كتاب المائدة – الحسين بن حمدان الخصيبي

كتاب المائدة

الحسين بن حمدان الخصيبي


[ 1 ]

كتاب المائدة للشيخ أبي عبد الله الحسين بن حمدان بن الخصيب الخصيبي (الحضيني) الجنبلاني (٣٥٨ – ٢٦٠ هـ)


[ 2 ]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الباب الأول: في طلب العلم

قال أرسطوطاليس الحكيم: من لم يقدر على فعل الفضائل فلتكن فضائله ترك الرذائل وقال: إن الألفاظ المنطقية مضرة بالجهلاء لسوء احترازهم عنها وقال مولانا جعفر الصادق عليه السلام: من علمنا أهل البيت ما لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان فقيل: يا مولاي ومن يحمل ذلك قال: من شئنا نحن أعلم بأنفسكم


[ 3 ]

لأن منكم من يتأمل بعلمنا ويباهي به من لو أطلعناه على أمرنا لحجدـ وقال تعالى: واتقوا الله ويعلمكم الله وقال تعالى حكاية عن صاحب موسى: فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما وقال تعالى: ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلوك إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما وقال تعالى: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون وعن مولانا أمير المؤنين عليه السلام قال: يطلب هذا الدين ثلاثة أصناف من الناس فالصنف الأول يطلبه للرياء والجدال فهو ذو خب وملق قد تسربل بالتخشع وتخلى عن الورع فقطع الله هذا في خيشومه ورض منه


[ 4 ]

حيزومه أعاذنا الله أن نكون منهم والصنف الثاني يطلبه للمراء والاستطالة ليستطيل به على من هو دونه ويتواضع به للأغنياء وهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم فأعصى الله من هذا قلبه وقطع من بين العلماء أثره والصنف الثالث يطلبه للعلم والتفقه قد اتخذ النهار في برنسه وقام الليل في حندسه خائفا وجلا استوحش من أوثق إخوانه فشد الله في هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه


[ 5 ]

وروي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: شيعتنا ثلاثة أصناف فقوم تزينوا بمحبتنا وخرجوا عن حد العامة فنحن زينة لمن تزين بنا في الدنيا وقوم أكلوا بنا وجعلونا مكسبا حشى الله بطونهم نارا وقوم أحبونا لأنهم توالونا فأولئك هم أصحاب أمير المؤمنين حقا فهم شيعتنا وموالينا وروى سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت مولاي أمير المؤمنين عليه السلام يقول: منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له نجا ومن أراد الدنيا فهي حظه


[ 6 ]

وقد قال سبحانه: ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين الآية وقال: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثته ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب الآية وقال مولانا الصادق: قصم ظهري رجلان محق متهتك ومبطل متنسك هذا يبغي عن حقه بتهتكه وهذا يدعو إلى باطله بتنسكه ألا وإن البعيد مني بالنسب المعترف لحقي لأقرب إلي من القريب في النسب الجاحد لحقي وولائي لأمير المؤمنين لأحب


[ 7 ]

ثم جودة الحفظ ثم العمل به ثم نشره في أهله وقال الرسول أيضا صلى الله عليه وآله: اطلبوا العلم ولو كان في الصين وصين الصين والصين في الحقيقة ليست موضع ومكان علم وإنما أراد به مثلا للسفر والمسافرة في طلب العلم والصيانة له وكتمانه عن غير أله وقال مولانا الصادق عليه السلام: أدب الدين قبل الدين ومن لا أدب له ولا دين له وقال الحكيم أرسطو: الأدب صورة العقل وقال تعالى: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وقال النبي صلى الله عليه وآله: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة


[ 8 ]

وقال صلى الله عليه وآله: إن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وقال مولانا أمير المؤمنين: تعلموا العلم فإن تعلمه حسنة وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنازل أهل الجنة والأنس من الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء والقريب عند البعيد يرفع به أقواما فيجعلهم في الخير قادة هدى يقتدى بهم في الجنة وتقتفي آثارهم ويقتدى بفعالهم وترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم ويستغفر لهم كل رطب ويابس حتى الحيتان في البحر وهوامه وسباع الأرض وأنعامها لأنه حياة للقلوب من الجهل ومصباح الأبصار من الظلمة به يلهم السعداء وبه يحرم الأشقياء فالسعيد ليس من صفت دنياه لأن من صفت دنياه فليتهم وإنما سعد بإجابته في البداية وشقي من شقي بإنكاره في البداية وجحوده في النهاية وقال تعالى: وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ


[ 9 ]

الباب الثاني: باب التسليم إلى العلماء

وقال جعفر بن محمد بن المفضل: اطلبوا العلم من العلماء بالرفق والتودد فإن العلم هو الرزق خذوا معالم دينكم من عالمكم الذي هو أعلم منكم وليتكلم بمعرفة الله أعرفكم بالله وتفكروا في ملكوت الله ومعرفته ليهرب الشيطان عنكم والصدقة تدفع ميتة السوء وهي مطارحة العلم بين المؤمنين ممن هو دونه في العلم والمعرفة وميتة السوء الكفر من سألكم شيئا يزيل عنه الشك فأعطوه من نثائر موائدكم معناه إذا جاءكم السائل الطالب لمعرفة الله فأعطوه مثل ما تعطون تلاميذكم والمائدة الباب والنثارة العلم الذي يخرج منه


[ 10 ]

وقال: أربعة من أعطيهن فقد أعطي ملك الدنيا والآخرة الصفوة والرؤية والمقام والعلم الطريق الأعظم وقال: تهادوا العلم بينكم تهتدوا إلى الطريق الأعظم والبلد الأمين فإن في الهدية سلو الشحنة يعني نفي الشك عنكم وقال: صاحب العلوم الباطنة العارف بها العامل بما أمر به يرى ربه بالنورانية وقال: ما نقص مال من صدقة يعني ما نقص علم من بذله لأهله وقال: بالعلم يدفع عن المؤمن الكفر والشرك والفسوق وأنواع العذاب وقال: من سأل عن العلوم الباطنة منازعا فلا تجيبوه ومن فتح الله عليه المعرفة


[ 11 ]

وقال: أربعة من أعطيهن فقد أعطي ملك الدنيا والآخرة الصفوة والرؤية والمقام والعلم الطريق الأعظم وقال: تهادوا العلم بينكم تهتدوا إلى الطريق الأعظم والبلد الأمين فإن في الهدية سلو الشحنة يعني نفي الشك عنكم وقال: صاحب العلوم الباطنة العارف بها العامل بما أمر به يرى ربه بالنورانية وقال: ما نقص مال من صدقة يعني ما نقص علم من بذله لأهله وقال: بالعلم يدفع عن المؤمن الكفر والشرك والفسوق وأنواع العذاب وقال: من سأل عن العلوم الباطنة منازعا فلا تجيبوه ومن فتح الله عليه المعرفة


[ 12 ]

بالعلوم الباطنة فليكثر مت أعمال الخير وقال: سلموا لعلمائكم ما يلقونه إليكم من العلوم والمعرفة تسلموا من الضنك والبلوى وإذا عرفتم ربكم فاطلبوا العلم به تستكملوا المعرفة واعملوا بما أمرتم تطهروا وأوجبوا العلوم على أنفسكم حيا فإن في ذلك النجاة وقال: احلبوا العلم من العالم كشبه حلب ضرع الشاة التي تحلب اللبن في كل وقت واللبن أصلح الخيرات وكذلك العالم خذوا معالم دينكم عن أهل ملتكم وارفضوا المشبهة المقصرة الذين قصروا عن معرفة الله وهم أضداد المؤمنين إن الله أعطى المؤمن أربع خصال العلم والعمل والمهابة في صدور الجاحدين والمعرفة


[ 13 ]

وقال: من أعطى مؤمنا حرفا من علوم الله أعطاه الله بكل حرف سبعين حرفا وعن الهمداني عن أبي سعيد عن ابن سنان قال: الخمسة التي طلبتها بنو إسرائيل هي خمسة أغذية للجسم الترابي الفاني فقال لهم: أتستبدلون الذي هو أدنى مما يقيم الجسم بالذي هو خير مما يقيم الروح بالإيمان ويصفيها من الكدورات البهيمية وقال جعفر بن محمد بن المفضل فيما رويناه عنه: سلموا لعلمائكم واسألوهم مما تتفقهون به من العلوم وذكر الحديث: من طلب العلم على بصيرة فلا تمنعوه فإنه الناجي ومن طلب العلم على غير بصيرة فداروه وألقوا إليه الكلمة بعد الكلمة حتى يطهر قلبه وتشرق بصيرته ومن غاب عنه ربه وقع في التيه فليسأل من هو أعلم منه بربه من الغيبة والظهور وليكن مسلما له فكلما قال له من أمر امتثله ومن بقي في تيهه وشكه فهو ملعون ومن بلغ قرار المعرفة فقد خرج من السهك إلى جوار ربه ورضاه


[ 14 ]

الباب الثالث: باب فيما افترضه الله من معرفته ومعرفة وليه

مما رويناه عن الربيع عن محمد بن نصير قال: سألت مولاي ما أكبر شيء افترضه الله على عباده فقال: المعرفة لله والتسليم لرسوله والطاعة لوليه والتبري من عدوه والمعرفة أصل ذلك كله وعن جعفر بن محمد بن مالك عن محمود عن علي بن أسباط عن أبي عبد الله السراج قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: ليس يريد الله من خلقه غير معرفته والسبب الذي بينهم وبين مواساة الإخوان


[ 15 ]

وعن عبد الله بن إدريس عن زيد بن طلحة عن يونس بن ظبيان قال قال الصادق عليه السلام: حق الله على المؤمن أن يعرفه فيوحده وحق المؤمن على الولي أن يدنيه فيعلمه وحق الولي على الله أن يمده بنوره منه متصل وحق الله على الولي أن لا يسبقه بالقول ولا يبعد له وليا‏ ومما أملينا على بعض تلاميذنا أن الله ما خلق الناس للأكل والشرب والنكاح وإنما جعل الطعام والشراب لحفظ القوة والنكاح لحفظ النسل وعمارة الدنيا وإنما خلق الله الناس ليعلموا فيسلموا ويعرفوا فيرتقوا وروينا عن الهمداني عن أبي سعيد عن علي بن الحسين عن ابن سنان عن المفضل قال قال الصادق عليه السلام: إنما يجب على المؤمن أن يعرف الله فيوحده ويعرف وليه فيطيعه ويعرف عدوه فيتبرأ منه ويعرف لأخيه ما يجب من حقه ولا يسأل الناس شيئا من حطام الدنيا ولو مات ليحيا حياته كفافا وعن عبد الله بن العلاء عن إدريس عن زيد بن طلحة عن محمد بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن الصادق عليه السلام أنه قال: إنما لله على المؤمن أن يعرفه فإذا عرف أقر به وعرف وليه فأطاعه وعرف عدوه فتبرأ منه ويعرف لأخيه حقه


[ 16 ]

ومما روي أنه سئل بعض الحكماء عن الأشخاص العلوية فقال: عرفوا العلة الكلية فجعلوا كواكب درية وحدثنا علي بن عمر القزويني قال حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي عن محمد بن عبد الله بن مهران عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: جاءت من الله عشر خصال من أقر بها دخل الملكوت الأولى معرفة الله والإقرار له العبودية والثانية معرفة الولي والثالثة معرفة ولي الولي والرابعة معرفة إبليس في ما كان من ذاته والخامسة معرفة قوام القسط


[ 17 ]

والسادسة معرفة الأشخاص الذين أقيمت هياكلهم في ضياء القدس والسابعة قبوله لعلم الله والتصديق برسله والثامنة تعظيم أهل المعرفة والتاسعة أن تكون وأخوك في الدين شرعه واحدة والعاشرة صون سر الله والسر على أوليائه وقد قال السيد المسيح عليه السلام وقد سئل عن الإنسان إذا صفا ما يكون فقال: لن يصفو من لم يعرف بارئه فإذا عرف العبد بارئه حق معرفته صار شمعة تضيء بين يدي الرب وعن أبي محمد عن أبي سعيد قال قال العسكري عليه السلام: لقد ابتدأ الله خلقه بالرفاهة وترك التعبد له قد علم أنهم لا يطيقون فما أراد منهم إلا للمعرفة وهي العبادة حتى سألوا فأجابهم وعن العالم عليه السلام أنه قال: من لقي الله بخمس خصال أعطاه الله ما شاء فأولها أن يعرف الله حقه ومعرفته وأن يطيعه حق طاعته وأن يتبرأ من عوده وأن يوالي وليه وأن تصير على كل حال في البأساء والضراء فمن لم يلق الله بهذه الخصال فليس من أوليائنا


