعا في الالفاظ وقد وصف نفسه سبحانه بانه مريد كما وصف نفسه بانه غضبان وراض ومحب وكاره وهذه كلها صفات مجازات فإن قال فما الفائدة في قولكم ان الله تعالى مريد فقل هي حصول العلم للسامع بانه سبحانه في افعاله واوامره منزه عن صفة الساهي والعابث فإن قال فما ارادته فقل الجواب عن هذا السؤال على قسمين احدهما ارادته لما يفعله وهي الفعل المراد نفسه والاخر ارادته لما يفعله غيره وهي امره بذلك الفعل فإن قال فما غضبه فقل وجود عقابه فإن قال فما رضاه فقل وجود ثوابه فإن قال فما محبته فقل هي على قسمين احدهما ان يحب المؤمن بمعنى يحسن إليه ويثيبه والاخر انه يحبب الطاعة بمعنى يامر بها فإن قال فما كراهته فقل هي بالضد من ذلك فان قال ما المتكلم فقل هو من فعل كلاما فإن قال ما الكلام فقل هو الاصوات المنتظمة انتظاما يدل على معان فإن قال ما الخبر فقل هو ما امكن فيه الصدق والكذب فإن قال ما الصدق فقل هو الاخبار عن الشئ بما هو به فإن قال ما الكذب فقل هو الاخبار عن الشئ بخلاف ما هو به فإن قال ما الحق فقل ما هو عقد معتقده البرهان فإن قال ما الباطل فقل هو ما خذل معتقده البيان فإن قال ما الصحيح فقل هو الحق بعينه فإن قال ما الفاسد فقل هو الباطل بعينه فإن قال ما العقل فقل هو عرض يحل الحي يفرق بين الحسن والقبح ويصح بوجوده عليه التكليف فإن قال ما الحسن فقل هو ما كان للعقول ملائما فإن قال ما القبح فقل هو ما كان لها منافرا فإن قال ما العلم فقل هو اعتقاد الشئ على ما هو به مع سكون النفس الى المعتقد فإن قال ما الجهل فقل هو اعتقاد الشئ على خلاف ما هو عليه فإن قال ما المعرفة فقل هي العلم بعينه فإن قال ما النظر فقل هو استعمال العقل في الوصول الى معرفة الغائب باعتبار دلالة الحاضر فإن قال ما الدليل فقل هو المعتبر في ادراك ما طلبت النفس ادراكه فإن قال ما الحجة فقل هي الدليل بعينه


[ 147 ]

فإن قال ما الشبهة فقل هي ما عرض للنفس عند انصرافها عن طريق الحق من باطل تخيلته حقا (فصل من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في ذكر العلم) قال أمير المؤمنين عليه السلام قيمة كل امرئ ما يحسن والناس ابناء ما يحسنون العلم وراثة مستفادة * راس العلم الرفق وآفته الخرق * الجاهل صغير وان كان شيخا * والعالم كبير وان كان حدثا * الادب يغني من الحسب * من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار * العلم في الصغر كالنقش في الحجر * زلة العالم كا نكسار السفينة تغرق وتغرق * الاداب تلقيح الافهام ونتائج الاذهان * فإذا استوضحت فاعزم * لو سكت من لا يعلم سقط الاختلاف * من جالس العلماء وقر * ومن خالط الانذال حقر * لا تحقرن عبدا آتاه الله علما فإن الله تعالى لم يحقره حين آتاه اياه * المودة اشبك الانساب * والعلم اشرف الاحساب * لا كنز انفع من العلم * ولا قرين سوء شر من الجهل * العلم خير من المال لأن العلم يحرسك وانت تحرس المال * والعلم يزكو على الانفاق والمال ينفذ بالنفقة * العلم حاكم والمال محكوم عليه * عليكم بطلب العلم طلبه فريضة وهو صله بين الاخوان ودال على المروءة وتحفه في المجالس وصاحب في السفر وانس في الغربة * ومن عرفت الحكمة لم يصبر على الازدياد منها * الشريف من شرفه علمه (فصل من كلامه عليه السلام في ذكر الحلم وحسن الخلق) الحلم سجية فاضلة * اول عوض الحليم من حلمه ان الناس انصاره على الجاهل * من حلم عن عدوه ظفر به * شدة الغضب تغير المنطق * وتقطع مادة الحجة وتفرق الفهم * لا نسب انفع من الحلم ولا حسب انفع من الادب * ولا نصب اوجع من الغضب * حسن الخلق يبلغ درجة الصائم القائم * حسن الخلق خير رفيق * رب عزيز اذله خلقه وذليل اعزه خلقه * من لانت كلمته وجبت محبته * التواضع يكسبك السلامة * زينة الشريف التواضع * حسن الادب ينوب عن الحسب * (تأويل آية) ان سئل سائل عن قوله سبحانه * (حتى إذا جاء امرنا وفار التنور وقلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك إلا من سبق عليه القول منهم ومن آمن وما آمن معه إلا قليل) * هود (الجواب) أما التنور فقد ذكر في معناه وجوه احدها ان يكون المراد به ان النور برز والضوء ظهر واتت امارات دخول النهار وتقضي الليل وهذا التأويل يروى عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وثانيها ان يكون معنى ذلك واشتد غضب الله تعالى عليهم وحل وقوع نقمته بهم فذكر التنور مثلا لحصول العذاب كما تقول العرب قد حمى الوطيس إذا اشتدت الحرب وعظم الخطب وقد قارب القوم إذا اشتدت حربهم وثالثها ان يكون اراد بالتنور وجه الأرض وان الماء نبع وظهر على وجهها وقد روي هذا عن أبن عباس قال والعرب تسمى وجه الأرض تنورا ورابعها ان يكون هو التنور


[ 148 ]

المعهود للخبز وكان في دار نوح عليه السلام فجعل فوران الماء منه علما له عليه السلام على نزول العذاب فاما قوله ومن كل زوجين اثنين فقد قيل من كل ذكر وانثى اثنين وكل واحد من الذكر والانثى زوج وقال آخرون من كل ضربين اثنين وقيل ايضا من كل لونين اثنين ومعنى من سبق إليه القول أي اخبر الله تعالى بعذابه وحلول الهلاك به والله اعلم بمراده (فصل التوراة في ذكر الفلك) قال الله تعالى لنوح عليه السلام فاصطنع أنت فلكا من خشب الصنوبر واصنع الفلك ادوارا واطله من داخل وخارج بقار واجعل طول الفلك ثلاثمائة ذراع وعرضه خمسين ذراعا وارتفاعه ثلاثين ذراعا واصطنع في الفلك كوا واصطنع بابه من جنبه واجعل الفلك اثلاثا الاسفل والاوسط والاعلى وسارسل الطوفان على الارض ليفسد كل شئ فيه روح من تحت السماء وكل ما في الأرض واوثقك بميثاقي وادخل الفلك أنت وامراتك وبنوك و نساء بنيك معك ومن كل شئ من اللحم فادخل اثنين اثنين معك (رساله كتبتها الي بعض الاخوان تتضمن كلاما في وجوب الامامة) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ذي الفضل والاحسان الهادي الى الحق بواضح البرهان وصلواته على سيدنا محمد نبيه المبعوث للبيان وعلى آله الطاهرين ائمة الازمان قد وقفت ايها الاخ الفاضل ادام الله لك التأييد واوصلك بالتوفيق والتسديد من رغبتك في الاستدلال وحرصك على دفع شبه أهل الضلال على ما اوجب على حسن مساعدتك واجابتك عما تلتمسه عند مسائلتك لما بيننا لما بينا من الايمان وما يتعين من ذلك على الاخوان قال رسول الله صلى الله عليه واله المؤمنون اخوه تتكافا دماؤهم ويسعى بذمتهم ادناهم ويجير عليهم اقصاهم وهم يد على من سواهم وقد فهمت السؤال الذي ارسلت وانا اجيب عنه بما يحضرني حسبما طلبت ان شاء الله تعالى وبه استعين (السؤال) ذكرت ايدك الله ان احد المخالفين قال إذا كان الله تعالى قد قال * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * الانعام وكانت الامة مجتمعة على ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قد بلغ الرسالة الى الكافة وادى فيها الامانة وبين لجميع الامة فما الحاجة بعد ذلك الى امام (الجواب) فاقول والله الموفق للصواب ان الكتاب وان كان الله تعالى لم يفرط فيه من شئ فإن الامة لم تستغن به عن تفسير رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لمعانيه وتنبيهه لمراد الله تعالى فيه ولا علمت بسماع تلاوته جميع احكام الله تعالى في شريعته بل مفتقرة الى النبي صلى الله عليه واله في الايضاح والبيان معتمدة عليه في السؤال عن معاني القرآن وهو نبيها مؤيد معصوم كامل العلوم يرشد ضالها ويعلم جاهلها ويجيب سائلها وينبه غافلها ويزيل الاختلاف


[ 149 ]

من بينها ويفقهها على معالم دينها بقول متفق وأمر متسق وقد علم ان الاتين من امته بعده مكلفون من شرعه نظير ما كانه من كان في وقته فوجب في العدل والحكمة ازاحة علل كل زمان لمن يقوم فيه ذلك المقام يفزع إليه في النازلات ويعول عليه عند المشكلات تكون النفس ساكنة الى طهارته وعصمته واثقه بكمال علمه ووفادته وليس ما تضمنه السؤال من ان النبي عليه واله السلام قد بلغ الكافة وبين للامة بقادح في هذا الاستدلال لانه عليه السلام بين لهم شرعه على الحد الذي أمر به فعين لهم على بعضه بالمشافهة ودلهم منه على الجملة الباقية بالاشارة الى من خصه الله تعالى بعلمها واستحفظه اياها وجعله الخليفة على الامة بعده في تبليغها حسبما تقتضيه مصالحها في تكليفها في اخبار تواترت على السنتها منها قوله انا مدينة العلم وعلي بابها فكان ما خصه به من تفصيل ما اجمل لهم بحسب ما كلفه من التبليغ دونهم على انه لو ماثلهم في جميع التكليف لم يلزم اشتراكهم في الابانة على التفصيل وإنما الواجب عموم المكلفين بالتمليك من الادلة التي بها تثبت الحجة وتدرك المحجة والامام عندنا أحد الدليلين على الحق من الشريعة فإذا اودعه الذي استخلفه عليهم تفصيل كثير مما اجمل ونص على عينه ومكن منه فقد ازاح عللهم ولم يخرج ذلك عن القول بانه بلغهم وبين لهم ولا دفع ما قدمناه من وجوب الحاجة الى امام يرجعون إليه فيما كلفهم ووجه آخر لو فرضنا ان النبي صلى الله عليه واله قد شمل جميع الامة بالابانة على سبيل التفصيل والجملة ولم يخص احدا منهم ولا اخفى شيئا عنهم لم تسقط مع ذلك الامامة ولا جاز خلو زمان من حجة لأن النبي صلى الله عليه واله علم أهل عصره وبين لمن كان في وقته ودهره وكانت احوالهم مختلفة واسباب اختلافها معهودة معروفة فمنهم الذكي الرشيد والبطئ البليد والمحب للعلم مع شغله بدنياه والمنقطع الى العمل والزهد دون ما سواه والمتوفر على العلم المواظب عليه والمتضجر منه الزاهد فيه والمجتهد في الحفظ مع كثرة نسيانه والمعتمد يعتبر ما يسعه ايمانه هذا مع عدم العصمة عنهم وجواز الغلط منهم ولذلك حصل الاختلاف بينهم وتضادت رواياتهم ووقع في الحيرة العظمى من عول في دينه عليهم ولم يكن الله سبحانه الرحيم بخلقه ليلجئ عباده بعد نبيه صلى الله عليه واله الى غير حفظه لما استودعوه ولا منفقين فيما رووه ونقلوه ولسنا نجد علما على يد بعضهم يستدل به على امانتهم وصدقهم ولا عصمة لهم يؤمن معها من تحريفهم أو غلطهم هذا مع ما نعلم من عدمهم اكثر النصوص في الاحكام والتجائهم بعدمها الى الاجتهاد والقياس والاخذ في الدين بالظن و الراي الموقع بينهم الاختلاف والمانع من الاتفاق والائتلاف فعلمنا ان الله سبحانه قد ازاح علل المكلفين بعد


[ 150 ]

رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين بالائمة الراشدين الهداة المعصومين الذين أمر الله تعالى بالرد إليهم والتعويل عليهم فقال عز من قائل * (ولو ردوه الى الرسول والى اولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * النساء وقال النبي صلى الله عليه واله اني مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ووجه آخر ولو قدرنا ان الامة قد سمعت جميع علوم الشريعة فوعت واحاطت بتفاصيل احكامها وحفظت واتفقت فيما روت ونقلت وسقطت معرة الاختلاف عنها واستقر الاتفاق منها لم يغن ذلك عن الائمة ولا جاز عدمهم على ما يقتضيه العدل والحكمة لأن الامة على كل حال يجوز عليها الشك والنسيان ويمكن منها الجحد والكتمان وعلى ذلك حجج يجدها من انعم الاستدلال لو لا الغرض في ترك الاطالة لاوردنا طرفا منها في هذا الجواب وللمسئول ان يبني جوابه على اصله المستقر عنده على قوله الى ان ينقل الكلام إليه فتكون المنازعة فيه وإذا جاز على الامة ما ذكرناه لم يكن حفظها واتفاقها الذي قدرناه بمؤمن من وقوع ما هو جائز عليها وحصول ما هو متوهم منها وفي جواز ذلك مع عدم الائمة جواز سقوط الحجة عن الامة إذ لا معقل يدرك منه الصواب يكن حافظا للشرع والكتاب وفي هذا اوضح البيان عن وجوب الحاجة الى الامام في كل زمان وجه آخر ولو اضفنا الى ما فرضناه وقدرنا وجوده وتوهمناه من سماع الامة لجميع تفاصيل الاحكام وايرادها في النفل لها على اتفاق ونظام نفي جواز الشك والنسيان عنها واحالة الجحد والكتمان منها لم يغن ذلك عن امام لها في كل زمان حسبما يشهد به الدليل العقلي والبرهان وذلك انا وجدنا اختلاف طبائع الناس وشهواتهم وتباين هممهم وارادتهم وميل جميعهم في الجملة الى الرياسة ومحبتهم لنفوذ الامر ووجوب الطاعة ورغبتهم في حرز الاموال وتطلعهم الى نيل الامال وارتكاب اكثرهم للمقبحات وتسرعهم الى ما يقدرون عليه من الشهوات مع وكيد تحاسدهم وشديد تظالمهم لا ينكره إلا من دفع الضرورات وانكر المشاهدات يقضي ذلك في العقول عند ذوي التحصيل بان صلاح احوالهم وانتظام امورهم وحراسة انفسهم واموالهم لا يتم بوجود رئيس لهم ومتقدم عليهم يكون مسددا فيما يمضيه من تدبيرهم موفقا للصواب فيما يراه لهم وعليهم يقيم بهيبته عوجهم ويرد بيده اودهم ويجمع برايه متشتتهم ويقهر بتمكنه معاندهم ويمنع القوي من الضعيف ويسوسهم بالسوط والسيف وفي عدم الرئيس وعلى ما ذكرناه فساد احوالهم وانقطاع نظامهم وحصول الهرج منهم ووجود الحيرة والفتنة بينهم التي هي سبب تلافهم وهلاك انفسهم وهذا أمر يعلم العقلاء صحته ممن اقر بالشرع


[ 151 ]

وجحده قال الافوه الاودي وكان جاهليا لا يصلح الناس فوضى لا مراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا وإذا كان الله تعالى إنما خلق خلقه لنفعهم واحياهم لصلاحهم ومراشدهم فانه في عدله وحكمته ورافته ورحمته لم يخلهم في كل زمان من رئيس يكون لهم وامام في الدين والدنيا عليهم ووجه آخر ولو رفعنا الدليل العقلي الذي اوردناه مع تسليم ما ذكرناه وقدمناه لم يدفع ذلك وجوب الحاجة الى الامام ولا جاز معه ان تعدمه الانام لأن الامة مجمعة على ان في الشريعة احكاما تفتقر الى من ينفذها وحدودا على الجناة تحتاج الى من يتولاها وهي مقرة بان الله تعالى ما جعل ذلك لها وانه لا يسع ولا يجوز اهمالها وتركها فوجب ان يكون للناس امام في كل زمان ينفذ الاحكام ويقيم حدود شريعة الاسلام حافظا للبيضة من الكفار دافعا عن المسلمين اسباب الاذى والمضار يسير فيهم بالهدى والصواب لا يتعدى ما يوجبه العقل والكتاب والحمد لله قد اوردت لك ايها الاخ الفاضل ادام الله توفيقك ما حضرني من وجوه الاجوبة عن هذا السؤال وفي بعضه كفاية وبيان لمن اراد الاستدلال والحمد الله وصلواته على سيدنا محمد رسوله وآله وسلامه وحسبي الله ونعم الوكيل (فصل من الحديث) حدثنا الشيخ أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن شاذان القمي قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن عباس قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا الحسن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس الرازي قال حدثني علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى عن أبيه جعفر عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله من مات وليس له امام من ولدي مات ميتة الجاهلية يؤخذ بما عمل في الجاهلية والاسلام وقال حدثني أبو المرجا محمد بن علي بن طالب البلدي قال حدثنا أبو القاسم عبد الواحد بن الله بن يونس الموصلي (عن أبي علي محمد بن همام بن سهل عن عبد الله بن جعفر الحميري عن الحسن بن علي بن فضال عن محمد بن أبي عمير عن) ابي علي الخراساني عن عبد الكريم بن عبد الله عن مسلمة بن عطا عن أبي عبد الله الامام الصادق عليه السلام قال خرج الحسين بن علي صلوات الله عليهما ذات يوم على اصحابه فقال بعد الحمد لله جل وعز والصلاة على محمد رسوله صلى الله عليه واله يا ايها الناس ان الله والله ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه فقال له رجل بابي انت وامي يا ابن رسول الله ما معرفة الله قال معرفة أهل كل زمان امامهم الذي يجب عليهم طاعته اعلم انه لما كانت معرفة الله وطاعته لا ينفعان من لا يعرف الامام (ومعرفة الامام وطاعته لا ينفعان إلا بعد معرفة الله صح ان يقال ان معرفه هي معرفة الامام وطاعته ولما كانت ايضا المعارف الدينية العقلية والسمعية تحصل من جهه الامام وكان الامام آمرا بذلك وداعيا إليه صح القول ان معرفة الامام وطاعته هي معرفة الله سبحانه


[ 152 ]

كما نقول في المعرفة بالرسول صلى الله عليه واله وطاعته انها معرفة بالله سبحانه قال الله عزوجل من يطع الرسول فقد اطاع الله وما تضمنه قول الحسين عليه السسلام من تقدم المعرفة على العبادة غاية في البيان والتنبيه (وجاء في الحديث عن طريق العامة) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ان رسول الله صلى الله عليه واله قال من مات وليس في عنقه بيعة الامام أو ليس في عنقه عهد الامام مات ميتة جاهلية وروى كثير مهم انه عليه السلام قال من مات وهو لا يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية وهذان الخبران يطابقان المعنى في قول الله تعالى * (يوم ندعو كل اناس بامامهم فمن اوتى كتابه بيمينه فاولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا) * الاسراء فان قال الخصوم ان الامام ههنا هو الكتاب قيل لهم هذا انصراف عن ظاهر القرآن بغير حجة توجب ذلك ولا برهان لان ظاهر التلاوة يفيدان الامام في الحقيقة هو المقدم في الفعل والمطاع في الامر والنهي وليس يوصف بهذا الكتاب إلا ان يكون على سبيل الاتساع والمجاز والمصير الى الظاهر من حقيقة الكلام اولى إلا ان يدعو الى الانصراف عنه والاضطرار وايضا فإن أحد الخبرين يتضمن ذكر البيعة والعهد للامام ونحن نعلم انه لا بيعة للكتاب في اعناق الناس ولا معنى لأن يكون له عهد في الرقاب نعلم ان قولكم في الامام انه الكتاب غير صواب فان قالوا ما تنكرون ان يكون الامام المذكور في الاية هو الرسول عليه السلام قيل لهم ان الرسول عليه السلام قد فارق الامة بالوفاة وفي أحد الخبرين انه امام الزمان وهذا يقتضى انه حي ناطق موجود في الزمان فاما من مضى بالوفاة فليس يقال امام إلا على معنى وصفنا للكتاب بانه امام ولو ان الامر كما ذكرناه لكان إبراهيم الخليل عليه السلام امام زماننا لاننا عاملون بشرعه متعبدون بدينه وهذا فاسد إلا على الاستعارة والمجاز وظاهر قول النبي صلى الله عليه واله من مات وهو لا يعرف اما زمانه يدل على ان لكل زمان اماما في الحقيقة يصح ان يتوجه منه الامر ويلزم له الاتباع وهذا واضح لمن طلب الصواب ومن ذلك ما اجمع عليه أهل الاسلام من قول النبي عليه الصلاة والسلام اني مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتى وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فاخبر انه قد ترك في الناس من عترته من لا يفارق الكتاب وجوده وحكمه وانه لا يزال وجودهم مقرونا بوجوده وفي هذا دليل على ان الزمان لا يخلو من امام ومنه ما اشتهر بين الرواة من قوله في كل خلف من امتي عدل من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وان ائمتكم وفودكم الى الله فانظروا من توفدون في دينكم (فصل) حديث عن الامام الرضا حدثنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي قال حدثنا ابي قال حدثنا أحمد بن محمد بن صالح قال حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا ايوب بن نوح قال قال الرضا عليه السلام سبعة اشياء بغير سبعة اشياء من الاستهزاء من استغفر


[ 153 ]

بلسانه ولم يندم قلبه فقد استهزا بنفسه ومن سئل الله التوفيق ولم يجتهد فقد استهزا بنفسه ومن استحزم ولم يحذر فقد استهزا بنفسه ومن سئل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزا بنفسه من تعوذ بالله من النار ولم يترك شهوات الدنيا فقد استهزا بنفسه ومن ذكر الله ولم يستبق الى لقائه فقد استهزا بنفسه (مسألة) امراة لها بعل صحيح البعولة امكنت نفسها من رجل كامل العقل رضى الدين فوطأها من غير حرج في ذلك عليها والبعل المتقدم ذكره كاره لهذا الامر كراهة الطباع راض به من جهة التسليم للشريعة رضا الاختيار (جواب) هذه امراة نعي إليها زوجها فاعتدت وتزوجت رجلا مسلما فوطأها بالنكاح الشرعي حيث لا حرج عليها في ذلك لعدم علمها ببقاء زوجها ثم بلغ زوجها الاول ما فعلته فكرهه من جهة الطباع ورضي به من جهة التسليم لشرع الاسلام فهي حلال للثاني وان كانت في عقد الاول الى ان يحصل لها وللعاقد عليها علم ببقاء زوجها الذي نعي إليها وهذا الجواب ليس فيه بين الامة اختلاف (مسألة اخرى) رجلان كانا يمشيان فسقط على احدهما جدار فقتله فحرمت على الاخر في هذه الحال زوجته (جواب) هذا رجل زوج عبده ابنته وخرجا يمشيان فسقط على المولى الجدار فقتله فصار للعبد بذلك ميراثا للبنت فحرمت عليه في الحال لملكها له وعلى هذا الاتفاق (مسألة اخرى) رجل غاب عن زوجته ثلاثة ايام فكتبت إليه الزوجة ان قد تزوجت بعدك وانا محتاجة الى نفقة فانفذ الي ما انفقه على نفسي وزوجي فوجب لها ذلك عليه ولم يكن له منه مخرج (جواب) هذه مسألة في معنى التي قبلها وهي امراة زوجها ابوها عبدا له واعطاه مالا واذن له في السفر والتجارة بالمال فخرج العبد قبل ان يدخل بالجارية فلما صار على يومين من بلده مات سيده فصار ميراثا لابنته التي زوجه بها مولاه فحرمت بذلك عليه وحلت للازواج في الحال إذ كان لا عدة عليها فتزوجت رجلا ورضيت به وانفذت الى عبدها بان يحمل إليها من تركة ابيها التي في يده ما تصرفه فيما تشاء فوجب ذلك عليه وليس في هذا ايضا اختلاف (حدثني) الشريف أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسني بمصر في شوال سنة سبع واربعمائة قال اخبرنا أبو القاسم عبد الوهاب بن أحمد بن حسن الخلال اجازة قال حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد العرابي اجازة قال حدثنا الطهراني أبو الحسن وحدثني محمد بن عبيد قال حدثني أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر قال حدثنا أبو الفضل قال حدثنا أبو علي بن الحسن التمار قال حدثنا أبو سعيد كلاهما عن ابي سعيد واللفظ لمحمد قال حدثنا الطهراني قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثني معمر قال حدثني الزهري قال اشخصني هشام بن عبد الملك


[ 154 ]

من ارض الحجاز الى الشام زائرا له فسرت فلما اتيت الارض البلقاء رايت حبلا اسود وعليه مكتوب احرفا لم اعلم ما هي فعجبت من ذلك ثم دخلت عمان قصبة البلقاء فسالت عن رجل يقرا ما على القبور والجبال فارشدت الى شيخ كبير فعرفته ما رايت فقال اطلب شيئا اركبه لاخرج معك فحملته معي على راحلتي وخرجنا الى الجبل ومعي محبرة وبياض فلما قراه قال لي ما اعجب ما عليه بالعبرانية فنقلته بالعربية فإذا هو باسمك اللهم جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين لا اله إلا الله محمد رسول الله وعلي ولي الله صلى الله عليهما وكتب موسى بن عمران بيده قال وحدثني الحسين بن محمد بن علي الصيرفي البغدادي وكان مشتهرا بالعناد لال محمد عليهم السلام والمخالفة لهم قال حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن محمد التميمي المعروف بالجعابي سنة ثلاثمائة وخمسين قال حدثنا محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث قال حدثنا أحمد بن يزيد بن سليمان قال حدثنا اسماعيل بن ابان قال حدثنا أبو مريم عن عطا عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله الله ربي ولا امارة لي معه وانا رسول ربي ولا امارة معي وعلي ولي من كنت وليه ولا امارة معه وسمعت من هذا الراوي المخالف عدة فضائل لال محمد عليهم السلام سخره الله لنقلها فرواها راغما حجة عليه بها قد ذكرت في هذا الكتاب طرفا منها وحدثني أبو الحسن علي بن أحمد اللغوي المعروف بابن زكار بميافارقين في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة قال دخلت على أبي الحسن علي بن السلماني رحمه الله في مرضته التي توفي فيها فسألته عن حاله فقال الحقتني غشية اغمي علي فيها فرايت مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قد اخذ بيدي وانشا يقول طوفان آل محمد في الأرض غرق جهلها * وسفينتهم حمل للذي طلب النجاة واهلها * فاقبض بكفك عروة لا تخش منها فصلها وحدثني الشريف أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين بن طاهر الحسيني قال حدثني أبي عن أبي الحسن أحمد بن محبوب قال سمعت أبا جعفر الطبري يقول حدثنا هناد بن السري قال رايت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في المنام فقال لي يا هناد قلت لبيك يا أمير المؤمنين قال انشدني قول الكميت * ويوم الدوح دوح غدير خم * ابان لنا الولاية لو اطيعا * ولكن الرجال تبايعوها * فلم ار مثلها امرا شنيعا * قال فانشدته فقال لي خذ اليك يا هناد فقلت هات يا سيدي فقال عليه السلام ولم ار مثل ذاك اليوم يوما * ولم ار مثله حقا اضيعا * وكثيرا ما اذكر قول شاعر آل محمد عليهم السلام ورحمة الله عليه (شعر) جعلوك رابعهم ابا حسن * ظلموك حق السبق والصهر * والى الخلافة سابقوك وما * سبقوك في أحد ولا بدر * (دليل من القرآن يدل على امامة امير المؤمنين عليه السلام) قال الله عزوجل * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) * المائدة فقوله سبحانه وليكم المراد به


[ 155 ]

الاولى بكم والاحق بتدبيركم والقيم باموركم ومن تجب طاعته عليكم وهذا هو معنى الامام بقوله تعالى الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون المراد به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لانه كان قد تصدق بخاتمه وهو راكع في الصلاة فتقدير الاية إنما المدبر لكم والمتولي لاموركم والذي تجب طاعته عليكم الله ورسوله وعلي بن أبي طالب وهذا نص من القرآن على امامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه على الانام فإن قال لنا المخالفون دلوا اولا على ان قوله وليكم المراد به ما ذكرتم قلنا أما كون لفظة ولي مفيدة لما ذكرناه فظاهر ليس فيه اشكال الا ترون الناس يقولون هذا اولي المراة يريدون انه المالك لتدبير امرها في انكاحها والعقد عليها ويصفون عصبة المقتول بانهم اولياء الدم من حيث كانوا مستحقي المطالبة بالدم ويقولون ان السلطان ولي أمر الرعية اجمعين وفي من رشحه بخلافته عليهم انه ولي عهد المسلمين ومن حيث كان الى الولي النظر والتدبير قال الكميت * ونعم ولي الامر بعد وليه * ومنتجع التقوى ونعم المؤدب * وفي الجملة ان كل من كان واليا الامر ومتحققا بتدبيره فهو وليه واولى به هذا هو المعروف في اللغة والشرع معا فيثبت به ما ذكرناه فإن قال المخالفون قد سلمنا لكم ان لفظة وليكم تحتمل ما ذكرتم ولكنها قد تحتمل ايضا سواه ويجوز ان يكون المراد بها الموالاة في الدين كقوله سبحانه * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض) * التوبة قلنا لهم ان هذه الاية التي ذكرتموها عامة في سائر المؤمنين والاية التي احتججنا بها لا يصح ان يكون مراد الله تعالى فيها بقوله والذين آمنوا إلا البعض دون الجميع وذلك انه ميز فيها من اراده من المؤمنين بصفة الزكوة في حال الركوع وجعله وليا للجميع وانتم فلا تخالفون في ان هذه الصفة خاصة في بعض المؤمنين فوجب ان يكون قوله والذين آمنوا خاصا كذلك لانها صفة لهم بظاهر التنزيل ولو اراد بقوله والذين آمنوا العموم بجميع المؤمنين لكان الانسان وليا لنفسه وهذا لا معنى له وقوله في الاية إنما شاهد بصحة التخصيص ونفي المثبت عمن سوى المذكورين (وهي كقول القائل إنما صديقك من نصحك فقد نفي بقوله إنما صحة الصداقة عمن لم ينصح وثبوت ما ذكرناه من التخصيص في قوله * (والذين آمنوا) * يعلم ان المراد بالولي هو المدبر للكافة والامام القدوة ولو كان المراد مجرد الموالاة في الدين لبطل هذا التخصيص ووجه آخر في الجواب ان الله تعالى ذكر في الاية التي احتججنا بها امرا بدا فيه بنفسه ثم ثنى برسوله ثم ثلث بمن ذكره من المؤمنين فوجب ان لا يصرف قوله وليكم إلا الى من هو مستحق لله ولرسوله صلى الله عليه واله وإذا كان كذلك فالذين آمنوا المذكورون في الاية) يستحقون نظير ذلك بعينه وفي هذا دليل على ان المراد تولى التدبير ولزوم الطاعة والامر والنهي في الجماعة فان قال الخصوم فإذا ثبت لكم ان مراده سبحانه في الاية التي احتججتم بها من قوله والذين آمنوا هو بعض الائمة دون جميعها وسلم لكم ايضا ان معنى قوله وليكم فيها هو معنى الامامة على الصفة التي تذكرونها فما الدليل على ان أمير المؤمنين عليه السلام هو المراد في الاية والمقصود بها فيها قلنا الدليل على ذلك نقل اصحاب الحديث من الفريقين انها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وانه الذي تصدق بخاتمه على السائل وهو راكع دون العالمين ولم يخالف في ذلك إلا من نشا من متكلمي ذي المتكلمين


[ 156 ]

وليس الانكار يقوم مقام الاقرار ولامجرد النفي بقادح في الاثبات وإذا اتفق على رواية شئ يجمع أهل النقل كان ذلك حجة على من له تمييز وعقل فإن قالوا كيف يصح في ذلك الاتفاق وقد روى ان الاية نزلت في عبد الله بن سلام قلنا يصح لنا ذلك من حيث ان هذه رواية واحدة واخبار الاحاد لا تزيل الاتفاق الحاصل من جملة الاخبار والقول الشاذ لا يقدح في الاجماع على ان الذي روى بانها نزلت في عبد الله بن سلام قد تصفحت عليه الحال واشتبهت القصة بشهادة نقاد الاخبار وذلك انه لما اسلم عبد الله بن سلام واصحابه قالت اليهود والله لا جالسناك ولا كلمناك ولنقطعن ولايتنا منك ومن اصحابك ولا نصرناك فشكا ذلك الى رسول الله فانزل الله تعالى * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) * المائدة فخرج النبي صلى الله عليه واله الى المسجد فقال هل سال سائل فاعطاه احدا شيئا قالوا نعم يا رسول الله رجل كان في المسجد يسئل فاعطاه علي عليه السلام خاتمه وهو راكع فقال النبي صلى الله عليه واله الله اكبر ان الله تعالى قد انزل فيه قرآنا وتلا عليهم الايتين ثم دعا عبد الله بن سلام واصحابه فقال لهم قد عوضكم الله من اليهود اولياء وتلا عليهم الايتين فظن بعضهم من أهل الغفلة انها من اجل ذلك نزلت في عبد الله بن سلام ومن رجع الى كتب التفاسير ونقل اصحاب الحديث علم ان الامر على ما وصفناه والكاف والميم في قوله سبحانه وليكم خطاب لجميع الامة حاضرهم وغائبهم وموجودهم ومن سيوجد منهم وهو كقوله كتب عليكم الصيام وانما حضر رسول الله صلى الله عليه واله عبد الله بن سلام واصحابه وتلا عليهم الايتين ليبشرهم بدخولهم في جملة من يكون وليهم الله ورسوله وأمير المؤمنين فان قالوا ان الاية تضمنت ذكر الجميع بقوله والذين آمنوا فكيف يصح لكم انها في واحد قلنا لهم قد يعبر بلفظ الجمع تعظيما لشانه ولا ينكر ذلك في اللغة بل يستعمله اهلها وقد قال الله عزوجل * (انا ارسلنا نوحا الى قومه) * وقال تعالى * (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) * الحجر وقد علمنا ان الله ارسل نوحا وحده وانه نزل الذكر وحافظه ونظير ذلك كثير فإن قالوا ما انكرتم يكون المراد بقوله والذين آمنوا الجميع ويكون المعنى فيه انهم المؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم في اتيانها خاشعون متواضعون لا يمنون ولا يتكبرون ويكون هذا معنى قوله راكعون دون ما ذهبتم إليه من ان يؤتى الزكوة في حال ركوعه قلنا هذا غير صحيح لأن الركوع لا يفهم في اللغة والشرع معا إلا انه التطاطؤ المخصوص دون التواضع والخضوع وإنما يوصف الخاضع بانه راكع على سبيل المجاز والتشبيه قال الخليل بن احمد صاحب كتاب العين كل من ينكب لوجهه فمس ركبته الارض أو لا تمسها راكع وانشد للبيد اخبر اخبار القرون التي مضت ادب كاني


[ 157 ]

كلما قمت راكع فإن قالوا فما تنكرون ان يكون قوله ويؤتون الزكوة وصفا لهم باتيانهم وقوله وهم راكعون ليس المراد انهم اعطوها في حال ركوعهم وإنما معناه ان الركوع من شانهم وعادتهم فوصفهم به وان كانوا يفعلونه في غير وقت اعطاء الزكوة قلنا انكرنا ذلك من حيث هو خروج عن ظاهر الكلام المفيد ان الزكوة كانت في حال ركوع الصلاة ولا طريق الى الانصراف عن الظاهر مع الاختيار ومثل ذلك قولهم فلان يغشى اخوانه وهو راكب وظاهر هذا يدل على انه راكب في حال غشيانه اخوانه وان الزمان في الامرين واحد (وشئ آخر) وهو انا متى قلنا ان الزكوة لم تكن في حال الركوع ادى الكلام الى التكرار لانه وصفهم باقام الصلاة فإذا وصفهم بعد ذلك بانهم راكعون وهو يريد يصلون تكرر الوصف بالصلاة لأن الركوع داخل في قوله يقيمون الصلاة فإن قالوا ان امير المؤمنين علي عليه السلام لم يكن يلزمه عندكم قط زكوة لانه لم يكن من ذوي اليسار قلنا لسنا نقطع على ان الزكوة لم تجب قط عليه وربما ملك ادنى مقادير النصاب واتى وقت الزكوة وهو في يديه وليس يقال لمن ملك مائتي درهم انه موسر لا سيما إذا اتفق له وجوب الزكوة منها وقتا واحدا وقد يجوز ايضا ان تكون هذه الزكوة نافلة وان لم تكن عليه واجبة ولا مانع من ان يسمى النفل من الصدقة زكوة لانه متناول للفرض منها في كونه اعطاء يستحق عليه النمو في الحسنات والزيادة في المثوبات فإن كان لفظ الزكوة عندكم مشتركا في النافلة من الصدقة والفريضة فقد توجه على الظاهر جوابنا وان كان عندكم ان المستفاد من ظاهر الفظ الزكوة إنما هو المفترض منها دون ما سواه كنا ممن صرفنا عن الظاهر ورود الاخبار المجمع عليها بان الاية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام مع انه لم تلزمه قط فريضة الزكوة فلابد من حمل ذلك على زكاة النافلة وإلا خصصنا الاخبار فان قالوا فكيف ساغ لامير المؤمنين عليه السلام الصدقة في حال الصلاة اوليس ذلك ابطالا لها واشتغالا عنها بغيرها قلنا اقرب ما في هذا انا غير عالمين ان جميع الافعال المنهى عنها اليوم في الصلاة كانت محظورة كلها في تلك الحال فيجوز ان يكون هذا قبل ورود حظر هذه الاسباب وقد قيل ان الكلام قد كان مباحا في الصلاة ونهى عنه بعد ذلك ولو لم يكن الامر كذلك لم يلزم ما ذكرتموه في السؤال لأن الذي فعله أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن شاغلا عن القيام بحدود الصلاة بل جاز ان يكون اشار الى السائل اشارة خفية لا يقطع بمثلها الصلاة فهم منها مراده واخذ الخاتم من يده فكيف تنكرون هذا وانتم ترون اتفاق الفقهاء على ان يسير العمل في الصلاه لا يقطعها على حال والذي يدل على انه عليه السلام لم يشتغل بالاعطاء عن استيفاء شرائط الصلاه نزول المدح له في القرآن والاضافه الى المدح تقديمه وليا للانام فإن قالوا فإذا ثبت انه بهذه الاية امام للخلق فما انكرتم ان يكون المراد استحقاقه لذلك بعد عثمان قلنا انكرنا ذلك من قبل ان كل من ثبت له الامامة بها يوجبها بعد


[ 158 ]

رسول الله في كل حال ولا يخص بذلك حالا دون حال وانكرنا ذلك من قبل ان الله تعالى ولينا ورسوله صلى الله عليه واله في كل حال وقد عطف ذكر امير المؤمنين على اسم رسول الله عليهم السلام فوجب ان يستحق ذلك ايضا في كل حال كما استحقه الرسول عليه السلام من غير انفصال ولو لا قيام الدلاله على انه ليس في وقت رسول الله صلى الله غليه واله قدوة للخلق سواه ولا امام لكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يتسحق هذا المقام مذ نزلت الاية وما اتصل بحياته الزمان وهذا يدل على انه يستحق ذلك بعده تاليا له من غير فاصلة بولاية غيره ولا اهمال والحمد لله الهادي الى الحق بواضح البرهان (فصل) من مستطرفات مسائل الفقه في الانسان (مسألة) اثنان تزوج كل واحد منهما ام الاخر فرزقا منهما ولدين ما قرابة بين الولدين (جواب) كل واحد منهما عم الاخر لانه اخو أبيه من امه (مسألة) اثنان تزوج كل واحد منهما بنت الاخر فرزقا منهما ولدين ما قرابة بين الولدين (جواب) ان كل واحد منهما خال الاخر لانه اخو امه وهو ايضا ابن اخته (مسألة) اثنان تزوج كل واحد منهما اخت الاخر ورزقا منهما ولدين ما قرابة بين الولدين (جواب) ان كل واحد منهما ابن عمة الاخر وابن خاله (مسألة) رجلان تزوج كل واحد منهما جدة الاخر لابيه فرزقا منهما ولدين ما قرابة ما بين الولدين وبين الرجلين وما قرابة بين الولدين (جواب) ان كل واحد من الولدين عم الرجل المتزوج ام أبيه لأن الرجل ابن جدته لابيه والولد اخو أبيه من امه وكل واحد من الولدين ابن اخي صاحبه وعم أبيه (مسألة) رجلان تزوج كل واحد منهما جدة الاخر لامه فرزقا منهما ولدين ما قرابة ما بين الولدين والرجلين وما قرابة ما بين الولدين (جواب) ان كل واحد من الولدين خال الرجل المتزوج ام امه لان الرجل ابن جدته لامه والولد اخو امه من امها وكل واحد من الولدين ابن اخت صاحبه وخال أبيه انشدنا الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي رحمه الله * قد آن ان يسمعك الصوت * انائم قلبك ام ميت * يا باني البيت على غيره * امامك المنزل والبيت * وانما الدنيا على طولها * ثنية مطلعها الموت * (وله ايضا) إذا مضى يوم على هدنة * وأنت في شك من النائبات * فعاجل الفرصة قبل الردى * وبادر الليلة قبل البيات * واسبق وفي حبلك انشوطة * كذا ضغط الليالي بيد الحادثات * (لغيره) اشح على ملكي واحميه دائبا * وسوف برغم الانف اخرج عن ملكي * فما لي لا ابكي لنفسي وهلكها * إذا


[ 159 ]

كنت قد وطنت نفسي على الهلك * فإن كنت لا ادري متى انا ميت * فلست من الموت المنغص في شك * و موضع قبري ان اكن قد جهلته * فلي خبره بالعرض والطول والسمك * كاني ارى نفسي وحولي جماعة * يلقنني بعض وبعضهم يبكي * وذكروا ان أحد الائمة صلوات الله عليهم استدعاه السلطان في ذلك الزمان واظن ان الامام كان محمد بن علي الرضا عليهم السلام وان المستدعي كان المتوكل قالوا فلما دخل إليه وجده في قبة مزينة في وسط بستان وبيده كاس فيها خمر فقربه وهم ان يناوله الكاس فامتنع الامام عليه السلام فقال انا أهل بيت ما خامرت لحومنا ودماءنا ساعة قط قال فقال له انشدني شعرا فانشده الامام عليه السلام * باتوا على قلل الاجبال تحرسهم * غلب الرجال فلم تمنعهم القلل * واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * فاسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا * ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا * اين الاسرة والتيجان والحلل * اين الوجوه التي كانت محجبة * من دونها تضرب الاستار والكلل * فافصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود تنتقل * قد طال ما اكلوا دهرا وما شربوا * فاصبحوا بعد طول الاكل قد اكلوا * قال فضرب المتوكل بالكاس من الأرض وتنغص عيشه في ذلك اليوم لمحمود ابن الحسن الوراق * مضى امسك الماضي شهيدا معدلا * واعقبه يوما ما عليك شهيد * فإن كنت بالامس اقترفت اساءة * افتن باحسان وانت حميد * فيومك ان اعقبته عاد نفعه * عليك وماضي الامس ليس يعود * ولا ترج فعل الخير يوما الى غد * لعل غدا ياتي وانت فقيد (وله ايضا) * اعارك ماله لتقوم فيه * بطاعته وتعرف فضل حقه * فلم تشكر نعمته ولكن * قويت على معاصيه برزقه * تبارزه بها ابدا وعودا * وتستخفي بها عن كل خلقه * (وله ايضا) * يا ناظرا يرنو بعيني راقد * ومشاهد للامر غير مشاهد * منيت نفسك ضله وابحتها * طرق الرجاء وهن غير قواصد * تصل الذنوب الى الذنوب وترتجي * درك الجنان وفوز ما للعابد * ونسيت ان الله اخرج آدما * منها الى الدنيا بذنب واحد * ولابي العتاهية اسماعيل الجرار * قنع النفس بالكفاف وإلا * طلبت منك فوق ما يكفيها * ليس فيما مضى ولا في الذي * لم يات من لذة لمستحليها * انما أنت طول عمرك ما عمرت * والساعة التي أنت فيها (وله ايضا في الدنيا) * يا خاطب الدنيا الى نفسها * تنح عن خطبتها تسلم * ان التي تخطب غراره * قريبة العرس من المأتم * (المسيح يخاطب الدنيا) قال الشيخ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي رضي الله عنه حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الازدي البصري


[ 160 ]

عن النجري باسناده رفعه الى أبي شهاب قال بلغني ان عيسى بن مريم عليه السلام قال للدنيا يا امراة كم لك من زوج قالت كثير قال فكلهم طلقك فقالت لا بل كلهم قتلت قال اهؤلاء الباقون لا يعتبرون باخوانهم الماضين كيف تورد بينهم المهالك واحدا واحدا فيكونوا منك على حذر قالت لا وانشد لبعضهم في الدنيا * مزمومة بالهم مخطومة * سم زعاق در اخلافها * ولم تزل تقتل الافها * اف لقتالة الافها (فصل) من كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله في الدنيا قال عليه السلام انا زعيم بثلاث لمن اكب على الدنيا بفقر لا غناء له وبشغل لا فراغ له وبهم وحزن لا انقطاع له وقال عليه السلام كونوا في الدنيا اضيافا واتخذوا المساجد بيوتا وعودوا قلوبكم الرقة واكثروا التفكر والبكاء ولا تختلفن بكم الاهواء تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون وتاملون ما لا تدركون (فصل) من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في هذا المعنى من اصبح حزينا على الدنيا فقد اصبح ساخطا على ربه تعالى ومن كانت الدنيا اكبر همه طال شقاؤه وغمه الدنيا لمن تركها والاخرة لمن طلبها الزاهد في الدنيا كلما ازدادت له تحليا ازداد عنها تخليا إذا طلبت شيئا من الدنيا فزوى عنك فاذكر ما خصك الله به من دينك وصرفه عن غيرك فإن ذلك احرى ان تستحق نفسك بما فاتك ومن بديع كلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي حفظ عنه ان رجلا قطع عليه خطبته وقال له صف لنا الدنيا فقال اولها عناء وآخرها بلاء حلالها حساب وحرامها عقاب من صح فيها امن ومن مرض فيها ندم ومن استغنى فيها فتن ومن افتقر فيها حزن ومن سعاها فاتته ومن قعد عنها اتته ومن نظر إليها الهته ومن تهاون بها نصرته ثم عاد الى مكانه من خطبته صلوات الله عليه وهذه اعلى الرتب درجة في حضور الخاطب (فصل) من الكلام في تثبيت امامة صاحب الزمان المهدي ابن الحسن وامامة آبائه عليه وعليهم السلام اعلم ايدك الله ان الدليل على صحة امامته صلوات الله عليه واله واثبات غيبته ظاهر لمن نظره قاطع لعذر من اعتبره بين تأمله قريب لمن تناوله وهو مبني على اصلين يشهد العقل بهما ويدل عليهما احدهما وجوب وجود الامام في كل زمان والاخر كونه معصوما من السهو والخطا والنسيان فإذا علم المتأمل صحة هذين الاصلين وثبتا عنده بواضح الدليل ثبت له عقيبهما صحة الامامة والغيبة لمن ذكرناه صلوات الله عليه ولم يحتج الى تكرار رواية ولا تطويل وذاك للظاهر المعلوم الذي لا لبس فيه من حال من يدعى لهم الامامة اليوم سوى من اشرنا إليه وتعريهم اجمعين


[ 161 ]

عن استحقاق العصمة ومماثلتهم في جواز الخطا عليهم لسائر الامة فعلم بذلك صحة امامة صاحبنا صلوات الله عليه وثبت لعدم ظهور غيبته حسبما ذهبنا إليه ولو انه الامام دون العالمين لبطل ما شهد به العقل من صحة الاصلين وبطلانهما يستحيل مع قيام الدليل وهذه حجة بعيدة عن المعارضات سالمة من دخول الشبهات سهلة المرام قريبة من الافهام وبها يستمر لك الاستدلال على نظام في ثبيت امامة جميع ساداتنا عليهم السلام لأن وجوب الامامة وثبوت العصمة لرئيس الامة مع ما علمناه من تعري الكافة من هذه الخصلة سائق الى الاقرار بامامة الاثني عشر صلوات الله عليهم ومانع للعاقل من الانصراف عنهم والشك فيهم ولم يبق بعدها اكثر من ايراد الدليل على صحة ما ذكرناه من الاصلين وقد وجب انحسام مادة الخلاف ممن له عقل وانصاف دليل على وجوب الامامة (أما) الدليل على انه لابد للناس من امام في كل زمان فمختصره انا نعلم علما ليس للشك فيه مجال ان وجود الرئيس في الرعية المطاع ذي الهيبة مقوما ومثقفا ومذكرا وموقفا اردع لها من القبيح وادعى الى فعل الجميل واكف لايدي الظالمين واحرس لانفس الرادعين ووجود الهرج بينهم ووقع الفتن منهم والعلم بما ذكرناه في ذلك مبني على الضرورات والتنبيه عليه مع ظهوره يغنى عن الاطالة والزيادات وقد اتقن الكلام في هذه المسألة مشايخنا رضي الله عنهم ولم يدعوا للخصوم شبهة تستغرب منهم (دليل) على وجوب العصمة وأما الدليل على وجوب عصمة الامام فهو ان علة الحاجة إليه ان يكون لطفا للرعية في الصلاح ليصدها عن ارتكاب القبائح والفساد ويردها الى فعل الواجب والسداد حسبما تقدم به الذكر في وجوب الحاجة إليه في كل عصر وهذا يقتضي ان لا تكون علة الحاجة موجودة فيه فانه متى جاز منه القبيح وفعل غير الجميل كان فقيرا محتاجا الى وجود امام متقدم عليه ويمنعه مما هو جائز منه وياخذ على يديه ويكون الكلام في امامته كالكلام فيه حتى يؤدى ذلك الى المحال من وجود ائمة لا يتناهون أو الى الواجب من وجود امام معصوم فعلم ان علة الحاجة إليه غير موجودة فيه والحمد لله (دليل) آخر على ثبوت عصمة الامام وما يعلم به ثبوت العصمة للائمة ان الامام قدوة في الدنيا والدين واتباعه مفترض من رب العالمين فوجب ان لا يجوز الخطا والزلل عليه وإلا كان الله تعالى قد أمر باتباع من يعصيه ولو لا استحقاقه العصمة لكان إذا ارتكب المعصية يتضاد مع التكليف على الامة وتصير الطاعة منها معصية والمعصية طاعة وذلك انها مامورة باتباعه والاقتداء به فمتى اتبعته في المعصية امتثالا للمأمور من الاقتداء كانت من حيث الطاعة عاصية لله سبحانه ومتى خالفته


[ 162 ]

ولم تقتد به طلبا لطاعة الله تعالى كانت ايضا عاصية لمخالفتها لمن امرت بالاقتداء به واتباعه وفي استحالة جميع ذلك دلالة على عصمته وليس لاحد ان يقول ان الاقتداء بالامام واجب على الرعية فيما علمت صوابه فيه لأن هذا القول يخرجها من ان تكون مقتدية به إذ كانت إنما عرفت الصواب بغيره لا بقوله وبفعله فهي إذا علمت بما عمل لمعرفتها بصوابه فيه إنما وافقته في الحقيقة ولم تعتد به وتتبعه ولو جاز ان يكون اماما لها في شئ عرفت صوابه بغيره لكانت اليهود ائمة للامة في الاقرار بموسى عليه السلام لموافقتها لهم في العلم بصحة نبوته وهذا يدل العاقل على ان القدوة المتبع هو من عرف الحق به وبقوله وفعله فقد بان به واتضح ثبوت الاصلين من وجوب الامامة والعصمة وبثبوتهما قد انتظم لنا ما قدمناه من الدليل وفي ذلك كفاية وغنى عن التطويل والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد رسوله وآله الطاهرين (حدثني) القاضي أبو الحسن اسد بن إبراهيم السلمي الحراني قال اخبرني أبو جعفر عمر بن علي العتكي قال اخبرني احمد بن محمد بن صفوة قال حدثني الحسن بن علي بن محمد العلوي قال حدثني الحسن بن حمزة النوفلي قال اخبرني عمي عن أبيه عن جده قال اخبرني الحسن ابن علي قال اخبرتني فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه واله عنه صلى الله عليه واله قال اخبرني جبرائيل عن كاتبي على انهما لم يكتبا على علي ذنبا مذ صحباه وحدثني السلمي عن العتكي قال حدثني سعيد بن محمد الحضرمي قال حدثنا الحسن بن محمد بن عبد الرحمن الصدفي قال حدثني محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا احمد بن إبراهيم العوفي عن أحمد بن أبي الحكم البراجمي عن شريك بن عبد الله عن أبي الوفا عن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه عمار قال سمعت النبي صلى الله عليه واله يقول ان حافظي علي ليفتخران على سائر الحفظة بكونهما مع علي عليه السلام ذلك انهما لم يصعدا الى الله عزوجل بشئ منه فيسخطه (فصل) من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وحكمه قال علي عليه السلام لم يمت من ترك افعالا يقتدى بها من الخير من نشر حكمه ذكر بها موت الابرار راحة لانفسهم وموت الفجار راحة للعالم من كتم علما فكأنه جاهل الجواد من بذل ما يضن بمثله من كرم اصله حسن فعله وجاء في الحديث عن الامام الصادق عليه السلام انه قال تكلم أمير المؤمنين صلوات الله عليه باربع وعشرين كلمة قيمة كل كلمة منها وزن السموات والارض قال رحم الله امرءا سمع فوعى ودعى الى رشاد فدنا واخذ بحجزه هاد فنجا راقب ربه وخاف ذنبه قدم خالصا وعمل صالحا اكتسب مذخورا واجتنب محظورا رمى غرضا واخذ عوضا كابر هواه وكذب مناه


[ 163 ]

حذر املا ورتب عملا جعل الصبر رغبة حياته والتقى عدة وفاته يظهر دون ما يكتم ويكتفي باقل مما يعلم لزم الطريقة الغراء والمحجة البيضاء اغتنم المهل وبادر الاجل وتزود من العمل ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام من ازرى بنفسه من استشعر الطمع من اهوى الى متفاوت الامور خذلته الرغبة * اشرف الغنى ترك المنى * من ترك الشهوات كان حرا * الحرص مفتاح التعب * وداع الى التقحم في الذنوب * والشره جامع لمساوئ العيوب * الحرص علامة الفقر * من اطلق طرفه كثر اسفه * قلما تصدقك الامنية * رب طمع كاذب * وامل خائب * من لجا الى الرجاء سقطت كرامته * همة الزاهد مخالفة الهوى * والسلو عن الشهوات ما هدم الدين مثل البدع * ولا افسد الرجال مثل الطمع * اياك والاماني فانها بضائع النوكي * لن يكمل العبد حقيقة الايمان حتى يؤثر دينه على شهوته * ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه * من تيقن ان الله سبحانه يراه وهو يعمل بمعاصيه فقد جعله اهون الناظرين * وجاء في الحديث ان رسول الله صلى الله عليه واله قال ما آمن بالقرآن من استحل محارمه (اخبرني) شيخنا المفيد رضي الله عنه ونقلت من خطه قال حدثني أبو حفص عمر بن محمد بن علي المعروف بابن الزيات قال حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال حدثنا داود بن سليمان الغازي قال حدثنا الرضا علي بن موسى قال حدثني أبي موسى بن جعفر قال حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال حدثني ابي محمد بن علي الباقر قال حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين قال حدثني أبي الحسين بن علي الشهيد قال حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب قال حدثني رسول الله صلى الله عليه واله الطاهرين قال يقول الله عزوجل يا ابن آدم ما انصفتني اتحبب اليك بالنعم وتبغض الي بالمعاصي خيري اليك نازل وشرك الي صاعد وفي كل يوم ياتيني عنك ملك كريم بعمل غير صالح يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وانت لا تدري من الموصوف لسارعت الى مقته (و) اخبرني شيخنا المفيد رضي الله عنه قال حدثنا جعفر بن محمد بن قولويه قال حدثنا أبي واخي علي قالا حدثنا سعد بن عبد الله بن يعقوب عن يزيد عن محمد بن زياد عن جعفر بن قرط عن ابي عبد الله عليه السلام قال من وعظه الله بخير فقبل بالبشرى فله البشرى ومن لم يقبل فالنار له احرى (و) اخبرني شيخنا ايضا عن جعفر بن محمد بن قولويه قال حدثني جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه عن الحسين بن خالد عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال من ايقن انه يفارق الاحباب ويسكن التراب ويواجه بالحساب ويستغني عما خلف ويفتقر الى ما قدم كان حريا بقصر الامل وطول


[ 164 ]

العمل (فصل) من كلام رسول الله صلى الله عليه واله جاء في الحديث عن الرسول عليه واله السلام انه قال من اراد ان يكون اعز الناس فليتق الله عزوجل وقال من خاف الله سخت نفسه عن الدنيا ومن رضي من الدنيا بما يكفيه كان ايسر ما فيها يكفيه وقال الدنيا خضرة حلوة والله مستعملكم فيها فانظروا كيف تعملون وقال من ترك معصية الله مخافة من الله ارضاه الله يوم القيامة ومن مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم انه ظالم فقد خرج من الايمان وقال دع ما يريبك الى ما لا يريبك فانك لن تجد فقد شئ تركته لله عزوجل وقال باب التوبة مفتوح لمن ارادها فتوبوا الى الله توبة نصوحا وقال بادروا بعمل الخير قبل ان تشتغلوا عنه واحذروا الذنوب فإن العبد يذنب الذنب فيحبس عنه الرزق (حدثني) الشيخ أبو المرجا محمد بن علي بن أبي طالب البلدي بالقاهرة قال حدثنا استاذي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني رحمه الله عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي عن شيوخه الاربعة عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الاحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر الامام الباقر عليه السلام قال قال جدي رسول الله صلى الله عليه واله ايها الناس حلالي حلال الى يوم القيامة وحرامي حرام الى يوم القيامة إلا وقد بينها الله عزوجل في الكتاب وبينتهما لكم في سيرتي وسنتي وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي من تركها صلح له أمر دينه وصلحت له مروءته وعرضه ومن تلبس بها ووقع فيها واتبعها كان كمن رعى غنما قرب الحمى ومن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه الى ان يرعاها في الحمى إلا وان لكل ملك حمى إلا وحمى الله عزوجل محارمه فتوقوا حمى الله ومحارمه إلا وان اذى المؤمن من اعظم سبب سلب الايمان الا ومن احب في الله جل وعز وابغض في الله واعطى في الله ومنع في الله فهو من اصفياء المؤمنين عند الله تبارك وتعالى إلا وان المؤمنين إذا تحابا في الله جل وعز وتصافيا في الله كانا كالجسد الواحد إذا اشتكى احدهما من جسده موضعا وجد الاخر الم ذلك الموضع قصة وقعت للمؤلف ومن عجيب ما رايت واتفق لي انني توجهت يوما لبعض اشغالي وذلك بالقاهرة في شهر ربيع الاخر سنة ست وعشرين واربعمائة فصحبني في الطريق رجل كنت اعرفه بطلب العلم وكتب الحديث فمررنا في بعض الاسواق بغلام حدث فنظر إليه صاحبي نظرا استربت منه ثم انقطع مني ومال إليه وحادثه فالتفت انتظارا له فرأيته يضاحكه فلما لحق بي عذلته على ذلك وقلت له لا يليق هذا بك فما كان باسرع من ان وجدنا بين ارجلنا في الأرض ورقة مرمية فرفعتها لئلا يكون فيها اسم الله تعالى فوجدتها قديمة فيها خط دقيق قد اندرس بعضه وكانها مقطوعة من كتاب فتأملتها فإذا فيها حديث ذهب اوله وهذا نسخته قال اني اخوك في الاسلام ووزيرك في الايمان وقد


