مـحـٮ الامـام ڡـاطـمـه|21. أغسطس 2021|24. نوفمبر 2023
بحار الأنوار
العلامة المجلسي ج 14
[ 1 ]
بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي ” قدس الله سره ” الجزء الرابع عشر مؤسسة الوفاء بيروت – لبنان كافة الحقوق م محفوظة ومسجلة الطبعة الثانية المصححة 1403 ه – 1983 م مؤسسة الوفاء – بيروت – لبنان – ص ب: 1457 هاتف: 386868
[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم (أبواب قصص داود عليه السلام) (باب 1) * (عمره ووفاته وفضائله وما أعطاه الله ومنحه) * * (وعلل تسميته وكيفية حكمه وقضائه) * الايات، النساء والاسرى ” 4 و 17 ” وآتينا داود زبورا 163 و 55. المائدة ” 5 ” لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون 78 و 79. الانعام ” 6 ” ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف و موسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين 84. الانبياء ” 21 ” وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم و كنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتيناه حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين * وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون 78 – 80. النمل ” 27 ” ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمدلله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين 15. سبا ” 34 ” ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد * أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير 10 و 11.
[ 2 ]
1 – كا: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن محمد بن الحسين، (1) عن محمد بن الفضيل، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مات داود النبي عليه السلام يوم السبت مفجوءا، فأظلته الطير بأجنحتها، ومات موسى كليم الله في التيه فصاح صائح من السماء: مات موسى وأي نفس لا تموت ؟. (2) ين: محمد بن الحسين مثله. 2 – ل: ابن إدريس، عن أبيه، عن الاشعري، عن أبي عبد الله الرازي، عن ابن أبي عثمان، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله اختار من الانبياء أربعة للسيف: إبراهيم، وداود، وموسى، وأنا، الخبر. (3) 3 – ن، ع: سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عمن خلق الله من الانبياء مختونا، فقال: خلق الله عزوجل آدم مختونا، وولد شيث مختونا، وإدريس، ونوح، وسام بن نوح وإبراهيم، وداود، وسليمان، ولوط، وإسماعيل، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم. (4) 4 – مع: معنى داود أنه داوى جرحه بود، وقد قيل: داوى وده بالطاعة حتى قيل عبد. (5) أقول: سيأتي الخبر في ذلك في قصة النملة. 5 – ل: ابن الوليد، عن الصفار، عن البرقي، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عمن ذكره، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياء ملوكا في الارض إلا أربعة بعد نوح: ذو القرنين وإسمه عياش، وداود، وسليمان، ويوسف عليهم السلام فأما عياش فملك مابين المشرق والمغرب، وأما داود فملك مابين الشامات إلى بلاد إصطخر وكذلك ملك سليمان، وأما يوسف فملك مصر وبراريها لم يجاوزها إلى غيرها. (6)
(1) هكذا في النسخ وهو وهم، والصحيح كما في المصدر: محمد بن الحصين بالصاد. (2) فروع الكافي 1: 31. (3) الخصال 1: 107. (4) عيون الاخبار: 134 علل الشرائع: 198. (5) معاني الاخبار: 19. (6) الخصال 1: 118.
[ 3 ]
6 – فس: ” ولقد آتينا داود ” إلى قوله: ” المؤمنين ” قال: إن الله عزوجل أعطى داود وسليمان ما لم يعط أحدا من أنبياء الله من الآيات: علمهما منطق الطير، وألان لهما الحديد والصفر من غير نار، وجعلت الجبال يسبحن (1) مع داود، وأنزل عليه الزبور، فيه توحيد وتمجيد ودعاء وأخبار رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما والائمة عليهم السلام (2) وأخبار الرجعة وذكر القائم عليه السلام لقوله: ” ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون “. (3) 7 – فس: ” ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه ” أي سبحي لله ” والطير وألنا له الحديد ” قال: كان داود إذا مر في البراري يقرأ الزبور تسبح الجبال والطير معه والوحوش، وألان الله له الحديد مثل الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب. وقال الصادق عليه السلام: اطلبوا الحوائج يوم الثلثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه السلام. وقوله: ” أن اعمل سابغات ” قال: الدروع ” وقدر في السرد ” قال: المسامير التي في الحلقة ” واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير “. (4) بيان: قال الطبرسي رحمه الله: ” يا جبال أوبي معه ” أي قلنا للجبال: يا جبال سبحي معه، عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد، قالوا: أمر الله الجبال أن تسبح معه إذا سبح فسبحت معه، وتأويله عند أهل اللغة: رجعي معه التسبيح، من آب يؤوب، و يجوز أن يكون سبحانه فعل في الجبال ما يأتي به منها التسبيح معجزا له، وأما الطير فيجوز أن يسبح ويحصل له من التميز ما يتأتى منه ذلك بأن يزيد الله في فطنته فيفهم ذلك. انتهى. (5) أقول: يمكن أن يكون تسبيح الجبال كناية عن تسبيح الملائكة الساكنين بها، أو بأن خلق الله الصوت فيها، أو على القول بأن للجمادات شعورا فلا حاجة إلى كثير تكلف
(1) في نسخة: وجعلت الجبال تسبح مع داود. (2) في المصدر: والائمة من ذريتهما (3) تفسير القمي: 476. (4) تفسير القمى: 536. (5) مجمع البيان 8: 381.
[ 4 ]
وأما الطيور فلا دليل على عدم تمييزها وقابليتها للتسبيح، مع أن كثيرا من الاخبار دلت على أن لها تسبيحا، وما سيأتي من قصة النمل يؤيده. ثم قال رحمه الله: وقيل: معناه سيري معه، فكانت الجبال والطير تسير معه أينما سار. والتأويب: السير بالنهار، وقيل: معناه: ارجعي إلى مراد داود فيما يريده من حفر بئر، واستنباط عين، واستخراج معدن (1) ” أن اعمل سابغات ” أي قلنا له: اعمل من الحديد دروعا تامات ” وقدر في السرد ” أي عدل في نسج الدروع، ومنه قيل لصانعها سراد وزراد، والمعنى: لا تجعل المسامير دقاقا فتنفلق، ولا غلاظا فتكسر الحلق، (2) وقيل: السرد: المسامير التي في حلق الدروع. (3) 9 – فس: ” وعلمناه صنعة لبوس لكم ” أي الزرد (4) ” لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ” (5) بيان: قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: ” وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير “: قيل: معناه سيرنا الجبال مع داود حيث سار، فعبر عن ذلك بالتسبيح لما فيه من الآية العظيمة التي تدعو إلى تسبيح الله تعالى وتعظيمه وتنزيهه عن كل ما لا يليق به، وكذلك تسخير الطير له تسبيح يدل على أن مسخرها قادر لا يجوز عليه ما يجوز على العباد، عن الجبائي وعلي بن عيسى، وقيل: إن الجبال كانت تجاوبه بالتسبيح، وكذلك الطير تسبح معه بالغداة والعشي معجزة له، عن وهب، وفي قوله: ” وعلمناه صنعة لبوس لكم ” أي علمناه كيف يصنع الدرع، قال قتادة: أول من صنع الدرع داود، إنما كانت صفائح، جعل الله سبحانه الحديد في يده كالعجين، فهو أول من سردها وحلقها فجمعت الخفة والتحصين وهو قوله: ” لتحصنكم من بأسكم ” أي ليحرزكم ويمنعكم من وقع السلاح فيكم،
(1) في المصدر زيادة وهي: ووضع طريق ” وألنا له الحديد ” فصار في يده كالشمع يعمل به ما شاء من غير أن يدخله النار ولا أن يضربه بالمطرقة، عن قتادة. (2) انفلق: انشق، وفي المصدر فتفلق أي فتشق. وفي نسخة: فتنكسر الحلق. (3) مجمع البيان 8: 381 و 382. (4) في المصدر: يعني الدرع. (5) تفسير القمي: 431.
[ 5 ]
عن السدي، وقيل: معناه من حربكم، أي في حالة الحرب والقتال، وقيل: إن سبب إلانة الحديد لداود عليه السلام أنه كان نبيا ملكا وكان يطوف في ولايته متنكرا يتعرف أحوال عما له ومتصرفيه، فاستقبله جبرئيل ذات يوم على صورة آدمي وسلم عليه، فرد السلام وقال: ماسيرة داود ؟ فقال: نعمت السيرة لولا خصلة فيه، قال: وما هي ؟ قال: أنه يأكل من بيت مال المسلمين، فشكره وأثنى عليه وقال: لقد أقسم داود إنه لا يأكل من بيت مال المسلمين، فعلم الله سبحانه صدقه فألان له الحديد كما قال: ” وألنا له الحديد “. (1) 10 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن البزنطي عن الرضا عليه السلام في قوله تعالى لداود: ” وألنا له الحديد ” قال: هي الدرع، والسرد: تقدير الحلقة بعد الحلقة. (2) بيان: كأنه تفسير لتقدير السرد. 11 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ” واذكر عبدنا داود ذا الايد ” قال: ذا القوة. (3) 12 – فس: ” إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق ” يعني إذا طلعت الشمس. (4) 13 – ص: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن محمد البرقي، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي بكر، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن داود عليه السلام كان يدعو أن يلهمه الله القضاء بين الناس بما هو عنده تعالى الحق، فأوحى إليه: يا داود إن الناس
(1) مجمع البيان 7: 58 (2) قصص الانبياء مخطوط. (3) قصص الانبياء مخطوط. وقد أورد المصنف هذه الاية وما بعدها في الباب الاتي في ضمن الايات، والمناسبة تقتضي ايرادها في هذا الباب. (4) تفسير القمي: 562.
[ 6 ]
لا يحتملون ذلك، وإني سأفعل، وارتفع إليه رجلان فاستعداه (1) أحدهما على الآخر فأمر المستعدى عليه أن يقوم إلى المستعدي فيضرب عنقه ففعل، فاستعظمت بنو إسرائيل ذلك وقالت: رجل جاء يتظلم من رجل فأمر الظالم أن يضرب عنقه ! فقال: رب أنقذني من هذه الورطة، (2) قال: فأوحى الله تعالى إليه: يا داود سألتني أن ألهمك القضاء بين عبادي بما هو عندي الحق، وإن هذا المستعدي قتل أبا هذا المستعدى عليه، فأمرت فضربت (3) عنقه قودا بأبيه وهو مدفون في حائط كذا وكذا تحت شجرة كذا، فأته فناده باسمه فإنه سيجيبك فسله، قال: فخرج داود عليه السلام وقد فرح فرحا شديدا لم يفرح مثله فقال لبني إسرائيل: قد فرج الله، فمشى ومشوا معه فانتهى إلى الشجرة فنادى: يا فلان، فقال: لبيك يا نبي الله، قال: من قتلك ؟ قال: فلان، فقالت بنو إسرائيل: لسمعناه يقول: يا نبي الله، فنحن نقول كما قال، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود إن العباد لا يطيقون الحكم بما هو عندي الحكم، فسل المدعي البينة، وأضف المدعى عليه إلى اسمي. (4) 13 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن ابن عيسى عن ابن محبوب، عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه قضية من قضايا الآخرة، فأوحى الله إليه: يا داود إن الذي سألتني لم أطلع عليه (5) أحدا من خلقي ولا ينبغي لاحد أن يقضي به غيري، قال: فلم يمنعه ذلك أن عاد فسأل الله أن يريه قضية من قضايا الآخرة، قال: فأتاه جبرائيل فقال: لقد سألت ربك شيئا ما سأله قبلك نبي من أنبيائه صلوات الله عليهم، يا داود إن الذي سألت لم يطلع الله عليه أحدا من خلقه، ولا ينبغي لاحد أن يقضي به غيره، فقد أجاب الله تعالى دعوتك وأعطاك ما سألت، إن أول خصمين يردان عليك غدا القضية فيهما من قضايا الآخرة، فلما أصبح
(1) اي استعان به واستنصره. (2) الورطة: كل امر تعسر النجاة منه. (3) هكذا في النسخ، ولعله مصحف (فضرب) وان كان العنق قد يؤنث، ويمكن ان يقرأ بالخطاب. والقود: القصاص وقتل القاتل بدل القتيل. (4) قصص الانبياء مخطوط. اضاف الشئ إلى الشئ: اماله واسنده وضمه. (5) أطلعه عليه: أظهره له.
[ 7 ]
داود وجلس في مجلس القضاء أتى شيخ (1) متعلق بشاب ومع الشاب عنقود من عنب، فقال الشيخ: يا نبي الله إن هذا الشاب دخل بستاني، وخرب كرمي، وأكل منه بغير إذني، (2) قال: فقال داود للشاب: ما تقول ؟ فأقر الشاب بأنه قد فعل ذلك، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود إن كشفت لك من قضايا الآخرة فقضيت بها بين الشيخ والغلام لم يحتملها قلبك، ولا يرضى بها قومك، (3) يا داود إن هذا الشيخ اقتحم على والد هذا الشاب في بستانه فقتله، وغصبه بستانه، (4) وأخذ منه أربعين ألف درهم، فدفنها في جانب بستانه فادفع إلى الشاب سيفا ومره أن يضرب عنق الشيخ، وادفع إليه البستان ومره أن يحفر في موضع كذا من البستان ويأخذ ماله، قال: ففزع داود عليه السلام من ذلك، وجمع علماء أصحابه وأخبرهم الخبر، وأمضى القضية على ما أوحى الله إليه. (5) كا: علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب مثله. (6) 15 – ص: بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة، عن فضالة، عن داود ابن فرقد، عن إسماعيل بن جعفر قال: اختصم رجلان إلى داود النبي في بقرة، فجاء هذا ببينة، (7) وجاء هذا ببينه على أنها له فدخل داود المحراب فقال: يا رب قد أعياني أن أحكم بين هذين، فكن أنت الذي تحكم، (8) فأوحى الله تعالى: اخرج فخذ البقرة من الذي هي في يده وادفعها إلى آخر واضرب عنقه، قال: فضجت بنو إسرائيل (9) وقالوا: جاء هذا ببينة وجاء هذا ببينة مثل بينة هذا وكان أحقهم بإعطائها الذي هي في يده، فأخذها منه
(1) في الكافي: قال فلما أصبح داود جلس في مجلس القضاء أتاه شيخ. (2) في الكافي هنا زيادة وهى: وهذا العنقود أخذه بغير اذني. (3) في الكافي: إني ان كشفت لك عن قضايا الاخرة فقضيت بها بين الشيخ والغلام لم يحتملها قلبك ولم يرض بها قومك. (4) في الكافي: وغصب بستانه. (5) القصص مخطوط. أمضى القضية: أجازها. (6) فروع الكافي 2: 361 و 362. (7) في الكافي: فجاء هذا ببينة على أنها له. (8) في المصدر: فكن انت الذي يحكم. (9) في المصدر: فضجت بنو اسرائيل من ذلك.
[ 8 ]
وضرب عنقه وأعطاها للآخر فدخل داود المحراب فقال: يا رب قد ضجت بنو إسرائيل بما حكمت (1) فأوحى الله تعالى إليه: إن الذي كانت البقرة في يده لقي أبا الآخر فقتله و أخذ البقرة منه، فإذا جاءك مثل هذا فاحكم بينهم بما ترى، (2) ولا تسألني أن أحكم بينهم حتى الحساب. (3) كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة مثله. (4) 16 – ص بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن علي ابن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان على عهد داود عليه السلام سلسلة يتحاكم الناس إليها، وإن رجلا أودع رجلا جوهرا فجحده إياه فدعاه إلى سلسلة فذهب معه إليها، وقد أدخل الجوهر في قناة، فلما أراد أن يتناول السلسلة قال له: أمسك هذه القناة حتى آخذ السلسلة، فأمسكها ودنا الرجل من السلسلة فتناولها وأخذها وصارت في يده، فأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: أن احكم بينهم بالبينات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به، ورفعت السلسلة. (5) 17 – ك: أبي، عن أحمد بن إدريس، ومحمد العطار، عن الاشعري، عن محمد بن يوسف التميمي، عن الصادق، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: عاش داود مائة سنة، منها أربعون سنة ملكه. (6) 18 – كا: أبو علي الاشعري، عن عيسى بن أيوب، عن علي بن مهزيار، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما عرض على آدم ولده نظر إلى داود فأعجبه فزاده خمسين سنة من عمره، قال: ونزل عليه جبرئيل وميكائيل فكتب عليه ملك الموت صكا
(1) في المصدر: قد ضجت بنو اسرائيل مما حكمت. (2) أي بما ترى من البينة وبالايمان. (3) قصص الانبياء مخطوط. (4) فروع الكافي 2: 366. (5) قصص الانبياء مخطوط. (6) كمال الدين 289. وفيه: منها اربعون سنة في ملكه.
[ 9 ]
بالخمسين سنة، (1) فلما حضرته الوفاة نزل عليه ملك الموت، فقال آدم: قد بقي من عمري خمسون سنة، فقال: فأين الخمسون التي جعلتها لابنك داود ؟ قال: فإما أن يكون نسيها أو أنكرها، فنزل عليه جبرئيل وميكائيل وشهدا عليه فقبضه ملك الموت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: وكان أول صك كتب في الدنيا. (2) 8 – شى: عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى أهبط ظللا من الملائكة على آدم وهو بواد يقال له الروحاء (3) وهو واد بين الطائف و مكة، ثم صرخ بذريته وهم ذر (4) قال فخرجوا كما يخرج النحل من كورها (5) فاجتمعوا على شفير الوادي، فقال الله لآدم: انظر ماذا ترى ؟ فقال آدم: ذرا كثيرا (6) على شفير الوادي، فقال الله: يا آدم هؤلاء ذريتك، أخرجتهم من ظهرك لآخذ عليهم الميثاق لي بالربوبية، ولمحمد بالنبوة، كما أخذته عليهم في السماء، قال آدم: يا رب وكيف وسعتهم ظهري ؟ قال الله: يا آدم بلطف صنيعي ونافذ قدري، قال آدم: يا رب فما تريد منهم في الميثاق ؟ قال الله: أن لا يشركوا بي شيئا، قال آدم: فمن أطاعك منهم يا رب فما جزاؤه ؟ قال الله: أسكنه جنتي، قال آدم: فمن عصاك فما جزاؤه ؟ قال: أسكنه
(1) قد نص فيما تقدم من الاخبار في قصص آدم عليه السلام وفيما ياتي بعد ذلك أن كتابة الصك صارت سنة بعد مانسى ذلك آدم عليه السلام فتأمل. ويعارضها ذلك وخبر تقدم هناك، وعلى اي لا صعد القول بصدورها تقية لانها تشتمل على السهو الذي يخالف مذهب الامامية والعامة رووها بطرق مختلفة. والصك: كتاب الاقرار بالمال أو غيره. (2) فروع الكافي 2: 348 – 349. (3) الروحاء: من عمل الفرع على نحو من اربعين يوما، أو ست وثلاثين يوما، أو ثلاثين على اختلاف ذكره ياقوت، والفرع: قرية من نواحي المدينة عن يسار السقيا بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة، وقيل أربع ليال. وتقدم في الحديث الثاني من الباب الثامن من قصص آدم عليه السلام وادي الدخيا وغيره، وذكرنا هناك ما يقتضى المقام، وبذلك يعرف ان ما تقدم هناك مصحف راجع 11: 259 (4) في نسخة: ثم خرج بذريته وهم ذر. (5) الكور بالضم: موضع الزنابير. (6) في نسخة: ذر كثير. (*)
[ 10 ]
ناري، قال آدم: يا رب لقد عدلت فيهم وليعصينك أكثرهم إن لم تعصمهم. قال أبو جعفر عليه السلام: ثم عرض الله على آدم أسماء الانبياء وأعمارهم، قال: فمر آدم باسم داود النبي عليه السلام فإذا عمره أربعون سنة، فقال: يا رب ما أقل عمر داود وأكثر عمري ! يا رب إن أنا زدت داود من عمري ثلاثين سنة أينفذ ذلك له ؟ قال: نعم يا آدم، قال: فإني قد زدته من عمري ثلاثين سنة، فأنفذ ذلك له وأثبتها له عندك واطرحها من عمري، قال: فأثبت الله لداود من عمره ثلاثين سنة، ولم يكن له عند الله مثبتا، ومحا من عمر آدم ثلاثين سنة وكانت له عند الله مثبتا. فقال أبو جعفر عليه السلام: فذلك قول الله: ” يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ” قال: فمحا الله ما كان عنده مثبتا لآدم، وأثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتا. قال: فلما دنا عمر آدم هبط عليه ملك الموت عليه السلام ليقبض روحه، فقال له آدم عليه السلام: يا ملك الموت قد بقي من عمري ثلاثين سنة، فقال له ملك الموت: ألم تجعلها لابنك داود النبي عليه السلام، وطرحتها من عمرك حيث عرض الله عليك أسماء الانبياء من ذريتك، وعرض عليك أعمارهم وأنت بوادي الروحاء ؟ فقال آدم: يا ملك الموت ما أذكر هذا، فقال له ملك الموت: يا آدم لا تجهل، ألم تسأل الله أن يثبتها لداود ويمحوها من عمرك ؟ فأثبتها لداود في الزبور ومحاها من عمرك من الذكر، قال: فقال آدم: احضر الكتاب حتى أعلم ذلك، قال أبو جعفر عليه السلام: وكان آدم صادقا لم يذكر، قال أبو جعفر عليه السلام: فمن ذلك اليوم أمر الله العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل مسمى لنسيان آدم وجحود ما جعل على نفسه. (1) أقول: قد مضت الاخبار في ذلك في أبواب قصص آدم عليه السلام وفي بعضها أنه زاد في عمر داود عليه السلام ستين سنة تمام المائة، وهو أوفق بسائر الاخبار، والله يعلم. 19 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عمن أخبر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في كتاب علي عليه السلام: إن نبيا من الانبياء شكا إلى ربه القضاء، فقال: كيف أقضي بما لم ترعيني ولم تسمع أذني ؟ فقال: اقض بينهم بالبينات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به. وقال: إن داود عليه السلام قال: يا رب أرني
(1) تفسير العياشي مخطوط.
[ 11 ]
الحق كما هو عندك حتى أقضي به، فقال: إنك لا تطيق ذلك، فألح على ربه حتى فعل، فجاءه رجل يستعدي على رجل، فقال: إن هذا أخذ مالي، فأوحى الله عزوجل إلى داود: إن هذا المستعدي قتل أبا هذا وأخذ ماله، فأمر داود بالمستعدي فقتل فأخذ ماله فدفعه إلى المستعدى عليه، قال: فعجب الناس (1) وتحدثوا حتى بلغ داود عليه السلام ودخل عليه من ذلك ما كره، فدعا ربه أن يرفع ذلك ففعل، ثم أوحى الله عزوجل إليه أن احكم بينهم بالبينات، وأضفهم إلى اسمي يحلفون به. (2) 20 – يه: قال أبو جعفر عليه السلام: دخل علي عليه السلام المسجد فاستقبله شاب وهو يبكي وحوله قوم يسكتونه، فقال علي عليه السلام: ما أبكاك ؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن شريحا قضى علي بقضية ما أدري ماهي، إن هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في سفرهم فرجعوا ولم يرجع أبي، فسألتهم عنه فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله فقالوا: ما ترك مالا، فقدمتهم إلى شريح فاستحلفهم، وقد علمت يا أمير المؤمنين أن أبي خرج ومعه مال كثير، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: ارجعوا، فردهم جميعا والفتى معهم إلى شريح، فقال له: يا شريح كيف قضيت بين هؤلاء ؟ قال: يا أمير المؤمنين ادعى هذا الفتى على هؤلاء النفر أنهم خرجوا في سفر وأبوه معهم فرجعوا ولم يرجع أبوه، فسألتهم عنه فقالوا: مات، وسألتهم عن ماله فقالوا: ما خلف شيئا، فقلت للفتى: هل لك بينة على ما تدعي ؟ قال: لا، فاستحلفتهم، فقال عليه السلام لشريح: يا شريح هيهات ! هكذا تحكم في مثل هذا ؟ فقال: كيف هذا يا أمير المؤمنين ؟ (3) فقال علي عليه السلام: يا شريح والله لاحكمن فيه بحكم ماحكم به خلق قبلي إلا داود النبي عليه السلام يا قنبر ادع لي شرطة الخميس، (4) فدعاهم، فوكل بهم (5)
(1) في نسخة. فتعجب الناس. (2) فروع الكافي 2: 359. (3) في التهذيب: كيف كان هذا يا أمير المؤمنين ؟ (4) الشرطة بالضم: هم اول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت وطائفة من أعوان الولاة، سموا بذلك لانهم اعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها، والمراد منه هنا لعله الاول. الخميس: الجيش سمى به لانه مقسوم بخمسة أقسام: المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب، وسئل الاصبغ ابن نباتة: كيف سميتم شرطة الخميس ؟ فقال: انا ضمنا له الذبح وضمن لنا الفتح، يعني امير المؤمنين عليه السلام. (5) التهذيب خال عن كلمة ” بهم “.
[ 12 ]
بكل واحد منهم رجلا من الشرطة، ثم نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى وجوههم فقال: ماذا تقولون ؟ أتقولون إني لا أعلم ما صنعتم بأب هذا الفتى ؟ إني إذا لجاهل، ثم قال: فرقوهم وغطوا رؤوسهم، ففرق بينهم وأقيم كل واحد منهم إلى أسطوانة من أساطين المسجد ورؤوسهم مغطاة بثيابهم، ثم دعا بعبيد الله بن أبي رافع كاتبه، فقال: هات صحيفة ودواتا، وجلس علي عليه السلام في مجلس القضاء واجتمع الناس إليه، فقال: إذا أنا كبرت فكبروا، ثم قال للناس: افرجوا، ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه فكشف عن وجهه، ثم قال لعبيدالله: اكتب إقراره وما يقول، ثم أقبل عليه بالسؤال، ثم قال له: في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم ؟ فقال الرجل: في يوم كذا وكذا، فقال: وفي أي شهر ؟ قال: في شهر كذا وكذا، (1) قال: وإلى أين بلغتم من سفركم حين مات أبو هذا الفتى ؟ قال: إلى موضع كذا وكذا، قال: وفي أي منزل مات ؟ قال: في منزل فلان ابن فلان، قال: وما كان من مرضه ؟ (2) قال: كذا وكذا، قال: كم يوما مرض ؟ قال: كذا وكذا يوما، قال: فمن كان يمرضه ؟ وفي أي يوم مات ؟ ومن غسله ؟ و أين غسله ؟ ومن كفنه ؟ وبما كفنتموه ؟ ومن صلى عليه ؟ ومن نزل قبره ؟ فلما سأله عن جميع ما يريد كبر علي عليه السلام وكبر الناس معه، فارتاب أولئك الباقون ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر عليهم وعلى نفسه، فأمر أن يغطى رأسه وأن ينطلقوا به إلى الحبس، ثم دعا بآخر فأجلسه بين يديه وكشف عن وجهه، ثم قال: كلا، زعمت أني لا أعلم ما صنعتم ؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما أنا إلا واحد من القوم، ولقد كنت كارها لقتله، فأقر، ثم دعا بواحد بعد واحد وكلهم يقر بالقتل وأخذ المال، ثم رد الذي كان أمر به إلى السجن فأقر أيضا فألزمهم المال والدم. وقال شريح: يا أمير المؤمنين وكيف كان حكم داود عليه السلام ؟ فقال: إن داود النبي عليه السلام مر بغلمة يلعبون وينادون بعضهم: مات الدين، فدعا منهم غلاما فقال له: يا غلام ما اسمك ؟ فقال: اسمي مات الدين، فقال له داود: من سماك بهذا الاسم ؟ قال: أمي،
(1) في التهذيب زيادة وهي: فقال: في أي سنة ؟ قال: في سنة كذا وكذا. (2) في التهذيب: وما كان مرضه ؟
[ 13 ]
فانطلق إلى أمه، فقال: يا امرأة ما اسم ابنك هذا ؟ قالت: مات الدين، فقال لها: ومن سماه بهذا الاسم ؟ قالت: أبوه، قال: وكيف كان ذلك ؟ قالت: إن أباه خرج في سفر له ومعه قوم وهذا الصبي حمل في بطني، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي فسألتهم عنه، فقالوا: مات، قلت: أين ما ترك ؟ (1) قالوا: لم يخلف مالا، فقلت: أوصاكم بوصية ؟ فقالوا: نعم، زعم أنك حبلى، فما ولدت من ولد ذكر أو أنثى فسميه مات الدين، فسميته، فقال: أتعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك ؟ قالت: نعم، قال: فأحياء هم أم أموات ؟ قالت: بل أحياء، قال: فانطلقي بنا إليهم، ثم مضى معها فاستخرجهم من منازلهم فحكم بينهم بهذا الحكم فثبت عليهم المال والدم، ثم قال للمرأة: سمي ابنك عاش الدين. (2) يب: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام مثله. (3) 21 – يه: التفليسي، عن السمندي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: إنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا، قال: فبكى داود عليه السلام فأوحى الله تعالى إلى الحديد: أن لن لعبدي داود، فألان الله تعالى له الحديد، فكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم، فعمل عليه السلام ثلاث مائة وستين درعا (4) فباعها بثلاث مائة وستين ألفا، واستغنى عن بيت المال. (5) 22 – كا: علي بن إبراهيم، عن أبيه وعلي بن محمد جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان ابن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من تعذرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلثاء، فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه السلام. (6)
(1) في نسخة: اين ماله ؟ (2) من لا يحضره الفقيه: 322. (3) التهذيب 2: 96 – 97. (4) في المصدر: فعمل عليه السلام بيده ثلاث مائة وستين درعا. (5) من لا يحضره الفقيه: 355. (6) روضة الكافي: 143.
[ 14 ]
23 – شا: روى عبد الله بن عجلان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قام قائم آل محمد عليه وعليهم السلام حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج إلى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه. (1) أقول: قال صاحب الكامل: كان داود بن إيشا (2) من أولاد يهودا، وكان قصيرا أزرق، قليل الشعر، فلما قتل طالوت أتى بنو إسرائيل داود وأعطوه خزائن طالوت وملكوه عليهم، (3) وقيل: إن داود ملك قبل أن يقتل جالوت، (4) فلما ملك جعله الله نبيا ملكا، وأنزل عليه الزبور وعلمه صنعة الدروع، وألان له الحديد، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح، ولم يعط الله أحدا مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحش حتى يؤخذ بأعناقها، وكان شديد الاجتهاد، كثير العبادة والبكاء، وكان يقوم الليل، ويصوم نصف الدهر، وكان يحرسه كل يوم وليلة أربعة آلاف، وكان يأكل من كسب يده أربعة آلاف، قيل: أصاب الناس في زمان داود عليه السلام طاعون جازف، (5) فخرج بهم إلى موضع بيت المقدس، وكان يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء، فلهذا قصده ليدعو فيه، فلما وقف موضع الصخرة دعا الله تعالى في كشف الطاعون عنهم، فاستجاب الله ورفع الطاعون، فاتخذوا ذلك الموضع مسجدا، وكان الشروع في بنائه لاحد عشر سنة مضت من ملكه، وتوفي قبل أن يستتم بناؤه وأوصى إلى سليمان بإتمامه. ثم إن داود عليه السلام توفي، وكانت له جارية تغلق الابواب كل ليلة وتأتية بالمفاتيح ويقوم إلى عبادته، فأغلقتها ليلة فرأت في الدار رجلا، فقالت: من أدخلك الدار ؟ قال: أنا الذي أدخل على الملوك بغير إذن، فسمع داود عليه السلام قوله فقال: أنت ملك الموت ؟ فهلا أرسلت إلي فأستعد للموت ؟ قال: قد أرسلنا إليك كثيرا، قال: من كان رسولك ؟ قال: أين أبوك وأخوك وجارك ومعارفك ؟ قال: ماتوا، قال: فهم كانوا رسلي إليك بأنك تموت
(1) الارشاد: 345. (2) هو داود بن ايشا بن عوبذ بن باعز بن سلمون بن نحشون بن عمى ناذب بن رام بن حصرون ابن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم. (3) اي صيروه ملكا. (4) طالوت (ظ). (5) الصحيح كما في المصدر: ” طاعون جارف ” والجارف: الموت العام.
[ 15 ]
كما ماتوا، ثم قبضه، فلما مات ورث سليمان ملكه وعلمه ونبوته، وكان له تسعة عشر ولدا، فورثه سليمان دونهم، وكان عمر داود عليه السلام لما توفي مائة، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله، وكانت مدة ملكه أربعين سنة. (1) 24 – كتاب البيان لابن شهرآشوب: يقال: إن داود عليه السلام جزأ ساعات الليل والنهار على أهله، فلم يكن ساعة إلا وإنسان من أولاده في الصلاة، فقال تعالى: ” اعملوا آل داود شكرا “. (2) 25 – نهج: وإن شئت ثلثت بداود عليه السلام صاحب المزامير، وقارئ أهل الجنة، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، ويقول لجلسائه: أيكم يكفيني بيعها ؟ ويأكل قرص الشعير من ثمنها. (3) بيان: قال الفيروزآبادي: مزامير داود عليه السلام ما كان يتغنى به من الزبور، وقال ابن أبي الحديد: إن داود عليه السلام أعطي من طيب النغم ولذة ترجيع القراءة ما كانت الطيور لاجله تقع عليه وهو في محرابه، والوحش تسمعه، فتدخل بين الناس ولا تنفر منهم لما قد استغرقها من طيب صوته. وسفائف الخوص جمع سفيفة وهي النسيجة منه. والخوص: ورق النخل. (4) أقول: لعل هذا كان قبل أن ألان الله له الحديد. 26 – كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله أول ما بعث كان يصوم حتى يقال ما يفطر ويفطر حتى يقال ما يصوم، ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما، وهو صوم داود عليه السلام الخبر. (5)
(1) كامل ابن الاثير 1: 76 و 77 و 78. (2) مخطوط (3) نهج البلاغة 1: 293. (4) شرح النهج 2: 471. (5) فروع الكافي 10: 187.
[ 16 ]
الحسين بن محمد، عن المعلى، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان، عنه عليه السلام مثله. (1) 27 – كا: أبو علي الاشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن علي بن مهزيار عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عمن رواه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن داود عليه السلام لما وقف الموقف بعرفة نظر إلى الناس وكثرتهم، فصعد الجبل فأقبل يدعو، فلما قضى نسكه أتاه جبرئيل فقال له: يا داود يقول لك ربك: لم صعدت الجبل ؟ ظننت أنه يخفى علي صوت من صوت ؟ ! ثم مضى به إلى البحر إلى جدة فرسب (2) به في الماء مسيرة أربعين صباحا في البر، فإذا صخرة ففلقها فإذا فيها دودة، فقال: يا داود يقول لك ربك: أنا أسمع صوت هذه في بطن هذه الصخرة في قعر هذا البحر، فظننت أنه يخفى علي صوت من صوت ؟ ! (3) بيان: لعله إنما ظن هذا غيره فنسب إليه ليعلم غيره ذلك، أو أنه ظن أن من أدب الدعاء أن لا تكون الاصوات مختلطة فنبه بذلك على خلافه، أو أن فعله لما كان مظنة ذلك عوتب بذلك وإن لم يكن غرضه ذلك والله يعلم. 28 – ين: النضر، عن محمد بن سنان، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال داود النبي عليه السلام: لاعبدن الله اليوم عبادة ولاقرأن قراءة لم أفعل مثلها قط، فدخل محرابه ففعل، فلما فرغ من صلاته إذا هو بضفدع في المحراب، فقال له: يا داود أعجبك اليوم ما فعلت من عبادتك وقراءتك ؟ فقال: نعم، فقال: لا يعجبنك، فاني أسبح الله في كل ليلة ألف تسبيحة يتشعب لي مع كل تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة، وإني لاكون في قعر الماء فيصوت الطير في الهواء فأحسبه جائعا فأطفوله (4) على الماء ليأكلني وما لي ذنب. (5)
(1) فروع الكافي 1: 187، والفاظ الحديث يخالف ما رواه محمد بن مسلم بكثير الا انه بمعناه. (2) رسب الشئ في الماء: سقط إلى اسفله. (3) فروع الكافي 1: 224. (4) طفا: علا فوق الماء ولم يرسب ومنه السمك الطافي وهو الذي يموت في الماء فيعلو و يظهر. (5) مخطوط.
[ 17 ]
29 – ين: الحسن بن محمد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: إن داود النبي عليه السلام كان ذات يوم في محرابه إذ مرت به دودة حمراء صغيرة تدب حتى انتهت إلى موضع سجوده، فنظر إليها داود وحدث في نفسه: لم خلقت هذه الدودة ؟ فأوحى الله إليها: تكلمي، فقالت له: يا داود هل سمعت حسي أواستبنت (1) على الصفا أثري ؟ فقال لها داود: لا، قالت: فإن الله يسمع دبيبي ونفسي وحسي ويرى أثر مشيي فاخفض من صوتك. (2) عرائس الثعلبي: قال وهب: إن داود عليه السلام لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة لا يرقأ له دمعة (3) ليلا ولا نهارا، فقسم الدهر على أربعة أيام: يوم للقضاء بين بني إسرائيل، ويوم لنسائه، ويوم يسبح فيه في الفيافي والجبال والساحل، ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب، فيجتمع إليه الرهبان فينوح معهم على نفسه ويساعدونه على ذلك، فإذا كان يوم سياحته يخرج إلى الفيافي فيرفع صوته بالمزامير فيبكي ويبكي معه الشجر والمدر والرمال والطير والوحوش والحيتان ودواب البحر وطير الماء والسباع، ويبكي معه الجبال والحجارة والدواب والطير حتى يسيل من دموعهم مثل الانهار، ثم يجئ إلى البحار فيرفع صوته بالمزامير ويبكي فتبكي معه الحيتان ودواب البحر، فإذا أمسى رجع، وإذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه: إن اليوم يوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده، قال: فيدخل الدار التي فيها المحاريب فيبسط له ثلاثة فرش من مسوح (4) حشوها الليف فيجلس عليها ويجئ الرهبان أربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفي أيديهم العصي، فيجلسون في تلك المحاريب، ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه ويرفع الرهبان معه أصواتهم، فلا يزال يبكي حتى يغرق الفراش من
(1) أي استوضحته وعرفته بينا. (2) مخطوط أورده المسعودي أيضا في اثبات الوصية، وفيه: فأوحى الله إليه أن تكلمه، فقالت له: أنا على صغري وتهاونك بي اكثر لذكر الله منك، يا داود هل سمعت حسي أو تبينت أثري ؟ (3) أي لا يجف ولا ينقطع. (4) جمع المسح: البلاس يقعد عليه.
[ 18 ]
دموعه، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب، فيجئ ابنه سليمان عليه السلام فيحمله، ويأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول: يا رب اغفر ما ترى، فلو عدل بكاء داود ودموعه ببكاء أهل الدنيا ودموعهم لعدلها، وقال وهب: لما تاب الله على داود عليه السلام كان يبدأ بالدعاء ويستغفر للخاطئين قبل نفسه، فيقول: اللهم اغفر للخاطئين، فعساك تغفر لداود معهم. وروي أنه عليه السلام كان بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين، ثم يقول: تعالوا إلى داود الخاطئ، ولا يشرب شرابا إلا وهو ممزوج بدموع عينيه، وكان يذر عليه الملح و الرماد (1) فيقول وهو يأكل: هذا أكل الخاطئين، وكان قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر، وبعدها صام الدهر كله، وقام الليل كله. (2) (*).
(1) فيه غرابة ظاهرة وكذا فيما تقدم من قوله: حتى يغرق الفراش من دموعه، وهو بالاغراق والمبالغة أشبه. (2) العرائس: 159.