[ 18 ]

الباب الرابع: باب في معرفة النفس وآدابها

ومما جاء في معرفة النفس وآدابها أنه اجتمع أربعة من الحكماء فقال الأول منهم: ينبغي لنا إذا كنا طلاق العلم أن نبتدأ بمعرفة أنفسنا من قبل أن نرقى إلى معرفة غيرها وقال الثاني: لقد ساء وقوع من وقع موقعا احتاج إلى معرفة نفسه وقال الثالث: يجب على المرء الطالب لسعادة نفسه أن لا يقصر عن طلب شفائه لا سيما إذا كان المقام في هذه الدار قليلا والخروج منها أوجب وقال الرابع: من أجل ذلك وجب الاتصال بالحكماء المهذبين السالكين إلى حقائق الأمور بالعلم والحكمة


[ 19 ]

وقال مولانا الصادق: تأدبوا تنجوا وقال عليه السلام: ديانة ومعها أدب أفضل من عبادة بلا أدب وقال مولانا الرضا عليه السلام: من حسن أدبه فبمولاه اقتده وبنوره اهتده وقال: من حسن في الدين أدبه حسن في الكرات والرجعات منقلبه وروي أن أدب الدين تعظيم العالم قال أرسطوطاليس الحكيم: إن طالب العلم والحكمة يريه علمه وحكمته أن فوق علمه علما فهو يتواضع والجاهل يتوهم أنه قد تناهى فيسقط بجهله فتمقته النفوس نعوذ بالله ممن هذه صفته وقال أفلاطون الإلهي: لولا أن في قولي لا أعلم تثبيتا أني أعلم لقلت إني لا أعلم وقال مولانا الصادق عليه السلام: لا تمار سفيها فإنه يستفيد منك علما ويتخذك عدوا


[ 20 ]

وقال الحكيم: إن النفوس البهيمية تالف مساكنها الأجسام الترابية فلذلك يصعب عليها مفارقة أجسامها قال الله تعالى: فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين فإن نفوسهم البهيمية قد ألفت أجسادهم الترابية الكدورية أما المؤمنون فإن نفوسهم الصافية تعاف أجسامهم الترابية وتتوق أن تخرج منها واعلم أعز الله بك الملة والدين أننا فيما أوردناه في كتابنا هذا عن أرسطوطاليس الحكيم وغيره من الحكماء لم نخرج فيما أوردناه عن حد الشرع وقد روينا عن محمد بن عبد الرحمن الكرخي عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر أنه قال: ذكر أرسطوطاليس بين يدي مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فأطنبوا في ذكره وقالوا: ما كان في وقته من هو أعلم منه فقال مولاي الصادق عليه السلام: رحم الله أبا عبد الرحمن أرسطوطاليس فإنه كان موحدا


[ 21 ]

الباب الخامس: باب النهي عن البدع

ولما رأيت كثيرا من أدعياء المعرفة قد ابتدعوا الآراء وأمروا بما لا يعلمون عملت على ما يحث نفسي على مجانبتهم فقد روينا عن مولانا الصادق عليه السلام قوله: إذا ظهرت البدع وكتم العالم علمه فعليه لعنة الله وقال أمير المؤمنين: قوام الدنيا بأربعة بعالم لا يبخل ومتعلم لا يستنكف أن يتعلم وبغني يجود بمعروفه وفقير لا يبيع آخرته بدنياه


[ 22 ]

وقال عليه السلام: العلم وديعة الله عند العلماء للمتعلمين فإن لم يؤد الوديعة إلى أهلها سلبه الله تلك الوديعة وجعلها حجة عليه ووبالا لديه وقال مولانا الصادق عليه السلام: ما أخذ الله على الجهال عهدا بتعلم العلم من العلماء إلا وقد أخذ على العالم سبعين عهدا أن لا يكتمه عن مستحقه وقال عليه السلام: العلم حجة الله البالغة فإذا ظهرت البدع فادفعوا أهلها بحجج الله الدامغة وبراهينه الساطعة وقد روي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: من عبد الله بالتوهم فقد ألحد ومن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء بصفاته التي وصفها لنفسه وعقد عليه لبه ونطق به لسانه في سرائره وجهره وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين حقا


[ 23 ]

فردهم إلى موجود معاين متيقن غير موهوم وأبان بهذا الخبر المستور المطلوب وكشف به عن المستودع ودل على حقيقة التوحيد فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه معناه الذين يشيرون إلى معرفة الاسم دون المعنى ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وحديث رويناه بإسنادنا المرفوع إلى المفضل بن عمر عن أبي الزبير عن أبي مخنف قال: كنت مع مولاي أمير المؤمنين عليه السلام إذ مر بقصاب يهودي وهو يقول: سبحان من احتجب بالنور فلا عين تراه فقال أمير المؤمنين عليه السلام: من تعني بذلك فقال اليهودي: الله فقال أمير المؤمنين: إن الله يا أخا اليهود لم يحتجب عن خلقه بل حجبهم عن رؤيته لسوء أفعالهم ونكير أعمالهم فإذا شاء عرف نفسه لمن يشاء وسألت أيدك الله عن مريم وقوله تعالى حكاية عنها: فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا


[ 24 ]

قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا وعن جبريل وكيفية تمثله لها فنقول: إن جبريل لم يحل عن كيانه ولم يدخل عليه تغيير في حقيقته وإنما مريم نظرت إليه بقدر استحقاقها وقوة معرفتها ويقدر ما أمدها به من نوره وإنما دخل عليها التغيير لكون البشرية فقالت ما تقدم من الاستعاذة فقال: إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا فدل بهذا القول أنه لم يتغير وإنما التغيير في نظر من نظر إليه وهي في علو منزلتها قد دخل عليها التغيير وذلك أن الإنسان يرى فيئه في الشمس ولا حقيقة له مع وجود المباينة فما هو فيء له وكذلك إن الإنسان يرى البعير من بعيد فيحسبه شاة ويرى الشجرة فيحسبها إنسانا ويقف على شاطئ نهر فيرى صورته عكسا وهذا نظر أهل المزاج والكدر فأما أهل الصفاء فما يرونه إلا ذاتيا ووجه آخر في الظهور بغير تنقل ما يراه الإنسان من صورة نفسه في المرأة الصقيلة فوجود صورة مرئة ومباينة لصورته موجودا له أيضا في نفس المرآة فما يراه تمثيل في النفس إذ نظر إلى صورة نفسه بغير تنقل ولا زوال


[ 25 ]

وهذه الأمثلة من حيث نحن وحيث عقولنا فأما من حيث ظهوره فإنه أعظم من أن تحيط به العقول فإذا كنا نعجز عن إدراك ما تخيله لنا نواظرنا مما يظهر لنا منا فنحن في إدراك صفات الله أعجز وجميع أهل التوحيد المحققين يقولون: إن القديم الأزل معل العلل ومبدي حركات الأول لا يقع عليه اسم ولا نعت ولا صفة ولا حد ولا يقال فيه قبل ولا بعد ولا تتوهمه الأوهام وإنه وإن كانت الصفات لا تؤذيه والإشارات لا تعييه إنه ظاهر موجود باطن غير مفقود إلا أنه لا يدرك بالإحاطة وقد روينا عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: إن الله يقلب القلوب والأبصار في النظر إليه ويغير ولا يتغير عن كيانه وإنما يدهل التغيير والتقلب على أبصار الناظرين إليه بقدر استحقاقهم


[ 26 ]

فإذا كمل لأهل الثواب كشف لهم عن ذلك التغيير وأزاله عن أبصارهم ونزع الغطاء عن قلوبهم فيرونه بتفضله عليهم في دار الآخرة وقد روينا عن بعض العارفين في زماننا هذا أنه سئل: هل يرى الباري فقال: إن العالم إذا أوردوا دار الثواب وهو يوم الكشف عند المحققين يجعل الله قلوب المؤمنين هياكل نورانية يمد أبصارهم بأنواه اللدنية ويتجلى لهم فينظرون إليه بما من الله عليهم فيأخذ كل واحد في ذلك النظر بمقدار ما قدر له فيا لها من لذو ما أهنأها ونعمة ما أسناها ومنة ما أبقاها وقد روينا عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: إن الله ظهر للعالم من حيث هو فرآه العالم من حيث هم وهو حيث هو وهم حيث هم كل يراه على مقداره وما سبق له من صنعته وآثاره ونور المعرفة واصل إلى كل واحد بقدر مرتبته وما منحه الله من معرفته به وتفضل عليه من نور هدايته


[ 27 ]

الباب السادس: باب في خلق العقل

عن محمد بن سنان قال: سألت مولاي الصادق عليه السلام عن صفات الأزل فقال: العقل فقلت له: ما العقل فقال: به يعقل العاقل وبه ينظر الناظر وبه يتحرك الساكن وبه يذاق الطيب وتحس الحواس وإلينا يفيض الناس قال محمد بن سنان فقلت: فكيف منزلته من الأزل فقال: منزلة العلم من العالم ليس هو منفصلا عنه ولا غائبا عنه واعلم يا محمد أن الأزل أطلع من نور ذاته نورا عاما مادا لم يفصله منه ولا غاب عنه سماه عقلا وخاطبا فقال له: من أنا فقال العقل: أنت مبدئي ومظهري وأنا منك بدأت فقال له: أدبر أي اظهر كالمنفصل في مظهر ثم قال له: أقبل وعد فاتصل فقال له وخاطبه فقال: وعترتي وجلالي ما خلقت خلقا قبلك ولا قبل لك إلا أنا إذ أنا معدنك ولا أخلق خلقا أحبر إلي منك لأنك مني بدأت وفيك أدعى لأنك سري ونوري في سماواتي وأرضي بك آخذ حقي من خلق وبك أجازي من الحميد


[ 28 ]

وقد بلغني أنه سأل رجل الحسين بن منصور الحلاج فقال له: هل تعرف الله حتى معرفته فقال: سبحان الواحد الأحمد المنفطر من الأحد رتقا بغير فتق وكل ليس منه جزء هو هو علي عظيم افترقت أسماؤه ولم يتفرق هو في ذاته أوى آخر ظاهر باطن ليس كمثله شيء والشيء من مشيئته دعا بنفسه من نفسه إلى نفسه لئلا يتولى أمره عز وجل فيها سواه إذ هو كيانها وسبب لصفاته وموقع معانيه وظاهره والسلام وروي أنه من لم يعرف مواقع الصفة حرم قرار المعرفة فالمواقع السين والصفة الميم والمعرفة الحق المبين وسأل رجل مولانا الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل ادعوني استجيب لكم فبم ندعو


[ 29 ]

قال مولانا الصادق: ينفي الصفات وتنزيه الذاتـ وقال بعض العلماء: إنه خلق الله تعالى خلقا إلا وجعل له معنى ولا أوجد وحدا إلا وجعل له فصلا ووصلا ولا سبيل إلى معرفة الموصول إلا بالمفصول ولا إلى الخفي إلا بالبدي ولا إلى الساكن إلا بالمتحرك ولكل واحد بدء من أحد كما قال: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم وروينا عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال قال مولانا الصادق عليه السلام: من جمع بين الاسم والمعنى فقد أشرك ما لم ينزل به سلطانا ومن قال إنه لا يرى فقد أحال على كامن مستور ومن قال إن الأبصار تدركه فقد شبهه ومن قال لا يعرف بوجه من الوجوه فقد نفى وجوده ومن عرفه بدلائله وتبين إشاراته وعرفه بظهور قدرته وبمشاهدة معجزاته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين


[ 30 ]