[ 165 ]

رايتك على أمر لم يسعني ان اسكت فيه عنك ولست اقبل فيه العذر منك قال وما هو حتى ارجع منه واتوب الى الله تعالى منه قال رايتك تضاحك حدثا غرا جاهلا بامور الله وما يجب من حدود الله وانت رجل قد رفع الله قدرك بما تطلب من العلم وانما أنت بمنزلة رجل من الصديقين لانك تقول حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه واله عن جبرئيل عن الله تعالى فيسمعه الناس منك فيكتبونه عنك ويتخذونه دينا يعولون عليه وحكما ينتهون إليه وإنما انهاك ان تعود لمثل الذي كنت عليه فاني اخاف عليك غضب من ياخذ العارفين قبل الجاهلين ويعذب فساق حملة القرآن قبل الكافرين فما رايت حالا اعجب من حالنا ولا عظة ابلغ مما اتفق لنا ولما وقف عليه صاحبي اضطرب لها اضطرابا بان فيها اثر لطف الله تعالى لنا وحدثني بعد ذلك انه انزجر عن تفريطات كانت تقع منه في الدين والدنيا والحمد لله (سؤال) عن آية ان سئل سائل عن قول الله عزوجل * (وإذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) * الاسراء فقال اخبروني ما معنى هذا الاهلاك الذي يريده الله تعالى وكيف قدم ارادة اهلاكهم على امره لهم ومتى يستمر مع القول بالعدل ان يريد اهلاك قوم قبل ان يامرهم فيعصوا وما معنى قوله امرنا مترفيها ففسقوا فيها ففي هذا على من لم يفهم معناه شبهة والله لا يامر إلا بالعدل (الجواب) قيل له في هذه الاية وجوه (احدها) ان من الاهلاك ما يكون حسنا وهو ان يكون مستحقا أو امتحانا وإنما يكون قبيحا إذا كان ظلما أو عبثا وقد ثبت لنا بالدليل الواضح عدل الله تعالى وحكمته وانه لا يريد الظلم ولا يقع منه العبث فعلمنا انه لم يريد الا الاهلاك الحسن وأما قوله امرنا مترفيها فالمأمور هنا محذوف وهو الطاعة وتقدير الكلام امرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا وخالفوا ويجري هذا مجرى قول القائل امرتك فعصيتني فحذف ذكر ما امره به لفهم السامع له وهذا معروف من كلام العرب والامثلة فيه كثيرة وأما مترفوها فهم الذين يعملون في الدنيا في غير طاعة الله تبارك وتعالى وأما تقدم ارادة الاهلاك على الامر فيحتمل ان يكون ذلك بعد أمر متقدم لم يذكر استحق المأمورون بمخالفتهم له العذاب فلما اراد الله تعالى اهلاكهم اعذر إليهم بامر ثان على وجه التكرير والتاكيد في اقامة الحجة على العاصين قبل وقوع الاهلاك لمستحق المذكور ويوافق هذا التأويل قوله تعالى * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * الاسراء (الوجه الثاني) ان يكون الارادة في الاية مجازا وتنبيها على المعلوم من حال القوم وعاقبتهم وانهم متى امروا ففسقوا فاهلكوا ويجرى ذلك مجرى قولهم إذا اراد التاجر ان يفتقر اتته النوائب من كل جانب وتوجه نحوه الخسران من كل مكان وإذا اراد العليل ان


[ 166 ]

يموت خلط في اكله ومعلوم ان ليس منهما من يريد ذلك وإنما حسن الكلام به لما علم من عاقبة امرهما وهذا من أحد اقسام الفصاحة في كلام العرب وهو جواب صحيح في الاية (الوجه الثالث) ان يحمل الكلام في الاية على التقديم و التاخير ويكون تلخيصه إذا امرنا مترفي قرية بالطاعة فعصوا واستحقوا العقاب اردنا اهلاكهم والتقديم والتاخير ايضا مستعمل في كلام العرب وهو وجه حسن ويشهد به من القرآن قول الله تعالى * (يا ايها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) * المائدة ونحن نعلم ان الطهارة للصلاة إنما تجب ان تكون قبل القيام الى الصلاة فاما من قرء امرنا بالتشديد فانه لاغناء به عن اجوبتنا (فصل) من امالي شيخنا المفيد رحمه الله روى انه لما سار المأمون الى خراسان كان معه الامام الرضا علي بن موسى عليه السلام فبينا هما يتسايران إذ قال له المأمون يا أبا الحسن اني فكرت في شئ فسنح لي الفكر الصواب فيه فكرت في امرنا وامركم ونسبنا ونسبكم فوجدت الفضيلة فيه واحدة ورايت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على الهوى والعصبية فقال له أبو الحسن الرضا عليه السلام ان لهذا الكلام جوابا ان شئت ذكرته لك وان شئت امسكت فقال له المأمون لم اقله إلا لاعلم ما عندك فيه قال الرضا عليه السلام انشدك الله يا أمير المؤمنين لو ان الله تعالى بعث نبيه محمدا صلى الله عليه واله فخرج علينا من وراء اكمة من هذه الاكام فخطب اليك ابنتك لكنت مزوجه اياها فقال يا سبحان الله وهل أحد يرغب عن رسول الله صلى الله عليه واله فقال له الرضا عليه السلام افتراه كان يحل له ان يخطب ابنتي قال فسكت المأمون هنيئة ثم قال انتم والله امس برسول الله صلى الله عليه واله رحما (وروى) انه لما حج الرشيد ونزل في المدينة اجتمع إليه بنو هاشم وبقايا المهاجرين والانصار ووجوه الناس وكان في الناس الامام أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فقال لهم الرشيد قوموا بنا الى زيارة رسول الله صلى الله عليه واله ثم نهض معتمدا على يد ابي الحسن موسى بن جعفر صلوات الله عليهما حتى انتهى الى قبر رسول الله صلى الله عليه واله فوقف عليه فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابن عم افتخارا بذلك على قبائل العرب الذين حضروا معه واستطالة عليهم بالنسب قال فنزع أبو الحسن موسى عليه السلام يده من يده وقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابه قال فتغير وجه الرشيد ثم قال يا ابا الحسن ان هذا لهو الفخر (حدثني) القاضي السلمي اسد بن إبراهيم قال اخبرني العتكي عمر بن علي قال حدثني محمد بن اسحاق البغدادي قال حدثنا الكديمي قال حدثنا بشر بن مهران قال حدثنا شريك ابن شبيب عن عروة عن المستطيل بن حصين قال خطب


[ 167 ]

عمر بن الخطاب الى علي بن أبي طالب عليه السلام ابنته فاعتل عليه بصغرها وقال اني اعددتها لابن اخي جعفر فقال عمر اني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله كل حسب ونسب فمنقطع يوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي وكل بني انثى عصبهم لابيهم ما خلا بني فاطمة فاني انا ابوهم وانا عصبتهم خبر يحيى بن يعمر مع الحجاج قال الشعبي كنت بواسط وكان يوم اضحى فحضرت صلاة العيد مع الحجاج فخطب خطبة بليغة فلما انصرف جائني رسوله فاتيته فوجدته جالسا مستوفزا قال يا شعبي هذا يوم اضحى وقد اردت ان اضحى فيه برجل من أهل العراق واحببت ان تسمع قوله فتعلم اني قد اصبت الراي فيما افعل به فقلت ايها الامير لو ترى ان تستن بسنة رسول الله صلى الله عليه واله وتضحي بما أمر ان يضحى به وتفعل مثل فعله وتدع ما اردت ان تفعله به في هذا اليوم العظيم الى غيره فقال يا شعبي انك إذا سمعت ما يقول صوبت رايي فيه لكذبه على الله وعلى رسوله وادخاله الشبهة في الاسلام قلت افيرى الامير ان يعفني من ذلك قال لابد منه ثم أمر بنطع فبسط وبالسياف فاحضر وقال احضروا الشيخ فاتوه به فإذا هو يحيى بن يعمر فاغتممت غما شديدا فقلت في نفسي وأي شئ يقوله يحيى مما يوجب قتله فقال له الحجاج أنت تزعم انك زعيم أهل العراق قال يحيى انا فقيه من فقهاء أهل العراق قال فمن أي فقهك زعمت ان الحسن والحسين عليهما السلام من ذرية رسول الله صلى الله عليه واله قال ما انا زاعم ذلك بل انا قائل بحق قال وباي حق قلته قال بكتاب الله عزوجل فنظر الى الحجاج وقال اسمع ما يقول فان هذا مما لم اكن سمعته عنه اتعرف أنت في كتاب الله عزوجل ان الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلى الله عليه واله فجعلت افكر في ذلك فلم اجد في القرآن شيئا يدل على ذلك وفكر الحجاج مليا ثم قال ليحيى لعلك تريد قول الله عزوجل * (فمن حاجك من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) * آل عمران وان رسول الله صلى الله عليه واله خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام قال الشعبي فكانما اهدى الى قلبي سرورا وقلت في نفسي قد خلص يحيى وكان الحجاج حافظا للقرآن فقال له يحيى و الله انها لحجة في ذلك بليغة ولكن ليس منها احتج لما قلت فاصفر وجه الحجاج واطرق مليا ثم رفع راسه الى يحيى وقال ان جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة آلاف درهم وان لم تات بها فانا في حل من دمك قال نعم قال الشعبي فغمني قوله فقلت اما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بانه قد عرفه وسبقه إليه


[ 168 ]

ويتخلص منه حتى رد عليه وافحمه فإن جاءه بعد هذا بشئ لم آمن ان يدخل عليه فيه من القول ما يبطل به حجته لئلا يدعي انه قد علم ما جهله هو فقال يحيى للحجاج قول الله عزوجل * (ومن ذريته داود وسليمان) * الانعام من عنى بذلك قال الحجاج إبراهيم قال فداود وسليمان من ذريته قال نعم قال يحيى ومن نص الله عليه بعد هذا انه من ذريته فقرا الحجاج * (وايوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين) * قال يحيى ومن قال * (وزكريا ويحيى وعيسى) * قال يحيى ومن اين كان عيسى من ذريه إبراهيم عليه السلام ولا اب له قال من قبل امه مريم قال يحيى فمن اقرب مريم من إبراهيم ام فاطمة من محمد صلى الله عليه واله وعيسى من إبراهيم عليه السلام ام الحسن والحسين عليهما السلام من رسول الله صلى الله عليه واله قال الشعبي فكانما القمه حجرا فقال اطلقوه قبحه الله وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله له فيها ثم اقبل علي فقال قد كان رايك صوابا ولكنا ابيناه ودعا بجزور فنحروه وقام فدعا بالطعام فاكل واكلنا معه وما تكلم بكلمة حتى انصرفنا ولم يزل مما احتج به يحيى بن يعمر واجما (فصل) من القول في القضاء والقدر (سؤال) ان قال قائل ما قولكم فيهما وما معناهما عندكم وحقيقتهما وهل افعال العباد عندكم بقضاء الله وقدره ام لا وما معنى الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه واله انه قال حاكيا عن ربه جل وعز من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سوائي وما روي عنه عليه السلام من انه اوجب الايمان بالقدر خيره وشره واخبر ان الايمان لا يتم إلا به وما معنى قول المسلمين ان الواجب الرضا بما قضاه الله وقدره ابينوا لنا عن حقيقة ذلك ليحصل لنا العلم به (الجواب) قلنا الواجب من هذه المسألة اولا ان نذكر معاني القضاء والقدر ثم نبين ما يصح ان يتعلق بافعال العباد من ذلك وما لا يتعلق ونجيب عن الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه واله في ذلك بما يلائم الحق أما القضاء فعلى اقسام (منها) ما يكون بمعنى الاعلام كقول الله تعالى * (وقضينا إليه ذلك الامر ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) * الحجر اي اعلمناه وقوله سبحانه * (وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين) * الاسراء اي اعلمناهم بذلك ويكون القضاء ايضا بمعنى الحكم والالزام كقوله جل اسمه * (وقضى ربك إلا تعبدوا إلا اياه) * الاسراء أي حكم بذلك في التكليف على خلقه والزمهم به فاما القدر فيكون بمعنى الكتاب والاخبار كما قال جل وعلا * (إلا امراته قدرنا انها لمن الغابرين) * الحجر يعنى كتبنا واخبرنا ويكون القدر ايضا بمعنى التبيين لمقادير الاشياء وتفاصيلها والاعلام باختلاف احوالها ويكون القدر ترك الاشياء في التدبير


[ 169 ]

على نظام ووضعها في الحكمة مواضعها من غير زيادة فيها ولا نقصان كما قال تعالى * (وقدر فيها اقواتها) * فصلت فاما افعال العباد فيصح ان نقول فيها ان الله تعالى قضى بالطاعة منها على معنى انه حكم بها والزمها عباده واوجبها وهذا هو الزام أمر وليس بالجاء ولا جبر ونقول ايضا انه سبحانه قدر افعال العباد بمعنى انه بين لهم مقاديرها من حسنها وقبحها ومباحها وحظرها وفرضها ونفلها فاما القول بانه قضاها على معنى انه خلقها فغير صحيح لانه لو خلق الطاعة والمعصية لسقط اللوم عن العاصي بموجب العدل ولم يكن معنى لاثابة الطائع في حجة ولا عقل ونقول في افعال الله تعالى انها كلها بقدر يريد انها لا تفاوت فيها ولا خلل وانها بموجب الحكمة ملتئمة وعلى نسق الصواب منتظمة فاما الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه واله من قوله حكاية عن الله سبحانه من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سوائي فهو واضح المعنى للعاقل وهذا القضاء من الله تعالى هو مما يبتلى به العبد من اعلاله واسقامه وعوارضه وآلامه وفقره بعد الغنى وما يمتحنه من فقد الاعزاء والاقرباء كل ذلك من قضاء الله الذي يجب الرضا به والصبر عليه وهو مما يفعله الله سبحانه بعبده للحكمة التي تقتضيه وما يعلمه الله عزوجل من الصلاح الذي لعبده فيه وكيف يقضي الله على العبد بالمعصية وهي من الباطل الذي يعاقب عليه وقد قال الله عز من قائل * (والله يقضي بالحق) * غافر وكذلك القول في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه واله من ايجابه الايمان بالقضاء والقدر خيره وشره فالخير من القضاء والقدر هو ما مالت إليه الطباع والتذت به الحواس والشر بالضد من ذلك على ما تقدم به البيان وسمي شرا لما على النفس في تحمله من المشاق وهو اليضا مما اجمع المسلمون عليه من الرضا بقضاء الله والتسليم لقدره ولو كان الظلم والغضب والكفر بالله عزوجل من قضاء الله وقدره لوجب الرضا به وترك انكاره فلما رأينا العقلاء ينكرونه ولا يرضونه ويعيبون على من رضي به ويذمونه علمنا انه ليس من قضاء الله سبحانه (اخبرني) شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه اجازة قال حدثنا محمد بن عمر الحافظ املاء قال حدثنا أبو القاسم اسحاق بن جعفر العلوي قال حدثني أبي جعفر بن محمد بن علي عن سليمان بن محمد القرشي عن اسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه عن جده عليهم السلام قال دخل رجل من اهل العراق على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله عليه فقال اخبرنا عن خروجنا الى أهل الشام ابقضاء الله وقدره فقال له أمير المؤمنين عليه السلام اجل يا شيخ فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم واديا الا بقضاء من الله وقدر فقال الشيخ عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما لو كان ذلك به لبطل الثواب والعقاب


[ 170 ]

والامر والنهي والزجر وسقط معنى الوعيد ولم يكن على مسئ لائمة ولا لمحسن محمده ولكان المحسن اولى باللائمة من المذنب والمذنب اولى بالاحسان من المحسن تلك مقالة عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الامة ومجوسها يا شيخ ان الله كلف تخييرا ونهى تحذيرا واعطى بالقليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يخلق السموات والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (و) جاء في الحديث رواية اخرى ان الرجل قال له فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا امير المؤمنين فقال عليه السلام الامر بالطاعة والنهى المعصية والتمكين من فعل الحسنة وترك السيئة والمعونة على القربد إليه والخذلان لمن عصاه والوعد والوعيد والترغيب و الترهيب كل ذلك قضاء الله في افعالنا وقدره لاعمالنا فاما غير ذلك فلا تظنه فإن الظن به محبط للاعمال فقال الرجل فرجت عنى يا أمير المؤمنين وانشا يقول * أنت الامام الذي نرجو بطاعته * النجاة من الرحمن غفرانا * اوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربك عنا فيه احسانا * فليس معذرة في فعل فاحشة * قد كنت راكبها فسقا وعصيانا * لا لا ولا قائلا ناهيه اوقعه * فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا * ولا احب ولا شاء الفسوق ولا * قتل الولي له ظلما وعدوانا * (وذكر) ان الحجاج ابن يوسف الثقفي كتب الى الحسن البصري والى واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وعامر الشعبي فقال لهم اخبروني بقولكم في القضاء والقدر فكتب إليه الحسن البصري ما اعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب عليه السلام فانه قال يا ابن آدم ازعمت ان الذي نهاك دهاك وإنما دهاك اسفلك واعلاك وربك برئ من ذاك وكتب إليه واصل عطاء ما اعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب عليه السلام فانه قال ما تحمد الله عليه فانه هو منه وما تستغفر الله عنه فهو منك وكتب إليه عمرو بن عبيد ما اعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب عليه السلام فانه قال (ان كان الرزق في الاصل محتوما فالوازر القصاص مظلوم وكتب إليه عامر الشعبي لا اعرف فيه إلا ما قاله علي بن أبي طالب عليه السلام) من وسع عليك الطريق لم ياخذ عليك المضيق فلما قرا الحجاج اجوبتهم قال قاتلهم الله لقد اخذوها من عين صافية (وجاء) في الحديث ان الحسن بن الحسن البصري كتب الى الامام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام من الحسن البصري الى الحسن بن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أما بعد فانكم معاشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة ومصابيح الدجى واعلام الهدى والائمة القادة الذين من اتبعهم نجا والسفينة التي يؤول إليها المؤمنون وينجو فيها المتمسكون قد كثر يا ابن رسول الله صلى الله عليه واله عندنا الكلام في القدر واختلافنا


[ 171 ]

في الاستطاعة فتعلمنا ما نرى عليه رايك وراي آبائك فانكم ذرية بعضها من بعض من علم الله علمتم وهو الشاهد عليكم وانتم شهداء على الناس والسلام فاجابه الحسن بن علي صلوات الله عليهما من الحسن بن علي الى الحسن البصري أما بعد فقد انتهى الي كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من امتنا وكيف ترجعون الينا وانتم بالقول دون العمل واعلم انه لو لا ما تناهى الي من حيرتك وحيرة الامة قبلك لامسكت عن الجواب ولكني الناصح ابن الناصح الامين والذي انا عليه انه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر ومن حمل المعاصي على الله عزوجل فقد فجر ان الله تعالى لا يطاع باكراه ولا يعصى بغلبة ولم يهمل العباد سدى من المملكة ولكنه عزوجل المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه اقدرهم فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله عز وجل لهم صادا ولا عنها مانعا وائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه ان يمن عليهم فيحول بينهم وبينها فعل وان لم يفعل فليس هو حملهم عليها اجبارا ولا الزمهم بها اكراها بل احتجاجه جل ذكره عليهم ان عرفهم وجعل لهم السبيل الى فعل ما دعاهم إليه وترك ما نهاهم عنه ولله الحجة البالغة والسلام (وروى) محمد بن سنان عن داود بن كثير الرقي ان أبا حنيفة قال لابن أبي ليلى مر بنا الى موسى بن جعفر عليهما السلام لنسئله عن افاعيل العباد وذلك في حياة جعفر الصادق عليه السلام وموسى يومئذ غلام فلما صار إليه سلما عليه ثم قالا له اخبرنا عن افاعيل العباد ممن هي فقال لهما ان كانت افاعيل العباد من الله دون خلقه فالله اعلا واعز واعدل من ان يعذب عبيده على فعل نفسه وان كانت من الله ومن خلقه فالله اعلى واعز من ان يعذب عبيده على فعل قد شاركهم فيه وان كانت افاعيل العباد من العباد فإن عذب فبعدله وان غفر فهو أهل التقوى وأهل المغفرة ثم انشا يقول * لم تخل افعالنا اللاتي نذم بها * احدى ثلاث معان حين ناتيها * اما تفرد بارينا بصنعتها * فيسقط الذم عنا حين ننشيها * أو كان يشركنا فيها فيلحقه * ما سوف يلحقنا من لائم فيها * أو لم يكن لالهي في جنايتها * ذنب فما الذنب الا ذنب جانيها * (كلام الصادق لزراره) ومما حفظ عن الصادق عليه السلام في ذلك قوله لزرارة بن اعين يا زرارة اعطيك جملة في القضاء والقدر قال له زرارة نعم جعلت فداك قال إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق سئلهم عما عهد إليهم ولم يسئلهم عما قضى عليهم (فصل) من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وآدابه وحكمه * لا راي لمن انفرد برايه * ما عطب من استشار من شاور ذوي الالباب * دل على الصواب النصح لمن قبله * راى الشيخ احب الي من حيلة الشاب * رب واثق خجل اللجاجة * تسلب الراي الطمأنينة قبل الحزم التدبير قبل العمل يؤمنك الندم * من استقبل وجوه الاراء عرف مواقع الخطا * من تحرى القصد خفت عليه المؤن * من


[ 172 ]

كابد الامور عطب * لو لا التجارب عميت المذاهب * في التجارب علم مستانف * في التواني والعجز انتجت الهلكه * احذر العاقل إذا اغضبته * والكريم إذا هنته * والنذل إذا اكرمته * والجاهل إذا صاحبته * من كف عنك شره فاصنع به ما سره * من آمنت من اذيته فارغب في اخوته * (فصل) الكلام في الغيبة وسببها ان قال قائل ما السبب الموجب لغيبة صاحب الزمان عليه وعلى آبائه افضل السلام قيل له لا يسئل عن هذا السؤال إلا من قد اعطى صحة وجود الامام وسلم ما نذكره من غيبته من الانام لأن النظر في سبب الغيبة فرع عن كونها فلا يجوز ان يسئل عن سببها من يقول انها لم تكن وكذلك الغيبة نفسها فرع عن صحة الوجود إذ كان لا يصح غيبة من ليس بموجود فمن جحد وجود الامام (فلا يصح كلامه في ما بعد ذلك من هذه الاحوال فقد بان انه لا بد من تسليم الوجود والامامة) و الغيبة أما تسليم دين واعتقاد ليكشف السائل عن السبب الموجب للاستتار وأما ان يكون تسليم نظر واحتجاج لينظر السائل عن السبب ان كان كلامنا في الفرع ملائما للاصل وانه مستمر عليه من غير ان يضاده وينافيه فإن قال السائل انا اسلم لك ما ذكرتموه من الاصل لا نظر ان كان ينتظم معه جوابكم عن الفرع فما السبب الان في غيبة الامام عليه السلام فقيل له اول ما نقوله في هذا انه ليس يلزمنا معرفة هذا السبب ولا يتعين علينا الكشف عنه ولا يضرنا عدم العلم به والواجب علينا اللازم لنا هو ان نعتقد ان الامام الوافر المعصوم الكامل العلوم لا يفعل إلا ما هو موافق للصواب وان لم نعلم الاغراض في افعاله والاسباب فسواء ظهر أو استتر قام أو قعد كل ذلك يلزمه فرضه دوننا ويتعين عليه فعل الواجب فيه سولنا وليس يلزمنا علم جميع ما علم كما لا يلزمنا فعل جميع ما فعل وتمسكنا بالاصل من تصويبه في كل فعل يغنينا في المعتقد عن العلم باسباب ما فعل فإن عرفنا اسباب افعاله كان حسنا وان لم نعلمها لم يقدح ذلك في مذهبنا كما انه قد ثبت عندنا وعند مخالفينا اصابة رسول الله صلى الله عليه واله في جمع اقواله وافعاله والتسليم له والرضا بما ياتي منه وان لم نعرف سببه ولو قيل لنا لم قاتل المشركين على كثرتهم يوم بدر وهو في ثلاثمائة من اصحابه وثلاثة عشر اكثرهم رجاله ومنهم من لا سلاح معه ورجع عام الحديبية عن اتمام العمرة وهو في العدة القوية ومن معه من المسلمين ثلاثة آلاف وستمائة واعطى سهيل بن عمرو جميع مناه ودخل تحت حكمه ورضاه من محو بسم الله الرحمن الرحيم من الكتاب ومحو اسمه من النبوة واجابته الى ان يدفع عن المشركين ثلث ثمار المدينة وان يرد إليهم من اتاه ليسلم على يده منهم مع ما في هذا من المشقة العظيمة والمخالفة في الظاهر للشريعة لما الزمنا الجواب عن ذلك اكثر من انه اعرف بالمصلحة من الامة وانه لا يفعل هذا إلا لضرورة يختص بعلمها ملجئة أو مصلحة تقتضيه تكون له معلومة وهو الوافر الكامل الذي


[ 173 ]

لا يفرط فيما أمر به وليس عدم علمنا باسباب فعله ضارا لنا ولا قادحا فيما نحن عليه من اعتقادنا واصلنا فكذلك قولنا في سبب غيبة امامنا وصاحب عصرنا وزماننا صلوات الله عليه ويشبه هذا ايضا من اصول الشريعة عن السبب في ايلام الاطفال وخلق الهوام والمسمومات من الحشائش والاحجار ونحو ذلك مما لا يحيط أحد بمعرفة معناه ولا يعلم السبب الذي اقتضاه فإن الواجب علينا ان نرد ذلك الى اصله ونقول ان جميعه فعل من ثبت الدليل على حكمته وعدله وتنزهه عن العيب في شئ من فعله وليس عدم علمنا باسباب هذه الافعال مع اعتقادنا في الجملة انها مطابقة للحكمة والصلاح بضار لنا ولا قادح في صحة اصولنا لانا لم نكلف اكثر من العلم بالاصل وفي هذا كفاية لمن كان له عقل وهكذا ايضا يجري الامر في الجواب ان توجه الينا السؤال عن سبب قعود أمير المؤمنين عليه السلام عن محاربة أبي بكر وعمر وعثمان ولم يقعد عن محاربة من بعدهم من الفرق الثلاث والاصل في هذا كله واحد وما ذكرناه فيه كاف للمسترشد فإن قال السائل لنا جميع ما ذكرته من افعال الله عزوجل فلا شبهه في انه اعرف بالمصالح فيها وان الخلق لا يعلمون جميع منافعهم ولا يهتدون إليها وأما النبي صلى الله عليه واله وما جرى من امره في عام الحديبية فانه علم المصلحة في ذلك بالوحي من الله سبحانه فمن اين لامامكم علم المصلحة في ذلك وهو لا يوحى إليه قيل له ان كان امامنا عليه السلام اماما فهو معهود إليه قد نص له على جميع ما يجب تعويله عليه واخذ دلك وامثاله عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه واله ولنا ايضا مذهب في الالهام وعندنا ان الامام عليه السلام يصح ان يلهم من المصالح و الاحكام ما يكون هو المخصوص به دون الانام ثم انا نتبرع بعد ما ذكرناه بذكر السبب الذي تقدم فيه السؤال وان كان غير لازم لنا في الجواب فنقول ان السبب في غيبة الامام عليه السلام اخافة الظالمين له وطلبهم سفك دمه واعلام الله انه متى ابدى شخصه لهم قتلوه ومتى قدروا عليه اهلكوه فحصل ممنوعا من التصرف فيما جعل إليه من شرع الاسلام وهذه الامور التي هي مردودة إليه ومعول في تدبيرها عليه فانما يلزمه القيام بها بشرط وجود التمكن والقدرة وعدم المنع والحيلولة وازالة المخافة على النفس والمهجة فمتى لم يكن ذلك فالتقية واجبة والغيبة عند الاسباب الملجئة إليها لازمة لأن التحرز من المضار واجب عقلا وسمعا وقد استتر النبي صلى الله عليه واله في غار حراء ولم يكن لذلك سبب غير المخافة من الاعداء فإن قال السائل ان استتار النبي عليه السلام كان مقدارا يسيرا لم يمتد به الزمان وغيبة صاحبكم قد تطاولت بها الاعوام قيل له ليس القصر والطول في الزمان يفرق في هذا المكان لأن الغيبتين جميعا سببهما واحد وهما المخافة من الاعداء فهما في الحكم سواء وإنما قصر زمان احداها لقصر مدة المخافة فيها وطول زمان الاخرى لطول زمان


[ 174 ]

المخافة فيها ولو ضادت احداهما الحكمة وابطلت الاحتجاج لكانت كذلك الاخرى فإن قال فالاظهر ابداء شخصه واقام الحجة على مخالفيه وان ادى ذلك الى قتله قيل لهم ان الحجة في تثبيت امامته قائمة في الامة والدلالة على امامته موجودة ممكنة والنصوص من رسول الله صلى الله عليه واله ومن الائمة غيبته ماثورة متصلة فلم يبق بعد ذلك اكثر من مطالبة الخصم لنا بظهوره ليقتل فهذا غير جائز وقد قال الله سبحانه * (ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة) * البقرة وقال موسى عليه السلام * (ففررت منكم لما خفتكم) * الشعراء فان قال السائل ان في ظهوره تأكيدا لاقامة الحجة وكشفا لما يعترض اكثر الناس في امره من الشبهة فالاوجب ظهوره وان قتل لهذه العلة قيل له قد قلنا في النهي عن التغرير بالنفس ما فيه كفاية ونحن ناتي بعد ذلك بزيادة فنقول انه ليس كلما نرى فيه تأكيدا لاقامة الحجة فإن فعله واجب ما لم يكن فيه لطف ومصلحة الا ترى ان قائلا لو قال لم لم يعاجل الله تعالى العصاة بالعقاب والنقمة ويظهر آياته للناس في كل يوم وليلة حتى يكون ذلك آكد في اقامته عليهم الحجة اليس كان جوابنا له مثل ما اجبنا في ظهور صاحب الغيبة من ان ذلك لا يلزم ما لم يفارق وجها معلوما من المصلحة وعندنا ان الله سبحانه لم يمنعه من الظهور وان قتل إلا وقد علم مصلحة المكلفين مقصورة على كونه اماما لهم بعينه وان لا يقوم غيره فيها مقامه فلذلك امره بالاستتار المدة التي علم انه متى ظهر فيها قتله الفجار فإن قال الخصم هلا اظهره الله تعالى وارسل معه ملائكة تبيد كل من اراده بسوء وتهلك من قصده بمكروه قيل له قد سئلت الملحدة عن مثل هذا السؤال في ارسال الانبياء عليهم السلام فقالوا لم لم يبعث الله تعالى معهم من الاملاك من يصد عنهم كل سوء يقصدهم به العباد فكان الجواب لهم ان المصالح ليست واقعة بحسب تقدير الخلائق فيقال لهم لم لم يكن صلاحا والا فعلى الله تعالى وصنع وإنما هي بحسب المعلوم عند الله عزوجل وبعد فإن اصطلام الله تعالى للعاصين ومعاجلته باهلاك سائر الظالمين قاطع لنظام التكليف وربما اقتضى ذلك عموم الجماعة بالهلاك كما كان في الامم السالفة في الزمان وهو ايضا مانع للقادرين من النظر في زمان الغيبة المؤدي الى المعرفة والاجابة فقد يصح ان يكون فيهم ومنهم في هذه المدة من ينظر فيعرف الحق ويعتقده أو يكون فيهم معاندون مقرون قد علم الله سبحانه انهم ان بقوا كان من نسلهم ذرية صالحة فلا يجوز ان يحرمها الوجود باعدامهم في مقتضى الحكمة وليس العاصون في كل زمان هذا حكمهم وربما علم ضد ذلك منهم فاقتضت الحكمة اهلاكهم كما كان في زمن نوح عليه السلام حيث قال * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) * نوح فإن قال السائل


[ 175 ]

ان آباءه عليهم السلام قد كانوا ايضا في زمان مخافة واوقات صعبة فلم لم يستتروا كما استتروا وما الفرق بينهم وبينه في هذا الامر قيل له ان خوف امامنا عليه السلام اعظم من خوف آبائه واكثر والسبب في ذلك انه لم يرو عن أحد من آبائه عليهم السلام انه يقوم بالسيف ويكسر تيجان الملوك ولا يبقى لاحد دولة سواه ويجعل الدين كله لله فكان الخوف المتوجه إليه بحسب ما يعتقد من ذلك فيه وتطلعت نفوس الاعداء إليه وتتبعت الملوك اخباره الدالة عليه ولم ينسب الى آبائه عليهم السلام شئ من هذه الاحوال فهذا فرق واضح بين المخافتين وبيان فان قال قائل فمن اين لكم ان السبب في الغيبة هو المخافة قيل له قد علم اولا انما ذكرناه من الجائز الممكن الذي ليس لاحد فيه مطعن وفي كونه ممكنا كفاية من اثبات الحجة لنا واسقاط السؤال عنا ثم انا نقول بعد ذلك ان من اطلع في الاخبار وسير السير والاثار علم ان مخافة صاحبنا عليه السلام كانت مذ وقت مخافة أبيه عليه السلام بل كان الخوف عليه قبل ذلك في حال حمله وولادته ومن ذا الذي خفي عنه من أهل العلم ما فعله سلطان ذلك الزمان مع أبيه وتتبعه لاخباره وطرحه العيون عليه انتظارا لما يكون من امره وخوفا مما روت الشيعة انه يكون من نسله الى ان اخفى الله تعالى الحمل بالامام عليه السلام وستر ابوه صلوات الله عليه ولادته إلا عمن اختصه من الناس ثم كان بعد موت أبيه وخروجه للصلاة ومضى عمه جعفر ساعيا به لى المعتمد ما كان حتى هجم على داره واخذ ما كان بها من اثاثه ورحله واعتقل جميع نسائه واهله وسئل امه عنه فلم تعترف به واودعها عند قاضي الوقت المعروف بابن أبي الشوارب ولم يزل الميراث معزولا سنتين ثم ما كان بعد ذلك من الامور المشهورة التي يعرفها من اطلع في الاخبار المأثورة وهذه كلها من اسباب المخاوف التي نشات بنشوء الرجل الخائف ثم بترادف الزمان لعظم ذكره على لسان المؤالف والمخالف ومع ذلك فإن النصوص قد نطقت بذكر مخافته كما تضمنت نعت استتاره وغيبته منها ما هو مجمل ومنها ما هو مفصل فرو عن أمير المؤمنين عليه السلام انه ذكر المهدي صلوات الله عليه فقال صاحب هذا الامر هو الشريد الطريد الفريد الوحيد وقال صلوات الله عليه على المنبر اللهم انك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك ظاهرا موجودا أو خائفا مغمورا كي لا تبطل حججك وبيناتك ومن ذلك قول الامام الصادق عليه السلام وقد ذكر عنده المهدي صلوات الله عليه فقال ان للغلام غيبة قبل ان يقوم فقال له زرارة ولم قال يخاف على نفسه وقول أبيه الباقر عليه السلام في صاحب هذا الامر اربع سنن من اربعة انبياء سنة


[ 176 ]

من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد صلى الله عليه وآله وعلى جميع الانبياء فاما موسى فخائف يترقب وأما عيسى فيقال مات ويقال لم يمت وأما يوسف فالغيبة عن اهله بحيث لا يعرفهم ولا يعرفونه وأما محمد صلى الله عليه واله فالسيف وفيما اوردناه مقنع والحمد لله (فصل) من مسائل الفقه المستطرفه (مسألة) امراة طلقها زوجها ومضت في عدتها حتى قاربت النصف فلما انتهت الى ذلك وجب عليها استئناف العدة من اولها من غير ان تكون اخلت فيما مضى بشئ من حدودها (الجواب) هذه جارية لم تبلغ المحيض ومثلها في السن من تحيض طلقها زوجها فوجبت العدة بالشهور عليها فلما مضت في عدتها قريب الشهر ونصف حاضت فوجب عليها الغاء ما مضى واستئناف العدة بالحيض وفي هذا الجواب من العامة خلاف ووفاق (مسألة) امراة طلقها زوجها فوجبت عليها العدة اياما معلومد فعمد انسان الى طاعة الله تعالى ففعلها فوجب على المراة عند فعل الطاعة من العدة في الايام مثل ما كان لزمها (الجواب) هذه امراة طلقها زوج كان لها فحاضت حيضتين في شهر واحد فلما كان قبل تقضي الشهر بيوم أو يومين قبل ان تطهر من الحيضة الثانية اعتقها مولاها فوجب عليها عدة الحرة ثلاثة قروء فلم تستوف ذلك حتى كملت ثلاثة اشهر وفي هذا الجواب خلاف من بعض العامة ايضا (مسألة اخرى) رجل تزوج امراة على مهر غير موزون ولا مكيل ولا ممسوح ولا هو جسم ولا جوهر ولا شئ من الاموال والعروض فتم نكاحه بذلك وكان مصيبا (جواب) هذا العاقد على سورة أو آية من كتاب الله تعالى والشيعة مجمعة على هذا وبعض العامة يوافق فيه (مسألة) امراة اجنبية من رجل قالت قولا حل له به فرجها من غير مهر ولا اجر ولا عقد اكثر مما تقدم منها من القول (جواب) هذه المراة التي وهبت نفسها للنبى صلى الله عليه واله فنزل القرآن بقصتها وتحليلها له وتحريم ذلك على غيره وجعلها الله سبحانه خالصة له من دون المؤمنين وليس في هذا الجواب خلاف بين المسلمين (مسألة) امراة عدتها ساعة من الزمان (جواب) هذه امراة حامل فولدت بعد ساعة من الطلاق والقول في ذلك ايضا اجماع (مسألة اخرى) تزوج رجل امراة على الف درهم ثم طلقها فوجب له عليها الف وخمسمائة درهم (جواب) هذه المراة قبضت من زوجها جميع مهرها وهو الف درهم ثم اشهدت على نفسها بعد قبضها له انه صدقه عليه فلما عرف الرجل ذلك طلقها قبل ان يدخل بها فوجب عليها الالف درهم بالصدقة وخمسمائة درهم نصف ما فرضه لها من الصداق وهذا ايضا جواب عليه الاتفاق (فصل)


[ 177 ]

من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه واله في ذكر النساء * اياك ومشاورة النساء إلا من جربت بكمال عقلها فإن رأيهن يجر الى الافن وعزمهن الى وهن وقصر عليهن اجنحتهن فهو خير لهن وليس خروجهن باشد عليك من دخول من لا يوثق به عليهن وان استطعت ان لا يعرفن غيرك فافعل لا تملك المراة امرها ما يجاوز نفسها فإن ذلك انعم لبالها وبالك وإنما المراة ريحانة وليست بقهرمانة ولا تطعها ان تشفع لغيرها ولا تطيلن الخلوة مع النساء فيمللنك وتملهن واستبق من نفسك بقية واياك والتغاير في غير موضع غيره فإن ذلك يدعو الصحيحة الى السقم وان رايت منهن ريبة فعجل النكير واقل الغضب عليهن الا في عيب أو ذنب وقال لا تطلعوا النساء على حال ولا تأمنوهن على مال ولا تثقوا بهن في الفعال فانهن لا عهد لهن عند عامدهن ولا ورع لهن عند حاجتهن ولا دين لهن عند شهوتهن يحفظن الشر وينسين الخير فالطفوا لهن على كل حال لعلهن يحسن الفعال (فصل) مما روى عن المتقدمين في ذكر النساء قيل لسقراط ما تقول في النساء فقال ما استرعين شيئا قط إلا ضاع ولا قدرن على شئ وكففن عنه وقيل له كيف يجوز ان تذم النساء ولو لا هن لم تكن أنت ولا امثالك من الحكماء فقال إنما مثل المراة كمثل النخلة ذات السلا ان دخل يد الانسان فيه عقرة وحملها الرطب الجني وقيل له عجبا لك كيف تصبر عن النساء وطيبهن فقال هن كعسل اديف فيه سم قاتل فمن اكله استلذ به ساعة اكله وفيه هلاكه الى الابد (و) نظر بعض الحكماء الى امراة معلقة في شجرة فوقف تحتها يبكي فقال له بعض تلامذته ايها الحكيم تبكى لهذه اليائسة فقال والله ما بكائى رحمه منى لها قيل له فمم بكاؤك قال اسفا منى كيف لا ارى كل الشجر يحمل من هذا الثمر (و) قال ديوجانس لبعض تلامذته وقد نظر الى امراة حسناء متبرجة في طريقه تنحوا عن هذا الفخ الذي قد نصب نفسه لهلاك الخلق (و) قيل لسقراط لم لا تتزوج فقال ان كان ولا بد فعلى الصفة التي اصفها لكم قالوا صف فلم يترك شيئا من السماجة والقباحة إلا وصفة فقيل له ايها الحكيم لقد ناقضت اولى الالباب في صفتك فقال الستم تعلمون انه شر فشر صغير خير من شر كبير ونظر آخر الى امراة تحمل نارا فقال الحامل شر من المحمول ونظر الى امراة تعلم الكتابة فقال افعى يزداد سما وبني رجل دارا وكتب على بابها لا يدخلها شئ من الشر فقيل له فامرأتك من اين تدخل ونظر بعض الحكماء الى تلميذ له ينظر الى امراة حسناء فقال له احذر ان تصليك وتقيدك بشركها فتهلك فقال التلميذ إنما انظر الى آثار حكمة الصانع فيها فقال له انظر الى آثار حكم الصانع فيما لا تشتهيه نفسك


[ 178 ]

اسلم لك (فصل من ذكر المرضى والعيادة) قال رسول الله صلى الله عليه واله الحمى تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد وقال الصادق عليه السلام ساعات الاوجاع يذهبن بساعات الخطايا وقال عليه السلام ان العبد إذا مرض فان في مرضه اوحى الله تعالى الى كاتب الشمال لا تكتب على عبدي خطيئة ما دام في حبسي ووثاقي الى ان اطلقه واوحى الى كاتب اليمين ان اجعل انين عبدي حسنات (وروى) ان نبيا من الانبياء مر برجل قد جهده البلاء فقال يا رب اما ترحم هذا مما به فأوحى الله إليه كيف ارحمه مما به ارحمه (وروى) لما نزلت هذه الايه * (ليس بامانيكم ولا اماني اهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) * سورة النساء فقال رجل لرسول الله صلى الله عليه واله يا رسول الله جاءت قاصمة الظهر فقال عليه السلام كلا اما تحزن اما تمرض اما تصيبك اللاواء والهموم قال بلى قال فذلك مما يجزي به (وروى) جابر بن عبد الله الانصاري ان رسول الله صلى الله عليه واله قال عايد المريض يخوض في البركة فإذا جلس انغمس فيها وقال عليه السلام إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الاجل فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطبب النفس انشد لبعضهم * حق العيادة يوم بين يومين * وجلسة لك مثل الطرف بالعين * لا تبرمن مريضا في مسائله * يكفيك من ذاك تسأله بحرفين (فصل من خطبة لرسول الله صلى الله عليه واله في ذكر الموت والوعظ) يا ايها الناس كان الموت على غيركم كتب * وكان الحق على غيركم وجب * وكان الذي يشيع من الاموات سفر عن قليل الينا راجعون * نبؤهم اجداثهم وناكل تراثهم * كانا مخلدون بعدهم * قد نسينا كل واعظة وامنا كل جائحة * طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب غيره * وانفق ما اكتسب في غير معصية ورحم أهل الضعف والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة * طوبى لمن اذل نفسه وحسنت خليقته وصلحت سريرته * وعزل عن غيره شره وانفق الفضل من ماله وامسك الفضل من قوله * ووسعته السنة ولم يدعها الى البدعة * (فصل مما روي في القبور والدفائن) وجد على قبر مكتوبا قهرنا الاعداء وبنينا الحصون والدفائن واقتصرنا على ما ترون ووجد على آخر مكتوبا الدنيا فانية والاخرة باقية والناظر الينا لاحق بنا ذكروا انهم راوا على قبر أبي نؤاس هذه الابيات وهن لابي العتاهية * وعظتك اجداث صمت ونعتك ازمنة خفت * وتكلمت عن اعين تبلى وعن صور سبت * وارتك قبرك في القبور وأنت حى لم تمت (وروى) انس بن مالك قال ان رسول الله صلى الله عليه واله قال كان تحت الجدار الذي ذكره الله تعالى في كتابه فقال * (وكان تحته كنز لهما) * الكهف لوح من ذهب مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجبا لمن ايقن بالموت كيف يفرح وعجبا لمن ايقن بالقدر كيف يحزن وعجبا لمن ايقن بزوال الدنيا وتقلبها باهلها كيف يطمئن قلبه


[ 179 ]

إليها لا اله إلا الله (وروى) عن ابن عباس رحمه الله في حديث ذكر فيه اتيان رجل جهني الى رسول الله صلى الله عليه واله واسلامه على يده وانهم تحدثوا يوما في ذكر القبور والجهني حاضر فحدثهم ان جهينة بن القوصان اخبره اشياخه ان سنة نزلت بهم اكلوا فيها ذخائرهم فخرجوا من شدة الازل وهم جماعة في طلب النبات فجنهم الليل فاووا الى مغار و كانت البلاد مسبعة وهم لا يعلمون قال فحدثني رجل منهم يقال له مالك قال رأينا في الغار اشبالا فخرجنا هاربين حتى دخلنا وهدة من وهاد الأرض بعد تباعدنا من ذلك الموضع فاصبنا على باب الوهدة حجرا مطبقا فتعاونا عليه حتى قلبناه فإذا رجل قاعد عليه جبه صوف وفي يده خاتم عليه مكتوب انا حنظلة بن صفوان رسول الله وعند راسه كتاب في صحيفة نحاس فيه بعثني الله الى حمير وهمدان والعزيز من أهل اليمن بشيرا ونذيرا فكذبوني وقتلوني فاعادوا الصخرة الى ما كانت عليه في موضعها (وروى) الاصبغ بن نباته في حديث رجل من حضرموت اتى الى أمير المؤمنين عليه السلام في ايام أبي بكر فاسلم على يده قال فسئله أمير المؤمنين عليه السلام يوما ونحن مجتمعون للحديث فقال اعالم أنت بحضر موت فقال الرجل ان جهلتها لم اعلم شيئا قال افتعرف موضع الاحقاف قال كانك تسئل عن قبر هود النبي عليه السلام قال لله درك ما اخطات قال نعم خرجت في عنفوان شيبتي في غلمة من الحي ونحن نريد ان قبره لبعد صوته فينا وكثرة من يذكره فسرنا في بلاد الاحقاف اياما وفينا رجل قد عرف الموضع حتى انتهى بنا ذلك الرجل الى كهف فدخلنا وامعنا فيه طويلا فانتهينا الى حجرين قد اطبق احدهما فوق الاخر وبينهما خلل يدخل الرجل النحيف فتحارفت فدخلت فرايت رجلا على سرير شديد الادمة طويل الوجه كث اللحية قد يبس فإذا مسست شيئا من جسده اصبته صلبا لم يتغير ورايت عند راسه كتابا بالعبرانية فيه مكتوب انا هود النبي آمنت بالله واشفقت على عاد بكفرها وما كان لامر الله من مرد فقال لنا امير المؤمنين عليه السلام وكذلك سمعت من أبي القاسم صلى الله عليه واله وسلم (وروى) عبد الرحمن بن زياد الافريقي قال خرجت بافريقة مع عم لي الى مزروع لنا قال فحفرنا موضعا فاصبنا ترابا هشا فطمعنا فيه فحفرنا عامة يومنا حتى انتهينا الى بيت كهيئة الازج فإذا فيه شيخ مسجى وإذا عند راسه كتابه فقراتها فإذا هي انا حسان بن سنان الاوزاعي رسول شعيب النبي صلى الله عليه واله الى اهل هذه البلاد دعوتهم الى الايمان بالله فكذبوني وحبسوني في هذا الحفير الى ان يبعثني الله فاخاصمهم إليه يوم القيامة سالم الاعرج مولى بني زريق قال حفرنا بئرا في دور بني زريق فراينا اثر حفر قديم فعلمنا انه حفر قديم مستاثر فحفرنا فافضينا الى صخرة عظيمة فقلبناها فإذا تحتها رجل قاعد كانه يتكلم فإذا هو لا يشبه الاموات


[ 180 ]

فاصبنا فوق راسه كتابة فيها انا قادم بن اسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن هربت بدين الحق من اي يتملك الكافر وانا اشهد ان الله حق ووعده حق لا اشرك به شيئا ولا اتخذ من دونه وليا (و) عبد الله بن موهب قال اصاب بعض عمال معاوية محفرا بمصر احتفره بعض اهلها لحاجتهم فافضى بهم ذلك الى مخضب عظيم مطبق فظنوه مالا فبعث العامل إليه امناءه ليحضروا ما فيه فلما فتحوا اصابوا شابا عليه جبة صوف وكساء صوف وخف الى نصف ساقه واصابوا عند راسه كتابا بالعبرانية انا حبيب بن نوباجر صاحب رسول الله موسى بن عمران عليه السلام من احب ان ياخذ بالناموس الاكبر فليخالف بني اسرائيل فانهم قد تواكلوا الحكم وعملوا بالهوى وباعوا الرضا وتركوا المنهاج الذي اخذ عليه ميثاقهم عبد الله بن موهب عن بعض اشياخه ان مسجد الرملة لما حفر اساسه في دار معاوية بن ابي سفيان انتهى بهم الحفر الى صخرة فقلعوها فإذا تحتها شاب دهين الراس موفر الشعر قائم مستقبل القبلة فكلموه فلم يكلمهم فكتب بذلك الى معاوية قال فخرجنا بالكتاب في خمسة فاتينا معاوية فاخبرناه بذلك ودفعنا إليه الكتاب فامر ان ترد الصخرة الى حالها وان يعيدوه على حاله كما كان (و) حدثهم غير واحد انه لما اجرى معاوية بن أبي سفيان القناة التي في أحد أمر بقبور الشهداء فنبشت فضرب رجل بمعولة فاصاب ابهام حمزة رضى الله عنه فانحبس الدم من ابهامه فاخرج رطبا يتثنى واخرج عبد الله بن عمرو بن الجموح وكانا قتلا يوم أحد وهما رطبان ينستون بعد اربعين سنه فدفنا في قبر واحد وكان عمرو بن الجموح اعرج فقال أبو سعيد الخدري انه لشئ لا آمر بعده بمعروف ولا انهى عن منكر وذكروا ان الوليد بن عبد الملك احتاج الى رصاص ايام بني مسجد دمشق فقيل له ان في الاردن منارة فيها رصاص فابعث إليها فبعث إليها فلما اخذوا في حفرها ضرب رجل بمعوله فاصاب رجلا في سفط وناوله المعول فسال دمه فسئل عنه فقيل هذا طالوت الملك فتركه ولم يخرجه (و) ذكروا ان سليمان بن عبد الملك مر بوادي القرى فامر بحفر يحفر فيه ففعلوا فانتهى فيه الى صخرة فاستخرجت فإذا تحتها رجل عليه قميصان واضع يده على راسه فجذبت يده فمج مكانها دم ثم تركت فرجعت الى مكانها فرقا الدم وإذا معه كتاب فيه انا الحرث بن شعيب الغساني رسول شعيب الى أهل مدين فكذبوني وقتلوني (مسألة من عويض الفقه لابي النجا محمد بن المظفر) ذكروا ان أبا النجا سئل عن معنى هذين البيتين * اتعرف خالا احرز المال كله * ففاز به من دون عم وما غصب * وما الخال عم الميت حين تنعته * ولكنه ادنى واولى إذا نسب (فأجاب) تفهم جوابا تستفد بافتهامه * غرائب علم طارف حين تكتسب * هو ابن اخيه من أبيه وخاله * لام فخذ قولا يفهم ذا الادب * وذلك لما زوجت ام امه


[ 181 ]

اخاه يقينا من أبيه إذا انتسب * فجاءته بابن فهو لا شك خاله * لام وسنخ القوم وابن اخ لاب * (السنخ بالكسر للاصر وعن السن نسبته) فاحرز ارث العم * من دون عمه * كذلك يقضي ذو التفقه والادب (تفسير) الجواب هذا رجل تزوج اخوه لابيه جدته ام امه فجاءت بابن فهو خاله لامه وهو ابن اخيه لابيه فلما مات عن عمه وهذا الخال كان اولى بالميراث من العم لانه ابن اخ وفيه قول آخر فيقال رجل تزوج امراة وزوج ابنه من امها فجاءت كل واحدة منهما بابن فابن الكبرى هو خال ابن الصغرى و هو ابن اخيه لابيه وقد روى ان مثل هذا اتفق في ايام عبد الملك بن مروان وانه دخل إليه رجل من أهل الشام فقال له يا أمير المؤمنين اني تزوجت امراة وزوجت ابني امها ولا غنى بنا عن رفدك فقال له عبد الملك ان اخبرتني ما قرابة ما بين اولادكما إذا ولدتما فعلت قال يا أمير المؤمنين هذا حميد بن بجدل قد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك فاسئله عنها فإن اصاب لزمني الحرمان وان اخطا اتسع لي العذر فدعا بالبجدلي فسئله عنها فقال يا أمير المؤمنين انك ما قدمتني على العلم بالانساب ولكن على الطعن بالرماح ثم قيل له الجواب وهو ان احدهما عم الاخر والاخر خاله (مسألة) تزوج زيد امراة وزوج ابنه عمرا ابنتها فرزقا منهما ولدين ما قرابة ما بين الولدين (الجواب) ان ولد زيد من المراة هو عم ولد عمرو من بنتها وخاله ايضا لانه اخو أبيه من أبيه واخو امه من امه والاخر ابن اخيه وابن اخته (جواب مسألة) اخرى تزوج زيد امراة وزوج ابنه عمرا اختها فرزقا منهما ولدين فما قرابة ما بين الولدين (جواب مسألة) ان ابن زيد عم ابن عمرو وابن خالته وابن عمرو ابن اخته وابن خالته (فصل) حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد بن أحمد الماليني الهروي بالرملة في شوال سنة عشرة واربعمائة قال اخبرنا أبو عمرو اسماعيل بن مجيد املاء قال حدثنا علي بن الحسن بن الجنيد الرازي قال حدثنا المعافا بن سليمان قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا محمد بن حجارة ان ابان حدثه قال حدثني انس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه واله يدعو في اثر الصلاة فيقول اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع وقلب يخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع اللهم اني اعوذ بك من هؤلاء الاربع (واخبرني) شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي الواسطي رضي الله عنه قال اخبرني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري قال اخبرني أبو علي محمد بن همام بن سهيل قال حدثنا (جعفر بن محمد بن مالك قال حدثنا) محمد بن الحسن الزيات قال حدثنا حسن بن محبوب عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال قال أبو جعفر عليه السلام كان من دعاء أمير المؤمنين صلوات الله عليه الهي كفى بى عزا ان اكون لك عبدا وكفى بي فخرا ان تكون لي ربا الهي أنت لي كما احب وفقني لما تحب تم الجزء الاول من كتاب كنز الفوائد


[ 182 ]

الجزء الثاني من كتاب كنز الفوائد بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين (الادلة على ان الصانع واحد) وبعد من الادلة على ان صانع العالم واحد أما الذي يعتمده اكثر المتكلمين فدليل التمانع وهو انه لو كان لصانع العالم ثان لوجب ان يكون قديما وإذا كان كذلك ماثله وإذا ماثله صح ان يريد احدهما ضد ما يريده الاخر فيقع بينهما التمانع كارادة احدهما ان يحرك جسما في وقت و اراد الاخر ان يسكنه فيه وإذا صح ذلك لم يخل الامر من ثلاث خصال أما ان يصح وقوع مراديهما من غير تضاد ولا تمانع بينهما فيكون الجسم في وقت واحد ساكنا ومتحركا وهذا محال وأما ان لا يصح وقوعهما ولا شئ منهما فهذا هو التمانع المبطل لوقوع مراديهما وهو دليل على ضعفهما وأما ان يقع مراد احدهما دون الاخر فهو دليل على ان من لم يقع مراده ممنوع ضعيف خارج من ان يكون قديما لأن من صفات القديم ان يكون قادرا لنفسه لا يتعذر عليه فعل ارادته فان قيل لم قلتم انه ان كان معه ثان يصح ان يريد ضد مراده قلنا لأن من حق القادر ان يصح منه الشئ وضده لا سيما إذا كان قادرا لنفسه فإذا كانا قادرين لانفسهما صح ما ذكر بينهما فإن قيل ان التمانع لا يقع منهما لانهما عالمان فكل واحد منهما يعلم ان مراد صاحبه حكمة فلا يريد ضده قلنا انما الكلام مبني على صحة ذلك دون كونه فإن لم يكن واحد منهما يريد ان يمنع صاحبه فكونه قادرا يعطي انه ممكن منه وان لم يفعل وتصح ارادته له ولا تستحيل منه ويحصل من ذلك تقدير التمانع بينهما وجوازه فإن قيل لم ذكرتم انهما إذا لم يقع مرادهما جميعا ان ذلك لضعفهما قلنا لتساوي مقدورهما و عند تساويه لا يكون فعل احدهما احق بالوجود من فعل الاخر وفي ذلك ابطال افعالهما وهو معنى قول الله عزوجل * (لو كان فيهما آلهه إلا الله لفسدتا) * الانبياء فان قيل فلم قلتم ان وجود مراد احدهما دليل على ضعف الاخر قلنا لما في ذلك من رجحانه في قدرته على صاحبه فلو لا انه اقدر منه لما وقع مراده دونه وهذا يوضح عن ضعف من لم يقع مراده (دليل آخر) وقد احتج اصحابنا بدليل التمانع على وجه آخر فقالوا انهما لو كانا اثنين كان لا يخلو احدهما من ان يكون يقدر على ان يكتم صاحبه شيئا أو لا يقدر على ذلك فإن كان يقدر فصاحبه يجوز عليه الجهل ومن جاز عليه الجهل فليس باله قديم وان كان لا يقدر فهو نفسه عاجز والعاجز ليس باله قديم (دليل آخر) ومما يدل على ان صانع العالم واحد انه لو كان معه ثان كان لا يخلو امرهما في فعلهما للعالم من أحد وجهين اما ان يكون كل واحد منهما فعل جميعه حتى يكون الذي فعله


[ 183 ]