[ 19 ]
(باب 2) * (قصة داود عليه السلام واوريا وما صدر عنه من ترك الاولى) * * (وما جرى بينه وبين حزقيل عليهما السلام (1)) * الايات، ص ” 38 ” واذكر عبدنا داود ذاالايد إنه أواب * إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق * والطير محشورة كل له أواب * وشددنا ملكه و آتيناه الحكمة وفصل الخطاب * وهل أتاك نبؤ الخصم إذ تسوروا المحراب * إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب * قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب * يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب 17 – 26. تفسير: ” الايد ” القوة ” أواب ” أي رجاع إلى الله تعالى ومرضاته ” والاشراق ” هو حين تشرق الشمس، أي تضئ وتصفو شعاعها وهو وقت الضحى، أو وقت شروق الشمس وطلوعها، والحاصل وقت الرواح والصباح ” محشورة ” أي مجموعة إليه تسبح الله معه ” كل له ” من الجبال والطير لاجل تسبيحه رجاع إلى التسبيح ” وشددنا ملكه ” أي قويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود ” وآتيناه الحكمة ” أي النبوة، أو كمال العلم وإتقان العمل ” وفصل الخطاب ” قيل: يعني الشهود والايمان، وقيل: هو علم القضاء والفهم ” إذ تسوروا المحراب ” أي تصعدوا سور الغرفة، تفعل من السور ” ففزع منهم ” لانهم
(1) في أكثر النسخ ” خرقيل ” بالخاء، وكذلك في الروايات الاتية.
[ 20 ]
نزلوا عليه من فوق في يوم الاحتجاب والحرس على الباب ” ولا تشطط ” أي ولا تجر علينا في حكمك ” إلى سواء الصراط ” أي وسطه وهو العدل ” والنعجة ” الانثى من الضأن ” أكفلنيها ” أي ملكنيها، وحقيقته: اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي، وقيل: اجعلها كفلي أي نصيبي ” وعزني في الخطاب ” أي غلبني في مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج ولم أقدر رده، أو في مغالبته إياي في الخطبة ” وقليل ماهم ” أي وهم قليل، وما مزيدة للابهام والتعجب من قلتهم ” أنما فتناه ” أي امتحناه ” وخر راكعا ” قال الاكثر: أي ساجدا، وقيل: خر للسجود راكعا، أي مصليا. 1 – فس: أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن الصادق عليه السلام قال: إن داود عليه السلام لما جعله الله عزوجل خليفة في الارض، وأنزل عليه الزبور أوحى الله عز و جل إلى الجبال والطير أن يسبحن معه، وكان سببه أنه إذا صلى يقوم وزيره (1) بعد ما يفرغ من الصلاة فيحمد الله ويسبحه ويكبره ويهلله، ثم يمدح الانبياء عليهم السلام نبيا نبيا، ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم وعبادتهم لله سبحانه، والصبر على بلائه، ولا يذكر داود عليه السلام، فنادى داود ربه فقال: يا رب قد أثنيت (2) على الانبياء بما قد أثنيت عليهم ولم تثن علي، فأوحى الله عزوجل إليه: هؤلاء عباد ابتليتهم فصبروا، وأنا أثني عليهم بذلك، فقال: يا رب فابتلني حتى أصبر، فقال: يا داود تختار البلاء على العافية ؟ إني أبليت هؤلاء ولم أعلمهم، وأنا أبليك وأعلمك أنه يأتيك بلائي في سنة كذا و شهر كذا في يوم كذا، وكان داود يفرغ نفسه لعبادته يوما، ويقعد في محرابه، ويوم يقعد لبني إسرائيل فيحكم بينهم، فلما كان في اليوم الذي وعده الله عزوجل اشتدت عبادته وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو في محرابه يصلي، فإذا بطائر قد وقع بين يديه، جناحاه من زبرجد أخضر، ورجلاه من ياقوت أحمر، ورأسه ومنقاره من اللؤلؤ و الزبرجد، فأعجبه جدا ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه، فطار الطائر فوقع على حائط بين داود وبين اوريا بن حنان، وكان داود قد بعث اوريا في بعث، فصعد داود الحائط ليأخذ
(1) في المصدر: يقوم ببني اسرائيل وزيره. (2) لعل إسناد الثناء إليه تعالى كان بواسطة أمره الوزير بذلك، أو تشريعه ذلك في التوراة.
[ 21 ]
الطير، وإذا امرأة اوريا جالسة تغتسل، فلما رأت ظل داود نشرت شعرها، وغطت به بدنها، فنظر إليها داود وافتتن بها ورجع إلى محرابه ونسي ما كان فيه، وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث أن يسيروا إلى موضع كيت وكيت، ويوضع التابوت بينهم وبين عدوهم، وكان التابوت في بني إسرائيل كما قال الله عزوجل: ” فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ” وقد كان رفع بعد موسى عليه السلام إلى السماء لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي، فلما غلبهم جالوت وسألوا النبي أن يبعث إليهم ملكا يقاتل في سبيل الله – تقدس وجهه – بعث إليهم طالوت وأنزل عليهم التابوت وكان التابوت إذا وضع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر وقتل، ولا يرجع أحد عنه إلا ويقتل، فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه أن ضع التابوت بينك وبين عدوك، و قدم اوريا بن حنان بين يدي التابوت، فقدمه وقتل، فلما قتل اوريا دخل عليه الملكان ولم يكن تزوج امرأة اوريا وكانت في عدتها وداود في محرابه يوم عبادته، فدخل عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه، ففزع داود منهما فقالا: ” لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ” ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة مابين مهيرة (1) إلى جارية، فقال أحدهما لداود: ” إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب ” أي ظلمني وقهرني، فقال داود كما حكى الله عزوجل: ” لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ” إلى قوله: ” وخر راكعا وأناب ” قال: فضحك المستعدى عليه من الملائكة وقال: حكم الرجل على نفسه، فقال داود: أتضحك وقد عصيت لقد هممت أن أهشم (2) فاك، قال: فعرجا، وقال الملك المستعدى عليه: لو علم داود أنه أحق بهشم فيه مني، ففهم داود الامر وذكر القضية (3) فبقي أربعين يوما ساجدا يبكي ليله ونهاره، ولا يقوم إلا وقت الصلاة حتى انخرق جبينه وسال الدم من عينيه.
(1) المهيرة من النساء: الحرة الغالية المهر. (2) هشم الشئ: كسره. (3) في نسخة: وذكر الخطيئة.
[ 22 ]
فلما كان بعد أربعين يوما نودي: يا داود مالك ؟ أجائع أنت فنشبعك، أم ظمآن فنسقيك، أم عريان فنكسوك، أم خائف فنؤمنك ؟ فقال: أي رب وكيف لا أخاف وقد عملت ما علمت (1) وأنت الحكم العدل الذي لا يجوزك ظلم ظالم ؟ فأوحى الله عزوجل إليه: تب يا داود، فقال: أي رب وأنى لي بالتوبة ؟ قال صر إلى قبر اوريا حتى أبعثه إليك (2) واسأله أن يغفر لك فإن غفر لك غفرت لك، قال: يا رب فإن لم يفعل ؟ قال: أستوهبك منه، فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى حجر ولا شجر ولا جبل ولا طائر ولا سبع إلا يجاوبه حتى انتهى إلى جبل وعليه نبي عابد يقال له حزقيل فلما سمع دوي الجبال وصوت السباع علم أنه داود، فقال: هذا النبي الخاطئ، فقال داود: يا حزقيل أتأذن لي أن أصعد إليك ؟ قال: لا، فإنك مذنب، فبكى داود عليه السلام فأوحى الله عزوجل إلى حزقيل: يا حزقيل لا تعير داود بخطيئته، وسلني العافية، فنزل حزقيل وأخذ بيد داود وأصعده إليه، فقال له داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط ؟ قال: لا، قال: فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عزوجل ؟ قال: لا، قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهواتها ولذاتها ؟ قال: بلى ربما عرص ذلك بقلبي، قال فما تصنع ؟ قال: أدخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه، قال: فدخل داود عليه السلام الشعب فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية، وعظام نخرة، (3) وإذا لوح من حديد وفيه مكتوب، فقرأه داود فإذا فيه: أنا أروى بن سلم، ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة وافتضضت ألف جارية، وكان آخر أمري أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادي، و الحيات والديدان جيراني، فمن يراني فلا يغتر بالدنيا، ومضى داود حتى أتى قبر اوريا فناداه فلم يجبه، ثم ناداه ثانية فلم يجبه، ثم ناداه ثالثة فقال اوريا: مالك يا نبي الله لقد شغلتني عن سروري وقرة عيني ؟ قال يا اوريا اغفر لي وهب لي خطيئتي، فأوحى الله عز وجل: يا داود بين له ما كان منك، فناداه داود فأجابه في الثالثة فقال: يا اوريا فعلت كذا
(1) في نسخة وفي المصدر: وقد عملت ما عملت. (2) في المصدر: حتى أبعثه لك. (3) نخر العظم: بلى وتفتت.
[ 23 ]
وكذا، وكيت وكيت، (1) فقال اوريا أيفعل الانبياء مثل هذا ؟ ! فناداه فلم يجبه، فوقع داود عليه السلام على الارض باكيا، فأوحى الله عزوجل إلى صاحب الفردوس ليكشف عنه، فكشف عنه، فقال اوريا: لمن هذا ؟ فقال لمن غفر لداود خطيئته، فقال: يا رب قد وهبت له خطيئته، فرجع داود عليه السلام إلى بني إسرائيل وكان إذا صلى قام وزيره يحمد الله ويثني عليه، (2) ويثني على الانبياء عليهم السلام ثم يقول: كان من فضل نبي الله داود قبل الخطيئة كيت وكيت، فاغتم داود عليه السلام فأوحى الله عزوجل إليه: يا داود قد وهبت لك خطيئتك وألزمت عار ذنبك بني إسرائيل، قال: يا رب كيف وأنت الحكم العدل الذي لا تجور ؟ قال: لانه لم يعاجلوك النكير، (3) وتزوج داود عليه السلام بامرأة اوريا بعد ذلك، فولد له منها سليمان عليه السلام، ثم قال عزوجل: ” فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب “. وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: ” وظن داود ” أي علم ” و أناب ” أي تاب، وذكر أن داود كتب إلى صاحبه أن لاتقدم اوريا بين يدي التابوت و رده، فقدم اوريا إلى أهله ومكث ثمانية أيام ثم مات. (4) بيان: اعلم أن هذا الخبر محمول على التقية (5) لموافقته لما روته العامة في ذلك، وسيأتي تحقيق القول فيه. (6) 2 – ن: الهمداني والمكتب والوراق جميعا، عن علي بن إبراهيم، عن القاسم بن محمد البرمكي، عن أبي الصلت الهروي قال: سأل الرضا عليه السلام علي بن محمد بن الجهم فقال: ما يقول من قبلكم في داود عليه السلام ؟ فقال: يقولون: إن داود عليه السلام كان في محرابه يصلي إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور، فقطع داود صلاته و
(1) كيت وكيت وقد يكسر آخره: يكنى بهما عن الحديث والخبر. (2) المصدر خال عن قوله: ويثنى عليه. (3) في المصدر: لم يعاجلوك بالنكير. (4) تفسير القمي: 562 – 565. (5) مع معارضته لرواية ابي الجارود وأبي الصلت وغيرهما. (6) في الحديث الآتي وفي آخر الباب.
[ 24 ]
قام ليأخذ الطير، فخرج الطير إلى الدار، فخرج في أثره، فطار الطير إلى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار اوريا بن حنان، فاطلع داود عليه السلام في أثر الطير فإذا بامرأة اوريا تغتسل، فلما نظر إليها هواها، وكان قد أخرج اوريا في بعض غزواته، فكتب إلى صاحبه أن قدم اوريا أمام الحرب، (1) فقدم فظفر اوريا بالمشركين، فصعب ذلك على داود، فكتب إليه ثانية أن قدمه أمام التابوت فقدم فقتل اوريا رحمه الله وتزوج داود بامرأته قال: فضرب عليه السلام بيده على جبهته وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله عليهم السلام إلى التهاون بصلاته حين خرج في أثر الطير، ثم بالفاحشة، ثم بالقتل، فقال يا ابن رسول الله: فما كانت خطيئته ؟ فقال عليه السلام: ويحك إن داود عليه السلام إنما ظن أن ما خلق الله عزوجل خلقا هو أعلم منه، فبعث الله عزوجل إليه الملكين فتسورا المحراب فقالا: ” خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب ” فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال: ” لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ” ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له: ما تقول ؟ فكان هذا خطيئة حكم (2) لا ما ذهبتم إليه، ألا تسمع الله عزوجل يقول: ” يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ” إلى آخر الآية ؟ فقال: يا ابن رسول الله فما قصته مع اوريا ؟ قال الرضا عليه السلام: إن المرأة في أيام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا، وأول من أباح الله عزوجل أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود عليه السلام فتزوج بامرأة اوريا لما قتل وانقضت عدتها منه، فذلك الذي شق على اوريا. (3) بيان: قد مر الخبر بتمامه وبيانه مع أخبار أخر في باب عصمتهم.
(1) في المصدر: أمام التابوت. (2) أي كان خلاف آداب القضاء والحكم. (3) عيون الاخبار: 107 – 108 وفيه: فذلك الذي شق على الناس من قتل اوريا. قلت فلعل ما في المتن أصوب.
[ 25 ]
3 – ك، لى: أبي، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: إن داود عليه السلام (1) خرج ذات يوم يقرأ الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر ولا سبع إلا جاوبه، فمازال يمر حتى انتهى إلى جبل، فإذا على ذلك الجبل نبي عابد يقال له حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وأصوات السباع والطير علم أنه داود عليه السلام، فقال داود: يا حزقيل أتأذن لي فأصعد إليك ؟ قال: لا، فبكى داود عليه السلام فأوحى الله جل جلاله إليه: يا حزقيل لا تعير داود وسلني العافية، فقام حزقيل فأخذ بيد داود فرفعه إليه، فقال داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط ؟ قال: لا، قال: فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عزوجل ؟ قال: لا، قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذتها ؟ قال: بلى ربما عرض بقلبي، قال: فماذا تصنع إذا كان ذلك ؟ (2) قال: أدخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه، قال: فدخل داود النبي عليه السلام الشعب فإذا سرير من حديد عليه جمجمة بالية، وعظام فانية، وإذا لوح من حديد فيه كتابة فقرأها داود عليه السلام فإذا هي: أنا أروى سلم (3) ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة، وافتضضت ألف بكر، فكان آخر أمري أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي، والديدان والحيات جيراني، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا. (4) 4 – نبه: دخل داود غارا من غيران بيت المقدس فوجد حزقيل يعبد ربه وقد يبس
(1) في المصدر: انه قال في حديث يذكر فيه قصة داود عليه السلام انه خرج إه. قلت: فالروايات الواردة في قصة داود عليه السلام ورميه بما يخالف مذهب الحق كلها واحدة مرجعها إلى هشام بن سالم، والظاهر انه لما كان كثيرا يناظر العامة ويخالطهم ذكر الصادق عليه السلام قصة داود عليه السلام على ما يزعمون لتبكيتهم وشناعة آرائهم وبيان مزعمتهم الباطلة، والا فالمعروف بين المسلمين قديما وحديثا أن الامامية وائمتهم عليهم السلام قائلون بعصمة الانبياء وتنزيههم عن السهو والخطاء وعن كل ما يلطخ أذيالهم المقدسة بوسمة الخطيئات والزلات، وحسبك في ذلك كتاب الشريف المرتضى المعروف بتنزيه الانبياء. (2) في كمال الدين: فما كنت تصنع إذا كان ذلك ؟ (3) في نسخة وفي المصدر: أروى شلم. (4) كمال الدين: 289 – 290 أمالى الصدوق: 61.
[ 26 ]
جلده على عظمه فسلم عليه، فقال: أسمع صوت شبعان ناعم، (1) فمن أنت ؟ قال: أنا داود، قال الذي له كذا وكذا امرأة ؟ وكذاو كذا أمة ؟ قال: نعم، وأنت في هذه الشدة ؟ ! قال: ما أنا في شدة، ولا أنت في نعمة حتى تدخل الجنة. (2) 5 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن علي بن أحمد، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى النخعي، عن الحسين بن أبي سعيد، (3) عن أبي بصير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام ما تقول فيما يقول الناس في داود امرأة اوريا ؟ فقال: ذلك شئ تقوله العامة. (4) 6 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن يزيد، عن حماد ابن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو أخذت أحدا يزعم أن داود عليه السلام وضع يده عليها لحددته حدين: حدا للنبوة، وحدا لما رماه به. (5) أقول: روت العامة مثله عن أمير المؤمنين عليه السلام. 7 – شى: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما بكى أحد بكاء ثلاثة: آدم، ويوسف، وداود، فقلت: ما بلغ من بكائهم ؟ فقال: أما آدم عليه السلام فبكى حين أخرج من الجنة، وكان رأسه في باب من أبواب السماء فبكى حتى تأذى به أهل السماء فشكوا ذلك إلى الله فحط من قامته، فأما داود فإنه بكى حتى هاج العشب من دموعه، وإن كان ليزفر الزفرة فيحرق ما نبت من دموعه، (6) وأما يوسف عليه السلام فإنه كان يبكي على
(1) نعم الرجل: رفه، عيشه: طاب ولان واتسع. (2) تنبيه الخواطر: 1: 67 – 68. (3) هو الحسين أو الحسن – على اختلاف – بن هاشم بن حيان المكارى أبو عبد الله الواقفي الثقة في الحديث. (4 و 5) قصص الانبياء مخطوط. قلت وقد بان من الحديث ومما قبله ما اخترته قبلا، فانت ترى كيف ينكر ويشدد الامام الصادق عليه السلام على قائل هذه المزعمة، حتى يقول: لو ظفرت بقائلها لحددته حدين. (6) لاتخفى غرابته وغرابة ما قبله. وزفر الرجل أخرج نفسه مع مده إياه.
[ 27 ]
أبيه يعقوب وهو في السجن فتأذى به أهل السجن، فصالحهم على أن يبكي يوما ويسكت يوما. (1) 8 – كا: علي، عن أبيه، عن ابن أسباط، عن أبي إسحاق الخراساني، (2) عن بعض رجاله قال: إن الله عزوجل أوحى إلى داود: إني قد غفرت ذنبك وجعلت عار ذنبك على بني إسرائيل، فقال: كيف يا رب وأنت لا تظلم ؟ قال: إنهم لن يعاجلوك بالنكرة. (3) عرائس الثعلبي: قال: لما علم داود بعد نزول الملكين أنهما نزلا لتنبيهه على الخطاء خر ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لحاجة ولوقت صلاة مكتوبة، ثم يعود ساجدا ثم لا يرفع رأسه إلا لحاجة لابد منها، ثم يعود فيسجد تمام أربعين يوما (4) لا يأكل ولا يشرب، وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه، وهو ينادي ربه عزوجل ويسأله التوبة، وكان يقول في سجوده: ” سبحان الملك الاعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء، سبحان خالق النور، (5) إلهي لم أتعظ بما وعظت به غيري، سبحان خالق النور، إلهي أنت خلقتني وكان في سابق علمك ما أنا صائر إليه، سبحان خالق النور، إلهي يغسل الثوب فيذهب درنه ووسخه والخطيئة لازمة لي لا تذهب عني، سبحان خالق النور، إلهي أمرتني أن أكون لليتيم كالاب الرحيم وللارملة كالزوج الرحيم (6) فنسيت عهدك،
(1) تفسير العياشي مخطوط. (2) لم نقف على اسمه وعلى ترجمته وحاله، مضافا الى إرساله وكون الرواية موقوفة، و الظاهر أن الحديث قطعة من حديث هشام بن سالم المتقدم تحت رقم 1. (3) فروع الكافي 1: 343 وفيه: انهم لم يعاجلوك بالنكير. (4) في المصدر: خر ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه الا لحاجة لابد منها أو صلاة مكتوبة، ثم يعود فيسجد تمام اربعين يوما. (5) في المصدر هنا زيادة وهي هذه: سبحان الحائل بين القلوب، الهي خليت بيني وبين عدوى إبليس فلم أتنبه لفتنته إذ زل بي قدمي، سبحان خالق النور، الهى تبكي الثكلى على ولدها إذ فقدته ويبكي داود على خطيئته، سبحان خالق النور، انتهى. قلت: الجملة الثانية لا تخلو عن غرابة لوضوح أن الله لا يخلى بين أنبيائه وعدوه ابليس. (6) في المصدر: كالزوج العطوف.
[ 28 ]
سبحان خالق النور، الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء فيقال: هذا داود الخاطئ، سبحان خالق النور، إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي ؟ إلهي بأي قدم أقوم أمامك يوم تزل أقدام الخاطئين ؟ (1) سبحان خالق النور، إلهي الخطيئة لازمة لي (2) سبحان خالق النور، إلهي من أين يطلب العبد المغفرة إلا من عند سيده ؟ سبحان خالق النور، إلهي مطرت السماء ولم تمطر حولي، سبحان خالق النور، إلهي أعشبت الارض ولم تعشب حولي لخطيئتي، سبحان خالق النور، إلهي أنا الذي لا أطيق حر شمسك فكيف أطيق حر نارك ؟ سبحان خالق النور، إلهي أنا الذي لا أطيق صوت رعدك فكيف أطيق صوت جهنم ؟ سبحان خالق النور، إلهي كيف يستتر الخاطئون بخطاياهم وأنت شاهدهم حيث كانوا، سبحان خالق النور، إلهي قرح الجبين (3) وجمدت العينان من مخافة الحريق على جسدي، سبحان خالق النور، إلهي تسبح لك الطير بأصوات ضعاف تخافك وأنا العبد الخاطئ الذي لم أرع وصيتك، سبحان خالق النور، إلهي الويل لداود من الذنب العظيم الذي أصاب، سبحان خالق النور (4) إلهي أسألك يا إله إبراهيم (5) وإسماعيل وإسحاق ويعقوب أن تعطيني سؤلي، فإن إليك رغبتي، سبحان خالق النور، اللهم برحمتك اغفر لي ذنوبي ولا تباعدني من رحمتك بهواي، (6) اللهم إني أعوذ بك من دعوة لا تستجاب، وصلاة لا تقبل، وعمل لا يقبل (7) سبحان خالق النور، اللهم اغفر لي بنور وجهك الكريم ذنوبي التي أو بقتني (8) سبحان
(1) في المصدر زيادة وهى: يوم القيامة من سوء الحساب. (2) في المصدر: الهي مضت النجوم وكنت أعرفها بأسمائها فتؤنسني فتركتني والخطيئة لازمة لى. قلت: لعل لاضطرابها أسقطه المصنف. (3) في المصدر: الهي رق القلب. (4) في المصدر هنا زيادة وهي هذه: الهى انا المستغيث وانت المغيث فمن يدعو المغيث إلا المستغيث ؟ سبحان خالق النور. (5) في المصدر: الهى أسألك بأبي ابراهيم. (6) في المصدر: لهواني فانك أرحم الراحمين، سبحان خالق النور. (7) في المصدر: وصلاة لاتقبل، وذنب لا يغفر وعذاب لايفتر. (8) في المصدر: الهى اني أعوذ بك وبنور وجهك الكريم من ذنوبي التي أوبقتني.
[ 29 ]
خالق النور، إلهي فررت إليك بذنوبي، (1) واعترفت بخطيئتي فلا تجعلني من القانطين، ولا تخزني يوم الدين، سبحان خالق النور، إلهي قرح الجبين (2) وفنيت الدموع، وتناثر الدود من ركبتي، وخطيئتي ألزم بي من جلدي، سبحان خالق النور. قالوا: فأتاه نداء: يا داود أجائع أنت فتطعم ؟ أم ظمآن أنت فتسقى ؟ أمظلوم أنت فتنصر ؟ ولم يجبه في ذكر خطيئته، فصاح صيحة هاج ما حوله، ثم نادى: يا رب الذنب الذي أصبت، فنودي: يا داود ارفع رأسك، فقد غفرت لك، فلم يرفع رأسه حتى جاءه جبرئيل فرفعه. وروي أنه لما نادى اوريا فلم يجبه بعد ذكر ما فعل بزوجته قام عند قبره، وجعل يحثو التراب على رأسه، ثم نادى: الويل لداود ثم الويل لداود، سبحان خالق النور، الويل لداود ثم الويل له حين يؤخذ بذقنه فيدفع إلى المظلوم، سبحان خالق النور، الويل لداود ثم الويل الطويل له حين يسحب على وجهه مع الخاطئين إلى النار، سبحان خالق النور، الويل لداود ثم الويل الطويل له حين تقر به الزبانية مع الظالمين إلى النار، سبحان خالق النور. قال: فأتاه نداء من السماء: يا داود قد غفرت لك ذنبك، و رحمت بكاءك، واستجبت دعاءك، وأقلت عثرتك. (3) وعن أبي العالية (4) قال: كان من دعاء داود عليه السلام: سبحانك إلهي إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الارض برحبها، وإذا ذكرت رحمتك ارتدت إلي روحي، إلهي أتيت أطباء عبادك ليداووا لي خطيئتي فكلهم عليك يدلني. وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: خد الدموع في وجه داود عليه السلام خديد الماء (5) في الارض. (6)
(1) في المصدر: من ذنوبي. (2) في المصدر: فرغ الحنين. (3) اختصره المصنف وهو طويل لا يسعنا ذكره. (4) في المصدر: اخبرنا ابن فتحويه عن عثمان بن أبي عاتكة أنه قال إه. (5) في المصدر: خد الماء. قلت: خد الارض: شقها. والخد: جدول الماء. (6) العرائس: 157 – 159 قلت: قد سقطت عن المصدر المطبوع جملة كثيرة مما اخرجه المصنف.
[ 30 ]
تذنيب: قال الطبرسي رحمه الله: اختلف في استغفار داود عليه السلام من أي شئ كان ؟ فقيل: إنه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى، والخضوع له، والتذلل بالعبادة والسجود، كما حكى سبحانه عن إبراهيم عليه السلام بقوله: ” والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ” (1) وأما قوله: ” فغفرنا له ذلك ” فالمعنى أنا قبلناه منه وأثبناه عليه، فأخرجه على لفظ الجزاء مثل قوله: ” يخادعون الله وهو خادعهم ” (2) وقوله: ” الله يستهزئ بهم ” (3) فلما كان المقصود من الاستغفار والتوبة القبول قيل في جوابه: ” غفرنا ” وهذا قول من ينزه الانبياء عن جميع الذنوب من الامامية وغيرهم، (4) ومن جوز على الانبياء الصغائر قال: إن استغفاره عليه السلام كان لصغيرة. ثم إنهم اختلفوا في ذلك على وجوه: أحدها أن اوريا بن حنان خطب امرأة فكان أهلها أرادوا أن يزوجوها منه، فبلغ داود جمالها فخطبها أيضا فزوجوها منه وقدموه على اوريا، فعوتب داود عليه السلام على الحرص على الدنيا، عن الجبائي. وثانيها: أنه أخرج اوريا إلى بعض ثغوره فقتل فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله من جنده (5) إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته، فعوتب على ذلك بنزول الملكين. (6) وثالثها: أنه كان في شريعته أن الرجل إذا مات وخلف امرأة فأولياؤه أحق بها إلا أن يرغبوا عن التزويج بها، فحينئذ يجوز لغيرهم أن يتزوج بها، فلما قتل اوريا خطب داود امرأته ومنعت هيبة داود وجلالته أولياءه أن يخطبوها فعوتب على ذلك. ورابعها: أن داود كان متشاغلا بالعبادة فأتاه رجل وامرأة محاكمين (7) إليه فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها وذلك نظر مباح، فمالت نفسه (8) ميل الطباع، ففصل بينهما
(1) الشعراء: 82. (2) النساء: 142. (3) البقرة: 15. (4) وهو الذي اختاره الشريف المرتضى في تنزيه الانبياء وغيره في غيره. (5) أو قل جزعه على ذلك على ما قيل. (6) ذكره وما قبله الثعلبي أيضا في العرائس. (7) في المصدر: متحاكمين. (8) في المصدر: فمالت نفسه إليها.
[ 31 ]
وعاد إلى عبادة ربه، فشغله الفكر في أمرها عن بعض نوافله فعوتب. وخامسها: أنه عوتب على عجلته في الحكم قبل التثبت، وكان يجب عليه حين سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيه، ولا يحكم عليه قبل ذلك، وإنما أنساه التثبت في الحكم فزعه من دخولهما عليه في غير وقت العادة. انتهى. (1) وقال الرازي بعد رد الرواية المشهورة والطعن فيها وإقامة الدلائل على بطلانها و ذكر بعض الوجوه السابقة وتزييفها: روي أن جماعة من الاعداء طمعوا في أن يقتلوا نبي الله داود عليه السلام وكان له يوم يخلو فيه بنفسه ويشتغل بطاعة ربه فانتهزوا الفرصة في ذلك اليوم وتسوروا المحراب فلما دخلوا عليه وجدوا عنده أقواما يمنعونه منهم فخافوا ووضعوا كذبا فقالوا: ” خصمان بغى بعضنا على بعض ” إلى آخر القصة. وليس في لفظ القرآن ما يمكن أن يحتج به في إلحاق الذنب بداود إلا ألفاظ أربعة: أحدها قوله: ” وظن داود أنما فتناه ” وثانيها: قوله: ” فاستغفر ربه ” وثالثها: قوله: ” وأناب ” ورابعها قوله: ” فغفرنا له ذلك ” ثم نقول: وهذه الالفاظ لا يدل شئ منها على ما ذكروه، وتقريره من وجوه: الاول: أنهم لما دخلوا عليه لطلب قتله بهذا الطريق وعلم داود عليه السلام دعاه الغضب إلى أن يشتغل بالانتقام منهم إلا أنه مال إلى التصفح والتجاوز عنهم طلبا لمرضات الله تعالى، فكانت هذه الواقعة هي الفتنة، لانها جارية مجرى الابتلاء والامتحان، ثم إنه استغفر ربه مما هم به من الانتقام منهم، وتاب عن ذلك الهم وأناب، فغفرنا له (2) ذلك القدر من الهم والعزم. والثاني: أنه وإن غلب على ظنه أنهم دخلوا عليه ليقتلوه إلا أنه ندم على ذلك الظن، وقال: لما لم تقم دلالة ولا أمارة على أن الامر كذلك فبئس ما عملت بهم حين ظننت بهم هذا الظن الردئ، فكان هذا هو المراد من قوله: ” وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ” منه فغفر الله له ذلك.
(1) مجمع البيان 8: 471 – 472. (2) في المصدر: فغفر له ذلك.
[ 32 ]
الثالث: أن دخولهم عليه كان فتنة لداود إلا أنه عليه السلام استغفر لذلك الداخل العازم على قتله، وقوله: ” فغفرنا له ذلك ” أي لاحترام داود عليه السلام وتعظيمه انتهى. (1) وقال البيضاوي: أقصى ما في هذه الاشعار بأنه عليه السلام ود أن يكون له ما لغيره وكان له أمثاله، فنبهه الله بهذه القضية فاستغفر وأناب عنه. انتهى. (2) أقول: لما ثبت بما قدمنا عصمتهم عليهم السلام عن جميع الذنوب (3) لابد من رد ما يدل على صدور ذنب عنه عليه السلام في ذلك، وأما الوجوه التي يمكن حملها على ترك الاولى والافضل كأكثر الوجوه السالفة فهي محتملة، ولا يمكن القطع بها إلا بعد ثبوتها، وقد عرفت ما يظهر من الاخبار والله يعلم حقيقة الحال. (4)
(1) مفاتيح الغيب 7: 137. (2) أنوار التنزيل 2: 343. (3) راجع 11: 72 – 96. (4) وقد ذكر هذه الوجوه الشريف المرتضى رضوان الله تعالى عليه في كتاب تنزيه الانبياء ص 91 ممن جوز على الانبياء الصغائر ثم عقبها بقوله: وكل هذه الوجوه لا يجوز على الانبياء عليهم السلام، لان فيها ما هو معصية وقد بينا أن المعاصي لا تجوز عليهم، وفيها ما هو منفر وان لم يكن معصية مثل أن يخطب امرأة قد خطبها رجل من أصحابه فتقدم عليه وتزوجها، وأما الاشتغال عن النوافل فلا يجوز أن يقع عليه عتاب لانه ليس بمعصية ولا هو ايضا منفر، فاما من زعم أنه عرض اوريا للقتل وقدمه أمام التابوت عمدا حتى يقتل فقوله أوضح فسادا من أن يتشاغل برده، وقد روى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لا اوتى برجل يزعم أن داود عليه السلام تزوج بامرأة اوريا إلا جلدته حدين: حد النبوة وحد الاسلام انتهى. وذكر في معنى الاية ما ذكره الطبرسي وبعض ما ذكره الرازي أخيرا. قلت: قوله في الاشتغال بالنوافل: فلا يجوز أن يقع عليه عتاب، قلت: هو كذلك في أفراد الامة، وأما بالنسبة إلى الانبياء والصديقين والابرار فهم ربما بعاتبون على ترك الاولى وفعل ما كان تركه الاولى، وعلى أي فأصح الوجوه ما تقدم عن الرضا عليه السلام في الخبر الثاني.
[ 33 ]
(باب 3) * (ما اوحى إليه عليه السلام وصدر عنه من الحكم) * الايات، الانبياء ” 21 ” ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون 105. تفسير: قال الطبرسي قدس الله سره: فيه أقوال: أحدها: أن الزبور: كتب الانبياء، والذكر: اللوح المحفوظ، وثانيها: أن الزبور: الكتب المنزلة بعد التوراة، والذكر: التوراة، وثالثها: أن الزبور: زبور داود والذكر: التوراة ” أن الارض ” أي أرض الجنة، وقيل: هي الارض المعروفة يرثها أمة محمد صلى الله عليه وآله وقال أبو جعفر عليه السلام: هم أصحاب المهدي عليه السلام في آخر الزمان. (1) 1 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن ابن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزل الزبور في ليلة ثمان عشرة مضت من شهر رمضان. (2) وبإسناده (3) عن داود بن حفص، عنه عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله مثله. (4) 2 – ع: بإسناده عن يزيد بن سلام أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله لم سمي الفرقان فرقانا ؟ فقال: لانه متفرق الآيات والسور، أنزلت في غير الالواح وغير الصحف، والتوراة و الانجيل والزبور أنزلت كلها جملة في الالواح والورق. الحديث. (5)
(1) مجمع البيان 7: 66، وقال بعد ذلك: ويدل على ذلك ما رواه الخاص والعام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا صالحا من أهل بيتي يملا الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا) انتهى ثم أخرج اخبارا كثيرة عن طرق العامة في هذا المعنى. (2) فروع الكافي 1: 206. (3) والاسناد في المصدر هكذا: علي بن ابراهيم عن أبيه، ومحمد بن القاسم، عن محمد بن سليمان عن داود، عن حفص بن غياث. (4) اصول الكافي 2: 628 و 629. (5) علل الشرائع: 161، ذكره المصنف مسندا في حديث طويل راجعه.
[ 34 ]
3 – لى: الدقاق، عن الصوفي، عن عبيدالله بن موسى الطبري، عن محمد بن الحسين الخشاب، عن محمد بن محصن، عن يونس بن ظبيان، عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام: مالي أراك وحدانا ؟ قال: هجرت الناس وهجروني فيك، قال: فمالي أراك ساكتا ؟ قال: خشيتك أسكتتني، قال: فمالي أراك نصبا (1) قال: حبك أنصبني، قال: فمالي أراك فقيرا وقد أفدتك ؟ (2) قال: القيام بحقك أفقرني، قال: فمالي أراك متذللا ؟ قال عظيم جلالك الذي لا يوصف ذللني، وحق ذلك لك يا سيدي، قال الله جل جلاله: فابشر بالفضل مني، فلك ما تحب يوم تلقاني، خالط الناس وخالقهم بأخلاقهم، وزايلهم (3) في أعمالهم تنل ما تريد مني يوم القيامة وقال الصادق عليه السلام: أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام: يا داود بي فافرح، وبذكري فتلذذ، وبمناجاتي فتنعم، فعن قليل أخلي الدار من الفاسقين، وأجعل لعنتي على الظالمين. (4) ص: بالاسناد عن الصدوق، عن أبيه، عن محمد العطار، عن ابن أبان، عن ابن أورمة وعن علي بن أحمد، عن محمد بن هارون، عن عبيد الله بن موسى مثله. (5) 4 – لى: ابن المغيرة، عن جده، عن جده، عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام (6) قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام: يا داود كما لا تضيق الشمس على من جلس فيها كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها، وكما لا تضر الطيرة من لا يتطير منها كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيرون، وكما أن أقرب الناس مني يوم القيامة المتواضعون كذلك أبعد الناس مني يوم القيامة المتكبرون. (7) 5 – لى: أبي، عن سعد، عن النهدي، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال: أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام إن
(1) لعل المعنى: مالي أراك مجدا مجتهدا في العبادة متعبا نفسك فيها ؟ (2) أي وقد أعطيتك (3) أي باينهم وفارقهم في اعمالهم الرديئة وافعالهم الرذيلة. (4) أمالي الصدوق: 118. (5) قصص الانبياء مخطوط. (6) في المصدر: عن أبيه عن آبائه. (7) امالي الصدوق: 183 – 184.
[ 35 ]
العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنتي، قال: فقال داود عليه السلام: يا رب وما تلك الحسنة ؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سرورا ولو بتمرة، قال: فقال داود عليه السلام: حق لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك (1) ص: بإسناده إلى الصدوق مثله. (2) 6 – مع، ن: ماجيلويه، عن علي، عن أبيه، عن داود بن سليمان، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام قال: أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام: إن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأدخله الجنة، قال: يا رب وما تلك الحسنة ؟ قال: يفرج عن المؤمن كربته ولو بتمرة، قال: فقال داود عليه السلام: حق لمن عرفك أن لا ينقطع رجاؤه منك. (3) 7 – ب: ابن طريف، (4) عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله، وذكر نحوه، وفيه: قال: كربة ينفسها عن مؤمن بقدر تمرة، أو شق تمرة. (5) 8 – ب: هارون، عن ابن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام إن داود قال لسليمان: يا بني إياك وكثرة الضحك، فإن كثرة الضحك تترك العبد حقيرا (6) يوم القيامة، يا بني عليك بطول الصمت إلا من خير، فإن الندامة على طول الصمت مرة واحدة خير من الندامة على كثرة الكلام مرات، يا بني لو أن الكلام كان من فضة كان ينبغي للصمت أن يكون من ذهب. (7)
(1) امالي الصدوق: 359. (2) قصص الانبياء مخطوط. (3) معاني الاخبار: 106 عيون الاخبار: 174 (4) هكذا في النسخ وفيه وهم، والصحيح كما في المصدر وكتب الرجال ” ظريف ” بالظاء وهو الحسن بن ظريف بن ناصح الكوفي. (5) قرب الاسناد: 56 وفيه: ان عبدا من عبادي ليأتيني بالحسنة يوم القيامة فاحكم (فاحكمه خ) بالجنة. فقال داود: وما تلك الحسنة ؟. (6) في نسخة وفي المصدر: تترك العبد فقيرا. (7) قرب الاسناد: 33.