وعن عبد الله بن العلي عن إدريس عن زيد بن طلحة قال قلت: يا سيدي الله في كل مكان أو مكان دون مكان قال: بل في كل مكان قلت: كيف ذلك قال: ليس هو في الأشياء حلولا ولا هو خارج الأشياء مباينا قلت: فمثل لي ذلك قال: ضوء الشمس يطلع على الجيف ويظل النطف قلت: نعم وكذلك هو قلت: فمحتجب هو قال: فضوء الشمس محتجب عن الخلق قلت: لا قال: وكذلك هو قلت: فظاهر هو كضوء الشمس قال: فضوء الشمس تراه الأبصار وتحويه قلت: لا قال: كذلك هو قلت: أفيضره ظهوره قال: أو يضر الشمس طلوعها على الجيف قلت: لا وسئل عليه السلام بهذا الإسناد: هل يحتجب الرب بشيء قال: لا شيء أكبر منه فيستره ولكن احتجب عن خلقه لخطاياهم


[ 31 ]

الباب السابع: باب في الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره في البأساء والضراء

يروى عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: إن المؤمن بين بلاءين بلاء هو فيه وبلاء هو منتظره أن يأتيه فإن صبر للأول كشف عن الثاني وإن جزع للأول بلي بالثاني وانتظر به الثالث فلا يزال كذلك حتى يبصر ويرضى وعن أحمد بن محمد بن هود عن عبد الله بن حماد عن أبان بن تغلب عن أبي عبد [الله] شهيد


[ 32 ]

وبإسنادنا عن الحسين بن محبوب عن مالك بن عطية عن داود بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن فينا أوحى الله إلى موسى بن عمران أن: يا موسى ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن وإنني إنما ابتليته لما هو خير له وأنا أعلم بما صلح عليه عبدي فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي وليرض بقضائي أكبته في الصديقين إذا عمل برضائي وأطاع عملي وعن الحسين بن عبد الله بن سنان عن محمد بن المندكر قال: مرض عون بن عبد الله بن مسعود فأتيته أعوده فقال: ألا أحدثكم بحديث سمعته عن عبد الله بن مسعود قلت: بلى قال: قال بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله تبسم فقلت: يا رسول الله رأيتك تبسمت فمم ذلك روحي فداك فقال: عجبت للمؤمن وجزعه من السقم ولو علم ما في السقم لأحب أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربه وبإسنادنا عن سيدنا أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء فإذا أحب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء فمن رضي فله الرضاء ومن سخط فله السخط


[ 33 ]

وعن العالم عليه السلام أنه قال: لا يوحد الله رجل منكم أقام اليوم واليومين والثلاثة أيام لا يصل فيها إلى كرسة خبز يسد فيها جوعه فيشكو حاله إلى أخيه لأمه وأبيه إذا كان مخالفا فمن لم يكن كذلك فلا ولاية بيننا وبينه وجعل يكررها ثلاثا وقد روي عن عبد الله بن الحسن قال: صبحت رجلا من الشيعة بالكوفة فنزلت به في بعض الأقوات ضائقة حتى أقام هو ومن في منزله ثلاثة أيام لم يطمعوا طعاما فقلت له: يا سيدي قال الله تبارك وتعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولو شكيت ما أنت عليه إلى إخوانك لم يتركوك هكذا فقال: لو كانوا إخواني ما خفي عليهم حالي إني سمعت عن مولانا جعفر عليه السلام أنه قال: أيما مؤمن نزلت به نازلة فكتم ما هو عليه ثلاثا ولم يشك إلى أحد أذن الله له بالفرج من نفس الشدة وإني أرجو من الله الفرج من شدتي هذه قال: فلقد رأيت أطفاله في وقت السحر وهم يأخذون من أصول الحيطان عيدانا فيأكلونها فلما أصبحنا فإذا قد طرق الباب طارق فنظر فإذا جماعة من أهل الكوفة قد دخلوا عليه معهم كيس فيه عشرة آلاف درهم فقالوا: إن فلانا قد مات وقد وصى بثلاثة أكياس مثل هذا وقيل خمسة أن تفرق على إخوانه وقال: ليمضوا بهذا الكيس إلى فلان بعينك فإن تبرأ من أبي الخطاب فادفعوه إليه وإن لم يفعل ففرقوه في إخواني


[ 34 ]

فقال لهم: امضوا ففرقوه في إخوانه فأخذوه وانصرفوا فلما خرجوا أقبلت عليه وقلت له: يا سيدي في هذه البلدة ثمانون رجلا يكنون بأبي الخطاب فلو كنت تبرأت من أحدهم وأخذت الكيس فقال: إنهم لن يقنعوا مني إلا بالبراءة مما يريدونه فلم يلبث إلا قليلا حتى طرق بابه قوم من أهل سجستان فلما طلعوا إليه قالوا له: إن فلانا عندنا بسجستان قد مات وما له وارث غيرك وقد خلف مالا وضياعا فإن اخترت السير معنا فسر لتأخذ مالك وإن اخترت البيع بعت أو توكل وكيلا على ملكك فعلت وهذه عشرة آلاف دينار تصلح بها حالك ودفعوه إليه كيسا فيه عشرة آلاف دينار وروي في بعض الأحاديث أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود: يا داود بشر صفراء بنت سراقة أنها على درجتك في الجنة فأتى داود فإذا هي بين نساء يغزلن الصوف فقال: أيتكن صفراء بنت سراقة فقالت: ها أنا هي فقال: إن الله أمرني أن أبشرك أنك على درجتي من الجنة فقالت له: أحسن الله بشراك وأدام سلامتك فقال لها داود: فبأي حال نلت هذا فقالت له: بلى بغير عمل ناشدتك الله إلا أخبرتني فقالت: يا نبي الله والله ما كنت في حالة قط فسألت الله أن ينقلني إلى غيرها حتى يكون هو المبتدي لي ذلك وروي أنه كان بمصر رجل يقال عنه إنه يعرف اسم الله الأعظم


[ 35 ]

فقال له غلام من بعض من كان يجيء إليه: يا عمي بلغني أنك تعرف اسم الله الأعظم فلو سألته أن يكشف عنك هذا البلاء فقال له: يا بن أخي هو الذي ابتلاني وأنا أكره أن أرادده في فعله وعن العالم عليه السلام أنه قال: السلامة في التسليم وقال منه الرحمة: سلم تسلم وارض ترض وقال منه الرحمة: ما قضى الله عز وجل على عبد قضاء فرضي به واستيقنه إلا وجعل الله له فيه الخيرة وقال عليه السلام: المسلم إلى الحق أول ما يصل إليه وقد حكي عن بعض الأولياء المتقدمين أنه امتحن في بعض أيامه بفاقة أضرت به في نفسه فقال: أريد أن أسأل الله أن يخفف عني هذه النازلة التي قد أحلت بي ولم يسأل وإنما خطرت الإرادة بقلبه فلم يقلع سحائبها عنه حتى طرق بابه طارق ولما أذن له


[ 36 ]

ودخل عليه وسمى له رجلا يعرفه وأخبره أنه يقرئك السلام ويقول لك: اصرف هذه في بعض مهماتك وناوله صرة فيها دنانير فقال له: اتركها بين يدي وانصرف ثم أقبل الرجل مفكرا في معارضته لخالقه وعلمه أنه ما حل به ذلك إلا لمصلحته التي هي الصبر وعليها ويكون عظيم الأجر فقال في نسفه: هذه حطيئة لا تغفر وجريمة لا تقال ولكن أرجع إلى الله بصفاء نيتي وإخلاصي وطويتي فأسأله أن يغفر لي هذا الذنب العظيم فلما علم الله منه ذلك وندامته على خطيئته التي ركبها وتوبته منها وأنه قد أناب نقله في ذلك الوقت إلى عالم الصفا وأراحه من عالم الكدر فصار حينئذ أول لمن كان أول في منزلته وعن إدريس عن محمد بن سنان قال قال الصادق عليه السلام: أخذ الله الميثاق ميثاق المؤمن على أربع أن يمظم غيظه ولا يكذب في قوله ولا يسد فقره من عدوه ولا يزرع حسنى عند غير أهله وعنه عليه السلام: المؤمن بين أربع جار يؤذي وسلطان يريعه وعدو يرصده ليقتله ومؤمن في درجته وهو أشدهم عليه


[ 37 ]

الباب الثامن: باب في صفاء المؤمن

وعن سدير الصيرفي قال كنت في بعض الأيام جالسا ومعي قوم من إخواني في المسجد ونحن نتحدث إلى أن غربت الشمس فخرجنا لنتهجد للصلاة وعدنا إلى المسجد إذ دخل علينا شاب حسن الوجه أطماره نظيفة إلا أنها رثة وفي يده نعل عربي فسلم فرددنا عليه السلام فقال: أفيكم من يغتنم ثوابا ففينا جوعة فقلت: أنا يا عبد الله اجلس فصلينا المغرب وصلى معنا وخرجت من المسجد ويدي في يده وأتيت به إلى منزلي فوجدت المائدة قد نصبت لأنني قد صمت ذلك اليوم فأكلت وكنت شديد الجوع فشغلت بالأكل عن النظر إليه فأشار إلي الغلام فرفعن رأسي إليه فقال لي: إن الضيف لم ينل من الطعام شيئا فنظرت فإذا الطعام كما قدم ما نال منه شيئا وتأملت الرجل فإذا هو بغير الصورة التي ‏دخل بها المسجد


[ 38 ]

فهبته وذكرت نور الموالي عليهم السلام فاستعذت به من نفسي فزال ذلك عني ثم قلت له: يا سيدي من أنت فقال: رجل عرف الله فملكه الله نفسه وأعتق رقبته فاجتهد يا سدير في خلاص نفسك وعتق رقبتك من هذه القمص البشرية اللحمية الدموية فتكون كما قال الله: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا أي على بر الإخوان والمعرفة وعملوا بتوحيد الله ظاهرا وباطنا وعصوا الثاني لعنه الله وتبرؤوا منه ومن أشياعه وأنفقوا في الله وأطعموا في الله ووصلوا في الله وقطعوا في الله وأحبوا في الله وأبضغوا في الله فالله الله في نفسك يا سدير احرص على خلاصها ببر إخوانك فإن أخاك دينك وبه تنجو من بوائق الدنيا والآخرة ثم غاب عني فلم أره ولا كيف غاب وبسندنا عن المفضل بن عمر قال سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام


[ 39 ]

فقلت: يا سيدي ما حد انتهاء المؤمن قال: إن المؤمن المنتهي يرتقي من درجة إلى درجة حتى ينتهي إلى معرفة الحجاب والباب فإذا ارتقى إلى معرفة ذلك بلغ وصار مثل الملائكة الذين يصعدون إلى السماء ويهبطون إلى الأرض وترتفع عنهم مؤونة الأكل والشرب والاهتمام بشيء من الأشياء الدنيوية قال المفضل: على صورة الآدميين أم على صورة الملائكة قال: إن شاء على هذه وإن شاء على هذه بإذن الله تعالى قال المفضل: يا مولاي أفي زمانك هذا منهم أحد قال: منهم نفر كثير يخاطبونكم ولا تعرفونهم وإن الرجل منهم يرى اليوم في المشرق ويرى في اليوم بعينه في المغرب هل تعرف منهم أحدا يا مفضل قال: لا يا مولاي فقام رجل ممن حضر يقال له محمد بن الوليد وقال: أنا رأيت على هذه الصفة رجلا منذ أيام قال المولى الصادق عليه السلام: كيف رأيته قال: كنت جالسا في مسجدي وقد فرغت من صلاتي وأنا أسبح إذ دخل علي رجل عليه أثر السفر وقد أنهكته العبادة فسلم فرددت عليه السلام وإذ به يقول أفيكم رجل يضيفني ليلتي هذه فقلت: أنا يا عبد الله أضيفك وأحسن إليك وسرنا إلى المنزل ودعوت بالطعام فقدمت الجارية المائدة وعليها قطعة فيها ثريد ولحم فأكلت كثيرا وظننت أن الرجل يأكل معي ولما استوفيت قلت للجارية: ارفعي فرفعت المائدة فإذا بالثريد واللحم كهيئته لم ينقص منه قليل ولا كثير فقالت الجارية: ما شأنكما لم تمسا طعاما فقلت: ويحك إنا أكلنا حتى شبعنا فقالت: سبحان الله ما مس منه شيء فقمت ونظرت فإذا الطعام كما هو على حاله كحين وضع إلينا فوالله لقد بقيت متعجبا ثم جبنت وأصابني رعب شديد وقلت في نفسي: ساحر وارتميت إلى الأرض فزعا منه وبقيت الجارية مبهوتة فعرف ما بنا فتبسم وقال: ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فلما سمعت القرآن سكنت وقلت: ما مع القرآن إلا الخير ثم رجعت إلي نفسي واستأنست إليه فإذا بهيئته قد تغيرت غير الهيئة التي دخل بها إلي المسجد رأيته رجلا بهيا وعليه ثياب بهية حسنة فسررت