احدهما هو الذي فعله صاحبه أو يكون كل واحد منهما انفرد ببعض منه وفي الوجه الاول ايجاب فعل واحد من فاعلين وهذا يبطل في فصل وفي الوجه الثاني ايجاب تميز فعل كل واحد منهما عن فعل الاخر لأن القادر الحكيم إذا فعل فعلا حسنا لم يجز إلا ليجعله دالا عليه وموسوما ومميزا عن فعل غيره لاسيما إذا كان داعيا الى شكر نعمته وموجبا لمعرفته ولا طريق لاحد الى معرفته الا بفعله فلما لم يكن فعل ما شاهدناه من السماء والارض وغيرهما مما يدل على ان بعضه لواحد وبعضه لاخر وإنما يدل على ان له فاعلا فقط علمنا ان الفاعل له واحد وهو الله تعالى ذكره فإن قيل فانا نجد العالم على قسمين جواهر واعراض وكل واحد من الجنسين مميز عن الاخر فالا دل هذا على الصانعين قلنا لو كان صانع الجواهر غير صانع الاعراض لكنا محتاجين بل عاجزين لأن احدهما لا يقدر ان يفعله بانفراده وهو يفتقر الى صاحبه لاستحالة وجود الجوهر بغير عرض والعرض بغير جوهر إلا ما انفرد به قوم من ارادة القديم وفناء العالم (دليل آخر) وهو ان العالم لو كان صانعه اثنين لكانا غيرين وحقيقة الغيرين هما اللذان يجوز وجود احدهما وعدم الاخر أما من الزمان أو المكان أو على وجه من الوجوه أو كان يجوز ذلك ولسنا نجد احدا من ذوي العقول الصحيحة السليمة التي لم تعترضها الشبهة الحادثة تعرف غيرين إلا وهو يعرف انها هكذا ولا يعلم شيئين هكذا الا وهو يعلم انهما غيران وهذا يمنع من ان يكون صانع العالم اثنين لما في ذلك من جواز عدم احدهما ومن جاز عدمه فليس بقديم وفي بطلان قدم احدهما دليل على انه داخل في جملة المحدثين وان صانع العالم هو الواحد القديم ومن خالفنا في حد الغيرين فليوجد لنا شيئين متفقين على وجودهما ليس هذا حكمهما (دليل آخر) وقد اعتمد البلخي دليلا مفردا على ان صانع العالم واحد لم يحتج ان يذكر فيه تقدير وجود الاثنين فقال الذي يدل على ذلك انا وجدنا العالم محدثا ولابد له من محدث ووجدنا من تجاوز القول بان المحدث له واحد فزعم ان اثنين لا نجد فرقا بينه وبين من زعم انه ثلاثة وكذلك لا نجد فرقا بينه وبين من زعم انه اربعة وكل عدة تجاوزت الواحد لا يقدر القائل بها على فرق بينه وبين من زاد فيها ولا نجد حجة توجب قوله دون قول خصمه فيها فلما فسد قول كل من ادعى الزيادة على الواحد وليس مع احدهم رجحان بحجته وتكافات اقوالهم في دعوى الزيادة دل على ان الصانع واحد لا اكثر من ذلك ولأن الدليل ثبت على وجود الصانع ولم يثبت على ما يزيد على واحد ثم عارض نفسه فقال إذا قال قائل انكم قد تجدون دارا مبنية يدل بناؤها على ان لها بانيا ثم لا يجدون فرقا بين من زاد على واحد فقال ان بانيها اثنان وبين من قال ثلاثة وكذلك في كل عدة حتى لا يتميز بعض الاقوال على بعض حجة افتقطعون على ان صانع


[ 184 ]

الدار زاد رجحان بحجته وتكافة اقوالهم في دعوى الزيادة دل على ان الصانع واحد لا اكثر من ذلك لان الدليل ثبت على وجود الصانع ولم يثبت على ما يزيد على واحد ثم عارض نفسه فقال إذا قال قائل انكم قد تجدون دارا مبنية يدل بناؤها على ان لها بانيا ثم لا يجدون فرقا بين من زاد على واحد فقال ان بانيها اثنان وبين من قال ثلاثة وكذلك كل عدة حتى لا يتميز بعض الاقوال على بعض حجة افتقطعون على ان صانع الى الدار واحد وانفصل عن هذه المعارضة بان قال ان المثبت للدار صانعا واحدا أو صانعين فقد نجد فرقا بينه وبين من زاد عليه ودليلا على قوله دون قول من خالفه وذلك ان صناع الدار يجوز ان يشاهدهم من شاهدها ويجوز ان يرد الخبر إليه بعددهم ممن شاهدهم يبنونها وليس كذلك صانع العالم وهذا فرق واضح بين الموضعين و لوضوحه يعلم بطلان مذهب الثنوية على اختلافهم والنصارى في التثليث ومن جرى مجراهم والحمد لله (وروى) عن امير المؤمنين صلوات الله عليه واله قال ان الله رفع درجة اللسان فانطقه بتوحيده من بين الجوارح (فصل من كلام رسول الله صلى الله عليه واله في الخصال من واحد الى عشرة) وروى عن رسول الله صلى الله عليه واله انه قال خصلة من لزمها اطاعته الدنيا والاخرة وربح الفوز في الجنة قيل ما هي يا رسول الله قال التقوى من اراد ان يكون اعز الناس فليتق الله عزوجل ثم تلا * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * الطلاق (وقال المؤمن بين مخافتين بين اجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين آجل قد بقى لا يدري ما الله قاض فيه) وقال صلى الله عليه واله ومن وقى شر ثلاث فقد وقى الشر كله لقلقه وقبقبه وذبذبه فلقلقه لسانه وقبقبه بطنه وذبذبه فرجه وقال صلى الله عليه واله اربع خصال من الشقاء جمود العين وقساوة القلب والاصرار على الذنب والحرص على الدنيا وقال صلى الله عليه واله خمس لا يجتمعن إلا في مؤمن حقا يوجب الله له بهن الجنة النور في القلب والفقه في الاسلام والورع في الدين والمودة في الناس و حسن السمت في الوجه (وقال) صلى الله عليه واله اضمنوا لي ستا من انفسكم اضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم واوفوا إذا وعدتم وادوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا ابصاركم وكفوا ايديكم (وقال) صلى الله عليه واله اوصاني ربي بسبع اوصاني بالاخلاص في السر والعلانية وان اعفو عمن ظلمني واعطي من حرمني واصل من قطعني وان يكون صمتي فكرا ونظري عبرا وحفظ عنه صلى الله عليه واله ثمان قال الا اخبركم باشبهكم بي خلقا قالوا بلى يا رسول الله قال احسنكم خلقا واعظمكم حلما وابركم بقرابته واشدكم حبا لاخوانه في دينه واصبركم على الحق واكظمكم للغيظ و احسنكم عفوا واشدكم من نفسه انصافا (وقال) صلى الله عليه واله الكبائر تسع اعظمهن الاشراك بالله عزوجل وقتل النفس المؤمنة واكل الربا واكل مال اليتيم وقذف المحصنة والفرار من الزحف وعقوق الوالدين واستحلال البيت الحرام


[ 185 ]

والسحر فمن لقي الله عز وجل وهو برئ منهن كان معى في جنة مصاريعها من ذهب (وقال) صلى الله عليه واله الايمان في عشرة المعرفة والطاعد والعلم والعمل والورع والاجتهاد والصبر واليقين والرضا والتسليم فايها فقد صاحبه بطل نظامه (فصل) من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام والنصوص عليه من رسول الله صلى الله عليه واله من جملة ما رواه لنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن شاذان القمي رحمه الله بمكة في المسجد الحرام قال حدثني نوح ابن أحمد بن ايمن رحمه الله قال حدثنا إبراهيم ابن أحمد ابن أبي حصين قال حدثني جدي قال حدثني يحيى بن عبد الحميد قال حدثني قيس بن الربيع قال حدثني سليمان الاعمش عن جعفر بن محمد قال حدثني أبي قال حدثني علي بن الحسين عن أبيه قال حدثني أبي أمير المؤمنين علي عليه السلام قال قال لي رسول الله صلى الله عليه واله يا علي أنت أمير المؤمنين وامام المتقين يا علي أنت سيد الوصيين ووارث علم النبيين وخير الصديقين وافضل السابقين يا علي أنت زوج سيدة نساء العالمين وخليفة خير المرسلين يا علي انت مولى المؤمنين والحجة بعدي على الناس اجمعين استوجب الجنة من تولاك واستوجب دخول النار من عاداك يا علي والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية لو ان عبدا عبد الله تعالى الف عام ما قبل الله ذلك منه إلا بولايتك وولاية الائمة من ولدك وان ولايتك لا تقبل إلا بالبراءة من اعدائك واعداء الائمة من ولدك بذلك اخبرني جبرئيل عليه السلام فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (وحدثنا) الشيخ أبو الحسن بن شاذان قال حدثني أبو الحسن علي بن أحمد بن متويه المقري قال حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا علي بن عثمان قال حدثنا محمد بن فرات عن محمد بن علي عن أبيه عن الحسين بن علي أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله علي بن أبي طالب خليفة الله وخليفتي وحجة الله وحجتي وباب الله وبابي وصفي الله وصفيي وحبيب الله وحبيبي وخليل الله وخليلي وسيف الله وسيفي وهو اخي وصاحبي ووزيري ووصيي محبه محبي ومبغضه مبغضي ووليه وليي وعدوه عدوي وزوجته ابنتي وولده ولدي وحربه حربي وقوله قولي وامره امري وهو سيد الوصيين وخير امتي (وحدثنا) الشيخ أبو الحسن بن شاذان قال حدثني خال امي أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله قال حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا علي بن إبراهيم عن ابيه قال حدثني أحمد بن محمد قال حدثني محمد بن الفضيل عن ثابت بن أبي صفية عن أبي حمزة قال حدثني علي بن الحسين عن أبيه قال حدثني ابي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ان الله فرض عليكم طاعتي ونهاكم عن معصيتي واوجب عليكم اتباع امري وفرض عليكم من طاعته طاعة علي بن أبي طالب بعدي وكما فرض عليكم من طاعتي ونهاكم عن معصيته كما نهاكم عن معصيتي وجعله اخي ووزيري


[ 186 ]

ووصيي ووارثي هو مني وانا منه حبه ايمان وبغضه كفر محبه محبي ومبغضه مبغضي وهو مولى من انا مولاه وانا مولى كل مسلم ومسلمة وانا وهو ابوا هذه الامة (فصل) من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وآدابه في فضل الصمت وكف اللسان من علم ان كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه من كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطؤه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار إذا فاتك الادب فالزم الصمت العافية عشرة اجزاء تسعة منها في الصمت الا عن ذكر الله عزوجل كم من نظرة جلبت حسرة وكم من كلمة سلبت نعمة من غلب لسانه امره قومه المرء يعثر برجله فيبرا ويعثر بلسانه فيقطع راسه ولسانه احفظ لسانك فإن الكلمة اسيرة في وثاق الرجل فإن اطلقها صار اسيرا في وثاقها عاقبة الكذب شر عاقبته خير القول الصدق وفي الصدق السلامة والسلامة مع الاستقامة لا حافظ احفظ من الصمت اياكم والنمائم فانها تورث الضغائن هانت عليه نفسه من امر عليه لسانه الصمت نور ان الله عزوجل جعل صورة المراة في وجهها وصورة الرجل في منطقه (مختصر التذكرة باصول الفقه) استخرجته لبعض الاخوان من كتاب شيخنا المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه وقدس سره بسم الرحمن الرحيم الحمد لله أهل الحمد ومستحقه وصلاته على خيرته المصطفين من خلقه سيدنا محمد رسوله الدال باياته على صدقه وعلى أهل بيته الائمة القائمين من بعده بحقه سئلت ادام الله عزك ان اثبت لك جملا من القول في اصول الفقه مختصره ليكون لك تذكره بالمعتقد في ذلك متيسرة وانا اسير الى محبوبك وانتهى الى مرادك ومطلوبك بعون الله و حسن توفيقه اعلم ان اصول احكام الشريعة ثلاثة اشياء كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه واله واقوال الائمة الطاهرين من بعده صلوات الله عليهم وسلامه والطرق الموصلة الى علم المشروع في هذه الاصول ثلاثة احدها العقل وهو سبيل الى معرفة حجية القرآن ودلائل الاخبار والثاني اللسان وهو السبيل الى المعرفة بمعاني الكلام و ثالثها الاخبار وهي السبيل الى اثبات اعيان الاصول من الكتاب والسنة واقوال الائمة عليهم السلام والاخبار الموصلة الى العلم بما ذكرناه ثلاثة اخبار خبر متواتر وخبر واحد معه قرينة تشهد بصدقه وخبر مرسل في الاسناد يعمل به أهل الحق


[ 187 ]

على الاتفاق ومعاني القرآن على ضربين ظاهر وباطن والظاهر هو المطابق لخاص العبارة عنه تحقيقا على عادات اهل اللسان كقوله سبحانه * (ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون) * فالعقلاء العارفون باللسان يفهمون من ظاهر هذا اللفظ المراد والباطن هو ما خرج عن خاص العبارة وحقيقتها الى وجوه الاتساع فيحتاج العاقل في معرفة المراد من ذلك الى الادلة الزائدة على ظاهر الالفاظ كقوله سبحانه * (اقيموا الصلاة وآتوا الزكوة) * فالصلاة في ظاهر اللفظ هي الدعاء حسب المعهود بين أهل اللغة وهي في الحقيقة لا يصح منها القيام والزكوة هي النمو عندهم بلا خلاف ولا يصح ايضا فيها الاتيان وليس المراد في الاية ظاهرها وإنما هو امر مشروع فالصلاة المأمور بها فيها هي افعال مخصوصة مشتملة على قيام وركوع وسجود وجلوس والزكوة المأمور فيها هي اخراج مقدار من المال على وجه ايضا مخصوص وليس يفهم هذا من ظاهر القول فهو الباطن المقصود وانواع اصول معاني القرآن اربعة احدها الامر وما استعير له لفظة وثانيها النهي وما استعمل فيه ايضا لفظه وثالثها الخبر مع ما يستوعبه لفظه ورابعها التقرير وما وقع عليه لفظه وللامر صورة محققة في اللسان يتميز بها عن غيره في الكلام وهي قولك افعل اذن ورد مرسلا على الاطلاق وان كانت هذه اللفظة تستعمل في غير الامر على سبيل الاتساع والمجاز كالسؤال والاباحة والخلق والمسخ والتهديد والامر المطلق يقتضي الوجوب ولا يعلم انه ندب الا بدليل وإذا علق الامر بوقت وجب الفعل في اول الوقت وكذلك اطلاقه يقتضي المبادرة بالفعل والتعجيل ولا يجب ذلك اكثر من مرة واحدة ما لم يشهد بوجوب التكرار الدليل فإن تكرر الامر وجب تكرار الفعل ما لم تثبت حجة بان المراد بتكراره التأكيد فاما الامران إذا عطف احدهما على الاخر فالواجب ان يراعي فيهما الاتفاق في الصورة والاختلاف فإن اتفقا دل ذلك على التأكيد وان اختلفا كان لهما حكمان والقول في الخبرين إذا تساويا في الصورة كالقول في الامرين وامتثال الامر مجز لصاحبه ومسقط عنه فرض ما كان وجب من الفعل عليه وإذا ورد لفظ الامر معاقبا لذكر الحظر افاد الاباحة دون الايجاب كقول الله تعالى * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) * الجمعة بعد قوله * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعه فاسعوا ذكر الله) * الجمعة وإذا ورد الامر بفعل اشياء على طريق التخيير كوروده في كفارة اليمين فكل واحد من تلك الاشياء واجب بشرط اختيار المأمور وليست واجبة على الاجتماع ولا بالاطلاق وما لا يتم الفعل إلا به فهو واجب كوجوب الفعل المأمور به وكذلك الامر بالمسبب دليل على وجوب فعل السبب والامر بالمراد دليل على وجوب فعل الارادة وليس الامر بالشئ هو بنفسه نهي عن ضده ولكنه يدل على النهي عنه


[ 188 ]

بحسب دلالته على حظره وباستحالة اجتماع الفعل وتركه يقتضي صحة النهي العقلي عن ضد ما أمر به وإذا ورد الامر بلفظ المذكر مثل قوله يا ايها الذين آمنوا ويا ايها المؤمنون والمسلمون وشبهة فهو متوجه بظاهره الى الرجال دون النساء ولا يدخل تحته بشئ من الاناث إلا بدليل سواه فاما تغليب المذكر على المؤنث فانما يكون بعد جمعهما بلفظهما على التصريح ثم يعبر عنهما من بعده بلفظ المذكر ومتى لم يجر للمؤنث ذكر بما يخصه من اللفظ فليس يقع العلم عند ورود لفظ المذكر بان فيه تغليبا إلا ان يثبت ان المتكلم قصد الاناث والذكور معا بدليل فاما الناس فكلمة تعم الذكور والاناث (واما القوم فكلمة تعم الذكور بدل الاناث) وإذا ورد الامر مقيدا بصفد يخص بها بعض المكلفين فهو مقصور على ذي الصفة غير متعدية الى غيره الا بدليل كقوله تعالى * (يا ايها المدثر قم فانذر) * المدثر وإذا ورد بصفة تتعدى المذكور الى غيره من المكلفين كان متوجها الى سائرهم على العموم إلا ما خصه الدليل كقوله جل وعز * (يا ايها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * الطلاق والامر بالشئ لا يكون إلا قبله لاستحاله تعلق الامر بالموجود والامر متوجه الى الطفل بشرط البلوغ وكذلك الامر للمعدوم بشرط وجوده وعقله الخطاب ويصح ايضا توجه الامر الى من يعلم من حاله انه يعجز في المستقبل عما أمر به (أو يحال بينه وبينه أو يختر من دونه لما يجوز في ذلك من مصلحة المأمور في اعتقاده فعل ما أمر به) واللطف له في استحقاقه الثواب على نيته وامكان استصلاح غيره من المكلفين بامره فاما خطاب المعدوم والجمادات والاموات فمحال والامر امر بعينه ونفسه فاما النهى فله صورة في اللسان محققه يتميز بها عن غيره وهي قولك لا تفعل إذا ورد مطلقا والنهى في الحقيقة لا يكون منك إلا لمن دونك كالامر والنهى موجب للترك المستدام ما لم يكن شرط يخصه بحال أو زمان فاما الخبر فهو ما امكن فيه الصدق والكذب وله صيغة مبنية يتفصل بها مما يخالفه في معناه وقد يستعار صيغته فيما ليس بخبر كما يستعار غيرها من صيغ الحقائق فيما سواه على وجه الاتساع والمجاز قال الله عزوجل * (ومن دخله كان آمنا) * هو من الاية آل عمران فهو لفظ بصيغة الخبر والمراد به الامر بان يؤمن من دخله والعام في معنى الكلام ما افاد لفظه اثنين فما زاد والخاص ما افاد واحدا دون ما سواه لأن اصل الخصوص التوحيد واصل العموم الاجتماع وقد يعبر عن كل واحد منها بلفظ الاخر تشبها وتجوزا قال الله تعالى * (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) * الحجر فعبر عن نفسه سبحانه وهو واحد بلفظ الجمع وقال سبحانه * (الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا ونعم الوكيل) * آل عمران وكان سبب نزول هذه الاية ان رجلا قال لامير المؤمنين عليه السلام قبل وقعة احد ان أبا سفيان قد جمع لكم الجموع فقال امير المؤمنين عليه السلام حسبنا الله ونعم الوكيل فاما اللفظ الخاص المعبر به عن العام فهو كقوله عزوجل * (والملك على ارجائها) * الحاقة وإنما اراد به الملائكة


[ 189 ]

وقوله * (يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم) * الانفطار يريد يا ايها الناس وكل لفظ افاد من الجمع ما دون استيعاب الجنس فهو عام في الحقيقة خاص بالاضافة كقوله عزوجل * (فتحنا عليهم ابواب كل شئ) * الانعام ولم يفتح ابواب الجنات ولا ابواب النار و قوله * (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) * البقرة وإنما اراد بعض الجبال وكقول القائل جاءنا فلان بكل عجيبة والامثال في ذلك كثيرة وهو كله عام في اللفظ خاص مقصور عن الاستيعاب فاما العموم المستوعب للجنس فهو ما افاد من القول نهاية ما دخل تحته وصح للعبارة عنه في اللسان قال الله عزوجل * (والله بكل شئ عليم) * وقال سبحانه * (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) * الرحمن فاما الالفاظ المنسوبة الى الاشتراك فهى على انحاء فمنها ما هو مبني لمعنى سائغ في انواع مختلفات كاسم شئ على التنكير فهو وان كان في اللغة موضوعا للموجود دون المعدوم فهو يعم الجواهر والاجسام والاعراض غير ان لكل ما شمله مما عددناه اسماء على التفصيل مبينات يخص كل اسم منها نوعه دون ما سواه ومنها رجل وانسان وبهيمه ونحو ذلك فانه يقع على كل اسم من هذه الاسماء على انواع في الصور والهيئات وهو موضوع في الاصل لمعنى يعم ويشمل جميع ما في معناه ومن الالفاظ المشتركه ضرب آخر وهو قولهم عين ووقوع هذه اللفظه على جارحة البصر وعين الماء والذهب وجيد الاشياء وصاحب الخير وميل الميزان وغير ذلك فهذه اللفظه بمجردها غير مبنيه لشئ مما عددناه وإنما هي بعض المبنى وتمامه وجود الاضافة أو ما يقوم مقامها من الصفه المخصوصه وإذا ورد اللفظ وكان مخصوصا بدليل فهو على العموم فيما بقي تحته مما عدا المخصوص ويقال انه عام على المجاز لانه منقول عما بني له من الاستيعاب الى ما دونه من المخصوص وحقيقة المجاز هي وضع اللفظ على غير ما بني له في اللسان فلذلك قلنا انه مجاز وإذا ورد لفظان عامان كل واحد منهما يرفع حكم صاحبه ولم يعرف المتقدم منهما من المتأخر فيقال ان احدهما منسوخ والاخر ناسخ وجب فيهما الوقف ولم يجز القضاء باحدهما على الاخر إلا ان يحضر دليل وذلك كقوله سبحانه * (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا الى الحول غير اخراج) * البقرة وهذا عموم في جميع الازواج المختلفات بعد الوفاة وقوله * (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا) * البقرة وهذا ايضا عام وحكمهما متنافيان فلو لا ان العلم قد احاط بتقديم احديهما فوجب القضاء بالمتاخرة الثانية منهما لكان الصواب هو الوقف دون الحكم بشئ منهما وكذلك إذا ورد حكمان في قضية واحدة احدهما خاص والاخر عام ولم يعرف المتقدم من المتأخر منهما ولم يمكن الجمع بينهما وجب التوقف فيهما مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه واله انه قال لا نكاح إلا بولي والرواية عنه من قوله ليس للولى مع البنت أمر وهذا يخص الاول وفي الامكان ان يقضي عليه في الاول


[ 190 ]

في كل واحد منهما يجوز ان يكون الناسخ للاخر فيعدلنا عنهما جميعا لعدم الدلالة القاضى منهما وصرنا الى ظاهر قوله عزوجل * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * النساء وقوله وانكحوا الايامى منكم في اباحه النكاح بغير اشتراط ولى على الاطلاق وإذا ورد لفظ في حكم وكان معه لفظ خاص في ذلك الحكم بعينه وجب القضاء بالخاص وهذا مثل الاول ومثاله قول الله عزوجل * (والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين) * المؤمنون وهذا عام في ارتفاع اللوم على وطئ الا زواج على كل حال والخصوص قوله سبحانه * (ويسالونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) * البقرة فلو قضينا بعموم الاية ارتفع حكم آية المحيض باسره وإذا قضينا بما في الثانية من الخصوص لم يرتفع حكم الاولى العام من كل الوجوه فوجب القضاء باية التخصيص منهما ليصح العمل على ما بيناه بهما وإذا سبق التخصيص اللفظ العام أو ورد مقارنا له فلا يجوز القول بانه ناسخ لحكمه لأن العموم لم يثبت فيستقر له حكم وإنما خرج الى الوجود مخصوصا فاوجبه في حكم الخصوص والنسخ إنما هو رفع موجود لو ترك لاوجب حكما في المستقبل والذي يخص اللفظ العام لا يخرج منه شيئا دخل تحته وإنما يدل الدليل على ان التجوز لم يرد من المعنى ما بني له الاسم وإنما اراد غيره وقصد الى وضعه على غير ما بني له في الاصل وليس يخص العموم الا دليل العقل والقرآن والسنة الثابته فاما القياس والراي فانهما عندنا في الشريعة ساقطان لا يثمران علما ولا يخصان عاما ولا يعمان خاصا ولا يدلان على حقيقة ولا يجوز تخصيص العام بخبر الواحد لانه لا يوجب علما ولا عملا وإنما يخصه من الاخبار ما انقطع العذر لصحته عن النبي صلى الله عليه واله وعن أحد الائمة عليهم السلام وليس يصح في النظر دعوى العموم بذكر الفعل وإنما يصح ذلك في الكلام المبني والصور منه المخصوصة فمن تعلق بعموم الفعل فقد خالف العقول وذلك انه إذا روي ان النبي صلى الله عليه واله احرم لم يجب الحكم بذلك على انه احرم بكل نوع من انواع الحج من افراد وقران وتمتع وإنما يصح الاحرام بنوع منها واحد وإذا ثبت الخبر عنه عليه السلام انه قال لا ينكح المحرم وجب عموم حظر النكاح على جميع المحرمين مع اختلافهم فيما احرموا به من افراد وقران وتمتع أو عمرة منقولة وفحوى الخطاب هو ما فهم منه المعنى وان لم يكن نصا صريحا فيه بمعقول عادة أهل اللسان في ذلك كقوله الله عزوجل * (ولا تقل لهما اف ولا تنهرهما) * الاسراء فقد فهم من هذه الجملة ما تضمنته نصا صريحا وما دل عليه بعرف أهل اللسان من الزجر عن الاستخفاف بالوالدين الزائد على قول القائل لهما اف وما تعاظم عن انتهارهما من القول وما اشبه ذلك من الفعل وان لم يكن النص تضمن ذلك على التفصيل والتصريح وكقولهم لامر يخص لا تبخس فلانا من حقه حبة واحدة وما يدل ذلك عليه بحسب العرف بينهم


[ 191 ]

والعادة من النهى عن جميع البخس الزائد على الحبة والامثله في ذلك كثيرة فاما دليل الخطاب فهو ان الحكم إذا علق ببعض صفات المسمى في الذكر دل ذلك على ان ما خالفه في الصفة مما هو داخل تحت الاسم بخلاف ذلك الحكم إلا ان يقوم دليل على وفاقه فيه كقول النبي صلى الله عليه واله في سائمة الابل الزكوة فتخصيصه السائمة بالزكوة دليل على ان العاملة ليس فيها زكوة ويجوز تأخير بما ان المراد من القول المجمل إذا كان في ذلك لطف للعباد وليس ذلك من المحال وقد أمر الله قوم موسى ان يذبحوا بقرة وكان مراده ان تكون على صفة مخصوصة ولم يقع البيان مع قوله ان الله يامركم ان تذبحوا بقرة بل تأخر عن ذلك وانكشف لهم عند السؤال بحسب ما اقتضاه لهم الصلاح وليس ينافي تأخير البيان القول بان الامر على الفور والبدار وذلك ان تأخير البيان عن الامر الموقت بمستقبل من الزمان اما بمجرد لفظ يفيد ذلك أو قرينة من برهان هو غير الامر المطلق العرى من القرائن الذي ظن انه يقتضي الفور والبدار ولا يجوز تأخير بيان العموم لأن العموم موجب بمجردة الاستيعاب فمتى اطلقه الحكيم ومراده التخصيص ولم يبين ذلك فقد اتى بالغاز وليس هذا كتأخير بيان المجمل من الكلام وبينهما فرق والاسماء النكرة موضوعة في اصل اللغة للجنس دون التعيين فإذا ورد الامر بفعل يتعلق بنكرة وجب ايقاعه على ما يستحق بمعناه سمة الجنس سوى ما زاد عليه فمن ذلك ما يفيد اقل ما يدخل تحت الجنس كقول القائل لغيره تصدق بدرهم فامتثال هذا الامر ان يتصدق بدرهم كائنا ما كان من الدراهم وليس النهي بالنكرة كالامر بها لأن الامر ههنا يقتضي التخصيص والنهي يقتضي العموم راو قال النبي صلى الله عليه واله لاحد اصحابه لا تدخرن درهما ولا دينارا لاقتضى ذلك ان لا يدخر منهما شيئا ولو قال له تصدق بدرهم ودينار لافاد ذلك ان يتصدق بهما ولم يلزمه ان يتجاوزهما وليس القول بان الامر بالنكرة يقتضي ان يفعل أي واحد كان من الجنسين بمفسد ما تقدم من القول في تأخير البيان عن قوم موسى عليه السلام كما امروا بذبح بقرة بلفظ التنكير لأن حالهم يقتضي ان مع الامر لهم بذبحها قد كانت لهم قرينة اقتضت التوقف والسؤال في سؤالهم ذلك على ذلك ولو تعرى الامر من القرينة لكان مجرد وروده بالتنكير يقتضي الامتثال في أي واحد كان من الجنسين ومن هذا الباب ان يرد الامر (بلفظ التثنية والتنكير كقوله اعط فلانا درهمين فالواجب الامتثال في أي درهمين كانا على معنى ما تقدم من القول ومنه ان يرد الامر) بلفظ الجمع المنكر كقوله تصدق بدراهم فليس يفيد ذلك اكثر من اقل العموم وهو ثلاث ما لم يقع التبيين واعلم ان العموم على ثلاثة اضرب فضرب هو اصل الجمع المفيد لاثنين فما زاد وذلك لا يكون إلا فيما اختصت عبارة الاثنين به في العدد فهو عموم من حيث الجمع


[ 192 ]

والضرب الثاني ما عبر عنه بلفظ الجمع المنكر كقولك دراهم ودنانير فذلك لا يصح في اقل من ثلاثة والضرب الثالث ما حصل فيه علامة الاستيعاب من التعريف بالالف واللام وبمن الموضوعة للشرط والجزاء فمتى قال لعبده عظم العلماء فقد وجب عليه تعظيم جميعهم وإذا قال من دخل داري اكرمته وجب عليه اكرام جميع الداخلين داره والاسماء الظاهرة ما استغنت في حقائقها عن مقدمة لها والملكنية ما يصح الابتداء بها وحكم الكناية في العموم والخصوص حكم ما تقدمها والكناية والعطف والاستثناء إذا اعقب جملا فهو راجع الى جميعها إلا ان يكون هناك دليل يقصرها على شئ منها وما ورد عن الله سبحانه وعن رسول الله صلى الله عليه واله وعن الائمة الراشدين عليهم السلام من بعده على سبب أو كان جوابا عن سؤال فانه يكون محكوما له بصورة لفظة دون القصر له على السبب المخرج له عن حكم ظاهره وليس وروده على الاسباب بمناف لحمله على حقيقته في الخطاب في عقل أو عرف ولا لسان وإنما يجب صرفه عن ظاهره لقيام دلالة تمنع من ذلك من التضاد في الحقيقة والمجاز والحقائق والمجازات إنما هي في الالفاظ والعبارات دون المعاني المطلوبات والحقيقة من الكلام ما يطابق المعنى الموضوع له في اصل اللسان والمجاز منه ما عبر به من غير معناه في الاصل تشبيها واستعارة لغرض من الاغراض وعلى وجه الايجاز والاختصار ووصف الكلام بالظاهر وتعلق الحكم به انما يقصد به الى الحقيقة منه والحكم بالاستعارة فيه إنما يراد به المجاز وكذلك القول في التأويل والباطن إنما يقصد به الى العبارة عن مجاز القول واستعارته حسبما ذكرناه والحكم على الكلام بانه حقيقة أو مجاز لا يجوز إلا بدليل يوجب اليقين ولا يسلك فيه طريق الظنون والعلم بذلك من وجهين احدهما الاجماع من أهل اللسان والاخر الدليل المثمر للبيان فاما اطلاق بعض أهل اللغة أو بعض أهل الاسلام ممن ليس بحجة في المقال والفعال فانه لا يعتمد في اثبات حقيقة الكلام فمتى التبس اللفظ فلم يقم دليل على حقيقة فيه أو مجاز فيه وجب الوقف لعدم البرهان وليس بمصيب من ادعى ان جميع القرآن على المجاز وظاهر اللغة يكذبه ودلائل العقول والعادات تشهد بان جمهوره على حقيقة كلام اهل اللسان ولا بمصيب ايضا من زعم انه لا يدخله المجاز وقد خصمه في ذلك قوله سبحانه * (فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقض) * الكهف وغيره من الايات والواجب ان يقال ان منه حقيقة ومنه مجاز فاما القول في الحظر والاباحة فهو ان العقول لا مجال لها في العلم باباحة ما يجوز ورود السمع فيها باباحته ولا بحظر ما يجوز وروده فيها بحظره ولكن العقل لم ينفك قط من السمع باباحته وحظره ولو احكى الله تعالى العقلاء حالا واحدة من سمع لكان قد اضطرهم الى موافقة ما


[ 193 ]

يقبح في عقولهم من استباحة ما لا سبيل لهم الى العلم باباحته من حظره والجائهم الى الحيرة التي لا تليق بحكمته وليس عندنا القياس والراي مجال في استخراج الاحكام الشرعية ولا يعرف من جهتها شئ من الصواب ومن اعتمدهما في المشروعات فهو على الضلال والعقول تجوز نسخ الكتاب بالكتاب والسنة بالسنة والكتاب بالسنة والسنة بالكتاب غير ان السمع ورد بان الله تعالى لا ينسخ كلامه بغير كلامه بقوله * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) * البقرة فعلمنا انه لا ينسخ الكتاب بالسنة واخبرنا ما سوى ذلك مما ذكرناه الحجة في الاخبار ما اوجبه العلم من جهة النظر فيها بصحة مخبرها ونفي الشك فيه والارتياب وكل خبر لا يوصل بالاعتبار الى صحة مخبره فليس بحجة في الدين ولا يلزم به عمل على حال والاخبار التي يجب العلم بالنظر فيها على ضربين احدهما التواتر المستحيل وروده بالكذب من غير تواطؤ على ذلك أو ما يقوم مقامه في الاتفاق والثاني خبر واحد يقترن إليه ما يقوم مقام المتواتر في البرهان على صحة مخبره وارتفاع الباطل منه والفساد والتواتر الذي وصفناه هو ما جاءت به الجماعات البالغة في الكثرة والانتشار الى حد قد منعت العادة من اجتماعهم على الكذب بالاتفاق كما يتفق الاثنان ان يتواردا بالارجاف وهذا حد يعرفه كل من عرف العادات وقد يجوز ان ترد جماعة دون من ذكرناه في العدد بخبر يعرف من شاهدهم بروايتهم ومخارج كلامهم وما يبدو في ظاهر وجوههم ويبين من قصورهم انهم لم يتواطئوا لتعذر التعارف بينهم والتشاور فيكون العلم بما ذكرناه من حالهم دليلا على صدقهم ورافعا للاشكال في خبرهم وان لم يكونوا في الكثرة على ما قدمناه فاما خبر الواحد القاطع للعذر فهو الذي يقترن إليه دليل يقضي بالناظر فيه الى العلم بصحد مخبره وربما كان الدليل حجة من عقل وربما كان شاهدا من عرف وربما كان اجماعا بغير خلف فمتى خلا خبر واحد من دلالة يقطع بها على صحة مخبره فانه كما قدمناه ليس بحجة ولا موجب علما ولا عملا على كل وجه وليس في اجماع الامة حجة من حيث كان اجماعا ولكن من حيث كان فيها الامام المعصوم فإذا ثبت انها كلها على قول فلا شبهة في ان ذلك القول قول المعصوم إذ لو لم يكن كذلك كان الخبر عنها بانها مجمعة باطلا فانما تصح الحجة باجماعها لهذا الوجه والحكم باستصحاب الحال واجب لأن حكم الحال ثابت باليقين وما ثبت فلن يجوز الانتقال عنه إلا بواضح الدليل والاخبار إذا اختلفت في الالفاظ فلن يصح حمل جميعها على الحقيقة من الكلام إذا اريد الجمع بينهما على الوفاق وإنما يصح حمل بعضها على الحقيقة وبعضها على المجاز (حتى لا يقدح ذلك في اسقاط بعضها على الحقيقة وبعضها على المجاز) فلابد من صحة أحد البعضين وفساد الاخر أو فساد الجميع اللهم إلا ان يكون الاختلاف فيها يدل على النسخ فذلك


[ 194 ]

لا يكون إلا في اخبار النبي صلى الله عليه واله دون اخبار الائمة عليهم السلام فانهم ليس لهم تبديل شئ من العبادات ولا نسخ وقد اثبت لك ايدك الله جهل ما سئالت في اثباته واوردته مجردا من حججه ودلالته ليكون تذكره لك بالمعتقد كما ذكرت ولم اتعد فيه مضمون كتاب شيخنا المفيد رحمه الله حسبما طلبت والحمد لله أهل الجود والافضال وصلاته على سيدنا محمد رسوله المنقذ بهدايته من الضلال وعلى آله الطاهرين اولي الرفعه والجلال (فصل) من عيون الحكم ونكت من جواهر الكلام من كلام رسول الله صلى الله عليه واله استرشدوا العقل ترشدوا * ولا تعصوه فتندموا * قوام المرء عقله * ولا دين لمن لا عقل له * سيد الاعمال في الدارين العقل * لكل شئ دعامة ودعامة المؤمن عقله * فبقدر عقله تكون عبادته لربه * اغد عالما أو متعلما أو مستمعا أو محدثا * ولا تكن الخامس فتهلك * نصر الله امرءا سمع منا حديثا * فاداه كما سمع * فرب مبلغ اوعى من سامع * العلم اكثر من ان يحصى * فخذ من كل شئ احسنه * إذا هممت بامر فتدبر عاقبته * فإن كان خيرا فاسرع إليه * وان كان شرا فانته عنه * صل من قطعك واحسن الى من اساء اليك * وقل الحق ولو على نفسك * اعتبروا فقد خلت المثلات فيمن كان قبلكم * كن لليتيم كالاب الرحيم * واعلم انك تزرع كل ما تحصد * اذكر الله عند همك إذا هممت * وعند لسانك إذا حكمت * وعند يدك إذا قسمت * ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام عليكم بالدرايات لا بالروايات * همة السفهاء الرواية * وهمة العلماء الدراية * تزاوروا وتذاكروا والحديث إلا تفعلوا يدرس * اشد الناس بلاء واعظمهم عناء من بلي بلسان مطلق وقلب مطبق فهو لا يحمد ان سكت ولا يحسن ان نطق * اياكم وسقطات الاسترسال فانها لا تستقال تعز عن الشئ * إذا منعته لقلته ما صحبك إذا اعطيته * من لم يعرف لوم ظفر الايام لم يحترس من سطوات الدهر * ولم يتحفظ من فلتات الزلل * ولم يتعاظمه ذنب وان عظم * وسئل عن الحرص ما هو فقال هو طلب القليل باضاعة الكثير * وقال العاقل يستريح في وحدته الى عقله * والجاهل يتوحش من نفسه * لأن صديق كل انسان عقله * وعدوه جهله العقول ذخائر والاعمال كنوز النفوس اشكال فما تشاء كل منها اتفق والناس الى اشكالهم اميل ومن كلام الحسين عليه السلام قوله يوما لابن عباس يا ابن عباس لا تكلمن فيما لا يعنيك فانني اخاف عليك فيه الوزر * ولا تكلمن فيما يعنيك حتى ترى للكلام موضعا * فرب متكلم قد تكلم بالحق فعيب * ولا تمارين


[ 195 ]

حليما ولا سفيها * فإن الحليم يقليك والسفيه يردي بك * يريدك ولا تقولن في اخيك المؤمن إذا توارى عنك إلامثال ما تحب ان يقول فيك إذا تواريت عنه * واعمل عمل رجل يعلم انه ماخوذ بالاجرام * مجزي بالاحسان والسلام وبلغه عليه السلام كلام نافع بن جير في معاوية قوله انه كان يسكته الحلم * وينطقه العلم فقال عليه السلام بل كان ينطقه البطر ويسكته الحصر (وعن) كلام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قوله الملوك حكام الناس * والعلماء حكام على الملوك * وقوله احسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله * وانصحوا لانفسكم * وجاهدوا في طلب معرفة ما لا عذر لكم في جهله * فإن لدين الله اركانا لا ينفع من جهلها شدة اجتهاده في طلب ظاهر عبادته * ولا يضر من عرفها فدان به حسن اقتصاره * ولا سبيل لاحد الى ذلك الا بعون الله من عزوجل وقوله ما كل من نوى شيئا قدر عليه * ولا كل من قدر على شئ وفق له * ولا كل من وفق اصابه له فإذا اجتمعتا النية والقدرة والتوفيق والاصابة * فهنالك تمت السعادة * وقوله في الحث على التوبة تأخير التوبة اغترار * وطول التسويف حيرة * والاعتلال على الله هلكة * والاصرار على الذنب امن به لمكر الله * (ولا يامن لمكر الله إلا القوم الخاسرون) * الاعراف من كلام الائمة عليهم السلام (ومما) ورد عن غير الائمة عليهم السلام قول بعض علماء العرب * العقل أمير والعلم له نصير * والحلم له وزير * وقول بعض حكماء الهند * العقل حاكم امين والعلم له قرين * والحلم له خدين وقول بعض حكماء الفرس العقل ملك الجوارح * والعلم له اخ صالح * والحلم له اليف ناصح * وقول بعض حكماء الروم العقل مدبر آمر * والعلم له معاضد ناصر * والحلم له منجد مؤازر * في كتاب كليلة ودمنة * من غلب عقله هواه نال مناه واعطي رضاه * وفي كتاب بلوهر الهندي * من اشتد في الدنيا زهده استراح * وطلع سعده وفي كتاب السير وسيف البدي * من عرف نفسه لم يحقر جنسه * كتاب الرحمة لهرمس * القناعة امنع عز والاستعانة بالله احصن حرز * وفي كتاب الاساس لبطليموس * العقل الاصل وقوام الاشياء بالفضل والعدل * في كتاب الجواهر * التواضع شرف * وقد استوجب الصفح من تاب واعترف * في كتاب التجنيس لارسطاطاليس * الطبع اغلب والعادة ادرب * في كتاب اللطف لافلاطون * نقل الطبع عسير الانتزاع * في كتاب الاقسام لصبره الفلكي * العمر قصير * والدهر لاهله تبصير * كتاب الاختيار لابقراط * التجارب ايضاح وفيها افادة وصلاح * كتاب الابانه لعمرو بن بحر * من خشع ارتفع * وعرف بما دنا ما سمع * كتاب المعارف للكندي * ادراك السداد بالجد والاجتهاد * (وروي)


[ 196 ]

الصولي عن بعضهم انه قال لو لا العقول المضيئة وخلائقها الرضية لما كان التفاضل بين الحيوان ولما فرق بين البهيمة والانسان وقال الاقلمون * من عدم التدبير يكون التدمير * وقال آخر * من لم يقدم الامتحان قبل الثقة والثقة قبل الانس اثمرت مودته ندما (قال) بوزرجمهر * إذا انجز رجل وعده من معروفه * احرز مع فضيلة الجود شرف الصدق * وقال بطليموس * من قبل عطيتك فقد اعانك على البر والكرم * قال ذوبقراط * إذا امكنك الرجل من ان تصنع معروفك عنده فيده عندك مثل يدك عنده * وإذا اصابك من هم نزل به أو خوف تدفعه عنه فلم تبذل دمك دونه فقد قصرت بحسبك عنده * ولو ان أهل البخل لم يدخل عليهم إلا سوء ظنهم بالله لكان ذلك عظيما قال كسرى انوشروان * الملك بالدين يبقى والدين بالملك يقوى * شدة الغضب تغير المنطق وتقطع مادة الحجة * (و) قال ارسطاطاليس * من اتخذ الصمت جنة وقى من شر ما تأتى به الالسن * (و) قال الكلام مملوك ما لم ينطق به صاحبه * فإذا نطق به صاحبه خرج عن ملكه * (و) قال افليمون * غنيمة السكوت اكبر من غنيمة الكلام وندامه الكلام اكبر ندامه السكوت * (و) قال دوفس * الصمت انفع من الكلام في اكثر المواضع * والكلام انفع من الصمت في اقل المواضع * (و) قال افلاطون * ضبط اللسان ملك * واطلاقه في غير موضعه هلك * (و) قال * من علم ان كلامه يتصفح عليه فليتصفحه على نفسه قبل ان يتصفحه عليه غيره * (و) قال آخر * البطنة تذهب بالفطنه * وكثرة الصمت مفسدة المنطق * (و) قال آخر * إذا علمت فلا تفكر في كثرة من دونك من الجهال و لكن اذكر من فوقك من العلماء (أبو حنيفة مع الامام الصادق) (فصل) ذكروا ان أبا حنيفة اكل طعاما مع الامام الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام فلما رفع الصادق عليه السلام يده من اكله قال الحمد لله رب العالمين اللهم هذا منك ومن رسولك صلى الله عليه واله فقال أبو حنيفة أبا عبد الله اجعلت مع الله شريكا فقال له ويلك فإن الله تعالى يقول في كتابه * (وما نقموا الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله) * التوبة ويقول في موضع آخر * (ولو انهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله) * النساء فقال أبو حنيفة والله لكأني ما قراتهما (قط من كتاب الله ولا سمعتهما إلا في هذا الوقت فقال أبو عبد الله عليه السلام بلى قد قراتهما) و سمعتهما ولكن الله تعالى انزل فيك وفي اشباهك ام على قلوب اقفالها وقال * (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) * المطففين حديث الامام الصادق (اخبرني) الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسين بن شاذان القمي رضي الله عنه قال اخبرني خالي أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم بن هاشم


[ 197 ]

عن أبيه عن محمد ابن أبي عمير عن جعفر بن البختري قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول بلية الناس عظيمة ان دعوناهم لم يجيبونا وان تركناهم لم يهتدوا بغيرنا (فصل) من الاستدلال على ان الله تعالى ليس بجسم اعلم ان الخلاف في هذه المسألة بيننا وبين المجسمة على قسمين احدهما في المعنى والاخر في اللفظ فاما الكلام في المعنى فهو يختص بالذين يزعمون انه جسم على صفات الاجسام ويشابهها في بعض الصفات وأما الكلام في اللفظ فهو يختص بالذين يقولون انه جسم لا كالاجسام ولا يشابهها بصفة من الصفات فاما الذي يدل على بطلان مقال الذين يزعمون انه جسم لا كالاجسام فهو ان الاجسام (قد ثبت حدوثها فلو كان صانعها تعالى جسما مثلها لوجب ان يكون محدثا ويبين ذلك ان حقيقة الجسم هي ان يكون طويلا عريضا عميقا فلو كان صانع الاجسام جسما) لكانت هذه حقيقته لأن الحقيقة لا تختلف وسوى فيها الشاهد والغائب وحقيقة الجسم موجبة الابعاد ومعطية فيها المساحة والنهايات وانه مجتمع من ابعاض مختص ببعض الجهات وذلك شاهد فيه بحلول الاعراض لأن المجتمع لا غناء له عن الاجتماع والكائن من جهة دون غيرها لا يعري من الاكوان فهذه كلها دلائل الحدوث فلو كان صانع الاجسام على هذه الصفات أو على بعضها لكان محدثا ولو جاز كونه عليها وهو قديم لكانت الاجسام كلها قديمة أو في ثبوت الادلة على حدوث الاجسام وقدم محدثها دلالة واضحة على انه ليس بجسم سبحانه وتعالى دليل ثان (وشئ آخر) وهو ان صانع الاجسام واحد في الحقيقة حسبما شهدت به الادلة فلو كان جسما لخرج عن كونه واحدا لأن الجسم مجتمع من ابعاض واجزاء دليل ثالث (وشئ آخر) وهو انه لو كان جسما لوجب كونه قادرا بقدرة لبطلان كون الجسم قادرا لنفسه ولو كان كذلك لاستحال حدوث الاجسام منه إذ لا يصح من القادر بقدره ان يفعل الجسم في محل قدرته متداولا في غيره مسببا أو متولدا (دليل رابع) وهو انه لو كان جسما في الحقيقة وقد صح منه فعل الاجسام لصح من كل جسم حي قادر ان يفعل الاجسام فلما علمنا يقينا استحالة فعل الاجسام للاجسام علمنا ان فاعل الاجسام ليس بجسم على كل حال فقد بان لك بطلان مقال الذين يزعمون ان الله تعالى جسم على صفة الاجسام وحقيقتها وكما علمت انه لا يجوز ان يشبهها في جميع صفاتها فكذلك تعلم انه لا يجوز مشابهته لها في بعضها لأن كل صفد من صفات الاجسام المختصة بها دالة على حدوثها فلو اشبهها في شئ منها دل ذلك الشئ على انه محدث مثلها وبمثل هذا يعلم ايضا انه ليس بجوهر لأن الجوهر متحيز في جهة غير عارض الاعراض الدالة على حدثه فاما قولهم انا لم نر فاعلا للاجسام غير جسم فلما كان الله تعالى فاعلا وجب ان يكون جسما فقول فاسد لأن الفاعل لم يكن فاعلا لكونه جسما ولا كل صفة رأينا الفاعل في الشاهد عليها يجب ان يكون الفاعل في الغائب على نظيرها الا ترى انا لم نر في الشاهد فاعلا إلا مؤلفا لحما


[ 198 ]

ودما ناقصا محتاجا ولا يصح ان يكون الفاعل في الغائب هكذا والوجه في الاستدلال بالشاهد على الغائب إنما هو بالحقائق دون ما سواها وليس حقيقة الفاعل ان يكون جسما ولو كان كذلك لكان كل جسم فاعلا وكل فاعل جسما كما ان الحركة لما كان حقيقتها ان تكون زوالا كان كل زوال حركة وكل حركة زوال فهذا هو الاصل الثابت الذي يجب ان يتماثل فيه الشاهد والغائب فيجب ان يتامله ويعتمد عليه فالفائدة كثيرة فيه وأما الذي يدل على بطلان مقال الذين يدعون ان الله تعالى جسم لا كالاجسام فهو ان حقيقة الجسم قد ذكرناها فمتى قال القائل انه جسم اوجب الحقيقة بعينها فان قال لا كالاجسام نفي ما اوجب فكان قد ناقض فإن قالوا هذا لازم لكم في قولكم انه شئ لا كالاشياء قيل لهم ليس الامر كما ذكرتم لأن قولنا شئ يستفاد منه الاثبات والمثبتات مختلفات من اجسام وجواهر واعراض فإذا قلنا شئ لا كالاشياء اثبتنا معلوما مخبرا عنه ونفينا المماثلة بينه وبين سائر المثبتات ولم ننف حقيقة الشئ التي هي الاثبات وقول الله تعالى ليس كمثله شئ يدل على ما ذكرنا وقولنا جسم يستفاد منه حنس مخصوص من الموجودات دون ما سواه وإذا قلنا جسم لا كالاجسام اثبتنا جسما ثم نفيناه وهذا هو التناقض الذي ذكرناه واعلم ان التسمية إنما يحسن اجراؤها على المسمى متى ثبت له معناها فإن لم يثبت ذلك لم يصح اجراؤها إلا على جهة التقليب وبطل ان يصح فيه معنى الجسم على التحقيق وفسد قول من زعم انه جسم ولم يصح ان يسميه بهذا الاسم وليس لاحد ان يسمى الله عزوجل بما لم يسم به نفسه ولم يثبت دليل على جواز تسميته به فاما من زعم انه جسم لانه قائم بنفسه وان هذا حد الجسم عنده وحقيقته فغير مصيب في قوله واللغة تشهد بخطئه وذلك انا وجدنا أهل اللسان يقولون هذا اجسم من هذا إذا زاد عليه في طوله وعرضه وعمقه فلو لا ان حقيقة الجسم عندهم هي ان يكون طويلا عريضا عميقا لم يكن الامر كما ذكرناه فان قال القائل اليس قد اشتهر عن أحد متكلميكم وهو هشام بن الحكم انه كان يقول ان معبوده جسم على صفة الاجسام فكيف خالفتموه في ذلك بل كيف لم تتبرأوا منه وهو على هذا المقال قلنا أما هشام بن الحكم رحمة الله عليه قد اشتهر عنه الخبر بانه كان ينصر التجسيم ويقول ان الله تعالى جسم لا كالاجسام ولم يصح عنه ما قرنوه به من القول بانه مماثل لها ويدل على ذلك انا رأينا خصومه يلزمونه على قوله بان فاعل الاجسام جسم ان يكون طويلا عريضا عميقا فلو كان يرى انه مماثل للاجسام لم يكن معنى لهذا الالزام فاما مخالفتنا لهذا (المقام فهو اتباع لما ثبت من الحق بواضح البرهان) وانصراف عنه وأما موالاتنا هشاما رحمه الله فهي لما


[ 199 ]

شاع عنه واستفاض منه من تركه للقول بالجسم الذي كان ينصره ورجوعه عنه واقراره بخطئه فيه وتوبته منه وذلك حين قصد الامام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام الى المدينة فحجبه وقيل له انه قد آلى ان لا يوصلك ما دمت قائلا بالجسم فقال والله ما قلت به إلا لاني ظننت انه وفاق لقول امامي فاما إذا انكره علي فانني تائب الى الله منه فاوصله الامام عليه السلام إليه ودعا له بخير (و) حفظ عن الصادق عليه السلام انه قال لهشام ان الله تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ وكلما وقع في الوهم فهو بخلافه (و) روى عنه ايضا انه قال سبحان من لا يعلم أحد كيف هو الا هو ليس كمثله شئ وهو السميع البصير لا يحد ويحس ولا تدركه الابصار ولا يحيط به شئ ولا هو جسم ولا صورة ولا بذي تخطيط ولا تحديد (اخبرني) شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الواسطي رحمه الله قال اخبرني أبو محمد التلعكبري عن أبي جعفر الكليني عن محمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن حمزة ابن محمد قال له كتبت الى أبي الحسن عليه السلام اسئله عن القول بالجسم والصورة فكتب الي سبحان من ليس كمثله شئ لا جسم ولا صورة انشدني عمار بن محمد الطبراني رحمه الله * لزينبا الراس عيني ان كان جسما فما ينفك من عرض أو جوهر فبذي الاقطار موجود وكان متصلا بالشئ فهو به أو كان منفصلا فالكل محدود لا تطلبن الى التكييف من سبب ان السبيل الى التكييف مسدود * واستمسك الحبل حبل العقل تحظ به * فالعقل حبل الى باريك ممدود * (نسخة كتاب معاوية بن أبي سفيان الى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام أما بعد فإن الهوى يضل من اتبعه والحرص يتعب الطالب المحروم و أحمد العاقبتين ما هدى الى سبيل الرشاد ومن العجب العجيب ذام مادح وزاهد راغب ومتوكل حريص كلاما ضربته لك مثلا لتدبر حكمته بجميع الفهم ومباينه الهوى ومناصحة النفس فلعمري يا ابن أبي طالب لو لا الرحم التي عطفتني عليك والسابقة لك التي سلفت لقد كان اختطفتك بعض عقبان أهل الشام فيصعد بك في الهواء ثم قذفك على دكادك شوامخ الابصار فالفيت كسحيق الفهر على حسن الصلابة لا يجد الذر فيك مرتعا ولقد عزمت عزمة من لا يعطفة رقة الانذار ان لم تباين ما قربت به املك وطال له طلبك ولاوردنك موردا تستمر الندامة ان فسخ لك في الحيوة


[ 200 ]

بل اظنك قبل ذلك من الهالكين وبئس الراي راي يورد اهله الى المهالك ويمنيهم العطب الى حين لات مناص وقد قذف بالحق على الباطل وظهر امر الله وهم كارهون ولله الحجة البالغة والمنة الظاهرة والسلام (جواب أمير المؤمنين صلوات عليه وسلامه) من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد اتانا كتابك بتنويق المقال وضرب الامثال وانتحال الاعمال تصف الحكمة ولست من اهلها وتذكر التقوى وأنت على ضدها قد اتبعت هواك فحاد بك عن طريق الحجة والحج بك عن سواء السبيل فانت تسحب اذيال لذات الفتن وتحيط في زهرة الدنيا كانك لست توقن باوبة البعث ولا برجعة المنقلب قد عقدت التاج ولبست الخز وافترشت الديباج سنة هرقلية وملكا فارسيا ثم لم يقنعك ذلك حتى يبلغني انك تعقد الامر من بعدك لغيرك فيهلك دونك فتحاسب دونه ولعمري لئن فعلت ذلك فما ورثت الضلالة عن كلالة وانك لابن من كان يبغي على أهل الدين ويحسد المسلمين و ذكرت رحما عطفتك علي فاقسم بالله الاعز الاجل ان لو نازعك هذا الامر في حياتك من أنت تمهده له بعد وفاتك لقطعت حبله وابنت اسبابه وأما تهديدك لي بالمشارب الوبية والموارد المهلكة فانا عبد الله علي بن أبي طالب ابرز الى صفحتك كلا ورب البيت ما أنت بابي عذر عند القتال ولا عند مناطحة الابطال وكاني بك لو شهدت الحرب وقد قامت على ساق وكشرت عن منظر كريه والارواح تختطف اختطاف البازي زغب القطا لصرت كالمولهة الحيرانة تضربها العبرة بالصدمة لا تعرف اعلى الوادي من اسفله فدع عنك ما لست من اهله فإن وقع الحسام غير تشقيق الكلام فكم عسكر قد شهدته وقرن نازلته اصطكاك قريش بين يدي رسول الله صلى الله عليه واله إذ أنت وابوك وهو اعلى من كمالي تبع وأنت اليوم تهددني فاقسم بالله ان لو تبدي الايام عن صفحتك لنشب فيك مخلب ليث هصور لا يفوته فريسة بالمراوغة كيف و انى لك بذلك وانت قعيدة بنت البكر المخدرة (المجدوة) يفزعها صوت الرعد وانا علي بن أبي طالب الذي لا اهدد بالقتال ولا اخوف بالنزال فإن شئت يا معاوية فابرز والسلام فلما وصل هذا الجواب الى معاوية ابن أبي سفيان جمع جماعة من اصحابه وفيهم عمرو بن العاص فقراه عليهم فقال له عمرو وقد انصفك الرجل كم رجل احسن في الله قد قتل


[ 201 ]

بينكما ابرز إليه فقال له أبا عبد الله اخطات استك الحفرة انا ابرز إليه مع علمي انه ما برز إليه أحد قط إلا وقتله لا والله ولكني سابرزك إليه (نسخة كتاب آخر) من معاوية بن أبي سفيان الى أمير المؤمنين عليه السلام أما بعد فانا لو علمنا ان الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض وان كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا منها ما نرم به ما مضى ونصلح ما بقى وقد كنت سألتك الشام على ان لا تلزمني لك طاعة فابيت ذلك علي وانا ادعوك اليوم الى ما دعوتك إليه امس فانك لا ترجو من البقاء إلا ما ارجو ولا تخاف من الفناء إلا ما اخاف وقد والله رقت الاجناد وذهبت الرجال ونحن جميعا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض يستذل به عز ولا يسترق به حد والسلام (جواب أمير المؤمنين صلوات الله عليه) من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد اتاني كتابك تذكر انك لو علمت ان الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض وانا واياك نلتمس غاية لم نبلغها بعد وأما طلبك الي الشام فاني لم اكن لاعطيك اليوم ما منعتك امس وأما استواؤنا في الخوف والرجاء فلست بامضى على الشك مني على اليقين ولا أهل الشام على الدنيا باحرص من أهل العراق على الاخرة وأما قولك انا بنو عبد مناف فكذلك نحن لكن ليس امية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كابي طالب و لا الطليق كالمهاجر ولا المبطل كالمحق وفي ايدينا فضل النبوة التي قتلنا بها العزيز وبعنا بها الحر والسلام (مسألة فقهيه) وقائلة اوصى الغداة فانني * ارى الموت قد حطت لديك ركائبه * فقلت وقد راع الفؤاد مقالها * وضاقت به خوف الحمام مذاهبه * لك الثمن ان حلت وفاتي فريضة * وسائر ما يبقى فصنوك صاحبه * (جوابها) تفهم فإن الفهم اكرم ملبس * لمن شرفت اخلاقه ومذاهبه * حليلة هذا امها زوجة ابنه * كذا لكم الالغاز جم عجائبه * فابن ابنه صنو لزوجته ومن * عزي بغريب العلم تعلو مراتبه * فميراثها ثمن وللصنو ما بقي * كذلك يقضي من توالت مناقبه * (تفسير) هذا رجل تزوج امراة وزوج ابنه من امها فولدت ام امراته من ابنه ابنا ثم مات ابن الرجل وبقى وليس له ممن يرثه إذا مات غير زوجته واخيها من امها الذي هو ابن ابنه الميت وقد تقدم ذكر هذه المسألة على غير هذا الباب في الجزء الاول (مسألة اخرى منظومة) قد تقدم ذكرها نثرا بابن


[ 202 ]