[ 36 ]
9 – ما: المفيد، عن الحسين بن محمد التمار، عن محمد بن القاسم الانباري، عن أبيه، عن الحسين بن سليمان الزاهد قال: سمعت أبا جعفر الطائي الواعظ يقول: سمعت وهب ابن منبه يقول: قرأت في زبور داود أسطرا منها ما حفظت ومنها ما نسيت، فما حفظت قوله: يا داود اسمع مني ما أقول والحق أقول، من أتاني وهو يحبني أدخلته الجنة، يا داود اسمع عني (1) ما أقول والحق أقول، من أتاني وهو مستحي من المعاصي التي عصاني بها غفرتها له، وأنسيتها حافظيه، يا داود اسمع مني ما أقول والحق أقول، من أتاني بحسنة واحدة أدخلته الجنة، قال داود: يا رب وما هذه الحسنة ؟ قال: من فرج عن عبد مسلم، فقال داود: إلهي لذلك لا ينبغي لمن عرفك أن يقطع رجاءه منك. (2) 10 – ما: المفيد، عن الحسن بن حمزة العلوي، عن محمد الحميري، عن أبيه، عن هارون، عن ابن زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: في حكمة آل داود: يا ابن آدم كيف تتكلم بالهدى وأنت لا تفيق عن الردى ؟ ! يا ابن آدم أصبح قلبك قاسيا، ولعظمة الله ناسيا، (3) فلو كنت بالله عالما وبعظمته عارفا لم تزل منه خائفا ولموعده راجيا، ويحك كيف لاتذكر لحدك وانفرادك فيه وحدك ؟ ! (4) 11 – ما: جماعة، عن أبي المفضل، عن أحمد بن سعيد بن يزيد، عن محمد بن سلمة الاموي، عن أحمد بن القاسم الاموي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام: يا داود إن العبد ليأتيني بالحسنة يوم القيامة فأحكمه (5) بها في الجنة، قال داود عليه السلام: يا رب وما هذا العبد الذي يأتيك بالحسنة يوم القيامة فتحكمه بها في الجنة ؟ قال: عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المسلم أحب قضاءها قضيت له أم لم تقض. (6)
(1) في المصدر: اسمع مني. (2) الامالي: 65. (3) في المصدر: وأنت لعظمة الله ناسيا. (4) الامالي: 126 – 127. (5) حكمه: ولاه وأقامه حاكما. حكمه في الامر: فوض إليه الحكم. (6) الامالي: 328
[ 37 ]
12 – فس: ” ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ” قال: الكتب كلها ذكر ” أن الارض يرثها عبادي الصالحون ” قال: القائم عليه السلام وأصحابه، قال: والزبور فيه ملاحم وتحميد وتمجيد ودعاء. (1) بيان: قال المسعودي: أنزل الله عليه الزبور بالعبرانية مائة وخمسين سورة. و جعله ثلاثة أثلاث، فالثلث الاول فيه ما يلقون من بخت نصر وما يكون من أمره في المستقبل، وفي الثلث الثاني ما يلقون من أهل الثور، وفي الثلث الثالث مواعظ وترغيب ليس فيه أمر ولانهي ولا تحليل ولا تحريم. (2) 13 – ص: بالاسناد إلى الصدوق عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن الثمالي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: أن بلغ قومك أنه ليس من عبد منهم آمره بطاعتي فيطيعني إلا كان حقا علي أن أعينه على طاعتي، فإن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته وإن اعتصم بي عصمته، وإن استكفاني كفيته، وإن توكل علي حفظته، وإن كاده جميع خلقي كدت دونه. (3) 14 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن محمد العطار، عن ابن أبان، عن ابن أورمة، وعن علي بن أحمد، عن محمد بن هارون، عن عبيد الله بن موسى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن محصن، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام إن العباد تحابوا بالالسن، وتباغضوا بالقلوب، وأظهروا العمل للدنيا، وأبطنوا الغش والدغل. (4) 15 – ص: بهذا الاسناد عن ابن أورمة، عن الحسن بن علي رفعه قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: اذكرني في أيام سرائك حتى أستجيب لك في أيام ضرائك. (5) 16 – ص: الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر،
(1) تفسير القمي: 434 – 435. (2) مروج الذهب في هامش الكامل 1: 74. (3 – 5) قصص الانبياء مخطوط.
[ 38 ]
عن إسرائيل رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: قال الله عزوجل لداود عليه السلام: أحبني وحببني إلى خلقي، قال: يا رب نعم أنا أحبك فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال: اذكر أيادي عندهم فإنك إذا ذكرت ذلك لهم أحبوني. (1) 17 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن الوشاء عن علي بن سوقه، عن عيسى الفراء وأبي علي العطار، عن رجل، عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: بينا داود عليه السلام جالس وعنده شاب رث الهيئة يكثر الجلوس عنده ويطيل الصمت إذ أتاه ملك الموت فسلم عليه وأحد (2) ملك الموت النظر إلى الشاب، فقال داود عليه السلام: نظرت إلى هذا، فقال: نعم، إني أمرت بقبض روحه (3) إلى سبعة أيام في هذا الموضع، فرحمه داود فقال: يا شاب هل لك امرأة ؟ قال: لا وما تزوجت قط قال داود عليه السلام: فأت فلانا – رجلا كان عظيم القدر في بني إسرائيل – فقل له: إن داود يأمرك أن تزوجني ابنتك، وتدخلها الليلة، وخذ من النفقة ما تحتاج إليه وكن عندها، فإذا مضت سبعة أيام فوافني في هذا الموضع، فمضى الشاب برسالة داود عليه السلام فزوجه الرجل ابنته وأدخلوها عليه، (4) وأقام عندها سبعة أيام، ثم وافى داود يوم الثامن، فقال له داود عليه السلام: يا شاب كيف رأيت ما كنت فيه ؟ قال: ما كنت في نعمة ولا سرور قط أعظم مما كنت فيه، قال داود: اجلس فجلس وداود ينتظر أن يقبض روحه، فلما طال قال: انصرف إلى منزلك فكن مع أهلك، فإذا كان يوم الثامن (5) فوافني ههنا، فمضى الشاب ثم وافاه يوم الثامن وجلس عنده، ثم انصرف أسبوعا آخر ثم أتاه وجلس، فجاء ملك الموت إلى داود عليه السلام فقال داود: ألست حدثتني بأنك أمرت بقبض روح هذا الشاب إلى سبعة أيام ؟ قال: بلى، فقال: فقد مضت ثمانية وثمانية وثمانية، قال: يا داود إن الله تعالى رحمه برحمتك له فأخر في أجله ثلاثين سنة. (6) 18 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى عن ابن
(1 و 6) قصص الانبياء مخطوط. م (2) أحد إليه النظر: بالغ في النظر إليه. (3) في نسخة: اني امرت أن أقبض روحه. (4) أي أدخلها أهلها عليه. (5) كذا.
[ 39 ]
أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: إن خلادة (1) بنت أوس بشرها بالجنة، وأعلمها أنها قرينتك في الجنة، فانطلق إليها فقرع الباب عليها، فخرجت وقالت: هل نزل في شئ ؟ قال: نعم، قالت: و ما هو ؟ قال: إن الله تعالى أوحى إلي وأخبرني أنك قرينتي في الجنة وأن أبشرك بالجنة، قالت: أو يكون اسم وافق اسمي ؟ قال: إنك لانت هي، قالت: يا نبي الله ما أكذبك، ولا والله ما أعرف من نفسي ما وصفتني به، قال داود عليه السلام: أخبريني عن ضميرك وسريرتك ما هو ؟ قالت: أما هذا فسأخبرك به، أخبرك أنه لم يصبني وجع قط نزل بي كائنا ما كان، وما نزل ضر بي حاجة وجوع (2) كائنا ماكان إلا صبرت عليه ولم أسأل الله كشفه عني حتى يحوله الله عني إلى العافية والسعة، ولم أطلب بها بدلا، وشكرت الله عليها وحمدته، فقال داود عليه السلام: فبهذا بلغت ما بلغت، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: وهذا دين الله الذي ارتضاه للصالحين. (3) 19 – ختص: قال الله لداود: يا داود احذر القلوب المعلقة بشهوات الدنيا فإن عقولها محجوبة عني. (4). 20 – كا: أبو علي الاشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار، عن منصور بن يونس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في حكمة آل داود عليه السلام: على العاقل أن يكون عارفا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه. (5) 21 – كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فيما أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام: يا داود كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون، كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون. (6)
(1) في قصص الانبياء للجزائري: ” جلادة ” بالجيم. (2) في نسخة: وما نزل ضر بى وحاجة وجوع. (3) قصص الانبياء مخطوط. (4) الاختصاص مخطوط. (5) اصول الكافي: 2: 116. (6) اصول الكافي: 2: 123.
[ 40 ]
22 – كا: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الله عزوجل لداود عليه السلام: يا داود بشر المذنبين، وأنذر الصديقين قال: كيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين ؟ قال: يا داود بشر المذنبين أني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصديقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فإنه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك. (1) 23 – ارشاد القلوب: روي أن الله أوحى إلى داود عليه السلام: من أحب حبيبا صدق قوله، ومن آنس بحبيب قبل قوله ورضي فعله، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه، ومن اشتاق إلى حبيب جد في السير إليه، يا داود ذكري للذاكرين، وجنتي للمطيعين، وزيارتي للمشتاقين، وأنا خاصة للمطيعين. (2) 24 – وإن الله أوحى إلى داود: قل لفلان الجبار: إني لم أبعثك لتجمع الدنيا على الدنيا، ولكن لترد عني دعوة المظلوم وتنصره، فإني آليت على نفسي أن أنصره وأنتصر له ممن ظلم بحضرته ولم ينصره. (3) 25 – وأوحى الله إلى داود عليه السلام: اشكرني حق شكري، قال: إلهي أشكرك حق شكرك وشكري إياك نعمة منك، فقال: الآن شكرتني، (4) وقال داود عليه السلام: يا رب وكيف كان آدم يشكرك حق شكرك وقد جعلته أب أنبيائك وصفوتك، وأسجدت له ملائكتك ؟ فقال: إنه عرف أن ذلك من عندي فكان اعترافه بذلك حق شكري. (5) 26 – وروي أن داود عليه السلام خرج مصحرا منفردا، فأوحى الله إليه: يا داود مالي أراك وحدانيا ؟ فقال: إلهي اشتد الشوق مني إلى لقائك، وحال بيني وبينك خلقك، (6)
(1) اصول الكافي 2: 314. (2) ارشاد القلوب 1: 73 – 74 وفيه: للمحبين. (3) ارشاد القلوب 1: 93. (4) في المصدر: كيف أشكرك حق شكرك وشكرى اياك نعمة منك ؟ فقال: الان شكرتني حق شكري. (5) ارشاد القلوب 1: 150 (6) في المصدر: وحال بينى وبين خلقك. قلت: اي حال الشوق اليك بيني وبينهم فتركتهم واقبلت اليك. (*)
[ 41 ]
فأوحى الله إليه: ارجع إليهم فإنك إن تأتني بعبد آبق أثبتك في اللوح حميدا. (1) 27 – نبه: روي أنه مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: فساعة فيها يناجي ربه، وساعة فيها يحاسب نفسه، وساعة يفضي إلى إخوانه (2) الذين يصدقونه عن عيوب نفسه، (3) وساعة يخلي بين نفسه ولذتها فيما يحل ويحمد، (4) فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات. (5) 28 – يه: في الصحيح عن إبراهيم بن أبي البلاد قال: كانت امرأة على عهد داود عليه السلام يأتيها رجل يستكرهها على نفسها، فألقى الله عزوجل في نفسها فقالت له: إنك لا تأتيني مرة إلا وعند أهلك من يأتيهم، قال: فذهب إلى أهله فوجد عند أهله رجلا، فأتى به داود عليه السلام فقال: يا نبي الله أتى إلي ما لم يؤت إلى أحد، قال: وماذاك ؟ قال: وجدت هذا الرجل عند أهلي، فأوحى الله عزوجل إلى داود: قل له: كما تدين تدان. (6) 29 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن مفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام: ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته ثم تكيده السماوات والارض ومن فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن، وما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات من يديه (7) وأسخت الارض من تحته، (8) ولم أبال بأي واد تهالك. (9)
(1) ارشاد القلوب 1: 208 وفيه: اثبتك في اللوح جميلا. (2) اي وصل إليهم. (3) في نسخة: على عيوب نفسه. (4) في المصدر: فيما يحل ويجمل. (5) تنبيه الخواطر 2: 23. (6) من لا يحضره الفقيه: 471. (7) في المصدر: الا قطعت اسباب السماوات والارض من يديه. (8) قال المصنف في مرآت العقول: واسخت بالخاء المعجمة وتشديد التاء من السخت هو الشديد، وهو من اللغات المشتركة بين العرب والعجم، أي لا ينبت له زرع ولا يخرج له خير من الارض، أو من السوخ وهو الانخساف على بناء الافعال اي خسفت الارض به، وربما يقرء بالحاء المهملة من السياحة كناية عن الزلزلة. (9) اصول الكافي 2: 63، وفى نسخة: هلك.
[ 42 ]
30 – تم: محمد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس، عن سلمة بن الخطاب، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن، عن داود الرقي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوحى الله تبارك و تعالى إلى داود عليه السلام: قل للجبارين: لا يذ كروني، فإنه لا يذكرني عبد إلا ذكرته، وإن ذكروني ذكرتهم فلعنتهم. (1) 31 – ين: ابن أبي البلاد، عن سعد الاسكاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل عابد فأعجب به داود عليه السلام فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: لا يعجبك شئ من أمره فإنه مراء، قال: فمات الرجل فأتى داود فقيل له: مات الرجل، فقال: ادفنوا صاحبكم، قال: فأنكرت ذلك بنو إسرائيل، وقالوا: كيف لم يحضره ؟ قال: فلما غسل قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون منه إلا خيرا، فلما صلوا عليه قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون إلا خيرا، فلما دفنوه قال: فأوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام: ما منعك أن تشهد فلانا ؟ قال: الذي أطلعتني عليه من أمره، قال: إن كان لكذلك ولكن شهده قوم من الاحبار والرهبان، فشهدوا لي ما يعلمون إلا خيرا، فأجزت شهادتهم عليه، وغفرت له علمي فيه. (2) 33 – ج، يد، ن: عن الحسن بن محمد النوفلي، عن الرضا عليه السلام فيما احتج به على أهل الملل قال لرأس الجالوت: قال داود عليه السلام في زبوره: (3) ” اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة ” فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد ؟ (4) 34 – عدة: فيما أوحى الله إلى داود عليه السلام: من انقطع إلي كفيته، ومن سألني أعطيته، ومن دعاني أجبته، وإنما أؤخر دعوته وهي معلقة وقد استجبتها حتى يتم قضائي فإذا تم قضائي أنفذت ما سأل، قل للمظلوم: إنما أوخر دعوتك وقد استجبتها لك على (5)
(1) فلاح السائل مخطوط. (2) مخطوط قوله: (وغفرت له) اي سترت له ما كنت اعلم من عمله. (3) في المصدر: قال داود عليه السلام في زبوره وانت تقرؤه. (4) احتجاج الطبرسي: 231 توحيد الصدوق: 442 عيون الاخبار: 93 وقد اخرج الحديث بتمامه وشرحه في كتاب الاحتجاجات راجع 10: 299 – 318. (5) في المصدر: وقد استجبتها لك حتى يتم قضائي لك على من ظلمك.
[ 43 ]
من ظلمك لضروب كثيرة غابت عنك وأنا أحكم الحاكمين: إما أن تكون قد ظلمت رجلا فدعا عليك فتكون هذه بهذه لالك ولا عليك، وإما أن تكون لك درجة في الجنة لا تبلغها عندي إلا بظلمه لك، لاني أختبر عبادي في أموالهم وأنفسهم، وربما أمرضت العبد فقلت صلاته وخدمته، ولصوته إذا دعاني في كربته أحب إلي من صلاة المصلين، ولربما صلى العبد فأضرب بها وجهه وأحجب عني صوته، أتدري من ذلك يا داود ؟ ذلك الذي يكثر الالتفات إلى حرم المؤمنين بعين الفسق وذلك الذي حدثته نفسه لو ولى أمرا لضرب فيه الاعناق ظلما، يا داود نح على خطيئتك كالمرأة الثكلى على ولدها، لو رأيت الذين يأكلون الناس بألسنتهم وقد بسطتها بسط الاديم وضربت نواحي ألسنتهم بمقامع من نار، ثم سلطت عليهم موبخا لهم يقول: يا أهل النار هذا فلان السليط فاعرفوه، كم ركعة طويلة فيها بكاء بخشية قد صلاها صاحبها لا تساوي عندي فتيلا حين نظرت في قلبه فوجدته أن سلم من الصلاة، وبرزت له امرأة وعرضت عليه نفسها أجابها وإن عامله مؤمن خانه. (1) * أقول: قال السيد قدس الله روحه في كتاب سعد السعود: رأيت في زبور داود عليه السلام في السورة الثانية ماهذا لفظه: (2) داود ! إني جعلتك خليفة في الارض، و جعلتك مسبحي ونبيي، وسيتخذ عيسى إلها من دوني من أجل ما مكنت فيه من القوة
(1) عدة الداعي: 22 – 23. * قال الثعلبي: قال وهب: لما استخلف داود ابنه سليمان وعظه فقال: يا بنى اياك والهزل فان نفعه قليل ويهيج العداوة بين الاخوان واياك والغضب فان الغضب يستخف صاحبه، وعليك بتقوى الله وطاعته فانهما يغلبان كل شئ، واياك وكثرة الغيرة على أهلك من غير شئ فان ذلك يورث سوء الظن بالناس وان كانوا برآء، واقطع طمعك عن الناس فانه هو الغنى، واياك والطمع فهو الفقر الحاضر، واياك وما يعتذر منه من القول، وعود نفسك ولسانك الصدق والزم الاحسان، وان استطعت أن يكون يومك خيرا من امسك فافعل، وصل صلاة مودع، ولا تجالس السفهاء، ولا ترد على عالم، ولا تماره في الدين، وإذا غضبت فالصق نفسك بالارض وتحول من مكانك، وارج رحمة الله فانها واسعة وسعت كل شئ. منه رحمه الله. (2) في المصدر صدر أسقطه المصنف أو كان سقط عن نسخته وهو هذا: ما يقول الامم والشعوب وقد اجتمعوا على الرب وحده، يريدون ليطفئوا نور الله وقدسه، يا داود. اه
[ 44 ]
وجعلته يحيي الموتى بإذني، داود ! صفني لخلقي بالكرم والرحمة، وإني على كل شئ قدير، داود ! من ذا الذي انقطع إلي فخيبته ؟ أو من ذا الذي أناب إلي فطردته عن باب إنابتي ؟ مالكم لا تقدسون الله وهو مصوركم وخالقكم على ألوان شتى ؟ مالكم لا تحفظون طاعة الله آناء الليل والنهار وتطردون المعاصي عن قلوبكم، كأنكم لا تموتون، وكأن دنياكم باقيه لاتزول ولا تنقطع، (1) ولكم في الجنة عندي أوسع وأخصب لو عقلتم وتفكرتم وستعلمون إذا حضرتم وصرتم إلي أني بما تعمل الخلق بصير، سبحان خالق النور. وفي السورة العاشرة: أيها الناس لا تغفلوا عن الآخرة، ولا تغرنكم الحياة لبهجة الدنيا ونضارتها (2) بني إسرائيل ! لو تفكرتم في منقلبكم ومعادكم وذكرتم القيامة وما أعددت فيها للعاصين قل ضحككم وكثر بكاؤكم، ولكنكم غفلتم عن الموت ونبذتم عهدي وراء ظهوركم، واستخففتم بحقي كأنكم لستم بمسيئين ولا محاسبين، كم تقولون ولا تفعلون ؟ ! وكم تعدون فتخلفون ؟ ! وكم تعاهدون فتنقضون ؟ ! لو تفكرتم في خشونة الثرى (3) ووحشة القبر وظلمته لقل كلامكم وكثر ذكركم واشتغالكم لي، إن الكمال كمال الآخرة، وأما كمال الدنيا فمتغير وزائل، لا تتفكرون في خلق السماوات والارض وما أعددت فيها من الآيات والنذر وحبست الطير في جو السماء يسبحن ويسرحن (4) في رزقي ؟ وأنا الغفور الرحيم، سبحان خالق النور. وفي السورة السابعة عشر: داود ! اسمع ما أقول، ومر سليمان يقول بعدك: إن الارض أورثها محمدا (5) وأمته وهم خلافكم، ولا تكون صلاتهم بالطنابير ولا يقدسون الاوتار، فازدد من تقديسك، وإذا زمرتم (6) بتقديسي فأكثروا البكاء بكل ساعة،
(1) في المصدر: وكأن دنياكم باقية للازل ولا تنقطع. (2) في نسخة: ولا تغرنكم الحياة الدنيا لبهجة الدنيا ونضارتها. وفي المصدر: ولا تغرنكم الحياة وبهجة الدنيا ونضارتها، يا بني اسرائيل. اه (3) في المصدر: لو تفكرتم في خسوفة الثرى. (4) سرحت المواشي: ذهبت ترعى. (5) في المصدر: يرثها محمد وامته. (6) زمر: غنى بالنفخ في القصب ونحوه. زمر بالحديث: بثه وأذاعه. زمر النعام: صوت ولعل المراد هنا هو الاخير. وفي المصدر: زفرتم.
[ 45 ]
داود ! قل لبني إسرائيل، لا تجمعوا المال من الحرام فإني لا أقبل صلاتهم، واهجر أباك على المعاصي وأخاك على الحرام، واتل على بني إسرائيل نبأ رجلين كانا على عهد إدريس فجاءت لهما تجارة وقد فرضت عليهما صلاة مكتوبة فقال الواحد: أبدأ بأمر الله، وقال الآخر: أبدأ بتجارتي وألحق أمر الله، فذهب هذا لتجارته، وهذا لصلاته، فأوحيت إلى السحاب فنفخت (1) وأطلقت نارا وأحاطت واشتغل الرجل (2) بالسحاب والظلمة فذهبت تجارته وصلاته، وكتب على بابه: انظروا ما تصنع الدنيا والتكاثر بصاحبه. داود ! إن الكبائر والكبر حرد (3) لا يتغير أبدا، فإذا رأيت ظالما قد رفعته الدنيا فلا تغبطه فإنه لابد له من أحد الامرين: إما أن أسلط عليه ظالما أظلم منه فينتقم منه، وإما ألزمه رد التبعات يوم القيامة. داود ! لو رأيت صاحب التبعات قد جعل في عنقه طوق من نار، فحاسبوا نفوسكم، وأنصفوا الناس، ودعوا الدنيا وزينتها، يا أيها الغفول ما تصنع بدنيا يخرج منها الرجل صحيحا (4) ويرجع سقيما، ويخرج فيجبى (5) جباية فيكبل بالحديد والاغلال، ويخرج الرجل صحيحا فيرد قتيلا. ويحكم لو رأيتم الجنة وما أعددت فيها لاوليائي من النعيم لما ذقتم دواءها بشهوة (6)، أين المشتاقون إلى لذيذ الطعام والشراب ؟ أين الذين جعلوا مع الضحك بكاء ؟ أين الذين هجموا على مساجدي في الصيف والشتاء ؟ انظروا اليوم ما ترى أعينكم فطال ما كنتم تسهرون والناس نيام، فاستمتعوا اليوم ما أردتم فإني قد رضيت عنكم أجمعين، ولقد كانت أعمالكم الزاكية تدفع سخطي عن أهل الدنيا يا رضوان اسقهم من الشراب الآن فيشربون، وتزداد وجوههم نضرة، فيقول رضوان: هل تدرون لم فعلت هذا ؟ لانه لم تطأ فروجكم فروج الحرام، ولم
(1) في نسخة: ففتحت. (2) في المصدر: واشتعل الرجل، قلت: ما في المتن أصح. واشتعل فلان: التهب غضبا. (3) في نسخة: ان التكاثر والكبر حرب. وفي المصدر: ان البكاء والكبر خود لا يتغير. و الكل مصحف. (4) الصحيح كما في المصدر: يدخلها الرجل صحيحا. (5) جبا يجبو وجبى يجبى الخراج: جمعه. وفي المصدر: فيحيى حياته. قوله: فيكبل أي يقيد. (6) هكذا في نسخة وفي المصدر، وفي نسخة اخرى: لماذقتم ذوقا بشهوة.
[ 46 ]
تغبطوا الملوك والاغنياء غير المساكين، يا رضوان أظهر لعبادي ما أعددت لهم ثمانية ألف ضعف. يا داود من تأجرني فهو أربح التاجرين، ومن صرعته الدنيا فهو أخسر الخاسرين، ويحك يا ابن آدم ما أقسى قلبك ! أبوك وأمك يموتان وليس لك عبرة بهما ؟ ! يا ابن آدم ألا تنظر إلى بهيمة ماتت فانتفخت وصارت جيفة، وهي بهيمة وليس لها ذنب ؟ ولو وضعت أو زارك على الجبال الراسيات لهدتها. داود ! وعزتي ماشئ أضر عليكم من أموالكم و أولادكم، ولا أشده في قلوبكم فتنة منها، والعمل الصالح عندي مرفوع، وأنا بكل شئ محيط. سبحان خالق النور. وفي السورة الثالثة والعشرين: يا بني الطين والماء المهين، (1) وبني الغفلة والغرة لا تكثروا الالتفات إلى ما حرمت عليكم، فلو رأيتم مجاري الذنوب لاستقذرتموه، ولو رأيتم العطرات (2) قد عوفين من هيجان الطبائع، فهن الراضيات فلا يسخطن أبدا، وهن الباقيات فلا يمتن أبدا، كلما اقتضها (3) صاحبها رجعت بكرا، أرطب من الزبد، وأحلى من العسل، بين السرير والفراش أمواج تتلاطم من الخمر والعسل، كل نهر ينفذ من آخر ويحك إن هذا لهو الملك الاكبر، والنعيم الاطول، والحياة الرغدة، والسرور الدائم، والنعيم الباقي، عندي الدهر كله، وأنا العزيز الحكيم، سبحان خالق النور. وفي الثلاثين: (4) بني آدم رهائن الموتى، (5) اعملوا لآخرتكم واشتروها بالدنيا ولا تكونوا كقوم أخذوها لهوا ولعبا، واعلموا أن من قارضني نمت بضاعته وتوفر ربحها،
(1) في المصدر: يا ابن الماء والطين. (2) في المصدر: ولو رأيتم الخطوات الالوان أجسامهن مسكا توقل الجارية في كل ساعة بسبعين حلة قد عوفين من هيجان الطبائع فهن الراضيات فلا يسخطن أبدا اه قلت: هكذا في المصدر، و هو كما ترى فيه تصحيفات. قوله: (قد عوفين من هيجان الطبائع) لعله اراد بذلك سلامتهن من عادات النساء وما يعرض لهن من الاسقام والادواء. (3) في المصدر: افتضها بالفاء. وهما بمعنى واحد أي كلما ازال بكارتهن. (4) في المصدر: ” وفي السورة الثلاثين ” وكذا فيما يأتي. (5) في المصدر: رهائن الموت وهو الصحيح، والرهائن جمع الرهينة، أي الموت لازم لهم فشبههم في لزومه لهم وعدم انفكاكه منهم بالرهن في يد المرتهن.
[ 47 ]
ومن قارض الشيطان قرن معه، مالكم تتنافسون في الدنيا وتعدلون عن الحق، غرتكم أحسابكم، فما حسب امرئ خلق من الطين ؟ إنما الحسب عندي هو التقوى، بني آدم ! إنكم وما تعبدون من دون الله في نار جهنم، أنتم مني برآء، وأنا منكم برئ، لا حاجة لي في عبادتكم حتى تسلموا إسلاما مخلصا وأنا العزيز الحكيم، سبحان خالق النور. (1) وفي السادسة والاربعين: بني آدم ! لا تستخفوا بحقي فأستخف بكم في النار، إن أكلة الربا تقطع أمعاؤهم وأكبادهم، إذا ناولتم الصدقات فاغسلوها بماء اليقين، فإني أبسط يميني قبل يمين الآخذ، فإذا كانت من حرام حذفت بها في وجه المتصدق، وإن كانت من حلال قلت: ابنوا له قصورا في الجنة، وليست الرئاسة رئاسة الملك، إنما الرئاسة رئاسة الآخرة، سبحان خالق النور. وفي السابعة والاربعين: أتدري يا داود لم مسخت بني إسرائيل فجعلت منهم القردة والخنازير ؟ لانهم إذا جاء الغني بالذنب العظيم ساهلوه، وإذا جاء المسكين بأدنى منه انتقموا منه، وجبت لعنتي على كل متسلط في الارض لا يقيم الغني والفقير بأحكام واحدة إنكم تتبعون الهوى في الدنيا، (2) أين المفر مني إذا تخليت بكم ؟ كم قد نهيتكم عن الالتفات إلى حرم المؤمنين ؟ وطالت ألسنتكم (3) في أعراض الناس، سبحان خالق النور
(1) في المصدر هنا زيادات لعلها اسقطت عن النساخ، أو كانت نسخة سعد السعود الموجودة عند المصنف ناقصة، وهي: وفي السورة السادسة والثلاثين: ثياب العاصي ثقال على الابدان ووسخ على الوجه، والوسخ ينقطع بالماء، ووسخ الذنوب لا ينقطع الا بالمغفرة، طوبى للذين كان باطنهم أحسن من ظاهرهم، ومن كانت له ودائع فرح بها يوم الازفة، ومن عمل بالمعاصي و أسرها من المخلوقين لم يقدر على اسرارها منى، قد أوفيتكم ما وعدتكم من طيبات الرزق، ونبات البر، وطير السماء، ومن جميع الثمرات، ورزقتكم ما لم تحتسبوا، وذلك كله على الذنوب، معشر الصوام بشر الصائمين بمرتبة الفائزين، وقد انزلت على اهل التوراة بما انزلت عليكم، داود ! سوف تحرف كتبي، ويفترى علي كذبا، فمن صدق بكتبي ورسلي فقد أنجح وأفلح وأنا العزيز سبحان خالق النور، انتهى. (2) في نسخة: هب انكم تتبعون الهوى في الدنيا فاين المفر مني. (3) في المصدر: وأطالت ألسنتكم. قلت: لعل الصواب: واطالة السنتكم.
[ 48 ]
وفي الخامسة والستين: أفصحتم في الخطبة وقصرتم في العمل، فلو أفصحتم في العمل وقصرتم في الخطبة لكان أرجى لكم، ولكنكم عمدتم إلى آياتي فاتخذتموها هزءا، وإلى مظالمي فاشتهرتم بها، وعلمتم أن لا هرب مني، وأمنتم فجائع الدنيا. (1) داود ! اتل على بني إسرائيل نبأ رجل دانت له أقطار الارض حتى استوى، (2) وسعى في الارض فسادا، وأخمد الحق وأظهر الباطل، وعمر الدنيا، وحصن (3) الحصون، و حبس الاموال، فبينما هو في غضارة (4) دنياه إذ أوحيت إلى زنبور يأكل لحمة خده، و يدخل وليلدغ الملك، فدخل الزنبور وبين يديه ستاره ووزراؤه وأعوانه فضرب خده فتورمت وتفجرت منه أعين دما وقيحا، فثير عليه بقطع من لحم (5) وجهه حتى كان كل من يجلس عنده شم منم نتنا عظيما، (6) حتى دفن جثة بلا رأس، فلو كان للآدميين عبرة تردعهم لردعتهم، ولكن اشتغلوا بلهو الدنيا ولعبهم، فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يأتيهم أمري ولا أضيع أجر المحسنين، سبحان خالق النور. (7) أقول: سيأتي سائر ما نقلنا من الزبور وسائر حكم داود عليه السلام في كتاب المواعظ إن شاء الله تعالى.
(1) في المصدر: وأسستم فجائع الدنيا. (2) أي حتى استولى وظهر عليها. (3) حصن المكان: جعله حصينا. (4) الغضارة: النعمة وطيب العيش. السعة والخصب. (5) في المصدر: ويقطع من لحم وجهه. (6) في المصدر: فكل من جلس عنده شم من دماغه نتنا عظيما. (7) سعد السعود: 47 – 51، وفي المصدر له ذيل فيه مواعظ لم يذكره المصنف.
[ 49 ]
(باب 4) * (قصة أصحاب السبت) * الايات، البقرة: ” 2 ” قال الله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين * فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين 55 و 66. النساء ” 4 ” أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت 47 ” وقال تعالى “: وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا 154. الاعراف ” 7 ” وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون * وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين 163 – 166. النحل ” 16 ” إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون 124. تفسير: قيل: المعنى: إنما جعل السبت لعنة ومسخا على الذين اختلفوا فيه فحرموه ثم استحلوه فمسخهم، وقيل: أي إنما فرض تعظيم السبت على الذين اختلفوا في أمر الجمعة وهم اليهود، وكانوا قد أمروا بتعظيم الجمعة فعدلوا عما أمروا به، وقيل: المختلفون هم اليهود والنصارى، قال بعضهم: السبت أعظم الايام لانه سبحانه فرغ فيه من خلق الاشياء، وقال آخرون: بل الاحد أعظم لانه ابتدأ خلق الاشياء فيه، ويؤيد الوسط ما سيأتي من الخبر.
[ 50 ]
1 – ع: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن عبد الله بن محمد الحجال، عن علي بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن اليهود أمروا بالامساك يوم الجمعة فتركوا يوم الجمعة وأمسكوا يوم السبت، فحرم عليهم الصيد يوم السبت. (1) شى: عن علي بن عقبة مثله. (2) 2 – فس: إن أصحاب السبت قد كان أملى الله لهم حتى أثروا (3) وقالوا: إن السبت لنا حلال، وإنما كان حرم على أولينا، وكانوا يعاقبون على استحلالهم السبت، فأما نحن فليس علينا حرام، (4) ومازلنا بخير منذ استحللنا، وقد كثرت أموالنا وصحت أبداننا، ثم أخذهم الله ليلا وهم غافلون. (5) 3 – كا: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن علي الهمداني، عن سماعة ابن مهران، عن الكلبي النسابة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجري (6) فقال: إن الله عزوجل مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحرا فهو الجري والزمير (7) والمارماهي وما سوى ذلك، وما أخذ منهم برا فالقردة والخنازير والوبر (8) والورل وما سوى ذلك. (9) بيان: قال الجوهري: الورل: دابة مثل الضب. 4 – كا: علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن
(1) علل الشرائع: 35. (2) تفسير العياشي مخطوط. (3) أملى لهم أي امهلهم. (4) هكذا في النسخ والمصدر، وفي البرهان: فليس علينا حراما. (5) تفسير القمي: 168. (6) الجرى: نوع من السمك النهري الطويل المعروف بالحنكليس ويدعونه في مصر ثعبان الماء وليس له عظم الا عظم الرأس والسلسلة. (7) الزمير: نوع من السمك له شوك ناتئ على ظهره، واكثر ما يكون في المياه العذبة. (8) الوبر: دويبة كالسنور لكنها أصغر منه وهى قصير الذنب والاذنين. (9) فروع الكافي 2: 145.
[ 51 ]
مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال: فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا، والشرعة والمنهاج سبيل وسنة، (1) وكان من السبيل والسنة التي أمر الله عز وجل بها موسى أن جعل عليهم السبت، وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت أدخلها الله الجنة، (2) ومن استخف بحقه واستحل ما حرم الله عليه من العمل الذي نهى الله عنه فيه أدخله الله عزوجل النار، وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت غضب الله عليهم من غير أن يكون (3) أشركوا بالرحمن ولا شكوا في شئ مما جاء به موسى عليه السلام، قال الله عزوجل: ” ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ” الخبر. (4) 5 – فس: ” واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ” فإنها قرية كانت لبني إسرائيل قريبة من البحر، وكان الماء يجري عليها في المد والجزر، فيدخل أنهارهم وزروعهم ويخرج السمك من البحر حتى يبلغ آخر زروعهم، وقد كان الله حرم عليهم الصيد (5) يوم السبت فكانوا يضعون الشباك في الانهار ليلة الاحد، ويصيدون بها السمك، وكان السمك يخرج يوم السبت ويوم الاحد لا يخرج وهو قوله: ” إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ” فنهاهم علماؤهم عن ذلك فلم ينتهوا فمسخوا قردة وخنازير، وكان العلة
(1) اختصره المصنف. (2) هكذا في المطبوع، والنسخ المخطوطة التي عندنا خالية عن الحديث رأسا، والموجود في الكافي ومرآت العقول والبرهان هكذا: ” وكان من اعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله أدخله الله الجنة ” وهذا هو الصحيح فقوله: (من قوم ثمود) لعله كانت نسخة المصنف فيها ذلك أو وهم النساخ فزادوا في العبارة ذلك من الحديث الاتي. (3) الصحيح كما في المصدر: من غير أن يكونوا. (4) اصول الكافي: 2: 28 و 29. (5) في المصدر: وقد كان الله قد حرم عليهم الصيد.
[ 52 ]
في تحريم الصيد عليهم يوم السبت أن عيد جميع المسلمين وغيرهم كان يوم الجمعة، فخالف اليهود وقالوا: عيدنا السبت، (1) فحرم الله عليهم الصيد يوم السبت، ومسخوا قردة وخنازير. حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: وجدنا في كتاب علي عليه السلام أن قوما من أهل أبلة (2) من قوم ثمود، وأن الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت (3) ليختبر الله طاعتهم في ذلك، فشرعت إليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم، فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها ولبثوا في ذلك ما شاء الله، لا ينهاهم عنها الاحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها، ثم إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم أنما نهيتم عن أكلها يوم السبت ولم تنهوا عن صيدها، (4) فاصطادوا يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الايام، (5) فقالت طائفة منهم: الآن نصطادها، (6) فعتت وانحازت طائفة أخرى منهم ذات اليمين، فقالوا: ننهاهم (7) عن عقوبة الله أن تتعرضوا بخلاف أمره، واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار
(1) في المصدر: عيدنا يوم السبت. (2) هكذا في النسخ، وفي المصدر: أيكة، وكلاهما مصحفان، والصحيح كما في سعد السعود وفى البرهان نقلا عن تفسير القمى والعياشي ” أيلة ” قال ياقوت: ايلة بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام، قال أبو زيد: أيلة مدينة صغيرة عامرة بها زرع يسير، وهى مدينة لليهود الذين حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير. (3) هكذا في نسخ وفى المصدر، وفى سعد السعود: فان الحيتان كانت قد سبقت لهم يوم السبت ولعل الصحيح كما في نسختين: أن قوما من اهل أيلة من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت قوله: (من قوم ثمود) أي من ذريتهم وأخلافهم. (4) في التفسير: انما نهيتكم عن أكلها يوم السبت فانتهيتم عن صيدها ؟ (5) في التفسير وسعد السعود: وأكلوها فيما سوى ذلك من الايام. (6) في سعد السعود: لا الا أن نصطادها. (7) في التفسير وفي نسخة: ننهاكم، وفي التفسير: لخلاف أمره. وفي سعد السعود: فقالوا: الله الله ننهاكم. وفيه أيضا لخلاف أمره.
[ 53 ]
فتنكبت (1) فلم تعظهم، فقالت للطائفة التي وعظتهم: ” لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ” فقالت الطائفة التي وعظتهم: ” معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ” قال: فقال الله عزوجل: ” فلما نسوا ما ذكروا به ” يعني لما تركوا ما وعظوا به ومضوا على الخطيئة، فقالت الطائفة التي وعظتهم: لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم، قال: فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء، فلما أصبح أولياء الله المطيعون لامر الله غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها حس أحد، فوضعوا سلما على سور المدينة ثم أصعدوا رجلا منهم فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون، فقال الرجل لاصحابه: يا قوم أرى والله عجبا، قالوا: وما ترى ؟ قال: أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون، لها أذناب، فكسروا الباب، قال: فعرفت القردة أنسابها من الانس، (2) ولم تعرف الانس أنسابها من القردة، فقال القوم للقردة: ألم ننهكم ؟ فقال علي عليه السلام: والله الذي فلق الحبة و برأ النسمة إني لاعرف أنسابها (3) من هذه الامة لا ينكرون ولا يغيرون (4) بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا، وقد قال الله تعالى: ” فبعدا للقوم الظالمين ” فقال الله: ” أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون “. (5) توضيح: قوله: (ليلة الاحد) أي لئلا يرجع ما أتاهم يوم السبت، لكنه مخالف لسائر الروايات والسير، والظاهر أن فيه سقطا، ولعله كان هكذا: ليلة السبت ويصطادون يوم الاحد. قوله عليه السلام: (إني لاعرف أنسابها) أي أشباهها مجازا، أي أعرف جماعة من هذه الامة أشباه الطائفة الذين لم ينهوا عن المنكر حتى مسخوا، ويحتمل أن يكون
(1) تنكب عنه: عدل. وفى المصدرين: فسكتت. (2) في سعد السعود: ولهم أذناب، فكسروا الباب، ودخلوا المدينة، قال: فعرف القردة اشباهها من الانس، ولم تعرف الانس اشباهها من القردة. (3) في سعد السعود: أشباهها. (4) في سعد السعود: ولا يقرون. (5) تفسير القمي: 226 – 228.