[ 40 ]

وازداد عجبي فلما نظر إلي قال: تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنت تجري من تحتها الأنهر ويجعل لك قصورا فأنست به ثم نظرت إليه فإذا به قد تغير وصار رجلا له شارب طويل فرعبت منه رعبا شديدا فنظر إلي مبتسما وقال: لا بأس عليك أنا من إخوانك المؤمنين قد صفوت وأنت لم تصف بعد فإذا خفت شيئا فقل: إني أعوذ بالرحمن منك الا تكون تقيا فقلت له: من أنت يا عبد الله قال: أنا أخوك الإيمان اعلم أن الرجل من شيعة أهل البيت منهم السلام إذ كمل وعرف الله تعالى صفا وخلص ورفعت عنه مؤونة الأكل والشرب وصار ملكا من الملائكة يصعد إلى السماء وينزل إلى الأرض متى شاء ويطوف الأرض شرقها وغربها في طرفة عين فلما قال ذلك امتلأت سرورا وقلت: الحمد لله الذي من علي برؤيتك هذه الليلة المباركة وإني سمعتك تقرأ هذه الآية خلاف ما نقرأها قال: يا أخي ما قرأتها إلا كما نزلت ولقد حرف عامة قرآنكم الذي بين أيديكم حرفه طواغيت هذه الأمة يا أخي هل تعلم كيف كانت قصة مريم في هذه الآية قلت: لا قال: إن جبرائيل عليه السلام أتى مريم في صورة شاب كانت تعرفه في ذلك الزمان وكان اسمه تقيا وكان من أعبد أهل زمانه فلما نظرت إليه فزعت منه وأنكرته فقالت: أعوذ بالرحمن منك إلا أن تكون تقيا قلت: إن الناس يقرؤونها إن كنت تقيا قال: يحرفون كلام الله في كتابه عز وجل بغير علم كيف يكون ذلك وهي إنما استجارت به قلت له: يا أخي قال: لبيك قلت: هل لك في المقام عندي فإن الله رزقني خيرا كثيرا قال: أنا خارج من عندك الساعة إلى السماء قلت: فأوصني قال: نعم أوصيك بأحسن وصية وأوجزها أوصيك بخصلتين العهد والميثلاق في الأظلة والمبالغة في المعرفة فإن المبالغة في المعرفة أجل من المبالغة في العلم والعمل لأن الله عز وجل غني عن أفعال عباده وإنما له في عباده الشاكر قلت: وما الشاكر قال: العارف لأن العارف أفضل عند الله من العالم العابد المجتهد قلن: والخصلة الثانية قال: عليك ببر الإخوان لا يمنعك عنهم


[ 41 ]

مانع فإنها نعم التجارة وادفع الآفات ببر الإخوان ولا تلق أحدا منهم إلا بالخضوع لله وإن كان دونك بالمال والشرف فإن حفظت وصيتي كفاك الله المهمات من أمر دنياك وآخرتك والله عز وجل من وراء كل تجارة وإن عامة ما يصيب إخواننا من الآفات في أنفسهم وأموالهم وأولادهم هو من تقصيرهم مع بعضهم البعض وما من شيء أشد على الله عز وجل من أخ مؤمن استطال على أخيه ثم ودعني وغاب عني بعد أن قال: عليك بكتمان سر الله إلا عن المستبصرين العارفين قال: فضحك أبو عبد الله عليه السلام وقال: لقد كان عندي هذا الرجل بالأمس وسيدخل علينا الساعة قال المفضل: والله الذي كرمهم وحفظهم ما فرغ من كلامه حتى دخل علينا الرجل بالصورة التي دخل بها على محمد بن الوليد فعرفه وقام إليه فعانقه وجلس إلى جانب أبي عبد الله عليه السلام فحدثه طويلا وكان مما حدثه به أنه قال: يا بن رسول الله ما زلت أنا وجبرائيل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش صلوات الله عليهم نتذاكر فضلكم وكرامتكم أهل البيت عند الله إلى أن قال جبرائيل عليه السلام قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي ما خلقت الدنيا إلا لهم وما خلقت الآخرة والجنة والنار إلا من أجلهم وما وضعت الثواب والعقاب إلا لمحبيهم ولمبغضيهم ولا يلقاني أحد إلا بمودتهم ثم ودعاني وخرج فقال الصادق عليه السلام: إن لكم إخوانا في عالم الصفاء يأتونني ويسلمون علي وإنكم لترونهم ويرونكم ويمشون معكم في الأسواق ولا تعرفونهم


[ 42 ]

الباب التاسع: باب في أنواع حديثهم عليهمُ السلام وفضل الذكر والمذاكرة

بإسنادنا إلى مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: حديثنا صعب مستصعب لا يحمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان وإنا لنتحدث من حديثنا على أنواع شتى منه حديث لا نبالي أن يتحدث به ويرى عنا ولو على المنابر فذلك زين لنا وشين لعدونا وظاهر لشيعتنا ومن حديثنا حديث لا يتحدث به إلا شيعتنا فعليه يتحاجون ويتواصلون ومن حديثنا حديث لا يتحدث به إلا الواحد والاثنين فإذا جاوز الثلاثة فليس بسر ومن حديثنا سر مستسر مقنع بالسر لا نضعه إلا في صدور حصينة وقلوب أمينة وعقول رزينة فاتقوا الله ربكم فيما تتحدثون به عنا فمن كذب علينا فليتبوأ مقعده في النار


[ 43 ]

وعن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: القلوب ترب والعلم غرسها والمذاكرة سقيها والفقه ثمرها فاجتنوا ثمر قلوبكم بالمذاكرة وبسندنا عن شيخنا أبي محمد عبد الله بن محمد الجنان الجنبلاني الفارسي عن شيخه محمد بن جنبد يتيم دين الله عن السيد أبي شعيب أنه قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة يتبعون مجالس الذكر فإذا أتوا على مجالس فيه ملأ يوحدون الله عز وجل ينفي النعوت والصفات عنه نظر بعضهم إلى بعض فرحا وسرورا وطاروا بأجنحتهم ويدعونه عز وجل أن يخلصهم من الدنيا إلى نور الجنة وإن الله ليستجيب دعاء الملائكة للمؤمنين وروي أن سدينا الرسول قال: ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله ورسوله إلا نادى مناد من قبل السماء أن قوموا فأنتم مغفور لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات وعن أبي الفتح حسان بن عبد الله بن محمد بن سهلان البغدادي قال حدثني أحمد بن إدريس مرفوعا إلى مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: ما اجتمع قوم قط من أهل ولايتنا يذكرون التوحيد لبارئهم وفضل أسمائه وصفاته إلا وهبطت الملائكة تحف بهم فتعبق الملائكة من طيب ألفاظهم بروائح أذكى من المسك الأذفر فإذا تفرقوا


[ 44 ]

عرجت الملائكة إلى السماء فيقول إخوانهم من الملائكة: ما شممنا رائحة أطيب من روائحكم فأين كنتم فيقولون هبطنا إلى دار الدنيا وحففنا بقوم من المؤمنين يتذاكرون توحيد الله فنالنا من روائحكم أطيب من المسك الأذفر فهذه الروائح من عذوبة ألفاظهم فيقولون لهم فإنا نسألكم أن تهبطوا بنا حتى ننظر إليهم وينالنا من روائحهم فيقولون قد تفرقوا فيقولون فاهبطوا بنا إلى الموضع الذي كانوا فيه مجتمعين فيهبطون معهم إلى ذلك الموضع فتعبق بهم من رائحته رائحة أطيب من المسك الأذفر ثم يعرجون وروي أن الله عز وجل كلم موسى عليه السلام: من ذكرني في سره ذكرته في غيبي ومن ذكرني في ملأ من خلقي ذكرته في ملأ من ملائكتي ومن شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما سال سائل ومن دنا مني شبرا دنوت منه ذراعا ومن دنا مني ذراعا دنوت منه باعا ومن جاءني ماشيا جئته مهرولا وأنا جليس لمن ذكرني وحيث ما طلبني عبدي وجدني وما وسعتني الأرض والسماوات ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن لأن قلب عبدي المؤمن حرمي وحرام على حرمي أن يسكن فيه غيري


[ 45 ]

الباب العاشر: باب في صفات المؤمنين من الشيعة

عن مولانا الباقر عليه السلام: إن شيعتنا من حفظ علمنا وآمن بولايتنا ووفى بعهدنا واهتدى بهدانا وحفظ وصايانا واستقبل قبلتنا واقتدى بسنة وأقام حدودنا وغاب معنا إذا غبنا وشهد إذا شهدنا وحضر إذا حضرنا وإذا لقينا لم ينكرنا ويأوي إلى كهفنا ويدرس علمنا ويفهم حكمنا فإذا عرف العلم لم ينطق به سفها ولم يروه تماديا ولم يطوه عن أهله كاتما ولم يتركه تزهدا ولم يباه به مبغضا ولم يمار به عدوا فأولئك لنا أولياء


[ 46 ]

وعن محمد بن علي الجزار الحلبي قال: كنت جالسا عند مولاي أبي عبد الله الصادق عليه السلام فقام رجل من شيعته فتكلم بكلام يغتابه فيه فقال الصادق عليه السلام: ينبغي عليك ترك القول في أخيك في ثلاث حالات إياك أن تذكره بما هو فيك إياك أن تذكره بأمر فيك ما هو أعظم منه فتكون بذلك أشد استحقاقا لمقت الله وإياك أن تذكره بأمر قد عافاك الله منه وعن مولانا الصادق عليه السلام: أن رجلا من الشيعة جاء إليه فقال له: يا مولاي روي عنكم أن أكل الرمان يميت الشهوة ويقطع النسل فما تأويل ذلك فقال: مشاهدة المؤمن ومحادثته تميت الشهوة وتفلح الإنسان وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: شيعتنا يحاسبون على ذنوبهم وخطاياهم يوما بيوم وساعة بساعة حتى أن أحدهم ليموت وما عليه من الذنوب مثقال ذرة وعن مولانا العسكري عليه السلام قال: المعدة حوض البدن فإذا وقع فيها الحلال


[ 47 ]

أرسلت الطرف إلى الجوارح وسمت الهمة إلى عالم الملكوت ومن كان مطعمه ومشربه حلالا سمت به همته إلى طرائف الحكمة وعن محمد بن سنان عن المولى الصادق عليه السلام أنه قال: من كظم غيظه عن مؤمن عطف عليه ومن أحسن إلى مؤمن اتصل إحسان الله إليه ومن ستر مؤمنا أقاله الله من عثرته يوم القيامة وعن أبي حزمة الثمالي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: لا يكمل إيمان المؤمن حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه ثم قال: يا أبا حمزة اترضى أن تكون جائعا قلت: لا يا مولاي قال: فأشبع أخاك ثم قال: أتحب أن تكون فقيرا فقلت: لا يا مولاي فقال: فسد فقره واجب دعوته واستر خلته واقض حاجته وصدق كلمته وزينه في مجلسه وأسرع في قضاء حوائجه وعد مريضه وشيع جنازته واشهد عليه بالخير ولا تهتك ستره ولا تكن من الذين قال الله فيهم: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون قال أبو حمزة الثمالي: إذا سألونا أعطيناهم قال عليه السلام: وإنكم لتلجئوهم إلى السؤال لقد ألجأتموه إلى شر ملجأ ابدؤوهم قبل أن يسألوكم


[ 48 ]