رميت صنو اخي فعمى * يقول إذا رآني جاء عمى * ولا فينا بحمد الله انثى * ولا ذكر تدرع ثوب اثم * ولا فينا مجوسي جهول * يحل لابن ام وطء ام * فبين عن مسائلنا امتنانا * فانت امامنا في كل علم * (الجواب) إلا يا سائلا اضحى بعمى * على المفراض خذ عني بفهم * اخوك لامك الصنو المداني * لام ابيك زوج غير وهم * فابن اخيك منها غير شك * اخ لابيك تدعوه لام * فذاك إذا رآك يقول عمي * وانت إذا اتاك تقول عمي * (تفسير) هذان رجلان قال احدهما للاخر يا عمي انا عمك والسبب في ذلك هو الوجه الذي عملت عليه هذه الابيات ان اخاه لامه تزوج جدته ام ابيه فجاءت بابن فهو عم الابن لامه والابن عمه لامه (وجواب) ثان فيها وهو ان رجلين تزوج كل واحد منهما ام الاخر فجاءت كل واحدة منهما بابن فكل واحد من الابنين عم الاخر (حدثني) الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن شاذان القمي قال حدثنا الفقيه محمد بن علي بن بابويه رحمه الله قال اخبرني أبي قال حدثني سعد بن عبد الله قال حدثني ايوب بن نوح قال حدثني الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول صلى الله عليه واله خمسة لا تطفى نيرانهم ولا تموت ابدانهم رجل اشرك ورجل عق والديه ورجل سعى باخيه الى السلطان فقتله ورجل قتل نفسا بغير نفس ورجل اذنب وحمل ذنبه على الله عزوجل (منام) ذكر ان شيخنا المفيد رحمه الله أبا عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه رآه واملاه على اصحابه بلغنا ان شيخنا المفيد رحمه الله قال رايت في النوم كاني قد اجتزت في بعض الطرق فرايت حلقة دائرة فيها ناس كثير فقلت ما هذا قيل لي هذه حلقة فيها رجل يقص فقلت من هو فقالوا عمر بن الخطاب فتقدمت ففرقت الناس ودخلت الحلقة فإذا برجل يتكلم على الناس بشئ لم احصله فقطعت عليه فقلت ايها الشيخ اخبرني ما وجه الدلالة على ما يدعي من فضل صاحبك عتيق بن أبي قحافة من قول الله تعالى ثاني اثنين إذ هما في الغار فقال وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الاية في ستة مواضع اولها ان الله تعالى ذكر نبيه صلى الله عليه واله وذكر أبا بكر معه فجعله ثانية فقال ثاني اثنين الثاني انه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد تأليفا بينهما فقال إذ هما في الغار الثالث انه اضافة إليه بذكر الصحبة ليجمع بينهما فيما يقتضي الرتبة فقال إذ يقول لصاحبه الرابع انه اخبر عن شفقة النبي عليه ورفقه به لموضعه عنده فقال لا تحزن الخامس اعلامه انه اخبره ان الله تعالى معهما على حد سواء ناصرا لهما ودافعا عنهما


[ 203 ]

فقال ان الله معنا السادس انه اخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لأن الرسول صلى الله عليه واله لم تفارقه السكينة قط فقال فانزل الله سكينته عليه فهذه سته مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار لا يمكنك ولا غيرك الظفر فيها قال المفيد رحمه الله فقلت له قد حررت كلامك واستقصيت البيان فيه واتيت بما لا يقدر أحد من الخلق ان يزيد في الاحتجاج لصاحبك عليه غير اني بعون الله وتوفيقه سأجعل ما اتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف وأما قولك ان الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه واله وجعل أبا بكر ثانيه فليس في ذلك فضيلة لانه اخبار عن عدد ولعمري انهما كانا اثنين ونحن نعلم ضرورة ان مؤمنا وكافرا اثنان كما نعلم ان مؤمنا ومؤمنا اثنان فليس لك في ذكر العدد طائل تعتمده وأما قولك وصفهما بالاجتماع في المكان فانه كالاول لأن المكان يجتمع فيه المؤمنون والكفار كما يجتمع العدد للمؤمنين والكفار وايضا فإن مسجد النبي صلى الله عليه واله اشرف من الغار وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار وفي ذلك قوله تعالى * (فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين) * المعارج وايضا فان سفينة نوح عليه السلام قد جمعت النبي والشيطان والبهيمة فبان لك ان الاجتماع في المكان لا يدل على ما ادعيت من الفضل فبطل فضلان وأما قولك انه اضافة إليه بذكر الصحبة فانه اضعف من الفضلين الاولين لأن الصحبة ايضا تجمع المؤمن والكافر والدليل على ذلك قول الله عزوجل * (قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) * الكهف وايضا فان اسم الصحبة تكون من العاقل والبهيمة والدليل على ذلك من كلام العرب انهم جعلوا الحمار صاحبا فقالوا * ان الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب * وقد سموا الجماد مع الحي ايضا صاحبا فقال الشاعر * زرت هندا وذاك بعد اجتناب * ومعي صاحب كتوم اللسان * يعنى السيف فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر وبين العاقل والبهيمة وبين الحيوان والجماد فلا حجة لصاحبك فيها وأما قولك انه قال له لا تحزن فإن ذلك وبال عليه ومنقصة له ودليل على خطئه لان قوله لا تحزن نهي وصورة النهي قول القائل لا تفعل فلا يخلو الحزن الواقع من أبي بكر من ان يكون طاعة أو معصية فإن كان طاعة فالنبي لا ينهي عن الطاعات بل يامر بها ويدعو إليها وان كان معصية فقد صح وقوعها منه وتوجه النهي إليه عنها وشهدت الايات به ولم يرد دليل على امتثاله للنهي وانزجاره واما قولك انه قال ان الله معنا فإن النبي صلى الله عليه واله


[ 204 ]

اعلمه ان الله معه خاصة وعبر عن نفسه بلفظ الجمع فقال * (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) * وقد قيل ان أبا بكر قال يا رسول الله ان حزني على اخيك علي بن أبي طالب ما كان منه فقال له النبي صلى الله عليه واله ان الله معنا أي معي ومع اخي علي بن أبي طالب عليه واله وأما قولك ان السكينة نزلت على أبي بكر فانه كفر لأن الذي نزلت السكينة عليه هو الذي ايده الله تعالى بجنوده كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله * (فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها) * التوبة فلو كان أبو بكر هو صاحب السكينة لكان هو صاحب الجنود وفي هذا اخراج النبي صلى الله عليه واله من النبوة على ان هذا الموضع لو كتمته على صاحبك لكان خيرا له لأن الله تعالى انزل السكينة على النبي صلى الله عليه واله في موضعين وكان معه قوم مؤمنون فشركوه فيها فقال في احدهما * (فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها) * التوبة وقال في الموضع الاخر * (فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين والزمهم كلمه التقوى) * الفتح ولما كان في الغار خصه وحده بالسكينة وقال فانزل الله سكينته عليه فلو كان معه مؤمن لشركه في السكينة كما شركه من كان معه من المؤمنين فدل اخراجه من السكينة على خروجه من الايمان والحمد الله قال الشيخ المفيد رحمه الله فلم يحر عمر بن الخطاب جوابا وتفرق الناس واستيقظت (فصل) من السؤال يتعلق بهذا المقام فإن قيل إذا كان ما تضمنه هذا المقام صحيحا عندكم في الاحتجاج وحزن أبي بكر معصية بدليل توجه النهي له عنه حسبما شهد به القرآن فقد نهى الله تعالى نبيه عليه وآله السلام عن مثل ذلك فقال * (لا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) * النحل ونهى ام موسى عليه السلام من الحزن ايضا فقال * (لا تخافى ولا تحزني) * القصص فهل كان ذلك لأن نبيه صلى الله عليه واله عصى في حزنه فنهاه وكذلك ام موسى عليه السلام ام تقولون ان بين ما ذكرناه وبين حزن أبي بكر في الغار فرقا فاذكروه ليحصل به البيان (الجواب) قيل له قد اجاب شيخنا المفيد رضي الله عنه عن هذه المسألة بما اوضح به الفرق وازاح العلة ونحن نورد مختصرا من القول فيها يكون فيه بيان وكفاية فنقول ان المعارضة بحزن النبي صلى الله عليه واله ساقطة لانه عندنا معصوم من الزلات مامون منه جميع المعاصي والخطيئات فوجب ان يحمل قول الله تعالى له ولا تحزن عليهم على اجمل الوجوه والاقسام واحسن المعاني في الكلام من تخفيف الهم عنه وتسهيل صعوبة الامر عليه رفقا به واكراما واجلالا واعظاما له ولم يكن أبو بكر عندنا وعند خصومنا معصوما فيؤمن منه وقوع الخطا ولا امارة ايضا تدعو الى ان يكون


[ 205 ]

الظن به حسننا بل الدلالة حاصلة على فساد طويته وشله وحيرته ذلك انه مع رسول الله صلى عليه واله وفي حوزته بحيث اختار الله تعالى ستر نبيه وحفظ مهجته هذا وقد كان يخبر عليه السلام بخبر من اسلم على يده بان الله سينصره على عدوه ومعانده وانه وعده اعلاء كلمته واظهار شريعته وهذا يوجب الثقة بالسلامة وعدم الحزن و المخافة ثم ما ظهر له من الايات الموجبة لسكون النفس وازالة المخافة من نسج العنكبوت على باب الغار وتبيض الطائر هناك في الحال وقول النبي صلى الله عليه واله لما راى من عدم ثقته بالله تعالى حزنه وكثرة هلعه وجزعه ان دخلوا من ههنا واشار الى جانب الغار فانخرق وظهر له منه البحر وببعض هذا يانس المستوحش وبنظره يطمئن الخائف فلم يسكن أبو بكر الى شئ من ذلك وظهر منه الحزن والقلق ما دل على شكه في كل ما سمع و شاهد ولا شبهة بعد هذا البيان تعترض في قبح حزنه ولا شك في انه عاص لله سبحانه وان النهي إليه كاشف عن حاله وأما حزن ام موسى عليه السلام فمفارق ايضا لحزنه لان احدا لا يشك في ان خوفها وحزنها إنما كان شفقة منها على ولدها لما امرت بالقائه في اليم ويجوز ان يكون لم تعلم في الحال بانه سيسلم ويعود إليها على افضل ما تؤمل فلحقها ما يلحق الوالدة على ولدها من الخوف والحزن لمفارقته فلما قال لها لا تخافى وتحزني انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين اطمانت عند ذلك وسكنت تصديقا للقول وثقة بالوعد وأبو بكر فقد سمع مثل ما سمعت وراى اكثر مما رات ولم يثق قلبه ولا سكنت نفسه فوضح الفرق بين حزنها وحزنه على ان ظاهر الاية تشهد بان الله تعالى أمر ام موسى عليه السلام ان تلقى ولدها في اليم وسكن قلبها عقيب الامر في قوله سبحانه * (واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فإذا خفت عليه فالقيه في اليم فلا تخافي ولا تحزني انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين) * القصص فالخوف والحزن اللذان ورد ظاهر النهي عنهما يصح ان لا يكون وقعا منها لأن تسكين النفس بالسلامة اشارة بحسن العاقبة عقيب الامر بالالقاء يؤمن من وقوع الهم والحزن جميعا وأما حزن أبي بكر فقد وقع واجمعت الامة على انه حزن وليس من فعل كمن لم يفعل فلا نقض بهما من كل وجه (فصل اخر وسؤال) فان قال قائل ما جوابكم لمن يقول ان العمدة في تفضيل ابي بكر هي مفارقته لاهله ووطنه وولده وعشيرته ومشاركته لرسول الله صلى الله عليه واله في هجرته وبذل نفسه والخروج معه دون غيره من جميع اهله واصحابه حتى روى ان من


[ 206 ]

حسن دفاعه عن النبي صلى الله عليه واله انه راى في الغار ثقبا فيه حية فسده بعقبه وقاية للنبي صلى الله عليه واله بنفسه فنهشته الحية في رجله فما كلامكم على ذلك فانا لا نرى سبيلا الى دفعه (الجواب) فانا نقول لهذا الرجل ان عمدتك هذه واهية وجميعها دعا وكاذبة وذاك ان خروج ابي بكر مع النبي عليه السلام وان لم يدفع فانه لا ينفعك فيما اعتمدت ولا يصح لصاحبك فيه فضل ما لم يثبت انه كان منه عن خالص نية للمطاوعة وقصد طلب لوجه الله عزوجل ورغبة في المثوبة على الهجرة والاجر ويظهر صحة ذلك ويتضح الحجة فيه فان الامر عندنا بخلاف ما تذهبون إليه ولسنا نسلم لكم ان اجتماعهما كان عن مواعدة ولا اتفاقهما في الخروج و كان عن متقدم موافقة ولا رغب رسول الله صلى الله عليه واله قط في الانس به عند الصحبة وله عليه السلام من ملائكة الله وتاييدها وما في الانس به غنى وكفاية وانما كان سبب اجتماعهما ان رسول الله صلى الله عليه واله لما خرج من منزله مختفيا حسبما امره الله تعالى وكان ذلك ليلا مضى الى منزل ام هاني اخت امير المؤمنين فاقام عندها الى وجه السحر ثم خرج في ذلك الوقت يطلب الغار فلقى ابا بكر في طريقه فعلم بحاله وقد كان في ذلك الوقت من جملة من اظهر الايمان به فاقتضى صحيح الراي ان ياخذه النبي صلى الله عليه واله احتياطا في ستر امره واحترازا من ان يخبر بحاله ولو لم ياخذه معه لم يامن المضرة من جهته فاما الحية التي بلى بها في الغار فلم يرد دليلا على انه قصد الدفاع عن النبي صلى الله عليه واله ولا في ظاهر الحال اكثر من ان الحية نهشته والاظهر بحاله ان يكون ذلك عقوبة له على معصيته الواقعة منه في الغار لحزنه فقد بان لك ان المخالف إذا اعتمد في تفضيل ابي بكر على ما ذكرت فانه قد اعتمد على دعا ولا يسلمه ند خصمه بل يعتقد خلافه في جميع ما يزعمه و (مبيت علي عليه السلام في فراش رسول الله صلى الله عليه واله ليله الهجره) اعلم ان الذي فدى رسول الله صلى الله عليه واله بنفسه وجاد دونه بمهجته وفعل ما لا يسمح أحد بفعله مما تعجبت منه ملائكة الله في سمائه هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه والسلام وذلك ان رسول الله صلى الله عليه واله لما تعاقد المشركون على مبايتته واجمعوا على قتله امره الله سبحانه بالخروج من ليلته لم ير أحد اسرع الى طاعته و اصبر على الشدائد في مرضاته عن مرضاته من أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه إليه واعلمه الخبر الذي وقف بالوحي عليه وان القوم قد اجمعوا امرهم على ان يهجموا عليه في حجرته ويقتلوه على فراشه وان الله سبحانه امره بالخروج الى يثرب وقال له يا علي إذا صليت العشاء الاخرة فاضطجع على فراشي وتلف ببردتي


[ 207 ]

ليظن المشركون إذا راوك اني لم اخرج فلا يجدون في طلبي فاقامه مقاما مهولا وكلفه تكليفا عظيما لم يصبر على مثله إلا اسماعيل عليه السلام لما قال له ابوه الخليل صلى الله عليه * (يا بني انى ارى في المنام انى اذبحك فانظر ماذا ترى) * وقول اسماعيل له * (يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين) * الصافات بل حال أمير المؤمنين عليه السلام اعظم وتكليفه اشق واصعب لأن اسماعيل عليه السلام اسلم لهلاك يناله بيد أبيه وأمير المؤمنين عليه السلام اسلم لهلاك يناله بيد اعدائه فاجابه صلى الله عليهما الى مراده وسارع الى ايثاره بنفس طيبة ونية صادقة واضطجع على فراشه ولا يشك إلا انه مقتول في ليلته قد فداه بنفسه وجاد دونه بمهجته وفي مبيته على الفراش انزل الله تعالى على نبيه و * (من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) * البقرة فاين هذا من حزن أبي بكر وفرقه وخوفه وقلقه وتوجه النهي إليه وتعريه من السكينة التي خص الله سبحانه بها رسول الله صلى الله عليه واله اترى لو قيل له وهو على ما يدعى له من صحة العقيدة في الاسلام اتحب لو كنت البائت على فراش رسول الله صلى الله عليه واله والواقى له بنفسه والذي انزل فيه * (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله) * ولم تكن حزنت في الغار وتوجه اليك النهي عن النبي صلى الله عليه واله حتى نزلت السكينة عليه دونك لم يشرك فيها بينك اكان يقول لا حاجة بي الى فضيلة الفراش ام يقول بودي ذلك ولسنا نشك انه لو قيل لامير المؤمنين عليه السلام اتحب لو كنت بدلا من نومك على فراش رسول الله صلى الله عليه واله وحصول فضيلته لك ونزول القرآن بمدحك بمكان أبي بكر في الغار وقد وقع الحزن منك وتوجه النهى اليك ونزلت السكينة على رسول الله صلى الله عليه واله دونك وفاز بفضيلة المواساة بالنوم على الفراش غيرك لقال اعوذ بالله من ذلك والفرق بين الحالين مرئي للعميان وقد روى الثقات عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال لما بات علي عليه السلام على الفراش اوحى الله تعالى الى ملكين من ملائكته لم يكن في الملائكة اشد ائتلافا ومؤاخاة منهما فقال اني مميت احدكما فاختارا قال فتدافعا الموت بينهما وآثر كل واحد منهما البقاء فأوحى الله تعالى اليهما اين انتما عن عبدي هذا الراضي بالموت البائت على فراش ابن عمه يقيه الردى بنفسه أما اني قد علمت من سريرته ان تلف نفسه احب إليه من ان تؤخذ شعرة من شعر ابن عمه انزلا إليه فاحفظاه واكلاه الى الصبح فلم تزل عين المشركين تلحظه والملائكة الكرام تحفظه الى ان كان وقت الصبح وهجم المشركون


[ 208 ]

عليه للقتل فالقى الله تعالى في قلوبهم لما اراده من حياته ان يوقظوه من نومه فقالوا ننبهه ليرى انا ظفرنا به قبل قتله فلما فعلوا ذلك وثب إليهم أمير المؤمنين عليه السلام وفي يده سيفه فولوا عنه هاربين فقال لهم امير المؤمنين عليه السلام دخلتم وانا نائم فادخلوا وانا منتبه فقالوا لا حاجة لنا فيك يا ابن أبي طالب (فصل) من روايات ابن شاذان رحمه الله حدثنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان رضى الله عنه بمكة في المسجد الحرام قال حدثني محمد بن سعيد المعروف بالدهقان رحمه الله قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا أحمد بن عيسى العلوي قال حدثنا حسين بن علوان عن أبي خلد عن زيد ابن علي عن أبيه عن جده الحسين بن علي عن أمير المؤمنين علي عليهم السلام قال دخلت على النبي صلى الله عليه واله وهو في بعض حجراته فاستاذنت عليه فاذن لي فلما دخلت قال لي يا علي اما علمت ان بيتي بيتك فما لك تستأذن علي قال فقلت يا رسول الله (احببت ان افعل ذلك قال يا علي) احببت ما احب الله واخذت باداب الله فقال يا علي اما علمت انك اخي اما علمت انه أبى خالقي ورازقي ان يكون لي سر دونك يا علي أنت وصيي من بعدي وأنت المظلوم المضطهد بعدي يا علي الثابت عليك كالمقيم معي ومفارقك مفارقي يا علي كذب من زعم انه يحبني ويبغضك لان الله تعالى خلقني واياك من نور واحد (وحدثنا) الشيخ أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن شاذان قال حدثني أحمد بن محمد بن محمد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا زياد ابن المنذر قال حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء بعدي افضل من علي بن أبي طالب عليه السلام وانه امام امتي واميرها وانه لوصيي وخليفتي عليها من اقتدى به بعدي اهتدى ومن اهتدى بغيره ضل وغوى اني انا النبي المصطفى ما انطق بفضل علي بن أبي طالب عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى نزل به الروح المجتبى عن الذي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى (وحدثنا) الشيخ أبو الحسن بن شاذان قال حدثنا محمد بن محمد بن مرة رحمه الله قال حدثنا الحسن بن علي العاصمي قال حدثنا محمد بن عبد الملك بن ابي الشوارب


[ 209 ]

قال حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي قال حدثنا سعد بن طريف عن الاصبغ قال سئل سلمان الفارسي رحمه الله عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول عليكم بعلي بن أبي طالب فانه مولاكم فاحبوه وكبيركم فاتبعوه وعالمكم فأكرموه وقائدكم الى الجنة فعزروه وإذا دعاكم فاجيبوه وإذا امركم فاطيعوه واحبوه لحبي واكرموه لكرامتي ما قلت لكم في علي عليه السلام إلا ما امرني به ربي (مسألة) سألني رجل من أهل الخلاف فقال انا نراكم معشر الشيعة تكثرون القول بان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب افضل من أبي بكر وعمر وعثمان وتناظرون على ذلك وترددون هذا الكلام واطلاق هذا اللفظ منكم يضاد مذهبكم ويناقض معتقدكم ولستم تعلمون ان التفضيل بين الشيئين لا يكون إلا وقد شمل الفضل لهما ثم زاد في الفضل احدهما على صاحبه وان ذلك لا يجوز مع تعري احدهما من خلال الفضل على كل حال لم جهلتم ذلك من معنى الكلام فإن زعمتم ان لابي بكر وعمر وعثمان قسطا من الفضل يشملهم به يصح به القول ان أمير المؤمنين عليه السلام افضلهم تركتم مذهبكم وخالفتم سلفكم وان مضيتم على اصلكم ونفيتم عنهم جميع خلال الفضل على ما عهد من قولكم لم يصح القول بان أمير المؤمنين عليه السلام افضل منهم (الجواب) فقلت له ليس في اطلاق القول بان أمير المؤمنين عليه السلام افضل من ابي بكر وعمر وعثمان ما يوجب على قائله ما ذكرتم في السؤال والشيعة اعرف من خصومهم بمواقع الالفاظ ومعاني الكلام وذلك ان التفضيل وان كان كما وصفت يكون بين الشيئين إذا اشتركا في الفضل وزاد احدهما على الاخر فيه فقد يصح ايضا فيهما إذا اختص بجميع الفضل احدهما وعرى الاخر منه ويكون معنى قول القائل هذا افضل من هذا انه الفاضل دونه وان الاخر لا فضل له وليس في هذا خروج عن لسان العرب ولا مخالفة لكلامها وكتاب الله تعالى يشهد به وان اشعار المتقدمين يتضمنه قال الله جل اسمه * (اصحاب الجنة يؤمئذ خير مستقرا واحسن مقيلا) * الفرقان يعني انهم خير من اصحاب النار وقد علم ان اصحاب النار اصحاب شر ولا خير فيهم ووصف النار في آية اخرى فقال * (بل كذبوا بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رايتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا) * الى قوله تعالى * (وادعوا ثبورا) * الفرقان ثم قال * (قل اذلك خير ام جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا) * الفرقان فذكر سبحانه ان الجنة وما اعد فيها خير من النار ونحن نعلم انه لا خير في النار وقال


[ 210 ]

تعالى في آية اخرى * (قل افانبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير) * الحج وقال * (وهو اهون عليه) * الروم والمعنى في ذلك هين لأن شيئا لا يكون اهون على الله من شئ فكذلك قولنا هذا افضل يكون المراد به هذا الفاضل وليس بعد ايراد هذه الايات لبس في السؤال يعترض العاقل وقد قال حسان بن ثابت في رجل هجا سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله من المشركين * هجوت محمدا برا تقيا * وعند الله في ذلك الجزاء * اتهجوه ولست له بكفؤ * فشركما لخيركما الفداء * وقد علمنا انه لا شر في النبي عليه السلام ولا خير فيمن هجاه وقال غيره من الجاهلية * خالي بنو انس وخال سراتهم * اوس فايهما ادق والام * يريد فايهما الدقيق واللئيم * وليس المعنى فيه ان الدقة واللؤم قد اشتملا عليهما ثم زاد احدهما على صاحبه فيهما وعلى هذا المعنى فسر عثمان بن الجني قول المتنبي * اعق خليلية الصفيين لائمة * وانهما لم يشتركا في العقوق * ثم زاد احدهما على الاخر صاحبه فيه مع كونهما خليلين صفيين وانما المراد ان الذي يستحيل منهما عن الصفا فيصير عاقا لائمة والشواهد في ذلك كثيرة وفيما اوردته منها كفاية في ابطال ما الزمت ودلالة على ان الشيعة في قولها ان أمير المؤمنين عليه السلام افضل من أبي بكر وعمر وعثمان لم تناقض لها مذهبا ولا خالفت معتقدا وان المراد بذلك انه الفاضل دونهم والمختص بهذا الوصف عنهم فتأمل ذلك تجده صحيحا والحمد لله على ان من الشيعة من امتنع من اطلاق هذا المقال عند تحقيق الكلام ويقول في الجملة انه عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه واله افضل الناس فسؤالك ساقط عنه إذ كان لا يلفظ بما ذكرته إلا على المجاز فلما سمع السائل الجواب اعترف بانه الصواب ولم يزد حرفا في هذا الباب والحمد لله وصلاته على خيرته من خلقه سيدنا محمد رسوله وآله الطيبين الطاهرين وسلامه و بركاته (فصل) في الرؤيا في المنام وجدت لشيخنا المفيد رضي الله عنه في بعض كتبه ان الكلام باب رؤيا المنامات عزيز وتهاون أهل النظر به شديد والبلية بذلك عظيمة وصدق القول فيه اصل جليل والرؤيا في المنام تكون من اربع جهات احدها حديث النفس بالشئ و الفكر فيه حتى يحصل كالمنطبع في النفس فيخيل الى النائم ذلك بعينه واشكاله ونتائجه وهذا معروف


[ 211 ]

بالاعتبار الجهة الثانية من الطبائع وما يكون من قهر بعضها لبعض فيضطرب له المزاج ويتخيل لصاحبه ما يلائم ذلك الطبع الغالب من ماكول ومشروب ومرئي وملبوس ومبهج ومزعج وقد نرى تأثير الطبع الغالب في اليقظة والشاهد حتى ان من غلب عليه الصفراء يصعب عليه الصعود الى المكان العالي يتخيل له من وقوعه منه ويناله من الهلع والزمع ما لا ينال غيره ومن غلبت عليه السوداء يتخيل له انه قد صعد في الهواء وناجته الملائكة ويظن صحة ذلك حتى انه ربما اعتقد في نفسه النبوة وان الوحي ياتيه من السماء وما اشبه ذلك والجهة الثالثة الطاف من الله عزوجل لبعض خلقه من تنبيه وتيسير و اعذار وانذرا فيلقى في روعه ما ينتج له تخيلات امور تدعوه الى الطاعة والشكر على النعمة ومن تزجره عن المعصية وتخوفه الاخرة ويحصل بها مصلحة وزيادة فائدة وفكر يحدث له معرفة والجهة الرابعة اسباب من الشيطان ووسوسه يفعلها للانسان ويذكره بها امورا تحزنه واسبابا تغمه وتطمعه فيما لا يناله أو يدعوه الى ارتكاب محظور يكون فيه عطبة أو تخيل شبهة في دينه يكون منها هلاكه وذلك مختص بمن عدم التوفيق لعصيانه وكثرة تفريطه طاعات الله سبحانه ولن ينجو من باطل المنامات واحلامها إلا الانبياء والائمة عليهم السلام ومن رسخ في العلم من الصالحين وقد كان شيخي رضي الله عنه قال لي ان كل من كثر علمه واتسع فهمه قلت مناماته فان راى مع ذلك مناما وكان جسمه من العوارض سليما فلا يكون منامه إلا حقا يريد بسلامة الجسم عدم الامراض المهيجة للطباع وغلبة بعضها على ما تقدم به البيان والسكران ايضا لا يصح له منام وكذلك الممتلئ من الطعام لانه كالسكران ولذلك قيل ان المنامات قلما يصح في ليالي شهر رمضان فاما منامات الانبياء صلوات الله عليهم فلا تكون إلا صادقه وهي وحي في الحقيقة ومنامات الائمة عليهم السلام جارية مجرى الوحي وان لم تسم وحيا ولا تكون قط إلا حقا وصدقا وإذا صح منام المؤمن لانه من قبل الله تعالى كما ذكرناه وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله انه قال رؤيا المؤمن جزء من سبعة وسبعين جزءا من النبوة (وروى) عن علي عليه السلام قال رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام تكلم به الرب عنده فاما وسوسة شياطين الجن فقد ورد السمع بذكرها قال الله تعالى * (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) * الناس وقال * (وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم


[ 212 ]

ليجادلوكم) * الانعام وقال * (شياطين الانس والجن يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا) * الانعام وما ورد السمع به فلا طريق الى دفعه فاما كيفية وسوسة الجني للانسي فهو ان الجن اجسام رقاق لطاف فيصح ان يتوصل احدهم برقة جسمه ولطافته الى غاية سمع الانسان ونهايته فيوقر فيه كلاما يلبس عليه إذا سمعه ويشبه عليه بخواطره لانه لا يرد عليه ورود المحسوسات من ظاهر جوارحه ويصح ان يفعل هذا بالنائم واليقظان جميعا وليس هو في العقل مستحيلا (وروى) جابر بن عبد الله انه قال بينما رسول الله صلى الله عليه واله يخطب إذ قام إليه رجل فقال يا رسول الله اني رايت كان راسي قد قطع وهو يتدحرج وانا اتبعه فقال رسول الله صلى الله عليه واله لا تحدث بلعب الشيطان بك ثم قال إذا لعب الشيطان باحدكم في منامه فلا يحدثن به احدا وأما رؤية الانسان للنبي صلى الله عليه واله أو لاحد الائمة عليهم السلام في المنام فإن ذلك عندي على ثلاثة اقسام قسم اقطع على صحته وقسم اقطع (على بطلانه وقسم اجوز فيه الصحة والبطلان فلا اقطع فيه على حال فاما الذي اقطع على صحته) فهو كل منام راى فيه النبي صلى الله عليه واله أو أحد الائمة عليهم السلام وهو فاعل لطاعة أو آمر بها وناه عن معصية أو مبين لقبحها وقائل لحق أو داع إليه أو زاجر عن باطل أو ذام لما هو عليه وأما الذي اقطع على بطلانه فهو كل ما كان على ضد ذلك لعلمنا ان النبي والامام عليهما السلام صاحبا حق وصاحب الحق بعيد عن الباطل وأما الذي اجوز فيه الصحة والبطلان فهو المنام الذي يرى فيه النبي أو الامام عليهم السلام وليس هو آمرا ولا ناهيا ولا على حال يختص بالديانات مثل ان يراه راكبا أو ماشيا أو جالسا ونحو ذلك فاما الخبر الذي يروى عن النبي صلى الله عليه واله من قوله من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتشبه بي فانه إذا كان المراد به المنام يحمل على التخصيص دون ان يكون في حال ويكون المراد به القسم الاول من الثلاثة اقسام لأن الشيطان لا يتشبه بالنبي صلى الله عليه واله في شئ من الحق والطاعات وأما ما روى عنه صلى الله عليه واله من قوله من رآني نائما فكانما رآني يقظانا فانه يحتمل وجهين احدهما ان يكون المراد به رؤية المنام ويكون خاصا كالخبر الاول على القسم الذي قدمناه والثاني ان يكون اراد به رؤية اليقظة دون المنام ويكون قوله نائما حالا للنبي صلى الله عليه واله وليست حالا لمن رآه فكأنه قال من رآني وانا نائم فكانما رآني وانا منتبه والفائدة في هذا المقام ان يعلمهم بانه يدرك في الحالتين ادراكا واحدا فيمنعهم ذلك إذا حضروا عنده وهو نائم ان يفيضوا فيما لا يحسن ان يذكروه بحضرته وهو منتبه وقد روى


[ 213 ]

عنه صلى الله عليه واله انه غفا ثم قام يصلي من غير تجديد الوضوء فسئل عن ذلك فقال اني لست كاحدكم تنام عيناي ولا ينام قلبي وجميع هذه الروايات اخبار آحاد فإن سلمت فعلى هذا المنهاج وقد كان شيخي رحمه الله يقول إذا جاز من بشر ان يدعي في اليقظة انه اله كفرعون ومن جرى مجراه مع قله حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة فما المانع من ان يدعي ابليس عند النائم بوسوسته له انه نبي مع تمكن ابليس بما لا يتمكن منه البشر وكثرة اللبس المعترض في المنام ومما يوضح لك ان من المنامات التي يتخيل للانسان انه قد راى فيها رسول الله والائمه صلوات الله عليهم منها ما هو حق ومنها ما هو باطل انك ترى الشيعي يقول رايت في المنام رسول الله صلى الله عليه واله ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يامرني بالاقتداء به دون غيره ويعلمني انه خليفته من بعده وان ابا بكر وعمر وعثمان ظالموه واعداؤه وينهاني عن موالاتهم ويامرني بالبرائة منهم ونحو ذلك مما يختص بمذهب الشيعة ثم ترى الناصبي يقول رايت رسول الله صلى الله عليه واله في النوم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وهو يامرني بمحبتهم وينهاني عن بغضهم ويعلمني انهم اصحابه في الدنيا والاخرة وانهم ومعه في الجنة ونحو ذلك مما يختص بمذهب الناصبة فتعلم لا محالة ان أحد المنامين حق والاخر باطل فاولى الاشياء ان يكون الحق منهما ما ثبت بالدليل في اليقظة على صحة ما تضمنه والباطل ما اوضحت الحجة عن فساده وبطلانه وليس يمكن للشيعي ان يقول للناصبي انك كذبت في قولك انك رايت رسول الله صلى الله عليه واله لانه يقدر ان يقول له مثل هذا بعينه وقد شاهدنا ناصبيا تشيع واخبرنا في حال تشيعه بانه يرى منامات بالضد مما كان يراه في حال نصبه فبان بذلك ان أحد المنامين باطل وانه من نتيجة حديث النفس أو من وسوسة ابليس ونحو ذلك وان المنام الصحيح هو لطف من الله تعالى بعيده على المعنى المتقدم وصفه وقولنا في المنام الصحيح ان الانسان إذا راى في نومه النبي صلى الله عليه واله إنما معناه انه كان قد رآه وليس المراد به التحقيق في اتصال شعاع بصره بجسد النبي وأي بصر يدرك به حال نومه وإنما هي معان تصورت في نفسه تخيل له فيها أمر لطف الله تعالى له به قام مقام العلم وليس هذا بمناف للخبر الذي روي من قوله من رآني فقد رآني لأن معناه فكانما رآني وليس بغلط في هذا المكان إلا عند من ليس له من عقله اعتبار (تأويل) آية ان سئل سائل عن قول الله عزوجل * (وجعلنا نومكم


[ 214 ]

سباتا) * النبا فقال إذا كان السبات هو النوم فكأنه قال وجعلنا نومكم نوما فما الفائدة في هذا (الجواب) قلنا في هذه الاية وجوه منها ان السبات أحد اقسام النوم وهو النوم الممتد الطويل ولهذا يقال فيمن كثر نومه انه مسبوت وبه سبات ولا يقال ذلك في كل نائم والوجه في الامتنان علينا بان جعل نومنا ممتدا طويلا ظاهر وهو لما لنا في ذلك من المنفعة بالراحة لأن التهويم والنوم الغرار لا يكسبنا شيئا من الراحة بل يصحبهما في الاكثر الانزعاج والقلق والهموم التي تقلل النوم ورخاء البال وفراغ القلب يكون معهما كثرته وامتداده ومنها ان يكون المراد بذلك انا جعلنا نومكم سباتا ليس بموت لأن النائم قد يفقد من علومه وقصوده واحواله فيسمى النوم بالسبت للفراغ الذي كان فيه ولأن الله تعالى أمر بني اسرائيل بالاستراحة من الاعمال وقد قيل ان اصل السبات التمدد ويقال سبتت المراة شعرها إذا حلته من العقص ومنها ان يكون المراد بالسبت القطع فيكون نومنا قطعا لاعمالنا ومتصرفاتنا وهو راجع الى معنى الراحة (فصل) مما روى عن لقمان من حكمته ووصيته لابنه يا بني اقم الصلاه فانما مثلها في دين الله كمثل عمود فسطاط فإن العمود إذا استقام نفعت الاطناب والاوتاد والظلال وان لم يستقم لم ينفع وتد ولا طنب ولا ظلال أي بني صاحب العلماء وجالسهم وزرهم في بيوتهم لعلك ان تشبههم فتكون منهم اعلم يا بني اني ذقت الصبر وانواع المر فلم ار امر من الفقر فإن افتقرت يوما فاجعل فقرك بينك وبين الله ولا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم ثم سل في الناس هل من أحد دعا الله فلم يجبه أو سئله فلم يعطه يا بني ثق بالله عزوجل ثم سل في الناس هل من أحد وثق بالله فلم ينجه يا بني توكل على الله ثم سل في الناس من ذا الذي توكل على الله فلم يكفه يا بني احسن الظن بالله ثم سل في الناس من ذا الذي احسن الظن بالله فلم يكن عند حسن ظنه به يا بني من يرد رضوان الله يسخط نفسه كثيرا ومن لا يسخط نفسه لا يرض ربه ومن لا يكظم غيظه يشمت عدوه يا بني تعلم الحكمة تشرف فإن الحكمة تدل على الدين وتشرف العبد على الحر وترفع المسكين على الغني وتقدم الصغير على الكبير وتجلس المسكين مجالس الملوك وتزيد الشريف شرفا والسيد سوددا والغنى مجدا وكيف يظن ابن ادم ان يتهيا له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة ولن يهيئ الله عزوجل أمر الدنيا والاخرة إلا بالحكمة ومثل الحكمة بغير طاعة مثل الجسد بلا نفس (أو مثل الصعيد بلا ماء ولا صلاح للجسد بلا نفس) ولا للصعيد بغير ماء ولا للحكمة بغير طاعة (احاديث عن أبي ذر الغفاري) (اخبرني) الشريف أبو منصور أحمد


[ 215 ]

بن حمزة الحسيني العريضي بالرملة وابو العباس أحمد بن اسماعيل بن عنان بحلب وابو المرجا محمد بن علي بن طالب البلدي بالقاهرة رحمهم الله قالوا جميعا اخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن المطلب الشيباني الكوفي قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمار الثقفي قال حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار قال حدثنا موسى بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال حدثنا عبد المهيمن ابن عباس الانصاري الساعدي عن أبيه العباس بن سهل عن أبيه سهل بن سعيد قال بينا أبو ذر قاعد مع جماعة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وكنت يومئذ فيهم إذ طلع علينا علي بن أبي طالب عليه السلام فرماه أبو ذر بنظره ثم اقبل على القوم بوجهه فقال من لكم برجل محبته تساقط الذنوب عن محبيه كما يساقط الريح العاصف الهشيم من الورق عن الشجر سمعت نبيكم صلى الله عليه واله (يقول ذلك له قالوا من هو يا أبا ذر قال هو الرجل المقبل اليكم بوجهه ابن عم نبيكم يحتاج اصحاب محمد صلى الله عليه واله إليه ولا يحتاج إليهم سمعت رسول الله صلى الله عليه واله) يقول علي باب علمي ومبين لامتي ما ارسلت به من بعدي حبه ايمان وبغضه نفاق والنظر إليه برافة ومودة عبادة وسمعت رسول الله صلى الله عليه واله نبيكم يقول مثل أهل بيتي في امتي مثل سفينة نوح عليه السلام من ركبها نجى ومن رغب عنها هلك ومثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله كان آمنا مؤمنا ومن تركه كفر ثم ان عليا عليه السلام جاء فوقف فسلم ثم قال يا أبا ذر من عمل لاخرته كفاه الله أمر دنياه وآخرته ومن احسن فيما بينه وبين الله كفاه الله الذي بينه وبين عباده ومن احسن سريرته احسن الله علانيته ان لقمان الحكيم قال لابنه وهو يعظه يا بني من ذا الذي ابتغى الله عز وجل فلم يجده ومن ذا الذي لجا الى الله فلم يدافع عنه امن ذا الذي توكل على الله فلم يكفه ثم مضى يعنى عليا عليه السلام فقال أبو ذر رحمه الله والذي نفس ابي ذر بيده ما من امة ائتمت أو قال اتبعت رجلا وفيهم من هو اعلم بالله ودينه منه إلا ذهب امرهم سفالا (مسئل في المواريث) اخوان لاب وام ورث احدهما المال كله ولم يرث الاخر شيئا وليس بينهما خلاف في اصله (الجواب) كان الميت ابن احدهما فورثه الاب خاصة دون اخيه الذي هو عم الميت (مسألة اخرى) اخوان لاب وام ورثا ميراثا كان لاحدهما ثلاثة ارباع المال وللاخر الربع (جواب) الموروث امراة تركت ابني عمها احدهما زوجها فورث منها النصف بحق زوجته وورث مع اخيه نصف الباقي وهو الربع من جميع المال (مسألة اخرى) رجل وابنه ورثا مالا فكان بينهما نصفان بالسوية (جواب) هذا رجل


[ 216 ]

تزوج بابنة عمة فماتت وخلفته واباه الذي هو عمها فكان له بحق الزوجية النصف ولعمها الذي هو أبو زوجها النصف الاخر (قضية) مستطرفة لامير المؤمنين عليه السلام لم يسبقه إليها أحد من الناس روى ان رجلين جلسا للغداء فاخرج احدهما خمسة ارغفة واخرج الاخر ثلاثة ارغفة فعبر بهما في الحال رجل ثالث فعزما عليه فنزل فاكل معهما حتى استوفوا جميع ذلك فلما اراد الانصراف دفع اليهما فضته وقال هذه لكما عوض مما اكلت من طعامكما فوزناها فصادفاها ثمانية دراهم فقال صاحب الخمسة الارغفة لي منها خمسة ولك ثلاثة بحساب ما كان لنا وقال الاخر بل هي مقسومة نصفين بيننا وتشاحا فارتفعا الى شريح القاضي في ايام أمير المؤمنين عليه السلام فعرفاه امرهما فحار في قضيتهما ولم يدر ما يحكم به بينهما فحملهما الى أمير المؤمنين عليه السلام فقصا قصتهما فاستطرف امرهما وقال ان هذا أمر فيه دناءة والخصومة فيه غير جميلة فعليكما بالصلح فهو اجمل بكما فقال صاحب الثلاثة ارغفة لست ارضى إلا بمر الحق وواجب الحكم فقال أمير المؤمنين عليه السلام فإذا ابيت الصلح ولم ترد إلا القضاء فلك درهم واحد ولرفيقك سبعة دراهم فقال وقد عجب هو وجميع من حضر يا أمير المؤمنين بين لي وجه ذلك لاكون على بصيرة من امري فقال انا اعلمك الم يكن جميع ما لكما ثمانية ارغفة اكل كل واحد منكما بحساب الثلث رغيفين وثلثين قال بلى قال فقد حصل لكل واحد منكم ثمانية اثلاث فصاحب الخمسة الارغفة له خمسة عشر ثلثا اكل منها ثمانية بقي له سبعة وأنت لك ثلاثة ارغفة وهي تسعة اثلاث اكلت منها ثمانية بقي لك ثلث واحد فلصاحبك سبعة دراهم ولك درهم واحد فانصرفا على بينة من امرهما (شبهات للملاحدة مسألة) للملحدة قال الملحدون إذا كان الله جوادا رحيما ولم يخلق خلقه إلا لنفعهم وليس له حاجة الى عذابهم فهلا خلقهم كلهم في الجنة وابتداهم بالنعمة وخلدهم في دائم اللذة واراحهم من الدنيا ومشاقها وصعوبة التكليف منها (جواب) يقال لهم ان الجود والرحمة لا يكونان فيما يخرج عن الحكمة وربنا سبحانه لم يخلق خلقه إلا لنفعهم والمنفعة بنيل النعيم يكون على قسمين تفضل واستحقاق ومنزلة الاستحقاق اعلى واجل واشرف من منزلة التفضل فلو ابتدا الله تعالى خلقه في جنات النعيم لكان قد اقتصر بهم على منزلة التفضل التي هي ادون المنزلتين وفي ذلك انه قد حرم الاستحقاق من علم من حاله انه ان كلفه اطاع فاستحق الثواب واقطعه


[ 217 ]

عن الاصلح له واقتصر به على نعيم غيره افضل منه وذلك لا يقع من عالم حكيم جواد غير بخيل فوجب في الحكمة خلقهم في الدنيا وعمومهم بالتكليف الذي فيه التعريض للامر الجليل ليستحق الطائعون ما سبق لهم في المعلوم وليس يقع المخالفة بعد التبيين والتعريف وازاحة العلة في التكليف إلا من جان على نفسه غير ناظر في عاقبة امره (وجواب ثان) ويقال لهم لو خلق الله تعالى خلقه في الجنة لم يخل امرهم من حالين أما ان يبيحهم الجهل به وكفر نعمته فليس بحكيم من اباح ذلك وأما ان يامرهم بمعرفته وشكر نعمته والحكمة توجب ذلك فلا بد عند الامر بالشئ من النهي عن ضده ثم لابد من ترغيب فيما يامر به ووعد جميل على فعله وترهيب فيما نهى عنه ووعيد على فعله وإذا وجب الامر والنهي والترغيب والترهيب والوعد والوعيد فقد حصلت حالهم كحالهم في الدنيا ووجب ان يكون للوعيد انجاز فينتقلوا الى دار الجزاء فقد انتهى الامر الى ما فعله سبحانه مما لا يقتضي الحكمة غيره فان قالوا اليس الطائعون لابد من مصيرهم الى الجنة فالا كانت حالهم في الابتداء كحالهم في الثواب والجزاء من حصول المعرفة والشكر قلنا لهم بين الوقتين فرق وذلك انهم إذا صاروا الى الجنة بعد كونهم في الدنيا فقد تقدم لهم الامر والنهي وذاقوا البؤس والالام وعرفوا قدر النعمة وشاهدوا وقوع العقاب والثواب باهلها فكان ذلك يقوم لهم في الترغيب في المعرفة والشكر والانزجار عن تركهما مقام الامر والنهي والوعد والوعيد ولو ابتداهم في الجنة لم يكونوا امروا ولا نهوا ولا وعدوا ولا توعدوا ولا فعل بهم ما يقوم مقام ذلك فكانوا بمنزلة من ابيح له الجهل والكفر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولا يجوز ان يخلق فيهم المعرفة به ابتداء لأن الغائب لا يعرف بالضرورة إلا ان يحضر كما ان الحاضر لا يعلم بالاستدلال إلا ان يغيب ولو جاز ان يخلقهم فيعرفون الغائب من غير استدلال لجاز ان يقدرهم على ذلك وهذا محال ولا يجوز ايضا ان يخلق الشكر فيهم لانه لو خلقه لهم لم يكونوا هم الشاكرين بل يكون هو الشاكر لنفسه لأن الشاكر من فعل الشكر لا من فعل فيه كما ان الظالم من فعل الظلم لا من فعل فيه (مسألة اخرى للملاحدة) قال الملحدون كيف يجوز من الحكيم الرحيم ان يخلق خلقا ثم يكلفهم وهو يعلم انهم يعصون فيصيرون الى العذاب الاليم و


[ 218 ]

يبقون فيه مخلدين وهو لو لم يخلقهم لم يكن ذلك أو خلقهم ولم يكلفهم لم يقع الكفر منهم (الجواب) قيل لو وجب ان يكون الخلق والتبليغ قبيحا ولا يكون حكمه ذلك لو لم يكن ما استحق أحد العذاب والخلود في النار لكان لا شئ اوضع ولا اضر من العقل لأن الانسان متى لم يكن عاقلا لم يلحقه لوم في شئ يكون منه ولم يلزمه عقاب ولا ادب على زلل يصدر عنه ومتى كان عاقلا لحقه ذلك اجمع ومستحقه والامم كلها ملحدها وموحدها مجمعة على اعتقاد شرف العقل وفضيلته وعلو منزلته وسقوط ضده ونقصه فإن قالوا ان العقل ليس يدعو الى شئ مما يوجب اللوم ولا يحمل عليه ولا يدخل فيه بل هو ناه عن القبيح زاجر عنه ولو شاء العاقل لم يرتكب القبيح وبعد ففي العقل منافع وهي عز العلم وشرف المعرفة وعظم موضع اللذة قيل لهم وكذلك الخلق والتبليغ والتكليف ليس بداع الى شئ من القبيح ولا حامل على الكفر ولا مدخل فيما يوجب العقاب والخلود في النار بل هو تاه عن ذلك زاجرا عنه ولو شاء المكلف لم يكفر بل اطاع فاستحق بطاعته الخلود في نعيم الجنان كما استحق غيره ممن اطاع وبعد ففي التكليف تعريض لاجل منازل النعيم وهي منزلة الاستحقاق وفيه فعل ما تقتضيه الحكمة والصلاح وشئ آخر وهو ان التعريض لنيل الثواب الدائم والامر بمعرفة المنعم وشكره وترك الجور والظلم والسفه حسن من العقل كما ان التعريض للعطب والامر بالجور والسفه قبيح فاسد في العقل فلو كانت معصية المأمور ومصيره لسوء اختياره الى استحقاق العذاب وعلم العالم بما يصير إليه من العطب والهلاك يقلب التعريض للخير والامر بالحسن فيجعله قبيحا فاسدا لكان طاعة المأمور ومصيره بحسن اختياره الى استحقاق المدح من العقلاء وعلم الامر بما يصير إليه المأمور من السلامة واستحقاق المدح يقلب التعريض للعطب والامر به فيجعله حسنا وهذا لا يقوله أحد ولو كان الامر بالخير والتمكين منه والدعاء إليه والتيسير له والاعذار والانذار لا يكون تعريضا للخير إلا إذا علم ان المأمور يقبل فيسلم لكان الامر بالفساد والشر والدعاء إليه والحث عليه لا يكون تعريضا للمكروه والعطب والضرر إلا إذا علم ان المأمور يقبل فيعطب فلما كان هذا عند جمهور أهل العلم والعقل اساءه واضرارا وتعريضا للمكروه سواء علم ان المأمور يقبل


[ 219 ]

فيعطب أو يخالف فيسلم كان الاول تعريضا للخير واحسانا الى العبد سواء علم من حاله انه يقبل فيسلم أو يخالف فيعطب وهذا باب يجب ان يتايد فيه المتأمل ويكرر فيه الاطلاع فانه يعلم الحق فيه ان لم يكن معه هوى يضل عنه والحمد لله (فصل) في ذكر سؤال ورد الي من السائل وجوابي عنه في صحة العبادة بالحج بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الهادي الى الرشاد العالم بمصالح العباد ذي الحكمة البالغة والنعمة السابغة وصلواته على من ازاح به العلل واوضح منار السبل سيد الاولين والاخرين محمد خاتم النبيين وعلى آله الائمة الطاهرين سئلت ايدك الله عن الحج ومناسكه وصحة الامر واسباب ذلك وعلله ورغبت في اختصار جواب يكشف لك حقيقة الصواب تعول عليه في الاعتقاد وتحسم به مواد الفساد وتعده للخصوم عند السؤال وتدفع به تعجب أهل الكفر والضلال وقد اوردت من ذلك ما اقتضاه الامكان لضيق الزمان وعلي ترادف الاشغال وهو مقنع في معناه لمن تدبره وفهم فحواه ان شاء الله اعلم ان اختلاف العبادات مبني على العلوم عند الله تعالى من مصالح العباد وليس للمكلفين طريق للعلم بتفاصيل هذه المصالح ولا فرض الله سبحانه عليهم ذلك ولو فرضه لنصب لهم دليلا على العلم به فالذي يجب اعتقاده هو ان المكلف الامر عدل حكيم لا يقع منه الخلل ولا يكلف العبث ولا يرسل الى خلقه من يجوز منه الكذب والامر باللعب فإذا ثبت هذا الاصل لزم امتثال اوامر الحكيم الواردة على يد الصادق الامين والاعتقاد ان ايراده منها إنما هو طاعته في العمل بها وانه لم يامر بها دون غيرها إلا لعلمه بمصالح خلقه فيها وتعريضه لهم بتكليفها الى منزلة الاستحقاق ونفاستها ليثبت من اطاعه فيها بالنعيم الدائم عليها وليس جهل العبد بمعرفة هذه المصالح على تفاصيلها مفسدا لما عمله من حكمة الامر بها وصدق المؤدي عنه لها كما انه ليس عدم علمنا بعلل تباين الناس في افعالهم واسباب اختلاف ما مع الصناع من آلاتهم موجبا علينا القطع على لعبهم وعبثهم واعتقاد جهلهم ونقصهم فهذا اصل الكلام فيما خار الله تعالى وأمر عليه والمدار في الحجاج والنظر ومن اتقنه استعان به في مسائل اخر وقد سئل أحد الملاحدة مولانا جعفر بن محمد الصادق


[ 220 ]

صلوات الله عليه عن الطواف بالبيت الحرام فأجابني بما نقله عنه الخاص والعام اخبرني به الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن الشاذان القمي رضي الله عنه عن خال امه أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله عن محمد بن يعقوب الكليني عن ابراهيم بن هاشم عن أبيه عن العباس بن عمران الفقيمي ان ابن أبي العوجاء وابن طالوت الاعمى وابن المقفع في نفر من الزنادقة كانوا مجتمعين بالموسم في المسجد الحرام وأبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فيه إذ ذاك يفتي الناس ويفسر لهم القرآن ويجيب عن المسائل بالحجج والبينات فقال القوم لابن أبي العوجاء هل لك في تغليط هذا الجالس وسؤاله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به فقد ترى فتنة الناس به وهو علامة زمانه فقال لهم ابن أبي العوجاء نعم ثم تقدم ففرق الناس ثم قال يا أبا عبد الله ان المجالس امانات ولا بد لكل من به سعال ان يسعل فتاذن في السؤال فقال أبو عبد الله عليه السلام سل ان شئت فقال ابن أبي العوجاء الى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر من فكر في هذا وقدر علم انه فعل غير حكيم ولا ذي نظر فقل فانك راس هذا الامر وسنامه وابوك اسه ونظامه فقال له الصادق عليه السلام ان من اضله الله واعمى قلبه استوخم الحق فلن يستعذبه وصار الشيطان وليه وحزبه يورده مناهل الهلكة وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في اتيانه فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله قبلة للمصلين فهو شعبه من رضوانه وطريق تؤدي الى غفرانه منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلقه قبل دحو الارض بالفي عام فاحق من اطيع فيما أمر وانتهى عما زجر الله عزوجل المنشئ للارواح والصور فقال له ابن ابي العوجاء ذكرت أبا عبد الله فاحلت على غائب فقال الصادق صلوات الله عليه كيف يكون يا ويلك غائبا من هو مع خلقه شاهد واليهم اقرب من حبل الوريد يسمع كلامهم ويعلم اسرارهم لا يخلو منه مكان ولا يشغل به مكان ولا يكون من مكان اقرب من مكان يشهد له بذلك آثاره ويدل عليه افعاله والذي بعثه بالايات المحكمة والبراهين الواضحة محمد عليه السلام جاءنا بهذه العبادة فإن شككت في شئ من


[ 221 ]

امره فاسال عنه اوضحه لك قال فابلس بن ابي العوجاء ولم يدر ما يقول فانصرف من بين يديه فقال لاصحابه سألتكم ان تلتمسوا خمرة فالقيتموني على جمرة فقالوا له اسكت فو الله لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك وما رأينا احقر منك اليوم في مجلسه فقال الي تقولون هذا انه ابن من حلق رؤوس من ترون واومى بيده الى أهل الموسم وفي هذا الخبر كفاية لمن تدبره وغنى في هذه المسألة لمن تصوره واعلم انه لا فرق في العقول بين ان ترد العبادة بصلاة فيها ركوع وسجود وقيام وقعود وبين ان ترد بطواف وسعي وهرولة ومشي ونحو ذلك من اسباب الخشوع وافعال الخضوع ولا فرق ايضا بين ورودها باغتسال وصيام وبين ورودها بحلق الراس والاحرام بل لا فرق بين المشي الى مواضع العبادة والسجود على التكرار وبين السعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار كل ذلك على حد واحد في التجويز وطريق مستمر في امكان ما يرد به التكليف ولسنا نجد أهل ملة ولا ذوي نحلة إلا ولهم عبادات من هذا الجنس وان اختلفت في الوصف وبعد فقد نرى العدو الشديد في بعض الاحيان يكون من التعظيم والاجلال وذاك ان ذا المنزلة الكبيرة والرتبة الجليلة إذا رآه من دونه توجه نحوه مسرعا وعدا إليه مهرولا لائذا به مقبلا لديه فيكون فيما فعله قد عظمه وفضله وسواء سعيت الى من تريد تعظيمه فتذللت بين يديه و خضعت له أو سعيت حيث امرك فتذللت به وخضعت عنده لا يختلف ذلك في احكام العقول ولا يتعجب منه وينكره إلا من فقد التحصيل والف ترك التمييز على ان منكر هذه العبادة والمتعجب منها إذا لم يقر بعبادة غيرها يجانسها لا يقدر على انكار ما نشاهده من العقلاء في بعض الاحيان من الافعال المضاهية لافعال المجان وهم فيها مصيبون وللمصلحة قاصدون مثل رجل خصيف لبيب حكيم لا يحسن منه العدو الشديد راى طفلا يكاد يهوى الى بئر فعدى املا في وجه لتخليصه و هرول غاية قدرته لانقاذه فحسن ذلك منه وان لم تجر به عادته وكان مشكورا عليه لصواب غرضه فيه ورجل دخل الماء في اذنه فاجتهد في اخراجه بان وقف على احدى رجليه وامال راسه الى ناحيتها و قفز عدة دفعات عليها ليخرج الماء من اذنه ويامن ما يخشاه من ضرره فلا ينقصه ذلك من فضله


[ 222 ]

ولا يزيله عن رتبته وعقله بل يكون فيما فعله حكيما وبدفع المضرة عنه عليما وكالقاضي الذي دخلت ذبابة في ثوبه وحصلت بينه وبين جسمه وهو بين شهوده وفي مجلس قضائه وحكمه فازجرته باذيتها واقلقته بثقلها واخذ يتحرك لها انواع الحركة ويتلوى منها الى كل جهة ويكثر من توقفه واضطرابه ويطيل تطلعه في ثيابه والناس يشاهدون افعاله ولا يعرفون فلما دام امرها وطال لبثها حسن منه النهوض عن مجلسه والخلو لازالتها بنفسه فالجاهل من سارع الى سوء الظن به وقدم على استنقاصه في فعله والعاقل الذي يعلم ان امرا قد دهمه وشيئا الجاه الى ما ظهر منه واضطره ونحو هذا من الافعال العجيبة والاحوال الطريفة الذي يتفق لذوي العقول السليمة والاراء الصحيحة فيقع منهم اكثر مما ذكرت وفوق ما وصفت ويكون الواجب تصويبهم فيه وان لم يعلم الاسباب الداعية لهم إليه ولقد اضطررت يوما الى الحضور مع قوم من المتصوفين فلما ضمنا المجلس اخذوا فيما جرت به عادتهم من الغناء والرقص فاعتزلتهم الى احدى الجهات وانضاف الى رجل من أهل الفضل والديانات فتحادثنا ذم الصوفية على ما يصنعون وفساد اغراضهم فيما يتاولوه وقبح ما يفعلون من الحركة والقيام وما يدخلون على انفسهم في الرقص من الالام فكان الرجل لقولي مصوبا وللقوم في فعلهم مخطئا ولم نزل كذلك الى ان غنى مغني القوم هذه الابيات * وما ام مكحول المدامع ترتعي * ترى الانس وحشا وهي تانس بالوحش * غدت فارتعت ثم انثنت لرضاعه * فلم تلف شيئا من قوائمه الخمش * فطافت بذاك القاع ولهى فصادفت * سباع الفلا ينهشنه ايما نهش * باوجع مني يوم ظلت انامل * تودعني بالدر من شبك النقش * فلما سمع صاحبي نهض مسرعا مبادرا ففعل من القفز والرقص والبكاء واللطم وما يزيد على ما فعله من قبله ممن كان يخطئه ويستجهله واخذ يستعيد من الشعر ما لا يحسن استعادته ولا جرت عادتهم بالطرب على مثله وهو قوله * فطافت بذاك القاع ولهى * فصادفت سباع الفلا ينهشنه ايما نهش * ويفعل بنفسه ما حكيت ولا يسئل من غير هذا البيت حتى بلغ من نفسه المجهود ووقع كالمغشى عليه من الموت فحيرني ما رايت من حاله واخذت افكر في افعاله