[ 54 ]
سماهم أنسابهم لتناسب طيناتهم، ولا يبعد أن يكون في الاصل أشباههم، (1) ويمكن إرجاع الضمير إلى هذه الامة لكنه أبعد وأشد تكلفا. أقول: قال السيد ابن طاوس: رأيت في تفسير أبي العباس بن عقدة أنه روى عن علي بن الحسن، عن عمرو بن عثمان، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام مثله. (2) ثم قال: إني وجدت في نسخة حديث غير هذا أنهم كانوا ثلاث فرق: فرقة باشرت المنكر وفرقة أنكرت عليهم وفرقة داهنت أهل المعاصي فلم تنكر ولم تباشر المعصية، فنجى الله الذين أنكروا، وجعل الفرقة المداهنة ذرا، ومسخ الفرقة المباشرة للمنكر قردة. ثم قال: ولعل مسخ المداهنة ذرا لتصغيرهم عظمة الله وتهوينهم بحرمة الله فصغرهم الله. (3) ص: بالاسناد، عن الصدوق، عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة مثله مع اختصار. (4) شى: عن أبي عبيدة مثله. (5) 6 – كا: العدة، عن سهل، عن عمرو بن عثمان، عن عبد الله بن المغيرة، عن طلحة ابن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ” فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء ” فقال: كانوا ثلاثة أصناف: صنف ائتمروا وأمروا فنجوا، وصنف ائتمروا ولم يأمروا فمسخوا ذرا، وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا. (6) بيان: لعل المراد بهلاكهم صيرورتهم قردة. 7 – ص: بهذا الاسناد، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى:
(1) وقد عرفت أنه كان كذلك في سعد السعود. (2) سعد السعود: 118 – 119. (3) سعد السعود: 119 وقد ذكر المصنف معنى قول ابن طاوس راجعه. (4) قصص الانبياء مخطوط. (5) تفسير العياشي مخطوط، اخرجه البحراني ايضا في البرهان 2: 43. (6) روضة الكافي: 158.
[ 55 ]
” لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ” فقال: الخنازير على لسان داود عليه السلام والقردة على لسان عيسى عليه السلام وقال: إن اليهود أمروا بالامساك يوم الجمعة فتركوا وأمسكوا يوم السبت فحرم عليهم الصيد يوم السبت، فعمد رجال من سفهاء القرية فأخذوا من الحيتان ليلة السبت وباعوا، ولم ينزل بهم عقوبة فاستبشروا وفعلوا ذلك سنين، فوعظهم طوائف فلم يسمعوا وقالوا: ” لم تعظون قوما الله مهلكهم فأصبحوا قردة خاسئين “. (1) 8 – شى: عن عبد الصمد بن برار (2) قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: كانت القردة هم اليهود الذين اعتدوا في السبت فمسخهم الله قرودا. (3) 9 – شى: عن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في قوله: ” فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ” قال: لما معها ينظر إليها من أهل القرى، ولما خلفها قال: نحن ولنا فيها موعظة. (4) بيان: هذا أحد الوجوه التي ذكرت في تفسير الآية مرويا عن ابن عباس وغيره وقيل: أي عقوبة للذنوب التي تقدمت على الاصطياد، والذنوب التي تأخرت عنه، وقيل لما بين يديها من القرى، وما خلفها من القرى، وسيأتي تأويل آخر عن العسكري عليه السلام. 10 – شى: عن الاصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كانت مدينة حاضرة البحر فقالوا لنبيهم: إن كان صادقا فليحولنا ربنا جريثا، (5) فإذا المدينة في وسط البحر قد غرقت من الليل، وإذا كل رجل منهم مسوخا جريثا يدخل الراكب في فيها. (6) 11 – شى: عن هارون بن عبد العزيز (7) رفعه إلى أحدهم عليهم السلام قال: جاء قوم إلى
(1) قصص الانبياء مخطوط. (2) هكذا في نسخ وفى البرهان، وفى نسخة: عبد الصمد بن مرار، وذكر المامقاني عن رجال الشيخ: عبد الصمد بن مداد، ولم اتحقق صحيحه. (3 و 4) تفسير العياشي مخطوط، أخرجهما أيضا البحراني في البرهان 1: 105. (5) الجريث: نوع من السمك. (6) تفسير العياشي مخطوط، أخرجه البحراني أيضا في البرهان 2: 43. (7) في نسخة: عن هارون بن عبد.
[ 56 ]
أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وقالوا له: يا أمير المؤمنين إن هذه الجراري (1) تباع في أسواقنا، قال: فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام ضاحكا، ثم قال: قوموا لاريكم عجبا، ولا تقولوا في وصيكم إلا خيرا، فقاموا معه فأتوا شاطئ الفرات فتفل فيه تفلة وتكلم بكلمات فإذا بجريثة رافعة رأسها، فاتحة فاها، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: من أنت ؟ الويل لك ولقومك، فقال: نحن من أهل القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يقول الله في كتابه: إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ” الآية، فعرض الله علينا ولايتك فقعدنا عنها فمسخنا الله، فبعضنا في البر وبعضنا في البحر، فأما الذين في البحر فنحن الجراري، وأما الذين في البر فالضب واليربوع. قال: ثم التفت أمير المؤمنين إلينا فقال: أسمعتم مقالتها ؟ قلنا: اللهم نعم، قال: والذي بعث محمدا بالنبوة لتحيض كما تحيض نساؤكم. (2) 12 – فس: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: ” إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ” الآية، وذلك أن موسى أمر قومه أن يتفرغوا لله في كل سبعة أيام يوما يجعله الله عليهم، وهم الذين اختلفوا فيه. (3) 13 – م: قال الله تعالى: ” ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ” لما اصطادوا السمك فيه ” فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ” مبعدين عن كل خير ” فجعلناها ” تلك المسخة (4) التي أخزيناهم ولعناهم بها ” نكالا ” عقابا وردعا ” لما بين يديها ” بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات التي استحقوا بها العقوبات ” وما خلفها ” للقوم الذين شاهدوهم بعد مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لما شاهدوا ماحل بهم من عقابنا ” وموعظة للمتقين ” الذين يتعظون بها فيفارقون المخزيات (5) ويعظون بها الناس ويحذرونهم المرديات. وقال علي بن الحسين عليهما السلام: كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر نهاهم الله و أنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت، فتوسلوا إلى حيلة ليحلوا بها لانفسهم ما حرم
(1) في البرهان: هذه الجريث. (2) تفسير العياشي مخطوط. اخرج البحراني الحديث أيضا في البرهان 2: 44. (3) تفسير القمي: 367. (4) في المصدر: أي جعلنا تلك المسخة. (5) في نسخة: فيفارقون المحرمات.
[ 57 ]
الله، فخدوا أخاديد (1) وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع، (2) فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله لها فدخلت في الاخاديد وحصلت في الحياض والغدران، (3) فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن صائدها (4) فرامت الرجوع فلم تقدروا، فبقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد (5) لاسترسالها فيه وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها، فكانوا (6) يأخذونها يوم الاحد، ويقولون: ما اصطدنا في السبت، وإنما اصطدنا في الاحد، (7) وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم وتنعموا بالنساء (8) وغيرهن لاتساع أيديهم به، فكانوا في المدينة (9) نيفا وثمانين ألفا، فعل هذا منهم سبعون ألفا، (10) وأنكر عليهم الباقون، كما نص الله تعالى: ” واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت ” الآية، وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم عذاب الله (11) وخوفوهم من انتقامه وشديد بأسه وحذروهم فأجابوهم عن وعظهم: ” لم تعظون قوما الله مهلكهم ” بذنوبهم هلاك الاصطلام ” أو معذبهم عذابا شديدا ” فأجابوا القائلين هذا لهم: ” معذرة إلى ربكم ” هذا القول منا لهم (12) معذرة إلى ربكم إذ كلفنا الامر بالمعروف و
(1) خد الارض: شقها. والاخاديد جمع الاخدود: الحفرة المستطيلة. (2) في المصدر: إذا همت بالرجوع منها إلى اللجج. (3) الغدران بالضم جمع الغدير. (4) في المصدر: لتأمن من صائدها. (5) في المصدر: يتهيأ أخذها يوم الاحد بلا اصطياد. (6) في نسخة: وكانوا. (7) في نسخة: وانا اصطدنا في الاحد. (8) في نسخة من المصدر: وتتمتعوا بالنساء. (9) في المصدر: وكانوا في المدينة. (10) في نسخة: فعمل هذا منهم سبعون الفا. (11) في المصدر: وزجروهم من عذاب الله. (12) في المصدر: هذا القول منا لكم. (*)
[ 58 ]
النهي عن المنكر، فنحن ننهي عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهم، (1) قالوا: ” ولعلهم يتقون ” ونعظهم أيضا لعلهم تنجع فيهم المواعظ فيتقوا هذه الموبقة ويحذروا عقوبتها، قال الله تعالى: ” فلما عتوا ” حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم الزجر ” عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ” مبعدين عن الخير مقصين. (2) قال: فلما نظر العشرة آلاف والنيف أن السبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم ولا يحفلون (3) بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم وقالوا: إنا نكره أن ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم، فأمسوا ليلة فمسخهم الله كلهم قردة، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منهم أحد، ولا يدخل عليهم أحد، (4) وتسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم وتسنموا حيطان البلد (5) فأطلعوا عليهم فإذا كلهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم، يقول المطلع لبعضهم: أنت فلان ؟ أنت فلان ؟ فتدمع عينه ويؤمي برأسه أن نعم، (6) فما زالوا كذلك ثلاثة أيام، ثم بعث الله عليهم مطرا وريحا فجرفتهم إلى البحر، (7) وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام، وأما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فإنما هي أشباهها، لاهي بأعيانها ولا من نسلها. ثم قال علي بن الحسين عليهما السلام: إن الله مسخ هؤلاء لاصطيادهم السمك، فكيف ترى عند الله عزوجل حال من قتل أولاد رسول الله وهتك حرمته ؟ ! (8) إن الله تعالى وإن لم
(1) في المصدر: مخالفتنا لكم وكراهتنا لفعلكم. قلت: ولعل ما في المتن أصح وكانوا يخاطبون فرقة اخرى غير الذين اعتدوا في السبت. (2) مقصين أي مبعدين، وفي البرهان: مقصرين. (3) أي لا يبالون به ولا يهتمون له. (4) في المصدر: فمسخهم الله كلهم قردة خاسئين، وبقى باب المدينة مغلقا (مغلقة خ ل) لا يخرج منه احد، ولا يدخله احد. (5) تسنم الشئ: علاه وركبه. (6) في المصدر: ويؤمى برأسه بلا أو نعم. (7) أي ذهبت بهم إلى البحر. (8) في المصدر: وهتك حريمه.
[ 59 ]
يمسخهم في الدنيا فإن المعدلهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ. ثم قال عليه السلام: أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح فعالهم سألوا ربهم بجاه محمد وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله عزوجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم، ولكن الله عزوجل لم يلهمهم ذلك ولم يوفقهم له فجرت معلومات الله فيهم على ما كان سطر في اللوح المحفوظ. (1) بيان: قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله تعالى: ” ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت “: أي الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم السبت، وكانت الحيتان تجتمع في يوم السبت لامنها فحبسوها في السبت وأخذوها في الاحد، فاعتدوا في السبت، أي ظلموا وتجاوزوا ماحد لهم لان صيدها هو حبسها. وروي عن الحسن أنهم اصطادوا يوم السبت مستحلين بعد مانهوا عنه. ” فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ” هذا إخبار عن سرعة مسخه إياهم، لا أن هناك أمرا، ومعناه: جعلناهم قردة، كقوله: ” فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها “. (2) قال ابن عباس: فمسخهم الله عقوبة لهم، وكانوا يتعاوون وبقوا ثلاثة أيام لم يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا، ثم أهلكهم الله تعالى وجاءت ريح فهبت بهم فألقتهم في الماء، وما مسخ الله أمة إلا أهلكها، فهذه القردة والخنازير ليست من نسل أولئك، ولكن مسخ أولئك على صورة هؤلاء يدل عليه إجماع المسلمين على أنه ليس في القردة والخنازير من هو من أولاد آدم، ولو كانت من أولاد الممسوخين لكانت من بني آدم. وقال مجاهد: لم يمسخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله كما قال: ” كمثل الحمار يحمل أسفارا ” (3) وحكي عنه أيضا أنه قال: مسخت قلوبهم، فجعلت كقلوب القردة لا تقبل وعظا ولا تتقي زجرا، وهذان القولان يخالفان الظاهر الذي أكثر المفسرين عليه من غير ضرورة تدعو إليه.
وقوله: ” خاسئين ” أي مبعدين عن الخير، وقيل: أذلاء صاغرين مطرودين. (1) وقال رحمه الله في قوله تعالى: ” واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ” أي مجاورة البحر وقريبة منه وهي أبلة (2) عن ابن عباس، وقيل: هي مدين، عنه أيضا، وقيل: الطبرية، عن الزهري ” إذ يعدون في السبت ” أي يظلمون فيه بصيد السمك، و يتجاوزون الحد في أمر السبت ” إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ” أي ظاهرة على وجه الماء، عن ابن عباس، وقيل: متتابعة، عن الضحاك، وقيل: رافعة رؤوسها، قال الحسن: كانت تشرع إلى أبوابهم مثل الكباش البيض لانها كانت آمنة يومئذ ” ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ” أي ويوم لا يكون السبت كانت تغوص في الماء. واختلف في أنهم كيف اصطادوا فقيل: إنهم ألقوا الشبكة في الماء يوم السبت حتى كان يقع فيها السمك، ثم كانوا لا يخرجون الشبكة من الماء إلا يوم الاحد وهذا تسبب محظور، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس: اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها ولا يمكنها الخروج منها فيأخذونها يوم الاحد، وقيل: إنهم اصطادوها وتناولوها باليد في يوم السبت ” كذلك نبلوهم ” أي مثل ذلك الاختبار الشديد نختبرهم ” بما كانوا يفسقون ” أي بفسقهم وعصيانهم، وعلى المعنى الآخر لا تأتيهم الحيتان مثل ذلك الاتيان الذي كان منها يوم السبت، ثم استأنف فقال: ” نبلوهم “. ” وإذ قالت أمة ” أي جماعة منهم أي من بني إسرائيل الذين لم يصطادوا وكانوا ثلاث فرق: فرقة قانصة، (3) وفرقة ساكتة، وفرقة واعظة، فقال الساكتون للواعظين الناهين: ” لم تعظون قوما الله مهلكهم ” أي يهلكهم الله. ولم يقولوا ذلك كراهية لوعظهم ولكن لاياسهم أن يقبل هؤلاء القوم الوعظ، فإن الامر بالمعروف إنما يجب عند عدم اليأس عن القبول، عن الجبائي، ومعناه: ما ينفع الوعظ ممن لا يقبل، والله مهلكهم في الدنيا بمعصيتهم ” أو معذبهم عذابا شديدا ” في الآخرة ” قالوا ” أي قال الواعظون في جوابهم
(1) مجمع البيان 1: 129. (2) في المصدر: ” أيلة ” وهو الصحيح كما استظهرنا قبلا. (3) من قنص الطير: صاده.
[ 61 ]
” معذرة إلى ربكم ” معناه: موعظتنا إياهم معذرة إلى الله، وتأدية لفرضه في النهي عن المنكر لئلا يقول لنا: لم لم تعظوهم، ولعلهم بالوعظ يتقون ويرجعون ” فلما نسوا ما ذكروا به ” أي فلما ترك أهل القرية ما ذكرهم الواعظون به ولم ينتهوا عن ارتكاب المعصية بصيد السمك ” أنجينا الذين ينهون عن السوء ” أي خلصنا الذين ينهون عن المعصية ” وأخذنا الذين ظلموا أنفسهم بعذاب بئيس ” أي شديد ” بما كانوا يفسقون ” أي بفسقهم وذلك العذاب لحقهم قبل أن مسخوا قردة، عن الجبائي، ولم يذكر حال الفرقة الثالثة هل كانت من الناجية أو من الهالكة. وروي عن ابن عباس فيهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنه نجت الفرقتان وهلكت الثالثة وبه قال السدي. والثاني: أنه هلكت الفرقتان ونجت الفرقة الناهية وبه قال ابن زيد، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام. والثالث: التوقف فيه، روي عن عكرمة، قال: دخلت على ابن عباس وبين يديه المصحف وهو يبكي ويقرأ هذه الآية، ثم قال: قد علمت أن الله تعالى أهلك الذين أخذوا الحيتان، وأنجا الذين نهوهم، ولم أدر ما صنع بالذين لم ينهوهم ولم يواقعوا المعصية، وهذا حالنا، واختاره الجبائي، وقال الحسن: إنه نجا الفرقة الثالثة لانه ليس شئ أبلغ في الامر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وهم قد ذكروا الوعيد فقالوا: ” الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ” وقال: قتل المؤمن أعظم والله من أكل الحيتان (1) ” فلما عتوا عما نهوا عنه ” أي عن ترك ما نهوا عنه، يعني لم يتركوا ما نهوا عنه وتمردوا في الفساد والجرأة على المعصية وأبوا أن يرجعوا عنها ” قلنا لهم كونوا قردة ” أي جعلناهم قردة ” خاسئين ” مبعدين مطرودين، وإنما ذكر ” كن ” ليدل على أنه سبحانه لا يمتنع عليه شئ، وأجاز الزجاج أن يكون قيل لهم ذلك بكلام سمعوه فيكون ذلك أبلغ في الآية النازلة بهم، وحكي ذلك عن أبي الهذيل، قال قتادة: صاروا قردة لها أذناب تعاووا بعد أن كانوا رجالا ونساء، وقيل: إنهم بقوا ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس ثم هلكوا ولم يتناسلوا، عن ابن عباس قال: ولم يمكث مسخ فوق
(1) لعله إشارة إلى ما تقدم عن علي بن الحسين عليهما السلام من قوله: فكيف ترى عند الله عز و جل حال من قتل أولاد رسول الله وهتك حريمه ؟.
[ 62 ]
ثلاثة أيام، وقيل: عاشوا سبعة أيام ثم ماتوا، عن مقاتل، وقيل: إنهم توالدوا، عن الحسن، وليس بالوجه، لان من المعلوم أن القردة ليست من أولاد آدم، كما أن الكلاب ليست منهم، ووردت الرواية عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تعالى لم يمسخ شيئا فجعل له نسلا وعقبا. القصة: قيل: كانت هذه القصة في زمن داود عليه السلام. وعن ابن عباس قال: أمروا باليوم الذي أمرتم به يوم الجمعة فتركوه واختاروا يوم السبت فابتلوا به، وحرم عليهم فيه الصيد، وأمروا بتعظيمه، فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا حتى لا يرى الماء من كثرتها، فمكثوا كذلك ما شاء الله لا يصيدون، ثم أتاهم الشيطان وقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا الحياض والشبكات فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة، ثم يأخذونها يوم الاحد، وعن ابن زيد قال: أخذ رجل منهم حوتا وربط في ذنبه خيطا وشده إلى الساحل، ثم أخذه يوم الاحد وشواه، فلاموه على ذلك، فلما لم يأته العذاب أخذوا ذلك وأكلوه وباعوه، و كانوا نحوا من اثني عشر ألفا، فصار الناس ثلاث فرق على ما تقدم ذكره، فاعتزلتهم الفرقة الناهية ولم تساكنهم، فأصبحوا يوما ولم يخرج من العاصية أحد فنظروا فإذا هم قردة ففتحوا الباب فدخلوا وكانت القردة تعرفهم وهم لا يعرفونها، فجعلت تبكي فإذا قالوا لهم: ألم ننهكم ؟ قالت برؤوسها: أن نعم، قال قتادة: صارت الشبان قردة، والشيوخ خنازير. (1) 14 – كا: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: ” لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ” قال: الخنازير على لسان داود عليه السلام، والقردة على لسان عيسى ابن مريم عليه السلام. (2)
شى: عن أبي عبيدة مثله. (1) 15 – فس: أبي، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سألته، عن قوم من الشيعة (2) يدخلون في أعمال السلطان ويعملون لهم ويجبون لهم ويوالونهم، (3) قال: ليس هم من الشيعة ولكنهم من أولئك. ثم قرأ أبو عبد الله عليه السلام هذه الآية: ” لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ” إلى قوله: ” ولكن كثيرا منهم فاسقون ” قال: الخنازير على لسان داود، والقردة على لسان عيسى. (4) بيان: اعلم أن تلك الروايات اتفقت على خلاف ما هو المشهور بين المفسرين و المؤرخين من كون المسخ الذي كان في زمان داود عليه السلام بأنهم صاروا قردة، وإنما مسخ أصحاب المائدة خنازير، وقد دل على الجزء الاول قوله تعالى: ” كونوا قردة خاسئين ” والحمل على سهو النساخ مع اتفاق التفسيرين والكافي والقصص عليه بعيد، والحمل على غلط الرواة أيضا لا يخلو من بعد، ويمكن توجيهه بوجهين: الاول أن لا يكون هذا الخبر إشارة إلى قصة أصحاب السبت بل إلى مسخ آخر وقع في زمان داود عليه السلام ولكن خبر القصص يأبى عنه إلا بتكلف بعيد. الثاني أنه يمكن أن يكون مسخهم في الزمانين بالصنفين معا، ويكون المقصود في الآية جعل بعضهم قردة، ويكون التخصيص في الخبر لعدم توهم التخصيص في الآية مع كون الفرد الآخر مذكورا فيها وفي الروايات المشهورة فلا حاجة إلى ذكره ويؤيده أن علي بن إبراهيم ذكر في الموضعين الصنفين معا. وقال البيضاوي: قيل أهل أبلة (5) لما اعتدوا في السبت لعنهم الله على لسان داود فمسخهم قردة وخنازير، وأصحاب المائدة لما كفروا دعا عليهم عيسى ولعنهم فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل انتهى. (6) وقال الثعلبي في أصحاب السبت: قال قتادة:
(1) تفسير العياشي مخطوط. (2) في المصدر: قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قوم من الشيعة. (3) في المصدر: ويؤالفونهم. (4) تفسير القمي: 163. (5) في المصدر: ” أيلة ” وقد عرفت قبلا أنه الصحيح. (6) انوار التنزيل 1: 353.
[ 64 ]
صار الشبان قرودا، والشيوخ خنازير، وما نجا إلا الذين نهوا. (1) ثم اعلم أن الوجهين جاريان في خبري العياشي، أعني رواية ابن نباتة وهارون ابن عبد العزيز (2) بأن يكونا إشارتين إلى قصة أخرى وإن كان متعلقها تلك القرية التي وقعت فيها عقوبة السبت، أو بأن يكونوا مسخوا بتلك الاصناف جميعا بتلك الاسباب كلها. وقال الطبرسي رحمه الله: قيل في معناه أقوال: أحدها أن معناه: لعنوا على لسان داود فصاروا قردة، وعلى لسان عيسى فصاروا خنازير، وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: أما داود فإنه لعن أهل أبلة (3) لما اعتدوا في سبتهم وكان اعتداؤهم في زمانه، فقال: اللهم البسهم اللعنة مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين. فمسخهم الله قردة، وأما عيسى عليه السلام فإنه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة ثم كفروا بعد ذلك. وثانيها ماقاله ابن عباس إنه يريد في الزبور وفي الانجيل، ومعنى هذا أن الله تعالى لعن في الزبور من يكفر من بني إسرائيل، وفي الانجيل كذلك. وثالثها أن يكون عيسى وداود عليهما السلام أعلما أن محمدا نبي مبعوث ولعنا من يكفر به انتهى. (4) والابلة (5) بضم الهمزة والباء المشددة موضع البصرة الآن وهي إحدى الجنات الاربعة.
(1) العرائس: 160. (2) في نسخة: هارون بن عبد. (3) في المصدر: أيلة. (4) مجمع البيان 3: 231. (5) قد عرفت أن الصحيح أيلة، وأكثر المصادر مطبقة عليه.
[ 65 ]
(ابواب) * (قصص سليمان بن داود عليه السلام) * (باب 5) * (فضله ومكارم أخلاقه وجمل أحواله) * الايات، النساء ” 4 ” وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان 163. الانعام ” 6 ” ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان 84. الانبياء ” 21 ” ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الارض التي باركنا فيها كنا بكل شئ عالمين * ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين 81 و 82. النمل ” 27 ” ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين * وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين 15 و 16. سبأ ” 34 ” ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير * يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور 12 و 13. ص ” 38 ” ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب * قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الاصفاد *
[ 66 ]
هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب * وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب 34 – 40. تفسير: قال المفسرون: الارض التي باركنا فيها هي الشام، ووجه وصف الريح تارة بالعاصفة وأخرى بالرخاء بوجوه: الاول: أنها كانت تارة كذا وتارة كذا بحسب إرادته، والثاني: أنها كانت في بدء الامر عاصفة لرفع البساط وقلعه، ثم كانت تصير رخاء عند تسييرها، والثالث: أن العصف عبارة عن سرعة سيرها والرخاوة عن كونها لينة طيبة في نفسها، الرابع: أن الرخاوة كناية عن انقيادها له في كل ما أمرها به. وقال الطبرسي رحمه الله: وقيل: كانت الريح تجري به في الغداة مسيرة شهر، وفي الرواح كذلك، وكان يسكن بعلبك، (1) ويبنى له بيت المقدس، ويحتاج إلى الخروج إليها وإلى غيرها، قال وهب: وكان سليمان يخرج إلى مجلسه فتعكف عليه الطير ويقوم له الانس والجن حتى يجلس على سريره ويجتمع معه جنوده، ثم تحمله الريح إلى حيث أراد. قوله تعالى: ” من يغوصون له ” أي في البحر فيخرجون له الجواهر واللآلي ” و يعملون عملا دون ذلك ” أي سوى ذلك من الابنية كالمحاريب والتماثيل وغيرهما ” وكنا لهم حافظين ” لئلا يهربوا منه ويمتنعوا عليه، وقيل: من أن يفسدوا ما عملوه. (2) قوله: ” علما ” قال: أي بالقضاء بين الخلق وبكلام الطير والدواب ” وورث سليمان ” فيه دلالة على أن الانبياء يورثون المال كتوريث غيرهم، وقيل: إنه ورثه علمه ونبوته وملكه دون سائر أولاده، (3) والصحيح عند أهل البيت عليهم السلام هو الاول ” علمنا منطق الطير ” أهل العربية يقولون: لا يطلق النطق على غير بني آدم، وإنما يقال الصوت،
(1) بعلبك بالفتح ثم السكون وفتح اللام والباء ثم الكاف مشددة: مدينة قديمة فيها ابنية عجيبة وآثار عظيمة وقصور على أساطين الرخام لا نظير لها في الدنيا، بينها وبين دمشق ثلاثة ايام، و قيل: اثنا عشر فرسخا من جهة الساحل، وهو اسم مركب من بعل – اسم صنم – وبك، اما اسم رجل أو جعلوه يبك الاعناق اي يدقها. قاله ياقوت. (2) مجمع البيان 7: 59. (3) في المصدر: ومعنى الميراث هنا انه قام مقامه في ذلك فاطلق عليه اسم الارث كما اطلق على الجنة اسم الارث، عن الجبائي، وهذا خلاف للظاهر، والصحيح اه.
[ 67 ]
لان النطق عبارة عن الكلام ولا كلام للطير إلا أنه لما فهم سليمان معنى صوت الطير سماه منطقا مجازا، وقيل: إنه أراد حقيقة المنطق لان من الطير ماله كلام يهجي (1) كالطوطي. وقال علي بن عيسى: إن الطير كانت تكلم سليمان معجزة له كما أخبر عن الهدهد، ومنطق الطير صوت يتفاهم به معانيها على صيغة واحدة بخلاف منطق الناس الذي يتفاهمون به المعاني على صيغ مختلفة، ولذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها، ولم تفهم هي عن الان أفهامها مقصورة على تلك الامور المخصوصة، ولما جعل سليمان يفهم عنها كان قد علم منطقها ” وأوتينا من كل شئ ” أي من كل شئ يؤتى الانبياء والملوك وقيل: من كل شئ يطلبه طالب لحاجته إليه وانتفاعه به (2) ” حيث أصاب ” أي أراد من النواحي ” والشياطين ” أي وسخرنا له الشياطين ” وآخرين مقرنين في الاصفاد ” أي وسخرنا له آخرين من الشياطين مشددين في الاغلال والسلاسل من الحديد، وكان يجمع بين اثنين وثلاثة منهم في سلسلة لا يمتنعون عليه إذا أراد ذلك بهم عند تمردهم، وقيل: إنه إنما كان يفعل ذلك بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم ” هذا ” أي ما تقدم من الملك ” عطاؤنا فامنن أو أمسك ” أي فأعط من الناس من شئت وامنع من شئت ” بغير حساب ” أي لاتحاسب يوم القيامة على ما تعطي وتمنع. (3) 1 – فس: ” ولسليمان الريح عاصفة ” قال: تجري من كل جانب ” إلى الارض التي باركنا فيها ” قال: إلى بيت المقدس والشام. (4) 2 – ك: القطان، عن السكري، عن الجوهري، عن ابن عمارة، عن أبيه، عن الصادق عليه السلام قال: إن داود عليه السلام أراد أن يستخلف سليمان عليه السلام لان الله عزوجل أوحى إليه يأمره بذلك، فلما أخبر بني إسرائيل ضجوا من ذلك، وقالوا: يستخلف علينا
(1) في المصدر: كلام مهجى. (2) مجمع البيان 7: 214. وفيه: وقيل: من كل شئ علما وتسخيرا في كل ما يصلح ان يكون معلوما لنا أو مسخرا لنا غير ان مخرجه مخرج العموم فيكون ابلغ واحسن. (3) مجمع البيان 8: 477. (4) تفسير القمي: 431 – 432.
[ 68 ]
حدثا (1) وفينا من هو أكبر منه ؟ فدعا أسباط بني إسرائيل فقال لهم: قد بلغتني مقالتكم فأروني عصيكم، فأي عصا أثمرت فصاحبها ولي الامر بعدي، فقالوا: رضينا، وقال: ليكتب كل واحد منكم اسمه على عصاه، فكتبوا ثم جاء سليمان بعصاه فكتب عليها اسمه ثم أدخلت بيتا وأغلق الباب وحرسه رؤوس أسباط بني إسرائيل، فلما أصبح صلى بهم الغداة ثم أقبل ففتح الباب فأخرج عصيهم وقد أورقت عصا سليمان وقد أثمرت، فسلموا ذلك لداود فاختبره بحضرة بني إسرائيل فقال له: يا بني أي شئ أبرد ؟ قال: عفو الله عن الناس، وعفو الناس بعضهم عن بعض، قال: يا بني فأي شئ أحلى ؟ قال: المحبة وهي روح الله في عباده، فافتر (2) داود ضاحكا، فسار به في بني إسرائيل فقال: هذا خليفتي فيكم من بعدي، ثم أخفى سليمان بعد ذلك أمره وتزوج بامرأة واستتر من شيعته ما شاء الله أن يستتر، ثم إن امرأته قالت له ذات يوم: بأبي أنت وأمي ما أكمل خصالك وأطيب ريحك ! ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلا أنك في مؤونة أبي، فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق الله رجوت أن لا يخيبك، فقال لها سليمان: إني والله ما عملت عملا قط ولا أحسنه، فدخل السوق فجال يومه ذلك ثم رجع فلم يصب شيئا، فقال لها: ما أصبت شيئا، قالت: لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا، فلما كان من الغد خرج إلى السوق فجال فيه (3) فلم يقدر على شئ ورجع فأخبرها، فقالت: يكون غدا إن شاء الله، فلما كان في اليوم الثالث مضى حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد فقال له: هل لك أن أعينك وتعطينا شيئا ؟ قال: نعم، فأعانه فلما فرغ أعطاه الصياد سمكتين فأخذهما وحمد الله عزوجل، ثم إنه شق بطن إحداهما فإذا هو بخاتم في بطنها، فأخذه فصيره في ثوبه (4) وحمد الله، وأصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله، وفرحت امرأته بذلك، وقالت له: إني أريد أن تدعو أبوي حتى يعلما أنك قد كسبت، فدعاهما فأكلا معه، فلما فرغوا قال لهم: هل
(1) الحدث: الشاب. (2) افتر الرجل: ضحك ضحكا حسنا. (3) في المصدر: فجال يومه. (4) في المصدر: فصره في ثوبه. أي ربطه في ثوبه.
[ 69 ]
تعرفوني ؟ قالوا: لا والله إلا أنا لم نر خيرا منك، (1) فأخرج خاتمه فلبسه فخر عليه الطير والريح وغشيه الملك، وحمل الجارية وأبويها إلى بلاد إصطخر، واجتمعت إليه الشيعة و استبشروا به، ففرج الله عنهم مما كانوا فيه من حيرة غيبته، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بإذن الله تعالى ذكره، فلم يزل بينهم يختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم، ثم غيب الله عزوجل آصف غيبة طال أمدها، ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله، ثم إنه ودعهم فقالوا له: أين الملتقى ؟ قال: على الصراط، وغاب عنهم ما شاء الله، واشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلط عليهم بخت نصر. (2) أقول: تمام الخبر في باب قصة طالوت. ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن محمد العطار، عن ابن أبان، عن ابن أورمة، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبي الخطاب، عن العبد الصالح مثله إلى قوله: فافتر داود ضاحكا. 3 – ما: الحسين بن إبراهيم القزويني، عن محمد بن وهبان، عن أحمد بن إبراهيم ابن أحمد، عن الحسن بن علي الزعفراني، عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن سليمان عليه السلام لما سلب ملكه خرج على وجهه فضاف رجلا عظيما فأضافه وأحسن إليه، ونزل سليمان منه منزلا عظيما لما رأى من صلاته وفضله، قال: فزوجه بنته، فقال له بنت الرجل (3) حين رأت منه ما رأت: بأبي أنت وأمي ما أطيب ريحك وأكمل خصالك ! لا أعلم فيك خصلة أكرهها إلا أنك في مؤونة أبي، قال: فخرج حتى أتى الساحل فأعان صيادا على ساحل البحر فأعطاه السمكة التي وجد في بطنها خاتمه. (4) 4 – ج: في حديث الزنديق الذي سأل الصادق عليه السلام عن مسائل كان فيما سأله:
(1) في المصدر: الا أنالم نر إلا خيرا منك. (2) كمال الدين: 91 و 93 – 94. (3) الصحيح كما في المصدر: فقالت له بنت الرجل. (4) المجالس: 57.
[ 70 ]
كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود عليه السلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم ؟ قال عليه السلام: غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق غذاؤهم التنسم، (1) والدليل على ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلا بسلم أو سبب. (2) 5 – كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه أو غيره، عن سعد بن سعد عن الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن عليه السلام قال: كان لسليمان بن داود عليه السلام ألف امرأة في قصر واحد ثلاث مائة مهيرة، (3) وسبعمائة سرية. (4) 6 – كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أول من اتخذ السكر سليمان بن داود عليه السلام. (5) 7 – ص: الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام ابن سالم، عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان ملك سليمان مابين الشامات إلى بلاد إصطخر. (6) 8 – دعوات الراوندي: قال الصادق عليه السلام: كان سليمان عليه السلام يطعم أضيافه اللحم بالحواري وعياله الخشكار، ويأكل هو الشعير غير منخول. (7) بيان: الخبز الحواري: الذي نخل مرة بعد مرة. (8) والخشكار لم أجده في أكثر كتب اللغة، فكأنه معرب مولد، وفي كتب الطب وبعض كتب اللغة أنه الخبز المأخوذ من الدقيق غير المنخول، وقيل: إنه الخبز اليابس، والاول هو المراد ههنا. 9 – نهج: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ولو أن أحدا يجد إلى البقاء سلما أو لدفع
(1) في المصدر: غذاؤهم النسيم. (2) احتجاج الطبرسي: 185. (3) المهيرة من النساء: الحرة الغالية المهر. (4) فروع الكافي 2: 78 و 79. (5) فروع الكافي 2: 174. (6) قصص الانبياء مخطوط. (7) دعوات الراوندي مخطوط. (8) والدقيق الابيض.