وعن أبي الحسين محمد بن علي الكوفي عن أشياخه روى فقال: جاء رجل إلى الصادق عليه السلام فقال: إني أحب أن أساوي فقال: إنك لتجد من تساويه ولا تجد من تساويه فقال: إني أحب أن أعرف الاثنين معا قال: فافهم ما أقول لك إن الذي تحب أن تساويه يجب أن تكون فيه ثلاث خصال أن تجربه في الغضب فإن أخرجه غضبه إلى القبيح من القول فداره وواسه وأن تجربه في الدرهم والدينار فإن اختارهما عليك فداره وواسه وعن الصادق عليه السلام أنه قال لرجل من شيعته: كم بينكم وبين إخوانكم في البصرة قال: ستة أيام فقال له مولانا الصادق: أيرى بعضكم بعضا على البعد كما ترونهم على القرب قال: لا يا مولاي فقال: لو نصحتم في الآخرة لاتصلت بينكم الأنوار وارتفعت دونكم الأستار ورقيتم مراتب الأخيار حتى ترونهم على البعد كما ترونهم على القرب وعن رفاعة أنه قال: دخلت يوما على مولاي الصادق عليه السلام فلما استقر بي المجلس قال: يا رفاعة ألا أنبئك بأشد أهل النار عذابا يوم القيامة فقلت: بلى يا سيدي قال: رجل سعى بأخيه إلى السلطان ثم قال: ألا أنبئك بأشد من هذا فقلت: بلى يا سيدي قال: رجل عاب على أخيه المؤمن شيئا من قوله أو فعله ثم قال: ألا أنبئك بأشد من هذين عذابا فقلت: بلى يا سيدي قال: رجل جاءه أخوه المؤمن في حاجة فقضاها من عنده ولم يضحك في وجهه أو تكلفها من غيره وعن الإمام الحسين عليه السلام قال: خرج علينا أمير المؤمنين عز شأنه بمدينة الكوفة وهو متوشح ببردة رسول الله صلى الله عليه وآله متقلد سيفه منتعل بنعليه ثم صعد المنبر وجلس وقال: معاشر الناس هذا سفط العلم وأشار إلى صدره وهذا لعاب رسول الله


[ 49 ]

سلوني قبل أن تفقدوني فقام رجل يقال له همام وكان عابدا مجتهدا فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا المؤمن كأننا نراه فقال: يا همام المؤمن كيس فطن سروره في وجهه وحزنه في قلبه أوسع شيء صدرا وأذل شيء نفسا لا حقود ولا حسود ولا وثاب ولا مغتاب يكره الرفعة طويل الغم كثير الهم فكور صبور مغمور بفكره سهل الخليقة لين العريكة قليل أذاه مخالف لهواه لا يغضب على من دونه رفيق بالخلق سياح في الأرض عون للضعيف وغوث للملهوف لا يهتك سترا ولا يكشف سرا إن رأى خيرا ذكره وإن عاين شرا ستره يستر العيب ويقيل العذر وقيل العشرة ويغفر الزلة لا يطلع على قبيح في يديه رضي تقي نقي ذكي وفي يجمل الذكر ويحسن الظن مجانب لأهل الكذب مصادق لأهل الصدق مؤازر لأهل الحق أب لليتيم وبذال حفي بأهل المسكنة مرجو لكل كريهة مأمول لكل شدة دقيق النظر عظيم الحذر لا يبخل وإن بخل عليه صبور لا ينطق بغير صواب لبسه الاقتصاد ومشيه التواضع ليس فيه همز ولا لمز ولا خديعة مناصح بذال في السر والعلانية لا يهجر أخاه ولا يغتابه ولا يمكر به لا يغش


[ 50 ]

في شدة ولا يشط في رخاء يمزج العلم بالحلم والعقل بالصبر تراه دائم نشاطه قليل زلله متلهف لأجله قاطع لنفسه يخالط الناس ليعلم ويصمت ليسلم بعيد عمن تباعد عنه بغضا وقريب إلى من يدنو منه حبا ليس في تباعده إذا تباعد كبر ولا في دنوه إذا دنا خديعة ولا خيانة بل اقتداء بمن كان قبله من الصالحين وعن علي بن محمد قال: كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فقال له رجل: يا ابن رسول الله إن في إخواننا المؤمنين من يقترف المعاصي والذنوب ويعمل بما يستحق به العذاب من الله فقال له: مهلا أيها الرجل لا تشنع على شيعتنا بهذا فإنهم أولياء الله وإن أولياء الله أولياؤنا فإذا ارتكبوا النذوب الموقبة التي يستوجبون بها العذاب فإن الله يبتليهم حتى يمحص ذنوبهم فإن عافى الله أحدهم من ذلك ابتلاه بماله فإن عافاه من ذلك ابتلاه بأهله أو بولده أو بجار سوء يؤذيه فإن عافاه في الدنيا من كل ذلك شدد عليه إخراج روحه من جسده حتى يلقى الله وهو راض عنه وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: إن للمؤمن قوة في دين وعزما في يقين وإيمانا في لين وحفظا في قوة نشاطا في هدى وبرءا في استقامة وعلما في حلم وسخاء في حق وقصدا في غنى وتجملا في لباقة وعفوا عند مقدرة وصبرا في شدة وطاعة في نصيحة ونهيا عن شهوة وورعا في حلال وحرصا في جهاد وشكرا في رخاء ليس متاونا في حقوق الله عليه ولا فظا على من أمر باارفأة والرقة عليه ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله يلقى المظلوم ناصرا والظالم معاديا الناس منه في راحة لا يزاحمهم في دنياهم فيعادوه ولا يطلب ما في أيديهم فيبغضوه ولا يرغب في عز الدنيا ولا يجزع من ذلها لا يرى في خلقه نقص ولا في رأيه وهن يرشد من استرشده وينصح من


[ 51 ]

استشاره ويساعد على الخير من يساعده ثم تلا قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون


[ 52 ]

الباب الحادي عشر: باب في حقوق الإخوان وفيما افترضه الله لبعضهم على بعض

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: للمؤمن على أخيه المؤمن خمس خصال لا يعصي له أمرا ولا يفشي له سرا ولا يوغر له صدرا ولا يحوجه إلى مسألة ولو قاسمه نفسه


[ 53 ]

وعنه عليه السلام قال: لم يبح الله الدنيا لأحد من المؤمنين إلا لمن يكون أخوه المؤمن أملك لما في يده منه ومن أراد أن يكون من أهل الجنة فلا يبخل بنعمته ألا وإن البخيل بنادى عليه في كل ملأ من الملائكة: يا عبد الله تبخل على أخيك بالدنيا وأنت تزعم أنك طالب الآخرة فلو كانت لك الآخرة لكنت بها أبخل ألا ومن احتشم أخاه كثرت همومه ومن اغتنم أخاه عسرت آماله ومن غش أخاه عمي عن رشده وعن المفضل بن عمر قال: دخلت على مولاي جعفر الصادق عليه السلام يوما فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت: يا سيدي إلى كم ينقسم الناس قال: ينقسم الناس إلى تسعة لا عاشر لهم فمنهم السباع والكلاب والذئاب والضباع والثعالب والقردة والخنازير والنعاج فقلت: يا مولاي فسرهم لي قال: أما السباع فالملوك يفترسون ولا يُفترسون يقطعون الأيدي والأرجل ويضربون الرقاب ويأخذون الأموال من غير حل فعليهم لعنة الله أما الكلاب فالرجال الذين يمشون بين أيديهم ويسطون بسطوتهم فعليهم لعنة الله أما الذئاب فالقضاة الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ولا يحكمون بما أنزل الله أما الثعالب فالقراء المراؤون الذين يأكلون الدنيا بالدين أما القردة فهم التجار الفجار الذين إذا باعوا شيئا مدحوه وإذا اشتروا شيئا ذموه ولا يزنون بالقسطاس المستقيم أما الخنازير فهم المشبهون بالنساء من الرجال فعليهم لعنة الله قلت: يا مولاي فمن النعاج قال: هم أولياؤنا يا مفضل يؤكل لحمهم ويكسر عظمهم ويتجمل بصوفهم أولئك هم المؤمنون حقا الأقلون عددا الأكثرون خطرا مجهولو الأقدار تلوح في وجوههم الأنوار إن شهدوا أنصفوا وإن تفرقوا لم يعرفوا فعليهم من الله السلام


[ 54 ]

وقال الإمام الصادق عليه السلام: لا تصح أخوة حتى تثبت أبوة وكل أخوة منفصلة إلا أخوة الإيمان فإنها عقد وثيق وسبب لا ينفصل ومن قطع أخاه المؤمن فقد قطع دينه وقد سئل محمد بن سنان عن قول العالم: حديثنا صعب مستصعب فقال: إن الصعب المواساة بين الإخوان والمستصعب المساواة


[ 55 ]

الباب الثاني عشر: باب فيه نصائح للشيعة وتحذير

عن الصادق عليه السلام قال: من تكبر على أخيه المؤمن اتبلاه الله بمن هو أظلم منه ومن زنى بأخيه زنى به ومن استحل مال أخيه استحل ماله ومن سعى بأخيه ابتلاه الله بمن يسعى به وعن مسعدة بن صدقة قال: دخلت حضرة مولاي الصادق عليه السلام فقال لي: يابن صدقة مصباح عصره من انقطع إلينا يناجينا ويدرس علومنا فما كان عنده من حق باركناه وما كانه عنده من زلل نبهناه وإن استزادنا زدناه وعنه عليه السلام قال: افترق محبونا ثلاث فرق قوم أحبونا وأحبوا أولياءنا فأولئك منا وقوم أحبونا ليتزينوا بنا فنحن زينة لمن تزين بنا في الدنيا وقوم أحبونا يتأكلون بنا في الدنيا حشى الله بطونهم نارا وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: مواساة الإخوان تدر الرزق وتكثر البركات وقال: موت شيعتنا بذنوبهم أكثر من موتهم بآجالهم وقال: الظلم والعدوان يقصران العمر يبعدان عن الله وإن عقوق الوالدين يعجل فناء العمر وقال: إن من يعيش بالبر أكثر ممن يعيش بالعمر


[ 56 ]

وعن جابر بن يزيد الجعفي قال: دخلت على مولاي الباقر عليه السلام فلما استقر بي المجلس قلت: يا مولاي اشتهيت أن تعلمني صفة المؤمن قال: نعم يا جابر المؤمن لسانه مشرق الضياء وأذنه مغرب الهدى وقلبه معرفة الولي وأيديه مفاتيح الرحمة ورجلاه أبواب النعمة ترى البشاشة في وجهه والحق على لسانه لا حسود ولا حقود ولا كذاب ولا مغتاب ذكور فكور صبور وقور سهل الخلق كثير الحياء قليل الأذى إن غضب لم ينزق وإن ضحك لم يغرق ضحكه التبسم وحديثه التفهم جميل المنازعة كريم المراجعة حليم وإن غضب رفيق إن طلب هشاش بشاش لا بطاش ولا فحاش ولا بذيئ عطوف رؤوف شفيق رفيق كثير الخير قليل الشر حافظ المودة صادق الأمانة وأما خصال السوء التي يجب على المؤمن تجنبها والحذر منها يا جابر فأولها الغي والتكبر والبخل والقنوط والذل والهزل والزنا والغش والخداع والحقد والمكر والمكايدة والخرق والسفاهة والعجب والرياء والحسد والغدر والفتنة والغفلة والخفة والنميمة والحرص على الدنيا وسوء الظن واليمين الكاذب وجحود الإحسان والتنابز بالألقاب الجدال والخصومة وعن المفضل بن عمر قال: حججت ودخلت يوما على مولاي الصادق عليه السلام فقال: حججت يا مفضل قلت: نعم يا مولاي قال: ما للحاج من الثواب قلت: الله أعلم وأنت يا مولاي قال: من طاف بهذا البيت وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا الله عنه ألف ألف سيئة فقلت: جعلت فداك كل هذا قال: يا مفضل ألا أنبئك بما هو خير من كل هذا سعيك في قضاء حاجة أخيك المؤمن


[ 57 ]

الباب الثالث عشر: باب فيمن عرضت عليه ولاية أمير المؤمنين فجحدها

بإسنادنا إلى الأصبغ بن نُباتة انه قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام بأهريص فيه ماء وفيه ضفادع تنقنق فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام بالنبطية: من أجدى بتخاها خاها فقالوا إنه تفسير: من طرحكم ها هنا قالوا: أنت وعن جعفر بن يزيد القزويني عن زيد الشحام عن أبي هارون المكفوف عن ميثم التمار عن سعد الخفاف عن الأصبغ بن نباتة أنه قال: جاء نفر إلى أمير