[ 223 ]

المضاد لما سمعت من اقواله فلما افاق من غشيته لم املك الصبر دون سؤاله من امره وسبب صنعه بنفسه مع تجهيله من قبل لفاعله وعن وجه استعادته من الشعر ما لم تجر عادتهم باستعادة مثله فقال لي لست اجهل ما ذكرت ولي عذر واضح فيما صنعت اعلمك ان أبي كان كاتبا وكان بي برا وعلى شفيقا فسخط السلطان عليه فقتله فخرجت الى الصحراء لشدة ما لحقني من الحزن عليه فوجدته ملقى والكلاب ينهشون لحمه فلما سمعت المغني يقول فطافت بذاك القاع ولهى * فصادفت سباع الفلا ينهشنه ايما نهش ذكرت ما لحق أبي وتصور شخصه بين عيني وتجدد حزنه علي ففعلت الذي رايت بنفسي فندمت حين اذن على سوء ظني به وتغممت عما لحقه واتعظت بقصته وعلمت ان الله تعالى لطف لي بمشاهدة هذه الحال والوقوف عليهم لتكون لي دلالة على الصواب في هذه المسألة واشباهها وانه محرم على كل عاقل لبيب ان يعجل بتجهيل من ثبت عنده عقله وبان له فضله إذا ظهر منه فعل لم يعرف فيه سببه ولا علم مراده منه وغرضه وورود مثل هذه الامور من العقلاء كثير وهي حجة على من اظهر التعجب مما ورد به الشرع من التكليف وجعل عدم علمه باسباب ذلك دلالة على فساد تعقله الضعيف على ان الاخبار قد نقلت عن الائمة عليهم السلام بذكر اسباب لهذه العبادات تسمى عللا على المجاز والاتساع وجمع في ذلك على بن حاتم القزويني رحمه الله كتابا سماه كتاب العلل وانا اذكر طرفا مما رواه في الحج ومناسكه واسبابه وعلله قال ان الحج هو الوفادة الى الله عزوجل وفيه منافع كثيرة للدنيا والاخرة من الرغبة الى الله تعالى والرهبة منه والتوبة إليه من معاصيه وطلب الثواب على تحمل المشاق فيما يرضيه ومنفعة أهل الشرق والغرب ومن في البر والبحر من تاجر وجالب ومشتر وبائع ونحو ذلك من الفوائد قال الله تعالى * (ليشهدوا منافع لهم) * والتلبية هي جواب نداء إبراهيم عليه السلام لما اذن في الناس بالحج وروى ان أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن الوقوف بالحل يعنى الوقوف بالعرفات ولو لم يكن في الحرم فقال لأن الكعبة بيته والحرم داره فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون إليه قيل له فالمشعر الحرام


[ 224 ]

لم صار في الحرم قال لانه لما اذن لهم في الدخول وقفهم بالباب الثاني فلما طال تضرعهم به اذن لهم بتقريب قربانهم فلما قضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجابا بينه وبينهم اذن لهم بالزيارة على الطهارة قيل له فلم حرم الله الصيام ايام التشريق قال لأن القوم زاروا الله تعالى وهم في ضيافته ولا يجوز لمضيف ان يصوم اضيافه قيل فالتعلق باستار الكعبة لاي معنى هو قال مثله مثل رجل له عبد جنى جناية وذنبا فهو متعلق بثوبه ويتضرع إليه ويخضع له ان يتجاوز له عن ذنبه وروى ان الاشعار إنما هو لتحريم ظهر البدنة وان تقليدها إنما هو ليعرفها صاحبها وقال في حد الحرم ان آدم عليه السلام لما اهبط من الجنة شكا الى الله تعالى الوحشة فانزل عليه ياقوته حمراء فوضعها في موضع البيت وكان يطوف بها فكان يبلغ ضوءها موضع الاعلام يعنى اطراف الحرم وحده وذكر في علة الطواف ان الله تعالى لما قال للملائكة اني جاعل في الارض خليفة وقالت اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء واعلموا انهم قد اذنبوا لاذوا بالعرش واستغفروا الله سبعة آلاف عام قال فبنى الله عزوجل لادم عليه السلام بيتا بحذاء العرش وامره بالطواف حوله سبعة اشواط لكل الف سنة طافتها الملائكة شوط واحد (وروى) في السعي بين الصفا والمروة ان إبراهيم عليه السلام لما خلف اسماعيل وامه بمكة ومضى عطش الصبي فخرجت امه حتى قامت على الصفا وكان بينه وبين المروة شجر فقالت هل بالوادي من انيس فلم يجبها أحد فمضت حتى انتهت الى المروة فقالت هل بالوادي من انيس فلم تجب ثم رجعت الى الصفا ففعلت ذلك سبع مرات فجعل الله تعالى ذلك سنة من بعده وروى عن الصادق عليه السلام انه كان يقول ما من بقعة احب الى الله تعالى من المسعى لانه يذل فيه كل جبار وقال ان علة رمي الجمرات ان إبراهيم عليه السلام تراءى له ابليس عندها فأمره جبرائيل برميه بسبع حصيات وان يكبر مع كل حصاه ففعل وجرت بذلك السنة فهذا بعض ما ذكر في علل الحج قد اوردته مما رواه علي بن حاتم القزويني وجمعه واعلم ايدك الله ان هذه العلل المسطورة ليست بعلل موجبة وإنما منها ما هو على طريق التقريب كالتشبيه


[ 225 ]

والتمثيل ومنها ما وقع في الابتداء فاقتضت المصلحة عند الله سبحانه ان يكون مستمرا جاريا فصار المبتدا سببا لما بعده وكالعلة له والذي يدل على انها ليست بعلل موجبة ما نعلمه من انه قد كان يجوز نسخ هذه العبادة وورود الشرع بغيرها فلو كانت عن علة اوجبتها لم يكن يجوز نسخها بغيرها وهذا واضح والحمد لله ولي كل نعمة وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله وسلم تسليما (فصل) من كلام أمير المؤمنين عليه السلام * الفكرة مرآة صافية * والاعتبار منذر ناصح * من تفكر اعتبر * ومن اعتبر اعتزل * ومن اعتزل سلم * العجب ممن خاف العقاب فلم يكف * ورجا الثواب فلم يعمل * الاعتبار يقود الى الرشاد * كل قول ليس لله فيه ذكر فلغو * وكل صمت ليس فيه فكر فسهو * وكل نظر ليس فيه اعتبار فلهو * (فصل) حدثني القاضي أبو الحسن اسد بن ابراهيم السلمي الحراني قال اخبرني أبو حفص عمر بن علي العتكي قال حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الحنبلي قال حدثنا أحمد بن حازم بن عروة قال حدثنا جعفر بن عون عن عمر بن موسى البربري عن ابيه عن عطية العوفي عن ابي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه واله لا يبغض عليا إلا فاسق أو منافق أو صاحب بدايع (واخبرني) شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه قال حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي الحافظ قال حدثنا محمد بن سهل بن الحسن قال حدثنا أحمد بن عمر الدهقان قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا اسماعيل بن مسلم قال حدثنا الاعمش عن عدي بن ثابت عن رزين بن حبيش قال رايت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر وهو يقول والذي فلق الحبة وبرا النسمة انه لعهد النبي صلى الله عليه واله الي انه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق (واخبرني شيخنا المفيد) رضي الله عنه قال اخبرني أبو عبد الله محمد بن عمر المرزباني قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا جعفر بن سليمان قال حدثنا النضر بن حميد عن أبي الجارود عن الحارث الهمداني قال رايت عليا عليه السلام جاء حتى صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وقال قضى قضاء الله عزوجل على لسان النبي الامي صلى الله عليه واله إنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق وقد خاب من افترى (دليل) النص بخبر الغدير على امامة أمير المؤمنين عليه السلام (اعلم) انه مما يدل على انه المنصوص بالامامة


[ 226 ]

عليه ما نقله الخاص والعام من ان رسول الله صلى الله عليه واله لما رجع من حجة الوداع نزل بغدير خم ولم يكن منزلا ثم أمر مناديه فنادى في الناس بالاجتماع فلما اجتمعوا خطبهم ثم قررهم على ما جعله الله تعالى له عليهم من فرض طاعته وتصرفهم بين امره ونهيه بقوله الست اولى بكم منكم بانفسكم فلما اجابوه بالاعتراف واعلنوا بالاقرار رفع بيد أمير المؤمنين عليه السلام وقال عاطفا على التقرير الذي تقدم به الكلام فمن كنت مولاه فهذا علي مولاة اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فجعل لامير المؤمنين عليه السلام من الولاء في اعناق الامة مثل ما جعل الله له عليهم مما اخذ به اقرارهم لأن لفظة مولى يفيد ما تقدم من التقرير من ذكر الاولى فوجب ان يريد بالكلام الثاني ما قررهم عليه في الاول وان يكون المعنى فيهما واحدا حسبما يقتضيه استعمال أهل اللغة وعرفهم في خطابهم وهذا يوجب ان يكون أمير المؤمنين عليه السلام اولى بهم من انفسهم ولا يكون اولى بهم إلا وطاعته فرض عليهم وامره ونهيه نافذ فيهم وهذه رتبة الامام في الانام قد وجبت بالنص لامير المؤمنين عليه السلام واعلم ايدك انك تسئل في هذا الدليل عن اربعة مواضع احدها ان يقال لك ما حجتك على صحة الخبر في نفسه فانا نرى من يبطله وثانيها ان يقال لك ما الحجة على ان لفظه مولى يحتمل اولى وانها أحد اقسامها وثالثها إذا ثبت انها أحد محتملاتها فما الحجة على ان المراد بها في الخبر الاولى دون ما سوى ذلك من اقسامها ورابعها ما الحجة على ان الاولى هو الامام ومن اين يستفاد ذلك في الكلام (الجواب) عن السؤال الاول أما الحجة على صحة خبر الغدير فما يطالب بها إلا متعنت لظهوره وانتشاره وحصول العلم لكل من سمع الاخبار به ولا فرق بين من قال ما الحجة على صحة خبر الغدير وهذه حالة وبين من قال ما الحجة على ان النبي صلى الله عليه واله حج حجة الوداع لأن ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة وبعد فقد اختص هذا الخبر بما لم يشركه فيه سائر الاخبار فمن ذلك ان الشيعة نقلته وتواترت به وقد نقله اصحاب السير نقل المتواترين به يحمله خلف عن سلف وضمنه جميعهم الكتب بغير اسناد معين كما فعلوا في ايراد الوقائع الظاهرة والحوادث الكائنة التي لا يحتاج في العلم بها الى سماع الاسانيد المتصلة الا ترى الى وقعة بدر وحنين وحرب الجمل وصفين كيف لا يفتقر في العلم بصحة شئ من ذلك الى سماع اسناد ولا اعتبار اسماء الرجال لظهوره المغنى


[ 227 ]

وانتشاره الكافي ونقل الناس له قرنا بعد قرن بغير اسناد معين حتى عمت المعرفة به واشترك الكل في ذكره وقد جرى خبر يوم الغدير هذا المجرى واختلط في الذكر والنقل بما وصفنا فلا حجة في صحته اوضح من هذا ومن ذلك انه قد ورد ايضا بالاسانيد المتصلة ورواه اصحاب الحديثين من الخاصة والعامة من طرق في الروايات كثيرة فقد اجتمع فيه الحالان وحصل له البيان ومن ذلك ان كافة العلماء قد تلقوه بالقبول وتناولوه بالتسليم فمن شيعي يحتج به في صحة النص بالامامة ومن ناصبي يتاوله ويجعله دليلا على فضيلة ومنزلة جليلة ولم نر للمخالفين قولا مجردا في ابطاله ولا وجدناهم قبل تأويله قد قدموا كلاما في دفعه وانكاره فيكون جاريا مجرى تأويل اخباره المشتبهة ورواياتها بعد الابانة عن بطلانها وفسادها بل ابتداوا بتأويله ابتداء من لا يجد حيلة في دفعه وتوفره على تخريج الوجوه له لتوفر من قد لزمه الاقرار به وقد كان انكاره اروح لهم لو قدروا عليه وجحده اسهل عليهم لو وجدوا سبيلا إليه فاما ما يحكى عن أبي داود السجستاني من انكاره له وعن الجاحظ من طعنه في كتاب العثمانية فيه فليس بقادح في الاجماع الحاصل على صحته لأن القول الشاذ لو اثر في الاجماع وكذلك الراي المستحدث لو ابطل مقدم الاتفاق لم يصح الاحتجاج بالاجماع ولا يثبت التعويل على اتفاق على ان السجستاني قد تنصل من نفي الخبر فاما الجاحظ فطريقته المشتهرة في تصنيفاته المختلفة واقواله المتضادة المتناقضة وتاليفاته القبيحة في اللعب والخلاعة وانواع السخف والمجانة الذي لا يرتضيه لنفسه ذو عقل وديانة يمنع من الالتفات الى ما يحكيه وتوجب التهمة له فيما ينفرد به ويأتيه وأما الخوارج الذين هم اعظم الناس عداوه لامير المؤمنين عليه السلام فليس يحكى عنهم صادق دفعا للخبر والظاهر من حالهم حملهم له على وجه من التفضيل ولم يزل القوم يقرون لامير المؤمنين عليه السلام بالفضائل ويسلمون له المناقب وقد كانوا انصاره وبعض اعوانه وإنما دخلت الشبهة عليهم بعد الحكمين فزعموا انه خرج عن جميع ما كان يستحقه من الفضائل بالتحكيم وقد قال شاعرهم * كان علي قبل تحكيمه * جلدة بين العين والحاجب * ولو لم يكن الخبر كالشمس وضوحا لم يحتج به أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى حيث قال للقوم في ذلك المقام انشدكم الله هل فيكم أحد اخذ رسول الله صلى الله عليه واله بيده فقال من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه


[ 228 ]

غيري قالوا اللهم لا فاقر القوم به ولم ينكروه واعترفوا بصحته ولم يجحدوه فإن قال قائل فما باله لم يذكر في حال احتجاجه به تقرير رسول الله صلى الله عليه واله للناس على انه اولى بهم منهم بانفسهم ولم اقتصر على ما ذكره وهو لا ينفع في الاستدلال عندكم ما لم يثبت التقرير المتقدم وما جوابكم لمن قال ان المقدمة لم تصح وليس لها اصل وقد سمعنا هذا الخبر ورد في بعض الروايات وهو عار منها فما قولكم فيها قيل له ان خلو مناشده أمير المؤمنين عليه السلام من ذكر المقدمة لا يدل على نفيها أو الشك في صحتها لانه قررهم من بعض الخبر على ما يقتضي الاقرار بجميعه اختصارا في كلامه وغنى بمعرفتهم بالحال عن ايراده على كماله وهذه عادة الناس فيما يقرون به وقد قررهم عليه السلام في ذلك المقام بخبر الطائر فقال افيكم رجل قال له رسول الله صلى الله عليه واله ابعث الى باحب خلقك ياكل معي غيري ولم يذكر هذا الطائر وكذلك لما قررهم بقول النبي عليه السلام حيث ندبه لفتح خيبر وذكر لهم بعض الكلام دون جميعه اتكالا منه على ظهوره بينهم واشتهاره فاما المتواترون بالخبر فلم يوردوه إلا على كماله ولا سطروه في كتبهم الا بالتقرير الذي في اوله وكذلك رواه معظم اصحاب الحديث الذاكرين الاسانيد وان كان منهم آحاد قد اغفلوا ذكر المقدمة فيحتمل ان يكون ذلك تعويلا منهم على العلم بالخبر فذكروا بعضه لانه عندهم مشتهر فإن الاصحاب كثيرا ما يقولون فلان يروي عن رسول الله صلى الله عليه واله خبر كذا ويذكرون بعض لفظ الخبر اختصارا وفي الجملة فا الاحاد المتفردون بنقل بعضه لا يعارض بهم المتواترين الناقلين لجمعيه على كماله (الجواب) عن السؤال الثاني وأما الحجة على ان لفظة مولى يحتمل اولى وانها أحد اقسامها فليس يطالب بها ايضا منصف كان له ادنى الاطلاع في اللغة وبعض الاختلاط باهلها لأن ذلك مستفيض بينهم غير مختلف فيه عندهم وجميعهم يطلقون القول فيمن كان اولى بشئ انه مولاه وانا اوضح لك اقسام مولى في اللسان لتعلمها على بيان اعلم ان لفظة مولى في اللغة تحتمل عشرة اقسام اولها الاولى وهو الاصل الذي يرجع إليه جميع الاقسام قال الله تعالى * (فاليوم لا يؤخذ منكم فديه ولا من الذين كفروا ماواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) * يريد سبحانه هي اولى بكم على ما جاء في التفسير وذكره أهل اللغة وقد فسره على هذا الوجه أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه المعروف بالمجاز في القرآن ومنزلته في العلم بالعربية معروفة وقد


[ 229 ]

استسار على صحة تأويله ببيت لبيد * قعدت كلا الفرخين تحسب انه * مولى المخافة خلفها وامامها * يريد اولى المخافة ولم ينكر على أبي عبيدة أحد من أهل اللغة وثانيها مالك الرق قال الله سبحانه * (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه) * النحل يريد مالكه واشتهار هذا القسم يغنى الاطالة فيه وثالثها المعتق ورابعها المعتق وذلك ايضا مشهور معلوم وخامسها ابن العم قال الشاعر * مهلا بني عمنا مهلا موالينا * لا تنشروا بيننا ما كان مدفونا * وسادسها الناصر قال الله عزوجل * (ذلك بان الله مولى الذين آمنوا وان الكافرون لا مولى لهم) * سورة محمد يريد لا ناصر لهم وسابعها المستولي لضمان الجريزة ويجوز الميراث قال الله عزوجل * (ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت ايمانكم فاتوهم نصيبهم ان الله كان على كل شئ شهيدا) * النساء وقد اجمع المفسرون على ان المراد بالموالى ههنا من كان املك بالميراث واولى بحيازته قال الاخطل * فاصبحت مولاها من الناس بعده * واحرى قريش ان تهاب وتحمدا * وثامنها الحليف وتاسعها الجار وهذان القسمان ايضا معروفان وعاشرها الامام السيد المطاع وسيأتي في الجواب عن السؤال الرابع ان شاء الله تعالى فقد اتضح لك بهذا البيان ما يحتمله لفظة مولى من الاقسام وان اولى أحد محتملاتها معاني الكلام بل هي الاصل واليها يرجع معنى كل قسم لأن مالك الرق لما كان اولى بتدبير عبده من غيره كان لذلك مولاه والمعتق لما كان اولى بمعتقه في تحمله لجريرته والصق به من غيره كان مولاه وابن العم لما كان اولى بالميراث ممن هو ابعد منه في نسبه واولى ايضا من الاجنبي بنصرة ابن عمه كان مولى والناصر لما اختص بالنصرة وصار بها اولى كان لذلك مولى وإذا تأملت بقية الاقسام وجدتها جارية هذا المجرى وعائدة بمعناها الى الاولى وهذا يشهد بفساد قول من زعم انه متى اريد بمولى اولى كان ذلك مجازا وكيف يكون مجازا وكل قسم من اقسام مولى عائد الى معنى الاولى وقد قال الفراء في كتاب معاني القرآن ان الولي والمولى في كلام العرب واحد (الجواب عن السؤال الثالث) فاما الحجة على ان المراد بلفظة مولى في خبر الغدير الاولى فهي ان من عادة اهل اللسان في خطابهم إذا اوردوا جملة مصرحة و


[ 230 ]

عطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم به التصريح ولغيره فانهم لا يريدون بالمحتمل إلا ما صرحوا به من الخطاب المتقدم مثال ذلك ان رجلا لو اقبل على جماعة فقال الستم تعرفون عبدي فلانا الحبشي ثم وصف لهم أحد عبيده وميزه عنهم بنعت يخصه صرح به فإذا قالوا بلى قال لهم عاطفا على ما تقدم فاشهدوا ان عبدي حر لوجه الله عزوجل فانه لا يجوز ان يريد بذلك إلا العبد الذي سماه وصرح بوصفه دون ما سواه ويجري هذا مجرى قوله فاشهدوا ان عبدي حر لوجه الله عزوجل ولو اراد غيره من عبيده لكان ملغزا مبين في كلامه وإذا كان الامر كما وصفنا وكان رسول الله صلى الله عليه واله لم يزل مجتهدا في البيان غير مقصر فيه من الامكان وكان قد اتى في اول كلامه يوم الغدير بامر صرح به وقرر امته عليه وهو انه اولى بهم بانفسهم على المعنى الذي قال الله تعالى في كتابه * (النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم) * الاحزاب ثم عطف على ذلك بعد ما ظهر من اعترافهم بقوله فمن كنت مولاه فعلي هذا مولاه وكانت مولاه يحتمل ما صرح به في مقدمه كلامه ويحتمل غيره لم يجز ان يريد إلا ما صرح به في كلامه الذي قدمه واخذ اقرار امته به دون سائر اقسام مولى وكان هذا قائما مقام قوله فمن كنت اولى به من نفسه فعلي اولى به من نفسه وحاشى الله ان لا يكون الرسول صلى الله عليه واله اراد هذا بعينه (ووجه) آخر وهو ان قول النبي صلى الله عليه واله فمن كنت مولاه فعلى مولاه لا يخلو من حالين أما ان يكون اراد بمولى ما تقدم به التقرير من الاولى أو يكون اراد قسما غير ذلك من أحد محتملات مولى فإن كان اراد الاول فهو ما ذهبنا إليه واعتمدنا عليه وان كان اراد وجها غير قدمه من أحد محتملات مولى فقد خاطب الناس بخطاب يحتمل خلاف مراده ولم يكشف لهم فيه عن قصده ولا في العقل دليل عليه يغني عن التصريح بمعنى ما نحال إليه وهذا لا يجيزه رسول الله صلى الله عليه واله إلا جاهل لا عقل له (الجواب) عن السؤال الرابع وأما الحجة على ان لفظة اولى يفيد معنى الامامة والرئاسة على الامة فهو انا نجد أهل اللغة لا يصفون بهذه اللفظة إلا من كان يملك تدبير ما وصف بانه اولى به وتصريفه وينفذ فيه امره ونهيه الا تراهم يقولون ان السلطان اولى باقامة الحدود من الرعية والمولى اولى بعبده والزوج اولى بامراته وولد الميت اولى بميراثه من جميع اقاربه


[ 231 ]

وقصدهم بذلك ما ذكرناه دون غيره وقد اجمع المفسرون على ان المراد بقوله سبحانه * (النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم) * انه اولى بتدبيرهم والقيام بامورهم من حيث وجبت طاعته عليهم وليس يشك أحد من العقلاء في ان من كان اولى بتدبير الخلق وامرهم ونهيهم من كل أحد منهم فهو الامام المفترض الطاعة عليهم (ووجه احسن) ومما يوضح ان النبي صلى الله عليه واله اراد ان يوجب لامير المؤمنين عليه السلام بذلك منزلة الرئاسة والامامة والتقدم على الكافة فيما يقتضيه فرض الطاعة انه قررهم بلفظ اولى على أمر يستحقه عليهم من معناها ويستوجبه من مقتضاها وقد ثبت انه يستحق في كونه اولى بالخلق من انفسهم انه الرئيس عليهم والنافذ الامر فيهم والذي طاعته مفترضة على جميعهم فوجب ان يستحق أمير المؤمنين عليه السلام مثل ذلك بعينه لانه جعل له منه مثل ما هو واجب له فكأنه قال من كنت اولى به من نفسه في كذا فعلي اولى به من نفسه فيه (ووجه آخر) وهو انا إذا اعتبرنا ما يحتمله لفظة مولى من الاقسام لم نر فيها ما يصح ان يكون من اراد النبي صلى الله عليه واله إلا ما اقتضاه الامامة والرئاسة على الانام وذلك ان أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن مالكا لرق كل من ملك رسول الله صلى الله عليه واله رقه ولا معتقا لكل من اعتقه فيصح ان يكون احد هذين القسمين المراد ولا يصح ان يريد المعتق لاستحالة هذا القسم فيهما على كل حال ولا يجوز ان يريد ابن العم والناصر فيكون قد جمع الناس في ذلك المقام ويقول لهم من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه أو من كنت ناصره فعلي ناصره لعلمهم ضرورة لذلك قبل هذا المقام ومن ذا الذي يشك في ان كل من كان رسول الله صلى الله عليه واله ابن عمه فان عليا عليه السلام ابن عمه ومن ذا الذي لم يعلم ان المسلمين كلهم انصار من نصره النبي صلى الله عليه واله فلا معنى لتخصيص أمير المؤمنين عليه السلام بذلك دون غيره ولا يجوز ان يريد ضمان الجرائر واستحقاق الميراث للاتفاق على ان ذلك لم يكن واجبا في شئ من الازمان وكذلك لا يجوز ان يريد الحليف لأن عليا عليه السلام لم يكن حليفا لجميع حلفاء رسول الله صلى الله عليه واله ولا يصح ايضا ان يريد من كنت جاره فعلي جاره لأن ذلك لا فائدة فيه وليس هو ايضا صحيحا في كل حال فإذا بطل ان يكون مراده صلى الله عليه واله شيئا من هذه الاقسام لم يبق إلا ان يكون قصده ما كان حاصلا له من تدبير الانام


[ 232 ]

وفرض الطاعة على الخاص والعام وهذه هي رتبة الامام وفيما ذكرناه كفاية لذى الافهام (فصل وزيادة) فاما الذين ادعوا ان رسول الله صلى الله عليه واله إنما قصد بما قاله في أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير ان يؤكد ولاءه في الدين ويوجب نصرته على المسلمين وان ذلك على معنى قوله سبحانه * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض) * التوبة وان الذي اوردناه من البيان على ان لفظة مولى يجب ان يطابق معنى ما تقدم من التقرير في الكلام وانه لا يسوغ حملها على غير ما يقتضي الامامة من الاقسام يدل على بطلان ما ادعوه في هذا الباب ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام بخامل الذكر فيحتاج ان يقف في ذلك المقام ويؤكد ولاءه على الناس بل قد كان مشهورا وفضائله ومناقبه وظهور علو رتبته وجلالته قاطعا للعذر في العلم بحاله عند الخاص والعام على ان من ذهب في تأويل الخبر الى معنى الولاء في الدين والنصرة فقوله داخل في قول من حمله على الامامة والرئاسة لأن امام العالمين يجب موالاته في الدين ويتعين نصرته على كافة المسلمين وليس من حمله على الموالاه في الدين والنصرة يدخل في قوله ما ذهبنا إليه من وجوب الامامة فكان المصير الى قولنا اولى وأما الذين غلطوا فقالوا ان السبب في ما قاله رسول الله صلى الله عليه واله في يوم الغدير إنما هو كلام جرى بين أمير المؤمنين وزيد بن حارثة فقال علي عليه السلام لزيد تقول هذا وانا مولاك فقال له زيد لست مولاي إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه واله فوقف يوم الغدير فقال من كنت مولاه فعلي مولاه انكارا على زيد واعلاما له ان عليا مولاه فانهم فضحهم العلم بان زيدا قتل مع جعفر بن أبي طالب عليه السلام في ارض مؤته من بلاد الشام قبل يوم غدير خم بمدة طويلة من الزمان وغدير خم إنما كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه واله بنحو ثمانين يوما وما حملهم على هذه الدعوى الا عدم معرفتهم بالسير والاخبار ولما رات الناصبة غلطها في هذه الدعوى رجعت عنها وزعمت ان الكلام كان بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين اسامة بن زيد والذي قدمناه من الحجج يبطل ما زعموه ويكذبهم فيما ادعوه ويبطله ايضا ما نقله الفريقان من ان عمر بن الخطاب قام في يوم الغدير فقال بخ بخ لك يا أبا الحسن اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ثم مدح حسان بن ثابت في الحال بالشعر المتضمن رئاسته وامامته على الانام وتصويب


[ 233 ]

النبي صلى الله عليه واله في ذلك ثم احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام به يوم الشورى فلو كان ما ادعاه المنتحلون حقا لم يكن لاحتجاجه عليهم به معنى وكان لهم ان يقولوا اي فضل لك بهذا علينا وإنما سببه كذا وكذا وقد احتج به أمير المؤمنين عليه السلام دفعات واعتده في مناقبه الشراف وكتب يفتخر به في جملة افتخاره الى معاوية بن أبي سفيان في قوله * واوجب لي الولاء معا عليكم * خليلي يوم دوح غدير خم * وهذا الامر لا لبس فيه وأما الذين اعتمدوا على ان خبر الغدير لو كان موجبا للامامة لاوجبها لامير المؤمنين عليه السلام في كل حال إذ لم يخصصها النبي صلى الله عليه واله بحال دون حال وقولهم انه كان يجب ان يكون مستحقا لذلك في حيوة رسول الله صلى الله عليه واله فانهم جهلوا معنى الاستخلاف والعادة المعهودة في هذا الباب وجوابنا ان نقول لهم قد اوضحنا الحجة على ان النبي صلى الله عليه واله استخلف عليا عليه السلام في ذلك المقام والعادة جارية فيمن يستخلف ان يخصص له الاستحقاق في الحال والتصرف بعد الحال الا ترون ان الامام إذا نص على حال له يقوم بالامر بعده ان الامر يجري في استحقاقه وتصرفه على ما ذكرناه ولو قلنا ان امير المؤمنين عليه السلام يستحق بهذا النص التصرف والامر والنهي في جميع الاوقات على العموم والاستيعاب إلا ما استثناه الدليل وقد استثنت الادلة في زمان حياة رسول الله صلى الله عليه واله الذي لا يجوز ان يكون فيه متصرف في الامة امره ولا آمر ناه لهم سواه لكان هذا ايضا من صحيح الجواب فإن قال الخصم إذا جاز ان تخصصوا بذلك زمانا دون زمان فما انكرتم ان يكون انما يستحقها بعد عثمان قلنا له انا انكرنا ذلك من قبل ان القائلين بانه استحقها بعد عثمان مجمعون على انها لم تحصل له في ذلك الوقت بيوم الغدير ولا بغيره من وجوه النص عليه وإنما حصلت له بالاختيار وكل من اوجب له الامامة بالنص اوجبها بعد رسول الله صلى الله عليه واله من غير تراخ في الزمان والحمد لله (حدثني) القاضي أبو الحسن اسد بن إبراهيم السلمي الحراني رحمه الله قال اخبرني أبو حفص عمر بن علي العتكي قال حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الحنبلي قال حدثنا حسين بن الحكم قال حدثنا حسن بن حسين قال حدثنا أبو داود الطهوي عن عبد الاعلى الثعلبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قام علي عليه السلام خطيبا في الرحبة وهو يقول انشد الله امرءا شهد رسول الله صلى الله عليه واله آخذا يدي ورفعهما الى السماء وهو يقول يا معشر المسلمين الست اولى بكم من انفسكم فلما قالوا بلى قال فمن


[ 234 ]

كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله إلا قام فشهد بها فقام بضعة عشر بدريا فشهدوا بها وكتم اقوام فدعا عليهم فمنهم برص ومنهم من عمى ومنهم من نزلت به بلية في الدنيا فعرفوا بذلك حتى فارقوا الدنيا ومما حفظ عن قيس بن سعد بن عبادة انه كان يقول فهو وبين يدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه بصفين ومعه الراية في قطعة له اولها قلت لما بغى العدو علينا * حسبنا ربنا ونعم الوكيل * حسبنا ربنا الذي فتح البصرة * بالامس والحديث يطول * وعلي امامنا وامام * لسوانا اتى به التنزيل * يوم قال النبي من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل * إنما قاله النبي على الامة * حتم ما فيه قال وقيل * (فصل) من الوصايا المهمة والاقرارات العريضة إذ اوصى رجل باخراج شئ من ماله ولم يسم كان الواجب اخراج السدس مما خلفه قال الله تبارك وتعالى * (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقه فخلقنا العلقه مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين) * المؤمنون فخلق الله سبحانه الانسان من ستة اشياء فالشئ واحد من سته وهو السدس وإذا اوصى باخراج جزء من ماله ولم يسم وجب اخراج سبع ماله قال الله تعالى * (لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم) * الحجر فالجزء واحد من سبعة وهو السبع وإذا اوصى بسهم من ماله ولم يسم فالواجب اخراج الثمن قال الله تعالى * (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفه قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) * التوبة وهم ثمانية اصناف لكل صنف منهم سهم من الصدقات فالسهم واحد من ثمانية وهو الثمن وإذا اوصى باخراج مال كثير ولم يسم وجب ان تخرج من ماله ثمانون درهما قال الله تعالى * (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) * وكانت ثمانين موطنا فإذا قال كل عبد لي قديم في ملكي فهو حر لوجه الله تعالى فالواجب ان يعتق كل عبد في ملكه ستة اشهر فما زاد قال الله سبحانه * (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم) * يس وهو الذي مضى عليه ستة اشهر فإذا اوصى الى رجل بدراهم فقال اعط زيدا نصفها وعمرا ثلثها وبكرا ربعها فالواجب ان يعطي زيدا وعمرا ما سماه لهما ويدفع ما بقي لبكر وإذا قال له عندي كذا دراهم ولم يبين فقد اقر بعشرة دراهم على ما يقتضيه اللسان فإن قال كذا


[ 235 ]

درهما فعشرون درهما فإن قال كذا وكذا درهم فعشر عشر درهم فإن قال كذا وكذا درهما فاحد عشر درهما فإن قال كذا وكذا درهما فاحد وعشرون درهما فإن قال كذا وكذا وكذا درهما فمائة وأحد عشر درهما فإن كان عارفا بالعربية وقال له عندي مائة درهم غير ثلاثة دراهم بنصب غير فله سبعة وتسعون درهما لانه استثنى من المائة ثلاثة فإن قال له عندي مائة غير ثلاثة برفع غير فهي مائة كاملة وإنما وصفها بانها غير ثلاثة فان قال له مائة غير ثلاثة غير درهم ونصب غير فيهما جميعا فقد اقر بثمانية وتسعين درهما لانه استثنى من المائة ثلاثة فبقي سبعة وتسعون فلما استثنى مما استثناه درهما علم ان المستثنى من المائة درهمان فكان الذي اعترف ثمانية وتسعين فإن قال له عندي مائة غير ثلاثة غير درهم فنصب غير الاوله وخفض الثانية فقد اقر بسبعة وتسعين درهما لانه لما نصب غير الاوله كان قد استثنى من المائة ثلاثة فلما خفض غير الثانية كان قد وصف الثلاثة بانها غير درهم فالاستثناء على حاله والمال سبعة وتسعون درهما وكذلك لو قال له عندي مائة غير ثلاثة غير درهم بنصب غير الاوله ورفع غير الثانية فإن له عنده سبعة وتسعون درهما لانه استثنى من المائة ثلاثة لما نصب غيرا ثم وصف المائة بانها غير درهم لما رفع غير الاخرى فإن هو ادخل الواو في الكلام عاطفا بها كان استثناء معطوفا على استثناء والجميع يسقط من الاصل المذكور كقوله له عندي مائة غير خمسة وغير سبعة فالخمسة والسبعة يسقطان من المائة فيكون له عنده ثمانية وثمانون درهما فافهم ذلك (مسألة ذكرها شيخنا المفيد رضى الله عنه) في كتاب الاشراف رجل اجتمع عليه عشرون غسلا فرض وسنة ومستحب اجزاه عن جميعها غسل واحد (جواب) هذا رجل احتلم واجنب نفسه بانزال الماء وجامع في الفرج وغسل ميتا ومس آخر بعد برده بالموت قبل تغسيله ودخل المدينة لزيارة رسول الله صلى الله عليه واله واراد زيارة الائمة عليهم السلام هناك وادرك فجر يوم العيد وكان يوم جمعة واراد قضاء غسل عرفة وعزم على صلاة الحاجة واراد ان يقضي صلاة الكسوف وكان عليه في يوم بعينه صلاة ركعتين بغسل واراد التوبة من كبيرة على ما جاء عن النبي صلى الله عليه واله واراد صلاة الاستخارة وحضرت صلاة الاستسقاء و نظر الى مصلوب وقتل وزغة وقصد الى المباهلة واهرق عليه ماء غالب النجاسة


[ 236 ]

(فصل في ذكر هيئة العالم) اعلم ان الأرض على هيئة الكرة والهواء يحيط بها من كل جهة والافلاك تحيط بالجميع احاطة استدارة وهي طبقات بعضها يحيط ببعض فمنها سبعة تختص بالنيرين والكواكب الخمسة تسمى المتحيرة والسيارة فالنيران هما الشمس والقمر والخمسة هي زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ولكل واحد منهما فلك يختص به من هذه السبعة ففلك زحل اعلاها وفلك القمر اقربها من الأرض وادناها وفلك الشمس في وسطها وتحت فلك زحل فيما بينه وبين فلك الشمس فلكان فلك المشترى ثم فلك المريخ وفوق القمر فيما بينه وبين الشمس فلكان فلك عطارد ثم فلك الزهرة ويحيط بهذه الافلاك السبعة فلك الكواكب الثابتة وهي جميع ما يرى في السماء غير ما ذكرنا ثم الفلك المحيط الاعظم المحرك جميع هذه الافلاك ثم السموات السبع يحيط بالافلاك وهي مساكن الاملاك ومن رفعه الله تعالى الى سمائه من انبيائه وحججه عليهم السلام وللجميع نهاية والكل على شكل الكرة ومركزها الأرض ومركز الارض نقطة في وسطها جميع اجزاء الأرض معتمدة عليها وهي مركز العالم كلها في الحقيقة ومن نهاية الاجسام الذي هو محيط الكرة الى مركز الأرض متساو من كل جهة وقد قيل ان العامر من الأرض هو ربع الكرة والناس مستقرون على هذا الربع من كل جهة وان كان بعضهم منخفضا عن بعض بالاضافة فكل منهم الأرض تحته و السماء فوقه وهو يرى ان ارضه التي هو عليها هي المستقيمة في الاعتدال دون غيرها وكل ما فارق السماء من أي جهة كان منها وذهب الى الأرض فهو نازل إليها وكل ما فارق الأرض من اي جهة كان وذهب الى السماء فهو صاعد إليها ولذلك لا تتحرك الأرض الى احدى الجهات لانها كيف ما تحركت تكون صاعدة الى السماء والأرض كالخردلة أو اصغر بالاضافة الى عظم سعة الفلك والافلاك لها حركات مختلفة لكن محركها مع ذلك الفلك المحيط بها حركة واحدة يدور بها حول المركز في اليوم والليلة دورة واحدة والانسان في أي موضع كان من الأرض يرى نصف الفلك وقيل انه يرى اكثر من النصف وهذا يبين انه لا تأثير لقدر الأرض وإذا طلعت الشمس بضيائها على جهة من الأرض كان ذلك نهارا لتلك الجهة وإذا غربت من جهة من الارض كان الليل في تلك الجهة وهو


[ 237 ]

ظل الأرض وليس النهار عاما ولا الليل ايضا عاما وهي تطلع على قوم قبل قوم وتغرب عن قوم قبل قوم والجهة التي تطلع الشمس والكواكب منها هي المشرق وريحها يقال له الصبا والجهة التي تغرب منها هي المغرب ويقال لريحها الدبور وإذا توجه القائم الى جهة المشرق كانت الجهة التي عن يمينه الجنوب وريحها تسمى باسمها والجهة التي عن شماله الشمال وريحها تسمى باسمها وكل ريح اتت بين جهتين فهى نكباء وتسمى ايضا النعامي والمسكون من الأرض هو المائل الى جهة الشمال والربع الذي الى جهة الجنوب غير مسكون ويقال انه ليس به حيوان ومنه ياتي النيل ولذلك لا يصل أحد الى مبتداه وبقية الأرض غطاها الماء المالح وهو البحر الاعظم الذي اطرافه يقال له بحر المحيط ومن هذا البحر خليجان داخلان الى الربع العامر يتقاربان فنهاية احدهما الغرماءن ونهاية الاخر القلزم وبينهما من المسافة قدر (فصل) من الكلام ان الله تعالى لا يجوز ان يكون له مكان (اعلم) ايدك الله ان المكان عندنا هو ما احاط بالمتمكن فلما كان الله تعالى لا يجوز ذلك عليه لانه يقتضي حصره وتناهيه علم انه لا يجوز ان يكون في مكان ومن خالفنا في حد المكان قال انه ما تمكن عليه وتصرف فيه وهذا لا يجوز ايضا على الله تعالى لأن المتمكن معتمد ومماس ايضا لمكانه والاعتماد والمماسة من صفات المحدثين والله تعالى قديم فعلم انه لا يكون في مكان وذو المكان ايضا قد حصل له حيز فصار في جهة دون جهة ولا يكون كذلك إلا جسم أو بعض جسم وقد ثبت ان الله تعالى ليس بجسم ولا بعض جسم فعلم بطلان المكان ثم انه لو كان له مكان لم يخل مكانه من حالين أما ان يكون قديما أو محدثا ولا يصح ان يكون قديما لمشاركته لله تعالى في القدم وقد ثبت انه لا قديم الا هو وحده ولو كان المكان محدثا لكان الله سبحانه قبل احداثه له لا يخلو من قسمين أما ان يكون محتاجا الى المكان أو مستغنيا عنه ولا يجوز ان يكون لم يزل محتاجا إليه لما في ذلك من صفة النقص الذي لا يكون للقديم وان كان غنيا عنه قبل وجوده فلا يجوز ان يحتاج إليه بعد ذلك لأن حاجته تخرجه عن قدمه وتشابه بينه وبين خلقه فوجب نفي المكان عنه فإن قيل اليس من قولكم ان الله تعالى بكل مكان قلنا بلى ومعنى ذلك انه عالم بكل مكان وبما فيه حافظ له وهذا معروف في اللغة يقول القائل لصاحبه اعلم اني معك حيث كنت واني لا


[ 238 ]

اغيب عنك ويريد اي لا اجهل ما تعمله ولا يخفي علي شئ منه ويقال ان الرجل في صلاته وفي بناء داره و ليس المراد انه متمكن أو حال فيها وإنما يريدون انه يفعلها ويدبرها فإن قيل وليس في القرآن ان له عرشا وكرسيا قلنا هو كذلك والعرش المذكور في القرآن على وجهين احدهما تفسير قوله سبحانه * (الرحمن على العرش استوى) * وقد قال أهل العلم في ذلك ان العرش هنا هو الملك واستواؤه عليه هو استيلاؤه عليه بالقدرة والسلطان واستشهدوا في ذلك بشواهد منها قول الشاعر في ذكر العرش * وانه الملك إذا ما بنو مروان ثلث عروشهم * واودوا كما اودت اياد وحمير * ومنها قول الاخر في ذكر الاستواء وانه الاستيلا * إذا ما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر * يريد بذلك الاستيلاء والقدرة عليهم والتمكن لهم بالقهر لهم والاخر تفسير قوله سبحانه * (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) * الحاقة فقد قال العلماء في ذلك ان هذا العرش بنية خلقها الله تعالى في سمائه وأمر الملائكة بحملها لا ليكون عليها تعالى الله عزوجل عن ذلك ولكن لما رآه من الصلاح في تعبدهم بحملها وتعظيمها كما انه سبحانه تعبد بني آدم بتعظيم الكعبة في الطواف حولها وقال انها بيته لا ليسكنها تعالى الله عن ذلك فاما الكرسي فالذي نذهب إليه فيه انه العلم روى ذلك عن العالم الامام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال وسع كرسيه السموات والأرض يعنى علمه وقد روى ايضا في التفسير من طريق العامة عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم ومعنى الكلام دال عليه واول الاية تقتضيه لأن الله تعالى اخبر عن علم فقال * (يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض) * البقرة فوصل ذكر الكرسي بذكر العلم على طريق الوصف له والابانة عنه فكان كقوله في موضع آخر * (ربنا وسعت شئ علما ورحمة) * فإن قيل فما معنى رفعكم ايديكم نحو السماء في الدعاء وما معنى قوله سبحانه * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * فاطر قلنا الجواب عن ذلك انا إنما رفعنا ايدينا نسترزق من السماء لقوله الله تعالى * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * الذاريات وإنما جاز ان يقال ان الاعمال تصعد الى الله تعالى لأن الملائكة الكرام حفظة الاعمال مسكنهم السماء وايضا لأن السماء اشرف في الخلقة من الأرض


[ 239 ]

فلذلك تعرض الاعمال فيها على الله سبحانه وبالتوجه إليها دعى الله تعالى وكل ذلك اتساع في الكلام وليس فيه ما يوجب ان يكون الله سبحانه على الحقيقة في السماء ونحن نرى المسلمين يقولون للحجاج هؤلاء زوار الله وإنما هم زوار بيت الله فإن قيل فاين الله تعالى فالجواب انه لا يستفهم باين الا عن مكان والله تعالى لا يوصف بالمكان فان قيل فكيف هو فالجواب ان كيف استفهام عن حال والله تعالى لا تناله الاحوال والذي ساق إليه الدليل هو العلم بوجوده سبحانه وانه لا شبية له جاء في الحديث ان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول إذا سبح الله تعالى ومجده سبحان من إذا تناهت العقول في وصفه كانت حائرة عن درك السبيل إليه وتبارك من إذا غرقت الفطن في تكييفه لم يكن لها طريق إليه غير إليه غير الدلالة عليه (فصل في ذكر العلم) واهله ووصف شرفه وفضله والحث عليه والادب فيه قال الله عزوجل * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * فاطر وقال سبحانه * (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر اولوا الالباب) * الزمر وقال رسول الله صلى الله عليه واله طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمد وقال العلم علمان علم في القلب فذلك العلم النافع و علم في اللسان فذلك حجة على العباد وقال العلم علمان علم الاديان وعلم الابدان وقال اربع تلزم كل ذي حجي من امتي قيل وما هن يا رسول الله فقال استماع العلم وحفظه والعمل به ونشره وقال العلم خزائن ومفتاحها السؤال فاسئلوا يرحمكم الله فانه يؤجر فيه اربعة السائل والمجيب و المستمع والمحب لهم وقال من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وقال ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فاسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا وقال من ازاد في العلم رشدا فلم يزدد في الدنيا زهدا لم يزدد من الله إلا بعدا وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام تعلموا العلم فإن تعليمه حسنه وطلبه عبادة والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لاهله قربة لانه علم الحلال والحرام وسبل منازل الجنة والانيس في الوحشة والصاحب الغربة والمحدث في الخلوة و الدليل على السراء والضراء والسلاح على الاعداء والزينة عند الاخلاء يرفع الله به اقواما


[ 240 ]

فيجعلهم للخير قادة وائمة يقتفى آثارهم ويقتدى بفعالهم وينتهى الى رأيهم ترغب الملائكة في خلتهم وباجنحتها تمسحهم ويستغفر كل رطب ويابس لأن العلم حيوة القلوب ومصابيح الابصار من الظلم وقوة الابدان من الضعف ويبلغ بالعباد منازل الاخيار والدرجات العلى وبه توصل الارحام ويعرف الحلال من الحرام وهو امام العمل والعمل تابع له يلهمه الله انفس السعداء ويحرمه الاشقياء وقال الكلمة من الحكمة يسمع بها الرجل فيقول أو يعمل بها خير من عبادة سنة وقال لو تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم ولا تكونوا جبابرة العلماء فلما فلا تقوم علمكم بجهلكم وقال شكر العالم على علمه ان يبذله لمن يستحقه وقال لا راحة في العيش إلا لعالم ناطق أو مستمع واع وقال عد عالما أو متعلما ولا تكن الثالث فتعطب وقال ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وقال لو ان حملة العلم حملوه بحقه لاحبهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه ولكنهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله وهانوا على الناس وقال العلوم اربعة الفقه للاديان و الطب للابدان والنحو للسان والنجوم لمعرفة الازمان وقال الباقر عليه السلام عالم ينتفع بعلمه افضل من سبعين الف عابد وقال من افتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه وقال الصادق عليه السلام تفقهوا في دين الله ولا تكونوا اعرابا فان من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا وقال العامل على غير بصيره كالسائر على غير الطريق لا تزيده سرعة السير الا بعدا وقيل لبعض الحكماء ايحسن بالشيخ التعلم فقال ان كان الجهالة تقبح منه فإن التعلم يحسن منه وقيل له متى يحسن به التعلم فقال ما حسنت به الحيوة وقيل لبزرجمهر العلم افضل ام المال فقال العلم قيل له فما بالنا نرى العلماء على ابواب الاغنياء ولا نكاد نرى الاغنياء على ابواب العلماء فقال ذلك لمعرفة العلماء منفعة المال وجهل الاغنياء بفضل العلم لبعضهم * العلم زين وتشريف لصاحبه * فاطلب هديت فنون العلم والادب * لا خير فيمن له اصل بلا ادب * حتى يكون على ما زانه حربا * كم من حسيب اخي عي وطمطمة * فدم لدي القوم معروف إذا انتسبا * وخامل مقرف الاباء ذي ادب * نال المعالي به والمال والنشبا


[ 241 ]

المقرف الذي تكون امة كريمة وابوه غير كريم * يا طالب العلم نعم الشئ تطلبه * لا تعدلن به ورقا ولا ذهبا * فالعلم ذخر وكنز لا يعادله * نعم القرين إذ ما عاقلا صحبا * قال الزجاجي الهجين الذي ابوه كريما وامه غير كريمة والفلنفس الذي يكون ابوه وامه غير كريمين وقد تقدم ذكر المقرف وحدثوا عن ابن جريح انه قال خرجت في السحر فإذا ورقة تضربها الرياح فاخذتها فلما اضاء الصبح نظرت إليها فإذا فيها * كن معسرا ان شئت أو موسرا * لابد في الدنيا من الهم * وكلما زادك من نعمة * زاد الذي زادك في الغم * اني رايت الناس في دهرنا * لا يطلبون العلم للعلم * الا مبارات لاصحابه * وعدة للظلم والغشم * قال ابن جريح فوالله لقد منعتني هذه الابيات من اشياء كثيرة (مسألة) ان سئل سائل فقال ما وجه التكرار في سورة الكافرون واعادة النفي فيها في جملة بعد جملة وقد كان يغنى كون ذلك مرة واحدة (الجواب) قد اجاب الناس عن هذه المسألة بعده اجوبة ونحن نورد منها احسنها واكثرها فائدة واحسنها ما تضمن المعاني المختلفة حتى يكون المستفاد من النفي في الجملة الاولى غير المستفاد من النفي في الجملة الثانية وبهذا يبطل التكرار ويبقى للسائل بقية في السؤال فاعرب ما يجاب به فيها ان لفظة اعبد تصلح في الكلام لشيئين مختلفين احدهما ان يكون بمعنى اذل واخضع واخشع وهذا من العبادة وهو مستعمل معهود لا يفتقر فيه الى دليل وثانيهما ان يكون اعبد بمعنى اجحد وهو من العبود الذي هو الجحود وأهل اللغة يعرفون ذلك يقول القائل عبدني فلان حقى يريد جحدني حقي قال الشاعر * فلو سالت قريشا من يؤمهم ما ميلوا * ذاك عن قومي ولا عبدوا * يعنى ولا جحدوا وعلى هذا المعنى ما روى عن أحد الائمة صلوات الله عليهم في تفسير قوله تعالى * (قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين) * الزخرف وان معناه فانا اول الجاحدين وذلك ان الدليل قد اتضح على ان من كان له ولد لا يكون إلا محدثا والمحدث لا يكون الها فقول الله عزوجل في الجملة الاولى * (لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد) * انما معناه لا اذل ولا اخضع لاصنامكم التي تفعلون هذا لها ولا انتم فاعلوه ايضا لالهي الذي انا فاعله له وقوله جل اسمه في الجملة الثانيه * (ولا انا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد) * إنما معناه ولا انا جاحد لله تعالى الذي جحدتموه ولا انتم جاحدون للاصنام التي انا جاحدها


[ 242 ]

فقد تضمنت الجملتان فائدتين مختلفتين وبان انتظام الكلام بغير تكرار (جواب آخر) وهو ان يكون المراد بلفظه اعبد في الجملة الاولى الزمان الحاضر فكأنه قال لا اعبد الان ما تعبدون ولا انتم عابدون الان ما اعبد ويكون المراد بها في الجملة الثانية الزمان المستقبل فكأنه قال ولا انا عابد في المستقبل ما عبدتم ولا انتم عابدون في المستقبل ما اعبد فلفظة اعبد على هذا الجواب وان كانت في الجملتين بمعنى واحد وهو العبادة فقد اختلفت بما يراد بها من الزمان المختلف ولا شك في ان لفظة افعل تصلح للزمانين الحاضر والمستقبل وفي هذين الجوابين غنى وكفاية والحمد لله (واعلم) انه يجب ان يكون السؤال على هذا مختصا بخطاب من المعلوم من حاله انه لا يؤمن وقد ذكر انها نزلت في أبي جهل والمستهزئين وهم العاص بن وائل والوليد بن المغيرة والاسود بن المطلب والاسود بن عبد يغوث وعدي بن قيس ولم يؤمن منهم أحد فإن قال فما فما معنى قوله في السورة * (لكم دينكم ولي دين) * وظاهر هذا الكلام يقتضي اباحتهم المقام على اديانهم قلنا ان ظاهر الكلام وان كان ظاهر الاباحة فإن المراد به الوعيد والمبالغة في الزجر والتهديد كما قال تعالى * (اعملوا ما شئتم) * وقال * (اجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) * وقد قيل ايضا ان المعنى فيه لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني فحذف الجزاء من اللفظ لدلالة الكلام عليه وقيل ان الجزاء نفسه يسمى دينا قال الشاعر * إذا ما لقونا لقيناهم * ودناهم مثلما يقرضونا * ارادوا جزيناهم فيكون المعنى في قوله * (لكم دينكم ولي دين) * أي لكم جزاؤكم ولي جزائي (مسألة) فإن قال السائل فما وجه التكرار في سورة الرحمن واعادته مع كل آية * (فباي آلاء ربكما تكذبان) * (الجواب) قلنا إنما حسن هذا التكرار للتقرير بالنعم المختلفي وتعديدها نعمة بعد نعمة انعم بها قرر عليها ووبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره الم احسن اليك بان خولتك المال الم احسن اليك بان امنتك من المكاره الم احسن اليك بان فعلت كذا وكذا فيحسن منه التكرار لاختلاف ما قرر به وهذا كثير في الكلام مستعمل بين الناس وهذا الجواب عن وجه التكرار في سورة والمرسلات في قوله * (فويل يومئذ للمكذبين) * فإن قيل إذا كان الذي حسن التكرار في سورة الرحمن ما عدده من الالاء فقد عدد في جملة ذلك ما ليس بنعمة وهو قوله * (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) * وقوله


[ 243 ]

تعالى * (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن) * فكيف يحسن ان يقول بعد هذا * (فباي آلاء ربكما تكذبان) * قلنا الوجه في ذلك ان فعل العقاب وان لم يكن نعمة فذكره ووصفه والانذار به من اكبر النعم لأن في ذلك زجرا عما يستحق به العقاب وبعثا على ما يستوجب به الثواب و إنما اشار تعالى بقوله * (فباي آلاء ربكما تكذبان) * بعد ذكر جهنم والعذاب فيها الى انعامه بذكر وصفها والانذار بها و التخويف منها ولا شك في ان هذا كله من من النعم التي يجب الاعتراف بها والشكر عليها (البرهان على صحة طول عمر الامام صاحب الزمان) ومما عملته كتاب البرهان على صحة طول عمر الامام صاحب الزمان عليه وعلى آبائه افضل السلام وبيان جواز تطاول الاعمار بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ما هدى وصلوته على من اصطفى سيدنا محمد رسوله المجتبى وآله الائمة الهدى ذكرت يا اخي ايدك الله انك رايت جماعة من المخالفين يعتمدون في انكار وجود صاحب الزمان صلى الله عليه على ما يقتضيه تاريخ مولده الى اليوم من تطاول عمره على القدر المعهود ويقولون إذا كان مولده عندكم في سنة خمس وخمسين وماتين فله الى سنتنا هذه وهي سنة سبع وعشرين واربعمائة مائتان واثنتان وسبعون سنة ولسنا نرى الاعمار تتناهى الى اكثر من مائة وعشرين سنة بل لا نرى احدا


[ 244 ]

يلحق عمره هذا القدر اليوم ويزعمون ان هذه الزيادة على المائة والعشرين دلالة على بطلان مما نذهب إليه وسئلت في ايراد كلام عليهم يوهي عمدتهم ويبطل شبهتهم ويكون اصلا في يدك يتمسك به المستند اليك وانا مجيبك الى ما سئلت وابلغك منها ما طلبت بعون الله وحسن توفيقه (اعلم) اولا انه إذا وجبت الامامة ووضحت الادلة على اختصاصها بائمتنا الاثني عشر عليهم السلام دون جميع الامة فلا منصرف على القول بطول عمر امامنا وصاحب زماننا صلى الله عليه لأن الزمان لا يخلو من امام وقد مضى آباء صاحب الزمان عليهم السلام بلا خلاف ولم يبق من يستحق الامامة سواه فإن لم يكن عمره ممتدا من وقت ابيه الى ان يظهره الله سبحانه حصل الزمان خاليا من امام وهذا دليل مبني على ما قدمناه وبعد ذلك فانه لا يصلح ان يكلمك في طول عمره عليه السلام من لا يقر بشريعته فاما من اقر بها وانكر جواز تراخي الاعمار وطولها فان القرآن يخصمه بما تضمنه من الخبر عن طول عمر نوح عليه السلام قال الله تعالى * (فلبث فيهم الف سنة إلا خمسين عاما) * العنكبوت ولا طريق الى الانصراف عن ظاهر القرآن إلا ببرهان وقد اجمع المسلمون على بقاء الخضر عليه السلام من قبل زمان موسى عليه السلام الى الان وان حياته متصلة الى آخر الزمان وما اجمع عليه المسلمون فلا سبيل الى دفعه بحال من الاحوال فإن قال لك الخصم هذان نبيان ويجوز ان يكون طول اعمارهما معجزا لهما وكرامة يميزان بها عن الانام ولا يصح ان يكون هذا المعجز والاكرام للانبياء عليهم السلام فقل له يفسد هذا عليك بما استقر عليه الاتفاق من بقاء ابليس اللعين من عهد آدم عليه السلام وقبل ذاك الى الان وانه سيبقى الى الوقت المعلوم كما نطق به القرآن وليس ذلك معجزا له ولا على سبيل الاكرام وإذ اشترك الولي والعدو في طول العمر علم ان السبب في ذلك غير ما ذكرت وانه لمصلحة لا يعلمها إلا الله تعالى دون العباد فإن انكر الخصم ابليس وبقاءه خرج عن ظاهر الشريعة ودفع اجماع الامة وان تأول ذلك طولب على صحة تأويله بالحجة ولو سلمت له طول العمر معجزا للمعمر واكراما ولم يذكر له ابليس وطول عمره على ممر الازمان كان لك ان تقول ان حكم الامام عندنا كحكم النبي صلى الله عليه واله في الاحتجاج و جواز ظهور المعجز والاكرام بما يتميز به عن الانام فليس بمنكر ان يطيل الله تعالى عمره على سبيل المعجز والاكرام (واعلم) ايدك ان المخالفين لك في جواز امتداد الاعمار ممن يقر بالاسلام لا يكلمونك إلا


[ 245 ]