[ 71 ]
الموت سبيلا لكان ذلك سليمان بن داود عليه السلام، الذي سخر له ملك الجن والانس مع النبوة، وعظيم الزلفة، (1) فلما استوفى طعمته واستكمل مدته رمته قسي الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطلة، ورثها قوم آخرون. (2) 10 – ص: بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ” اعملوا آل داود شكرا ” قال: كانوا ثمانين رجلا وسبعين امرأة، ما أغب المحراب رجل واحد منهم يصلي فيه، وكانوا آل داود، فلما قبض داود عليه السلام ولى سليمان عليه السلام قال: يا أيها الناس علمنا منطق الطير، سخر الله له الجن والانس، وكان لا يسمع بملك في ناحية الارض إلا أتاه حتى يذله ويدخله في دينه، وسخر الريح له، فكان إذا خرج إلى مجلسه عكف عليه الطير وقام الجن والانس، وكان إذا أراد أن يغزو أمر بمعسكره فضرب له بساطا من الخشب، ثم جعل عليه الناس والدواب وآلة الحرب كلها حتى إذا حمل معه ما يريد أمر العاصف من الريح فدخلت تحت الخشب فحمله حتى ينتهي به إلى حيث يريد، وكان غدوها شهرا ورواحها شهرا. (3) بيان: ما أغب المحراب أي لم يكونوا يأتون المحراب غبا، بل كان كل منهم يواظبه. *
(1) الزلفة: القربة. الدرجة. المنزلة. (2) نهج البلاغة 1: 341 – 342. (3) قصص الانبياء مخطوط. * روى الثعلبي انه نزل كتاب من السماء على داود عليه السلام مختوما بخاتم من ذهب فيه ثلاث عشرة مسألة، فأوحى الله إلى داود أن سل عنها ابنك سليمان فان أخبر بهن فهو الخليفة من بعدك قال: فدعا داود سبعين قسا وسبعين حبرا وأجلس سليمان بين ايديهم، فقال: أخبرني يا بني ما أقرب الاشياء ؟ وما ابعد الاشياء ؟ وما آنس الاشياء ؟ وما اوحش الاشياء ؟ وما أحسن الاشياء ؟ وما أقبح الاشياء ؟ وما أقل الاشياء ؟ وما اكثر الاشياء ؟ وما القائمان ؟ وما المختلفان ؟ وما المتباغضان ؟ وما الامر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره ؟ والامر الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره ؟ قال سليمان: أما أقرب الاشياء فالاخرة، واما ابعد الاشياء فما فاتك من الدنيا، واما آنس الاشياء فجسد فيه روح ناطق، واما أوحش الاشياء فجسد بلا روح، واما احسن الاشياء فالايمان بعد الكفر، واما اقبح الاشياء فالكفر بعد الايمان، واما اقل الاشياء فاليقين، واما اكثر الاشياء فالشك *
[ 72 ]
11 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، بإسناده عن أبي حمزة، عن الاصبغ قال: خرج سليمان بن داود عليه السلام من بيت المقدس مع ثلاثمائة ألف كرسي عن يمينه عليها الانس، وثلاثمائة ألف كرسي عن يساره عليها الجن، وأمر الطير فأظلتهم، وأمر الريح فحملتهم حتى وردت بهم المدائن، ثم رجع وبات في إصطخر، ثم غدا فانتهى إلى جزيرة بركاوان (1) ثم أمر الريح فخفضتهم حتى كادت أقدامهم يصيبها الماء، فقال بعضهم لبعض: هل رأيتم ملكا أعظم من هذا ؟ فنادى ملك من السماء: لثواب تسبيحة واحدة أعظم مما رأيتم. (2) فس: أبي، عن ابن أبي نصر، عن أبان، عن أبي حمزة مثله. (3) 12 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان لسليمان عليه السلام حصن بناه الشياطين له فيه ألف بيت، في كل بيت طروقة، منهن سبعمائة أمة قبطية، وثلاثمائة حرة مهيرة، فأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا في مباضعة النساء (4) وكان يطوف بهن جميعا ويسعفهن (5) قال: وكان سليمان عليه السلام يأمر الشياطين فتحمل له الحجارة من موضع إلى موضع، فقال لهم إبليس: كيف أنتم ؟ قالوا: مالنا طاقة بما نحن
* واما القائمان فالسماء والارض، واما المختلفان فالليل والنهار، واما المتباغضان فالموت والحياة، واما الامر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره فالحلم على الغضب، واما الامر الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره فالحدة على الغضب. قال: ففك ذلك الخاتم فإذا هذه المسائل سواء على ما نزل من السماء، فقال القسيسون و الاحبار: ما الشئ الذي إذا صلح صلح كل شئ من الانسان وإذا فسد فسد كل شئ منه ؟ فقال: القلب، فرضوا بخلافته. منه رحمه الله. قلت ؟ ذكره الثعلبي في العرائس: 161 وفيه بعد قوله: وما القائمان: وما الساعيان ؟ وما المشتركان ؟ وايضا بعد قوله: فالسماء والارض: واما الساعيان فالشمس والقمر، واما المشتركان فالليل والنهار. وفيه: ففكوا الخاتم. (1) قال ياقوت: بركاوان: ناحية بفارس. بالفتح والسكون. (2) قصص الانبياء مخطوط. وفي نسخة: وتسبيحة واحدة في الله. (3) تفسير القمي: 568. (4) المباضعة: المجامعة. (5) سعف واسعف بحاجته: قضاها له.
[ 73 ]
فيه، فقال إبليس: أليس تذهبون بالحجارة وترجعون فراغا ؟ قالوا: نعم، قال: فأنتم في راحة، فأبلغت الريح سليمان ما قال إبليس للشياطين، فأمرهم يحملون الحجارة ذاهبين ويحملون الطين راجعين إلى موضعها، فتراءى لهم إبليس فقال: كيف أنتم ؟ فشكوا إليه، فقال: ألستم تنامون بالليل ؟ قالوا: بلى، قال: فأنتم في راحة، فأبلغت الريح ما قالت الشياطين وإبليس فأمرهم أن يعملوا بالليل والنهار، فما لبثوا إلا يسيرا حتى مات سليمان، وقال: خرج سليمان يستسقي ومعه الجن والانس فمر بنملة عرجاء (1) ناشرة جناحها، رافعة يدها، وتقول: اللهم إنا خلق من خلقك، لاغنى بنا عن رزقك فلا تؤاخذنا بذنوب بني آدم واسقنا، فقال سليمان عليه السلام لمن كان معه: ارجعوا فقد شفع فيكم غيركم. (2) وفي خبر: قد كفيتم بغيركم. (3) بيان: قال الجوهري: طروقة الفحل: أنثاه. 13 – سن: اليقطيني، عن الدهقان، عن درست، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال: ما بعث الله نبيا قط إلا عاقلا، وبعض النبيين أرجح من بعض، وما استخلف داود سليمان حتى اختبر عقله، واستخلف داود سليمان وهو ابن ثلاثة عشر سنة، ومكث في ملكه أربعين سنة، وملك ذو القرنين وهو ابن اثني عشر سنة ومكث في ملكه ثلاثين سنة. (4) 14 – سن: أبي وعلي بن عيسى الانصاري، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبي الحسن الثاني عليه السلام قال: إن سليمان بن داود عليهما السلام أتته امرأة عجوز مستعدية على
(1) عرجاء مؤنث اعرج، فهي من اصابته مرض في رجلها فتمشي مشية غير متساوية فيميل جسدها خطوة إلى اليمين وخطوة إلى الشمال. (2) شفع لفلان أو فيه إلى زيد: طلب من زيد ان يعاونه. (3) قصص الانبياء مخطوط، ورواه المسعودي في اثبات الوصية قال: روى ان القحط اشتد في زمانه فشكا الناس إليه ذلك وسألوه ان يستسقي لهم فخرج معهم، فلما ان صار في بعض الطريق إذا هو بنملة رافعة يديها إلى السماء، واضعة رجليها في الارض وهي تقول. ثم ذكر مثله الا انه قال فلا تهلكنا، وفيه ايضا: فقد سقيتم بغيركم. (4) محاسن البرقي: 193.
[ 74 ]
الريح، فدعا سليمان الريح فقال لها: ما دعاك إلى ما صنعت بهذه المرأة ؟ قالت: إن رب العزة بعثني إلى سفينة بني فلان لانقذها من الغرق، وكانت قد أشرفت على الغرق، فخرجت في سنتي (1) عجلى إلى ما أمرني الله به، ومررت بهذه المرأة وهي على سطحها فعثرت بها ولم أردها فسقطت فانكسرت يدها، فقال سليمان: يا رب بما أحكم على الريح ؟ فأوحى الله إليه: يا سليمان احكم بأرش كسر هذه المرأة على أرباب السفينة التي أنقذتها الريح من الغرق، فإنه لا يظلم لدي أحد من العالمين. (2) 15 – سن: علي بن الحكم، عن أبان، عن أبي العباس، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: ” يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ” فقال: والله ماهي تماثيل الرجال والنساء ولكن الشجر وشبهه. (3) كا: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود بن الحصين، عن الفضل بن العباس مثله. (4) 16 – سر: من كتاب أبان بن تغلب، عن ابن أسباط وابن أبي نجران والوشاء جميعا، عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام أو عن زرارة عنه عليه السلام (5) قال: آخر نبي يدخل الجنة (6) سليمان بن داود عليه السلام وذلك لما أعطي في الدنيا. (7) 17 – مكا: عن زروان المدائني، (8) عن أبي الحسن الثاني عليه السلام قال: لقد كان لسليمان عليه السلام ألف امرأة في قصر: ثلاث مائة مهيرة، وسبعمائة سرية، وكان يطيف بهن في كل يوم وليلة.
(1) في المصدر: في سنن عجلى. (2) محاسن البرقي: 302، وللحديث صدر تركه المصنف هنا. (3) محاسن البرقى: 618. (4) الفروع 2: 226. وفيه: ” عن الفضل أبي العباس ” وهو الصحيح، والرجل هو أبو العباس فضل بن عبد الملك البقباق. (5) في المصدر: شك من الحسن. (6) في المصدر: آخر من يدخل الجنة من النبيين سليمان بن داود. (7) السرائر: 467. (8) في المطبوع: ذروان المدائني، وليست له في كتب التراجم ذكر حتى يضبط صحيحه.
[ 75 ]
بيان: طيف تطييفا: أكثر الطواف، وفي بعض النسخ يطوف، أي كان يأتيهن جميعا إما بالزيادة أو بالجماع أيضا. 18 – محص: (1) عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن آخر الانبياء دخولا إلى الجنة سليمان عليه السلام، وذلك لما أعطي من الدنيا. 19 – يه: بإسناده الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن سليمان عليه السلام قد حج البيت في الجن والانس والطير والرياح، وكسا البيت القباطي. (2) بيان القبطية: (3) ثوب ينسب إلى مصر، والجمع قباطي بالضم والكسر. (4) 20 – يه: بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أول من كسا البيت الثياب سليمان بن داود عليه السلام، كساه القباطي. (5) 21 – فس: ” ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ” قال: كانت الريح تحمل كرسي سليمان فتسير به في الغداة مسيرة شهر، وبالعشي مسيرة شهر ” وأسلنا له عين القطر ” أي الصفر ” محاريب وتماثيل ” قال: الشجر (6) ” وجفان كالجواب ” أي جفنة كالحفرة ” وقدور راسيات ” أي ثابتات. ثم قال: ” اعملوا آل داود شكرا ” قال: اعملوا ما تشكرون عليه. (7) بيان: يمكن قراءة تشكرون على المعلوم والمجهول ولعل الاخير أظهر. تفسير: قال الطبرسي نور الله مضجعه: ” ولسليمان الريح ” أي وسخرنا لسليمان الريح ” غدوها شهر ورواحها شهر ” أي مسير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر، ومسير رواحها مسيرة شهر، والمعنى أنها كانت تسير في اليوم مسيرة شهرين للراكب، قال قتادة: كانت تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار، وقال الحسن: كانت تغدو من
(1) في نسخة: (ختص) وليست عندنا نسخة الكتابين حتى يتعين صحيحه. (2) من لا يحضره الفقيه: 213. (3) بضم القاف وكسره وسكون الباء. (4) وقد يشدد الياء. (5) من لا يحضره الفقيه: 213. (6) اي يعملون تماثيل الشجر. (7) تفسير القمي: 536 – 537.
[ 76 ]
دمشق فيقيل بإصطخر من أرض إصفهان (1) وبينهما مسيرة شهر للمسرع، وتروح من إصطخر، فتبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر تحمله الريح مع جنوده، أعطاه الله الريح بدلا من الصافنات الجياد ” وأسلنا له عين القطر ” أي أذبنا له عين النحاس وأظهرناها له، قالوا: جرت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن جعلها الله له كالماء، وإنما يعمل الناس بما أعطي لسليمان منه (2) ” ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ” المعنى: وسخرنا له من الجن من يعمل بحضرته وأمام عينه ما يأمرهم به من الاعمال كما يعمل الآدمي بين يدي الآدمي بأمر ربه تعالى، وكان يكلفهم الاعمال الشاقة مثل عمل الطين وغيره، وقال ابن عباس: سخرهم الله لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به، وفي هذا دلالة على أنه قد كان من الجن من هو غير مسخر له ” ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ” المعنى: و من يعدل من هؤلاء الجن الذين سخرناهم لسليمان عما أمرناهم به من طاعة سليمان نذقه من عذاب السعير، أي عذاب النار في الآخرة، عن أكثر المفسرين، وفي هذا دلالة على أنهم قد كانوا مكلفين، وقيل: معناه: نذيقه العذاب في الدنيا، وأن الله سبحانه وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان ضربه ضربة أحرقته ” يعملون له ما يشاء من محاريب ” وهي البيوت الشريفة، (3) وقيل: هي القصور و المساجد يتعبد فيها، عن قتادة والجبائي، قال: وكان مما عملوه بيت المقدس، وقد كان الله عزوجل سلط على بني إسرائيل الطاعون، فهلك خلق كثير في يوم واحد، فأمرهم داود عليه السلام أن يغتسلوا ويبرزوا إلى الصعيد بالذراري والاهلين ويتضرعوا إلى الله تعالى لعله يرحمهم، وذلك صعيد بيت المقدس قبل بناء المسجد، وارتفع داود عليه السلام فوق الصخرة فخر ساجدا يبتهل إلى الله سبحانه وسجدوا معه، فلم يرفعوا رؤوسهم حتى كشف الله عنهم الطاعون، فلما أن شفع الله (4) داود في بني إسرائيل جمعهم داود بعد ثلاث وقال لهم:
(1) هكذا في نسخ وفي المصدر، وفي نسخة: من أرض همدان، والصحيح أنها من مدن فارس، بينه وبين شيراز اكثر من عشرة فراسخ. (2) في المصدر: بما اعطى سليمان منه. (3) في المصدر: وهي بيوت الشريعة. (4) أي قبل شفاعته فيهم. (*)
[ 77 ]
إن الله تعالى قد من عليكم ورحمكم فجد دوا له شكرا بأن تتخذوا من هذا الصعيد الذي رحمكم فيه مسجدا، ففعلوا وأخذوا في بناء بيت المقدس، فكان داود عليه السلام ينقل الحجارة لهم على عاتقه، وكذلك خيار بني إسرائيل حتى رفعوه قامة، ولداود عليه السلام يومئذ سبع وعشرون ومائة سنة، فأوحى الله تعالى إلى داود: إن تمام بنائه يكون على يد ابنه سليمان، فلما صار داود ابن أربعين ومائة سنة توفاه الله، واستخلف سليمان فأحب إتمام بيت المقدس فجمع الجن والشياطين فقسم عليهم الاعمال، يخص كل طائفة منهم بعمل فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها (1) الابيض الصافي من معادنه، وأمر ببناء المدينة من الرخام والصفاح، (2) وجعلها اثني عشر ربضا، وأنزل كل ربض منها سبطا من الاسباط، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقا فرقة يستخرجون الذهب واليواقيت من معادنها، وفرقة يقلعون الجواهر والاحجار من أماكنها، وفرقة يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب، وفرقة يأتونه بالدر من البحار، فأوتي من ذلك بشئ لا يحصيه إلا الله تعالى، ثم أحضر الصناع وأمرهم بنحت تلك الاحجار حتى صيروها ألواحا، ومعالجة تلك الجواهر واللآلي، وبنى سليمان المسجد بالرخام الابيض والاصفر والاخضر، وعمده بأساطين المها الصافي، وسقفه بألواح الجواهر، (3) وفصص سقوفه وحيطانه باللآلي واليواقيت والجواهر، وبسط أرضه بألواح الفيروزج، فلم يكن في الارض بيت أبهى منه ولا أنور من ذلك المسجد، كان يضئ في الظلمة كالقمر ليلة البدر، فلما فرغ منه جمع إليه خيار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه لله تعالى، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا، فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى إذا غزا بخت نصر بني إسرائيل فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما في سقوفه وحيطانه من الذهب والدرر (4) واليواقيت والجواهر، فحملها إلى دار مملكته من أرض
(1) المها جمع المهاة بالفتح وهي البلورة والربض بالتحريك: سور المدينة. ومأوى الغنم والناحية. وكل ما يؤوى إليه ويستراح لديه من مال وبيت ونحوه، منه قدس الله سره. (2) الصفاح بالضم وتشديد الفاء: الحجارة العريضة الرقيقة. (3) في نسخة: بأنواع الجواهر. (4) في المصدر: من الذهب والفضة والدرر.
[ 78 ]
العراق، قال سعيد بن المسيب: لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس تغلقت أبوابه فعالجها سليمان فلم تنفتح حتى قال في دعائه: بصلوات أبي داود إلا فتحت الابواب، ففرغ له سليمان (1) عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل خمسة آلاف بالليل وخمسة آلاف بالنهار ولا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا ويعبد الله فيها ” وثماثيل ” يعني صورا من نحاس و شبه (2) وزجاج ورخام كانت الجن تعملها. ثم اختلفوا فقال بعضهم: كانت صورا للحيوانات، وقال آخرون: كانوا يعملون صور السباع والبهائم على كرسيه ليكون أهيب له، فذكروا أنهم صوروا أسدين أسفل كرسيه، ونسرين فوق عمودي كرسيه، فكان إذا أراد أن يصعد على الكرسي بسط الاسدان ذراعيهما، وإذا علا على الكرسي نشر النسران أجنحتهما فظللاه من الشمس، ويقال: إن ذلك كان مما لا يعرفه أحد من الناس، فلما حاول بخت نصر صعود الكرسي بعد سليمان حين غلب على بني إسرائيل لم يعرف كيف كان يصعد سليمان عليه السلام فرفع الاسد ذراعيه فضرب ساقه فقدها فخر مغشيا عليه، فما جسر أحد بعده أن يصعد ذلك الكرسي، قال الحسن: ولم تكن يومئذ التصاوير محرمة وهي محظورة في شريعة نبينا صلى الله عليه وآله فإنه قال: ” لعن الله المصورين ” ويجوز أن يكره ذلك في زمن دون زمن، وقد بين الله سبحانه أن المسيح عليه السلام كان يصور بأمر الله من الطين كهيئة الطير، وقال ابن عباس: كانوا يعملون صور الانبياء والعباد في المساجد ليقتدى بهم، وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: والله ماهي تماثيل الرجال والنساء ولكنها الشجر وما أشبهه. ” وجفان كالجواب ” أي صحاف كالحياض التي يجبى فيها الماء أي يجمع، وكان سليمان عليه السلام يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان، فإنه لم يمكنه أن يطعمهم في مثل قصع الناس لكثرتهم، وقيل: إنه كان يجمع على كل جفنة ألف رجل يأكلون بين يديه ” وقدور راسيات ” أي ثابتات لاتزلن عن أمكنتهن لعظمهن، عن قتادة، وكانت باليمن، و قيل: كانت عظيمة كالجبال يحملونها مع أنفسهم، وكان سليمان عليه السلام يطعم جنده انتهى. (3)
(1) في المصدر: ففتحت ففرغ له سليمان. (2) الشبه: النحاس الاصفر. (3) مجمع البيان 8: 382.
[ 79 ]
وقال صاحب الكامل: لما توفي داود عليه السلام ملك بعده ابنه سليمان عليه السلام على بني إسرائيل، وكان عمره ثلاث عشر سنة، وأتاه مع الملك النبوة، (1) وسخر له الجن والانس والشياطين والطير والريح، فكان إذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت عليه الطير وقام له الانس والجن متى يجلس فيه، (2) وقيل: إنه سخر له الريح والجن والشياطين والطير وغير ذلك بعد أن زال ملكه وأعاده الله إليه، وكان أبيض جسيما كثير الشعر يلبس البياض، وكان يأكل من كسبه (3) وكان كثير الغزو، وكان إذا أراد الغزو أمر فعمل بساط من خشب يسع عسكره فيركبون عليه هم ودوابهم وما يحتاجون إليه، ثم أمر الريح فحملته فسار (4) في غدوته مسيرة شهر وفي روحته كذلك، وكان له ثلاث مائة زوجة، وسبعمائة سرية، وأعطاه الله أخيرا أنه لا يتكلم أحد بشئ إلا حملته الريح فيعلم ما يقول. انتهى. (5) 22 – أعلام الدين: قال ابن شهاب: بعث سليمان بن داود عليه السلام بعض عفاريته، وبعث معه نفرا من أصحابه، فقال: اذهبوا معه وانظروا ماذا يقول، فمروا به في السوق فرفع رأسه إلى السماء ونظر إلى الناس فهز رأسه، ومروا به على بيت يبكون على ميت لهم فضحك، ومروا به على الثوم يكال كيلا وعلى الفلفل يوزن وزنا فضحك، ومروا به على قوم يذكرون الله تعالى وآخرين في باطل فهز رأسه، ثم ردوه إلى سليمان فأخبروه بما رأوا منه، فسأله سليمان عليه السلام: أرأيت إذ مروا بك في السوق لم رفعت رأسك إلى السماء ونظرت إلى الارض والناس ؟ قال: عجبت من الملائكة على رؤوس الناس ما أسرع ما يكتبون ! ومن الناس ما أسرع ما يملون ! قال: ومررت على أهل بيت يبكون على ميت وقد أدخله الله الجنة فضحكت، قال: ومررت على الثوم يكال كيلا ومنه الترياق،
(1) في المصدر زيادة وهي: وسأل الله ان يؤتيه ملكا لا ينبغي لاحد من بعده فاستجاب له وسخر. (2) في المصدر: حتى يجلس. (3) في المصدر: من كسب يده. (4) في المصدر: فسارت. أي الريح. (5) الكامل 1: 78. وفيه: الا حملته الريح إليه.
[ 80 ]
وعلى الفلفل يوزن وزنا وهو الداء فتعجبت، ونظرت إلى قوم يذكرون الله وآخرين في باطل فتعجبت وضحكت. (1) أقول: قد مر في الباب الاول (2) وغيره في خبر الشامي أن سليمان عليه السلام ممن ولد من الانبياء مختونا، وفي الباب الثاني عن الرضا عليه السلام أنه كان نقش خاتمه: سبحان من ألجم الجن بكلماته، وفي أبواب قصص داود عليه السلام بعض ما يتعلق بأحواله. 23 – وقال الطبرسي رحمه الله: روى الواحدي بالاسناد، عن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال: أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الارض ومغاربها، فملك سبعمائة سنة وسبعة أشهر، (3) ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والانس والشياطين والدواب و الطير والسباع، وأعطي علم كل شئ ومنطق كل شئ، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة التي سمع بها الناس، وذلك قوله: ” علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين “. (4) أقول: هذا الخبر غريب من حيث اشتماله على ملك المشارق والمغارب، وكون ملكه سبعمائة سنة، ومخالف للاخبار المعتبرة من الجهتين معا، لكن سيأتي من إكمال الدين في باب وفاته عليه السلام ما يؤيد الثاني. ثم قال رحمه الله: قال محمد بن كعب: بلغنا أن سليمان بن داود عليه السلام كان عسكره (5) مائة فرسخ: خمسة وعشرون للانس، وخمسة وعشرون للجن، وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير، وكان له ألف بيت من القوارير على الخشب فيها ثلاثمائة مهيرة، وسبعمائة سرية، فيأمر الريح العاصف فترفعه ويأمر الرخاء فتسير به، فأوحى الله تعالى إليه وهو يسير بين السماء والارض: إني قد زدت في ملكك: إنه لا يتكلم أحد من
(1) اعلام الدين مخطوط. (2) اي باب معنى النبوة وعلة بعثة الانبياء. (3) في المصدر: وستة اشهر. (4) مجمع البيان 7: 214. (5) في المصدر: كان معسكره مائة فرسخ.
[ 81 ]
الخلائق بشئ إلا جاءت به الريح فأخبرتك. وقال مقاتل: نسجت الشياطين لسليمان عليه السلام بساطا فرسخا في فرسخ، ذهبا في أبريسم، وكان يوضع فيه منبر من ذهب في وسط البساط فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة، فيقعد الانبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة، وحولهم الناس، وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس، وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح، ومن الرواح إلى الصباح. (1) أقول: روى ابن شهر آشوب في البيان الخبر الثاني مختصرا، وزاد فيه: وله تخت من عاج ميل في ميل، وروى ذلك كله في عدة الداعي وزاد في آخره: فيحكى أنه مر بحراث فقال: لقد أوتي ابن داود ملكا عظيما، فألقاه الريح في أذنه فنزل ومشى إلى الحراث وقال: إنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه، ثم قال: لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتي آل داود، وفي حديث آخر: لان ثواب التسبيحة يبقى، وملك سليمان يفنى. (2) 24 – كا: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن أبي الحسن الاسدي، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة بعد عتمة وهو يقول: همهمة همهمة، وليلة مظلمة، خرج عليكم الامام عليه قميص آدم، وفي يده خاتم سليمان، وعصا موسى. (3) 25 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن سيف، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: قلت له: إنهم يقولون في حداثة سنك، فقال: إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم، فأنكر ذلك عباد بني إسرائيل وعلماؤهم، فأوحى الله تعالى أن خذ عصي المتكلمين وعصا سليمان واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت
(1) مجمع البيان 7: 215. (2) عدة الداعي: 191 و 192، وفيه: كان معسكره مائة فرسخ في مائة فرسخ، وفيه أيضا: وحوله ستمائة الف كرسي من ذهب وفضة. (3) اصول الكافي 1: 231 و 232.
[ 82 ]
وأثمرت فهو الخليفة، فأخبرهم داود عليه السلام، فقالوا: قد رضينا وسلمنا. (1) 26 – كا: محمد بن الحسن وعلي بن إبراهيم الهاشمي، عن بعض أصحابنا، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام القنزعة (2) التي على رأس القنبرة (3) من مسحة سليمان بن داود عليه السلام، وذلك أن الذكر أراد أن يسفد (4) أنثاه فامتنعت عليه، فقال لها: لا تمتنعي ما أريد إلا أن يخرج الله عزوجل مني نسمة يذكر به، فأجابته إلى ما طلب، فلما أرادت أن تبيض قال لها: أين تريدين أن تبيضي ؟ فقالت: لا أدري أنحيه عن الطريق، قال لها: إني أخاف أن يمر بك مار الطريق، ولكني أرى لك أن تبيضي قرب الطريق، فمن يراك قربه توهم أنك تعرضين للقط الحب من الطريق، فأجابته إلى ذلك وباضت وحضنت حتى أشرفت على النقاب، (5) فبينا هما كذلك إذ طلع سليمان بن داود عليه السلام في جنوده والطير تظله، فقالت له. هذا سليمان قد طلع علينا بجنوده، ولا آمن أن يحطمنا ويحطم بيضنا، فقال لها: إن سليمان عليه السلام لرجل رحيم، فهل عندك شئ خبيته لفراخك (6) إذا نقبن ؟ قالت: نعم عندي جرادة خبأتها منك، أنتظر بها فراخي إذا نقبن، فهل عندك شئ ؟ قال: نعم عندي تمرة خبأتها منك لفراخي، قالت: فخذ أنت تمرتك وآخذ أنا جرادتي ونعرض لسليمان عليه السلام فنهديهما له، فإنه رجل يحب الهدية، فأخذ التمرة في منقاره، وأخذت هي الجرادة في رجليها، ثم تعرضا لسليمان عليه السلام، فلما رآهما وهو على عرشه بسط يده لهما فأقبلا فوقع الذكر على اليمين، ووقعت الانثى على اليسار، وسألهما عن حالهما فأخبراه فقبل هديتهما وجنب جنده عنهما وعن بيضهما، ومسح على رأسهما ودعا لهما
(1) اصول الكافي 1: 383. (2) القنزعة: الخصلة من الشعر تترك على الرأس. (3) بالضم فسكون: نوع من العصافير. (4) اي اراد ان يجامعها. (5) حضن الطير بيضه وعلى بيضه: رخم عليها للتفريغ. قوله: (على النقاب) من نقب الحائط خرقه، اي حتى اشرفت على خرق البيض. (6) في المصدر: رحيم بنا فهل عندك شئ هيأته لفراخك إذا نقبن. (*)
[ 83 ]
بالبركة، فحدثت القنزعة على رأسهما من مسحة سليمان عليه السلام. (1) 27 – نبه: روي أن سليمان بن داود عليه السلام مر في موكبه والطير تظله والجن والانس عن يمينه وعن شماله بعابد (2) من عباد بني إسرائيل، فقال: والله يا ابن داود لقد آتاك الله ملكا عظيما، فسمعه سليمان فقال: لتسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطي ابن داود، إن ما أعطي ابن داود يذهب وإن التسبيحة تبقى. (3) 28 – وكان سليمان عليه السلام إذا أصبح تصفح وجوه الاغنياء والاشراف حتى يجئ إلى المساكين ويقعد معهم ويقول: مسكين مع المساكين. (4) 29 – ارشاد القلوب: كان سليمان عليه السلام مع ما هو فيه من الملك يلبس الشعر، و إذا جنه الليل شد يديه إلى عنقه، فلا يزال قائما حتى يصبح باكيا، وكان قوته من سفائف الخوص يعملها بيده، وإنما سأل الملك ليقهر ملوك الكفر. (5) وروى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن وهب بن منبه، عن كعب قال: إن سليمان عليه السلام كان إذا ركب حمل أهله وسائر حشمه وخدمه وكتابه في مدينة من قوارير، لها ألف سقف، وتلك السقوف بعضها فوق بعض على قدر درجاتهم، وقد اتخذ مطابخ و مخابز يحمل فيها تنانير الحديد وقدور عظام، يسع كل قدر عشرة جزاير، وقد اتخذ ميادين للدواب أمامه، فيطبخ الطباخون، ويخبز الخبازون، وتجري الدواب بين يديه بين السماء والارض، والريح تهوي بهم، فسار من إصطخر إلى اليمن، فسلك المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وآله فقال سليمان: هذا دار هجرة نبي في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به، و طوبى لمن اتبعه، وطوبى لمن اقتدى به، ورأى حول البيت (6) أصناما تعبد من دون الله
(1) فروع الكافي 2: 146. (2) في المصدر: قال: فمر بعابد. (3) تنبيه الخواطر 1: 129 – 130. (4) تنبيه الخواطر 1: 203. (5) ارشاد القلوب 1: 192، وفيه: وانما سأل الله الملك لاجل القوة والغلبة على ملوك الكفار ليقهرهم بذلك، وقبله سأل الله القناعة. (6) أي بيت الحرام ولعل في العبارة سقطا وهو: ثم سار إلى مكة ورأى حول البيت اصناما *
[ 84 ]
فلما جاوز سليمان البيت بكى البيت، فأوحى الله تعالى إلى البيت: ما يبكيك ؟ قال: يا رب أبكاني هذا نبي من أنبيائك وقوم من أوليائك مروا علي فلم يهبطوا في، ولم يصلوا عندي، ولم يذكروك بحضرتي والاصنام تعبد حولي من دونك، فأوحى الله تعالى إليه: أن لا تبك فإني سوف أملاك وجوها سجدا، وأنزل فيك قرآنا جديدا، وأبعث منك نبيا في آخر الزمان أحب أنبيائي إلي، وأجعل فيك عمارا من خلقي يعبدونني وأفرض على عبادي فريضة يدفون (1) إليك دفيف النسور إلى وكورها، ويحنون (2) إليك حنين الناقة إلى ولدها، والحمامة إلى بيضتها، وأطهرك من الاوثان وعبدة الشيطان قال: وروي أن سليمان لما ملك بعد أبيه أمر باتخاذ كرسي ليجلس عليه للقضاء و أمر بأن يعمل بديعا مهولا بحيث أن لو رآه مبطل أو شاهد زور ارتدع وتهيب، قال: فعمل له كرسي من أنياب الفيلة وفصصوه بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وأنواع الجواهر وحففوه بأربع نخلات من ذهب، شماريخها (3) الياقوت الاحمر والزمرد الاخضر، على رأس نخلتين منها طاووسان من ذهب وعلى رأس الآخرين نسران من ذهب، بعضها مقابلا لبعض وجعلوا من جنبتي الكرسي أسدين من الذهب، على رأس كل واحد منهما عمود من الزمرد الاخضر، وقد عقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الاحمر واتخذوا عناقيدها من الياقوت الاحمر بحيث يظل عريش الكروم النخل والكرسي، قال: وكان سليمان عليه السلام إذا أراد صعوده وضع قدميه على الدرجة السفلى فيستدير الكرسي كله بما فيه دوران الرحى المسرعة، وتنشر تلك النسور والطواويس أجنحتها، وتبسط الاسدان أيديهما فتضربان الارض بأذنابهما، فكذلك كل درجة يصعدها سليمان عليه السلام، فإذا استوى بأعلاه أخذ النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان فوضعاه على رأس سليمان
* قلت: والذي رأيته في كتاب التيجان: 153 لوهب بن منبه أن سليمان سار إلى مكة فنزل وصلى فيه ومر بقبر اسماعيل فنزل إليه وألم به، قال: وكان ملك مكة يومئذ البشر بن لبلغ بن عمرو بن مضاص بن عبد المسيح بن نفيلة بن عبد المدان بن حشرم بن عبدياليل بن جرهم بن قحطان بن هود النبي عليه السلام، وكان البشر عاملا لبلقيس. (1) دف: مشى مشيا خفيفا، دف الطائر: حرك جناحيه كالحمام. (2) حن إليه: اشتاق. (3) شماريخ: جمع الشمروخ: العذق عليه بسر أو عنب.
[ 85 ]
عليه السلام، ثم يستدير الكرسي بما فيه ويدور معه النسران والطاووسان والاسدان قائلات (1) برؤوسها إلى سليمان ينضحن (2) عليه من أجوافها المسك والعنبر، ثم تناولت حمامة من ذهب قائمة على عمود من جوهر من أعمدة الكرسي التوراة فيفتحها سليمان عليه السلام ويقرؤها على الناس، ويدعوهم إلى فصل القضاء، ويجلس عظماء بني إسرائيل على كراسي من الذهب المفصصة بالجوهر وهي ألف كرسي عن يمينه، وتجئ عظماء الجن وتجلس على كراسي الفضة عن يساره وهي ألف كرسي حافين جميعا به، ثم يحف بهم الطير فتظلهم، وتتقدم إليه الناس للقضاء، فإذا دعا بالبينات والشهود لاقامة الشهادات دار الكرسي بما فيه مع جميع ما حوله دوران الرحى المسرعة ويبسط الاسدان أيديهما و يضربان الارض بأذنابهما، وينشر النسران والطاووسان أجنحتهما فيفزع منه الشهود و يدخلهم من ذلك رعب ولا يشهدون إلا بالحق. (3) (باب 6) * (معنى قول سليمان عليه السلام: هب لي ملكا لا ينبغي) * * (لاحد من بعدي (4)) * 1 – مع، ع: أحمد بن يحيى المكتب، عن أحمد بن محمد الوراق، عن علي بن هارون الحميري، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، عن أبيه، عن علي بن يقطين قال: قلت لابي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: أيجوز أن يكون نبي الله عزوجل بخيلا ؟ فقال: لا، فقلت له: فقول سليمان: ” رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي ” ما وجهه ومعناه ؟ فقال: الملك ملكان: ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس، وملك مأخوذ من قبل الله تعالى ذكره كملك آل إبراهيم وملك طالوت وملك ذي القرنين، فقال سليمان عليه السلام: ” هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي ” أن يقول: إنه مأخوذ بالغلبة والجور
(1) في نسخة: مائلات. (2) اي ترش عليه المسك. (3) تفسير الثعلبي ” الكشف والبيان ” مخطوط لم يطبع إلى الان، والحديث كما ترى مروى عن وهب بن منبه العامي، وفي اخباره شواذ وغرائب. (4) ص: 34.
[ 86 ]
وإجبار الناس، فسخر الله عزوجل له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، وجعل غدوها شهرا ورواحها شهرا، وسخر الله عزوجل له الشياطين كل بناء وغواص وعلم منطق الطير، ومكن في الارض، فعلم الناس في وقته وبعده أن ملكه لا يشبه ملك الملوك المختارين (1) من قبل الناس والمالكين بالغلبة والجور. قال: فقلت له: فقول رسول الله صلى الله عليه وآله: رحم الله أخي سليمان بن داود ما كان أبخله ؟ ! (2) فقال: لقوله عليه السلام وجهان: أحدهما ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه، والوجه الآخر: يقول: ماكان أبخله إن كان أراد ما يذهب إليه الجهال. ثم قال عليه السلام: قدوالله أوتينا ما أوتي سليمان وما لم يؤت سليمان وما لم يؤت أحد من الانبياء، قال الله عزوجل في قصة سليمان: ” هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ” وقال عزوجل في قصة محمد صلى الله عليه وآله: ” ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا “. (3) بيان: تأويله عليه السلام للآية الكريمة يحتمل وجهين: الاول أن يكون عليه السلام قدر في الآية شيئا وهو قوله: أن يقول، أي هب لي ملكا يكون لعظمته (4) بحيث لا يقدر أحد على أن يقول: إنه كملك سائر الملوك مأخوذ بالجور والغلبة. ويؤيده الوجه الاول من وجهي تأويل الخبر حيث بخل بعرضه في هذا الدعاء، وسأل الله أن يرفع عنه ألسن الناس بأن ملكه مأخوذ بالجور، ولا يكون عرضه عرضة لملام لئام الخلق. الثاني: أن يكون المعنى أنه عليه السلام سأل ربه ملكا لا يتهيأ للملوك الجائرين (5) تحصيله بالجور والغلبة ليكون معجزا له على نبوته وآية على خلافته، فلا يمنع هذا الكلام أن يعطي الله من بعده من الانبياء والاوصياء أضعاف ما أعطاه، فيكون قوله: (لا ينبغي لاحد من بعدي أن يقول) بيانا لحاصل المعنى ولازمه لا تقديرا في الكلام، أي طلب
(1) في نسخة: الجبارين. (2) لم يرو هذا الخبر في اصولنا المتلقاة من المعصومين، ولا في شئ من اخبارنا، وهو من مرويات العامة القائلين بجواز صدور امثاله من نبي في حق نبي آخر، وسيأتي بعد ذلك ايعاز من المصنف إلى ان الامام عليه السلام لم اوله ولم يصرح بانه موضوع. (3) معاني الاخبار: 100 – 101 علل الشرائع: 35. (4) هكذا في النسخ، والصحيح: يكون عظمته. (5) في نسخة: للملوك الجبارين.
[ 87 ]
ملكا لم يقدر أحد على تحصيله بقوته لئلا يقال: إن ملكه مأخوذ بالغلبة، فلا يكون معجزا له، فعلى هذا يكون قوله عليه السلام: (ما أبخله بعرضه) لانه كان ذلك أيضا مقصودا له ضمنا وإن كان المقصود بالذات كونه معجزا، والظاهر أنه عليه السلام كان يعلم أن الخبر موضوع، وإنما أوله تحرزا عن طرح الخبر المشهور بينهم تقية، ولذا ردد عليه السلام بين الوجهين، ولو كان صادرا عنه صلى الله عليه وآله لكان عالما بما أراده به، وأما كون ما أعطاه الرسول أفضل (1) فلانه تعالى أعطى سليمان ما أعطى وفوض الامر إليه في بذله ومنعه ولم يفوض إليه تعيين أمر بخلاف نبينا صلى الله عليه وآله فإنه فوض إليه الامر وأمر الناس باتباعه في كل ما يقول، وهذا مبني على التفويض وسيأتي تحقيقه في كتاب الامامة. ويحتمل أن يكون الفضل بسبب أنه فوض إليه إعطاء الامور الدنيوية ومنعها وأعطى النبي صلى الله عليه وآله الرئاسة العامة في الدين والدنيا لجميع الخلق، وفيه شئ. وقال الطبرسي في قوله تعالى: ” رخاء ” أي لينة سهلة، وقيل: طيبة سريعة، و قيل: أي مطيعة ” حيث أصاب ” أي حيث أراد سليمان من النواحي. (2) 2 – ب: محمد بن عبد الحميد، عن أبي جميلة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول سليمان: ” هب لي (3) ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب ” قلت: فأعطي الذي دعا به ؟ قال: نعم، ولم يعط بعده إنسان ما أعطي نبي الله عليه السلام من غلبة الشيطان فخنقه إلى
(1) في الحديث غموض واجمال، والوجهان اللذان ذكرهما المصنف في معناه ايضا لا يخلوان عن خفاء واشكال، ويمكن أن يكون المعنى ان سليمان عليه السلام كان مختارا في بذل ما اعطاه الله وامساكه وكذا امته كانوا مختارين في قبوله ورده، ولكن امة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كانوا مكلفين أن يأخذوا بأمره وينتهوا بنهيه، وهو أيضا لا يخلو عن تأمل والله يعلم وامناؤه. وذكر الكليني عن زيد الشحام انه قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ” هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب ” قال: اعطى سليمان ملكا ثم جرت هذه الاية في رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان له يعطى ما يشاء من يشاء، ويمنع من يشاء ما يشاء، واعطاه افضل مما اعطى سليمان لقوله تعالى: ” ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا “. (2) مجمع البيان 8: 477. (3) في المصدر: رب هب لي.