[ 58 ]

المؤمنين عليه السلام فقالوا له: إن المعتمد يزعم عنك أنك تقول: إن هذا الجري مسخ فقال: مكانكم حتى أخرج إليكم فتناول ثوبه ثم خرج إليهم فمضى حتى انتهى إلى شاطئ الفرات بالكوفة فصاح: يا جري فأجابه لبيك لبيك قال: من أنا قال: أنت أمير المؤمنين فقال له أمير المؤمنين: فمن أنت قال: أنا ممن عرضت علي ولايتك فجحدتها ولم أقبل فمسخت جريا وبعض هؤلاء الذين معك يمسخون جريا قال له أمير المؤمنين: فبين لهم صفتك ومن كنت ومن مسخ معك قال: نعم يا أمير المؤمنين كنا أربعا وعشرين طائفة من بني إسرائيل قد بغينا وطغينا واستكبرنا وتركنا المدن والعمران وسكنا المفاوز والقفار رغبة منا في البعد عن المياه والأنهار فأتانا آت فصاح بنا صيحة فجمعنا في جمع واحد وكنا متبددين في تلك المفاوز والقفار فقال لنا: ما لكم هربتم من المدن والمياه والأنهار وسكنتم هذه المفاوز فأدرنا أن نقول لأننا فوق العالم تكبرا وتعززا ققال لنا: قد علمت ما في نفوسكم أفعلى الله تتعززون وتتكبرون فقلنا له: لا قال: أو ليس قد أخذ عليكم العهد لتؤمنون بـمحمد بن عبد الله المكي فقلنا: بلى وقال: وأخذ عليكم العهد بولاية وصيه علي بن أبي طالب فسكتنا فلم نجب بألسنتنا وقلوبنا ونياتنا تأباها ولا نقر فقال لنا: أو تقولون بقلوبكم وألسنتكم فقلناها بألسنتنا ولم نقر بها بقلوبنا فصاح بنا صيحة وقال لنا: كونوا بإذن الله


[ 59 ]

مسوخا كل طائفة جنسا ويا أيتها القفار كوني بإذن الله أنهارا تسكنك هذه المسوخ واتصلي ببحار الدنيا حتى لا يكون ماء إلا كانوا فيه فمسخنا ونحن أربع وعشرون طائفة وجنسا فصاحت اثتنا عشرة طائفة منا أيها المقتدر علينا بقدرة الله بحقه عليك لما أعفيتنا من الماء وجعلتنا على سطح الأرض كيف شئت فقال: قد جعلت فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هيه يا جري فبين ما كنت من الأجناس الممسوخة البرية والبحرية فقال: أنا البحرية فنحن الجري والدوق والسلاحف والمرماهي والزمار والسراطين والدلافين والضفادع وبنات نقرص والغرمان والكوسج والتماسح فقال أمير المؤمنين: هيه فالبرية قال: نعم الوزغ والخفاش والكلب والدب والقرد والخنازير والضب والحربا والورل والخنافس والأرنب والضبع قال أمير المؤمنين: فما فيكم من خلق الإنسانية وطبعها قال الجري: أفواهنا والبغض لكل صورة إنسانية وكلنا نحيض مثل الإناث قال أمير المؤمنين: صدقت يا جري وحفظت ما كان قال الجري: يا أمير المؤمنين فهل من توبة فقال عليه السلام: الأجل يوم القيامة يوم الوقت المعلوم والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين قال الأصبغ بن نُباتة: فسمعنا والله ما قاله ذلك الجري ووعيناه وكتبناه وعرضناه على أمير المؤمنين ومسخ من القوم الذين حضروا (جريا) وكان هذا من عجائب ودلائل أمير المؤمنين عليه السلام


[ 60 ]

وعن بعض الشيعة أنه شكا إلى مولانا جعفر الصادق عليه السلام فقال: يا مولاي إن الأضداد يبارزوننا ويزدروننا في الأسواق بالقبيح قال مولانا: أيغمك ذلك قال: نعم يا مولانا فأمسك بيده ومضى إلى السوق وكشف عن بصره فنظر إلى قرد في دكان يبيع خبزا وكلب قائم بين يديه زنبيل يشتري من ذلك الخبز وخنزيرا يبيع لحما وذئبا يشتري من ذلك اللحم وكل ما رآه في صورة البشر رآه في صورة المسوخ فقال له: يا مولاي لا صبر لي بالنظر إلى هؤلاء فقال لهم مولانا: من كانت هذه صورهم وخلقتهم على الحقيقة فلا يغمك كلامهم ثم ينقلهم الله يوم القيامة إلى شر من ذلك


[ 61 ]

الباب ارابع عشر: باب في القضاء والقدر

سأل المقداد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام عن القضاء والقدر فقال: بحر عميق لا تلجه فأعاد عليه السؤال فقال: طريق وعر لا تسلكه فأعاد عليه القول فقال: لا تطيق حمله فأقسم عليه المقداد قسما عظيما ليخبره به على حقيقة معناه فقال: اسمع وع وابلغ به حيث تبلغ راحلتك واكتمه عمن لا يحمله وصنه عمن لا يستحقه ما ابتدأ الله عباده بضلال ولا عذبهم بغير فعال لم ينه عن الطاعة وقد أمر بها ولم يأمر بالمعصية وقد نهى عنها لا يعصى بغلبة ولا يطاع بإكراه هو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك شاء أن تكون مستطيعا لما لم يشأ أن تكون فاعله والخير من الله والشر من أنفسكم إن الله أمير تخييرا ونهى تحذيرا وكلف يسيرا وجعلك مخيرا قديرا واعلم يا مقداد أن الأعمال ثلاثة: فرض وتطوع ومعصية أما الفرض فبأمر الله وبإذنه وإرادته ومشيئته جرى به القلم وعمله مأجور والله عنه راض وأما التطوع فليس بأمر الله فيكون كالفرض لكن بإرادة الله وجرى به القلم وعامله مأجور والله عنه راض


[ 62 ]

وأما المعصية فليست بأمر الله ولا بإرادته ولا بمشيئته ولكن الله يعلم بها وعلم الله بالأشياء والمعاصي لا يدخل الخلق في فعلها وعاملها غير مأجور والله عليه غضبان وروي أن الحجاج لعنه الله دعا ثلاثة من فقهاء العراق فسألهم عن االقضاء والقدر فقال الأول: لا أعلم فيه إلا ما قاله أمير المؤمنين: يابن آدم أتظن الذي نهاك جهاك وإنما دهاك أسلفك وأعلاك والله بريء من ذلك وقال الثاني: لا أعلم فيه إلا ما قاله أمير المؤمنين: ما حمدت الله تعالى عليه فهو منه وما استغفرت الله منه فهو منك وقال الثالث: ما أعلم فيه إلا ما قاله أمير المؤمنين: لو كان الوزر في القضاء محتوما لكان الموزور في القصاص مظلوما وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله صف لنا الله عز وجل فقال: إن النطق لا يبرزه والذكر لا يصفه احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار ظاهر في غيبته غائب في ظهوره لم نؤمن به اضطرارا بل من حيث وجود قدرته نستدل على القادر


[ 63 ]

وعن الحسن بن محمد عن علي بن أحمد عن أبيه أحمد بن علي بن أيوب بن نوح عن ابن أبي عميرة عن جميل بن دراج عن زرارة بن أعين وعبد الله بن سليمان وعمر بن حنظلة قالوا جميعا: سمعنا أبا عبد الله يقول عن القضاء والقدر خلقان من الله والله يزيد في الخلق ما يشاء وبالإسناد عن أحمد بن علي عن محمد بن عبد الحميد عن محمد بن مسكان عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبيدة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال إن الله يقول: أنا الله لا إله إلا أنا خالق الخير وخالق الشر وهما خلقان من خلقي فطوبى لمن قدرت له الخير وويل لمن قدرت له الشر وويل لمن قال: كيف ذا ولِم وبالإسناد عن أحمد بن علي عن إبراهيم بن هاشم عن علي بن معبد عن واصل بن سليمان عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله يقول: أمر الله ولم يشأ وشاء ولم يأمر أمر إبليس أن يسجد لآدم ولم يشأ أن يسجد لآدم ولو شاء لسجد ونهى آدم عن الشجرة وشاء أن يأكل منها ولو شاء لما أكل منها وعن درست عن ابن أذينة عن زرارة قال قلت لأبي جعفر: جعلت فداك ما تقول في القضاء والقدر قال: أقول إن الله إذا جمع الناس يوم القيامة سألهم عما عهده إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم وعن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الله شاء قال: نعم قلت: قدر قال: نعم قلت: فأحب قال: لا قلت: وكيف ذلك قال: هكذا أخرج إلينا


[ 64 ]

الباب الخامس عشر: باب في التوحيد

عن شيخنا وسيدنا أبي محمد عبد الله الجنان الجنبلاني عن شيخه محمد بن جنبد يرفع الحديث إلى حمران بن أعين قال قلت لمولاي الصادق عليه السلام: يا مولاي إذا كشف الله عن أعين الخلائق عند الظهور هل يرون حقيقته فقال: يا حمران النور لا يدرك إلا بضياء القلوب ونور العقول والخلق لا يرونه إلا بحجبه النورية لأن المعز عز عزه لا يحل بالناسوتية البشرية وإنما يقدرهم على النظر إليه من حيث هم لا من حيث هو إذ هو نور لا ظلام فيه وصمد لا جوفx


[ 65 ]

له أظهر حجابه الميم والحاءات التي أحكم بها صنعته وأظهر بها قدرته والدليل عليه اسمه السني ونوره البهي ووجهه المضيء لا يدرك ذلك إلا بالنظر العقلي وإنما يدرك بالحواس من شاكل الحواس والله يعرف بالحواس الباطنة التي في الفكر والذكر والفطنة والحكمة وهي القوى العقلية المضيئة فبضياء القدرة ينقدح الفكر وبالفكر يشهد العقل وبالذكر ينتبه العقل وبالفطنة تنموا المعرفة وبالحكمة الصادقة تناجيه الروح وبالهمة يتضح وجوده وبوجوده يصح ظهوره وبظهوره يصح اليقين وباليقين يصح النظر واعلم يا حمران أن جوهر ذاته لا يليق بجوهرية خلقه وأن معلل العلل ليس كالعلل وليس مفطورا فيكون كالمنفطرات ولا تعرف ذاته إلا به هو الدليل على ذاته وبه عرفناه يا حمران هذا هو الوجه البين في معرفة الله عز وجل لا يعقله إلا العالمون فمن زعم أنه يدرك الله بالحواس فقد أشرك لأنه بريء من الأفعال ومن التغيير من حال إلى حال ومن كان بريئا من ذلك فليس بمحدث وعن علي بن محمد عن جعفر بن مالك الفزاري عن محمد بن مهران عن غبراهيم ابن القاسم عن أبي قتادة الحراني عن الأوزاعي عن يحيى بن كثير عن أبي همامة الباهلي عن عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: افترى على الله من حده في مكان أو وصفه بصفات غيره أو سماه بما هو منفصل عنه أو عرفه بغير ما عرف به نفسه سبحان من لا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير


[ 66 ]