بكلام مستعار فمنهم من ينطق بلسان الفلاسفة فيقول ان طول العمر من المستحيل في العقول الذي يثبت على جوازه دليل ومنهم من ينطق بلسان المنجمين فيقول ان الكواكب لا تعطي احدا من العمر اكثر من مائة وعشرين سنة ولهم هذيان طويل ومنهم من ينطق بلسان الاطباء واصحاب الطبائع فيقول ان العمر الطبيعي هو مائة وعشرون سنة فإذا انتهى الحي إليها فقد بلغ غاية ما يمكن فيه صحته الطباع وسلامتها وليس بعد بلوغ غاية السلامة الا ضدها وليس على يد أحد منهم إلا الدعوى ولا يستند الا الى العصبية والهوى فإذا عضهم الحجاج رجعوا اجمعين الى الشاهد المعتاد فقالوا انا لم نر احدا تجاوز في العمر الى هذا القدر ولا طريق لنا الى اثبات ما لم نر وهذا الذي جرت به العادة والعادة اصح دلالة وجميعهم خارجون عن حكم الملة مخالفون لما اتفقت عليه الامة ولما سلف ايضا من الشرائع المتقدمة لأن أهل الملل كلها متفقون على جواز امتداد الاعمار وطولها وقد تضمنت التوراة من الاخبار بذلك ما ليس بينهم فيه تنازع ومنها ان آدم عليه السلام عاش تسعمائة وثلاثين سنة وعاش شيث عليه السلام تسعمائة واثنتي عشرة سنة وعاش انوش تسعمائة وخمسا وستين سنة وعاش قينان تسعمائة سنة وعشر سنين وعاش مهلائيل ثمانمائة وخمسا وتسعين سنة وعاش برد تسعمائة واثنين وستين سنة وعاش اخنوخ وهو ادريس عليه السلام تسعمائة وخمسا وستين سنة وعاش متوشلح تسعمائة وتسعا وستين سنة وعاش ملك سبعمائة وسبعا وستين سنة وعاش نوح تسعمائة وخمسين سنة وعاش سام ستمائة سنة وعاش ارفخشاد اربعمائة وثماني وتسعين سنة وعاش شالخ اربع مائة وثلاثا وتسعين سنة وعاش غابر ثمانمائة وسبعين سنة وعاش فالخ ماتين وتسعا وتسعين سنة وعاش ارغو ماتين وستين سنة وعاش باحور مائة وستا واربعين سنة وعاش تارخ ماتين و ثمانين سنة وعاش إبراهيم عليه السلام مائة وخمسا وسبعين سنة وعاش اسماعيل عليه السلام مائة وسبعا وثلاثين سنة وعاش اسحاق عليه السلام مائة وثمانين سنة فهذا ما تضمنته التوراة مما ليس بين اليهود والنصارى اختلاف و قد تضمنت نظيره شريعة الاسلام ولم نجد احدا من علماء المسلمين يخالفه أو يعتقد فيه البطلان بل اجمعوا من جواز طول الاعمار على ما ذكرناه والمستدل يعلم جواز ذلك في العقل إذا انعم الاستدلال


[ 246 ]

والاخبار قد تناصرت في قوم عمروا في قريب الزمان سوف اذكر جماعة منهم ليتاكد البيان وليس مع المنازعة لنا بعد ذلك من ذي بصيرة وعرفان فإن قال قائل ان الاعمار قد كانت تتطاول في سالف الدهر ثم تناقصت عصرا بعد عصر حتى انتهت الى ما نراه مما لا يجوز اليوم سواه قيل له ان العاقل يعلم ان الزمان لا تأثير له في الاعمار وان زيادتها ونقصانها من فعل قادر مختار يغيرها في الاوقات بحسب مما يراه من الصلاح ولسنا ننكر ان الله سبحانه قد اجرى العادة اليوم باقدار متقاربة في الاعمار يخالف ما كان في متقدم الزمان غير ان هذا لا يحيل طول عمر بعض الناس إذا كان ممكنا من القادر المعطي للاعمار وقد ذكرنا ان الاخبار قد اتت بذكر المعمرين كانوا في قريب الزمان فلا طريق الى دفع ما ذكرناه مع هذا الايضاح واما الذين استعاروا كلام الفلاسفة من المخالفين لنا في هذه المسألة وقولهم في العمر من المستحيل في العقول فانهم لم يعولوا في العلم بذلك على ضرورة يشاركهم العقلاء فيها وإذا عدموا الضرورة فلا بد من حجة عقلية يطالبون بايرادها ولا حجة معهم ينطقون بها ولا عمدة لهم اكثر من الهوى والرجوع الى ما يشاهد ويرى والهوى مضله والانكار لما لم يشاهد مزلة وليس من موحد ولا ملحد إلا وهو يثبت ما لا يرى ويقر بما لم يشاهد فالموحد يقر بالله تعالى والملائكة وطول اعمارها ولم نر شيئا منها ما تعترف بالحق ايضا والملحدة قد تقر بوجود جواهر بسيطة لا تجوز عليها الرؤية وتدعى ايضا وجود عقل تغيير كليين لم نرهما ولا رات الجبرويين فضلا عنها وكل فرقة تدعي وجود اشياء لم تر فمن زعم انه لا يثبت الا ما شاهد وراى فقد افسد على نفسه من مذهبه وهؤلاء يتكلمون في العمر ولا يدرون ما هو والعمر هو اتصال كون الحي المحدود حيا فهذا الاتصال إنما يكون بدوام الحياة والحياة فعل الله تعالى فليس يستحيل منه ادامتها وكل ما جاز ان يفعله الله تعالى من طول العمر فانه يجوز ان يفعل مثله في دوام الصحة والقوة وعدم الضعف والهرم وأما الذين استعاروا كلام المنجمين من المنازعين لنا في جواز طول العمر فانهم يعتمدون الظنون دون اليقين والعقلاء يعلمون ان اصول المنجمين في الاحكام لا يثبت بالنظر والدليل وبينهم من التجارب فيها والاختلاف ما لا يخفى على المتأمل اني قد وجدت في كتاب أحد علمائهم وهو الكتاب المعروف


[ 247 ]

بابا حكاية لابن هبلي ذكرها عن معلمهم المقدم واستاذهم المفضل الذي يعولون في الاحكام ويستندون الى كلامه وما يدعيه وهو المعروف بما شاء الله انا موردها ففيها اكبر حجة عليهم في هذه المسألة التي خالفونا فيها قال ما شاء الله الباب الاعظم من الهيلاج الذي يدل على العمر الكثير فانه يكون المولود في مثلثه الى مثلثه وطالعه ثبوت أحد الكوكبين العلويين زحل والمشتري وصاحب الطالع الكذخذاة فإن كان المولود ليليا والهيلاج القمر فإن كان فوق الشمس في برج انثى وان كان نهاريا فيكون الشمس في برج ذكر فانه حينئذ يدل على بقاء المولود باذن الله تعالى حتى يتحول القران عن مثلثه الى اخرى وذلك مائتان واربعون سنة فاما في الزمن الاول فإن مثل هذه الدلالة كانت تدل على بقائه حتى يعود القران الى مكانه وذلك بعد تسعمائة وخمسين سنة والله اعلم فما يقولون في كلام عالمهم ما شاء الله وقد اوضح بتخصيصه في الدلالة الزمن الاول بتسعمائة وخمسين سنة ان مراده بالماتين و الاربعين من هذا الزمان وهو شاهد لنا على هؤلاء المعاندين المنكرين للحق الواضح البرهان وأما الذين اعتمدوا بكلام الاطباء واصحاب الطبائع من قولهم ان غاية العمر الطبيعية مائة وعشرون سنة فانهم لم يعتمدوا على حجة ولا تشبثوا بشبهة وليس في ايديهم اكثر من دعواهم تبين لك بطلان مقالتهم ان الطبائع اعراض والاعراض لا يصح منها في الحقيقة افعال وإنما يفعل القادر المختار والطبائع ايضا فعل الله تعالى وهو الذي ارتكبها في الانسان فكلما جاز منه ان يجعلها كلها صحيحة معتدلة مدة من الزمان فهو قادر على ان يجعلها كذلك اضعاف تلك المدة فيطول عمر الانسان وليس يستحيل ذلك في عقل ذي بصيرة وعرفان وأما المتعمدون في ذلك على العادات فانه لا حجة في ايديهم من قبل ان العادات قد تختلف باختلاف الاوقات وباختلاف الناس ايضا والاصقاع وقد سمعت من جماعة من الناس ان بلاد السند من البلاد التي تطول فيها الاعمار ورايت بالرملة في جمادي الاخرة من سنة اثنتي عشرة واربعمائة شريفا من أهل السند يعرف بابي القاسم عيسى بن علي العمري من ولد عمر بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وسالته عن ذلك فقال لي هو صحيح وذكر ان الهرم عندهم قليل وحدثني ان ببلاد السند عندهم رجلا شريفا عمريا وهو أمير من امرائهم انه عاش مذ ان فارقه


[ 248 ]

مائة وستين سنة قال وهذا الشريف هو العباس بن علي بن عمر بن أحمد بن حمزة بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام وليس يشك العاقل في ان العادات بيد الله تعالى وانه يصح منه تغييرها على التدريج واما خرقها وقد تناثرت الاخبار القاطعة للاعذار بحال المعمرين الذين كانوا فيما بعد وقرب من الزمان وروى حديثهم واشعارهم ومبلغ اعمارهم واخبارهم اصحاب السير والاثار حتى جرى ذلك مجرى ما تعلق من الحوادث في الازمان والوقائع واخبار البلدان واشترك في العلم به العلماء وحصل المنكر له كالمنكر لما سواه مما تواترت به الاخبار وقبح في مثله الانكار ولو اقتصر المستدل في جواز طول العمر على هذا الوجه لاغناه من الاطالة والاكثار (اخبار المعمرين * فمن المعمرين الخضر عليه السلام) المتصل بقاؤه الى آخر الزمان ومما جاء من حديثه ان آدم عليه السلام لما حضره الموت جمع بنيه فقال يا بني ان الله تبارك وتعالى منزل على أهل الارض عذابا فيكن جسدي معكم في المغارة حتى إذا هبطتم فابعثوا بي فادفنوني بارض الشام فكان جسده معهم فلما بعث الله نوحا عليه السلام ضم ذلك الجسد وارسل الله تعالى الطوفان على الأرض فغرقت الأرض زمانا فجاء نوح عليه السلام حتى نزل ببابل واوصى بنيه الثلاثة وهم سام ويافث وحام ان يذهبوا بجسده الى المكان الذي امرهم ان يدفنوه فيه فقالوا الأرض موحشة لا انيس بها ولا نهتدي الطريق ولكن نكف حتى يامن الناس ويكثروا وتانس البلاد وتجف فقال لهم ان آدم عليه السلام قد دعا الله تعالى ان يطيل عمر الذي يدفنه الى يوم القيامة فظل جسد آدم عليه السلام حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه وانجز الله تعالى ما وعده والى ما شاء الله ان يحيي وهذا حديث قد رواه مشائخ الدين وثقات المؤمنين المسلمين ولقمان بن عاد الكبير اطول الناس عمرا بعد الخضر عليه السلام وذلك انه عاش الف وخمسمائة سنة ويقال انه عاش عمر سبعة انسر وانه كان ياخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش فإذا مات اخذ آخر فرباه حتى كان آخرها لبد وكان اطولها عمرا فقيل طال الابد على لبد ولما راى هلاكه قال يا لبد اهلكتني نفسك وفيه يقول الاعشى * لنفسك ان تختار سبعة انسر * إذا ما مضى نسر خلوت الى نسر * فعمر حتى خال ان نسوره * خلود وهل تبقى النفوس على الدهر * وقال


[ 249 ]

لادنا هن إذ حل ريشه هلكت واهلكت ابن عاد * وما تدري وهو الذي اراده القائل بقوله اخنى عليه الذي اخنى على لبد ومنهم ربيع بن ضبع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عبس بن قرادة عاش ثلاثمائة سنة واربعين سنة وادرك النبي صلى الله عليه واله ولم يسلم وهو الذي يقول وقد جاوز المائتين * إلا ابلغ بني بني ربيع * واشرار البنين لكم فداء * باني قد كبرت ودق عظمي * فلا يشغلكم عني النساء * وان كنائني لنساء صدق * ولا الى بني ولا اساؤوا * إذا كان الشتاء فادفنوني * فإن الشيخ يهدمه الشتاء * وأما حين يذهب كل قر * فسر بال خفيف أو رداء * إذا عاش الفتى ماتين عاما * فقد ذهب اللذاذة والفتاء * وهو القائل * اصبح مني الشباب قد حسرا * ان ينأ عني فقد ثوى عصرا الابيات * (ومنهم) المستوغر بن ربيعة بن كعب عاش ثلاثمائة سنة وثلاثا و ثلاثين سنة وهو الذي يقول * ولقد سئمت من الحياة وطولها * وعمرت من بعد السنين مئينا ماه * اتت من بعدها ماتان * لي وعمرت من بعد الشهور سنينا (ومنهم) اكثم بن صيفي الاسدي التميمي وكان حكيما مقدما ولم تكن العرب تفضل عليه احدا عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين وهو الذي يقول * وان امرؤ قد عاش تسعين حجة * الى مائة يسام العيش جاهل * خلت ماتان بعد عشر وفازها * وذلك من عد الليالي قلائل * وكان ممن ادرك الاسلام وآمن بالنبي صلى الله عليه واله ومات قبل ان يراه وله احاديث كثيرة وحكم ماثورة فما روى من حديثه انه لما سمع برسول الله صلى الله عليه واله بعث إليه بابنه واوصاه بوصية حسنة وكتب معه كتابا يقول فيه بسمك اللهم من العبد الى العبد فانا بلغنا ما بلغك فقد اتانا عنك خبر لا ندري ما اصله فإن كنت اريت فارنا وان كنت علمت فعلمنا واشركنا في كنزك والسلام فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه واله بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه واله الى اكثم بن صيفي احمد الله اليك ان الله امرني ان اقول لا اله إلا الله اقولها وآمر الناس بها الخلق خلق الله والامر كله لله خلقهم واماتهم وهو ينشرهم وإليه المصير آذنتكم باداب المرسلين ولتسئلن عن النبأ العظيم ولتعلمن نبأه بعد حين فلما وصل كتاب رسول الله صلى الله عليه واله إليه جمع بني تميم ووعظهم وحثهم على المسير معه إليه وعرفهم وجوب ذلك عليهم فلم يجيبوه وعند ذلك سار الى رسول الله صلى الله عليه واله وحده ولم يتبعه غير بنيه


[ 250 ]

وبني بنيه فمات قبل ان يصل إليه وهو اكثم بن صيفي بن رياح بن الحرث بن مجاشر بن شريف جروة بن اسد بن عمرو بن تميم بن مرة (ومنهم) صيفي بن رياح بن اكثم المذكور عاش مائتي سنة وسبعين سنة ولا ينكر من عقله شئ وزعم بعض الرواة انه ذو الحلم الذي قال له المتلمس اليشكري * لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علم الانسان لا يعلما (ومنهم) صبيرة بن سعيد بن سهم بن عمرو عاش مائتي سنة وعشرين سنة ولم يشب قط وادرك الاسلام ولم يسلم روي أبو حاتم والرياشي عن العتبي عن أبيه قال مات صبيرة السهمي وله ماتا سنة وعشرون سنة وكان اسود الشعر صحيح الاسنان فرثاه ابن عمه قيس ابن عدي فقال * من يامن الحدثان بعد صبيرة السهمي ماتا * سبقت منيته المشيب وكان ميتته افتلانا * فتزودوا لا تهلكوا من بين اهلكم خفاتا (ومنهم) دريد بن زيد بن نهد القضاعي عاش اربعمائة سنة وستا وخمسين سنة فلما حضره الموت قال * القى على الدهر رجلا ويدا والدهر ما اصلح يوما افسدا * يفسد ما اصلحه اليوم غدا (وقال ايضا) يا رب نهب صالح حويته * واليوم يكفي لدريد بيته * ورب قرن بطل ارديته * ورب عبل خشن لديته * لو كان للدهر بلى ابليته * أو كان قرني واحدا كفيته (ومنهم) دريد بن الصمة الحبشي عاش دهرا طويلا وسقط حاجباه على عينيه وقيل انه لم يتجاوز مائتي سنة وادرك الاسلام فلم يسلم وشهد يوم حنين مع هوازن وقتل بها وهو القائل لما كبر فإن يك راسي كالنعمامة نسله * يطيف في الولدان احدث كالف * رهينة قعر البيت كل عشية * كاني ارقى أو اصوب في المهد * فمن بعد فضل من شباب وقوة * وشعر اثيت حالك اللون مسود (ومنهم) عمرو بن حممة الدوسي عاش اربعمائة سنة وهو الذي يقول * كبرت فطال العمر حتى كأنني * سليم افاع لليله غير مودع * فما الموت افناني ولكن تتابعت * علي سنون من مصيف ومربع * ثلاث مائين قد مررن كواملا * وها انا هذا ارتجي مر اربع * فاصبحت مثل النسر حل جناحه * إذا هم تطيارا يقال له قع * قال أبو روق حدثنا الوباشي عن عمرو بن بكير عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي قال كنا عند ابن عباس في قبة زمزم وهو يفتي الناس فقام إليه رجل فقال له لقد افتيت اهل الفتوى فافت أهل الشعر قال قل قال ما معنى قول الشاعر لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع العصا * وما علم الانسان الا ليعلما * فقال ذاك عمرو بن حممة الدوسي


[ 251 ]

قضا على العرب ثلاثمائة سنة فلما الزموه وقد راى السادس أو السابع من ولد ولده قال ان فؤادي بضعة منى فربما تغير علي اليوم والليلة مرارا وامثل ما اكون فيهما في صدر النهار فإذا رأيتني قد تغيرت فاقرع العصا فكان إذا راى منه تغيرا قرع العصا فيراجعه فهمه فقال الملتمس لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وما علم الانسان الا ليعلما (ومنهم) زهير بن جناب بن عبد الله بن كنانة بن عوف القضاعي عاش اربعمائة سنة وعشرين سنة وكان سيدا مخلصا شريفا في قومه ويقال انه كانت له عشر خصال لم يجتمعن في غيره عن أهل زمانه كان سيد قومه وخطيبهم وشاعرهم وحكيمهم ووافدهم الى الملوك وطبيبهم والطب في ذلك الوقت شرف وكاهن قومه وفارسهم وله البيت فيهم وله العدد منهم (ومنهم) الحرث بن مضاض الجرهمي اخو اسماعيل عليه السلام من ولد جرهم الاكبر وجرهم بن قحطان بن عابر بن شالح بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام عاش اربعمائة سنة وهو القائل * كان لم يكن بين الحجون الى الصفا * انيس ولم يسمر بمكة سامر * بلى نحن كنا اهلها فابادنا * صروف الليالي والجدود العواثر وهي قصيدة طويلة قد رواها الناس (ومنهم) عامر بن الطرب العدواني عاش مائتي سنة وكان من حكماء العرب وفيه يقول ذو الاصبع العدواني * ومنا حكم يقضي فلا ينقض ما يقضي (ومنهم) الحرث بن كعب المذحجي عاش مائة وستين سنة وله وصيه حسنة لقومه وكان على شريعة المسيح عليه السلام وهو القائل * اكلت شبابي فامضيته * وامضيت من بعد دهر دهورا * ثلاثة اهلين جاورتهم فبادوا * واصبحت شيخا ضعيفا كبيرا * قليل الطعام عسير القيام * قد ترك الدهر خطوى قصيرا * ابيت اراعي نجوم السماء * اقلب امري بطونا ظهورا (ومنهم) الافوه بن مالك الاودي عاش مائتين وثلاثين سنة وله وصية لقومه وقصيدته المشهورة عنه المعروفة * فينا معاشر لن يبنوا لقومهم * وان بني قومهم ما افسدوا واعادوا * لا يرشدون ولن يرعوا لمرشدهم * فالجهل منهم معا والفى ميعاد * اضحوا كفيل ابن عتر في عشيرته * إذ اهلكت بالذي سدى له عادوا * بعده كقدار حين تابعه * على الغواية اقوام فقد بادوا * والبيت لا يبتني إلا له عمد * ولا عماد إذا لم ترس اوتاد * وان تجمع اوتاد واعمدة * وساكن بلغوا الامر الذي كادوا * لا يصلح


[ 252 ]

الناس فوضى لا سراه لهم * ولا سراه إذا جهالهم سادوا * إذا تولى سراه القوم امرهم * نمى على ذاك أمر القوم فازدادوا * يلقى الامور باهل الراي ما صلحت * فإن تولت فبالاشرار تنقاد * امارة الغي ان تلقى الجميع لدى * الابرام للامر والاوتاب اكتاد * كيف الرشاد إذا ما كنت في نفر * لهم عن الرشد اغلال واقياد * اعطوا غواتهم جهلا مقادتهم * فكلهم في حبال الغي منقاد * حان الرحيل الى قوم وان بعدوا * فيهم صلاح لمرتاد وارشاد * فسوف اجعل بعد الأرض دونكم * وان دنت رحم منكم وميلاد * ان النجاة إذا ما كنت ذا بصر * من احبه الغنى ابعاد فابعاد * وروى في قوله اضحوا كفيل بن عتر في عشيرته * انهم كانوا وقد عادوا * وانهم خرجوا الى البيت الحرام ليستسقوا لقومهم * وكانوا قيل ولقمان ومريد وعارق فهم نزلوا على رجل من جرهم فاشتغلوا عنده باللهو والطرب عن الاستسقاء فما افاقوا من لهوهم إلا وقد رفع الله تعالى على قومهم سحابه سوداء فهبت عليهم الريح العقيم فاهلكتهم وان قيلا ضربه الصر فقتله ولحق بهم وان الثلاثة الباقين مروا فكان اطولهم عمرا لقمان بن عاد صاحب النسور وقد تقدم ذكره (ومن المعمرين) نضر بن دهمان بن سليم بن اشجع عاش مائة وتسعين سنه وعاوده شبابه وسواد شعره وصحة عقله بعد ما مضى ذلك وفيه يقول العباس ابن مرداس السلمي لنضر بن دهمان الهنيدة عاشها وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا وعاد سواد الراس بعد بياضه وراجعه شرخ الشباب الذي فاتا * وراجع عقلا بعد ما فات عقله ولكنه من بعد ذاك له ماتا * اتت جلب الخيل من ارض حمير * غرابيب دهما حالكات وكمتاتا (و منهم) امية بن الاسكر الليثي ذكر انه عاش دهرا طويلا حتى خرف فمر به غلام كان يرعى غنمه وهو يحثوا التراب على راسه من الكبر فوقف ينظر إليه فلما افاق امية بصر بالغلام قائما ينظر إليه فانشا يقول * اصبحت لهوا لراعي الضان اعجبه * ماذا يريبك مني راعي الضان * انعق بضانك في نجم تحقره * من الاباطح واحبسها بحدان * انعق بضانك اني قد رعيتهم * بيض الوجوه بني عم واخوان * ابني امية إلا تحضرا كبري * فإن عيشكما والموت سيان * إذ نركب الفرس الاخرى ثلاثتنا * واذ حديثكما والعيش مثلان (وروى) ان عمر بن الخطاب اخبر بخبر امية فسئل عن ابنيه


[ 253 ]

فقيل له ان احدهما بالبصرة والاخر بالكوفة فامر بان يكتب فيهما بان يردا الى ابيهما وقال امية يذكر ابنه كلابا وكان غائبا عنه * تركت اباك مرعشة يداه * وامك ما يسيغ لها شرابا * إذا هتفت حمامة بطن واد * على ابكائها ذكرا كلابا * نمسح مهده شفقا عليه * ونجنبه اباعرنا الصعابا (ومنهم) جعثم بن عوف بن خديجة عاش مائتين وخمسين سنة وقال * حتى متى جعثم في الاحياء * ليس بذي ايد ولا غناء * هيهات ما للموت من دواء (ومنهم) اماناة بن قيس بن الحارث بن شيبان الكندي عاش مائة وستين سنة فقال فيه رجل من كندة * الا ليتني عمرت يا ام خالد * بعمري اماناة بن قيس بن شيباني * لقد عاش حتى قيل ليس بميت * فافنى فئاما من كهول وشبان * فحلت به من بعد حرس وحفته * دويهية حلت بنصر بن دهمان * فاضحي كان لم تغن بالامس في الناس ساعة * رهين صريح في سباسيب كتان (ومنهم) اوس بن ربيعة ابن كعب بن امية الاسلمي عاش مائتي سنة واربع عشرة سنة وهو الذي يقول * لقد عمرت حتى مل اهلي * ثوائي عندهم وسئمت عمري * وحق لمن اتى ماتين عاما * عليه واربع من بعد عشر * يمل من الثواء وصبح يوم * يعادية وليل بعد يسر * فابلى جدتي وتركت شلوا * وبحت بما تجن ضمير صدري (ومنهم) كعب بن الرداد بن هلال بن كعب عاش ثلاثمائة سنة حتى مل من حياته فقال ذلك * لقد ملني الادني وابغض رؤيتي * وابنائي إلا يحب كلامي * على الراحتين مرة وعلى العصا * اكون مليا ما اقل عظامي * فيا ليتني قد سخت في الارض قامة * وليت طعامي كان فيه حمامي (ومنهم) انس بن نواس ابن مالك ابن حبيش بن ربيعة عاش دهرا طويلا ونبتت اسنانه بعد ما سقطت فقال * اصبحت من بعد البزول رباعيا * وكيف الرباعي بعد ما شق بازله * ويوشك ان يلقى بنينا وان يعد * الى جذع نيكل اخاكم ثواكله * إذا ما ثغرنا مرتين تقطعت * حبال الصبى وانبت منها وسائله (ومنهم) ثعلبة بن عبد بن كعب بن عبد الاشهل عاش مائتي سنة وثلاثا وثلاثين سنة وهو جد الضحاك وهو القائل لما عمره * لقد صاحبت اقواما فامسوا * خفاة لا يجاب لهم دعاء * وقوما بعدهم قد نادموني * فامسى موحشا منهم قناء *


[ 254 ]

مضوا قصد السبيل وخلفوني * فطال علي بعدهم الثواء * فاصبحت الغداة رهين قبر * واخلفني من الموت الرجاء (ومنهم) بحر بن الحارث بن امرئ القيس الكلبي عاش مائة و خمسين سنة وادرك الاسلام فلم يسلم وهو القائل * من عاش خمسين عاما قبلها مائة * من السنين واضحى بعد ينتظر * وصار في البيت مثل الحلس مطرحا * لا يستشار ولا يعطى و لا يذر * مل المعاش ومل الاقربون له * طول الحياة وشر العيشة الكبر (ومن المعمرين) ذو جدن الحميري وكان ملكا روى انه عاش ثلاثمائة سنة وهو القائل * لكل جنب واقع مضطجع * والموت لا ينفع منه الجزع اليوم * تجزون باعمالكم * وكل امرئ يحصد ما قد زرع * لو كان شيئا سفلتا حتفه * افلت منه في الجبال الصدع * له سماء وله ارضه * يرفع من شاء ومن شاء وضع (ومن المعمرين) قس بن ساعدة الايادي رحمه الله عاش دهرا طويلا فروى انه عاش ستمائة سنة وروى اقل من ذلك وكان من عقلاء العرب وحكمائهم وهو اول من كتب من فلان بن فلان الى فلان وهو ممن وحد الله تعالى وآمن به واقر بعدله وحكمته وانه خلق العباد وينشرهم بعد الممات وهو اول من قال أما بعد واول من خطب بعصا وفيه يقول الاعشى قيس بن ثعلبة * واحكم من قس واجري من الذي * بذي الفيل خفان اصبح خادرا * ويقول الحطيئة * واقول من قس وامضى إذا مضى * من الريح ان مس النفوس نكالها * وقس الذي يقول * هل الغيث معطي الامن عند نزوله * بحال مسئ في الامور ومحسن * وما قد تولى وهو فات ذاهب * فهل ينفعني ليتني ولو انني * وكذلك يقول لبيد * واخلف قسا ليتني ولو انني * واعني على لقمان حكم التدبر * وكان قس احسن الناس في زمانه عبادة وافصحهم خطابة وابلغهم عظة وكان كثيرا ما يذكر رسول الله صلى الله عليه واله ويبشر الناس به وآمن به قبل مبعثه وكان النبي صلى الله عليه واله يستعلم اخباره ويستعيد من الناس مواعظه ويترحم عليه ويقول ان قسا امة وحده (خبر) قس وما قاله بسوق عكاظ حدثني القاضي أبو الحسن اسد بن إبراهيم السلمي الحراني بمدينة الرملة في سنة عشرة واربعمائة قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن موسى بن إبراهيم


[ 255 ]

الباب سيري الحنظلي قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد من ولد عمر بن الخطاب عن جعفر بن محمد عن محمد بن حسان عن محمد ابن الحجاج اللخمي عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه واله قال ايكم يعرف قس بن ساعدة الايادي قالوا كلنا نعرفه يا رسول الله قال لست انساه بعكاظ على جمل احمر يخطب الناس وهو يقول ايها الناس اجتمعوا فإذا اجتمعتم فاسمعوا فإذا سمعتم فعوا فإذا وعيتم فقولوا فإذا قلتم فاصدقوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت في السماء لخبرا وان في الأرض لعبرا مهاد موضوع وسقف مرفوع ونجوم تمور وبحار لا تغور اقسم قس بالله قسما حقا لا كاذبا فيه ولا آثما ان كان في الارض رضا ليكونن سخط ان لله دينا هو احب إليه من دينكم الذي انتم عليه مالي ارى الناس يذهبون فلا يرجعون ارضوا بالاقامة فاقاموا ام تركوا فناموا ثم قال صلى الله عليه واله ايكم يروي شعره فانشدوه * في الذاهبين الاولين من القرون لنا بصائر * لما رايت مواردا للموت ليس لها مصادر * ورايت قومي نحوها يسعى الاصاغر والاكابر * لا يرجع الماضي ولا يبقى من الباقين غابر * ايقنت اني لا محالة حيث صار القوم صائر * وروى ان رجلا حدث رسول الله صلى الله عليه واله فقال في حديثه خرجت في طلب بعير لي ضل فوجدته في ظل شجرة ينهش من ورقها فدنوت منه فزممته واستويت على كوره ثم اقتحمت واديا فإذا انا بعين خرارة وروضة مدهامة وشجرة عادية وإذا انا بقس قائما يصلي بين قبرين اتخذ له بينهما مسجدا قال فلما انفتل من صلاته قلت له ما هذان القبران فقال هذان قبرا اخوان كانا لي يعبدان الله عز وجل معي في هذا المكان فانا اعبد الله بينهما الى ان الحق بهما قال ثم التفت الى القبرين فجعل يبكي وهو يقول * خليلي هبا طال ما قد رقدتكما * اجدكما ام تقضيان كراكما * ارى خللا في العظم والجلد منكما * كان الذي يسقي العقار سقاكما * الم تعلما اني بسمعان مفرد * وما لي بسمعان حبيب سواكما * مقيم على قبريكما لست بارحا * طوال الليالي أو يجيب صداكما * فلو جعلت نفس لنفس فدائها * لجدت بنفسي ان اكون فداكما * قال فقلت له فلم لا تلحق بقومك فتكون معهم في خيرهم وشرهم فقال ثكلتك امك اما علمت ان ولد اسماعيل تركوا دين ابيهم واتبعوا الاضداد وعظموا الانداد قلت وما هذه


[ 256 ]

الصلاة التي لا تعرفها العرب اصليها لاله السماء فقلت وللسماء اله غير اللات والعزى فامتعظ وامتقع لونه وقال اليك عني يا اخا اياد ان للسماء الها هو الذي خلقها وبالكواكب زينها وبالقمر المنير اشرقها اظلم ليلها واضحى نهارها وسوف تعمهم من هذه الرحمة واومى بيده نحو مكة وبالكواكب برجل ابلج من ولد لوئ بن غالب يقال له محمد صلى اله عليه واله يدعو الى كلمة الاخلاص ما اظن اني ادركه ولو ادركت ايامه لصفقت بكفي على كفه ولسعيت معه حيث يسعى فقال رسول الله صلى الله عليه واله رحم الله اخي قسا يحشر يوم القيامة امة وحده (خبر آخر) عن قس يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه واله والائمة عليهم السلام من بعده اخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد السباط البغدادي قال حدثني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن ايوب البغدادي الجوهري الحافظ قال حدثنا أبو جعفر محمد بن لاحق بن سابق قال حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال حدثني ابي عن الشرقي بن القطامي عن تميم بن وهلة المري قال حدثني الجارود بن المنذر العبدي وكان نصرانيا فاسلم عام الحديبية وحسن اسلامه وكان قارئا للكتب عالما بتأويلها على وجه الدهر وسالف العصر بصيرا بالفلسفة والطب ذا راي اصيل ووجه جميل انشا يحدثنا في ايام عمر بن الخطاب قال وفدت على رسول الله صلى الله عليه واله في رجال من عبد القيس ذوي احلام واسنان وفصاحة وبيان وحجة وبرهان فلما بصروا به صلى الله عليه واله راعهم منظره ومحضره عن بيانهم واعتراهم الرعداء في ابدانهم فقال زعيم القوم لي دونك من اممت بنا اممه فما نستطيع ان نكلمه فاستقدمت دونهم إليه فوقفت بين يديه فقلت سلام عليك يا رسول بابي أنت و امي ثم انشات اقول * يا نبي الهدى اتتك رجال * قطعت قرددا وآلا فالا * جابت البيد والمهامه حتى * غالها من طوى السري ما غالا * قطعت دونك الصحاصح تهوى * لا تعد الكلال فيك كلالا * كل دهياء يقصر الطرف عنها * ارقلتها قلاصنا ارقالا * وطوتها العتاق تجمح فيها * بكماة مثل النجوم تلالا * ثم لما راتك احسن مرءى * افحمت عنك هيبة وجلالا * تتقى شر باس يوم عصيب هائل * اوجل القلوب وهالا * ونداء لمحشرنا الناس طرا * وحسابا لمن تمادى ضلالا * نحو نور من الاله وبرهان * وبر ونعمة لن تنالا * وامان منه لدى الحشر والنشر * إذ الخلق لا يطيق السؤالا * فلك الحوض والشفاعة والكوثر * والفضل إذ ينص السؤالا * خصك الله يا ابن آمته الخير * إذا ما بكت سجال سجالا * انبأ الاولون باسمك فيها * وباسماء بعده تتلألأ *


[ 257 ]

قال فاقبل على رسول الله صلى الله عليه واله بصفحة وجهه المبارك شمت منه ضياء لامعا ساطعا كوميض البرق فقال يا جارود لقد تأخر بك وبقومك الموعد وقد كنت وعدته قبل عامي ذلك ان افد إليه بقومي فلم آته واتيته في عام الحديبية فقلت يا رسول الله بنفسي انت ما كان ابطائي عنك إلا جلة قومي ابطاوا عن اجابتي حتى ساقها الله اليك لما ارادها به من الخير لديك وأما من تأخر عنه فحظه فات منك فتلك اعظم حوبة واكبر عقوبة ولو كانوا ممن رآك لما تخلفوا عنك وكان عنده رجل لا اعرفه قلت ومن هو قالوا هو سلمان الفارسي ذو البرهان العظيم والشان القديم فقال سلمان وكيف عرفته اخا عبد القيس من قبل اتيانه فاقبلت على رسول الله صلى الله عليه واله وهو يتلالا ويشرق وجهه نورا وسرورا فقلت يا رسول الله ان قسا كان ينتظر زمانك ويتوكف ابانك ويهتف باسمك وابيك وامك وباسماء لست اصيبها معك ولا اراها فيمن اتبعك قال سلمان فاخبرنا فانشات احدثهم ورسول الله صلى الله عليه واله يسمع والقوم سامعون واعون قلت يا رسول الله لقد شهدت قسا وقد خرج من ناد من اندية اياد الى صحصح ذي قتاد وسمر وعتاد وهو مشتمل بنجاد فوقف في اضحيان ليل كالشمس رافعا الى السماء وجهه واصبعه فدنوت منه فسمعته يقول اللهم رب هذا السبعة الا رقعة والارضين الممرعة وبمحمد والثلاثة المحامدة معه والعليين الاربعة وسبطيه التبعة الا رفعة والسري الالمعة و سمي الكليم الضرعة والحسن ذي الرفعة اولئك النقباء الشفعة والطريق المهيعة درسه الانجيل وحفظه التنزيل على عدد النقباء من بني اسرائيل محاة الاضاليل نفاة الاباطيل الصادقوا القيل عليهم تقوم الساعة وبهم تنال الشفاعة ولهم من الله فرض الطاعة ثم قال اللهم ليتني مدركهم ولو بعد لاي من عمري ومحياي ثم انشا يقول * متى انا قبل الموت للحق مدرك * وان كان لي من بعد هاتيك مهلك * وان غالني الدهر الحرون بغوله * فقد غال من قبلي ومن بعد يوشك * فلا غرو اني سالك مسلك الاولى * وشيكا ومن ذا للردى ليس يسلك * ثم آب يكفكف دمعه ويرن رنين البكرة قد بريت ببراة وهو يقول * اقسم قس قسما ليس به مكتتما * لو عاش الفي عمر لم يلق منها سئاما * حتى يلاقي احمدا والنقباء الحكماء * هم اوصياء أحمد اكرم من تحت السما * يعمى العباد عنهم وهم جلاء للعمى * لست بناس ذكرهم * حتى اجل الرخما * ثم قلت يا رسول الله انبئني انباك الله بخبر عن هذه الاسماء التي لم نشهدها واشهدنا قس ذكرها فقال رسول الله


[ 258 ]

صلى الله عليه واله يا جارود ليلة اسرى بي الى السماء اوحى الله عزوجل الي ان سل من ارسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا فقلت لهم على ما بعثتم فقالوا على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والائمة منكما ثم اوحى الي ان التفت عن يمين العرش فالتفت فإذا علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي عليهم السلام في ضحضاح من نور يصلون فقال لي الرب تعالى هؤلاء الحجج لاوليائي وهذا المنتقم من اعدائي قال الجارود فقال لي سلمان يا جارود هؤلاء المذكورون في التوراة والانجيل والزبور فانصرفت بقومي وانا اقول * اتيتك يا ابن آمنة الرسولا * لكي بك اهتدي النهج السبيلا * فقلت فكان قولك قول حق * وصدق ما بدا لك ان تقولا * وبصرت العمى من عبد شمس * وكل كان في عمه ضليلا * و انباناك عن قس الايادي * مقالا فيك ظلت به جديلا * واسماء عمت عنا فالت * الى علم و كنت به جهولا (فصل) من الكلام في هذا الخبر (اعلم) ايدك الله تعالى انك تسئل في هذا الخبر عن ثلاثة مواضع (احدها) ان يقال لك كان الانبياء المرسلون عليهم السلام قبل رسول الله صلى الله عليه واله قد ماتوا فكيف يصح سؤالهم في السماء (وثانيها) ان يقال لك ما معنى قولهم انهم بعثوا على نبوته وولاية علي والائمة من ولده عليهم السلام (وثالثها) يقال لك كيف يصح ان يكون الائمة الاثني عشر عليهم السلام في تلك الحال في السماء ونحن نعلم ضرورة خلاف هذا لأن أمير المؤمنين عليه السلام كان في ذلك الوقت بمكة في الأرض ولم يدع قط ولا ادعى له أحد انه صعد الى السماء فاما الائمة من ولده فلم يكن وجد احد منهم بعد ولا ولد فما معنى ذلك ان كان الخبر حقا فهذه مسائل صحيحة ويجب ان يكون معك لها اجوبة معدة (وأما الجواب) عن السؤال الاول فهو انا لا نشك في موت الانبياء عليهم السلام غير ان الخبر قد ورد بان الله تعالى يرفعهم بعد مماتهم الى سمائه وانهم يكونون فيها احياء متنعمين الى يوم القيامة ليس ذلك بمستحيل في قدرة الله تعالى وقد ورد عن النبي صلى الله عليه واله انه قال انا اكرم عند الله من ان يدعني في الارض اكثر من ثلاث وهكذا عندنا حكم الائمة عليهم السلام قال النبي صلى الله عليه واله لو مات نبى بالمشرق ومات وصيه بالمغرب لجمع الله بينهما وليس زيارتنا لمشاهدهم على انهم بها ولكن لشرف المواضع فكانت غيبة الاجسام فيها ولعباده ايضا ندبنا إليها فيصح على هذا ان يكون النبي صلى الله عليه واله راى الانبياء عليهم السلام في السماء فسألهم


[ 259 ]

كما امره الله وبعد فقد قال الله تعالى * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم) * آل عمران فإذا كان المؤمنون الذين قتلوا في سبيل الله تعالى بهذا الوصف فكيف ينكر ان الانبياء عليهم السلام بعد موتهم احياء منعمين في السماء وقد اتصلت الاخبار من طريق الخاص والعام بتصحيح هذا واجمع الرواة على ان النبي صلى الله عليه واله لما خطب بفرض الصلاة ليلة المعراج وهو في السماء قال له موسى عليه السلام ان امتك لا تطيق وان راجع الى الله تعالى دفعه بعد اخرى وما حصل عليه الاتفاق فلم يبق فيه كذب واما الجواب عن السؤال الثاني فهو ان يكون الانبياء عليهم السلام قد اعلموا بانه سيبعث نبيا يكون خاتمهم وناسخا بشرعه شرائعهم واعلموا انه اجلهم وافضلهم وانه سيكون له اوصياء من بعده حفظة لشرعه وحملة لدينه وحجج على امته فوجب على الانبياء عليه السلام التصديق بما اخبروا به والاقرار بجميعه (اخبرني) الشريف يحيى بن أحمد بن إبراهيم بن طباطبا الحسني قال حدثني أبو القاسم عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي عن أبي علي بن همام عن عبد الله بن جعفر الحميري عن عبد الله بن محمد عن محمد بن أحمد عن يونس بن يعقوب عن عبد الاعلى ابن اعين قال سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول ما تنبا نبي قط إلا بمعرفة حقنا وتفضيلنا على من سوانا وان الامة مجمعة على ان الانبياء عليهم السلام قد بشروا بنبينا صلى الله عليه واله ونبهوا على امره ولا يصح منهم ذاك إلا وقد اعلمهم الله تعالى به فصدقوا وآمنوا بالمخبر به وكذلك قد روت الشيعة بانهم قد بشروا بالائمة اوصياء رسول الله صلى الله عليه واله (وأما الجواب عن السؤال الثالث) فهو انه يجوز ان يكون الله تعالى احدث لرسوله صلى الله عليه واله في الحال صورا كصور الائمة عليهم السلام ليراهم اجمعين على كمالهم فيكون كمن شاهد اشخاصهم برؤيته مثالهم ويشكر الله تعالى على ما منحه من تفضيلهم واجلالهم وهذا في العقول من الممكن المقدور ويجوز ايضا ان يكون الله تعالى خلق على صورهم ملائكة في سمائه يسبحونه ويقدسونه لتراهم ملائكته الذين قد اعلمهم بانهم يكونون في ارضه حججا له على خلقه فتتاكد عندهم منازلهم وتكون رؤيتهم تذكارا لهم بهم وبما سيكون من امرهم (وقد جاء في الحديث) ان رسول الله صلى الله عليه واله راى في السماء لما عرج به ملكا على صورة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه وهذا خبر قد اتفق اصحاب الحديث على نقله حدثني به من طريق العامة الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد ابن أحمد بن الحسن بن شاذان القمي ونقلته من كتابه المعروف بايضاح دقائق النواصب وقراته عليه بمكة في المسجد الحرام سنة اثنتي عشرة واربعمائة قال حدثنا أبو القاسم جعفر بن مسرور اللجام قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا


[ 260 ]

أحمد بن علوية المعروف بابن الاسود الكاتب الاصبهاني قال حدثني إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني جرير بن عبد الحميد عن مجاهد عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لما اسري بي الى السماء ما مررت بملا من الملائكة إلا سألوني عن علي بن أبي طالب عليه السلام حتى ظننت ان اسم علي عليه السلام اشهر في السماء من اسمي فلما بلغت السماء الرابعة نظرت الى ملك الموت عليه السلام فقال يا محمد ما خلق الله خلقا إلا اقبض روحه بيدي ما خلا أنت وعلي فإن الله جل جلاله يقبض ارواحكما بقدرته فلما صرت تحت العرش نظرت فإذا انا بعلي بن أبي طالب واقفا تحت عرش ربي فقلت يا علي سبقتني فقال لي جبرائيل عليه السلام يا محمد من هذا الذي يكلمك قلت هذا اخي علي بن ابي طالب عليه السلام قال لي يا محمد ليس هذا عليا ولكنه ملك من ملائكة الرحمن خلقه الله تعالى على صورة علي بن أبي طالب فنحن الملائكة المقربون كلما اشتقنا الى وجه علي بن أبي طالب زرنا هذا الملك لكرامة علي بن أبي طالب على الله سبحانه فيصح على هذا الوجه ان يكون الذين رآهم رسول الله صلى الله عليه واله ملائكة على صور الائمة عليهم السلام وجميع ذلك داخل في باب التجويز والامكان والحمد لله نرجع الى ذكر المعمرين (وقد روى) ان منهم سلمان الفارسي رحمه الله عليه وانه عاش مائتين من السنين (وروى) وان منهم عمرو بن العاص وانه عاش في الجاهلية والاسلام ماتي سنة وانه قال حين احس الموت * مضت مائتا حول لعمرو وبعدها * رمته المنايا بالسهام القواصد * فمات وما حي وان طال عمره * على مر ايام السنين بخالد (ومنهم) امد بن لبد عاش ثلاثمائة وستين سنة وروى ان معاوية بن أبي سفيان قال اني احب ان القى رجلا قد اتت عليه سن وقد راى الناس يخبرنا عما راى فقيل له هذا رجل بحضرموت فارسل إليه فاتاه فقال ما اسمك فقال امد قال ابن من قال ابن لبد قال ما اتى عليك من السنين قال ستون وثلاثمائة سنة قال كذبت ثم تشاغل عنه معاوية ثم اقبل إليه بعد ذلك فقال ما اسمك قال امد قال ابن من قال ابن لبد قال ما اتى عليك من السنين قال ستون وثلاثمائة قال اخبرنا عما رايت من الازمان الماضية الى زماننا هذا من ذاك قال يا أمير المؤمنين وكيف تسال من يكذب قال اني ما كذبتك ولكن احببت اعلم كيف عقلك قال يوم شبيه يوم وليلة شبيهه بليلة يموت ميت ويولد مولود ولو لا من يموت لم تسعهم الأرض ولو لا من يولد لم يبق أحد على وجه الأرض قال فاخبرني هل رايت هاشما قال نعم رايت رجلا طوالا حسن الوجه يقال ان بين عينية بركة أو غرة بركة قال فهل رايت امية قال نعم رايت رجلا قصيرا اعمى يقال


[ 261 ]

ان في وجه اشرا وشؤما قال فهل رايت محمدا قال من محمد قال رسول الله صلى الله عليه واله قال ويحك افلا فخمته كما فخمه الله فقلت رسول الله صلى الله عليه واله قال فاخبرني ما كانت صناعتك قال كنت رجلا تاجرا قال فما بلغت في تجارتك قال كنت لا استر عيبا ولا ارد ربحا قال معاوية سلني قال اسالك ان تدخلني الجنة قال ليس ذاك بيدي ولا اقدر عليه قال فاسالك ان ترد علي شبابي قال ليس ذلك بيدي ولا اقدر عليه قال فلا ارى عندك شيئا من أمر الدنيا ولا من أمر الاخرة فردني من حيث جئت بي قال أما هذا فنعم ثم اقبل معاوية على جلسائه فقال لقد اصبح هذا زاهدا فيما انتم فيه راغبون (ومن المعمرين) عبيد بن شريد الجرهمي عاش ثلاثمائة سنة ولحق ايضا ايام معاويه بن أبي سفيان فروى انه قدم عليه يوما الى الشام فقال معاوية اخبرني اعجب ما رايت قال نعم انتهيت الى قوم يدفنون ميتا فلما فرغوا منه اغرورقت عيناي وتمثلت بهذه الابيات * يا قلب انك في اسماء مغرور * فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير * قد بحت بالحب ما تخفيه من أحد * حتى جرت بك اطلاقا محاضير * ما بت فاصبر فما تدرى اعاجلها * خير لنفسك اما فيه تأخير * فاستقدر الله خيرا وارضين به * فبينما العسر إذ دارت مياسير * وبينما المرء في الاحياء مغتبط * إذ صار في الرمس تعفوه الاعاصير * حتى كأن لم يكن إلا تذكره * والدهر ايتما حال دهارير * يبكي الغريب عليه ليس يعرفه * وذو قرابته في الحي مسرور * وذاك آخر عهد من اخيك إذا * ما الميت ضمنه اللحد الخناسير * يعنى بالخناسير الحفارين فقال لي رجل منهم هل تدري من قال هذه الابيات قلت لا قال هو الذي دفناه (ومن المعمرين العوام) ابن المنذر الطائى عاش دهرا طويلا في الجاهلية وبقى الى ان ادرك خلافة عمر بن عبد العزيز فادخل عليه وقد اختلفت ترقوتاه وسقط حاجباه فقيل له ما ادركت فقال * والله ما ادري اادركت امة * على عهد ذي القرنين ام كنت اقدما * متى تنزعوا عنى اللباس تبينوا * اجاجي يكسين لحما ولا دما * (ومن المعمرين ايضا) تميم بن ثعلبة بن عطاية الربعي عاش مائتي سنة ومعدي كرب الحميري من آل ذي رعين عاش مائتين وخمسين سنة وجعفر قرط الجهني عاش ثلاثمائة سنة وادرك الاسلام واسلم وعوف بن كنانة الكلبي عاش ثلاثمائة سنة وهبل بن عبد الله بن كنانة الكلبي عاش ستمائة وسبعين سنة وحصين بن عتبان الزبيدي عاش مائتين وخمسين سنة وشربة بن عبد الله


[ 262 ]

الجعفي من سعد العشيرة عاش ثلاثمائة سنة وربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وادرك الاسلام فاسلم وكان شاعرا وسيف بن وهب الطائي عاش مائتي سنة وعدوان بن عمرو بن قيس عاش مائتين وخمسين سنة وكف بصره وعاش ابن يزيد الجعفي خمس ومائة سنة وادرك الاسلام وعاش مرداس بن خصيم بن زيد العشيرة مائتين وستا وثلاثين سنة وعاش عمرو بن ربيعة اللخمي ثلاثمائة واربعين سنة (فهذا طرف من ذكر المعمرين) ومختصر مما رواه اصحاب الاثر وعلماء المصنفين قد اوردته لك زيادة على ما تقدم واثباتا للحجة على من يفهم وإذا جاز ان يعمر الله تعالى جماعة من خلقه من انبيائه عليهم السلام واوليائه والمشركين له ويمدهم بصحة الاجساد وثبوت العقل والراي فما الذي ينكر من طول عمر صاحب الزمان عليه السلام وهو حجة الله تعالى على العباد وخاتم الاوصياء من ذرية رسوله الله صلوات الله عليه وعلى آله والموعود بالبقاء حتى يكون على يده هلاك جميع الاعداء ويصير الدين كله لله لو لا ان خصومنا ظالمون معاندون للحق ومكابرون وقد ذاع بين كثير من الخصوم ما يروى ويقال اليوم من حال المعمر (أبي الدنيا المغربي) المعروف بالاشبح وانه باق من عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الى الان وانه مقيم من ديار المغرب في ارض طنجة ورؤية الناس له في هذه الديار وقد عبر متوجها الى الحج والزيارة وروايتهم عنه حديثه وقصته واحاديث سمعها من أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه وقوله انه كان ركابيا بين يديه ورواية الشيعة انه يبقى الى ان يظهر صاحب الزمان صلى الله عليه واله وكذلك حال المعمر (الاخر) المشرقي ووجوده بمدينة من ارض المشرق يقال لها سهرورد الى الان وراينا جماعة راوه وحدثوا حديثه وانه ايضا كان خادما لامير المؤمنين صلوات الله عليه والشيعة تقول انهما يجتمعان عند ظهور الامام المهدي عليه وعلى آبائه افضل السلام (خبر) المعمر المغربي وهو علي ابن عثمان بن الخطاب البلوي حدثني الشريف أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسني بمصر في شوال سنة سبع واربعمائة قال اخبرنا الشريف أبو القاسم ميمون ابن حمزة الحسني قال رايت المعمر المغربي وقد اتى به الى الشريف أبي عبد الله محمد بن اسماعيل سنة عشر وثلاثمائة وادخل الى داره ومن معه وهم خمسة رجال واغلقت الدار وازدحم الناس وحرصت في الوصول الى الباب فما قدرت


[ 263 ]

لكثرة الزحام فرايت بعض غلمان الشريف أبي عبد الله محمد بن اسماعيل وهما قنبر وفرح فعرفتهما اني اشتهي انظره فقالا لي در الى باب الحمام بحيث لا يدري بك فصرت إليه ففتحا لي سرا ودخلت واغلق الباب وحصلت في مسلخ الحمام وإذا قد فرش له ليدخل الحمام فجلست يسيرا فإذا به قد دخل رجل نحيف الجسم ربع من الرجال خفيف العارضين آدم اللون الى القصر اقرب ما هو اسود الشعر يقدر الانسان ان له نحوا من اربعين سنة وفي صدغه اثر كانه ضربة فلما تمكن من الجلوس والنفر معه واراد خلع ثيابه قلت ما هذه الضربة قال اردت ان اناول مولاي امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام السوط يوم النهروان فنفض الفرس راسه فضربني اللجام وكان مخافشجني فقلت له ادخلت هذه البلدة قديما قال نعم وكان موضع جامعكم الفلاني مبقلة وفيها قبر فقلت هؤلاء اصحابك فقال ولدي وولد ولدي ثم دخل الحمام فجلست حتى خرج ولبس ثيابه فرايت عنفقته قد ابيضت فقلت له كان بها صباغ قال لا ولكن إذا جعت ابيضت وشبعت إذا اسودت فقلت قم ادخل الدار حتى تأكل فدخل الباب (وروى) الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام انه حج في تلك السنة وفيها حج نصر القشوري صاحب المقتدر قال فدخلت مدينه الرسول صلى الله عليه واله فاصبت بها قافلة البصريين وفيها أبو بكر محمد بن علي المادراني ومعه رجل من أهل المغرب يذكر انه راى اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله فازدحم عليه الناس وجعلوا يتمسحون به فكادوا يقتلونه قال فامر عمي أبو القاسم طاهر بن يحيى فتيانه وغلمانه ان يفرجوا عنه ففعلوا ودخلوا به الى دار ابن أبي سهل اللطفي وكان طاهر يسكنها واذن للناس فدخلوا وكان معه خمسة رجال ذكر انهم اولاده والاود اولاده فيهم شيخ له نيف وثمانون سنة فسألناه عنه فقال هذا ابني واثنان لكل واحد منهما ستون سنة أو خمسون سنة واخوته ست عشرة سنة فقال هذا ابني ولم يكن معه اصغر منه وكان إذا رايته قلت ابن ثلاثين أو اربعين سنة اسود الراس واللحية شاب نحيف الجسم آدم ربع القامة خفيف العارضين هو الى القصر اقرب واسمه علي بن عثمان بن الخطاب بن مزيد فمما سمعت من حديثه الذي حدث الناس به انه قال خرجت من بلدي انا وأبي وعمي نريد الوفود على رسول الله صلى الله عليه واله وكنا مشاه في قافلة فانقطعنا


[ 264 ]

عن الناس واشتد بنا العطش وعدمنا الماء وزاد بابي وعمي الضعف فاقعدتهما الى جانب شجرة ومضيت التمس لهما ماء فوجدت عينا حسنة وفيها ماء صاف في غاية البرد والطيبة فشربت حتى ارتويت ثم نهضت لاتي بابي وعمي الى العين فوجدت احدهما قد مات وتركته بحاله واخذت الاخر ومضيت به في طلب العين فاجتهدت ان اراها فلم ارها ولا عرفت موضعها وزاد العطش به فمات فحرصت في امره حتى واريته وعدت الى الاخر فواريته ايضا وسرت وحدي الى ان انتهيت الى الطريق ولحقت بالناس ودخلنا المدينة وكان دخولي إليها في اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه واله فرايت الناس منصرفين في دفنه فكانت اعظم الحسرات دخلت قلبي ورآني امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فحدثته حديثي فاخذني فكنت يتيمه فاقمت معه مدة خلافة أبي بكر وعمر ابن الخطاب وعثمان وايام خلافته حتى قتله عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة قال ولما حوصر عثمان بن عفان في داره دعاني ودفع الى كتابا ونجيبا وامرني بالخروج الى امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وكان علي عليه السلام غائبا بينبع في ضياعه وامواله فاخذت الكتاب وركبت النجيب وسرت حتى إذا كنت بموضع يقال له جنان بن أبي عيابة سمعت قرآنا فإذا هو امير المؤمنين عليه السلام يقرا * (افحسبتم إنما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون) * قال فلما نظر الي قال أبا الدنيا ما وراءك قلت هذا كتاب عثمان فقراه فإذا فيه * فإن كنت ماكولا فكن خير آكلي * والا فادركني ولما امزق * فلما قراه قال سر سر فدخلنا المدينة ساعة قتل عثمان فمال أمير المؤمنين الى حديقة بني النجار وعلم الناس مكانه فجاؤا إليه ركضا وقد كانوا عازمين على ان يبايعوا طلحة فلما نظروا إليه ارفضوا عن طلحة ارفضاض الغنم يشد عليها السبع فبايعه طلحة والزبير ثم تتابع المهاجرون والانصار يبايعونه فاقمت معه اخدمه وحضرت معه صفين أو قال النهروان فكنت عن يمينه إذ سقط السوط من يده فانكببت لاخذه وارفعه إليه وكان لجام دابته لمخا فشجني هذه الشجة فدعاني أمير المؤمنين عليه السلام فتفل فيها واخذ حفنه من تراب فتركها عليها فوالله ما وجدت الما ولا وجعا ثم اقمت معه حتى قتل صلوات الله عليه وصحبت الحسن عليه السلام حتى ضرب بالساباط وحمل الى المدائن ولم ازل معه بالمدينة حتى مات عليه السلام مسموما سمته جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي لعنها الله ثم خرجت مع الحسين صلى الله عليه واله بكربلاء وقتل عليه السلام


[ 265 ]

فهربت بديني وانا مقيم بالمغرب انتظر خروج المهدي وعيسى بن مريم صلى الله عليهما قال الشريف أبو محمد الحسن بن محمد الحسني ومما رايت من هذا الشيخ علي ابن عثمان وهو إذ ذاك في دار عمي طاهر بن يحيى وهو يحدث باحاديثه وبدء خروجه إذ نظرت الى عنفقته فرأيتها قد احمرت ثم ابيضت فجعلت انظر الى ذلك لانلم يكن في لحيته ولا راسه ولا عنفقته بياض فنظر الي انظر إليه فقال ما ترون ان هذا يصيبني إذا جعت فإذا شبعت رجعت الى سوادها فدعا عمي بطعام فاخرج من داره ثلاث موائد فوضعت بين يديه وكنت انا ممن جلس معه عليها وجلس عمي معه وكان ياكل ويلقمه فاكل اكل شاب وعمي يحلف عليه وانا انظر الى عنفقته تسود حتى عادت الى سوادها وشبع (حدثني) القاضي أبو الحسن اسد بن إبراهيم السلمي الحراني وأبو عبد الله الحسين بن محمد الصيرفي البغدادي قالا جميعا اخبرنا أبو بكر محمد بن محمد المعروف بالمفيد لقرائتي عليه بحرجرايا وقال الصيرفي سمعت منه املاء سنة خمس وستين وثلاثمائة انه قال حدثنا علي بن عثمان بن الخطاب بن عبد الله بن عوام البلوي من مدينة بالمغرب يقال لها مزيدة يعرف بابي الدنيا الاشبح المعمر قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول كلمة الحق ضالة المؤمن حيث وجدها فهو احق بها (وقال) حدثنا الاشبح قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول احبب حبيبك هونا ما عسى ان يكون بغيضك يوما وابغض بغيضك هونا ما عسى ان يكون حبيبك يوما ما (وقال) حدثنا الاشبح قال سمعت علي بن ابي طالب عليه السلام يقول قال النبي صلى الله عليه واله طوبى لمن رآني أو راى من راى أو راى من راى من رآني (وقال) حدثنا الاشبح قال سمعت عليا عليه السلام يقول انه عهد الى النبي الامي صلى الله عليه واله انه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك الا منافق (وقال) حدثنا الاشبح قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول قال النبي صلى الله عليه واله في الزنا ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الاخرة فاما اللواتي في الدنيا فيذهب بنور الوجه ويقطع الرزق ويسرع الفناء وأما اللواتي في الاخرة فغضب الرب جل وعز وسوء الحساب والدخول في النار (وقال) حدثنا الاشبح قال سمعت علي بن أبي طالب يقول سمعت النبي صلى الله عليه واله يقول من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار (وقال حدثنا الاشبح قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لما نزلت وتعيها اذن واعية قال النبي صلى الله عليه واله سئلت الله عزوجل ان يجعلها اذنك يا علي) وقال حدثنا الاشبح قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول قال رسول الله صلى الله عليه واله لا تتخذوا قبري مسجدا ولا تتخذوا قبوركم مساجد ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي


[ 266 ]

حيث كنتم فإن صلواتكم تبلغني وتسليمكم يبلغني صلى الله عليه واله (وقال) حدثنا الاشبح قال سمعت علي بن طالب يقول ما رمدت ولا صدعت منذ يوم دفع الي رسول الله صلى الله عليه واله الراية يوم يوم خبير (وقال) حدثنا الاشبح قال سمعت عليا عليه السلام يقول من جلس في مجلسه ينتظر الصلاة فهو في صلاة وصلت عليه الملائكة وصلواتهم عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه (وقال) حدثنا الاشبح قال سمعت عليا عليه السلام يقول كان رسول الله صلى الله عليه واله لا يحجبه ولا يحجزه من قراءة القرآن إلا الجنابة (وقال) حدثنا الاشبح سمعت عليا عليه السلام يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول الحرب خدعة (و) قال حدثنا الاشبح قال سمعت عليا عليه السلام يقول قضى رسول الله صلى الله عليه واله في الدين قبل الوصية وانتم تقراون من بعد وصية توصون بها أو دين أو اعيان بني الام يتوارثون دون بني العلات يرث الرجل اخاه لابيه وامه دون اخيه لابيه وقال أبو بكر المعروف بالمفيد رايت اثر الشجة في وجهه وقال اخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بحديثي وقصتي في سفري وموت أبي وعمي وعين الماء التي شربت منها وحدي فقال عليه السلام هذه عين لم يشرب أحد إلا عمر عمرا طويلا فابشر فانك تعمر ما كتن لتجدها بعد شريك منها قال أبو بكر وسالت عن الاشبح اقواما من أهل البلدة فقالوا هو مشهور عندنا بطول العمر يحدثنا بذلك الابناء عن آبائهم عن اجدادهم وقوله في انه لقي علي بن أبي طالب عليه السلام معلوم عندهم متداول بينهم فاما الاحاديث التي رواها عن الاشبح أبو محمد الحسن بن محمد الحسيني مما لم يروه أبو بكر محمد بن أحمد الجرحراي فهي قال الشريف أبو محمد حدثني علي بن عثمان المعمر الاشبح قال حدثني أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله من احب اهل اليمن فقد احبني ومن ابغضهم فقد ابغضني قال وحدثني أمير المؤمنين عليه السلام قال قال لي رسول الله صلى الله عليه واله انا وأنت يا علي ابوا هذا الخلق فمن عقنا فعليه لعنة الله امن يا علي فقلت آمين يا رسول الله وقال يا علي انا وانت اجيرا هذا الخلق فمن منعنا اجرنا فعليه لعنة الله امن يا علي فقلت امين يا رسول الله فقال يا علي انا وأنت موليا هذا الخلق فمن جحدنا ولائنا وانكرنا حقنا فعليه لعنة الله امن يا علي فقلت آمين يا رسول الله آخر اخبار المعمر المغربي (حديث المعمر المشرقي) هذا رجل مقيم ببلاد العجم من ارض الجبل يذكر انه راى أمير المؤمنين عليه السلام ويعرفه الناس بذلك على مر السنين والاعوام ويقول انه لحقه مثل ما لحق المغربي الشجة في وجهه وانه صحب أمير المؤمنين عليه السلام وخد مه وحدثني جماعة مختلفوا المذاهب


[ 267 ]

بحديثه وانهم راوه وسمعوا كلامه منهم أبو العباس احمد بن نوح بن محمد الحنبلي الشافعي حدثني بمدينة الرملة في سنة احدى عشرة واربعمائة قال كنت متوجها الى العراق للنفقة فعبرت بمدينة يقال لها شهرورد من اعمال الجبل قريبة من زنجان وذاك في سنة خمسين اربعمائة فقيل لي ان ههنا شيخا يزعم انه لقى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فلو صرت إليه ورايته لكان ذلك فائدة عظيمة قال فدخلنا عليه فإذا هو في بيته يعمل النوار وإذا هو شيخ نحيف الجسم مدور اللحية كبيرها وله ولد صغير ولد له منذ سنة فقيل له ان هؤلاء القوم من اهل العلم متوجهون الى العراق يحبون ان يسمعوا من الشيخ ما قد لقي من أمير المؤمنين عليه السلام فقال نعم كان السبب في لقائي له اني كنت قائما في موضع من المواضع فإذا انا بفارس مجتاز فرفعت راسي فجعل الفارس يمر يده على راسي ويدعو لي فلما ان عبر اخبرت بانه علي بن أبي طالب عليه السلام فهرولت حتى لحقته وصاحبته وذكر انه كان معه في تكريت وموضع من العراق يقال له تل فلان بعد ذلك وكان بين يديه يخدمه الى ان قبض عليه السلام فخدم اولاده قال لي أحمد بن نوح رايت جماعة من أهل البلد ذكروا ذلك عنه وقالوا انا سمعنا آباءنا يخبرونا عن اجدادنا بحال هذا الرجل وانه على هذه الصفة وكان قد مضى فاقام بالاهواز ثم انتقل عنها لاذية الديلم له وهو مقيم بشهر ورد وحدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن احمد القمي رحمه الله ان جماعة حدثوه بانهم راوا هذا المعمر وشاهدوه وسمعوا ذلك عنه وحدثني بحديثه ايضا قوم من أهل شهرورد وصفوا لي صفته وقالوا هو يعمل الزنانير وفي بعض ما ذكرناه في هذا الباب كفاية والحمد وصلوته على سيدنا محمد رسوله وآله (فصل في الكلام في الاجال) ان سأل سائل فقال ما حقيقة الاجال فقيل له ان الاجال هي الاوقات فاجل الحياة وقتها واجل الموت وقته الذي يوجد فيه وكذلك الاجل في الدين إنما هو وقت وجوبه ويقال للانسان اجل لهذا الامر اجلا معناه اجل لحدوثه وكونه وقتا فإن قال السائل فتقولون ان الاجال محتومه لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها ام تجيزون ان يقدمها الله تعالى ويؤخرها قيل له الذي نقوله ان الله قادر على تأخير اجل الموت بالزيادة في مدة الحيوة وعلى تقديمه بالنقصان منها فإن قال كيف يصح لكم القول بالتقديم والتاخير وما معناه والاجل عندكم هو الوقت فاي وقت حضر موت الانسان فذلك اجله قيل له المعنى في ذلك ان


[ 268 ]

الوقت الذي امات الله تعالى العبد فيه قد كان قادرا على ان لا يميته فيه بل يبقيه بدلا من ذلك ويحييه فيكون هذا هو تأخير اجله والزيادة في عمره والوقت الذي احياه الله تعالى فيه كان قادرا على ان يميته بدلا من ذلك فيه ولا يحييه فيكون هذا هو تقديم اجله والنقص من عمره وجميع ذلك في العقل غير مستحيل وهو المعنى الذي ذهبنا إليه فإن قال فإذا علم سبحانه انه يحيي عبده هذا مائة سنة حسبما تقتضيه عنده المصلحة فكيف يصح مع ذلك ان يزيد في هذا المبلغ أو ينقص قلنا يصح ان يعلم ان المصلحة تقتضي ان يكون عمره مائة سنة ما لم يفعل شيئا معينا فمتى فعله اقتضت المصلحة ان يزيده على المائة عشرين سنة أو ينقصه منها عشرين وهذا ايضا غير مستحيل فإن قال افليس الله تعالى عالما بان العبد سيفعل ما تتغير المصلحة عند فعله أو لا يفعله قلنا بلى ان الله تعالى عالم به وبكل كائن قبل كونه وبما لا يكون ان لو كان كيف يكون حاله فإن قال فإذا كانت حاله معلومة له فقد حصل عمره معلوما فلا معنى للزيادة والنقص ههنا قلنا إنما ذلك على وجه التقدير الذي قد كان ممكنا غير مستحيل وان هذا الممكن لو كان كيف كانت تكون الحال من تأخير في الاجل وتقديم وقد اخبر الله تعالى عن قوم نوح عليه السلام بانهم لو امنوا لا زال عنهم العذاب وامدهم بالاموال والاولاد واخرهم الى اجل مسمى فقال حكايه عن نوح عليه السلام * (يا قوم استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا) * نوح هذا ومع علمه سبحانه وعلم نوح انهم لا يستغفرون ولا يتوبون وانهم باسرهم يغرقون وقال عزوجل * (ولو ان أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) * الاعراف ولا يكون ذلك الا وهم احياء وإنما عني أهل القرى التي اهلكها فاخبر انهم لو آمنوا لاحياهم وانعم عليهم وهو يعلم انهم لا يؤمنون وانه سيهلكهم وقد قال النبي صلى الله عليه واله ان صلة الرحم تزيد في العمر فاخبر عليه السلام ان عمر العبد يكون مقدرا معلوما عند الله تعالى وان هو وصل رحمه زاد الله تعالى في عمره والله تعالى عالم بان هذا العبد ان لم يصل رحمه مات في وقت كذا وان هو وصلها عاش الى وقت كذا وهو مع هذا كله عالم بما يكون منه وهل يصله ام لا يصله قال الله عزوجل * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) * فاطر فإن قال السائل فما تقولون في المقتول لو لم يقتل اكان يجوز ان يبقى حيا أو كان منيته غير هذا ام لا قيل له كل ذلك جائز وجوازه على قسمين احدهما بمعنى انا نشك فيه لعدم دليل القطع على حقيقته بما يكون منه والثاني بمعنى ان


[ 269 ]

الله يقدر على ذلك كله ولا يستحيل منه فهو عندنا لو لم يقتل جاز ان يبقى حيا وجاز ان يموت في الحال من غير قتل ومهما كان من ذلك فهو معلوم قبل كونه تعالى ولو كان الظالم إنما يقتل المظلوم لأن اجله قد حضر ولأن حضور اجله حمله على قتله لم يكن ملوما ولا ظالما بل كان يكون محمولا على ذلك مضطرا وقد ضرب في معنى هذا الرجل مثل فقيل لو كان كل مقتول لو لم يقتل لمات في ذلك الوقت لا محاله ولم يعش لحظة واحدة لكان من قصد الى اغنام رجل فذبحها عن آخرها لا يجوز ان يلومه صاحبها ولا يغرمه بثمنها بل كان يجب ان يشكره على ذبحها لانه لو لم يذبحها لماتت كلها افكان لا ينتفع بشئ منها وفي صحة توجه اللوم إليه دلالة على انه لو لم يذبحها لجاز ان تبقى كلها حية أو يبقى بعضها والله عالم بحقيقة امرها فإن قال افتقولون ان المقتول مات باجله ام تقولون ان قاتله قطع عليه اجله قلنا قد ذكرناه ان حقيقة الاجل هو الوقت و اجل الشئ وقته وإذا كان هذا هو الاصل فالوقت الذي قتل فيه هو اجل موته كما انه هو وقت موته وقد ذكرنا قول الله تعالى في قوم نوح عليه السلام انهم لو آمنوا لابقاهم الى اجل مسمى فلما لم يؤمنوا اهلكوا قبل ذلك الاجل و ليس هذا بمانع من ان نقول بانهم قد هلكوا باجالهم نريد وقت حضور اهلاكهم فإن قال فما معنى قوله سبحانه * (ان اجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون) * وقوله * (فإذا جاء اجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون) * الاعراف قلنا المراد بذلك الاجل الذي علم الله تعالى انهم يميتهم فيه والحمد لله (فصل) واعلم انا نذهب الى ان الله تعالى إذا علم من حال عبد من عبيده انه ان ابقاه آمن من كفره أو تاب من معاصيه وفسقه فإن الواجب في حكمته عزوجل ان يبقيه ولا يحرمه فإن كان قد فعل به ذلك مرة فتاب واقلع ثم عاد في معاصيه ونكث وعلم منه بعد ذلك انه ان ابقاه تاب ايضا واحسن فإن تبقيته لاجل التوبة غير واجبة لأن ذلك لو وجب دائما لم يكن للتكليف اجر وادى الى الخروج من الحكمة والعبث تعالى الله عن كل صفة نقص (مساله فقهيه) ذكرها شيخنا أبو عبد الله المفيد رضوان الله عليه امراة ورثت اربعة ازواج واحدا بعد واحد فصار لها نصف اموالهم جميعا وللعصبة النصف الباقي (جواب) هذه امراه تزوجها اربع اخوه واحدا بعد واحد وورث بعضهم بعضا وكان جميع مالهم ثمانية عشر دينارا للواحد منهم ثمانية دنانير وللاخر منهم ستة دنانير وللاخر ثلاثة دنانير وللاخر دينار واحد فتزوجها


[ 270 ]

الذي له ثمانية دنانير ومات عنها فصار لها الربع مما ترك وهو ديناران وصار ما بقي بين الاخوة الثلاثة لكل واحد منهم ديناران فصار لصاحب الستة ثمانية دنانير ولصاحب الثلاثة خمسة ولصاحب الدينار ثلاثة ثم تزوجها صاحب الثمانية ومات عنها فورثت منه بحق الربع دينارين وصار ما بقي وهو ستة دنانير (بين اخوية لكل واحد منهما ثلاثة دنانير فصار للذي له خمسة دنانير ثمانية دنانير وللذي له ثلاثة ستة ثم تزوجها صاحب الثمانية ومات عنها فورثت منه بحق الربع دينارين وصار ما بقي لاخيه وهي ستة دنانير) فحصل له بهذه الستة مع الستة الاولى اثنا عشر دينارا ثم تزوجها وهو الباقي من الاخوة وله اثنا عشر دينارا ومات عنها فورثت الربع ثلاثة دنانير فصار جميع ما ورثته عنهم تسعة دنانير لانها ورثت من الاول دينارين ومن الثاني دينارين ومن الثالث دينارين ومن الرابع ثلاثة دنانير فذلك تسعة وهي نصف ما كانوا يملكونه والباقي للعصبة كما قلنا (خبر ضرار بن ضمرة عند دخوله على معاويه) (اخبرنا أبو المرجا) محمد بن علي بن طالب البلدي قال اخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن المطلب الشيباني الكوفي قال حدثني منصور بن الحسن بن أبي جلة بانطاكية قال حدثنا محمد بن زكريا بن دينار قال حدثنا العباس بن بكار عن عبد الواحد بن أبي عمرو الاسدي عن محمد بن السائب عن أبي صالح مولى ام هاني قال دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية بن أبي سفيان يوما فقال له يا ضرار صف لي عليا عليه السلام قال أو تعفيني من ذلك قال لا اعفيك قال إذ لا بد فانه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة عن لسانه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما جشب كان والله معنا كاحدنا يدنينا إذا اتيناه ويجيبنا إذا سألناه وكان مع دنوه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ النظيم يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا يياس الضعيف من عدله اشهد بالله لرايته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سدوله وغارت نجومه متماثلا في محرابه قابضا بلحيته يتململ تململ السليم ويبكى بكاء الحزين وكاني اسمعه وهو يقول يا دنيا يا دنيا ابي تعرضت ام الى تشوقت هيهات هيهات غري غيري لا حان حينك قد ابنتك قدسك ثلاثا عمرك قصير و خيرك حقير وخطرك كبير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق فوكفت دموع معاوية على لحيته وجعل يستقبلها بكمه واختنق القوم جميعا بالبكاء وقال هكذا كان أبو الحسن يرحمه الله فكيف وجدك عليه يا ضرار فقال وجد ام واحد ذبح واحدها في حجرها فهي لا يرقى دمعها ولا يسكن حزنها فقال


[ 271 ]

معاوية لكن هؤلاء لو فقدوني لما قالوا ولا جدوا بي شيئا من هذا ثم التفت الى اصحابه فقال بالله لو اجتمعتم باسركم هل كنتم تؤدون عني ما اداه هذا الغلام عن صاحبه فيقال انه قال عمرو بن العاص الصحابة على قدر الصاحب تروى هذه الابيات عن أمير المؤمنين عليه السلام * إذا كنت تعلم ان الفراق * فراق الحيوة قريب قريب * وان المعد جهاز الرحيل * ليوم الرحيل مصيب مصيب * وان المقدم ما يفوت * على ما يفوت معيب معيب * وأنت على ذاك لا ترعوي * فامرك عندي عجيب عجيب * (وقال) امير المؤمنين عليه السلام ما زالت نعمة عن قوم ولا غضارة عيش إلا بذنوب اجترحوها ان الله ليس بظلام للعبيد (بلغنا) ان من كلام الله تعالى الذي انزله على بني اسرائيل اني انا الله لا اله إلا انا ذو مفقر الزناة وتارك تاركي الصلاة عراة (وقال) رسول الله صلى الله عليه واله احسنوا مجاورة النعم لا تملوها ولا تنفروها فانها قل ما نفرت من قوم فعادت إليهم (وقال) عليه الصلوة والسلام من قال قبح الله الدنيا قالت الدنيا قبح الله اعصانا للرب (و) قال عليه السلام من عف عن محارم الله كان عابدا ومن رضى بقسم الله كان غنيا ومن احسن مجاورة من جاوره كان مسلما ومن صاحب الناس بالذي يحب ان يصاحبوه كان عدلا (وقال) عليه السلام من اشتاق الى الجنة سلا عن الشهوات ومن اشفق من النار رجع عن المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات (فصل مما جاء في الخصال) قال رجل لاحد الزهاد اوصيني فقال اوصيك بخصلة واحدة ان الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ولقى حكيم حكيما فقال له عظني واوجز قال عليك بخصلتين لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك من حيث امرك قال زدني قال ما اجد للحالين ثالثة قال حكيم الفرس ثلاث خصال لا ينبغي للعاقل ان يضيعهن بل يجب ان يحث عليهن نفسه واقاربه ومن اطاعه * عمل يتزوده لمعاده * وعلم طب يذب به عن جسده * وصناعة يستعين بها في معاشه * وقال بعض الحكماء اربع خصال يمتن القلب ترادف الذنب على الذنب وملاحات الاحمق وكثرة مثاقبه النساء والجلوس مع الموتى قيل له ومن الموتى قال كل عبد مترف فهو ميت وكل من لا يعمل فهو ميت (و)


[ 272 ]

قال ابن عباس رحمة الله عليه خمس خصال تورث خمسة اشياء ما فشت الفاحشة في قوم قط إلا اخذهم الله بالموت وما طفف قوم الميزان الا اخذهم بالسنين وما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم وما جار قوم في الحكم إلا كان القتل بينهم وما منع قوم الزكوة الا سلط الله عليهم عدوهم (وقال) لقمان الحكيم لابنه في وصيته يا بني احثك على ست خصال ليس منها خصلة الا وهي تقربك الى رضوان الله عزوجل وتباعدك من سخطه الاولى ان تعبد الله ولا تشرك به شيئا والثانية الرضا بقضاء الله فيما احببت أو كرهت والثالثة ان تحب في الله وتبغض في الله والرابعة تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك والخامسة تكظم الغيظ وتحسن الى من اساء اليك والسادسة ترك الهوى ومخالفة الردى (وقال) بعضهم ذو المرؤة الكاملة من اجتمع فيه سبع خصال إذا ذكر ذكر وإذا اعطى شكر وإذا ابتلى صبر وإذا عصى غفر وإذا احسن استبشر وإذا اساء استغفر وإذا وعد انجز ويسر (وقال) بعض الحكماء تحصن بثمان من ثمان بالعدل في المنطق من ملالة الجلساء وبالرؤية في القول من الخطا وبحسن اللفظ من البذاء وبالانصاف من الاعتداء وبلين الكف من الجفاء وبالتودد من ضغائن الاعداء وبالمقاربة من الاستطالة وبالتوسط في الامور من لطخ العيوب (وروى) ان تسع خصال من الفضل والكمال وهن داعية الى المحبة مع ما فيها من القربة والمثوبة الجود على المحتاج والمعونة للمستعين وحسن التفقد للجيران وطلاقد الوجه للاخوان ورعاية الغائب فيمن يخلف واداء الامانة الى المؤتمن واعطاء الحق في المعاملة وحسن الخلق عند المعاشرة والعفو عند المقدرة (واوصى) افلاطون أحد اصحابه بعشر خصال قال لا تقبل الرئاسة على أهل مدينتك البتة ولا تتهاون بالامر الصغير إذ كان يقبل النماء ولا تلاح رجلا غضبانا فانك تقلقه باللجاج ولا تجمع في منزلك نفسين يتنازعان في الغلبة ولا تفرح بسقطة غيرك فانك لا تدري متى يحدث الزمان بك ولا تنتفخ في وقت الظفر فانك لا تدري كيف يدور عليك الزمان ولا تهزل بخطا غيرك فإن المنطق لا تملكة والق الخطا من الناس بنوع الصواب الذي في جوهرك ولا تبذلن مودتك لصديقك دفعة واحدة وصير الحق ابدا امامك تسلم دهرك ولا تزال حرا (تأويل آية) ان سأل سائل عن


[ 273 ]

تأويل قوله عزوجل * (وجاؤا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) * يوسف فقال كيف يصح وصف الدم بانه كذب والكذب من صفات الاقوال لا من صفات الاجسام وما معنى قول يعقوب عليه السلام فصبر جميل وكيف وصفه بذلك ونحن نعلم ان صبره لا يكون إلا جميلا (الجواب) قيل له أما كذب فمعناه في هذا الموضع مكذوب فيه وعليه مثل قولهم هذا ماء سكب وشراب صب يريدون مسكوبا ومصبوبا وكقولهم رجل صوم وامراة نوح والمعنى صائم ونائحة قال الشاعر * فظل جيادهم نوحا عليهم * مقلدة اعنتها صفوفا * اراد نائحه عليهم ويقولون ايضا ما لفلان معقول يريدون عقلا قال الشاعر * حتى إذا لم يتركوا لعظامة * لحما ولا لفؤاده معقولا * وقد قال الفراء وغيره يجوز في النحو بدم كذبا بالنصب على المصدر وتقدير الكلام كذبوا كذبا وانما كان دما مكذوبا فيه لأن اخوه يوسف عليه السلام ذبحوا سخلة ولطخوا قميص يوسف بدمها وجاؤا اباهم بالقميص وادعوا اكل الذئب له فقال لهم يعقوب عليه السلام يا بني لقد كان هذا الذئب رفيقا حين اكل ابني ولم يخرق قميصه وعند ذلك قالوا بل قتله اللصوص فقال كيف قتلوه وتركوا قميصه وهم الى قميصه احوج منهم الى قتله وقد قيل انه كان في قميص يوسف ثلاث آيات احداهن حين جاؤا إليه بدم كذب فتبينه ابوه على ان الذئب لو اكله لخرق قميصه والثانية حين قد قميصه من دبر والثالثة حين القي على وجه أبيه فارتد بصيرا وأما وصف الصبر بانه جميل فلأن الصبر قد يكون جميلا وغير جميل وإنما يكون جميلا إذا قصد به وجه الله تعالى فلما كان في هذا الموضع واقعا على الوجه المحمود وصح وصفه بالجميل وقد قيل انه اراد صبرا لا شكوى فيه ولا جزع معه ولو لم يصفه بذلك لظن مصاحبة الشكوى والجزع له وقد قال أهل العربية ان ارتفاع الصبر هاهنا إنما هو لأن المعنى فشأني صبر جميل والذي اعتقده صبر جميل وقد انشدوا * شكا الي جملي طول السرى * يا جملي ليس الى المشتكا * صبر جميل فكلانا مبتلى * معناه فليكن منك صبر جميل وقد روي ان في قراءة أبي فصبرا جميلا بالنصب وذلك يكون على الاغراء والمعنى فاصبري يا نفس صبرا جميلا قال ذو الرمة إلا إنما مي فصبرا بلية * وقد يبتلى الحر الكريم فيصبر (تأويل خبر) ان سأل سائل فقال ما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه واله انه قال ان الله تعالى خلق آدم عليه السلام على صورته وليس ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه له تعالى بخلقه فإن لم يكن على ظاهره فما تأويله


[ 274 ]

(الجواب) قلنا احد الاجوبة عن هذا ان تكون الهاء عائدة الى الله سبحانه والمعنى انه خلقه على الصورة التي اختارها وقد يضاف الشئ الى مختاره ومنها ان تكون الهاء عائدة الى آدم عليه السلام ويكون المراد ان الله تعالى خلقه على صورته التي شوهد عليها لم ينتقل إليها عن غيرها كتنقل اولاده الذين يكون احدهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ويخلق خلقا من بعد خلق ويولد طفلا صغيرا ثم يصير غلاما ثم شابا ثم كهلا ولم يكن آدم عليه السلام كذلك بل خلق على صورته التي مات عليها ومنها ما رواه الزهري عن الحسن قال مر النبي صلى الله عليه واله برجل من الانصار وهو يضرب وجه غلام له ويقول قبح الله وجهك ووجه من تشبهه فقال له النبي صلى الله عليه واله بئسما قلت ان الله خلق آدم على صورته يعنى صورة المضروب وهذه اجوبة صحيحة والحمد لله (فصل من الاستدلال على صحة النص بالامامة) على أمير المؤمنين عليه السلام من قول النبي صلى الله عليه واله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي اعلم ايدك الله تعالى ان مما يدل على ان أمير المؤمنين عليه السلام المنصوص بالامامة عليه ما نقله جميع الامة وتلقاه بالقبول الخاصة والعامة من قول النبي صلى الله عليه واله له عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي فاوجب له جميع منازل هارون من موسى عليهما السلام إلا ما خصه العرف من الاخوة واستثناه هو عليه السلام من النبوة وذلك موجب له الخلافة والامامة وكاشف عن استحقاقه على الكافة فضل الطاعة واعلم انك تسئل في هذا الدليل عن خمسة مواضع اولها ان يقال لك ما حجتك على صحة الخبر في نفسه وما الذي يدفع به انكار من انكره وثانيها ان يقال لك إذا ثبت الخبر فما الحجة على ان المراد بمنزلة هارون من موسى عليه السلام المذكورة فيه عموم ما يستحقه منه سوى ما ذكرتموه وما انكرتم ان يكون منزلة واحدة و هي التفضيل المزيل لارجاف المنافقين في قولهم ان رسول الله صلى الله عليه واله قاله لما اخلفه في غزاة تبوك وثالثها ان يقال لك إذا ثبت العموم فمن اي وجه استنبطت من ذلك النص بالامامة ووجوب الخلافة لامير المؤمنين عليه السلام ورابعها ان يقال لك إذا ثبت له به الخلافة فما الحجة على انه اراد استحقاقه لها بعده وما انكرتم ان يكون قصده انه خليفته في حياته فقط كما ان هارون إنما خلف موسى في حياته فقط وخامسها ان يقال لك إذا ثبت له بذلك الخلافة بعده فما الحجة على انه اراد بذلك الفور فيكون خليفته الذي


[ 275 ]

يليه دون التراخي فيكون خليفته بعد عثمان (الجواب) عن السؤال الاول أما الحجة على صحة هذا الخبر في نفسه فهي الحجة على صحة خبر الغدير بعينه لمماثلته له في الظهور والانتشار وتواتر الشيعة به تواترا يقطع الاعذار ورواية اكثر اصحاب حديث العامة له في الصحيح عندهم من مسند الاخبار وتلقي الكافة له مع ذلك بالتسليم والاقرار فمن شيعي يحتج به وناصبي يتاوله وليس بينهما دافع له ومن قبل ذلك فاحتجاج أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الشورى وغيره حيث لم ينكره أحد ممن سمعه وكل هذا قد سلف ذكره في خبر الغدير فلا حاجة الى اعادته وهو اوضح حجة على ثبوت الخبر وصحته (الجواب) عن السؤال الثاني وأما الحجة على انه اراد بقوله انت مني بمنزلة هارون من موسى جميع منازله منه على العموم وان عبر عن ذلك بلفظ التوحيد إلا ما استثناه العرف والقول فهو انا وجدنا الناس في هذا الخبر على فرقتين لا ثالث لهما احدهما يذهب الى ان المراد به منزلة واحدة على التحقيق وتدعي ان السبب في ذلك ما روى في غزاة تبوك وهي نفر يسير والفرقة الاخرى تذهب الى عموم القول لجميع المنازل إلا ما خصصه الدليل وهو قول الشيعة واكثر الخصوم إنما انكر هؤلاء المخالفون المعترفون بان الخبر يقتضي العموم ان يكون موجبا لخلافة أمير المؤمنين بعد الرسول عليهما السلام من حيث لم يثبت عندهم ان هارون لو بقي بعد موسى عليهما السلام كان خليفة له ولم يهتدوا في الخبر الى دليل على انه اراد الاستخلاف من بعده وان كان منهم من قد علم ذلك ولكن جذبه الهوى فاصر على الانكار و عاند وإذا لم يكن في الخبر غير هذين القولين فلا شك في انه متى فسد قول من ادعى فيه الخصوص علم صحة قول من ذهب الى العموم والذي يدل على فساد قول من قصره على منزلة واحدة وجود الاستثناء الظاهر فيه الذي لا يصح ايراده إلا والمستثنى منه اكثر من واحد لأن الاستثناء هو اخراج بعض من جملة لو لم يستثن لدخل فيها والخصلة الواحدة لا يصح هذا فيها الا ترى لا يحسن ان يقال رايت زيدا إلا عمرا ويحسن ان يقال رايت القوم الا عمرو فعلم بهذا فساد مقال من قصر الخبر على منزلة واحدة فاما ما تعلقوا به من ان السبب في ذلك ما جرى في غزاة تبوك فغير صحيح لانا عالمون بصحة الخبر ولسنا نعلم صحة ما ذكروه كعلمنا بالخبر فلا طريق لنا الى تخصيص المعلوم بما ليس بمعلوم


[ 276 ]

على ان الروايات قد اتصلت واشتهرت عن رسول الله صلى الله عليه واله بانه قال لامير المؤمنين عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى في مواقف عدة واماكن كثيرة واوقات متفرقة فيجوز ان يكون غزاة تبوك احدها ولكنه لا سبيل لنا الى قصره عليها وان كنا متى خصصناه بها لم يكن منا ما ظنه المخالف من ان الخبر دال على فضيلة المحبة فقط لا يستحيل ان تكون هي السبب فيقول رسول الله صلى الله عليه واله قولا يقتضيه ويتضمن اشياء معداة ويزيد عليه فيكون بما قاله قد اعلم المرجفين انه ما قلاه وان منزلته عنده في المحبة والفضل وعلو القدر والخلافة له في حياته وبعد وفاته نظير منزلة هارون من موسى عليه السلام وهذا مستمر غير مستحيل وأما ما ورد الخبر بلفظ التوحيد في قوله منزلة هارون من موسى ولم يقل منازل هارون فقد جرت العادة بمثل ذلك من ايراد القول مضمنا ذكر منزلة والمراد عدة منازل فيقولون منزلة فلان من الامير كمنزلة فلان وهم يشيرون الى عدة احوال من منازل مختلفة واسباب ولا يكادون يقولون منازل فلان من الامير كمنازل فلان وإنما استعملوا لفظ التوحيد في هذا المكان من حيث اعتقدوا ان المنازل الكثيرة والرتب المختلفة قد حصل جميع ذلك له كالمنزلة الواحدة التي هي جملة وان تفرعت الى اشياء عدة فعبروا عنها بلفظ التوحيد اتساعا لهذه العلة (الجواب) عن السؤال الثالث و أما الوجه الذي علم منه دلالة الخبر على الخلافة والحجة في انه نص على أمير المؤمنين عليه السلام بالامامة فهو ان منازل هارون من موسى عليهما السلام معروفة وقد حصل عليها الاجماع ونطق ببعضها القرآن فمنها انه كان اخاه بالولادة وكان احب الخلق إليه وافضلهم لديه وكان شريكه في النبوة والرسالة وكان عضده الذي شد الله تعالى به ازره قال الله جل اسمه * (واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي اشدد به ازري واشركه في امري) * طه وكان خليفته على قومه عند غيبته قال الله تعالى * (وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) * الاعراف فلما قال النبي صلى الله عليه واله لامير المؤمنين عليه السلام انت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي علمنا انه اراد جميع ما كان لهارون من موسى من المنازل إلا ما اخرجه الاستثناء من النبوة واخرجه ايضا العرف من اخوة الولادة واتضحت الحجة في ان امير المؤمنين عليه السلام احب الخلق الى رسول الله صلى الله عليه واله وافضلهم عنده وانه عضده الذي شد الله به ازره ووزيره في امره


[ 277 ]

وخليفته في امته وهذا بين لمن تدبره (الجواب) عن السؤال الرابع اعلم ان الكلام في هذا السؤال هو معظم ما يدور بينك وبين المخالفين إذا استدللت بهذا الخبر وفي احكام هذا الجواب عنه حسم مادة ما يوردونه عليك من العتب والشغب لانهم ابدا يقولون إذا ثبت لكم بهذا الخبر الاستخلاف فما الدليل على ان رسول الله صلى الله عليه واله اراد به استخلاف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وبعد مماته دون ان يكون مراده قصر هذا الامر على ايام حياته فقط ويقولون هذا اشبه لأن خلافة هارون لموسى عليهما السلام لم تكن إلا في حيوة موسى ولو اراد بذلك النص على خلافته له من بعده لقال أنت مني بمنزلة يوشع من موسى لأن خلافة موسى عليه السلام من بعده كانت ليوشع دون غيره فعن هذا جوابان احدهما في قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى فوائد لا يحصل مثلها لو قال انت مني بمنزلة يوشع من موسى وقال انه يدل على ان امير المؤمنين عليه السلام اعلى الناس قدرا عند رسول الله صلى الله عليه واله وانه تاليه في الفضل والعلم كما ان هارون من موسى عليه السلام وكان خليفته في حياته إذا غاب ولو بقي بعد موسى لكان احق بخلافته من يوشع فجمع رسول الله صلى الله عليه واله لامير المؤمنين عليه السلام بقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى هذه الخصال فهو اعلى الناس قدرا ومحلا وهو تاليه في العلم والفضل وخليفته في حياته ولما بقي بعده كان احق الناس بخلافته ولو قال له أنت مني بمنزلة يوشع من موسى لم يعطه من جميع ما ذكرناه إلا الخلافة من بعده فقط ولم يبق بعد هذا اكثر من ان نبين ان هارون لو بقي بعد موسى كان احق بالخلافة من يوشع والذي يدل على ذلك انه قد ثبت خلافته له في حال حياته بقوله تعالى * (وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي واصلح) * وفي ثبوتها له في حال حياته وجوب حصولها له لو بقي بعد وفاته لأن خروجها عنه في حال من الاحوال مع بقائه حط له عن رتبة عالية كان عليها وصرف له عن ولايته عظيمة فوض إليه الامر فيها وذلك يقتضي الضعة منه وغاية التنفير عنه لانه خلافة النبوة ليست كالخلافة على قرية ومدينة وإنما هي النيابة عن النبي عليه السلام في جميع ما كان يتولاه من أمر الامة والقيام مقامة في اصلاح امور الكافة من تعليمهم وتهذيبهم ووعظهم وتاديبهم وزجرهم وتخويفهم وتوقيفهم وتعريفهم وهذا يقتضي التدين بفرض طاعته وغاية التبجيل والتعظيم له فمتى حط عن هذه المرتبة بعد كونه عليها وانزل عن درجة الخلافة التي رقي إليها زال ما كان له في النفوس من


[ 278 ]

التبجيل والتعظيم وفي ذلك ما ذكرناه من غاية التنفير ومن ذا الذي تكون نفسه ساكنه الى قبول وعظ خليفته يعلم أو يجوز انه سينحط عن رتبة الخلافة الى ان يصير رعية ويهبط من درجة الامامة الى ان يحصل من أحد الامة كسكونها الى من لا يجوز ذلك عليه بل كيف يصح من التابعين غاية التبجيل والتعظيم لمن يعلمون من حاله أو يجوزون ذلك من امره انه سيتأخر بعد مقامه ويصير تابعا لمن كان من اتباعه ومتعلما ممن كان يعلمه ومقتديا بمن كان يقتدى به حتى يسقط ما كان يلزم الناس من فرض طاعته ويصير هو وهم طائعين لمن كان من جملة المطيعين له ومن دفع ان يكون الخروج من هذه المنزلة منفرا كمن دفع ان يكون القباحة في الخلق والذمامة المفرطة في الصور منفرا وقد اجمع معنا خصومنا من المعتزلة على ان الله تعالى يجنب اولياءه وانبياءه عليهم السلام جميع هذا فبان بما ذكرنا ان منزلة هارون من خلافة موسى عليه السلام منزلة لا يجوز خروجه عنها ما دام حيا وانه لو بقي بعد موسى لكان احق بها من يوشع واولى وفي ذلك دليل على ان أمير المؤمنين عليه السلام يستحقها من رسول الله صلى الله عليه واله في حياته وبعد وفاته لبقائه بعده وليس موت هارون في حيوة موسى عليهما السلام بمانع لامير المؤمنين عليه السلام مما هو مستحقه ببقائه الا ترى ان رجلا لو قال لوكيل له اجر على عبدي الرومي في كل يوم جرابة وفي كل شهر صلة ثم قال له بعد ذلك ان منزلة عبدي الحبشي عندي كمنزله ذلك الرومي فاجره مجراه واجعل له من الجاري والصلة نظير ما جعلت له ثم مات الرومي فمعلوم ان موته لا يقطع جراية الباقي ولا يحرمه صلته هذا ما لا يدفعه أحد ولا ينكره فإن قال الخصم فيلزمك على هذه الطريقة ان تقولوا ان طاعة أمير المؤمنين عليه السلام كانت مفترضة على الامة في حيوة رسول الله صلى الله عليه واله قيل له كذلك نقول ولكن بشرط غيبته واما عند حضور النبي صلى الله عليه واله فانه لا يجوز ان تكون الطاعة واجبة الا له وهذا حكم الخليفة في المتعارف والعادة (الجواب الثاني) عن هذا السؤال ان النبي صلى الله عليه واله قد اوضح مراده في كلامه لمن فهم وابان عن قصده من قوله لمن علم وذلك انه اتى بجملة اوجب منها لامير المؤمنين عليه السلام ما اراده واستثنى منها ما لم يرده وعلق ذلك بوقت نفى عنه فيه ما نفى فوجب ان يكون هذا اوجب له فيه ما اوجب ولا يجوز ان يتضمن الكلام استثناء ويكون مقيدا بوقت إلا وهو وقت المنفى منه والموجب مثال ذلك قول القائل قام القوم الا زيدا اليوم فلا يجوز ان يكون اليوم إلا وقتا للحالين ففيه قام القوم وفيه بعينه لم يقم زيد ولو لا ان الامر كما ذكرناه لم يحسن الاستثناء وذكر الوقت وقد قال النبي صلى الله عليه واله بعد ما اوجبه لامير المؤمنين


[ 279 ]

من منازل هارون من موسى عليهما السلام إلا انه لا نبي بعدي فعلمنا ان جميع ما اثبته له مما استحقه هارون من موسى في حياته و هو مثبت له من بعده لانه الوقت الذي قرنه بالاستثناء ولو كان الامر على ما ذكره الخصم من انه اراد بذلك ايام حياته لقال انت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي معي أو لا نبي في حياتي وفي نفيه لما يرده بعده دليل على انه قد اثبت له ما اراده بعده والحمد لله فإن قال الخصم ما تنكرون من ان يكون مراده صلى الله عليه واله بقوله إلا انه لا نبي بعدي إنما هو بعد كوني نبيا وذلك يقتضي حال الحيوة قلنا انكرنا ذلك من قبل ان لفظه بعد إذا خرجت مخرج قول النبي صلى الله عليه واله اوجبت بالعرف والعادة حال الوفاة التي هي بهد حال الحيوة دون ان يوجب حالا في الحيوة الا ترى الى قوله صلى الله عليه واله لامير المؤمنين عليه السلام تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين وقوله ستغدر بك الامة من بعدي وقوله ستفرق كلمتكم من بعدي وقوله إلا لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض كل ذلك يفيد بعد وفاتي ولذلك قول القائل فلان وصيي من بعدي والقائم مقامي من بعدي فإن المعنى فيه بعد موتى وهذا يبطل ما ظنه الخصم على انه لو سلم له ما ادعاه وبلغ منه مناه لم يخرج عن الحق الذي قصدناه لأن نفي النبوة بعده ينتظم بعد كونه نبيا في حيوته وبعد وفاته والى آخر الابد وما ثبت لامير المؤمنين عليه السلام في متضمن اللفظ من المنازل التي لم تنتف بنفي النبوة يجب ان يثبت له في سائر احوال النفي حتى يكون خليفته في حياته في كل حال غاب فيها عن امته وخليفته من بعده ما دامت حيوته صلى الله عليه واله وهذا واضح لمن تأمله (الجواب) عن السؤال الخامس وأما الحجة على ان الخلافة الواجبة لامير المؤمنين عليه السلام بنص رسول الله صلى الله عليه واله في هذا الخبر تجب له بعده بغير فصل دون ان يكون المراد بذلك وجوبها له بعد عثمان فهي واضحة من وجوه (احدها) انا قد بينا استحقاقه للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه واله بهذا الخبر وانه القائم بعده مقام هارون لو بقي بعد موسى عليهما السلام واقمنا الدليل على ان هارون لو بقي لكان خليفة لموسى من بعده يليه بغير فصل فعلمنا ان امير المؤمنين عليه السلام كذلك وانه خليفة رسول الله صلى الله عليه واله الذي يليه من بعده بغير فصل (والوجه الثاني) ان قول النبي صلى الله عليه واله في الخبر الا انه لا نبي بعدي قد افاد انه الخليفة بعده بما قدمنا بيانه وقد علمنا ان نفيه للنبوة بعده لا يتخصص بزمان دون زمان بل يعم جميع الاوقات والاحوال فيجب ان يكون الثابت لامير المؤمنين عليه السلام في الخبر عاما بعده في جميع الاوقات غير مخصص بحال دون حال فهو الخليفة من بعده على الفور وما اتصل ببقائه الزمان وقد تقدم هذا


[ 280 ]

القول على البيان وإنما اعدناه لانه جواب عن هذا السؤال (الوجه الثالث) ان الناس في امامة أمير المؤمنين عليه السلام طائفتان فاحداهما تقول ان الخلافة إنما وجبت له بعد عثمان باختيار الامة له ولم تجب له بهذا الخبر ولا بغيره من الاخبار وان النص عليه المتضمن كونه خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه واله لم يكن في حال من الاحوال (والطائفة الاخرى) تقول ان الامامة لا تجب لاحد إلا بالنص دون الاختيار وان هذا الخبر من جملة النصوص عن أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وانه اول خلفائه ومتقدم اوصيائه وتدبيره يلي تدبيره وامامته بعد وفاته بغير فصل بينه وبينه وليس من الامة من يذهب الى غير هذين القولين وفي ثبوت الخبر وضوح ما تضمنه من النص على أمير المؤمنين عليه السلام بالامامة واستحقاقه لذلك بعد رسول الله صلى الله عليه واله دلالة على بطلان مقال من ذهب الى الاختيار فلم يبق اذن الا قول اصحاب النص الذين يعتقدون انه الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه واله بغير فرق وهذا مغن لمن كان له عقل والحمد لله (فصل) من الحديث المسند في نقل العامة الشاهد بان رسول الله صلى الله عليه واله قال لامير المؤمنين عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى في اوقات عدة واحوال مختلفة غير المذكور في غزاة تبوك حدثني القاضي أبو الحسن اسد بن إبراهيم بن كليب السلمي الحراني بمدينة الرملة في سنة عشر واربعمائة قال اخبرني الخطيب أبو حفص عمر بن علي بن الحسن العتكي قال قرات على محمد بن إبراهيم السمرقندي حدثكم محمد بن عبد الله بن حكيم قال حدثنا سفيان بن بشر الاسدي قال حدثنا علي بن هاشم عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع ان النبي صلى الله عليه واله جمع بني عبد المطلب في الشعب وهم يومئذ اربعون رجلا قال فجعل لهم علي عليه السلام فخذا من شاة ثم ثرد لهم ثريده وصب عليها المرق وترك عليها اللحم وقدمها فاكلوا منها حتى شبعوا ثم سقى عسا واحدا فشربوا كلهم منه حتى رووا فقال أبو لهب والله ان منا لنفرا ياكل الرجل منهم الجفنة فما تكاد تشبعه ويشرب الفرق وما يرويه وان هذا الرجل دعانا في جمعنا على رجل شاة وعس من لبن فشبعنا وروينا منها ان هذا لهو لسحر المبين ثم دعاهم فقال ان الله عزوجل امرني ان انذر عشيرتي الاقربين ورهطي المخلصين وان الله تعالى لم يبعث نبيا الا جعل له من اهله اخا ووارثا ووزيرا ووصيا وخليفة في اهله فايكم يبايعني على انه اخي ووزيري ووارثي دون اهلي ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي فسكت القوم فاعاد الكلام عليهم ثلاث مرات


[ 281 ]

وقال والله ليقومن قائمكم أو يكون في غيركم ثم لتندمن قال فقام علي عليه السلام وهم ينظرون كلهم إليه فبايعه واجابه الى ما دعاه فقال له ادن مني فدنا منه فقال افتح فاك ففتح فاه فمج فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وتفل بين قدميه فقال أبو لهب لبئس ما حبوت به ابن عمك إذ جاءك فملات فاه بزاقا فقال رسول الله صلى الله عليه واله ملئ حكمة وعلما وفهما فقال لابي طالب ليهنئك ان تدخل اليوم في دين ابن اخيك و قد جعل ابنك مقدما عليك وحدثني القاضي السلمي رحمه الله قال اخبرني أبو حفص العتكي قال حدثني سعيد بن محمد الحافظ قال اخبرني أبو حصين محمد بن الحسين الكوفي في قراءة قال حدثنا عبادة بن زياد الازدي قال حدثنا كادح بن جعفر العابد عن عبد الله بن لهيعة عن ابي عبد الرحمن بن زياد الافريقي عن مسلم بن يسار عن جابر بن عبد الله الانصاري قال لما قدم علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه واله بفتح خيبر قال رسول الله صلى الله عليه واله لو لا ان تقول فيك طائفة من امتي ما قالت النصاري في المسيح بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملا إلا اخذوا التراب من تحت قدميك ومن فضل طهورك فاستشفوا به وليكن حسبك ان تكون مني وانا منك ترثني وارثك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي وانك تبرئ ذمتي وتقاتل على سنتي وأنك غدا في الاخرة اقرب الناس مني وانك اول من يرد علي الحوض وانك على الحوض خليفتي وانك اول من يكسى معي وانك اول داخل الجنة من امتي وان شيعتك على منابر من نور مبيضه وجوههم حولي اشفع لهم ويكونون غدا في الجنة جيراني وان حربك حربي وسلمك سلمي وان سريرتك سريرتي وعلانيتك علانيتي وان ولدك ولدي وانك منجز عداتي وانك على الحوض وليس أحد من الامة يعدلك عندي وان الحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك وان الايمان خالط لحمك و دمك كما خالط لحمي ودمي وانه لا يرد علي الحوض مبغض لك ولك مغيب محب لك غدا عني حتى يرد علي الحوض معك يا علي فخر علي عليه السلام ساجدا ثم قال الحمد لله الذي من علي بالاسلام وعلمني القرآن وحببني الى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين احسانا منه الي وفضلا منه علي فقال رسول الله صلى الله عليه واله يا علي لو لا أنت لم يعرف المؤمنون من بعدي وحدثني القاضي السلمي قال اخبرني العتكي قال اخبرني محمد بن أحمد بن صفوة المصيصي قال حدثنا الحسن بن علي العلوي قال حدثنا الحسن بن حمزة النوفلي قال


[ 282 ]

حدثنا سليمان بن جعفر الهاشمي قال حدثنا جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال آخى رسول الله صلى الله عليه واله بين اصحابه فقلت يا رسول الله آخيت اصحابك وتركتني فردا لا اخ لي فقال إنما اخرتك لنفسي أنت اخي في الدنيا والاخرة وأنت مني بمنزلة هارون من موسى فقمت وانا ابكي من الجذل والسرور فانشات اقول * اقيك بنفسي ايها المصطفى الذي * هدينا به الرحمن من عمة الجهل * ونفديك حوباتي وما قدر مهجتي * لمن انتمى معه الفرع والاصل * ومن جده جدي ومن عمه أبي * ومن اهله ابني ومن بنته اهلي * ومن ضمني إذ كنت طفلا ويافعا * وانعشني بالبر والعل والنهل * ومن حين آخا بين من كان حاضرا * دعاني فاخاني وبين من فضلي * لك الخير اني ما حييت لشاكر * لاحسان ما اوليت يا خاتم الرسل * وحدثني ايضا القاضي أبو الحسن السلمي رحمه الله قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد الحنظلي الباب سيري بواسط قال حدثني عبد الله بن أحمد بن عامر قال حدثنا أبو العباس محمد بن يونس قال حدثنا أحمد بن مغا قال حدثنا الاردبيلي قال حدثنا محمد بن يعقوب ومعاذ بن حكيم عن عبد الرزاق بن همام عن معمر عن الزهري عن عوف بن مالك المازني عن ابن عباس قال رايت أبا ذر الغفاري متعلقا بحلقة ببيت الله الحرام وهو يقول يا ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني انباته باسمي انا جندب الربذي أبو ذر الغفاري اني رايت رسول الله صلى الله عليه واله في العام الماضي وهو آخذ بهذه الحلقة وهو يقول يا ايها الناس لو صمتم تكونوا كالاوتار وصليتم حتى تكونوا كالحنايا ودعوتم حتى تقطعوا اربا اربا ثم بغضتم علي بن أبي طالب عليه السلام اكبكم الله في النار قم يا أبا الحسن فضع خمسك في خمسي يعني كفك في كفي فإن الله اختارني واياك من شجرة انا اصلها وأنت فرعها فمن قطع فرعها اكبه الله على وجهه في النار علي سيد المسلمين وامام المتقين يقتل الناكثين والمارقين والجاحدين علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي وحدثنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن شاذان القمي رضي الله عنه بمكة في المسجد الحرام سنة اثنتي عشرة واربعمائة قال حدثنا القاضي المعافي بن زكريا الجريري املاء من حفظه قال حدثنا محمد بن مزيد قال حدثنا أبو كريب محمد بن العلا قال حدثنا اسماعيل بن صبيح قال حدثنا أبو اويس


[ 283 ]

قال حدثنا محمد بن المكندر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي بن أبي طالب عليه السلام اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي ولو كان لكنه ومما رواه السلمي ايضا وكتبه عن الحنظلي الباب سيري قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا محمد بن سلمى الباغيدي قال حدثنا جعفر بن عمر الايلي قال حدثنا اربعة ابن ابي ذويب وإبراهيم بن سعد ويزيد بن عياض الليثي ومالك بن انس قالوا حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب انه قال سعد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي بن أبي طالب عليه السلام حين خرج الى غزاة تبوك ان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي قال نعم وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي هذه المقالة في غزاته هذه غير مرة والاخبار المروية في هذا المعنى كثيرة في نقل الخاصة والعامة وفيما اوردته كفاية والله اعلم والحمد لله (فصل من آداب أمير المؤمنين صلوات الله عليه وحكمه) المرء حيث يجعل نفسه * من دخل مداخل السوء اتهم * من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من اساء به الظن * من اكثر من شئ عرف به * من مزح استخف به * من اقتحم البحر غرق * المزاح يورث العداوة * من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر * ما ضاع امرؤ عرف قدره * اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان ام وضيعا * من تعدى الحق ضاق مذهبه * من جهل شيئا عاداه * اسوء الناس حالا من لم يثق باحد لسوء ظنه * ولم يثق به أحد لسوء فعله * لا دليل انصح من استماع الحق * من نظف ثوبه قل همه * الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسوا إذا لوطف * حسن الاعتراف يهدم الاقتراف * اخر الشر فانك إذا شئت تعجلته * احسن إذا احببت يحسن اليك * إذا جحد الاحسان حسن الامتنان * العفو يفسد من اللئيم بقدر اصلاحه من الكريم * من بالغ في الخصومة اثم * ومن قصر عنها خصم * لا تظهر العداوة لمن لا سلطان لك عليه (فصل) قال شيخنا المفيد رحمه الله أحد عشر شيئا من الميته التي تقع عليها الذكاة حلال وهي الشعر و الوبر والصوف والريش والسن والعظم والظلف والقرن والبيض واللبن والانفحة وعشرة اشياء من الحي الذي تقع عليه الذكاه حرام وهي الفرث والدم والقضيب والانثيين والحيا والرحم والطحال والاشاجع وذات العروق قال ويكره اكل الكليتين لقربهما من مجرى البول وليس اكلها حراما


[ 284 ]

(فصل) املى علي شيخي رحمه الله ان في الراس والجسد اربع فرايض وعشر سنن ففريضتان في الراس وهما غسل الوجه في الوضوء والمسح بالراس وفريضتان في الجسد وهما غسل اليدين ومسح الرجلين وأما السنن فهي سنن إبراهيم الخليل عليه السلام وهي الحنيفية خمس منها في الراس وهي فرق الشعر لمن كان على راسه شعر وقص الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق وخمس منها في الجسد وهي الختان وقص الاظافير ونتف الابطين وحلق العانة والاستنجاء (قضية) لامير المؤمنين عليه السلام روى ان امراة علقت بغلام فراودته عن نفسه فامتنع عليها فقالت والله لئن لم تفعل لافضحنك فلم يفعل فاخذت بيضة فالقت بياضها على ثوبها وتعلقت به واستغاثت بامير المؤمنين عليه السلام وقالت يا أمير المؤمنين ان هذا الغلام كابرني على نفسي وقد اصاب مني وهذا ماؤة على ثوبي فسئله امير المؤمنين عليه السلام فبكى وقال والله يا امير المؤمنين لقد كذبت وما فعلت شيئا مما ذكرت فوعظها أمير المؤمنين عليه السلام فقالت والله لقد فعل وهذا ماؤه فقال أمير المؤمنين علي بقنبر فجئ به فقال له مر من يغلي ماء حتى تشتد حرارته وصر به الي فلما اتى بالماء الحار امر ان يلقي على ثوبها فالقى فانسلق بياض البيض وظهر امره فامر رجلين من المسلمين ان يطعماه ويلفظاه ليقع العلم اليقين به ففعلا فرأيا بيضا فخلى الغلام وأمر بالمراة فاوجعها ادبا (مسألة) في المني و نجاسته ووجوب غسل الثوب ان سئل سائل فقال ما الحكم عندكم في المني فهل هو طاهر ام نجس قيل له المني نجس يجب غسل ما اصاب الثوب منه وان كان قليلا ولا تجوز الصلاة في ثوب فيه شئ منه سواء كان رطبا أو يابسا فإن قال ما الدليل على ذلك قيل له نقل الشيعة باسرهم على كثرتهم واستحالة التواطؤ على ذلك منهم والخبر يتواتر بنقل بعضهم وقد روى جميعهم ما ذكرناه عن سلفهم عن ائمتهم عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله جدهم وفي هذا الدليل غنى عن غيره وبعد ذلك فقد نستدل بما روى عمار بن ياسر رحمه الله انه قال رآني رسول الله صلى الله عليه واله وانا اغسل من ثوبي موضعا فقال لي ما تصنع يا عمار فقلت يا رسول الله نخمت نخامة فكرهت ان تكون في ثوبي فغسلتها فقال لي يا عمار وهل نخامتك ودموع عينيك وما في ادواتك إلا سواء إنما يغسل الثوب من البول الغائط أو المني ووجوب غسل الثوب منه لان رسول الله صلى الله عليه واله اضاف الطاهر الى الطاهر والنجس الى النجس فلو كان المني طاهرا لا يغسل الثوب منه لاضافه الى ما ميزه بالطهارة ولم يخلطه بما قد علم منه النجاسة


[ 285 ]

التي اوجب غسل الثوب منها في الشريعة فإن قال السائل خبركم هذا الذي رويتموه عن عمار غير سالم لانه قد عارضه خبر عائشة وقولها ان رسول الله صلى الله عليه واله كان يصلي وانا افرك الجنابة من ثوبه وفي صلوة النبي صلى الله عليه واله بها وهي في ثوبه دلالة على طهارتها قيل له هذا غير صحيح لما روى من ان رسول الله صلى الله عليه واله كان له بردان معزولان للصلوة لا يلبسهما إلا فيها وكان يحث امته على النظافة ويامرهم بها وان من المحفوظ عنه في ذلك قوله ان الله يبغض الرجل القاذورة قيل وما القاذورة يا رسول الله قال الذي يتوقف به جليسه ومن يكون هذا قوله وامره لا يجلس والمني في ثوبه فضلا عن ان يصلي وهو فيه وليس يشك العاقل في ان المني لو لم يكن من الانجاس المفترض اماطتها لكان من الاوساخ التي يجب التنزه عنها وفيما صح عندنا من اجتهاد رسول الله صلى الله عليه واله في النظافة وكثرة استعماله للطيب على ما اتت به الرواية دال على بطلان خبر عائشة وشئ آخر وهو ان عمارا رحمه الله قد اجتمعت الامة على صحة ايمانه واتفقت على تزكيته وعائشة قد اختلف فيها وفي ايمانها ولم يحصل الاتفاق على تزكيتها فالاخذ بما رواه عمار رضي الله عنه اولى وشئ آخر وهو ان خبر عمار يحظر الصلاة في ثوب فيه مني أو يغسل وخبر عائشة يبيح ذلك والمصير الى الحاظر من الخبرين اولى واحوط في الدين وشئ آخر وهو ان عمارا رضي الله عنه حفظ قولا عن رسول الله عليه الله عليه واله رواه وعائشة لم تحفظ في هذا قولا وإنما اخبرت عن فعلها وقد يجوز ان يكون توهمت ان في ثوبه جنابة أو رات شيئا شبهته بها هذا مع تسليمنا لخبرها فروت بحسب ظنها ثم يقال للخصم إذا كانت الجنابة عندك طاهرة يجوز الصلاة فلم فركتها عائشة واجتهدت في قلعها والا تركتها كما تركها عندكم رسول الله صلى الله عليه واله وصلى فيها فإن قال السائل إذا كان المني نجسا فكيف خلق الله تعالى منه الطاهرين من الانبياء المصطفين والعباد الصالحين قيل له هذا السؤال عائد على سائله وهو ان يقال له إذا كان المني طاهرا فكيف خلق الله تعالى منه النجسين من الفراعنة والشياطين والكفار والمشركين وبعد فالمني جسم ونجاسته عرض والاعراض تنتقل وقد رأينا نجسا صار طاهرا وطاهرا عاد نجسا ولو قال للخصم قائل إذا كان الدم نجسا فكيف جعله الله تعالى قوام جسم المؤمن وصحة كونه حيا وإذا كانت العذرة نجسة فكيف حملها المؤمن واستقرت في جسمه والسؤال عن هذه المواضع ساقط لا معنى له (فصل) جاء في الحديث ان قوما اتوا الى رسول الله صلى الله عليه واله فقالوا له الست رسولا من الله تعالى قال لهم بلى قالوا له وهذا القرآن الذي اتيت به كلام الله تعالى قال نعم قالوا فاخبرنا عن قوله * (انكم وما تعبدون