[ 88 ]
أسطوانة (1) حتى أصاب بلسانه (2) يد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال رسول الله: لولا ما دعا به سليمان لاريتكموه. (3) تذييل: قال الطبرسي قدس الله روحه: يسال عن هذا فيقال: إن هذا القول من سليمان يقتضي الضنة والمنافسة لانه لم يرض بأن يسأل الملك حتى أضاف إلى ذلك أن يمنع غيره منه. وأجيب عنه بأجوبة: أحدها أن الانبياء لا يسألون إلا ما يؤذن لهم في مسألته، وجائز أن يكون الله أعلم سليمان أنه إن سأل ملكا لا يكون لغيره كان أصلح له في الدين، وأعلمه أنه لاصلاح لغيره في ذلك، ولو أن أحدنا صرح في دعائه بهذا الشرط حتى يقول: اللهم اجعلني أكثر أهل زماني مالا إذا علمت أن ذلك أصلح لي لكان ذلك منه حسنا جائزا، (4) اختاره الجبائي. وثانيها: أنه يجوز أن يكون عليه السلام التمس من الله آية لنبوته يبين بها من غيره وأراد: لا ينبغي لاحد غيري ممن أنا مبعوث إليه، ولم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النبيين كما يقال: أنا لا أطيع أحدا بعدك، أي لا أطيع أحدا سواك. وثالثها: ما قاله المرتضى قدس الله سره: إنه يجوز أن يكون إنما سأل ملك الآخرة وثواب الجنة، ويكون معنى قوله: ” لا ينبغي لاحد من بعدي ” لا يستحقه بعد وصولي إليه أحد، من حيث لا يصلح (5) أن يعمل ما يستحق به ذلك لانقطاع التكليف. ورابعها: أنه التمس معجزة تختص به، كما أن موسى عليه السلام اختص بالعصا و اليد (6) واختص صالح بالناقة، ومحمد صلى الله عليه وآله بالقرآن والمعراج، ويدل عليه ماروي مرفوعا
(1) هكذا في نسخة، وفي اخرى السوايطة، وفي ثالثة: تحت ابطه، وفي المصدر: إلى سوايطه، والكل مصحف. وفي مجمع البيان إلى سارية. (2) في المصدر: حتى اصاب لسانه. (3) قرب الاسناد: 81. (4) في المصدر هنا زيادة وهي هذه: ولا ينسب في ذلك إلى شح وضن. (5) في المصدر: لا يصح. (6) في المصدر: واليد البيضاء.
[ 89 ]
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه صلى صلاة فقال: إن الشيطان عرض لي ليفسد علي الصلاة فأمكنني الله منه فودعته (1) ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية (2) حتى تصبحوا وتنظروا إليه أجمعين فذكرت قول سليمان ” رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي ” فرده الله خاسئا خائبا. أورده البخاري ومسلم في الصحيحين انتهى. (3) وقال الرازي: أجاب القائلون بأن الشيطان استولى على مملكته معناه أن يعطيه الله ملكا لا يقدر الشياطين أن يقوموا مقامه ويسلبونه منه، ثم قال بعد ما ذكر بعض الاجوبة السابقة: الثالث أن الاحتراز عن طيبات الدنيا مع القدرة عليها أشق من الاحتراز عنها حال عدم القدرة عليها، فكأنه قال: يا إلهي أعطني مملكة فائقة على ممالك البشر بالكلية حتى أحترز عنها مع القدرة عليها ليصير ثوابي أكمل وأفضل. الرابع: من الناس من يقول: الاحتراز عن لذات الدنيا عسر صعب لان هذه اللذات حاضرة وسعادات الآخرة نسيئة، والنقد يصعب بيعه بالنسيئة، فقال سليمان: أعطني يا رب مملكة تكون أعظم الممالك الممكنة للبشر حتى أني أبقى مع تلك القدرة الكاملة في غاية الاحتراز ليظهر للخلق أن حصول الدنيا لايمنع من خدمة المولى (4) انتهى. وذكر البيضاوي وجها آخر وهو أن المعنى: لا ينبغي لاحد من بعدي لعظمته، كقولك: لفلان ما ليس لاحد من الفضل والمال، على إرادة وصف الملك بالعظمة، لا أن لا يعطى أحد مثله. (5) اقول: بعد ثبوت عصمة الانبياء وجلالتهم لابد من حمل ما صدر عنهم على محمل صحيح مجملا وإن لم يتعين في نظرنا، وما ذكر من الوجوه محتملة وإن كان بعضها لا يخلو من بعد، وما ذكره الطبرسي أولا أظهر الوجوه، (6) ويمكن أن يقال: المنع عن غيره
(1) اي فتركته. (2) السارية: الاسطوانة. (3) مجمع البيان: 8: 476 – 477. (4) مفاتيح الغيب 7: 137. (5) انوار التنزيل 2: 346. (6) ويحتمل وجه آخر وهو أنه سأل الله أن يعطيه ملكا كذلك حتى يشكر عليه فيستحق بذلك
[ 90 ]
لم يكن على وجه الضنة بل على وجه الشفقة، لان ملك الدنيا في نظرهم خسيس دني لا يليق بالمقربين قربه، ولما رأى صلاح زمانه في ذلك سأله اضطرارا ومنعه عن غيره إشفاقا عليهم، أو يقال: إن كلامه مخصوص بمن عدا الانبياء والاوصياء وهو قريب من الثاني، ويحتمل وجوها أخر تركناها مخافة الاطناب. (باب 7) * (قصة مروره عليه السلام بوادي النمل وتكلمه معها وسائر ما وصل) * * (إليه من أصوات الحيوانات) * الايات، النمل ” 27 ” وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون * حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين 17 – 19. تفسير: قال الطبرسي رحمه الله: ” على واد النمل ” هو واد بالطائف، وقيل: بالشام ” قالت نملة ” أي صاحت بصوت خلق الله لها، ولما كان الصوت مفهوما لسليمان عليه السلام عبر عنه بالقول، وقيل: كانت رئيسة النمل ” لا يحطمنكم ” أي لا يكسرنكم ” سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ” بحطمكم ووطئكم فإنهم لو علموا بمكانكم لو يطؤوكم، وهذا يدل على أن سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الارض ولم تحملهم الريح، لان الريح لو حملتهم بين السماء والارض لما خافت النملة أن يطؤوها بأرجلهم، ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان عليه السلام: فإن قيل: كيف عرفت النملة سليمان وجنوده حتى قالت هذه المقالة ؟ قلنا: إذا كانت مأمورة بطاعته فلابد أن يخلق الله لها من الفهم ما
* زيادة الثواب وارتقاء الرتبة، كما شكر ذلك بعد ما اعطاه الله في قوله: ” رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين ” ولعله انسب الوجوه، ولا يوجب منقصة، وليست فيه ضنة ولا شح.
[ 91 ]
تعرف به أمور طاعته، ولا يمتنع أن يكون لها من الفهم ما تستدرك به ذلك، وقد علمنا أنها تشق ما تجمع من الحبوب بنصفين مخافة أن تصيبه الندى فينبت إلا الكزبرة فإنها تكسرها بأربع لانها تنبت إذا قطعت بنصفين، (1) فمن هداها إلى هذا فإنه يهديها إلى تمييز ما يحطمها مما لا يحطمها، وقيل: إن ذلك كان منها على سبيل المعجز الخارق للعادة لسليمان عليه السلام، قال ابن عباس: فوقف سليمان عليه السلام بجنوده حتى دخل النمل مساكنه فتبسم ضاحكا من قولها، وسبب ضحكه التعجب لانه رأى مالاعهد له به، وقيل: إنه تبسم بظهور عدله حتى عرفه النمل، (2) وقيل: إن الريح أطارت كلامها إليه من ثلاثة أميال حتى سمع ذلك فانتهى إليها وهي تأمر النمل بالمبادرة فتبسم من حذرها ” رب أوزعني ” أي ألهمني. (3) أقول: قال الرازي في تفسيره: رأيت في بعض الكتب أن تلك النملة إنما أمرت غيرها بالدخول لانها خافت أنها إذا رأت سليمان على جلالته فربما وقعت في كفران نعمة الله، وهو المراد بقوله: ” لا يحطمنكم سليمان ” فأمرتها بالدخول في مساكنها لئلا ترى تلك النعم فلا تقع في كفران نعم الله. (4) 1 – فس: ” وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير ” (5) قعد على كرسيه وحملته الريح (6) على وادي النمل، وهو واد ينبت الذهب والفضة، وقد وكل الله به النمل وهو قول الصادق عليه السلام: إن لله واديا ينبت الذهب والفضة، قد حماه الله بأضعف خلقه وهو النمل، لورامته البخاتي (7) ما قدرت عليه. فلما انتهى سليمان إلى وادي النمل فقالت نملة: ” يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا
(1) في المصدر: باربع قطع، لانها تنبت إذا شقت بنصفين. (2) في المصدر: تبسم بظهور عدله حيث بلغ عدله في الظهور مبلغا عرفه النمل. (3) مجمع البيان 7: 215. (4) مفاتيح الغيب 7: 376. (5) في المصدر: والطير فهم يوزعون. (6) في المصدر: وحملته الريح فمرت به على وادي النمل. (7) في المصدر: البخاتي من الابل. قلت: البخاتي جمع البختية: الابل الخراسانية.
[ 92 ]
يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ” إلى قوله: ” في عبادك الصالحين “. وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: ” فهم يوزعون ” قال: يحبس أولهم على آخرهم. (1) بيان: قال البيضاوي: ” يوزعون ” أي يحبسون بحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا. (2) 2 – ن، ع: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي، عن منصور بن عبد الله الاصفهاني، عن علي بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الغازي قال: سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام في قوله عزوجل: ” فتبسم ضاحكا من قولها ” قال: لما قالت النملة: ” يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده ” (3) حملت الريح صوت النملة إلى سليمان وهو مار في الهواء والريح قد حملته فوقف وقال: علي بالنملة، فلما أتي بها قال سليمان: يا أيتها النملة أما علمت أني نبي الله وأني لا أظلم أحدا ؟ قالت النملة: بلى، قال سليمان فلم حذرتنيهم ظلمي وقلت: ” يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ” ؟ قالت النملة: خشيت أن ينظروا إلى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدوا عن الله تعالى ذكره. (4) ثم قالت النملة: أنت أكبر أم أبوك داود ؟ قال سليمان عليه السلام: بل أبي داود، قالت النملة: فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود ؟ قال سليمان: مالي بهذا علم، قالت النملة: لان أباك داود داوى جرحه بود فسمي داود، وأنت يا سليمان أرجو أن تلحق بأبيك.
(1) تفسير القمي: 476 و 478. (2) انوار التنزيل 2: 195. (3) في المصدر: وجنوده وهم لا يشعرون. (4) في نسخة وفي العلل: فيعبدون غير الله تعالى ذكره. وفي العيون: فيبعدون عن ذكر الله تعالى.
[ 93 ]
ثم قالت النملة: هل تدري لم سخرت لك الريح من بين سائر المملكة ؟ (1) قال سليمان: مالي بهذا علم، قالت النملة: يعني عزوجل بذلك: لو سخرت لك جميع المملكة كما سخرت لك هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح، فحينئذ تبسم ضاحكا من قولها. (2) بيان: قال الثعلبي في تفسيره: رأيت في بعض الكتب وذكر نحوه، وفيه: فقالت النملة: هل علمت لم سمي أبوك داود ؟ فقال: لا، قالت: لانه داوى جرحه بود، هل تدري لم سميت سليمان ؟ قال: لا، قالت: لانك سليم ركنت إلى ما أوتيت لسلامة صدرك، وآن لك أن تحلق بأبيك. (3) أقول: التعليل الذي ذكرته النملة يحتمل وجوها من التأويل: الاول: وهو الذي ارتضيته أن المعنى أن أباك لما ارتكب ترك الاولى وصار قلبه مجروحا بذلك فداواه بود الله تعالى ومحبته فلذا سمي داود اشتقاقا من الدواء بالود وأنت لما لم ترتكب بعد وأنت سليم منه سميت سليمان، فخصوص العلتين للتسميتين صارتا علة لزيادة اسمك على اسم أبيك. ثم لما كان كلامها موهما لكونه من جهة السلامة أفضل من أبيه استدركت ذلك بأن ما صدر عنه لم يصر سببا لنقصه، بل صار سببا لكمال محبته وتمام مودته، وأرجو أن تلحق أنت أيضا بأبيك في ذلك ليكمل محبتك. الثاني: أن المعنى أن أصل الاسم كان داوى جرحه بود وهو أكثر من اسمك، وإنما صار بكثرة الاستعمال داود، ثم دعا له ورجاه بقوله: أرجو أن تلحق بأبيك، أي في الكمال والفضل. الثالث: ما ذكره بعض المعاصرين وهو أن المراد أن هذا الاسم مشتمل على سليم،
(1) في نسخة: من بين سائر الملكة. قلت: الملكة: الملك. والمملكة: عز الملك وسلطانه وعبيده، ما تحت أمر الملك من البلاد والعباد. (2) عيون الاخبار: 233، علل الشرائع: 35 – 36. (3) الكشف والبيان مخطوط.
[ 94 ]
أو مأخوذ منه، والسليم قد يستعمل في الجريح كاللديغ تفألا بصحته وسلامته، أو أنت سليم من المداواة التي حصلت لابيك فلهذا سميت سليمان، فالحرف الزائد للدلالة على وجود الجرح، وكما أن الجرح زائد في البدن أو النفس عن أصل الخلقة كان في الاسم حرف زائد للدلالة على ذلك، وفيه معنى لطيف وهو أن هذه الزيادة في الاسم الدالة على الزيادة في المسمى ليست مما يزيد به الاسم والمسمى كمالا، بل قد تكون الزيادة لغير ذلك. الرابع: ما يفهم مما عنون الصدوق الباب الذي أورد الخبر فيه به، (1) حيث قال: ” باب العلة التي من أجلها زيد في حروف اسم سليمان حرف من حروف اسم أبيه داود ” فلعله رحمه الله حمل الخبر على أن المعنى أنك لما كنت سليما أريد أن يشتق لك اسم يشتمل على السلامة، ولما كان أبوك داود داوى جرحه بالود وصار كاملا بذلك أراد الله تعالى أن يكون في اسمك حرف من حروف اسمه لتلحق به في الكمال، فزيد فيه الالف وما يلزمه لتمام التركيب وصحته من النون فصار سليمان، وإلا لكان السليم كافيا للدلالة على السلامة، فلذا زيد حروف اسمك على حروف اسم أبيك، ولو كان في الخبر ” من حروف اسم أبيك ” كما رأينا في بعض النسخ كان ألصق بهذا المعنى. وقوله: (أرجو أن تلحق بأبيك) أي لتلك الزيادة فيدل ضمنا وكناية على أنه إنما زيد لذلك، ولا يخفى بعده. 3 – يه: بإسناده إلى حفص بن غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه قال: إن سليمان ابن داود عليه السلام خرج ذات يوم مع أصحابه ليستسقي، فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك لاغنى بنا عن رزقك، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم، فقال سليمان عليه السلام لاصحابه: ارجعوا لقد سقيتم بغيركم. (2) أقول: روى البرسي في مشارق الانوار أن سليمان عليه السلام كان سماطه كل يوم سبعة أكرار، فخرجت دابة من دواب البحر يوما وقالت: يا سليمان أضفني اليوم، فأمر أن يجمع لها مقدار سماطه شهرا، فلما اجتمع ذلك على ساحل البحر وصار كالجبل العظيم
(1) في كتابه العلل. (2) من لا يحضره الفقيه: 138 – 139.
[ 95 ]
أخرجت الحوت رأسها وابتلعته، وقالت: يا سليمان أين تمام قوتي اليوم ؟ هذا بعض قوتي ! فعجب سليمان عليه السلام فقال لها: هل في البحر دابة مثلك ؟ فقالت: ألف أمة، فقال سليمان: سبحان الله الملك العظيم. وروى غيره أن سليمان عليه السلام رأى عصفورا يقول لعصفورة: لم تمنعين نفسك مني ؟ ولو شئت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيتها في البحر، فتبسم سليمان عليه السلام من كلامه ثم دعاهما وقال للعصفور: أتطيق أن تفعل ذلك ؟ فقال: لا يارسول الله، ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته، والمحب لايلام على ما يقول، فقال سليمان عليه السلام للعصفورة: لم تمنعينه من نفسك وهو يحبك ؟ فقالت: يا نبي الله إنه ليس محبا ولكنه مدع، لانه يحب معي غيري، فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان، وبكى بكاء شديدا واحتجب عن الناس أربعين يوما يدعو الله أن يفرغ قلبه لمحبته وأن لا يخالطها بمحبة غيره. وروي أنه عليه السلام سمع يوما عصفورا يقول لزوجته: ادني مني حتى أجامعك لعل الله يرزقنا ولدا يذكر الله تعالى فإنا كبرنا، فتعجب سليمان من كلامه وقال: هذه النية خير من مملكتي. وقال البيضاوي: حكي أنه مر ببلبل يتصوت ويترقص، فقال: يقول: إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء، (1) وصاحت فاختة فقال: إنها تقول: ليت الخلق لم يخلقوا. (2) وقال الزمخشري: روي أن قتادة دخل الكوفة والتف عليه الناس، (3) فقال: سلوا عما شئتم، وكان أبو حنيفة حاضرا وهو غلام حدث (4) فقال: سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم أنثى ؟ فسألوه فأفحم، فقال أبو حنيفة: كانت أنثى بدليل قوله تعالى:
” قالت نملة ” وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والانثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم: حمامة ذكر، وحمامة أنثى. انتهى (1) وقال ابن الحاجب في بعض تصانيفه: إن تأنيث مثل الشاة والنملة والحمامة من الحيوانات تأنيث لفظي، ولذلك كان قول من زعم أن النملة في قوله تعالى: ” قالت نملة ” أنثى لورود تاء التأنيث في ” قالت ” وهما، لجواز أن يكون مذكرا في الحقيقة، وورود تاء التأنيث كورودها في فعل المؤنث اللفظي، ولذا قيل: إفحام قتادة خير من جواب أبي حنيفة. أقول: هذا هو الحق وقد ارتضاه الرضي رضي الله عنه وغيره، والحمد لله الذي فضح من أراد أن يدعي رتبة أمير المؤمنين عليه السلام بهذه البضاعة من العلم، وهذا الناصبي الآخر الذي أراد أعوانه إثبات علو شأنه بأنه تكلم في بدء شبابه بمثل ذلك. (2) وقال الثعلبي في تفسيره: قال مقاتل: كان سليمان عليه السلام جالسا إذ مر به طائر يطوف، فقال لجلسائه: هل تدرون ما يقول هذا الطائر الذي مر بنا ؟ قالوا: أنت أعلم، فقال سليمان: إنه قال لي: السلام عليك أيها الملك المتسلط على بني إسرائيل، أعطاك الله سبحانه وتعالى الكرامة، وأظهرك على عدوك، إني منطلق إلى فروخي، ثم أمر بك الثانية، وإنه سيرجع إلينا الثانية فانظروا إلى رجوعه، قال: فنظر القوم طويلا إذ مر بهم فقال: السلام عليك أيها الملك إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على فروخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت، فأخبرهم سليمان بما قال وأذن له. وعن كعب قال: صاح ورشان (3) عند سليمان، فقال: أتدرون ما تقول ؟ قالوا: لا، قال: فإنها تقول: لدوا للموت وابنوا للخراب. وصاحت فاختة فقال: تقول: ليت الخلق
(1) الكشاف 3: 280. (2) ولو كان ما افاد صحيحا لما كان أيضا يدل على فضله وكماله، لجواز أن يكون سمع ذلك من غيره فحفظه. كل ذلك لو كان للقضية واقع فكيف لو كانت من اصلها مختلقة موضوعة. (3) ورشان بفتح الواو والراء: نوع من الحمام البرى اكدر اللون فيه بياض فوق ذنبه. و قال الدميري: هو ساق حر وهو ذكر القمارى.
[ 97 ]
لم يخلقوا. وصاح طاووس عنده فقال: أتدرون ما يقول ؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول: كما تدين تدان. وصاح هدهد عنده فقال: إنه يقول: من لا يرحم لا يرحم. وصاح صرد (1) عنده فقال: تقول: استغفروا الله يا مذنبين. وصاح طوطي فقال: يقول: كل حي ميت وكل جديد بال. وصاح خطاف (2) فقال: يقول: قدموا خيرا تجدوه. وهدرت حمامة فقال: تقول: سبحان ربي الاعلى ملء سماواته وأرضه. وصاح قمري فقال: يقول: سبحان ربي الاعلى. قال: والغراب يدعو على العشار. والحدأ (3) يقول: كل شئ هالك إلا وجهه. والقطا (4) يقول: من سكت سلم. والببغاء (5) – وهو طائر أخضر – يقول: ويل لمن الدنيا همه. والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس. والباز يقول: سبحان ربي وبحمده. والضفدعة تقول: سبحان المذكور بكل مكان. وروي عن مكحول أنه صاح دراج عند سليمان بن داود عليه السلام فقال: أتدرون ما يقول ؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول: الرحمن على العرش استوى. (6) 4 – دعوات الراوندي: ذكروا أن سليمان عليه السلام كان جالسا على شاطئ بحر فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر، فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء، فإذا بضفدعة قد أخرجت رأسها من الماء ففتحت فاها فدخلت النملة فاها وغاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة وسليمان يتفكر في ذلك متعجبا، ثم إنها خرجت من
(1) صرد بالضم فسكون: طائر ضخم الرأس أبيض البطن، اخضر الظهر. (2) الخطاف بالفتح: طائر طويل الجناحين، قصير الرجلين، اسود اللون، ويسمى في بر الشام بالخطف. قال الدميري: ويسمى زوار الهند وهو من الطيور القواطع الى الناس تقطع البلاد البعيدة إليهم رغبة في القرب منهم. قلت: يقال له بالفارسية: پرستو. (3) جمع الحداة بالكسر: طائر من الجوارح، والعامة تسميه الحدية. قيل: يقال له بالفارسية: موش كير. (4) جمع القطاة: طائر في حجم الحمام قيل: طائر يقال له بالفارسية: سنگ اشكنك. (5) الببغاء: طائر يسمع كلام الناس فيعيده، قال الدميري: هو المسمى بالدرة، وهو الطوطي. (6) الكشف والبيان مخطوط.
[ 98 ]
الماء وفتحت فاها فخرجت النملة من فيها ولم يكن معها الحبة، فدعاها سليمان عليه السلام وسالها عن حالها وشأنها وأين كانت، فقالت: يا نبي الله إن في قعر هذا البحر الذي تراه صخرة مجوفة وفي جوفها دودة عمياء، وقد خلقها الله تعالى هنالك فلا تقدر أن تخرج منها لطلب معاشها، وقد وكلني الله برزقها، فأنا أحمل رزقها، وسخر الله هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيها، وتضع فاها على ثقب الصخرة وأدخلها، ثم إذا أوصلت رزقها إليها خرجت من ثقب الصخرة إلى فيها فتخرجني من البحر، قال سليمان عليه السلام: وهل سمعت لها من تسبيحة ؟ قالت: نعم، تقول: يامن لا ينساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة برزقك لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك. (1) (باب 8) * (تفسير قوله تعالى ” فطفق مسحا بالسوق والاعناق ” وقوله) * * (عزوجل: ” وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب “) * الايات: ص ” 38 ” ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب * إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد * فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب * ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق * ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب 30 – 34. تفسير: قال الطبرسي رحمه الله: ” نعم العبد ” أي سليمان ” إنه أواب ” أي رجاع إلى الله تعالى في أموره ابتغاء مرضاته ” إذ عرض عليه ” متعلق بنعم، أو باذكر المقدر ” بالعشي ” أي بعد زوال الشمس ” حب الخير ” أي الخيل أو المال ” عن ذكر ربي ” أي آثرته على ذكر ربي. (2) 1 – فس: قال علي بن إبراهيم في قوله: ” ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ” إلى قوله: ” حتى توارت بالحجاب ” وذلك أن سليمان عليه السلام كان يحب الخيل
(1) دعوات الراوندي مخطوط. (2) مجمع البيان 8: 374 و 375.
[ 99 ]
ويستعرضها، فعرضت عليه يوما إلى أن غابت الشمس، وفاتته صلاة العصر، فاغتم من ذلك غما شديدا، فدعا الله عزوجل أن يرد عليه الشمس حتى يصلي العصر، فرد الله سبحانه عليه الشمس إلى وقت صلاة العصر حتى صلاها، ثم دعا بالخيل فأقبل يضرب أعناقها وسوقها بالسيف حتى قتلها كلها، وهو قوله عز اسمه: ” ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق * ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ” إلى قوله: ” إنك أنت الوهاب ” وهو أن سليمان لما تزوج باليمانية ولد منها ابن وكان يحبه، فنزل ملك الموت على سليمان وكان كثيرا ما ينزل عليه، فنظر إلى ابنه نظرا حديدا، ففزع سليمان من ذلك، فقال لامه: إن ملك الموت نظر إلى ابني نظرة أظنه قد أمر بقبض روحه، فقال للجن والشياطين: هل لكم حيلة في أن تفروه من الموت ؟ فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق، فقال سليمان: إن ملك الموت يخرج مابين المشرق والمغرب، فقال واحد منهم: أنا أضعه في الارضين السابعة، (1) فقال: إن ملك الموت يبلغ ذلك، فقال آخر: أنا أضعه في السحاب والهواء، (2) فرفعه ووضعه في السحاب فجاء ملك الموت فقبض روحه في السحاب، فوقع ميتا على كرسي سليمان، فعلم أنه قد أخطأ، فحكى الله ذلك في قوله: ” وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ” فقال: ” رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ” والرخاء: اللينة ” والشياطين كل بناء وغواص ” أي في البحر ” وآخرين مقرنين في الاصفاد ” يعني مقيدين قد شد بعضهم إلى بعض، وهم الذين عصوا سليمان عليه السلام حين سلبه الله عزوجل ملكه. وقال الصادق عليه السلام: جعل الله عزوجل ملك سليمان عليه السلام في خاتمه، فكان إذا لبسه حضرته الجن والانس والشياطين وجميع الطير والوحش وأطاعوه فيقعد على كرسيه ويبعث الله عزوجل ريحا تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين والطير والانس و الدواب والخيل فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان عليه السلام، وكان يصلي الغداة
(1) في المصدر: في الارض السابعة. (2) في المصدر: في السحاب في الهواء.
[ 100 ]
بالشام، والظهر بفارس، وكان يأمر الشياطين أن يحملوا الحجارة من فارس يبيعونها بالشام، فلما مسح أعناق الخيل وسوقها بالسيف سلبه الله ملكه، وكان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من يخدمه فجاء شيطان فخدع خادمه وأخذ من يده الخاتم ولبسه، فخرت عليه (1) الشياطين والجن والانس والطير والوحوش، وخرج سليمان عليه السلام في طلب الخاتم فلم يجده، فهرب ومر على ساحل البحر وأنكرت بنو إسرائيل الشيطان الذي تصور في صورة سليمان، وصاروا إلى أمه فقالوا لها: أتنكرين من سليمان شيئا ؟ فقالت: كان أبر الناس بي وهو اليوم يعصيني، (2) وصاروا إلى جواريه ونسائه وقالوا: أتنكرن من سليمان شيئا ؟ قلن: لم يكن يأتينا في الحيض وهو يأتينا في الحيض، فلما خاف الشيطان أن يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر، فبعث الله سمكة فالتقمته وهرب الشيطان فبقوا بنو إسرائيل يطلبون سليمان عليه السلام أربعين يوما، وكان سليمان عليه السلام يمر على ساحل البحر تائبا إلى الله مما كان منه، فلما كان بعد أربعين يوما مر بصياد يصيد السمك فقال له: أعينك على أن تعطيني من السمك شيئا ؟ قال: نعم، فأعانه سليمان عليه السلام، فلما اصطاد دفع إلى سليمان عليه السلام سمكة فأخذها فشق بطنها وذهب يغسلها فوجد الخاتم في بطنها فلبسه، وحوت (3) عليه الشياطين والجن والانس والطير والوحوش ورجع إلى ماكان، وطلب ذلك الشيطان وجنوده الذين كانوا معه فقيدهم وحبس بعضهم في جوف الماء وبعضهم في جوف الصخر بأسامي الله، فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة. قال: ولما رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف بن برخيا – وكان آصف كاتب سليمان وهو الذي كان عنده علم من الكتاب -: قد عذرت الناس بجهالتهم فكيف أعذرك ؟ فقال: لا تعذرني فلقد عرفت الحوت الذي أخذ خاتمك (4) وأباه وأمه وعمه وخاله، ولقد قال لي: اكتب لي، فقلت له: إن قلمي لا يجري بالجور، فقال: اجلس ولا تكتب، فكنت أجلس ولا أكتب شيئا، ولكن أخبرني عنك يا سليمان صرت تحب الهدهد وهو أخس
(1) في نسخة: فحوت، وفي اخرى: فحشرت. (2) في المصدر: وهذا اليوم يبغضني. (3) في المصدر: فخرت عليه. (4) في المصدر: قد عرفت الجن الذي أخذ خاتمك. وهو الصحيح.
[ 101 ]
الطير منتنا (1) وأخبثه ريحا، قال: إنه يبصر الماء من وراء الصفا الاصم: فقال: وكيف يبصر الماء من وراء الصفا وإنما يوارى عنه الفخ بكف من تراب حتى يأخذ بعقبه ؟ (2) فقال سليمان: قف ياوقاف إنه إذا جاء القدر حال دون البصر. (3) بيان: قوله: (حتى يأخذ بعقبه) أي يأخذ الفخ برجله، وفي بعض النسخ: بعنقه، وفي بعضها: رقبته، أي يأخذ الفخ أو الصائد رقبته. وقال الفيروزآبادي: الوقاف: المتأني. والمحجم عن القتال. أقول: ما ذكره علي بن إبراهيم في تأويل تلك الآيات كلها موافقة لروايات المخالفين، وإنما أولها علماؤنا على وجوه أخر: قال الصدوق رحمه الله في الفقيه: قال زرارة والفضيل: قلنا لابي جعفر عليه السلام: أرأيت قول الله عزوجل: ” إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ” ؟ قال: يعني كتابا مفروضا، وليس يعني وقت فوتها إن جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاة مؤداة، ولو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود عليه السلام حين صلاها بغير وقتها، ولكنه متى ذكرها صلاها. ثم قال رحمه الله: إن الجهال من أهل الخلاف يزعمون أن سليمان عليه السلام اشتغل ذات يوم بعرض الخيل حتى توارث الشمس بالحجاب، ثم أمر برد الخيل وأمر بضرب سوقها وأعناقها، وقال: إنها شغلتني عن ذكر ربي، وليس كما يقولون، جل نبي الله سليمان عليه السلام عن مثل هذا الفعل، لانه لم يكن للخيل ذنب فيضرب سوقها وأعناقها لانها لم تعرض نفسها عليه ولم تشغله، وإنما عرضت عليه وهي بهائم غير مكلفة. والصحيح في ذلك ماروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: إن سليمان بن داود عليه السلام عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل، فاشتغل بالنظر إليها حتى توارث الشمس بالحجاب فقال للملائكة: ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها، فردوها فقام فطفق مسح ساقيه وعنقه، وأمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك، وكان ذلك وضوؤهم
(1) في المصدر: وهو أخس الطير منبتا. (2) في نسخة: حتى يؤخذ بعنقه. (3) تفسير القمي: 565 – 568.
[ 102 ]
للصلاة، ثم قام فصلى فلما فرغ غابت الشمس وطلعت النجوم، وذلك قول الله عزوجل ” ووهبنا لداود سليمان ” إلى قوله: ” فطفق مسحا بالسوق والاعناق ” وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب الفوائد انتهى. (1) وقال الطبرسي رحمه الله: ” الصافنات “: الخيل الواقفة على ثلاث قوائم، الواضعة أطراف السنبك (2) الرابع على الارض ” الجياد “: السريعة المشي، الواسعة الخطو، قال مقاتل: إنه ورث من أبيه ألف فرس، وكان أبوه قد أصاب ذلك من العمالقة، وقال الكلبي غزا سليمان دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس، وقال الحسن: كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة، وقال: المراد بالخير الخيل هنا، فإن العرب تسمي الخيل الخير، وقيل: معناه حب المال، وكان سليمان عليه السلام قد صلى الصلاة الاولى وقعد على كرسيه والخيل تعرض عليه حتى غابت الشمس. وفي روايات أصحابنا أنه فاته أول الوقت، وقال الجبائي: لم يفته الفرض، و إنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار لاشتغاله بالخيل، وقيل: إن ذكر ربي كناية عن كتاب التوراة انتهى. (3) ولنذكر بعض ما ذكر من وجوه التأويل في تلك الآيات: قال السيد المرتضى قدس الله روحه: ظاهر الآية لا يدل على إضافة قبيح إلى النبي، والرواية إذا كانت مخالفة لما تقتضيه الادلة لا يلتفت إليها لو كانت قوية ظاهرة، فكيف إذا كانت ضعيفة واهية ؟ ! والذي يدل على ما ذكرناه على سبيل الجملة أن الله تعالى ابتدأ الآية بمدحه والثناء عليه، فقال: ” نعم العبد إنه أواب ” وليس يجوز أن يثني عليه بهذا الثناء ثم يتبعه من غير فصل بإضافة القبيح إليه، وأنه تلهى بعرض الخيل عن فعل المفروض عليه من الصلاة، والذي يقتضيه الظاهر أن حبه للخيل وشغفه بها كان عن إذن ربه وأمره وبتذكيره إياه، لان الله تعالى قد أمرنا بارتباط الخيل وإعدادها لمحاربة الاعداء، فلا ينكر أن يكون سليمان عليه السلام مأمورا بمثل ذلك انتهى. (4)
(1) من لا يحضره الفقيه: 53. (2) السنبك: طرف الحافر. (3) مجمع البيان 8: 474 – 475. (4) تنزيه الانبياء: 93.
[ 103 ]
ثم اعلم أنهم اختلفوا في مرجع الضمير في قوله: ” توارت بالحجاب ” وقوله: ” ردوها علي ” إذ يجوز بحسب ظاهر اللفظ إرجاع الضميرين إلى الشمس وإن لم يجر لها ذكر بقرينة المقام ولذكر ماله تعلق بها وهو العشي وإلى الخيل والاول إلى الشمس والثاني إلى الخيل وبالعكس فقيل: بإرجاعهما جميعا إلى الشمس كما مر فيما رواه الصدوق، وروى الطبرسي رحمه الله عن ابن عباس أنه قال: سألت عليا عليه السلام عن هذه الآية، فقال: ما بلغك فيها يا ابن عباس ؟ فقلت: سمعت كعبا يقول: اشتغل سليمان بعرض الافراس حتى فاتته الصلاة، فقال: ردوها علي يعني الافراس، وكانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها و أعناقها بالسيف فقتلها، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لانه ظلم الخيل بقتلها. فقال علي عليه السلام: كذب كعب، لكن اشتغل سليمان بعرض الافراس ذات يوم لانه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب، فقال بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس: ردوها علي، فردت فصلى العصر في وقتها، وإن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم لانهم معصومون مطهرون. (1) وقيل: بإرجاعهما معا إلى الخيل وفيه وجهان: الاول أنه أمر بإجراء الخيل حتى غابت عن بصره فأمر بردها فمسح سوقها وأعناقها صيانة لها وإكراما لما رأى من حسنها، فمن عادة من عرضت عليه الخيل أن يمر يده على أعرافها وأعناقها وقوائمها، ويمكن أن يكون الغرض من ذلك المسح بيان أن إكرامها وحفظها مما يرغب فيه، لكونها من أعظم الاعوان على دفع العدو، أو أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتصنع إلى حيث يباشر أكثر الامور بنفسه، أو أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها فكان يمسحها ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض. الثاني: أن يكون المسح ههنا هو الغسل فإن العرب تسمي الغسل مسحا، فكأنه لما رأى حسنها أراد صيانتها وإكرامها فغسل قوائمها وأعناقها. وقيل: بإرجاع الاول إلى الشمس والثاني إلى الخيل وهذا يحتمل وجوها: الاول: ما ذكره السيد (2) رضي الله عنه أن المراد أنه عرقبها ومسح سوقها و
أعناقها بالسيف من حيث شغلته عن النافلة، (1) ولم يكن ذلك على سبيل العقوبة لها، لكن حتى لا يتشاغل في المستقبل بها عن الطاعات، لان للانسان أن يذبح فرسه لاكل لحمه، فكيف إذا انضاف إلى ذلك وجه آخر لحسنه. (2) وقد قيل: إنه يجوز أن يكون لما كانت الخيل أعز ماله أراد أن يكفر عن تفريطه في النافلة بذبحها والتصدق بلحمها على المساكين، قالوا: فلما رأى حسن الخيل وراقته (3) وأعجبته أراد أن يتقرب إلى الله بالمعجب له الرائق في عينه، ويشهد بصحة هذا المذهب قوله تعالى: ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون “. الثاني: أنه مسح سوقها وأعناقها وجعلها مسبلة (4) في سبيل الله. الثالث: أن يكون قوله: ” حتى توارت بالحجاب ” بيانا لغاية عرض الخيل واستعادته بها، من غير أن يكون فات عنه بسببها شئ، وإنما أمر بردها إكراما لها كما مر، وعلى هذا فقوله: ” أحببت حب الخير عن ذكر ربي ” يحتمل وجهين ذكرهما الرازي في تفسيره. (5) الاول: أن يضمن أحببت معنى فعل يتعدى بعن، كأنه قيل: أبنت حب الخير عن ذكر ربي وهو التوراة، لان ارتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوح فكذلك في التوراة ممدوح. الثاني: أن الانسان قد يحب شيئا ولكنه لا يحب أن يحبه، كالمريض الذي يشتهي ما يضره في مرضه، وأما من أحب شيئا وأحب أن يحبه كان ذلك غاية المحبة فقوله: ” أحببت حب الخير ” أي أحببت حبي لهذه الخيل، ثم قال: ” عن ذكر ربي ” بمعنى أن هذه المحبة الشديدة إنما حصلت عن ذكر الله وأمره لا عن الشهوة والهوى، وأما الاحتمال الرابع فلم يقل به أحد وإن أمكن توجيهه ببعض الوجوه السابقة، فإذا
(1) في المصدر: عن الطاعة. (2) في المصدر: يحسنه. (3) الروقة في الخيل: حسن الخلق يعجب الناظر. (4) من سبل المال: جعله في سبيل الله والخير. (5) مفاتيح الغيب 7: 136.
[ 105 ]
أحطت خبرا بما حكيته لك علمت أنه يمكن تأويلها بوجوه كثيرة لا يتضمن شئ منها إثبات ذنب له عليه السلام. وأما قوله تعالى: ” ولقد فتنا سليمان ” فاختلف العلماء في فتنته وزلته والجسد الذي ألقي على كرسيه على أقوال: الاول: ما ذكره الرازي عن بعض رواة المخالفين أن سليمان بلغه خبر مدينة في البحر، فخرج إليها بجنوده تحمله الريح فأخذها وقتل ملكها وأخذ بنتا له اسمها جرادة من أحسن الناس وجها، فاصطفاها لنفسه وأسلمت فأحبها، وكانت تبكي على أبيها فأمر سليمان الشيطان فمثل لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته، وكانت تذهب إلى تلك الصورة بكرة وعشيا مع جواريها يسجدن له، فأخبر آصف سليمان بذلك، فكسر الصورة وعاقب المرأة، ثم خرج وحده إلى بلاده (1) وفرش الرماد وجلس عليه تائبا إلى الله تعالى، وكانت له أم ولد يقال لها أمينة، إذا دخل للطهارة أو لاصابة امرأة وضع خاتمه عندها، (2) فوضعه عندها يوما وأتاها الشيطان صاحب البحر على صورة سليمان وقال: يا أمينة خاتمي، فتختم به وجلس على كرسي سليمان، فأتاه الطير والجن والانس وتغيرت هيئة سليمان، فأتى أمينة لطلب الخاتم فأنكرته فطردته، فعرف أن الخطيئة قد أدركته، فكان يدور على البيوت ويتكفف (3) وإذا قال: أنا سليمان حثوا عليه التراب وسبوه، ثم أخذ يخدم الصيادين (4) ينقل لهم السمك فيعطونه كل يوم سمكتين، فمكث على هذه الحالة أربعين يوما عدد ما عبدالوثن في بيته، فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم الشيطان وسأل آصف نساء سليمان فقلن: ما يدع امرأة منا في دمها، ولا يغتسل من جنابة، وقيل: كان نفذ (5) حكمه في كل شئ إلا فيهن، ثم طار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة و وقعت السمكة في يد سليمان فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم فتختم به ووقع ساجدا لله ورجع
(1) هكذا في النسخ وفيه تصحيف والصحيح كما في المصدر: إلى فلاة. (2) في المصدر زيادة وهي: وكان ملكه في خاتمه. (3) اي يمد كفه إليهم يستعطى ! (4) في المصدر: السماكين. وهو أنسب بما بعده. (5) في المصدر: وقيل: بل نفذ حكمه.