فقال جابر بن عبد الله الأنصاري: فأين يجده المشتاق إليه الجاد في طلبه فقال صلى الله عليه وآله: ابحث عنه علك تغنى عن العيان وتعرفه كشفا بالقلب فإن ذلك يغنيك عن تحديده بصفة فتسمعه من مكانك بحيث يدنو قلبك فعليك بالمكان المكين عنده تراه به وقد أغناه بالإشارة عن المشاهدة فاكتفى بذلك وسئل الصادق عليه السلام عن الله فقال: كل ما اختلط به وهمك أو وجده فكرك أو حسسته بحواسك فالله غير ذلك وسئل الصادق عليه السلام عن الله: ما هو وما اسمه فقال للسائل: هو الله قال السائل: ما هو اسمه قال الصادق: الله قال السائل: هو اسم أو معنى قال الصادق: هو معنى قال السائل: لا بد للمعنى من اسم يعرف به قال الصادق: نعم قال السائل: فإذا كان كذلك فإن الله اسم لنفسه وعمنى لنفسه قال الصادق: فطنت لذلك قال السائل: بتوفيق الله وتعليم منك ويروى عن حبابة الوالبية: أنها كانت إذا حلت العتمة قامت على سطح بيتها وشدت عليها درعها ثم قالت: يا إلهي قد غارت النجوم ونامت العيون وغلقت الملوك أبوابها وخلا كل حبيب إلى حبيبه وأبوابك مفتوحة للسائلين وهذا مقامي بين يديك ثم تقبل على صلاتها فإذا كان السحر وطلع الفجر قالت: إلهي هذا الليل قد أدبر وهذا النهار قد أسفر فليت شعري أقبلت ليلتي أم رددتها على غربتي هذا دأبي أبدا ما أبقيتني وعزتك لو انتهروني على بابك ما بارحته لما وقع في نفسي من جودك وكرمك وعظيم فضلك إنك أنت العلي العظيم


[ 67 ]

وعن يحيى بن أم الطويل: أنه كان في يوم الخروج إلى عرفة يرتفع على تلة من الأرض وينادي بأعلى صوته: أنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بمن توالون من أعداء الله وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء حتى تؤمنوا بالله وحده وبأوليائه الذين افترض ولايتهم اللهم إني أبرأ إليك من أشعارهم وأبشارهم اللهم إني أبرأ إليك مما يقول الظالمون اللهم احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين


[ 68 ]

الباب السادس عشر: باب في الدلائل والهداية

خبر المشعوذ مع مولانا أبي الحسن العسكري

عن أبي الحواري عن عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن أحمد الخصيبي قال: ورد على المتوكل رجل هندي مشعوذ يلعب الخفة فأحضره المتوكل وأمره فلعب بين يديه بأشياء طريفة فكثر تعجبه منها فقال للهندي: سيحضر عندنا رجل فالعب بين يديه بكل ما تحسن وتعرض له واقصد أن تخجله فأرسل المتوكل إلى سيدنا أبي الحسن فحضر فلعب وهو ينظر إليه والمتوكل يظهر تعجبه من لعبه حتى تعرض الهندي لسيدنا أبي الحسن وقال: أيها الشريف لا تهش للعبي أظنك جائعا


[ 69 ]

وضرب الهندي بيده على صورة البساط وقال: ارتفعي فإذا يخيل إليهم أنها رغيف وقال: امض يا رغيف إلى الجائع ليأكل ويشبع ويفرح للعبي فأشار سيدنا أبو الحسن عليه السلام على صورة سبع في البساط وقال له: خذه فوثب من تلك الصورة سبع عظيم فابتلع الهندي ورجع إلى صورة البساط فارتاع المتوكل وسقط لوجهه وهرب من كان في المجلس فقال المتوكل وقد عاد إليه عقله: يا أبا الحسن أين الرجل فقال له: إن ردت عصا موسى ما لقفت رد هذا

سؤالات الأعرابي لأمير المؤمنين عليه السلام

دخل أعرابي على مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين أتيتك من البادية لأسألك عن مسائل فقال: سل يا أخا العرب قال: يا أمير المؤمنين أي شيء أثقل من السماء وأي شيء أوسع من الأرض وأي شيء أغنى من البحر وأي شيء أشد من الحجر وأي شيء أحر من النار وأي شيء أضر من السم قال: أحسنت يا أخا العرب أما قولك أي شيء أثقل من السماء فهو ترك البر وأـما قولك أي شيء أوسع من الأرض فهو قلب المؤمن وأما أي شيء أغنى من االبحر فهو العلم في صدور العارفين وأما أي شيء أقسى من الحجر فهو قلب الكافر وأما أي شيء أبرد من الثلج فهو كلام الأهل وأما قولك أي شيء أضر من السم فهو كلام النمام


[ 70 ]

حديث الروح

عن الحارث الهمداني قال: دخلنا على أمير المؤمنين عليه السلام وعنده عابد فقال: يا أمير المؤمنين في نفسي مسألة فقال: سل قال: أخبرني عن الروح ما هي فقال له: الروح لطيفة من لطائف باريها جل وعلا أخرجها من ملكه وأسكنه في ملكه وجعل لك عنده شيئا وجعل له عندك شيئا فالذي لك عنده الرزق والذي له عندك الحياة فإذا استوفيت ما لك عنده استوفى ما له عندك

مسائل زهير بن أبي سليمة لرسول الله صلى الله عليه وآله

سأل زهير بن أبي سليمة رسول الله قال يا محمد أخبرني عن أرض تنبت نباتها في غير وجهها وعن راكض أشهرا لا يبرح مكانه وعن خارج من بيته لا يرجع إليه وعمن يأكل ولا يشرب وعمن يشرب ولا يأكل وعمن بين عينيه لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وآله: أما التي تنبت نباتها في غير وجهها فهي المرأة الحبلى وأما الراكض أشهرا ولم يبرح مكانه فهو الجنين في بطن أمه وأما الخارج من بيته لا يرجع إليه فهو الفرخ يخرج من البيضة وأما من يأكل ولا يشرب فهو النار وأما من يشرب ولا يأكل فهو فتيلة المصباح وأما الذي بين عينيه لا إله إلا الله فهي الدنيا فقال صدقت يا


[ 71 ]

محمد أتحب أن أتبعك فقال: ذلك إليك يا زهير فقال زهير: أعطني برهانا فقال النبي: أي برهان تريد فقال زهير: يكون في طرف سوطي هذا نار تضيء كالمصباح لا تنطفئ حتى أضعه من يدي فإذا أخذته عادت فدعا النبي فصار في سوطه نار تضيء كالمصباح لا تنطفئ ما دام في يده فأسلم زهير ومن كان معه من أهله وحسن إسلامه

حديث الخصال

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا ظهرت في أمتي تسع خصال عم البلاء إذا قل الدعاء نزل البلاء وإذا قلت الصدقات كثرت الأمراض وإذا كثر الربا زلزلت الأرض وإذا منعت الزكاة ماتت البهائم وإذا جارت السلاطين قلت البركات وإذا حكموا بغير الحق سلط الله عليم أعداءهم وإذا بدلوا عهد الله ابتلوا بالقتل وإذا كثر الزنى كثر فيهم موت الفجأة وإذا بخصوا الميزان ابتلاهم الله بالسنين المجدبة فما سوف تتكروت فبسوء أعمالكم


[ 72 ]

خبر السحابة

حدثني أبي حمدان بن الخصيب قال حدثني يحيى بن معين السامري قال حدثني محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن جابر بن يزيد الجعفي عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وسلمان وحذيفة بن اليمان وجابر بن عبد الله بن حزام جلوسا في حضرة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة في داره إذ وثب الحسن والحسين فقالا له: يا مولاني إن الله تبارك وتعالى قد أعطى لسليمان ملكا عظيما وقد أحببنا أن ترينا يأجوج ومأجوج فرأيت مولانا عليه السلام وقد قام في وسط الدار وقد مد يده فرأيتها تطول حتى غابت عنا ثم ردها وإذا هو يجر سحابة بيضاء يتلوها سحابة صفراء فأمرنا مولانا عليه السلام بركوب السحابة فركبنا واستوى مولانا على الأخرى وأمر السحابة أن ترتفع بنا فارتفعت ولم يزل مولانا يحدثنا ونحن لا ندري أين نحن في الدنيا ثم أمر السحابة أن تهبط فهبطت فإذا نحن في بر أقفر ما في من خلق نفس وإذا هناك شجرة عارية قد أتى عليها طول الدهور والأزمان قد نخر عودها ويبست أغصانها وجفت أوراقها فعجبت من عظم الشجرة ونظر إليه مولاي عليه السلام وهو مبتسم فقال لي: قم يا جابر فسلم على الشجرة واسألها عن حالها قال جابر: فقمت لما أمرني به مولاي حتى


[ 73 ]

أتيت الشجرة فسلمت وقلت لها: أيتها الشجرة ما لي أراك على هذه الحالة التي أنت عليها فقالت: وعليك السلام كن شفيعي إلى مولاي فقلت لها: وفيما أشفع لك فقالت: يا جابر اعلم أنه كان مولاي يأتيني في كل أربعين صباحا فيجلس عندي فأخضر وأورق وأثمر ولي منذ فقدت مولاي على هذه الحالة التي تراها فكن شفيعي إليه بحقه عليك قلت: سبوح قدوس حتى أتيت مولاي وأنا متعجب مما سمعته من نطف الشجرة ثم إن مولاي عليه السلام أمر السحابة فارتفعت بنا فلم نزل سائرين في الجو ونحن لا ندري أين يراد بنا فإذا بمولاي قد أمر السحابة أن تهبط بنا فإذا نحن على جبل قد أحاط بالدنيا وإذا هو من زمردة خضراء وإذا أطراف الدنيا من حوله كالثوب الملفوف فقلت لسلمان: يا أبا عبد الله ما هذا الجبل فقال: هذا جبل قاف المحيط بالدنيا فمددت بصري فإذا عليه مكل باسط ذراعيته وإذا يده اليمنى قد قبض بها على أزمة الأرياح الأربعة وقد قبض يده اليسرى على السد فقلت: سبوح قدوس يا قادر على الأشياء قال جابر فقال لي مولاي: يا جابر نقع عن يمنة الجبل فمددت عيني فإذا على بمنة الجبل خمسمائة مدينة لم أر أعظم منهن فقلت: يا مولاي ما هذه المدن فقال لي: يا جابر هذه جابلقا خلقتها قبل خلق آدم بمائة ألف عام وخلقت فيها أقواما يعظمونني ويقدسونني ثم قال: يا جابر مد عينيك على يسرة الجبل فمددت عيني فإذا على يسرة الجبل خمسمائة مدينة عظيمة أعظم من تلك المدن فقلت: سبوح قدوس ما هذه المدن يا مولاي فقال: هذه جابرصا خلقتها قبل خلق آدم بخمسة آلاف عام وخلقت في هذه المدن أقوانا لا يدرون أني خلقت دنيا ولا


[ 74 ]

خلقا غيرهم فقلت: سبحان الفعال لما يشاء قال جابر: وقام مولاي أمير المؤمنين وقمنا حتى أتينا معه إلى السد وإذا هو جبل عظيم من حديد صلد وإذا هو يخرج منه دخان عال فأومى إلي بالقضيب وقال لي: اضربه يا جابر فضربته بالقضيب فإذا هو قد انفتح عن دنيا مثل دنيانا هذه سبعين مرة فدخل مولاي وأمرنا بالدخول فدخلنا ونظرنا إلى أقوام طول الرجل منهم عظم االذراع ولحيته مثل ذلك ومنهم من طوله كالنخلة السحوق وهم يسبحون الله ويقدسونه بلغات شتى فعجبنا من ذلك وخرج مولاي أمير المؤمنين وخرجنا خلفه وانطبق السد ثم قال مولانا: تريدون أن أريكم شراب القوم قلنا: إن رأيت يا مولانا فأوقفنا على شعب في الجبل وإذا يخرج منه ماء أسود مثل سم الخياط فعجبنا من ذلك فقال مولانا: بهذا هلكت القرون السالفة وهو مذخور لأقوام ثم أمرنا بالركوب فوق السحابة فركبنا ولم تزل تطير بنا حتى حطتنا في دار أمير المؤمنين في المكان الذي أقلتنا منه وكنا قد خرجنا من الدار وقت الزوال ورجعنا والوقت بين الصلاتين فرأينا قدرة عظيمة وقد روينا أن أمير المؤمنين عليه السلام قام خطيبا في مسجد الكوفة بعد رجوعه عليه السلام من صفين ونقض معاوية للهدنة ونفوذ غاراته على الأنبار وأطراف العراق فذكر أمير المؤمنين في خطبته نقض معاوية للهدنة واستنفر الناس للخروج إلى قتاله فقام إليه إبراهيم بن الحسن الأـزدي فوقف بإزاء المنبر والناس يسمعون وقال: يا أمير المؤمنين ليس مبعوث من الله إلا وله وصي ورسول الله أفضل المرسلين وأنت سيد الوصيين وقد سمعنا ليوشع بن نون وصي موسى ولآصف بن برخيا وصي سليمان ولشمعون الصفا وصي عيسى عجائب ومعاجز أظهروها وأذلوا بها الجبارين وأقاموا بها الآيات والبراهين وما كان لهم فلك فيه وقد أعطاك الله ما يم يعطهم وآتاك ما لم يؤت وصيا قبلك فما الذي يقصر يدك عن ابن هند ويمنع قدرتك عنه فقال له أمير المؤمنين: ليهلك من هلك عن بينة