[ 286 ]

من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون) * إذا كان معبودهم معهم في النار فقد عبدوا المسيح عليه السلام افتقول انه في النار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه واله ان الله انزل القرآن علي بكلام العرب والمتعارف في لغتها وعند العرب ان ما لا يعقل ومن لمن يعقل والذي يصلح لهما جميعا فان كنتم من العرب فانتم تعلمون هذا قال الله تعالى * (انكم وما تعبدون) * يريد الاصنام التي عبدوها وهي لا تعقل والمسيح عليه السلام لا يدخل في جملتها لانه يعقل ولو قال انكم ومن تعبدون لدخل المسيح عليه السلام في الجملة فقال القوم صدقت يا رسول الله وفي الخبر دليل على ان رسول الله صلى الله عليه واله كان يحاج ويناظر ويعارض ويفصل ويوضح الجواب لسائله ويثبت الحجة على خصمه ولا يدعو الى التقليد بل يوضح التقليد باقامة الدليل فإن قال قائل إذا كان الذين عبدوا الاصنام في النار لشركهم وكفرهم فلاي وجه تكون الاصنام في النار معهم وهي لم تكفر ولا يصح ان يعذب ايضا ما ليس بحي قلنا ان المراد بذلك ان يرى العابدون لها انها لم تغن عنهم شيئا وانها بحيث هم لا تدفع عن انفسها لو كانت حية قادرة ولا عنهم وعلى هذا المعنى يتاول قوله سبحانه * (وقودها الناس والحجارة) * وانها الحجارة التي عبدوها وهي الاصنام قال الله تعالى حكايه عن اهل النار لو كان هؤلاء آلهه ما وردوها وكل فيها خالدون (سؤال عن آيات) ان سئل سائل فقال ما معنى قول الله تبارك وتعالى * (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لاجل معدود يوم ياتي لا تكلم نفس الا باذنه) * هود وقوله تعالى في موضع آخر * (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) * المرسلات وقال في موضع آخر * (فاقبل بعضهم على بعض يتسائلون) * الصافات والطور وظاهر هذه الايات مختلف لأن بعضها ينبئ عن ان النطق لا يقع منهم في ذلك اليوم ولا يؤذن لهم فيه وبعضها ينبئ عن خلافه فالجواب انه تعالى إنما اراد بما نفا نفي النطق المسموع المقبول الذي يكون لهم فيه حجة أو عذر ولم ينف النطق الذي ليست هذه حاله ويجري هذا مجرى قولهم خرس فلان عن حجته ومرادهم بذلك انه لم يات بحجة ينتفع بها وان كان قد تكلم كلاما كثير وقولهم حضرنا فلانا يناظر فلم يقل شيئا والمراد انه لم يات بكلام سديد وقول صحيح وان كان قد قال قولا غزيرا فاطلقوا اللفظ في الكلام والمراد ما ذكرناه وقد قال الشاعر (شعر) اعمى إذا ما جارتي خرجت * حتى يواري جارتي الخدر * ويصم عما كان بينهما * سمعي ويأتي غيره وقر * وهذا التأويل في نفي القول لا يمنع من وقوع التسائل والتلاوم بينهم الذي ليس لهم فيه حجة ولا يثمر فائدة فاما


[ 287 ]

قوله سبحانه وتعالى * (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) * فالتاويل الحسن ان يحمل يؤذن لهم على معنى انه لا يسمع منهم ولا يقبل عذرهم والعلة في امتناع قبول عذرهم هي ما قدمنا من انهم لا يعتذرون بعذر صحيح ولا ياتون بقول مصيب (سؤال آخر) فإن قال فقد قال الله تعالى في موضع من كتابه * (وقفوهم انهم مسئولون) * الصافات فاوجب السؤال وقال في موضع آخر * (فاليوم لا يسئل عن ذنبه انس ولا جان) * الرحمن فنفى السؤال وظاهره متناقض واختلاف (فالجواب) ان السؤال الذي اوجبه سبحانه وهو سؤال المطالبة بالواجبات وتضييع المفروضات والسؤال الذي نفاه عزوجل هو سؤال الاستعلام والمعنى في ذلك ان الله تعالى علم جميع ما فعلوه ولا يخفى عليه شئ مما اتوه فلا حاجة الى السؤال عن ذنبهم ولا حاجة للملائكة ايضا الى السؤال عن المذنب منهم لأن الله تعالى يجعل لهم سيماء يعرفون به وذلك قوله عزوجل * (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والاقدام) * الرحمن (فصل) مما ورد في ذكر النصف روى ان رسول الله صلى الله عليه واله قال التودد الى الناس نصف العقل وحسن السؤال نصف العلم والتقدير في النفقة نصف العيش (و) جاء في خبر آخر عنه عليه السلام التقدير نصف المعيشة (و) روى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال الهم نصف الهرم والسلامة نصف الغنيمة (و) قال بعض الحكماء الخوف نصف الموت (و) قال آخر المخافة شطر المنية (و) قيل الراحة نصف السلامة وحسن الطلب نصف العلم والتودد نصف الحزم وحسن التدبير نصف الكسب (و) قال بعض الحكماء نصف رايك مع اخيك يريد بذلك وجوب المشاورة ليجتمع الراي (و) قيل إذا بان منك اخوك بان شطرك وإذا اعتل خليلك فقد اعتل نصفك وانشد * لسان الفتى نصف ونصف فؤاده * فلم يبق الا صورة اللحم والدم * وكتب أبو العتاهية الى أحمد بن يوسف * لئن عدت بعد اليوم اني لظالم * سأصرف نفسي حيث تبقي المكارم * متى ينجح الغادى اليك بحاجة * ونصفك محجوب ونصفك نائم * ولما اتهم قتيبة بن مسلم أبا مجلد قال له أبو مجلد ايها الامير تثبت فإن التثبت نصف العفو (و) قيل السفر نصف العذاب وقال سعيد بن أبي عمرويه لأن يكون لي نصف وجه ونصف لسان على ما فيهما من قبح المنظر وعجب المخبر احب الي من ان اكون ذا وجهين ولسانين وذا قولين مختلفين (و) لبعضهم بسطت لساني ثم اوثقت نصفه * فنصف لساني في امتداحك مطلق * فان أنت لم تنجز عداتي تركتني * وباقي لسان الشكر بالياس موثق * ووجد مكتوبا على قبر


[ 288 ]

* يا قبر أنت سلبتني الفا * قدمته وتركتني خلفا * واخذت نصف الروح من جسدي * فقبرته وتركتني نصفا * (وقيل) إذا اتخذت جارية فعليك بالبيضاء فإن البياض نصف الحسن لابن عيينة * ان دنيا هي التي بسحر العين سافرة * سرقوها نصف اسمها هي دنيا وآخرة * لابن المعتز في جارية له * يا دهر كيف شققت نفسا * فخلست منها النصف خلسا * وتركت نصفا للاسى * جعل البقاء عليه نحسا * سقيا لوجه حبيبة اودعتها كنفا ورمسا * وانشد لذي الرمة * وان امرءا في بلده نصف قلبه * ونصف باخرى انه لصبور (فصل) من الادب روى عن بعض الادباء انه قال لابنه اقتن من مكارم الاخلاق خمسا وارفض ستا واطلب العز بسبع واحرص على ثمان فإن فزت بتسع بلغت المدى وان احرزت عشرا احرزت الاخرة والدنيا فاما الخمس المقتناه فخفض الجانب وبذل المعروف و اعطاء النصفة من نفسك وتجنب الاذى وتوقى الذم وأما الست المرفوضة فطاعة الهوى وارتكاب البغي وسلوك التطاول وقساوة القلب وفظاظة القول وكثرة التهاون وأما السبع التي ينال بها العز فاداء الامانة وكتمان السر وتاليف المجانب وحفظ الاخاء واقالة العثرة والسعي في حوائج الناس والصفح عند الاعتذار وأما الثمان التي تحرص عليها فتعظيم أهل الفضل وسلوك طرق الكرم والمواساة في ملك اليد وحفظ النعم بالشكر واكتساب الاجر بالصبر والاغضاء عن زلل الصديق واحتمال النوائب وترك الامتنان بالاحسان وأما التسع التي تبلغ بها المدى فالامر بالمعروف * والنهي عن المنكر * وحرز اللسان عن سقوط الكلام * وغض الطرف * وصدق النية * والرحمة لاهل البلاء * والموالاة على الدين * والمسامحة في الامور * والرضا بالمقسوم * وأما العشرة الكاملة التي تنال بها الدنيا والاخرة * فالزهد فيما بقى * والاستعداد لما ياتي * وكثرة ال على ما فات * وادمان الاستغفار * واستشعار التقوى * وخشوع القلب * وكثرة الذكر لله تعالى * والرضا بافعال الله سبحانه * وملازمة الصدق * والعمل بما ينجي (فصل) ذكر الغنى والفقر قال رسول الله صلى الله عليه واله ليس الغنى في كثره العرض وإنما الغنى غنى النفس وقال صلى الله عليه واله ثلاث خصال من صفة اولياء الله تعالى الثقة بالله في كل شئ * والغنى به عن كل شئ * والافتقار إليه في كل شئ (و) قال


[ 289 ]

الا اخبركم باشقى الاشقياء قالوا بلى يا رسول الله صلى الله عليه واله قال من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الاخرة نعوذ بالله من ذلك (و) قال أمير المؤمنين عليه السلام الفقر يخرس الفطن عن حجته * والمقل غريب في بلده و من فتح على نفسه بابا من المسألة فتح الله عليه بابا من الفقر وقال عليه السلام العفاف زينة الفقر * والشكر زينة الغنى * وقال من كساه الغنى ثوبه * خفى عن العيون عيبه * وقال من ابدى الى الناس ضره * فقد فضح نفسه * وخير الغنى ترك السؤال * وشر الفقر لزوم الخضوع * وقال استغن بالله عمن شئت تكن نظيره * واحتج الى من شئت تكن اسيره * وافضل على من شئت تكن اميره * وقال لا ملك اذهب للفاقة من الرضا بالقنوع * وروى ان الماء صب على صخرة فوجد عليها مكتوبا إنما يتبين الفقر والغنى بعد العرض على الله عزوجل وقال رجل للصادق عليه السلام عظني فقال لا تحدث نفسك بفقر ولا بطول عمر (وقيل) ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه (وقيل) الفقير من طمع والغني من قنع وانشد لامير المؤمنين عليه السلام * ادفع الدنيا بما اندفعت * واقطع الدنيا بما انقطعت * يطلب المرء الغنى عبثا * والغنى في النفس لو قنعت * ومن قطعة لابي ذؤيب * والنفس راغبة إذا رغبتها * وإذا ترد الى قليل تقنع * لمحمود الوراق * (اراك يزيدك الاثراء حرصا * على الدنيا كانك لا تموت * فهل لك غاية ان صرت يوما * إليها قلت حسبي قد غنيت * تظل على الغنى ابدا فقيرا * تخاف فوات شئ لا يفوت * واغنى منك ذو طمرين * راض من الدنيا ببلغة ما يفوت * وله ايضا * يا عائب الفقر الا تزدجر * عيب الغنى اكبر لو تعتبر * من شرف الفقر ومن فضله * على الغنى ان صح منك النظر * انك تعصى لتنال الغنى * ولست تعصى الله ان تفتقر *) لغيره * ارى اناسا بادنى الدين قد قنعوا * ولا اراهم رضوا في العيش بالدون * فاستغن بالله عن دنيا الملوك كما * استغنى الملوك بدنياهم عن الدين (فصل) في الكلام في الارزاق اعلم ان الرزق في الحقيقة هو التمليك واصل التمليك من الله تعالى وهو الرازق للعباد وقد جعل بحكمته وعلمه من مصالح بريته ارزاقهم على قسمين احدهما ما يوصله إليهم من غير سعي يكون منهم ولا اكتساب ولا تحمل شئ من المشاق كالمواريث ونحوها من الامور المتيسرات والاخر مشترط بحركة العبد وسعيه واجتهاده وحرصه فمن سعى ناله ومن قعد فاته وقد أمر الله تعالى بالاكتساب والطلب فقال تعالى * (فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) * الجمعة وقال * (ان الذين تدعون من دون لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه) * العنكبوت فلا يجوز مخالفة أمر الله تعالى وترك التكسب والطلب وليس ذلك بمضاد للتوكل على الله تعالى لأن له التعرض ومنه الطلب وقد اجرى العادة بان لا يؤتى هذا القسم من الرزق الا بعد الحركة والطلب ومثل ذلك كثير في افعاله تعالى التي قد اجرى العادة بان لا يفعلها إلا بعد فعل يقع من العباد قبلها كالولد بعد الوطئ والنبات بعد الزرع والسقي وليس المجتهد في كل وقت مرزوقا وذلك لأن العطاء والمنع والزيادة في الرزق والنقص منوط


[ 290 ]

كله بالمصالح المعلوم عند الله تعالى وإنما يحسن من العاقل ان يسئل الله تعالى في الرزق بشرط ان لا يكون له مفسدا قال الله تعالى * (ولو لا ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون) * الزخرف وكل شئ رزقه الله تعالى للعبد فقد اباحه التصرف قال الله تعالى * (يا ايها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم) * البقرة وقال * (كلوا من طيبات ما رزقناكم) * البقرة وقال * (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل ان ياتي يوم لا بيع فيه ولا خلال) * وما رزقه الله واباح التصرف فيه فانه لا يعاقب عليه فاما المغتصبات فليست بارزاق لغاصبيها ولا ملكهم الله تعالى اياها وإنما تسمى ارزاقا لهم على المجاز من حيث انها من الاشياء التي خلقها الله تعالى ليفتدى بها والدليل على ان الله تعالى لم يرزقهم ما اغتصبوه اخباره بانهم ظالمون فيه وانه يعاقبهم عليه قال الله تعالى * (الذين ياكلون اموال اليتامى ظلما إنما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) * النساء وامره سبحانه بقطع يد السارق في قوله تعالى * (والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) * المائدة ولو كان الغاصب قد اخذ ما رزقه الله تعالى على الحقيقة لكان المطالب له برد ما اخذه ظالما له ولم يجز في العدل ان يعاقب عليه في الدنيا و الاخرة بل كان يكون ممدوحا على تصرفه فيه وانفاقه له كما مدح الله تعالى من انفقه من حله فقال * (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) * الانفال فجعل انفاق الرزق من صفات المؤمنين فلما لم يكن للغاصبين انفاق ما اغتصبوه وكانوا مذمومين عليه معاقبين على تصرفهم فيه دل ذلك على ان الله تعالى لم يرزقهم اياه في الحقيقة وإذا لم يكن رزقا للغاصب فهو رزق للمغصوب منه وان حيل بينه وبينه (فصل) مما روى في الارزاق روى عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله انه قال اكثروا الاستغفار فانه يجلب الرزق وقال عليه السلام من رضي باليسير من الرزق رضي الله عنه باليسير من العمل (وروى) ان الله تعالى اوحى الى عيسى بن مريم عليه السلام ليحذر الذي يستبطئني في الرزق ان اغضب فافتح عليه بابا من الدنيا (وقال) أمير المؤمنين عليه السلام الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تاته اتاك (وروى) عن أحد الائمة عليهم السلام انه قال في الرزق المقسوم بالحركة ان من طلبه من غير حله فوصل


[ 291 ]

إليه حوسب من حله وبقي عليه وزره فالواجب لا يطلب إلا من الوجه المباح دون المحظور (وروى) عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال من حسنت نيته زيد في رزقه (واعلم) ان الدليل على جواز الزيادة في الارزاق هو الدليل على جواز الزيادة في الاعمار لأن الله تعالى إذا زاد في عمر عبده وجب ان يرزقه ما يتغذى به ذكروا ان إبراهيم بن هرمة انقطع الى جعفر بن سليمان الهاشمي فكان يجرى له رزقا فقطعه فكتب إليه ابن هرمة * ان الذي شق فمي ضامن للرزق حتى يتوفاني حرمتني خيرا قليلا فما ان زادني مالك حرماني * فرد إليه رزقه واحسن إليه وانشد لبعضهم * التمس الارزاق عند الذي * ما دونه ان سيل من حاجب * من يبغض التارك تسئاله * جودا ومن يرضي عن الطالب * ومن إذا قال جرى قوله * بغير توقيع الى كاتب (وروى عن) الصادق عليه السلام قال ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم رجل جلس عن طلب الرزق ثم يقول اللهم ارزقني يقول الله تعالى له الم اجعل لك طريقا الى الطلب ورجل له امراة سوء يقول اللهم خلصني منها يقول الله تعالى اليس قد جعلت امرها بيدك ورجل سلم ماله الى رجل ولم يشهد عليه به فجحده اياه فهو يدعو عليه فيقول الله تعالى قد امرت بالاشهاد فلم تفعل لابن وكيع التنيسي * لا تحيلن على سعدك في الرزق ونحسك وإذا اغفلك الدهر فذكره بنفسك لا تعجل بلزوم البيت وما قبل رمسك إنما يحمد حسن الرزق من جده حسك (وروى) في بعض الكتب ان الله تعالى يقول يا ابن آدم حرك يدك ابسط لك في الرزق * واطعني فيما آمرك فما اعلمني بما يصلحك (وقيل) لبعض لو تعرضت لفلان لوصلك فقال ما تلهفت لشئ من أمر الدنيا منذ حفظت هذه الاربع آيات من كتاب الله تعالى عزوجل قوله * (ما يفتح الله للناس من رحمه فلا ممسك لها) * سورة فاطر وقوله تعالى * (وان يردك بخير فلا راد لفضله) * يونس وقوله سبحانه * (وما من دابه في الأرض إلا على الله رزقها) * هود وقوله جل اسمه * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * الذاريات فروى ان صلة الرجل الذي قيل له لو تعرضت له اتت الى منزله من غير طلب وانشد لابن الاصبغ * لو كان في صخرة في الأرض راسبه * صماء مملومة لمس نواحيها * رزق لنفس براها الله لانغلقت * عنه فادت إليه كل فيها * أو كان بين طباق السبع مطلبها * لسهل الله في المرقى مراقيها * حتى يلاقى الذي في اللوح خط له * ان هي اتته وإلا سوف ياتيها (وروى) عن رسول الله صلى الله عليه واله انه قال ما من مؤمن إلا وله باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه


[ 292 ]

فإذا مات بكيا عليه وذلك قول الله تعالى * (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) * (فصل مما ذكر في تأويل قول الله عزوجل * (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) * الدخان (اعلم) ان هذه الاية نزلت في قوم فرعون الذين اهلكهم الله عزوجل واورث ارضهم ونعمهم غيرهم وفيها وجوه من التأويل احدها ما ورد به الخبر الذي قدمناه عن رسول الله صلى الله عليه واله من ذكر البابين الذين لكل مؤمن يصعد من احدهما عمله وينزل من الاخر رزقه وانهما يبكيان عليه بعد موته ومعنى البكاء هاهنا الاخبار عن الاختلال بعده كما يقال بكى منزل فلان بعده قال مزاحم العقيلي * بكت دارهم من اجلهم فتهلكت * دموعي فاي الجازعين الوم * امستعبرا يبكي من الهون والبلى * وآخر يبكي شجوه ويهيم * فإذا لم يكن لها ولا للقوم الذين اخبر الله تعالى ببوارهم مقام صالح في الأرض ولا عمل كريم يرفع الى السماء جاز ان يقال فما بكت عليهم السماء والارض وقد روى عن ابن عباس رحمه الله انه قيل له وقد سئل عن هذه الايه أو تبكي السماء والأرض على أحد فقال نعم مصلاه في الأرض ومصعد عمله في السماء والوجه الثاني من التأويل ان يكون تعالى اراد المبالغة في وصف القوم الذين اهلكهم بصغر القدر وسقوط المنزلة لأن العرب إذا اخبرت من عظم المصاب بالهالك قالت كسفت لفقده الشمس واظلم القمر وبكاه الليل و النهار والسماء والأرض يريدون بذلك المبالغة وعظم الامر وشمول المصيبة قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز * الشمس طالعة ليست بكاسفة * تبكي عليك نجوم الليل والقمرا * وفي انتصاب النجوم والقمر في هذا البيت ثلاثة وجوه احدها انه اراد ان الشمس طالعة وليست مع طلوعها كاسفة نجوم الليل والقمر عظم الرزية قد سلبها ضوءها فلم يناف طلوعها ظهور الكواكب الوجه الثاني ان يكون انتصابها على معنى قوله لا اكلمك الابد وطول المسند وما جرى مجرى ذلك فكأنه اخبر بان الشمس تبكيه ما طلعت النجوم وما ظهر القمر والوجه الثالث ان يكون نجوم الليل والقمر باكيين الشمس على هذا المفقود فبكتهن أي غلبتهن بالبكاء كما يقال باكاني عند الله فبكيته وكاثرني فكثرته اي فضلت عليه وغلبته والوجه الثالث من التأويل ان يكون الله تعالى اراد بقوله فما بكت عليهم السماء والأرض أهل السماء وأهل الأرض وحذف اهل كما قال عزوجل واسئل القرية وكما قال حين تضع الحرب اوزارها وإنما اراد اصحاب الحرب ويجري ذلك مجرى قولهم السخاء سخاء حاتم قال الشاعر * قليل عيبه والعيب جم * ولكن للغنى رب غفور * يريد ولكن الغنى غنى رب غفور


[ 293 ]

والوجه الرابع من التأويل ان يكون معنى الاية الاخبار عن انه لا أحد اخذ بثأرهم ولا أحد انتصر لهم لأن العرب كانت لا تبكي على قتيل إلا بعد الاخذ بثاره فكنى بهذا اللفظ عن فقد الانتصار والاخذ بالثار على مذهب القوم الذين خوطبوا بالقرآن والوجه الخامس من التأويل ان يكون البكاء المذكور في الاية كناية عن المطر والسقيا لأن العرب تشبه المطر بالبكاء ويكون معنى الاية ان السماء لم تسق قبورهم ولم تجد بقطرها عليهم على مذهب العرب المعهود بينهم لانهم كانوا يستسقون السحائب لقبور من فقدوه من اعزائهم يتعشبون الزهر والرياض لمواقع حفرهم قال النابغة * فلا زال قبر بين بينا وجاشم عليه من الوسمى طل ووابل * فينبت حوذانا وعوفا منورا * ساتبعه من خير ما قال قائل * وكانوا يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام ومسألة الله تعالى لهم الرضوان والفعل إذا اضيف الى السماء وان كان لا تجوز اضافته الى الأرض فقد يصح عطف الأرض على السماء بان يقدر فعل يصح نسبته إليها والعرب تفعل مثل هذا قال الشاعر * يا ليت زوجك قد غدا * متقلدا سيفا ورمحا * بعطف الرمح على السيف وان كان التقلد لا يجوز فيه لكنه اراد حاملا رمحا ومثل هذا يقدر في الاية فيقال انه تعالى اراد ان السماء لم تسق قبورهم وان الأرض لم تعشب عليها وكل هذا كناية عن حرمانهم رحمة الله عزوجل وربما شبه الشعراء النبات بضحك الأرض كما شبهوا المطر ببكاء السماء وفي ذلك يقول أبو تمام حبيب ابن اوس * ان السماء إذا لم تبك مقلتها * لم تضحك الارض عن شئ من الخضر * والزهر لا تنجلي ابصاره ابدا * الا إذا رمدت من كثرة المطر (ذكر مجلس) جرى في القياس مع رجل من فقهاء العامة اجتمعت معه بدار العلم في القاهرة سئلني هذا الرجل بمحضر جماعة من اهل العلم فقال ما تقول في القياس وهل تستجيزه في مذهبك ام ترى انه غير جائز فقلت له القياس قياسان قياس في العقليات وقياس في السمعيات فاما القياس في العقليات فجائز صحيح وأما القياس في السمعيات فباطل مستحيل قال فهل يتفق حدهما ام يختلف قلت الواجب ان يكون حدهما واحدا غير مختلف قال فما هو قلت القياس هو اثبات حكم المقيس عليه في المقيس هذا هو الحد الشامل لكل قياس وله بعد هذا شرائط لابد منها ولا يقاس شئ على شئ إلا بعلة تجتمع


[ 294 ]

بينهما قال فإذا كان الحد شاملا للقياسين فلا فرق إذا بين القياس الذي اجزته والقياس الذي احلته قلت بل بينهما فروق وان شملهما الحد قال وما هي قلت منها ان علة القياس في العقليات موجبة ومؤثرة تأثير الايجاب وليست علة القياس في السمعيات عند من يستعمله كذلك بل يقولون هي تابعة للدواعي والمصالح المتعلقة بالاختيار ومنها ان العلة في القياس في العقليات لا تكون إلا معلومة وهي عندهم في السمعيات مظنونة غير معلومة ومنها انها في العقليات لا تكون إلا شيئا واحدا وهي في السمعيات قد تكون مجموع اشياء فهذه بعض الفروق بين القياسين وان شملهما حد واحد قال فما الذي يدل على ان القياس في السمعيات لا يجوز قلت الدليل على ذلك ان الشريعة موضوعة على حسب مصالح العباد التي لا يعلمها إلا الله تعالى عزوجل ولذلك اختلف حكمها في المتفق الصور واتفق في المختلف وورد الحظر لشئ والاباحة لمثله بل ورد الحكم في الامر العظيم صغيرا وفي الصغير بالاضافة إليه عظيما واختلف ذلك كل الاختلاف الخارج عن مقتضى القياس وإذا كان هذا سبيل المشروعات علم انه لا طريق الى معرفة شئ من احكامها إلا من قبل المطلع على السرائر العالم بمصالح العباد وانه ليس للقائسين فيه مجال فقال أحد الحاضرين فمثل لنا بعض ما اشرت إليه من هذا الاختلاف المبائن للقياس قلت هو عند الفقهاء اظهر من ان يحتاج الى مثال ولكني اورد منه طرفا لموضع السؤال فمنه ان الله عزوجل اوجب الغسل من المني ولم يوجبه من البول والغائط وليس هو بانجس منهما واكثر العامة يروون انه طاهر و الزم الحائض قضاء ما تركته من الصيام واسقط عنها قضاء ما تركته من الصلوة وهي اوكد من الصيام وفرض في الزكوة ان يخرج من الاربعين شاة شاة ولم يفرض في الثمانين شاتين بل فرضهما بعد كمال المائة والعشرين وهذا خارج عن القياس ونهانا عن التحريش بين بهيمتين واباحنا اطلاق البهيمة على ما هو اضعف منها في الصيد وجعل للرجل ان يطأ من الاماء ما ملكته يمينه ولم يجعل للمراة تمكن من نفسها من ملكته يمينها واوجب الحد على رمي غيره بفجور واسقطه عن من رمى بالكفر وهو اعظم من الفجور واوجب قتل القاتل بشهادة رجلين وحظر جلد الزاني الذي يشهد بالزنا عليه إلا ان يشهد بذلك اربعة شهود وهذا كله


[ 295 ]

خارج عن سنن القياس وقد ذكروا عن ربيعة بن عبد الرحمن انه قال سئلت سعيد بن المسيب فقلت كم في اصبع المراة قال عشر من الابل قلت كم في اصبعين قال عشرون قلت كم في ثلاث قال ثلاثون قلت كم في اربع قال عشرون قلت حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها فقال سعيد اعرابي أنت قلت بل عالم مثبت أو جاهل متعلم قال هي السنة يا ابن اخ ونحو ذلك مما لو ذهبت الى استقصائه لطال الخطاب وفيما اوردته كفاية لذوي الالباب قال السائل فإذا كان القياس عندك في الفروع العقلية صحيحا ولم يكن في الضرورات التي هي اصولها مستمرا ولا صحيحا فما تنكر ان يكون كذلك الحكم في السمعيات فيكون القياس في فروعها المسكوت عنها صحيحا وان لم يكن في اصولها المنطوق بها مستمرا ولا صحيحا فقلت انكرت ذلك من قبل ان المتعبدات السمعية وضعت على خلاف القياس مما ذكرناه فوجب ان يكون ما تفرع عنها جاريا مجراها ولسنا نجد اصول المعقولات التي هي الضرورات موضوعة على خلاف القياس وإنما امتنع القياس فيها لانها اصول لا اصول لها فوضح الفرق بينهما ومما يبين لك ذلك ايضا انه قد كان من الجائز ان نتعبد بخلاف ما اتت به اصول الشرعيات وليس بجائز ان يتعبد بخلاف اصول العقليات التي هي الضرورات فلا طريق الى الجمع بينهما قال فما تنكر على من زعم ان الله تعالى فرق لنا بين الاصول في السمعيات وفروعها فنص لنا على الاصول وعرفنا بها وامرنا بقياس الفروع عليها ضربا من التعبد والتكليف ليستحق عليه الاجر والثواب قلت هذا مما لا يصح ان يكلفه الله تعالى للعباد لأن القياس لابد فيه من استخراج علة يحمل بها الفروع على الاصل ليماثل بينهما في الحكم والاحكام الشرعية لو كانت مما توجبه العلل لم يجز في المشروعات النسخ وفي جواز ذلك في العقل دلالة على انها لا تثبت بالعلل وقد قدمنا القول بان علل القائسين مظنونة والظنون غير موصلة الى اثبات ما تعلق بمصالح الخلق ولا مؤدية الى العلم بمراد الله تعالى من الحكم ولو فرضنا جواز تكليف العباد القياس في السمعيات لم يكن بد من ورود السمع بذلك اما في القرآن أو في صحيح الاخبار وفي خلو السمع من تعلق التكليف به دلالة على ان الله تعالى لم يكلفه خلقه قال فانا نجد ذلك في آيات القرآن وصحيح الاخبار قال الله عزوجل * (واعتبروا يا اولى الابصار) * الحشر فاوجب الاعتبار وهو الاستدلال والقياس وقال * (فجزائه مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل


[ 296 ]

منكم) * المائدة فاوجب بالمماثلة المقايسة وروى ان النبي صلى الله على واله لما ارسل معاذا الى اليمن قال له بماذا تقضي قال بكتاب الله قال فإن لم تجد في كتاب الله قال بسنة رسول الله صلى الله عليه واله قال ان لم تجد في سنة رسول الله قال اجتهد رايي فقال صلى الله عليه واله الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه الله ورسوله (وروى) عن الحسن بن علي عليهما السلام انه سئل فقيل له بماذا كان يحكم أمير المؤمنين عليه السلام قال بكتاب الله فإن لم يجد فسنة رسول الله صلى الله عليه واله فإن لم يجد رجم فاصاب وهذا كله دليل على صحة القياس والاخذ بالاجتهاد والظن والراي فقلت له أما قول عز وجل * (فاعتبروا يا اولى الابصار) * فليس فيه حجة لك على موضع الخلاف لأن الله تعالى ذكر أمر اليهود وجنايتهم على انفسهم في تخريب بيوتهم بايديهم وايدي المؤمنين ما يستدل به على حق رسول الله صلى الله عليه واله وان الله تعالى امده بالتوفيق ونصره وخذل عدوه وأمر الناس باعتبار ذلك ليزدادوا بصيرة في الايمان وليس هذا بقياس في المشروعات ولا فيه أمر بالتعويل على الظنون في استنباط الاحكام وأما قوله سبحانه * (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) * فليس فيه ان العدلين يحكمان في جزاء الصيد بالقياس و انما تعبد الله سبحانه عباده بانفاذ الحكم في الجزاء عند حكم العدلين بما علماه من نص الله تعالى ولو كان حكمهما قياسا لكانا إذا حكما في جزاء النعامة بالبدنة قاسا مع وجود النص بذلك فيجب ان يتامل هذا وأما الخبران اللذان اوردتهما فهما من اخبار الاحاد التي لا يثبت بهما الاصول المعلومة في العبادات على ان رواة خبر معاذ مجهولون وهم في لفظه ايضا مختلفون ومنهم من روى انه لما قال اجتهد رايي قال له عليه السلام لا احب الى اكتب اليك ولو سلمنا صيغة الخبر على ما ذكرت لاحتمل ان يكون معنى قوله اجتهد رايي اني اجتهد حتى اجد حكم الله تعالى في الحادثة من الكتاب أو السنة وأما ما رويته عن الحسن عليه السلام من حكم أمير المؤمنين صلوات الله عليه ففيه تصحيف ممن رواه والخبر المعروف انه قال فإن لم يجد في السنة شئ زجر فاصاب يعني بذلك القرعة بالسهام وهو ماخوذ من الزجر والفال والقرعة عندنا من الاحكام المنصوص عليها وليست بداخلة في باب القياس فقد تبين انه لا حجة لك فيما اوردته من الايات والاخبار فقال الحاضرين إذا لم يثبت للقائسين نص في ايجاب القياس فكذلك ليس لمن نفاه نص في نفيه من قرآن ولا اخبار فقد تساويا في هذه الحال فقلت له قد قدمت من الدليل العقلي على فساد القياس


[ 297 ]

في الشرعيات وما يستغني به متامله عن ايراد ما سواه ثم ان الامر بخلاف ما ظننت وقد تناصرت الادلة بحظر القياس من القرآن وثابت الاخبار قال الله عزوجل * (ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون) * المائدة ولسنا نشك في ان الحكم بالقياس حكم بغير التنزيل وقال سبحانه * (ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) * النحل ومستخرج الحكم في الحادثة بالقياس لا يصح له ان يضيفه الى الله ولا الى رسول الله صلى الله عليه واله وإذا لم يصح اضافته اليهما فانما هو مضاف الى القائس دون غيره وهو المحلل والمحرم في الشرع بقول من عنده وكذب وصفة بلسانه فقال سبحانه * (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا) * الاسراء ونحن نعلم ان القائس معول على الظن دون العلم والظن مناف للعلم الا ترى انهما لا يجتمعان في الشئ الواحد وهذا من القرآن كاف في افساد القياس وأما المروي في ذلك من الاخبار فمنه قول رسول الله صلى الله عليه واله ستفترق امتي على بضع وسبعين فرقه اعظمها فتنة على امتي قوم يقيسون الامور برايهم فيحرمون الحلال ويحللون الحرام وقول أمير المؤمنين عليه السلام اياكم والقياس في الاحكام فانه اول من قاس ابليس وقال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام اياكم وتقحم المهالك باتباع الهوى والمقاييس قد جعل الله تعالى للقرآن اهلا اغناكم عن جميع الخلائق لا علم إلا ما امروا به قال الله تعالى * (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) * ايانا عني وجميع أهل البيت عليهم السلام افتوا بتحريم القياس (وروى) عن سلمان الفارسي رحمه الله انه قال ما هلكت امة حتى قاست في دينها (وكان ابن مسعود) يقول هلك القائسون وفي هذا القدر من الاخبار غنى عن الاطالة والاكثار (وقد روى هشام بن عروة) عن أبيه قال ان أمر بني اسرائيل لم يزل معتدلا حتى نشا فيهم ابناء سبايا الامم فقالوا فيهم بالراي فاضلوهم قال ابن عيينة فما زال أمر الناس مستقيما حتى نشأ فيهم ربيعة الرائي بالمدينة وأبو حنيفة بالكوفة وعثمان النبي بالبصرة وافتوا الناس وفتنوهم فنظرنا فإذا هم اولاد سبايا الامم فحار الخصم والحاضرون مما اوردت ولم يات أحد منهم بحرف زائد على ما ذكرت والحمد لله (ذكر مجلس) جرى لشيخنا المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله عليه مع بعض الخصوم في قولهم


[ 298 ]

ان كل مجتهد مصيب (قال) شيخنا المفيد رضي الله عنه كنت اقبلت في مجلس على جماعة من متفقهه العامة فقلت لهم ان اصلكم الذي تعتمدون عليه في تسويغ الاختلاف (يحظر عليكم المناظرة ويمنعكم من الفحص والمباحثة واجتماعكم على المناظرة يناقض اصولكم في الاجتهاد وتسويغ الاختلاف) فاما ان تكونوا مع حكم اصولكم فيجب ان ترفعوا النظر من بينكم وتلزموا الصمت وأما ان تختاروا المناظرة وتؤثروها على المتاركة فيجب ان تهجروا القول بالاجتهاد وتتركوا مذاهبكم في الراي وجواز الاختلاف ولابد من ذلك ما انصفتم وعرفتم طريق الاستدلال فقال أحد القوم لم زعمت ان الامر كما وصفت ومن اين وجب ذلك قال شيخنا رضي الله عنه فقلت له على البيان عن ذلك والبرهان عليه حتى لا نحمل على أحد من العقلاء اليس من قولكم ان الله تعالى سوغ خلقه الاختلاف في الاحكام المتوسعه عليهم ودفع الحرج عنهم رحمة منه لهم ورفقا بهم وان لو الزمهم الاتفاق في الاحكام وحظر عليهم الاختلاف لكان مضيقا عليهم معنتا لهم والله يتعالى عن ذلك حتى اكدتم هذا المقال بما رويتموه عن النبي صلى الله عليه واله انه قال اختلاف امتي رحمة وحملتم معنى هذا الكلام على وفاق ما ذهبتم إليه في تسويغ الاختلاف قال بلى فما الذي يلزمنا على هذا القول قال شيخنا رحمه الله قلت له فخبرني الان عن موضع المناظرة اليس انما هو التماس الموافقة ودعاء الخصم بالحجة الواضحة الى الانتقال الى موضع الحجة وتتغير له عن الاقامة على ضد ما عليه البرهان قال لا ليس هذا موضوع المناظرة وإنما موضوعها لاقامة الحجة والابانة عن رجحان المقالة فقط قال الشيخ فقلت له وما الغرض في اقامة الحجة والبرهان على الرجحان وما الذي يجرانه الى ذلك والمعنى الملتمس به اهو تبعيد الخصم من موضع الرجحان والتنفير له عن المقالة بايضاح حجتها ام الدعوة إليها بذلك واللطف في الاجتذاب إليها به فإن قلت ان الفرض للمحتج التبعيد عن قوله بايضاح الحجة عليه والتنفير عنه باقامة الدلالة على صوابه قلت قولا يرغب عنه كل عاقل ولا يحتاج معه لتهافته الى كسره وان قلت ان الموضح عن مذهبه بالبرهان داع إليه بذلك والدال عليه بالحجج البينات يجتذب بها الى اعتقاده ضرب بهذا القول وهو الحق الذي لا شبهته فيه الى ما اردناه من ان موضوع المناظرة إنما هو للموافقة ورفع الاختلاف والمنازعة وإذا كان ذلك كذلك فلو حصل الغرض في المناظرة وما اجرى بها عليه لارتفعت الرحمة وسقطت التوسعة وعدم الرفق من الله تعالى بعباده ووجب في صفة العنت والتضييق وذلك ضلال من قائله فلابد على اصلكم في الاختلاف من تحريم النظر والحجاج وإلا فمتى صح ذلك وكان اولى من تركه فقد


[ 299 ]

بطل قولكم في الاجتهاد وهذا ما لا شبهه فيه على عاقل فاعترض رجل آخر في ناحية المجلس فقال ليس الغرض في المناظرة الدعوة الى الاتفاق وإنما الغرض فيها اقامة الغرض من الاجتهاد فقال له الشيخ رضي الله عنه هذا الكلام كلام صاحبك هذا بعينه في معناه وانتما جميعا حائدان عن التحقيق والصواب وذلك انه لابد في فرض الاجتهاد من غرض ولا بد لفعل النظر من معقول فإن كان الغرض في اداء الفرض بالاجتهاد البيان عن موضع الرجحان فهو الدعاء في المعقول الى الوفاق والايناس بالحجة الى المقال وان كان الغرض فيه التعمية والالغاز فذلك محال لوجود المناظر مجتهدا في البيان والتحسين لمقاله بالترجيح له على قول خصمه في الصواب وان كان معقول فعل النظر ومفهوم غرض صاحبه الذب عن نحلته والتنفير عن خلافها والتحسين لها والتقبيح لضدها والترجيح لها على غيرها وكنا نعلم ضرورة ان فاعل ذلك لا يفعله للتبعيد من قوله وإنما يفعله للتقريب منه والدعاء إليه فقد ثبت بما قلناه ولو كان الدال على قوله الموضح بالحجج عن صوابه المجتهد في تحسينه وتشييده غير قاصد بذلك الى الدعاء إليه ولا مزيد للاتفاق عليه لكان المقبح للمذهب الكاشف عن عواره الموضح عن ضعفه ووهنه داعيا بذلك الى اعتقاده ومرغبا به الى المصير إليه ولو كان كذلك لكان الزام الشئ مدحا له والمدح له ذما له والترغيب في الشئ ترهيبا عنه والترهيب عن الشئ ترغيبا فيه والامر به نهيا عنه والنهي عنه امرا به والتحذير منه ايناسا به وهذا ما لا يذهب إليه سليم فبطل بذلك ما توهمتموه ووضح ما ذكرناه في تناقض نحلتهم على ما بيناه والله نسئل التوفيق (قال) شيخنا رضي الله عنه ثم عدلت الى صاحب المجلس فقلت له لو سلم هؤلاء القوم من المناقضة التي ذكرناها ولن يسلموا ابدا منها بما بيناه لما سلموا من الخلاف على الله فيما أمر به والرد للنص في كتابه والخروج عن مفهوم احكامه بما ذهبوا إليه من حسن الاختلاف وجوازه في الاحكام قال الله عزوجل * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جائهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم) * آل عمران فنهى الله تعالى نهيا عاما ظاهرا وحذر منه وزجر عنه وتوعد على فعله بالعقاب وهذا مناف لجواز عن الاختلاف وقال سبحانه * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * آل عمران فنهى عن التفرق وأمر الكافة بالاجتماع وهذا في ابطال قول مسوغ الاختلاف وقال سبحانه * (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) * هود فاستثنى المرحومين من المختلفين


[ 300 ]

ودل على ان المختلفين قد خرجوا بالاختلاف عن الرحمة لاختصاص من خرج عن صفتهم بالرحمة ولو لا ذلك لما كان لاستثناء المرحومين من المختلفين معنى يعقل وهذا بين لمن تأمله قال صاحب المجلس ارى هذا الكلام كله يتوجه على من قال ان كل مجتهد مصيب فما تقول فيمن قال ان الحق في واحد ولم يسوغ الاختلاف (قال) الشيخ رضي الله عنه فقلت له القائل بان الحق في واحد وان كان مصيبا فيما قال على هذا المعنى خاصة فانه يلزمه المناقضة بقوله ان المخطئ للحق معفو غير مؤاخذ بخطئه فيه واعتماده في ذلك على انه لو اوخذ به للحقه العنت والتضييق فقد صار بهذا القول الى معنى قول الاولين فيما عليهم من المناقضة ولزمهم من اجله ترك المباحثة والمكالمة وان كان القائلون باصابه المجتهدين الحق يزيدون عليه في المناقضة وتهافت المقالة بقول الواحد لخصمه قد اخطات الحكم مع شهادته له بصوابه فيما فعله مما به اخطا الحكم عنده فهو شاهد بصوابه وخطئه في الاصابة معترف له ومقر بانه مصيب في خلافه ماجور على مباينته وهذه مقاله تدعو الى ترك اعتقادها بنفسها وتكشف عن قبح باطنها بظاهرها وبالله التوفيق ذكروا ان هذا الكلام جرى في مجلس الشيخ أبي الفتح عبيد الله بن فارس قبل ان يتولى الوزارة (مسألة) ان سئل سائل فقال ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه واله اختلاف امتي رحمة (الجواب) قيل له المراد بذلك اختلاف الواردين من المدن المتفرقة على رسول الله صلى الله عليه واله في وقته وعلى وصيه القائم مقامه من بعده ليسئلوا عن معالم دينهم و يستفتوا فيما لبس عليهم فذلك رحمة لهم إذ يعودون الى قومهم فينذرونهم قال الله سبحانه * (فلو لا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * التوبة وليس المراد بذلك اختلاف الامة في اعتقادها وتباينها في دينها وتضاد اقوالها وافعالها ولو كان هذا الاختلاف لها رحمة لكان اتفاقها لو اتفقت سخطا عليها ونقمة وقد تضمن القرآن من الامر بالاتفاق والائتلاف والنهي عن التباين والاختلاف ما فيه بيان شاف (فصل من الاستدلال بهذه الاية على صحة الامامة والعصمة) قال الله عزوجل * (فلو لا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * التوبة فحث سبحانه وتعالى على طلب العلم ورغب


[ 301 ]

فيه واوجب على من به نهضه ان يلتمسه ويسارع إليه وهذا لازم في وقت رسول الله صلى الله عليه واله وبعده ولا يصح ان يتخصص به زمان دون غيره لأن التكليف قائم لازم والشرع شامل دائم وقد علمنا ومن خالفنا ان النافرين للتفقه في الدين ايام النبي صلى الله عليه واله كانوا إذا وردوا عليه ارشدهم الى الحق بعينه وهداهم الى قول واحد من شرعه ودينه فرجعوا الى قومهم متفقين وعلى شئ واحد مجتمعين لا يختلفون في تأويل آية ولا في حكم فريضة حلالهم واحد وحرامهم واحد وعلمهم واحد ودينهم واحد فثبتت بهم الحجة ويتضح للمسترشدين المحجة وينال الطالب بغيته ويدرك المستفيد فائدته والناس بعد رسول الله صلى الله عليه واله مكلفون من شرعه بما كلفه من كان في وقته فوجب في عدل الله وحكمته وفضله ورحمته ان يزيح علل بريته ويقيم لهم في كل زمان عالما امينا حافظا مامونا لا تختلف اقواله ولا يتضاد افعاله وتثق النفوس بكماله ومعرفته وتسكن الى طهارته وعصمته ليكون النفير إليه والتعويل في الهداية عليه ولو لا ذلك لكان الله تعالى قد أمر بالنفير الى المختلفين وسؤل المتباينين المتضادين والتعويل على المرجحين الظانين الذين يحار بينهم المستجير ويضل المسترشد ويشك الضعيف وهذا عنت في التكليف تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (سؤال) في الغيبة يتعلق بما ذكرناه ان قال قائل إذا كانت علل المكلفين في الشريعة لا تنزاح إلا بحافظ للاحكام ينصب لهم مميز بالعصمة والكمال منهم يقصده المسترشدون ويعول على قوله السائلون وكان الامام عليه السلام اليوم على قولكم غائبا لا يوصل إليه ومستترا عن الامة لا يقدر عليه فعلل المكلفين اذن غير مزاحه في الشرع ووجود الحافظ لم يغن لكونه بحيث لا يقدر عليه الخلق فالى من حينئذ يفزع الراغبون ومن يقصد الطالبون وعلى قول من يعول السائلون ومن الذي ينفر إليه المسترشدون (الجواب) قلنا ان الله سبحانه قد ازاح علل المكلفين في هذا العصر كما ازاح علل الامم السابقة من قبل الذين بعث فيهم انبياءه فكذبوهم واخافوهم وشردوهم وظفروا بكثير منهم فقتلوهم ولم يرسلهم الله تعالى إليهم إلا ليقيموا احكامه بينهم وينفذ اوامره فيهم ويعلموا جاهلهم وينبهوا غافلهم ويجيبوا سائلهم وينفر إليهم الراغب ويقتبس منهم الطالب فحال بينهم وذلك الظالمون ومنعهم مما بعثوا له الافكون وقطعوهم عن الابلاغ وحرموا انفسهم الهداية منهم والانذار فكانوا في قتلهم انبيائهم


[ 302 ]

كمن قصد الى نفسه واعمى بصره عن النظر الى سبيل النجاة ووقر سمعه عن استماع ما فيه هداه ثم قال لا حجة لله علي ولا هداية منه وصلت الى يقول الله عزوجل * (الم نجعل له عينين ولسانا وشفتين و هديناه النجدين) * البلد فلله الحجة البالغة على الناس ولو شاء لمنعهم من الضلال منع اضطرار ولاخرجهم بالجبر عن سنن التكليف والاختيار تعالى الله الحكيم فيما قضى الحليم عمن عصاه والذي اقتضاه العدل و الحكمة في هذا الزمان من نصب الامام للانام فقد ازاح الله سبحانه العلة فيه واوجده ودل عليه بحجة العقل الشاهدة في الجملة بانه لابد من امام كامل معصوم في كل عصر وبحجج النصوص على التعيين المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه واله رب العالمين وعن الائمة من أهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين في التعريف بصاحب هذا الزمان عليه السلام بنعته ونسبه الذين يتميز بهما عن الانام ولكن الظالمين سلكوا سنن من كان قبلهم في قصدهم لاهلاك هداتهم وحرصهم على اطفاء نور مصابيحهم فقصدوا قصده فاخافوه وانطوت نياتهم على قتله متى وجدوه فأمره الله تعالى بالاستتار لما علمه من مباينة حاله لحال كل نبي وامام ابدا شخصه فقتلهم الناس إذا كانت مصلحة الامة بعد آبائه صلوات الله عليهم مقصورة على كونه اماما لهم وان غيره لا يقوم مقامه في مصلحتهم وسقط عنهم فرض التصدي للسائلين لعدم الامن والتمكن فكانت الحجة لله تعالى على الظالمين الذين اوجدوا سبيل الهداية وارشدوا إليها فمنعوا انفسهم سلوكها وآثروا الضلالة عليها فكانوا كمن شد عينه عن النظر الى مصالحه وسد سمعه عن استماع مناصحته ثم قال لو شاء الله لهداني الله سبحانه فيمن ماثلت احوالهم لحاله * (واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) * فصلت تعالى الله ذو الكلمة العليا والحجة المثلى ولسنا مع ذلك نقطع على ان الامام عليه السلام لا يعرفه أحد ولا يصل إليه بل قد يجوز ان يجتمع به طائفة من اوليائه تستتر حتما مراجعها به وتخفيه فاما الذي يجب ان يفعله اليوم المسترشدون ويعول عليه المستفيدون فهو الرجوع الى الفقهاء من شيعة الائمة عليهم السلام وسؤالهم في الحادثات عن الاحكام والاخذ بفتاويهم في الحلال والحرام فهم الوسائط بين الرعية وصاحب الزمان عليه السلام والمستودعون احكام شريعة الاسلام ولم يكن الله تعالى يبيح لحجته صلى الله عليه الاستتار الا وقد اوجد للامة من فقه آبائه عليهم السلام ما تنقطع به الاعذار وليس الرجوع إليهم كا


[ 303 ]

لرجوع الى القائسين ولا التعويل عليهم بمماثل للتعويل على المستحسنين المفتين في الشريعة وبالظن و الترجيح وإنما هو رجوع الى ما استودعوه من النصوص مفيدة للعلم واليقين وتعويل على ما استحفظوه من الاثار المنقولة من فتاوى الصادقين التي فيها علم ما يلتمسه الطالبون وفيه ما يقتبسه السائلون ومن اخذ من هذا المعدن فقد اخذ من الامام صلوات الله عليه لانها علومه واقوال آبائه صلوات الله وسلامه عليهم وكثيرا ما يقول لنا المخالفون عند سماعهم منا هذا الكلام إذا كنتم قد وجدتم السبيل الى علم ما تحتاجونه من الفتاوي في الاحكام المحفوظة عن الائمة المتقدمين عليهم السلام فقد استغنيتم بذلك عن امام الزمان وهذا قول غير صحيح لأن هذه الاثار والنصوص في الاحكام موجوده مع من لا يستحيل منه الغلط والنسيان ومسموعة بنقل من يجوز عليه الترك والكتمان وإذا جاز ذلك عليهم لم يؤمن وقوعه منهم إلا بوجود معصوم يكون من ورائهم شاهد لاحوالهم عالم باخبارهم ان غلطوا هداهم أو نسوا ذكرهم أو كتموا علم الحق منه دونهم وامام الزمان عليه السلام وان كان مستترا عنهم بحيث لا يعرفون شخصه فهو موجود بينهم يشاهد احوالهم ويعلم اخبارهم فلو انصرفوا عن النقل أو ضلوا عن الحق لما وسعته التقية ولا ظهره الله سبحانه ومنع منه الى ان يبين الحق وتثبت الحجة على الخلق ولو لزمنا القول بالاستغناء عن الامام فيما وجدنا الطريق الى علمه من غير جهته للزم مخالفينا القول بالاستغناء عن النبي صلى الله عليه واله في جميع ما اداه مما علم بالعقول قبل ادائه وفي اطلاق القول بذلك خروج عن الاسلام واحكامه وقد ورد في جواب هذا السؤال ما فيه بلاغ للمسترشدين وهداية والحمد لله (تأويل آية) ان سئل سائل فقال ما عندكم في تأويل قول الله سبحانه * (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك) * ولذلك خلقهم وظاهر هذه الاية يقتضي انه لم يشا ان يكون الناس امة واحدة متفقين على الهدى والمعرفة وما معنى قوله ولذلك خلقهم وظاهره يقتضى خلقهم للاختلاف ولو كان عنى به الرحمة لقال ولتلك خلقهم لأن الرحمة مؤنثة ولفظة ذلك لا يكنى بها إلا من مذكر وأما الرحمة فانا لا نعرفها إلا رقة القلب والشفقة وهذا لا يجوز على الله سبحانه (الجواب) أما قوله تعالى * (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة) * فانما عنى به المشيئه التي يقارنها الالجاء والاضطرار ولم يعن بها المشيئه التي تكون معها على حكم الاختيار ومراده سبحانه في الاية ان يخبرنا عن قدرته وان الخلق لا يعصونه


[ 304 ]

على سبيل الغلبة له وانه قادر على الجائهم واكراههم على ما اراده منهم فاما لفظة ذلك في الاية فحملها على الرحمة اولى من حملها على الاختلاف لدليل العقل وشهادة اللفظ فاما دليل العقل فمن حيث علمنا انه عزوجل كره الاختلاف في الدين ونهى عنه وتوعد عليه ولا يجوز ان يخلقهم لامر يكرهه ويشاء منهم ما نهى عنه وحظره وأما شهادة اللفظ فلان الرحمة اقرب الى هذه الكناية من الاختلاف وحمل اللفظ على اقرب المذكورين إليها اولى في لسان العرب من حمله على الابعد وأما قول السائل ان الرحمة مؤنثة ولفظة ذلك لا يكنى بها إلا مذكر ففاسد لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي وإذا كنى عنها بلفظ التذكير كانت الكناية على المعنى لأن معنى الرحمة هو الانعام والتفضل وقد قال الله سبحانه * (هذا رحمة من ربي) * ولم يقل هذه وإنما اراد هذا فضل من ربي قال امرؤ القيس برهرهه روده رخصه كخربوه عوبه البانه المنفطر فقال المنفطر ولم يقل المنفطرة لانه عنى الى الغصن فذكره وقال آخر * قامت تبكيه على قبره من لي من بعدك يا عامر * تركتني في الدار ذا غربة * قد ضاع من ليس له ناصر * فقال ذا غربة ولم يقل ذات غربه لانه عنى شخصا ذا غربه والمراد بالاختلاف المذكور في الاية انما هو الاختلاف في الدين والذهاب عن الحق فيه بالهوى والشبهه وقد ذكر بعضهم في قوله مختلفين وجها غريبا وهو ان يكون معناه ان خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم في الكفر لانه سواء قولك خلف بعضهم بعضا و قولك اختلفوا كما انه سواء قولك قتل بعضهم بعضا وقولك اقتتلوا ومنه قولهم لا افعل كذا وكذا ما اختلف العصران والجديدان أي جاء كل منهما بعد الاخر وأما الرحمة فليست رقة القلب و الشفقة لكنها فعل النعم والاحسان يدل على ذلك ان من احسن الى غيره وانعم عليه يوصف بانه رحيم وان لم تعلم منه رقة قلبه عليه وشفقته بل وصفهم بالرحمة من لا يعهدون منه رقة القلب اقوى من وصفهم الرقيق القلب بذلك لأن مشقة النعمة والاحسان على من لا رقة عنده اكثر منها على الرقيق القلب وقد علمنا ان من رق عليه أو امتنع من الافضال والاحسان لم يوصف بالرحمة وإذا انعم وصف بها فوجب ان يكون معناها ما ذكرناه وقد يجوز ان يكون معنى الرحمة في الاصل الرقة والشفقة ثم انتقل بالتعارف الى ما بلغ هذا آخر ما وجدنا من كتاب كنز الفوائد املاء الشيخ الفقيه ابي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي رحمه الله وما توفيقي الا بالله لما كانت هذه الدرة الفريدة والجوهرة الخريدة مجموعة عن خطابها مخفية من طلابها وهي كاسمها كنز مخزونة ومملؤة من الألي مكنونة لم تسمح الايام بنسختها لاهل العلم والفضل الى ان عثرت بنسختي وكانتا رغم جودها مغلوطتين ووجدت نسخة اخرى منفردة فتصديت لتصحيحها بقدر وسع ما اردت ان اتصرف فيها بالحدس وظني ان اهل العلم لو رأوا النسختين اعذروني عند اطلاعهم على اغلاطها وارجو من مكارم اخلاقهم ان يقبلوا عذري ويمنوا علي بتصحيحها ويجيبوا الي بطلب المغفرة لي ولجميع التذكير كانت الكناية على المعنى لأن معنى الرحمة هو الانعام والتفضل وقد قال الله سبحانه * (هذا رحمة من ربي) * ولم يقل هذه وإنما اراد هذا فضل من ربي قال امرؤ القيس برهرهه روده رخصه كخربوه عوبه البانه المنفطر فقال المنفطر ولم يقل المنفطرة لانه عنى الى الغصن فذكره وقال آخر * قامت تبكيه على قبره من لي من بعدك يا عامر * تركتني في الدار ذا غربة * قد ضاع من ليس له ناصر * فقال ذا غربة ولم يقل ذات غربه لانه عنى شخصا ذا غربه والمراد بالاختلاف المذكور في الاية انما هو الاختلاف في الدين والذهاب عن الحق فيه بالهوى والشبهه وقد ذكر بعضهم في قوله مختلفين وجها غريبا وهو ان يكون معناه ان خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم في الكفر لانه سواء قولك خلف بعضهم بعضا و قولك اختلفوا كما انه سواء قولك قتل بعضهم بعضا وقولك اقتتلوا ومنه قولهم لا افعل كذا وكذا ما اختلف العصران والجديدان أي جاء كل منهما بعد الاخر وأما الرحمة فليست رقة القلب و الشفقة لكنها فعل النعم والاحسان يدل على ذلك ان من احسن الى غيره وانعم عليه يوصف بانه رحيم وان لم تعلم منه رقة قلبه عليه وشفقته بل وصفهم بالرحمة من لا يعهدون منه رقة القلب اقوى من وصفهم الرقيق القلب بذلك لأن مشقة النعمة والاحسان على من لا رقة عنده اكثر منها على الرقيق القلب وقد علمنا ان من رق عليه أو امتنع من الافضال والاحسان لم يوصف بالرحمة وإذا انعم وصف بها فوجب ان يكون معناها ما ذكرناه وقد يجوز ان يكون معنى الرحمة في الاصل الرقة والشفقة ثم انتقل بالتعارف الى ما بلغ هذا آخر ما وجدنا من كتاب كنز الفوائد املاء الشيخ الفقيه ابي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي رحمه الله وما توفيقي الا بالله لما كانت هذه الدرة الفريدة والجوهرة الخريدة مجموعة عن خطابها مخفية من طلابها وهي كاسمها كنز مخزونة ومملؤة من الألي مكنونة لم تسمح الايام بنسختها لاهل العلم والفضل الى ان عثرت بنسختي وكانتا رغم جودها مغلوطتين ووجدت نسخة اخرى منفردة فتصديت لتصحيحها بقدر وسع ما اردت ان اتصرف فيها بالحدس وظني ان اهل العلم لو رأوا النسختين اعذروني عند اطلاعهم على اغلاطها وارجو من مكارم اخلاقهم ان يقبلوا عذري ويمنوا علي بتصحيحها ويجيبوا الي بطلب المغفرة لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الاقل الاحقر المذنب خادم علماء العاملين محمد حسين بن محمد رضا التبريزي عفا عنهما وعن المؤمنين والمؤمنات ويرحم الله عبدا قال يا رب العالمين آمين

اترك تعليقاً