[ 106 ]
إلى ملكه وأخذ ذلك الشيطان فحبسها في صخرة وألقاها في البحر، فهؤلاء قالوا: قوله: ” وألقينا على كرسيه جسدا ” هو جلوس ذلك الشيطان على كرسيه عقوبة له، ثم قال: واعلم أن أهل التحقيق استبعدوا هذا الكلام من وجوه: الاول: أن الشيطان لو قدر على أن يتشبه بالصورة والخلقة بالانبياء فحينئذ لا يبقى اعتماد على شئ قطعا، فلعل هؤلاء الذين رأوهم الناس في صورة محمد وموسى و عيسى عليهم السلام ما كانوا أولئك، بل كانوا شياطين تشبهوا بهم في الصورة، (1) ومعلوم أن ذلك يبطل الدين بالكلية. الثاني: أن الشيطان لو قدر على أن يعامل نبي الله تعالى بمثل هذه المعاملة لوجب أن يقدر على مثلها مع جميع العلماء والزهاد، وحينئذ وجب أن يقتلهم ويمزق تصانيفهم ويخرب ديارهم. الثالث: كيف يليق بحكمة الله وإحسانه أن يسلط الشيطان على أزواج سليمان، (2) ولاشك أنه قبيح. الرابع: لو قلنا: إن سليمان عليه السلام أذن لتلك المرأة في عبادة تلك الصورة فهذا كفر منه، وإن لم يأذن فيه فالذنب على تلك المرأة، فكيف يؤاخذ الله سليمان عليه السلام بفعل لم يصدر عنه ؟ ! (3) وقال السيد قدس الله روحه: أما ما رواه القصاص الجهال في هذا الباب فليس مما يذهب على عاقل بطلانه، وأن مثله لا يجوز على الانبياء عليهم السلام، وأن النبوة لا تكون في خاتم يسلبها الجني، وأن الله تعالى لا يمكن الجني من التمثل بصورة النبي ولا غير ذلك مما افتروا به على النبي. (4) أقول: ثم ذكر رحمه الله وجوها ذكر الطبرسي رحمة الله عليه مختصرا منها مع غيرها، منها: أن سليمان عليه السلام قال يوما في مجلسه: لاطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف
(1) في المصدر هنا زيادة وهي: لاجل الاغواء والاضلال. (2) وكيف يجعله فقيرا حتى يتكفف ؟ ! (3) مفاتيح الغيب 7: 136. (4) تنزيه الانبياء: 95.
[ 107 ]
عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد، رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ثم قال: فو الذي نفس محمد بيده لو قال: ” إن شاء الله ” لجاهدوا في سبيل الله فرسانا، فالجسد الذي ألقي على كرسيه كان هذا، ثم أناب إلى الله تعالى وفرغ إلى الصلاة (1) والدعاء على وجه الانقطاع إليه سبحانه، وهذا لا يقتضي أنه وقع منه معصية صغيرة ولا كبيرة، لانه عليه السلام وإن لم يستثن ذكره (2) لفظا فلا بد من أن يكون استثناه ضميرا واعتقادا، إذ لو كان قاطعا للقول بذلك لكان مطلقا لما لا يأمن أن يكون كذبا إلا أنه لما لم يذكر لفظة الاستثناء عوتب على ذلك من حيث ترك ما هو مندوب إليه. ومنها ماروي أن الجن والشياطين لما ولد لسليمان عليه السلام ابن قال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد لنلقين منه مالقينا من أبيه من البلاء، فأشفق عليه السلام منهم عليه، فاسترضعه في المزن وهو السحاب، فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على أن الحذر لا ينفع عن القدر، وإنما عوتب عليه السلام على خوفه من الشياطين، عن الشعبي وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام. ومنها أنه ولد له ميت جسد بلا روح فألقي على سريره، عن الجبائي. ومنها أن الجسد المذكور هو جسد سليمان لمرض امتحنه الله تعالى به، وتقدير الكلام: وألقيناه على كرسيه جسدا لشدة المرض، فيكون جسدا منصوبا على الحال، والعرب يقول في الانسان إذا كان ضعيفا: هو جسد بلا روح ولحم على وضم (3) ” ثم أناب ” أي رجع إلى حال الصحة، عن أبي مسلم. وأما (4) ما ذكر عن ابن عباس أنه ألقي شيطان اسمه صخر على كرسيه وكان ماردا عظيما لا يقوى عليه جميع الشياطين، وكان نبي الله سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه، فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نسائه، وأقام أربعين يوما في ملكه وسليمان هارب، وعن مجاهد أن شيطانا اسمه
(1) في نسخة وفي المصدر: فزع الى الصلاة. اي لجأ إليها. (2) في المصدر: وان لم يستثن ذلك. (3) الوضم: خشبة الجزار التي يقطع عليها اللحم. (4) جواب أما يأتي بعيد هذا وهو قوله: فان جميع ذلك اه.
[ 108 ]
آصف قال له سليمان: كيف تفتنون الناس ؟ قال: أرني خاتمك أخبرك بذلك، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه، وقعد الشيطان على كرسيه ومنعه الله تعالى نساء سليمان فلم يقربهن، وكان سليمان يستطعم فلا يطعم حتى أعطته امرأته يوما حوتا فشق بطنه فوجد خاتمه فيه فرد الله ملكه، (1) وعن السدي أن اسم ذلك الشيطان خيفيق، (2) وما ذكر أن السبب في ذلك أن الله سبحانه أمره أن لا يتزوج في غير بني إسرائيل فتزوج من غيرهم، وقيل: بل السبب فيه أنه وطئ امرأة في حال الحيض فسال منها الدم فوضع خاتمه ودخل الحمام فجاء الشيطان وأخذه، وقيل: تزوج امرأة مشركة ولم يستطع أن يكرهها على الاسلام فعبدت الصنم في داره أربعين يوما فابتلاه الله بحديث الشيطان والخاتم أربعين يوما، وقيل: احتجب ثلاثة أيام ولم ينظر في أمر الناس فابتلي بذلك فإن جميع (3) ذلك مما لا يعول عليه، لان النبوة لا تكون في الخاتم ولايجوز أن يسلبها الله النبي ولا أن يمكن الشيطان من التمثل بصورة النبي و القعود على سريره والحكم بين عباده، وبالله التوفيق. (4)
(1) في المصدر: فرد الله عليه ملكه. (2) في المصدر: حيقيق. (3) جواب لاما. (4) مجمع البيان 8: 475 – 476.
[ 109 ]
(باب 9) * (قصته عليه السلام مع بلقيس) * الايات، النمل ” 27 ” وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين * لاعذبنه عذابا شديدا أو لاذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين * فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين * إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون * ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والارض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم * قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين * اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون * قالت يا أيها الملا إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين * قالت يا أيها الملا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد * والامر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون * فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون * ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون * قال يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين * قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلونئ أشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم * قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون * فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم
[ 110 ]
من قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين * قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير * قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين 20 – 44 1 – ختص: أحمد بن محمد وفضالة، عن أبان، عن أبي بصير وزرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما زاد العالم على النظر إلى ما خلفه وما بين يديه مد بصره ثم نظر إلى سليمان عليه السلام ثم مد بيده فإذا هو ممثل بين يديه. 2 – وذكر علي بن مهزيار، عن أحمد بن محمد، عن حماد بن عثمان، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما زاد صاحب سليمان على أن قال بإصبعه هكذا، فإذا هو قد جاء بعرش صاحبة سبأ، فقال له حمران: كيف هذا أصلحك الله ؟ فقال: إن أبي كان يقول: إن الارض طويت له إذا أراد طواها. 3 – فس: كان سليمان عليه السلام إذا قعد على كرسيه جاءت جميع الطير التي سخرها الله لسليمان فتظل الكرسي والبساط بجميع من عليه من الشمس، فغاب عنه الهدهد من بين الطير فوقعت الشمس من موضعه في حجر سليمان، فرفع رأسه، وقال كما حكى الله: ” مالي لا أرى الهدهد ” إلى قوله: ” بسلطان مبين ” أي بحجة قوية، فلم يمكث إلا قليلا إذ جاء الهدهد فقال له سليمان: أين كنت ؟ قال: ” أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين ” أي بخبر صحيح ” إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ” و هذا مما لفظه عام ومعناه خاص، لانها لم تؤت أشياء كثيرة منها الذكر واللحية، ثم قال: وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ” إلى قوله: ” فهم لا يهتدون ” ثم قال الهدهد: ” ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات ” أي المطر وفي ” الارض ” النبات (1) ثم قال سليمان: ” سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ” إلى قوله: ” ماذا يرجعون ” فقال الهدهد: إنها في عرش عظيم أي سرير، فقال سليمان: ألق الكتاب على قبتها، فجاء الهدهد فألقى الكتاب في حجرها فارتاعت من ذلك و جمعت جنودها وقالت لهم كما حكى الله: ” يا أيها الملا إني ألقي إلي كتاب كريم “
(1) في المصدر: اي النبات.
[ 111 ]
أي مختوم ” إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ” أي لا تتكبروا علي، ثم قالت: ” يا أيها الملا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ” قالوا لها كما حكى الله: ” نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد * والامر إليك فانظري ماذا تأمرين ” فقالت لهم: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ” فقال الله عزوجل: ” وكذلك يفعلون ” ثم قالت: إن كان هذا نبيا من عند الله كما يدعي فلا طاقة لنا به، فإن الله لا يغلب، ولكن سأبعث إليه بهدية فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها و علمت أنه لا يقدر علينا، فبعثت إليه حقا فيه جوهرة عظيمة، وقالت للرسول: قل له: يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار، فأتاه الرسول بذلك فأمر سليمان عليه السلام بعض جنوده من الديدان فأخذ خيطا في فمه ثم ثقبها وأخرج الخيط من الجانب الآخر وقال سليمان لرسولها: ” ما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون * ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ” أي لا طاقة (1) ” ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ” فرجع إليها الرسول فأخبرها بذلك وبقوة سليمان فعلمت أنه لا محيص لها، فارتحلت وخرجت (2) نحو سليمان، فلما أخبر الله سليمان بإقبالها نحوه قال للجن والشياطين: ” أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت ” من عفاريت الجن: ” أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ” قال سليمان: أريد أسرع من ذلك، فقال آصف ابن برخيا: ” أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ” فدعا الله باسمه الاعظم فخرج السرير من تحت كرسي سليمان بن داود عليه السلام فقال سليمان: ” نكروا لها عرشها ” أي غيروه ” ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون * فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو ” و كان سليمان قد أمر أن يتخذ لها بيت من قوارير ووضعه على الماء، ثم قيل لها: ” ادخلي الصرح ” فظنت أنه ماء فرفعت ثوبها وأبدت ساقيها فإذا عليها شعر كثير، فقيل لها: ” إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين “
(1) في المصدر: لا طاقة لهم بها. (2) في المصدر: فخرجت وارتحلت.
[ 112 ]
فتزوجها سليمان وهي بلقيس بنت الشرح (1) الجبيرية، وقال سليمان للشياطين: اتخذوا لها شيئا يذهب هذا الشعر عنها، فعملوا الحمامات وطبخوا النورة (2) فالحمامات والنورة مما اتخذته الشياطين لبلقيس، وكذا الارحية التي تدور على الماء. وقال الصادق عليه السلام: أعطي سليمان بن داود عليه السلام مع علمه معرفة المنطق بكل لسان ومعرفة اللغات ومنطق الطير والبهائم والسباع، فكان إذا شاهد الحروب تكلم بالفارسية وإذا قعد لعماله وجنوده وأهل مملكته تكلم بالرومية، فإذا خلا مع نسائه (3) تكلم بالسريانية والنبطية، وإذا قام في محرابه لمناجاة ربه تكلم بالعربية، وإذا جلس للوفود والخصماء تكلم بالعبرانية قوله: ” لاعذبنه عذابا شديدا ” يقول: لانتفن ريشه، قوله: ” أن لاتعلوا علي ” يقول: لا تعظموا علي، قوله: ” لا قبل لهم بها ” يقول: لا طاقة لهم بها، وقول سليمان: ” ليبلونئ أشكر ” الذي آتاني من الملك ” أم أكفر ” إذا رأيت من هو دوني (4) أفضل مني علما، فعزم الله له على الشكر. (5) 4 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره، عن محمد بن حماد، عن أخيه أحمد بن حماد، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك أخبرني عن النبي صلى الله عليه وآله ورث النبيين كلهم ؟ قال: نعم، قلت: من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه ؟ قال: ما بعث الله نبيا إلا ومحمد صلى الله عليه وآله أعلم منه قال: قلت: إن عيسى بن مريم عليه السلام كان يحيي الموتى بإذن الله، قال: صدقت، وسليمان بن داود عليه السلام كان يفهم منطق الطير، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقدر على هذه المنازل، قال: فقال: إن سليمان بن داود عليه السلام قال للهدهد حين فقده وشك في أمره فقال: ” مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ” حين فقده فغضب عليه فقال: ” لاعذبنه عذابا شديدا أو لاذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ” وإنما غضب
(1) في نسخة: الشراحيل، وفي اخرى: الشرجيل. وفي العرائس: بنت البشرخ وهو الهذهاذ وفي المحبر والطبري: بنت اليشرح، وفي الكامل، ابنة أن يشرح وهو الهدهاد، ثم ذكروا نسبها وفيه اختلاف يطول ذكره. (2) في نسخة: وطبخوا النورة والزرنيخ. (3) في المصدر: فإذا خلا بنسائه. (4) في نسخة: إذا رأيت من هو أدون. (5) تفسير القمي: 476 – 478.
[ 113 ]
لانه كان يدله على الماء فهذا وهو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان وقد كانت الريح والنمل والجن والانس والشياطين والمردة (1) له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكان الطير يعرفه، وإن الله يقول في كتابه: ” ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى ” وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال، وتقطع به البلدان وتحيى به الموتى، ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به، الخبر. (2) بيان: تحت الهواء لعل المراد منه تحت الارض كما سيأتي، فإن الارض أيضا تحت الهواء، أو المراد معرفته حين كونهم على البساط في الهواء. 5 – كا: محمد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن محمد بن الفضيل، عن شريس الوابشي، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن اسم الله الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالارض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده، ثم عادت الارض كما كانت أسرع من طرفة العين، ونحن عندنا من الاسم الاعظم اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله تبارك وتعالى استأثر (3) به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (4) 6 – كا: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن علي بن محمد النوفلي، عن أبي الحسن العسكري عليه السلام قال: سمعته يقول: إن اسم الله الاعظم ثلاثة وسبعون حرفا، كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الارض فيما بينه وبين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان، ثم انبسطت الارض في أقل من طرفة عين (5)
(1) في نسخة من المصدر: والشياطين المردة. (2) اصول الكافي 1: 226. (3) استأثر بالشئ على الغير: استبد به وخص به نفسه. (4 و 5) اصول الكافي 1: 230.
[ 114 ]
7 – ير: أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن محمد بن الفضيل، عن سعد أبي عمر الجلاب (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن اسم الله الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا، كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالارض ما بينه وبين سرير بلقيس، ثم تناول السرير بيده ثم عادت الارض كما كان أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفا، وحرف عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب المكتوب عنده. (2) 8 – ير: أحمد بن موسى، عن أحمد بن عبدوس الخليجي، (3) عن علي بن الحكم، عن محمد بن الفضيل، عن سعد أبي عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن اسم الله الاعظم على اثنين وسبعين حرفا، وإنما كان عند آصف كاتب سليمان عليه السلام وكان يوحى إليه (4) حرف واحد ألف أو واو، (5) فتكلم فانخرقت له الارض حتى التفت فتناول السرير، وإن عندنا من الاسم أحدا وسبعين حرفا، وحرف عند الله في غيبه. (6) أقول: قد أوردنا بعض الاخبار في أبواب الامامة، وبعضها في أبواب التوحيد. 9 – ير: محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن محمد بن الفضيل، عن ضريس (7) الوابشي، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك قول العالم: ” أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ” قال: فقال: يا جابر إن الله جعل اسمه الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا، فكان عند العالم منها حرف واحد فانخسفت الارض ما بينه وبين السرير
(1) حكى عن رجال أنه سعد بن أبي عمرو الجلاب، وعن نسخة: سعد بن أبي عمر الجلاب وعن الفقيه: سعد أبي عمرو الجلاب، وفي البصائر: عن سعدان عن ابي عمر الجلاب، و لعله مصحف. (2) بصائر الدرجات: 57. (3) هكذا في نسخ الكتاب وفي المصدر وهو وهم، وصحيحه ” الخلنجى ” بالنون على ما في فهرست النجاشي والشيخ ورجاله، نسبة إلى الخلنج، وهو كسمند: شجر فارسي معرب يتخذ من خشبته الاواني أو كل جفنة وصحفة وآنية صنعت من خشب ذي طرائق وأساريع موشاة، على ما حكى عن اللسان فكان الرجل كان يبيع ذلك. (4) في المصدر: وكان يؤمى إليه. (5) لعله على التشبيه. (6) بصائر الدرجات: 57. (7) في نسخة: شريس الوابشي. وكلاهما كزبير.
[ 115 ]
حتى التفت القطعتان (1) وحول من هذه على هذه، وعندنا من اسم الله الاعظم اثنان و سبعون حرفا، وحرف في علم الغيب المكنون عنده. (2) 10 – كا: علي بن محمد بن بندار، عن السياري رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من أراد الاطلاء بالنورة فأخذ من النورة بإصبعه فشمه وجعله على طرف أنفه وقال: ” صلى الله على سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة ” لم تحرقه النورة. (3) 11 – مل: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن الاهوازي، عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن ابن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن صاحب سليمان تكلم باسم الله الاعظم فخسف مابين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الارض وحزونتها حتى التقت القطعتان فاجتر العرش، قال سليمان: يخيل إلي أنه خرج من تحت سريري، قال: ودحيت في أسرع من طرفة العين. (4) بيان: ظاهر أكثر تلك الاخبار أن الارض التي كانت بينه وبين السرير انخسفت وتحركت الارض التي كان السرير عليها حتى أحضرته عنده. فإن قيل: كيف انخسفت الابنية التي كانت عليها ؟ قلنا: يحتمل أن تكون تلك الابنية تحركت بأمره تعالى يمينا وشمالا، وكذا ما عليها من الحيوانات والاشجار وغيرها، ويمكن أن يكون حركة السرير من تحت الارض بأن غار في الارض وطويت وتكاثفت الطبقة التحتانية حتى خرج من تحت سريره ثم دحيت تلك الطبقة من تحت الارض. 12 – ختص: محمد بن علي، عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان الاحمر قال: قال الصادق عليه السلام: يا أبان كيف تنكر الناس قول أمير المؤمنين عليه السلام لما قال: ” لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره ” ولا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس وإتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه ؟ أليس نبينا صلى الله عليه وآله أفضل الانبياء ووصيه أفضل الاوصياء ؟ أفلا
(1) هكذا في المصدر وفي نسخ من الكتاب، وفي نسختين: التقت القطعتان. (2) بصائر الدرجات: 57. (3) فروع الكافي 2: 221. (4) كامل الزيارة: 59.
[ 116 ]
جعلوه كوصي سليمان عليه السلام ؟ حكم الله بيننا وبين من جحد حقنا وأنكر فضلنا (1) أقول: قال الشيخ أمين الدين الطبرسي برد الله مضجعه في قوله تعالى: ” وتفقد الطير ” أي طلبه عند غيبته ” فقال مالي لا أرى الهدهد ” أي ما للهدهد لا أراه ؟ واختلف في سبب تفقده فقيل: إنه احتاج إليه في سفره ليدله على الماء، يقال: إنه يرى الماء في بطن الارض كما نراه في القارورة، عن ابن عباس، وروى العياشي بالاسناد قال: قال أبو حنيفة لابي عبد الله عليه السلام: كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير ؟ قال: لان الهدهد يرى الماء في بطن الارض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة ؟ فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه وضحك ! فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما يضحكك ؟ قال: ظفرت بك جعلت فداك ؟ قال: وكيف ذاك ؟ قال: الذي يرى الماء في بطن الارض لا يرى الفخ في التراب حتى تأخذ بعنقه ؟ (2) فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا نعمان أما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر. وقيل: إنما تفقده لاخلاله بنوبته، عن وهب، وقيل: كانت الطيور تظله من الشمس فلما أخل الهدهد بمكانه بان بطلوع الشمس عليه ” أم كان من الغائبين ” معناه: أتأخر عصيانا أم غاب لعذر وحاجة ؟ قال المبرد: لما تفقد سليمان الطير ولم ير الهدهد قال: مالي لا أرى الهدهد ؟ على تقدير أنه مع جنوده وهو لا يراه، ثم أدركه الشك فشك في غيبته عن ذلك الجمع بحيث لم يره فقال: ” أم كان من الغائبين ” أي بل أكان من الغائبين ؟ كأنه ترك الكلام الاول واستفهم عن حاله وغيبته، ثم أوعده على غيبته فقال: ” لاعذبنه عذابا شديدا ” أي بنتف ريشه وإلقائه في الشمس، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد، وقيل: بأن أجعله بين أضداده، وكما صح نطق الطير وتكليفه في زمانه معجزة له جازت معاتبته على ما وقع منه من تقصير فإنه كان مأمورا بطاعته فاستحق العقاب على غيبته ” أو لاذبحنه ” أو لاقطعن (3) حلقه عقوبة له على عصيانه ” أو ليأتيني بسلطان مبين ” أي بحجة واضحة تكون عذرا له في الغيبة ” فمكث غير بعيد ” أي فلم يلبث سليمان إلا زمانا يسيرا حتى جاء الهدهد، وقيل: معناه: فلبث الهدهد في غيبته قليلا ثم رجع، وعلى هذا
(1) الاختصاص مخطوط. (2) في المصدر: حتى يؤخذ بعنقه (3) في المصدر: أي لاقطعن.
[ 117 ]
فيجوز أن يكون التقدير: فمكث في مكان غير بعيد، قال ابن عباس: فأتاه الهدهد بحجة فقال: ” أحطت بما لم تحط به ” أي اطلعت على ما لم تطلع عليه ” وجئتك من سبأ بنبأ يقين ” أي بخبر صادق، وسبأ: مدينة بأرض اليمن، عن قتادة، وقيل: إن الله بعث إلى سبأ اثني عشر نبيا، عن السدي. وروى علقمة عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن سبأ فقال: هو رجل ولد له عشرة من العرب ئيامن (1) منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة، فالذين تشاءموا: لخم وجذام، وغسان، وعاملة، والذين تيامنوا: كندة، والاشعرون، والازد وحمير، ومذحج، وأنمار، ومن الانمار خثعم، وبجيلة ” إني وجدت امرأة تملكهم ” أي تتصرف فيهم بحيث لا يعترض عليها أحد ” وأوتيت من كل شئ ” وهذا إخبار عن سعة ملكها، أي من كل شئ من الاموال وما يحتاج إليه الملوك من زينة الدنيا، قال الحسن: وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ، وقيل: شرحيل (2) ولدها أربعون ملكا آخرهم أبوها، قال قتادة: وكان أولو مشورتها ثلاث مائة واثني عشر قبيلا، كل قبيل (3) منهم تحت رايته ألف مقاتل ” ولها عرش عظيم ” أي سرير أعظم من سريرك، وكان مقدمه من ذهب مرصع بالياقوت الاحمر والزمرد الاخضر، ومؤخره من فضة مكللة (4) بألوان الجواهر، وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق، وعن ابن عباس قال: كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا، وطوله في الهواء ثلاثون ذراعا، وقال أبو مسلم: المراد بالعرش الملك (5) ” وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم ” أي عبادتهم للشمس من دون الله ” فصدهم عن السبيل ” أي صرفهم عن سبيل الحق ” فهم لا يهتدون * ألا يسجدوا ” قرأ أبو جعفر والكسائي ورويس عن يعقوب ” ألا يسجدوا ” خفيفة اللام، والباقون بالتشديد، فعلى الاول إنما هو على معنى الامر بالسجود ودخلت الياء للتنبيه، أو على تقدير ألا يا قوم اسجدوا لله، وقيل: إنه أمر من الله تعالى لجميع
(1) يمن ويأمن لقومه وعلى قومه: كان مباركا عليهم. (2) في المصدر: شرحبيل. (3) الصحيح كما في المصدر ” ثلاثمائة واثنى عشر قيلا كل قيل اه ” والقيل بالفتح: الرئيس. (4) في المصدر: مكلل. (5) ذلك المعنى لا يناسب قوله تعالى: ” أيكم يأتيني بعرشها “
[ 118 ]
خلقه بالسجود له، وقيل: إنه من كلام الهدهد قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله، أو قاله لسليمان عند عوده إليه استنكارا لما وجدهم عليه، والقراءة بالتشديد على معنى زين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لله ” الذي يخرج الخبء في السموات والارض ” الخب: المخبوء، وهو ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه، وما يوجده الله فيخرجه من العدم إلى الوجود يكون بهذه المنزلة، وقيل: الخبء: الغيب، وقيل: إن خبء السماوات المطر، وخبء الارض النبات والاشجار ” ويعلم ما تخفون وما تعلنون ” أي يعلم السر و العلانية ” الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ” من كلام الهدهد، أو ابتداء إخبار من الله تعالى، (1) فلما سمع سليمان ما اعتذر به الهدهد في تأخره ” قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ” ثم كتب سليمان عليه السلام كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إليه فذاك قوله: ” اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ” يعني إلى أهل سبأ ” ثم تول عنهم ” أي استتر منهم قريبا بعد إلقاء الكتاب إليهم ” فانظر ماذا يرجعون ” أي يرجع بعضهم إلى بعض من القول، فمضى الهدهد بالكتاب فألقاه إليهم فلما رأته بلقيس ” قالت ” لقومها: ” يا أيها الملا ” أي أيها الاشراف ” إني ألقي إلي كتاب كريم ” قال قتادة: أتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها، فألقى الكتاب على نحرها فقرأت الكتاب، وقيل: كانت لها كوة مستقبلة للشمس تقع الشمس عند ما تطلع فيها، فإذا نظرت إليها سجدت، فجاء الهدهد إلى الكوة فسدها بجناحه، فارتفعت الشمس ولم تعلم، فقامت تنظر فرمى الكتاب إليها، عن وهب وابن زيد، فلما أخذت الكتاب جمعت الاشراف وهم ثلاثمائة واثنا عشر قبيلا، (2) ثم قالت لهم: ” إني ألقي إلي كتاب كريم ” سمته كريما لانه كان مختوما عن ابن عباس، ويؤيده الحديث: إكرام الكتاب ختمه. وقيل: وصفته بالكريم لانه صدره ببسم الله الرحمن الرحيم، وقيل: لحسن خطه وجودة لفظه وبيانه، وقيل: لانه كان ممن يملك الانس والجن والطير، وقد كانت سمعت بخبر سليمان فسمته كريما لانه من كريم رفيع الملك عظيم الجاه ” إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ” معناه أن الكتاب من سليمان وأن المكتوب فيه: ” بسم الله الرحمن الرحيم * ألا
(1) في المصدر: ههنا تمام الحكاية لما قاله الهدهد، ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله تعالى. (2) في: قيلا.
[ 119 ]
تعلوا علي وأتوني مسلمين ” فإن هذا القدر جملة ما في الكتاب ” يا أيها الملا أفتوني في أمري ” اي أشيروا علي بالصواب ” ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ” أي ما كنت ممضية أمرا حتى تحضرون، (1) وهذا ملاطفة منها لقومها، قالوا لها في الجواب: ” نحن أولوا قوة ” أي أصحاب قوة وقدرة وأهل عدد ” وأولوا بأس شديد ” أي وأصحاب شجاعة شديدة ” والامر إليك ” أي أن الامر مفوض إليك في القتال وتركه ” فانظري ماذا تأمرين ” أي ما الذي تأمريننا به لنمتثله، فإن أمرت بالصلح صالحنا وإن أمرت بالقتال قاتلنا، قالت مجيبة لهم عن التعريض بالقتال: ” إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ” أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة أهلكوها وخربوها ” وجعلوا أعزة أهلها أذلة ” أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الامر، والمعنى أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم و دخوله بلادهم وانتهى الخبر عنها وصدقها الله فيما قالت فقال: ” وكذلك ” أي وكما قالت هي ” يفعلون ” وقيل: إن الكلام متصل بعضه ببعض ” وكذلك يفعلون ” من قولها ” وإني مرسلة إليهم ” أي إلى سليمان عليه السلام وقومه ” بهدية ” أصانعه بذلك عن ملكي ” فناظرة ” أي منتظرة ” بم يرجع المرسلون ” بقبول أم رد، وإنما فعلت ذلك لانها عرفت عادة الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم، وكان غرضها أن يتبين لها بذلك أنه ملك أو نبي، فإن قبل الهدية تبين أنه ملك وعندها ما يرضيه، وإن ردها تبين أنه نبي. واختلف في الهدية فقيل: أهدت إليه وصفاء ووصائف (2) ألبستهم لباسا واحدا حتى لايعرف ذكر من أنثى، عن ابن عباس، وقيل: أهدت مائتي غلام ومائتي جارية ألبست الغلمان لباس الجواري وألبست الجواري لباس الغلمان، عن مجاهد، وقيل: أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج، فلما بلغ ذلك سليمان عليه السلام أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق، فلما جاؤوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان فلما رأوا ذلك صغر في أعينهم ما جاؤوا به، عن ثابت البناني، وقيل: إنها عمدت
(1) في المصدر هنا زيادة وهي: تريد: الا بحضرتكم ومشورتكم، وهذا ملاطفة منها لقومها في الاستشارة منهم لما تعمل عليه. (2) وصفاء جمع الوصيف: الغلام دون المراهق. ووصائف جمع الوصيفة مؤنث الوصيف.
[ 120 ]
إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية فألبست الجواري الاقبية والمناطق (1) وألبست الغلمان في سواعدهم أساور من ذهب، وفي أعناقهم أطواقا من ذهب، وفي آذانهم أقراطا وشنوفا (2) مرصعات بأنواع الجواهر، وحملت الجواري على خمسمائة رمكة والغلمان على خمسمائة برذون، (3) على كل فرس لجام من ذهب مرصع بالجواهر، وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة، وتاجا مكللا بالدر والياقوت المرتفع، وعمدت إلى حقة فجعلت فيها درة يتيمة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب، ودعت رجلا من أشراف قومها اسمه المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب رأي وعقل، وكتبت إليه كتابا بنسخة الهدية، قالت فيها: إن كنت نبيا فميز بين الوصفاء والوصائف، وأخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها، واثقب الدرة ثقبا مستويا، و أدخل الخرزة خيطا من غير علاج إنس ولا جن، وقالت للرسول: انظر إليه إذا دخلت عليه فإن نظر إليك نظر غضب فاعلم أنه ملك، فلا يهولنك أمره، فأنا أعز منه، وإن نظر إليك نظر لطف فاعلم أنه نبي مرسل. فانطلق الرسول بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر، فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب ولبنات الفضة ففعلوا، ثم أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى بضع فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة، وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفها من الذهب والفضة ففعلوا، ثم قال للجن: علي بأولادكم فاجتمع خلق كثير فأقامهم عن يمين الميدان ويساره، ثم قعد سليمان عليه السلام في مجلسه على سريره، ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره، وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ، وأمر الانس فاصطفوا فراسخ، وأمر الوحش والسباع والهوام والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه ويساره، فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك سليمان تقاصرت إليهم أنفسهم، (4) ورموا بما معهم من الهدايا، فلما وقفوا بين يدي
(1) الاقبية جمع القباء. والمناطق جمع المنطقة: ما يشد به الانسان وسطه، يقال بالفارسية: كمربند (2) أقراط: جمع القرط وهو ما يعلق في شحمة الاذن من درة ونحوها، يقال بالفارسية، كوشواره وشنوف جمع الشنف: حلى الاذن أيضا، وقيل: ما يعلق في أعلاها. (3) الرمكة: الفرس تتخذ للنسل. والبرذون: دابة الحمل الثقيلة. (4) تقاصرت نفسه: تضاءلت وصغرت.
[ 121 ]
سليمان عليه السلام نظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق، وقال: ما وراءكم ؟ فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا به، وأعطاه كتاب الملكة، فنظر فيه وقال: أين الحقة ؟ فأتي بها فحركها، وجاءه جبرئيل فأخبره بما في الحقة، وقال: إن فيها درة يتيمة غير مثقوبة، وخرزة مثقوبة معوجة الثقب، فقال الرسول: صدقت، فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الخرزة، فأرسل سليمان عليه السلام إلى الارضة فجاءت فأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر، ثم قال: من لهذه الخرزة يسلكها الخيط ؟ فقالت دودة بيضاء: أنا لها يا رسول الله، فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر، ثم ميز بين الجواري والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم، فكانت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الاخرى ثم تضرب به الوجه، والغلام يأخذ من الآنية يضرب به وجهه، وكانت الجارية تصب على باطن ساعدها والغلام على ظهر الساعد، وكانت الجارية تصب الماء صبا وكان الغلام يحدر الماء (1) على يده حدرا، فميز بينهم بذلك، هذا كله مروي عن وهب (2) وغيره. وقيل: إنها أيضا أنفذت مع هداياها عصا كانت تتوارثها ملوك حمير، وقالت: أريد أن تعرفني رأسها من أسفلها، و بقدح ماء وقالت: تملاه ماء رواء (3) ليس من الارض ولا من السماء، فأرسل سليمان العصا إلى الهواء وقال: أي الرأسين سبق إلى الارض فهو أصلها، (4) وأمر بالخيل فأجريت حتى عرقت وملا القدح من عرقها، وقال: هذا ليس من ماء الارض ولا من ماء السماء. ” فلما جاء سليمان ” أي فلما جاء الرسول سليمان ” قال أتمدونني بمال ” أي أتزيدونني مالا ؟ وهذا استفهام إنكار، يعني أنه لا يحتاج إلى مالهم ” فما آتاني الله خير مما آتاكم ” أي ما أعطاني الله من الملك والنبوة والحكمة خير مما أعطاكم من الدنيا و أموالها ” بل أنتم بهديتكم تفرحون ” إذا أهدى بعضكم إلى بعض، وأما أنا فلا أفرح بها،
(1) حدر الشئ: أنزله من علو إلى أسفل. (2) واحاديث وهب غير خالية من اساطير وأوهام. (3) الرواء: الماء العذب. (4) في المصدر: فهو أسفلها.
[ 122 ]
أشار إلى قلة اكتراثه (1) بأموال الدنيا، ثم قال سليمان للرسول: ” ارجع إليهم ” بما جئت به من الهدايا ” فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ” أي لا طاقة لهم بها ولا قدرة لهم على دفعها ” ولنخرجنهم منها أذلة ” أي من تلك القرية ومن تلك المملكة، وقيل: من أرضها وملكها ” وهم صاغرون ” أي ذليلون صغيروا القدر إن لم يأتوا مسلمين، (2) فلما رد سليمان عليه السلام الهدية وميز بين الغلمان والجواري إلى غير ذلك علموا أنه نبي مرسل وأنه ليس كالملوك الذين يغترون بالاموال. فلما رجع إليها الرسول وعرفت أنه نبي وأنها لا تقاومه فتجهزت للمسير إليه وأخبر جبرئيل عليه السلام سليمان عليه السلام أنها خرجت من اليمن مقبلة إليه قال سليمان لاماثل جنده وأشراف عسكره: ” يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين “. واختلف في السبب الذي خص العرش بالطلب على أقوال: أحدها: أنه أعجبته صفته، فأراد أن يراه، وظهر له آثار إسلامها فأحب أن يملك عرشها قبل أن تسلم فيحرم عليه أخذ مالها، عن قتادة، وثانيها: أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها وفطنتها، ويختبر هل تعرفه أو تنكره، عن ابن زيد، وقيل: أراد أن يجعل دليلا (3) ومعجزة على صدقه ونبوته، لانها خلفته في دارها (4) وأوثقته ووكلت به ثقاة قومها يحرسونه ويحفظونه، عن وهب، وقال ابن عباس: كان سليمان عليه السلام رجلا مهيبا لا يبتدئ بالكلام حتى يكون هو الذي يسأل عنه، فخرج يوما وجلس على سريره فرأى رهجا قريبا منه – أي غبارا – فقال: ما هذا ؟ قالوا: بلقيس يا رسول الله، فقال: (5) وقد نزلت منا بهذا المكان ! وكان ما بين الكوفة والحيرة على قدر فرسخ، فقال: ” أيكم يأتيني بعرشها “.
(1) أي قلة اعتنائه بها. (2) في المصدر: إن لم يأتوني مسلمين. (3) في المصدر: أن يجعل ذلك دليلا. (4) في المصدر: لانها خلفته في دارها. (5) المصدر خلى عن لفظة (فقال).
[ 123 ]
وقوله: ” مسلمين ” فيه وجهان: أحدهما أنه أراد مؤمنين موحدين، والآخر مستسلمين منقادين على ما مر بيانه ” قال عفريت (1) من الجن ” أي مارد قوي، عن ابن عباس ” أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ” أي من مجلسك الذي تقضي فيه، عن قتادة ” وإني عليه لقوي أمين ” أي وإني على حمله لقوي، وعلى الاتيان به في هذه المدة قادر، وعلى ما فيه من الذهب والجواهر أمين، وفي هذا دلالة على أن القدرة قبل الفعل، لانه أخبر بأنه قوي عليه قبل أن يجئ به، وكان سليمان عليه السلام يجلس في مجلسه للقضاء غدوة إلى نصف النهار، فقال سليمان عليه السلام: أريد أسرع من ذلك، فعند ذلك ” قال الذي عنده علم من الكتاب ” وهو آصف بن برخيا (2) وكان وزير سليمان وابن أخته، وكان صديقا يعرف اسم الله الاعظم الذي إذا دعي به أجاب، عن ابن عباس، وقيل: إن ذلك الاسم ” الله ” والذي يليه ” الرحمن ” وقيل: هو ” يا حي يا قيوم ” وبالعبرانية ” اهيا شراهيا ” (3) وقيل: هو ” يا ذا الجلال والاكرام ” عن مجاهد، وقيل إنه قال: يا إلهنا وإله كل شئ إلها واحدا لا إله إلا أنت، عن الزهري، وقيل: إن الذي عنده علم من الكتاب كان رجلا من الانس يعلم اسم الله الاعظم اسمه بلخيا، عن مجاهد، وقيل: اسمه اسطوم، عن قتادة، وقيل: هو الخضر عليه السلام، عن أبي لهيعة، وقيل: إن الذي عنده علم من الكتاب هو جبرئيل عليه السلام، أذن الله له في طاعة سليمان، وأن يأتيه بالعرش الذي طلبه، وقال الجبائي: هو سليمان عليه السلام قال ذلك للعفريت ليريه نعمة الله عليه، وهذا قول بعيد لم يؤثر عند أهل التفسير، (4) وأما الكتاب المعرف في الآية بالالف واللام فقيل: إنه اللوح المحفوظ، وقيل: إن المراد به جنس كتب الله المنزلة على أنبيائه وليس المراد به كتاب بعينه، والجنس قد يعرف بالالف و اللام، وقيل: المراد به كتاب سليمان عليه السلام إلى بلقيس ” أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ” اختلف في معناه، فقيل: يريد: قبل أن يصل إليك من كان منك على قدر مد البصر،
(1) قال البغدادي في المحبر: اسمه كودن. (2) قال البغدادي في المحبر: هو آصف بن برخيا بن شمعياء واسمه ناطورا. (3) قد تقدم أن صحيحه: إهيه أشر إهيه، وفي المصدر: إهى أشر إهى، وإهيه بمعنى واجب الوجود. وقيل: معنى الجملة: الذي كان ويكون وهو الكائن. (4) في المصدر: لم يؤثر عن أهل التفسير، أي لم ينقل عنهم.