[ 75 ]

ويحيى بن حيا عن بينة والذي نفس محمد بيده لو شئت لمددت رجلي هذه وضربت بها صدر ابن هند وهو على سريره بدمشق فرميته ثم مد أمير المؤمنين ساقه حتى رأيناها خرجت من أبواب كندة من جهة الشام ثم ردها وقال: ليأتينكم عما قريب نبأ ابن هند وما صنعته به فوردت الأخبار من دمشق بأن رجلا وساقا دخلت على باب معاوية والناس حوله ينظرون حتى وصلت إلى صدره فركلته عن سريره فانحط ساقطا على أم رأسته فشج وسال الدم

ما أنحله الله للمؤمن من أسماء

وبسندنا عن الصادق عليه السلام أنه قال: إن للمؤمن ثلاثة عشر اسما ثابتة أنحله الله إياه فالمؤمن علوي لأنه علا في معرفة الله عز وجل والمؤمن هاشمي لأنه هشم الباطل وهش إلى الحق هشا والمؤمن قرشي لأنه قر بالشيء واللاشيء فالشيء هو نبوة محمد واللاشيء هو الضد المعاند والمؤمن عربي لأنه أعرب بإقراره بالحق وعري من قمصان المسوخية والمؤمن فارسي لأنه تفرس في علوم الله وافترس أخاه المؤمن الضعيف من أيدي الكفرة والمؤمن نبطي لأنه استنبط الحقائق من منبعها وطرح العلائق والمؤمن عبراني لأنه عبر عن الله وعبر إلى معرفته والمؤمن سرياني لأنه وعا السرائر والضمائر والمؤمن حبشي لأنه أحب الشيء القديم وهو محمد وأبغض اللاشيء وهو الضد والمؤمن نوبي لأنه أناب إلى الله فيمن أناب من المؤمنين وخلص بإنابته من عذاب الله والمؤمن أعجمي لأنه أعجم عن الباطل


[ 76 ]

واستعجم عن الناس والمؤمن كردي لأنه كر في الأكوار ودار في الأدوار والمؤمن رومي لأنه رام الحقيقة ورنا إليها بقلبه

خبر المائدة

حدثني شيخي أبو محمد عبد الله بن محمد الجنان الجنبلاني الفارسي قال حدثني عبد الله بن خازم قال حدثني علي بن حسكة قال: كنا بحضرة مولانا أبي الحسن عليه السلام في سرمن رأى إذ ورد عليه رجل من وجوه خرسان ومعه عدة من الأباعر محملة أموالا أرسلها الشيعة في خرسان من زكواتهم وكان الرجل يعرف بأبي سليط فدخل بها على مولانا وأحضرت بين يديه فقبلها بقبول حسن وأنزل أبا سليط ومن معه في داره وأخدمه غلمانه وأكرمه الإكرام التام وكان يحضره المائدة معه ويجلسه إلى جانبه ويلقمه بيده ويرى على المائدة من غرائب الأطعمة من صنوف الحلواء والحملان والدجاج وخبز السميد ومن الفاكهة بأنواعها مما تكون في أوانها وفي غير أوانها مما لم يكن موجودا في المدينة ولا في سائر الحجاز فأعجبت أبا


[ 77 ]

سليط نفسه وقال: لقد عظم شأني عند جعفر حتى يفرش لي كل يوم هذه الغرائب من الأطعمة من سائر البلدان إعجابا بما حملته إليه فعلم مولانا ما في نفسه فقال للمفضل: إذا كان في غد وحضرتم وحضر أبو سليط المائدة وعند فراغ الطعام لا تقوموا للغسل واغسلوا أيديكم في حضرتي ولما كان اليوم التالي فعلوا ذلك فأمر مولانا خادمه بأن يبدأ أولا بالصب على يدي أبي سليط بخضرته فزاد عجبه بنفسه فغسل وغسل الجماعة في إثره ثم أتى بالغسل إلى مولانا فغسل يديه ووجهه وكلما مسح يده على وجهه يتساقط منه اللؤلؤ الرطب والجواهر من الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر وسبائك الذهب حتى امتلأ الطشت وفاض وامتد في البيت فملأه أكواما حالت بيننا وبين النظر إلى مولانا وخرجت الجواهر واليواقيت من باب البيت حتى ملأت الدار وأبو سليط ينظر وقد ملكته الدهشة وأمسك لسانه فقال له مولانا: أعجبتك نفسك حين حملت إلينا بعض ما وجب عليكم من مال فقبلناه تزكية منا لكن من غير حاجة منا إليه وقد رأيت قدرة الله وما أبداه من كرامته لنا يا أبا سليط إن لنا من وراء دنياكم هذه سبعين دنيا بل سبعين ألف دنيا فيها أكبر من دنياكم هذه سبعين ألف مرة قدرتنا فيها نافذة وحكمنا فيها ماض أتحب أن أريكها يا أبا سليط ثم إن مولانا أمر يده على وجه أبي سليط وعلى وجوهنا من بعده فرأينا تلك الدنيا التي ذكرها عن آخرها وإن لنعاينها ونحققها وقد حار أبو سليط فما نطق بحرف ثم إن مولانا غيبها عنا وقال لأبي سليط أوقر جمالك وأبعرتك وجمالا تستأجرها وتحمل هذا كله وتأتي به خرسان وتفرقه في شيعتنا ففعل أبو سليط ذلك وعاد به إلى خرسان وهو على بصيرة من دينه وصحة من يقينه بإذن الله وتوفيقه


[ 78 ]

خبر قيامة أبي الخطاب

بإسنادنا إلى صالح بن سهل الكوفي قال سمعت أم نهاد العبدية تقول: قتل أبو الخطاب حول داري وتحت منزلي وكانت ليلة مدلهمة فبت لم يغمض لي جفن إشفاقا عليه إلى أن انصرم الليل إلا أقله فهممت بإغلاق الباب وقلت في نفسي: إن هذا الأمر قد فات فأقسم بالذي وجبت له العبادة ما استتممت إغلاق الباب حتى رأيت أبا الخطاب قد استوى جالسا وقام من موته وهو يمسح وجهه بكم قميص كان عليه وهو يقول: ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ثم أومأ إلى أصحابه الخمسين الذين قتلوا معه فقاموا واستووا من حوله كالنجوم الطالعة حول قمرها وجعل ينشد

قوموا بني الحق إلى حقكم فالصبح في الإصباح مورود

قوموا إلى الحق لحينكم والقصد في الساعة مقصود

عودوا إلى ناسوتكم خشعا فاللطف بالألطاف مردود

قالت: وحق الله ما فرغ من شعره حتى رأيت الظلام في البر قد انقشع وانشق


[ 79 ]

الفضاء عن خيل من نور يعلوها ركبان يتلألأون كالأنوار يقدمهم شاب راكب على قرص الشمس ثم مال إلى أبي الخطاب فأردفه خلفه ومال إلى كل فارس من أصحاب أبي الخطاب فأردفه خلفه رجل واحد ظل ميتا تركوه وعادوا أدراجهم إلى السماء والنور يحفهم من كل جانب وما أسمع إلا همهمة في الفضاء وجبلة في عنان السماء وأظلمت الدنيا وكأن الذي كان لم يكن ثم طلع الفجر وإذا بالحرس معهم الخشب قد جاؤوا لصلبهم فلم يجدوا منهم إلا ذلك الرجل فصلبوه وانصرفوا وأنا أنظر إليهم من شق الباب فأومأت إلى حرسي كنت أعرفه ودعوته باسمه وقلت: يا حرسي هل تعرف هذا الذي تبقى منهم قال: هو لم يكن منهم وإنما اجتمع معهم على الاتفاق قال صالح بن سهل الكوفي ثم قلت لأم نهاد العبدية: يا سيدتي هل تعرفين السبب الذي قتل هؤلاء القوم وصلبوا لأجله فقالت: نعم لقد نادى أبو الخطاب تصريحا بلا تلويح على مئذنة جامع الكوفة فلعن الظالمين من الأولين والآخرين وسماهم بأسمائهم واحدا فواحدا ولعن الدوانيقي ورهطه وأشياعهم أجمعين وبرئ إلى الله منهم

خبر سكد

حدثي عمي أحمد بن الخصيب رضي الله عنه عن يحيى بن معين السامري عن محمد بن الفضل عن فرات بن الأحنف عن سعيد بن المسيب عن أبي اليقظان عمار بن ياسر قال: كنت مع مولاي بالبصرة ذات يوم إذ قال لي: يا عمار قلت لبيك يا مولاي قال: البس لأمتك واركب جوادك قال عمار: فليست لأمتي وركبت جوادي وأتيته مسرعا فرأته راكبا وقال لي: سر يا أبا اليقظان قال عمار: فسار مولاي


[ 80 ]

وسرت خلفه أتبعه حتى خرجنا عن البصرة نحو فرسخين وإذا نحن بمرج أخضر في شجر فنزل مولاي على عين ماء تخت الشجرة وأمرني بالنزول فنزلت فلما استقر بنا المكان قال لي مولاي: يا عمار قلت: لبيك قال: أما ترى ذلك الشعب قلت: بلى قال: جرد سيفك وقف في فم الشعب أربعة آلاف فارس وقفوا حولي كأنهم جبل من حديد وبرز إلي منهم فارس عليه دروع سابورية وعلى رأسه بيضة متقلد بأسياف بيده رمح طويل على فرس أشقر أغر محجل فتقدم حتى صار بإزائي وتأملني ونظر إلى مولاي فعرفه ثم رجع إلى رفاقه الذين معه بفم الشعب وسمعته يقول لهم هذا صاحب من نطلبه اقتلوه وصاحبه فحملوا عليه كرجل واحد وهموا بي يريدون قتلي فلم أزل أدفع عن نفسي سيوفهم ورماحهم حتى همني التعب والإنهاك وكدت أفشل عن قتالهم وعرفوا مني ذلك فاندكوا إلي بأجمعهم وأيست من لقائهم ومن الحياة وأنا أقول في نفسي وقد صرعوني إلى الأرض وهموا بذبحي لو أن مولاي يدفع عني فناديت يا مولاي أغثني وسمعت مولاي وقد صرخ صرخة ذهل منها عقلي وأغشي علي ارتجت لها الأرض من حولي فلم أفق إلا حين صاح بي مولاي فنظرت من حولي وإذا بالجمع كلمهم صرعى مقتولين قد امتلأت بهم الأرض فعجبت من ذلك وقال لي مولاي: يا أبا اليقظان اسلب القوم ثم تركني وسعى على قدميه ختى غاب عن عيني فما كان إلا ساعة حتى رجع مولاي ومعه الفارس الذي بدر إلي أول القوم ومولاي راكب على جواده وقد قيده إلى عنقه بحبل يجره من ورائي به فلم يزل حتى أوقفه وقال له: ويلك يا عدو الله وعدو رسوله ظننت أن الله يؤخرك وأريت


[ 81 ]

مولاي قد حمله بيده ورفعه عن الأرض ثم دحا به في السماء فارتفع حتى غاب عن عيني فلم يزل على الأرض تحتي صار أوصالا مقطعة وقال لي مولاي: اسلبه يا عمار فسلبته فإذا هو ضخم مثل الجمل العظيم فقلت: يا مولاي ما هذا فقال لي: يا عمار هذا عدو الله وعدوا رسوله وعدو المؤمنين ثم قال لي: تقدم يا عمار فتقدمت إليه فمسح يده علي عيني فإذا به إبليس الأبالسة وشيطان الشياطين وهو سكد لعنه الله فقال مولاي: بسم الله الرحمن الرحيم فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا قال عمار: فخررت لوجه ربي ساجدا شاكرا وجمعت السلب والخيل ورجعنا إلى البصرة لوقتنا

اترك تعليقاً