[ 124 ]
عن قتادة، وقيل: معناه: قبل أن يبلغ طرفك مداه وغايته ويرجع إليك، قال سعيد بن جبير: قال لسليمان: انظر إلى السماء فما طرف حتى جاء به فوضعه بين يديه، والمعنى: حتى يرتد إليك طرفك بعد مده إلى السماء، وقيل: ارتداد الطرف إدامة النظر حتى يرتد طرفه خاسئا، عن مجاهد، فعلى هذا معناه أن سليمان عليه السلام مد بصره إلى أقصاه وهو يديم النظر فقبل أن ينقلب إليه بصره حسيرا يكون قد أتي بالعرش. (1) وقال الكلبي: خر آصف ساجدا ودعا باسم الله الاعظم فغار عرشها تحت الارض حتى نبع عند كرسي سليمان، وذكر العلماء في ذلك وجوها: أحدها: أن الملائكة حملته بأمر الله تعالى. والثاني: أن الريح حملته. والثالث: أن الله تعالى خلق فيه حركات متوالية. والرابع: أنه انخرق مكانه حيث هو هناك، ثم نبع بين يدي سليمان. والخامس: أن الارض طويت له، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام. والسادس: أنه أعدمه الله في موضعه وأعاده في مجلس سليمان، وهذا لا يصح على مذهب أبي هاشم، ويصح على مذهب أبي علي الجبائي فإنه يجوز فناء بعض الاجسام دون بعض. وفي الكلام حذف كثير لان التقدير: قال سليمان له: افعل، فسأل الله تعالى في ذلك فحضر العرش فرآه سليمان مستقرا عنده (2) أي فلما رأى سليمان العرش محمولا إليه موضوعا بين يديه في مقدار رجع البصر ” قال هذا من فضل ربي ” أي من نعمته علي و إحسانه لدي لان تيسير ذلك وتسخيره مع صعوبته وتعذره معجزة له ودلالة على علو قدره وجلالته وشرف منزلته عند الله تعالى ” ليبلونئ أشكر أم أكفر ” أي ليختبرني هل أقوم بشكر هذه النعمة أم أكفر بها ” ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ” لان عائدة شكره ومنفعته ترجعان إليه وتخصانه دون غيره، وهذا مثل قوله: ” إن أحسنتم أحسنتم لانفسكم “. ” ومن كفر فإن ربي غني ” يعني غني عن شكر العباد، غير محتاج إليه، بل هم
(1) في نسخة: قد أتاه بالعرش. (2) في المصدر: فرآه سليمان مستقرا عنده ” فلما رآه مستقرا عنده ” أي فلما رأى.
[ 125 ]
المحتاجون إليه لمالهم فيه من الثواب والاجر ” كريم ” أي متفضل على عباده شاكرهم و كافرهم وعاصيهم ومطيعهم، لا يمنعه كفرهم وعصيانهم من الافضال عليهم والاحسان إليهم ” قال ” سليمان ” نكروا لها عرشها ” أي غيروا سريرها إلى حال تنكرها إذا رأته، وأراد بذلك اختبار عقلها على ما قيل ” ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ” أي أتهتدي إلى معرفة عرشها بفطنتها بعد التغيير أم لا تهتدي إلى ذلك، عن سعيد بن جبير وقتادة، وقيل: أتهتدي أي أتستدل بعرشها على قدرة الله وصحة نبوتي، وتهتدي بذلك إلى طريق الايمان والتوحيد أم لا ؟ عن الجبائي، قال ابن عباس: فنزع ماكان على العرش من الفصوص و الجواهر، وقال مجاهد: غير ما كان أحمر وجعل أخضر، (1) وما كان أخضر فجعل أحمر، (2) وقال عكرمة: زيد فيه شئ ونقص منه شئ ” فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو ” فلم تثبته ولم تنكره فدل ذلك على كمال عقلها حيث لم تقل: لا، إذ كان يشبه سريرها لانها وجدت فيه ما تعرفه، ولم تقل: نعم إذ وجدت فيه ما غير وبدل ولانها خلفته في بيتها وحمله في تلك المدة إلى ذلك الموضع غير داخل في مقدور البشر، قال مقاتل: عرفته ولكن شبهوا عليها حين قالوا لها: ” أهكذا عرشك ” فشبهت حين قالت: ” كأنه هو ” ولو قيل لها: أهذا عرشك ؟ لقالت: نعم، قال عكرمة: كانت حكيمة، قالت: إن قلت: هو هو خشيت أن أكذب، وإن قلت: لا خشيت أن أكذب، فقالت: كأنه هو، شبهته به، فقيل لها: فإنه عرشك، فما أغنى عنك إغلاق الابواب، وكانت قد خلفته وراء سبعة أبواب لما خرجت، فقالت: ” وأوتينا العلم ” بصحة نبوة سليمان ” من قبلها ” أي من قبل الآية في العرش ” وكنا مسلمين ” طائعين لامر سليمان، وقيل: إنه من كلام سليمان، عن مجاهد، (3) ومعناه: أوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة قبل مجيئها (4) ” وصدها ما كانت تعبد من دون الله ” أي منعها عبادة الشمس عن الايمان بالله تعالى بعد رؤية تلك المعجزات، (5) عن مجاهد، فعلى هذا تكون ” ما ” موصولة مرفوعة
(1) في المصدر: فجعله أخضر. (2) في المصدر: فجعله أحمر. (3) في نسخة بعد ذلك: ومعناه: واوتينا العلم بالله وقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرة، وكنا مسلمين مخلصين لله بالتوحيد، وقيل: معناه اه. (4) في المصدر: وقيل: انه من كلام قوم سليمان، عن الجبائي. (5) في المصدر: بعد رؤية تلك المعجز. (*)
[ 126 ]
الموضع بأنها فاعلة صد، وقيل: معناه: وصدها سليمان عما كانت تعبده من دون الله، و حال بينها وبينه، ومنعها عنه، فعلى هذا تكون ” ما ” في موضع النصب، وقيل: معناه منعها الايمان والتوحيد عن الذي كانت تعبده من دون الله وهو الشمس، ثم استأنف فقال: ” إنها كانت من قوم كافرين ” أي من قوم يعبدون الشمس قد نشأت فيما بينهم فلم تعرف إلا عبادة الشمس ” قيل لها ادخلي الصرح ” والصرح هو الموضع المنبسط المنكشف من غير سقف. وذكر أن سليمان عليه السلام لما أقبلت صاحبة سبأ أمر الشياطين ببناء الصرح، وهو كهيئة السطح المنبسط من قوارير أجري تحته الماء، وجمع في الماء الحيتان والضفادع و دواب البحر ثم وضع له فيه سرير فجلس عليه، وقيل: إنه قصر من زجاج كأنه الماء بياضا، وقال أبو عبيدة: كل بناء من زجاج أو صخر أو غير ذلك مونق (1) فهو صرح، وإنما أمر سليمان عليه السلام بالصرح لانه أراد أن يختبر عقلها وينظر هل تستدل على معرفة الله تعالى بما ترى من هذه الآية العظيمة ؟ وقيل: إن الجن والشياطين خافت أن يتزوجها سليمان عليه السلام فلا ينفكون من تسخير سليمان وذريته بعده لو تزوجها وذلك أن أمها كانت جنية فأساؤوا الثناء عليها ليزهدوه فيها وقالوا: إن في عقلها شيئا، وإن رجلها كحافر الحمار، فلما امتحن ذلك وجدها على خلاف ما قيل، وقيل: إنه ذكر له أن على رجليها شعرا، فلما كشفته بان الشعر فساءه ذلك، فاستشار الجن في ذلك فعملوا الحمامات، وطبخوا له النورة والزرنيخ، وكان أول ما صنعت النورة ” فلما رأته ” أي رأت بلقيس الصرح ” حسبته لجة ” وهي معظم الماء ” وكشفت عن ساقيها ” لدخول الماء، وقيل: إنها لما رأت الصرح قالت: ما وجد ابن داود عذابا يقتلني به إلا الغرق ؟ ! وأنفت أن تجئ فلا تدخل (2) ولم يكن من عادتهم لبس الخفاف فلما كشفت عن ساقيها قال لها سليمان: ” إنه صرح ممرد ” أي مملس ” من قوارير ” وليس بماء، ولما رأت سرير سليمان والصرح ” قالت رب
(1) في المصدر: موثق. (2) في المصدر: فأنفت أن تجبن فلا تدخل.
[ 127 ]
إني ظلمت نفسي ” بالكفر الذي كنت عليه ” وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ” فحسن إسلامها، وقيل: إنها لما جلست دعاها سليمان إلى الاسلام، وكانت قد رأت الآيات والمعجزات فأجابته وأسلمت، وقيل: إنها لما ظنت أن سليمان عليه السلام يغرقها ثم عرفت حقيقة الامر قالت: ” ظلمت نفسي ” إذ توهمت على سليمان ما توهمت. واختلف في أمرها بعد ذلك فقيل: إنها تزوجها سليمان وأقرها على ملكها، و قيل: إنه زوجها من ملك يقال له تبع وردها إلى أرضها، وأمر زوبعة أمير الجن باليمن أن يعمل له ويطيع، فصنع له المصانع باليمن. (1) * 13 – وروى العياشي في تفسيره بالاسناد قال: التقى موسى بن محمد بن علي بن موسى ويحيى بن أكثم فسأله عن مسائل قال: فدخلت على أخي علي بن محمد عليه السلام بعد أن دار بيني وبينه من المواعظ حتى انتهيت إلى طاعته، فقلت له: جعلت فداك إن يحيى بن أكثم سألني عن مسائل أفتيه فيها، فضحك، فقال: فهل أفتيته فيها ؟ قلت: لا، قال: ولم ؟ قلت: لم أعرفها، قال: وماهي ؟ قلت: قال: أخبرني عن سليمان أكان محتاجا إلى علم آصف بن برخيا ؟ ثم ذكر المسائل الاخر، قال: اكتب يا أخي: بسم الله الرحمن الرحيم سألت عن قول الله تعالى في كتابه: ” قال الذي عنده علم من الكتاب ” فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف، لكنه أحب أن يعرف أمته من الانس و الجن أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله، ففهمه الله ذلك لئلا يختلف في إمامته ودلالته، كما فهم سليمان عليه السلام في حياة داود عليه السلام ليتعرف إمامته ونبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق. (2)
(1) مجمع البيان 7: 217 – 225. * – روى الثعلبي أن أبا بلقيس بنت اليشرح كان يلقب بهذهاذ وكان ملكا عظيم الشأن ولده أربعون ملكا، وكان ملك أرض اليمن كلها، وكان يقول لملوك الاطراف: ليس أحد منكم كفوا لي وابى أن يتزوج فيهم، فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن، وكان الانس إذ ذاك يرون الجن ويخالطونهم فولدت له تلقمة وهي بلقيس. ولم يكن له ولد غيرها. منه رحمه الله قلت: رواه في العرائس: 174 وفيه: البشرخ مكان اليشرح، والشكر مكان السكن، وبلعمة مكان تلقمة. (2) تفسير العياشي مخطوط.
[ 128 ]
ف: سأل يحيى بن أكثم. وذكر نحوه. (1) 14 – م: إن الله خص بسورة الفاتحة محمدا صلى الله عليه وآله وشرفه بها ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السلام فإنه أعطاه منها ” بسم الله الرحمن الرحيم ” ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت: ” إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم “. (2) أقول: وقال الثعلبي في تفسيره: قالت العلماء بسير الانبياء: إن نبي الله سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم فتجهز للمسير واستصحب من الجن والانس والشياطين والطير والوحوش ما بلغ معسكره مائة فرسخ، فأمر الريح الرخاء فحملتهم، فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم، فكان ينحر كل يوم طول مقامه بمكة خمسة آلاف بدنة، وخمسة آلاف ثور، وعشرين ألف شاة، وقال لمن حضر من أشراف قومه: إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا يعطى النصر على جميع من ناواه، (3) ويبلغ هيبته مسيرة شهر، القريب والبعيد عنده في الحق سواء، لا تأخذه في الله لومة لائم، قالوا: فبأي دين يدين يا نبي الله ؟ قال: بدين الحنيفية فطوبى لمن أدركه وآمن به وصدقه، قالوا: فكم بيننا وبين خروجه يا نبي الله ؟ قال: ذهاب ألف عام، فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فإنه سيد الانبياء وخاتم الرسل، وإن اسمه لمثبت في زبر الانبياء، قالوا: فأقام بمكة حتى قضى نسكه، ثم أحب أن يسير إلى أرض اليمن فخرج من مكة صباحا وسار نحو اليمن يوم نجم سهيل، فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر، فرأى أرض حسنة تزهر خضرتها فأحب النزول بها ليصلي ويتغدى فطلبوا الماء فلم يجدوا، وكان دليله على الماء الهدهد، كان يرى الماء من تحت الارض فينقر الارض فيعرف موضع الماء وبعده، ثم تجئ الشياطين فيسلخونه كما يسلخ الاهاب، (4) ثم يستخرجون الماء، قالوا: فلما نزل قال الهدهد: إن سليمان عليه السلام قد اشتغل
(1) تحف العقول: 476 و 478، وفيه: لتأكد الحجة على الخلق. (2) تفسير الامام: 10. (3) اي من عاداه. (4) الاهاب: الجلد أو ما لم يدبغ منه.
[ 129 ]
بالنزول فارتفع نحو السماء فانظر إلى عرض الدنيا وطولها، ففعل ذلك ونظر يمينا وشمالا، فرأى بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد فهبط عليه، وكان اسم هدهد سليمان يعفور، واسم هدهد اليمن عنقير، (1) فقال عنقير ليعفور: من أين أقبلت وأين تريد ؟ قال: أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان ابن داود، قال: ومن سليمان بن داود ؟ قال: ملك الجن والانس والطير والوحوش والشياطين والرياح، فمن أين أنت ؟ قال: أنا من هذه البلاد، قال: ومن ملكها ؟ قال: امرأة يقال لها بلقيس، وإن لصاحبكم سليمان ملكا عظيما، وليس ملك بلقيس دونه، فإنها ملكة اليمن كلها، وتحت يدها اثني عشر ألف قائد، تحت كل قائد مائة ألف مقاتل فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها ؟ قال: أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء، قال الهدهد اليماني: إن صاحبك ليسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة، فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها وما رجع إلى سليمان عليه السلام إلا وقت العصر فلما طلبه سليمان عليه السلام فلم يجده دعا عريف (2) الطيور وهو النسر فسأله عنه، فقال: ما أدري أين هو ؟ وما أرسلته مكانا، ثم دعا بالعقاب فقال: علي بالهدهد، فارتفع فإذا هو بالهدهد مقبلا فانقض (3) نحوه، فناشده الهدهد بحق الله الذي قواك وأغلبك علي إلا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء، قال: فولى عنه العقاب وقال له: ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله حلف أن يعذبك أو يذبحك، ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهى إلى المعسكر تلقته النسر والطير فقالوا: توعدك نبي الله، فقال الهدهد: أو ما استثنى نبي الله ؟ فقالوا: بلى ” أو ليأتيني بسلطان مبين ” (4) فلما أتيا سليمان وهو قاعد على كرسيه قال العقاب: قد أتيتك به يا نبي الله، فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الارض تواضعا لسليمان، فأخذ برأسه فمده إليه، فقال: أين كنت ؟ فقال: يا نبي الله
(1) في نسخة: ” عنفير ” وكذا فيما بعده. (2): العريف: من يعرف أصحابه. النقيب. (3) انقض الطائر: هوى ليقع. (4) أي والاستثناء قوله: أو ليأتيني.
[ 130 ]
اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى، فلما سمع ذلك سليمان عليه السلام ارتعد وعفا عنه – وساق القصة إلى أن قال -: وقال مقاتل: حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرأة و حولها القادة والجنود فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت رأسها فألقى الكتاب في حجرها. إلى آخر القصة. (1) (باب 10) * (ما اوحى إليه وصدر عنه من الحكم، وفيه قصة نفش الغنم) * الايات، الانبياء ” 21 ” وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما 78 و 79. تفسير: قال الطبرسي رحمه الله: اختلف في الحكم فقيل: إنه زرع وقعت فيه الغنم ليلا فأكلته، وقيل: كان كرما قد بدت عناقيده (2) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وقال الجبائي، أوحى الله إلى سليمان عليه السلام بما نسخ به حكم داود عليه السلام ولم يكن ذلك عن اجتهاد وهو المعول عليه عندنا. (3) 1 – ل: ابن الوليد، عن الصفار، عن القاشاني، عن الاصبهاني، عن المنقري، عن سفيان بن نجيح، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال سليمان بن داود عليه السلام: أوتينا ما أوتي الناس وما لم يؤتوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا، فلم نجد شيئا أفضل من خشية الله في المغيب والمشهد، والقصد في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضى والغضب، والتضرع إلى الله عزوجل على كل حال. (4)
(1) الكشف والبيان مخطوط. (2) في المصدر هنا زيادة وهي هذه: فحكم داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله، قال: وماذاك ؟ قال: يدفع الكرم الى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، و يدفع الغنم الى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا عاد الكرم كما كان، ثم دفع كل واحد منهما الى صاحبه ماله، عن ابن مسعود. وروى ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام. (3) مجمع البيان 7: 57. (4) الخصال 1: 114 و 115. وفيه: في كل حال.
[ 131 ]
2 – فس: ” وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ” فإنه حدثني أبي، عن عبد الله بن يحيى، (1) عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل رجل كان له كرم ونفشت فيه غنم لرجل آخر بالليل وقضمته (2) وأفسدته، فجاء صاحب الكرم إلى داود عليه السلام فاستعدى على صاحب الغنم فقال داود عليه السلام: اذهبا إلى سليمان ليحكم بينكما، فذهبا إليه، فقال سليمان: إن كانت الغنم أكلت الاصل والفرع فعلى صاحب الغنم أن يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها، وإن كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالاصل فإنه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم، وكان هذا حكم داود، وإنما أراد أن يعرف بني إسرائيل أن سليمان عليه السلام وصيه بعده، ولم يختلفا في الحكم، ولو اختلف حكمهما لقال: ” وكنا لحكمهما شاهدين “. (3) بيان: نفشت الغنم أي رعت ليلا بلا راع. 3 – سن: بعض أصحابنا، عن البزنطي، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى. ” وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ” قال: لم يحكما، إنما كانا يتناظران ” ففهمناها سليمان “. يه: بسنده الصحيح عن جميل، عن زرارة مثله. (4) 4 – يه: بسنده الصحيح عن الوشاء، عن أحمد بن عمر الحلبي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله تعالى: ” وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ” قال: كان حكم داود عليه السلام رقاب الغنم، والذي فهم الله عزوجل سليمان أن يحكم لصاحب الحرث باللبن والصوف ذلك العام كله. (5) 5 – يب: الحسين بن سعيد، عن بعض أصحابنا، عن المعلى أبي عثمان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل: ” وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت
(1) في نسخة: عبد الله بن بحر. (2) القضم: الاكل باطراف الاسنان. (3) تفسير القمي: 431. (4 و 5) من لا يحضره الفقيه: 339.
[ 132 ]
فيه غنم القوم ” فقال: لا يكون النفش إلا بالليل، إن على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار، إنما رعيها وإرزاقها بالنهار، فما أفسدت فليس عليها، (1) وعلى صاحب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس، فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا، وهو النفش، وإن داود عليه السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم، وحكم سليمان عليه السلام الرسل والثلة وهو اللبن والصوف في ذلك العام. (2) 6 – يب: الحسين، عن عبد الله بن بحر، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت قول الله عزوجل: ” وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ” قلت: حين حكما في الحرث كانت قضية واحدة ؟ فقال: إنه كان أوحى الله عزوجل إلى النبيين قبل داود إلى أن بعث الله داود عليه السلام: أي غنم نفشت في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم، ولا يكون النفش إلا بالليل، وإن على صاحب الزرع أن يحفظ بالنهار، وعلى صاحب الغنم حفظ الغنم بالليل، فحكم داود عليه السلام بما حكمت به الانبياء عليهم السلام من قبله، و أوحى الله تعالى إلى سليمان: أي غنم نفشت في الزرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونها، وكذلك جرت السنة بعد سليمان عليه السلام، وهو قول الله عزوجل: ” وكلا آتينا حكما وعلما ” فحكم كل واحد منهما بحكم الله عزوجل. (3) 7 – كا: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن محمد، عن بكر بن صالح، عن محمد بن سليمان، عن عيثم بن أسلم، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الامامة عهد من الله عزوجل معهود لرجال مسمين، ليس للامام أن يزويها (4) عن الذي يكون من بعده، إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام: أن اتخذ وصيا من أهلك، فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيا إلا وله وصي من أهله، وكان لداود عليه السلام أولاد عدة، وفيهم غلام كانت أمه عند داود عليه السلام، وكان لها محبا، فدخل داود عليه السلام عليها حين أتاه الوحي، فقال لها: إن الله عزوجل أوحى إلي يأمرني أن
(1) في المصدر: فليس عليها وعلى صاحبها شئ. (2 و 3) تهذيب الاحكام 2: 179. (4) أي يصرفها عنه ويمنعه اياها.
[ 133 ]
أتخذ وصيا من أهلي، فقالت له امرأته: فليكن ابني، قال: ذاك أريد، وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنه سليمان، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى داود أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري، فلم يلبث داود عليه السلام أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم، فأوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام: أن اجمع ولدك، فمن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك، فجمع داود عليه السلام ولده فلما أن اقتص الخصمان قال سليمان عليه السلام: يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك ؟ قال: دخلتة ليلا قال: قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا، ثم قال له داود عليه السلام: فكيف لم تفض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني إسرائيل فكان ثمن الكرم قيمة الغنم ؟ فقال سليمان عليه السلام: إن الكرم لم يجتث (1) من أصله، وإنما أكل حمله وهو عائد في قابل، فأوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام أن القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به، يا داود أردت أمرا وأردنا أمرا غيره، فدخل داود عليه السلام على امرأته فقال: أردنا أمرا وأراد الله غيره، (2) ولم يكن إلا ما أراد الله عزوجل فقد رضينا بأمر الله عزوجل وسلمنا، وكذلك الاوصياء عليهم السلام ليس لهم أن يتعدوا بهذا الامر فيجاوزون صاحبه إلى غيره. (3) بيان: اعلم أنه لما ثبت بالدلائل العقلية (4) عدم جواز الاجتهاد والرأي على الانبياء عليهم السلام وأنهم لا يحكمون إلا بالوحي فلذا ذهب بعض أصحابنا وبعض المعتزلة إلى أنه تعالى أوحى إلى سليمان عليه السلام ما نسخ حكم داود عليه السلام، وكان حكم داود عليه السلام أيضا بالوحي، ويرد عليه أن شريعة سليمان لم تكن ناسخة فكيف نسخت ما ثبت في شريعة موسى عليه السلام ؟ ويمكن الجواب عنه بأنه لم يثبت امتناع نسخ بعض جزئيات الاحكام في زمن
(1) اجتثه: قلعه من أصله. (2) في المصدر: وأراد الله أمرا غيره. (3) اصول الكافي 1: 278 و 279. (4) في نسخة: بالدلائل القطعية.
[ 134 ]
غير أولي العزم من الرسل، وأما النسخ الكلي والاتيان بشريعة مبتدأة فهو مختص بأولي العزم منهم، مع أنه يمكن أن يكون موسى عليه السلام أخبر بأن هذا الحكم ثابت إلى زمن سليمان عليه السلام ثم يتغير الحكم. والاصوب في الجواب أن يقال: إن الآية لاتدل على أن سليمان عليه السلام حكم بخلاف ما حكم به داود عليه السلام بل يحتمل أن يكون المراد: إذ يريدان أن يحكما في الحرث كما دلت عليه رواية أبي بصير في التفسير ورواية زرارة، فهما كانا يتناظران في ذلك منتظرين للوحي أو كان داود عليه السلام عالما بالحكم وكان يسأل سليمان عليه السلام ليبين فضله على الناس، فأوحى الله ذلك إلى سليمان عليه السلام، ويؤيده أن في خبر معاوية نسب الحكم برقاب الغنم إلى علماء بني إسرائيل والسؤال الذي اشتمل عليه الخبر محمول على ما ذكرنا من إرادة ظهور فضله على بني إسرائيل. وأما خبر الحلبي فيمكن أن يكون محمولا على التقية، ويحتمل أيضا أن يكون المراد بحكم داود الحكم الذي كان شائعا في زمانه، أو الحكم الذي كان يلقيه على سليمان ليختبره ويظهر عقله وعلمه، وكذا القول في سائر الاخبار والله يعلم. 8 – يه: عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قالت أم سليمان بن داود لسليمان عليه السلام: يا بني إياك وكثرة النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم القيامة. 9 – نبه: قال سليمان بن داود عليه السلام لابنه: يا بني إياك والمراء فإنه ليست فيه منفعة، وهو يهيج بين الاخوان العداوة. (1)
(1) تنبيه الخواطر 2: 12.
[ 135 ]
(باب 11) * (وفاته عليه السلام وما كان بعده) * الايات، البقرة ” 2 ” واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر 102. سبأ ” 34 ” فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين 14. تفسير: قال الطبرسي رحم الله: ” واتبعوا ” أي اليهود الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو على عهد سليمان عليه السلام، أو الاعم، أي اقتدوا بما كانت ” تتلوا الشياطين ” أي تتبع وتعمل به، وقيل: تقرأ، وقيل: تكذب، يقال: تلا عليه: إذا كذب، والشياطين: شياطين الجن، وقيل: شياطين الانس ” على ملك سليمان ” قيل: أي في ملك سليمان على وجهين: أحدهما في عهده، والثاني في نفس ملك سليمان، كما يقال: فلان يطعن في ملك فلان، وقيل: معناه: على عهد ملك سليمان ” وما كفر سليمان ” بين بهذا أن ما كانت تتلوه الشياطين وترويه كان كفرا إذ برئ سليمان منه، ثم بين أن ذلك الكفر كان من نوع السحر، فإن اليهود أضافوا إلى سليمان السحر، وزعموا أن ملكه كان به فبرأه الله منه، وقيل: في السبب الذي لاجله أضافت السحر (1) إلى سليمان عليه السلام أن سليمان عليه السلام كان قد جمع كتب السحرة ووضعها في خزائنه، وقيل: كتمها تحت كرسيه لئلا يطلع الناس عليها ولا يعملوا بها، فلما مات سليمان عليه السلام استخرجت السحرة تلك الكتب وقالوا: إنما تم ملك سليمان عليه السلام بالسحر، وبه سخر الجن والانس والطير، وزينوا السحر في أعين الناس بالنسبة إلى سليمان عليه السلام وشاع ذلك في اليهود وقبلوه لعداوتهم لسليمان عليه السلام ” ولكن الشياطين كفروا ” بما استخرجوه من السحر، أو بما نسبوه إلى سليمان عليه السلام، أو بأنهم سحروا فعبر عن السحر بالكفر
(1) في المصدر: أضافت اليهود السحر الى سليمان.
[ 136 ]
” يعلمون الناس السحر ” أي ألقوا السحر إليهم فتعلموه، أو دلوهم على استخراجه من تحت الكرسي فتعلموه (1) ” ما دلهم على موته ” أي مادل الجن على موته إلا الارضة حيث أكلت عصاه فسقط فعلموا أنه ميت (2) ” فلما خر ” أي سقط ميتا. (3) 1 – ع، ن: الهمداني عن علي، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام (4) قال: إن سليمان بن داود عليه السلام قال ذات يوم لاصحابه: إن الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي، سخر لي الريح والانس و الجن والطير والوحوش، وعلمني منطق الطير، وآتاني من كل شئ، ومع جميع ما أوتيت من الملك ماتم لي سرور يوم إلى الليل، وقد أحببت أن أدخل قصري في غد فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي فلا تأذنوا لاحد علي لئلا يرد علي ما ينغص على يومي قالوا: نعم، فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره، ووقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه مسرورا بما أوتي فرحا بما أعطي إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره، فلما بصر به سليمان عليه السلام قال له: من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت أن أخلو فيه اليوم ؟ فبإذن من دخلت ؟ فقال الشاب: أدخلني هذا القصر ربه وبإذنه دخلت، فقال: ربه أحق به مني، فمن أنت ؟ قال: أنا ملك الموت، قال: وفيما جئت ؟ قال: جئت لاقبض روحك، قال: امض لما أمرت به (5) فهذا يوم سروري، وأبى الله عزوجل أن يكون لي سرور دون لقائه، فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه، فبقي سليمان عليه السلام متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله والناس ينظرون إليه وهم يقدرون أنه حي فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم من قال: إن سليمان عليه السلام قد بقي متكئا على عصاه هذه الايام الكثيرة ولم يتعب ولم
(1) مجمع البيان 1: 173 و 174، واختصر المصنف بعضه، ونقل معنى بعض آخر. (2) في المصدر: الا الارضة ولم يعلموا موته حتى أكلت عصاه فسقط. (3) مجمع البيان 8: 383 و 384. (4) في عيون الاخبار بعد ذلك: عن أبيه محمد بن علي عليه السلام. (5) في المصدر: امض بما امرت به.
[ 137 ]
ينم ولم يأكل ولم يشرب، إنه لربنا الذي يجب علينا أن نعبده، وقال قوم: إن سليمان عليه السلام ساحر وإنه يرينا أنه واقف متكئ على عصاه، يسحر أعيننا وليس كذلك، فقال المؤمنون: إن سليمان هو عبد الله ونبيه يدبر الله أمره بما شاء، فلما اختلفوا بعث الله عزوجل الارضة فدبت في عصاه، فلما أكلت جوفها انكسرت العصا وخر سليمان عليه السلام من قصره على وجهه، فشكرت الجن للارضة صنيعها، فلاجل ذلك لا توجد الارضة في مكان إلا وعندها ماء وطين، وذلك قول الله عزوجل: ” فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته ” يعني عصاه ” فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ” ثم قال الصادق عليه السلام: والله ما نزلت هذه الآية هكذا، وإنما نزلت: ” فلما خر تبينت الانس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين. (1) بيان: نسب صاحب الكشاف هذه القراءة إلى ابن مسعود، (2) وعلى القراءة المشهورة قيل: معناه: علمت الجن بعد ما التبس عليهم أنهم لا يعلمون الغيب، وقيل: معناه: علمت عامة الجن وضعفاؤهم أن رؤساءهم لا يعلمون الغيب، وقيل: المعنى، ظهرت الجن، وأن بما في حيزه بدل منه (3) أي ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب. 2 – ع: أبي، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أمر سليمان بن داود عليه السلام الجن فصنعوا له قبة من قوارير، (4) فبينما هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف يعملون وهم ينظرون إليه إذ حانت (5) منه التفاتة فإذا رجل معه في القبة، قال: من أنت ؟ (6) قال: أنا الذي لا أقبل الرشاء، ولا أهاب الملوك، أنا ملك الموت، فقبضه وهو قائم متكئ على عصاه في القبة والجن
(1) علل الشرائع: 36 عيون الاخبار: 146 – 147. (2) راجع الكشاف 3: 453. (3) في الكشاف: و (أن) مع صلتها بدل من الجن بدل الاشتمال. (4) في التفسير: فبنوا له بيتا من قوارير. (5) في كلا المصدرين: ” خانت ” بالخاء. (6) في التفسير: إذا هو برجل ففزع منه وقال: من انت ؟
[ 138 ]
ينظرون إليه، قال: فمكثوا سنة وهم يدأبون (1) له حتى بعث الله عزوجل الارضة فأكلت منسأته وهي العصا، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين. قال أبو جعفر عليه السلام: إن الجن يشكرون الارضة ما صنعت بعصا سليمان. فما تكاد تراها في مكان إلا وعندها ماء وطين. (2) 3 – فس: أبي، عن ابن أبي عمير مثله إلى قوله: وهي العصا ” فلما خر تبينت الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا ” سنة ” في العذاب المهين ” فالجن تشكر الارضة بما عملت بعصا سليمان، قال: فلا تكاد تراها في مكان إلا وعندها (3) ماء وطين، فلما هلك سليمان عليه السلام وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب، ثم طواه وكتب على ظهره: هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم، من أراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا، ثم دفنه تحت السرير، ثم استشاره (4) لهم فقرؤوه فقال الكافرون: ما كان سليمان يغلبنا إلا بهذا، وقال المؤمنون: بل هو عبد الله ونبيه، فقال جل ذكره: ” واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر “. (5) شى: عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما هلك سليمان. إلى آخر الخبر. (6)
(1) دأب في العمل: جد وتعب واستمر عليه. وفي التفسير: فمكثوا سنة يبنون وينظرون إليه ويدانون ويعملون. (2) علل الشرائع: 36. (3) في المصدر: الا وجد عندها. (4) هكذا في النسخ وفي المصدر المطبوع، والصحيح كما في البرهان: ثم استثاره لهم أي ثم أظهره لهم، وفي المصدر: فقرأه. (5) تفسير القمي: 46 و 47. (6) تفسير العياشي مخطوط.
[ 139 ]
4 – فس: ” فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته ” قال: لما أوحى الله تعالى إلى سليمان عليه السلام: إنك ميت أمر الشياطين أن يتخذوا له بيتا من قوارير ووضعوه في لجة البحر، ودخله سليمان عليه السلام فاتكأ على عصاه وكان يقرأ الزبور والشياطين حوله ينظرون إليه ولا يجسرون أن يبرحوا، فبينا هو كذلك إذ حانت (1) منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة، ففزع منه سليمان عليه السلام فقال له: من أنت ؟ قال: أنا الذي لا أقبل الرشاء، ولا أهاب الملوك، فقبضه وهو متكئ على عصاه سنة، والجن يعملون له ولا يعلمون بموته حتى بعث الله الارضة فأكلت منسأته، فلما خر على وجهه تبينت الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين. (2) كذا نزلت هذه الآية، وذلك أن الانس كانوا يقولون: إن الجن يعلمون الغيب، فلما سقط سليمان عليه السلام على وجهه علم الانس أن لو علم الجن الغيب لم يعملوا سنة لسليمان عليه السلام وهو ميت ويتوهمونه حيا، قال: فالجن تشكر الارضة بما عملت بعصا سليمان عليه السلام. (3) وذكر نحو ما مر إلى قوله: عبد الله ونبيه، وفي بعض النسخ: ما هو من عند الله ونبيه، وفي بعضها: إنما هو. 5 – ع: المظفر العلوي، عن ابن العياشي، عن أبيه، عن محمد بن نصير، عن أحمد بن محمد، عن ابن معروف، عن علي بن مهزيار، عن البزنطي وفضالة، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الجن شكروا الارضة ما صنعت بعصا سليمان عليه السلام، فما تكاد تراها في مكان إلا وعندها ماء وطين. (4) 6 – ع: أبي، عن محمد العطار، عن ابن أبان، عن ابن أورمة، عن الحسن بن علي، عن علي بن عقبة، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لقد شكرت الشياطين الارضة حين أكلت عصا سليمان حتى سقط، وقالوا: عليك الخراب وعلينا الماء والطين،
(1) في المصدر: خانت بالخاء. (2) قد عرفت من الزمخشري أن هذه القراءة منسوبة الى ابن مسعود. (3) تفسير القمي: 537. (4) علل الشرائع: 36.
[ 140 ]
فلا تكاد تراها في موضع إلا رأيت ماء وطينا. (1) 7 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالى أوحى إلى سليمان عليه السلام: إن آية موتك أن شجرة تخرج في بيت المقدس (2) يقال لها الخرنوبة، قال: فنظر سليمان عليه السلام يوما إلى شجرة قد طلعت في بيت المقدس، (3) فقال لها سليمان عليه السلام: ما اسمك ؟ قالت: الخرنوبة، فولى مدبرا إلى محرابه حتى قام فيه متكئا على عصاه فقبضه الله من ساعته، (4) فجعلت الانس والجن يخدمونه ويسعون في أمره كما كانوا من قبل وهم يظنون أنه حي حتى دبت الارضة في عصاه (5) فأكلت منسأته فانكسرت ووقع سليمان عليه السلام إلى الارض. (6) كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب مثله، وزاد في آخره: أفلا تسمع لقوله عزوجل: ” فلما خر تبينت الجن ” الآية. (7) 8 – ك: أبي، عن أحمد بن إدريس، ومحمد بن يحيى، عن الاشعري، عن محمد بن يوسف التميمي، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عاش سليمان بن داود سبعمائة سنة واثني عشر سنة. (8)
(1) علل الشرائع: 36. (2) في الكافي: من بيت المقدس. قلت: الخرنوب والخروب – بضم الخاء وفتحها -: شجرة بريه شوك ذو حمل كالتفاح لكنه بشع، وشامية ذو حمل كالخيار شنبر الا انه عريض وله رب وسويق قاله الفيروزآبادي. (3) في الكافي: فنظر سليمان عليه السلام يوما فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس. (4) في الكافي: قال: فولى سليمان مدبرا الى محرابه فقام فيه متكئا على عصاه فقبض روحه من ساعته، قال: فجعلت. (5) في الكافي: وهم يظنون أنه حي لم يمت يغدون ويروحون وهو قائم ثابت حتى دبت الارضة من عصاه. (6) قصص الانبياء مخطوط. (7) روضة الكافي: 144، وفيه: وخر سليمان على الارض. (8) اكمال الدين: 289
[ 141 ]
9 – فس: أبي، عن البزنطي، عن عبد الله بن القاسم، عن أبي خالد القماط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قالت بنو إسرائيل لسليمان عليه السلام: استخلف علينا ابنك، (1) فقال لهم: إنه لا يصلح لذلك، فألحوا عليه فقال: إني سائله عن مسائل فإن أحسن الجواب فيها استخلفته، ثم سأله فقال: يا بني ما طعم الماء وطعم الخبز ؟ ومن أي شئ ضعف الصوت وشدته ؟ وأين موضع العقل من البدن ؟ ومن أي شئ القساوة والرقة ؟ ومم تعب البدن ودعته ؟ ومم تكسب البدن وحرمانه ؟ (2) فلم يجبه بشئ منها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: طعم الماء الحياة، وطعم الخبز القوة، (3) وضعف الصوت وشدته من شحم الكليتين، وموضع العقل الدماغ، ألا ترى أن الرجل إذا كان قليل العقل قيل له: ما أخف دماغه ! والقسوة والرقة من القلب وهو قوله: ” فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ” وتعب البدن و دعته من القدمين إذا أتعبا في المشي (4) يتعب البدن وإذا أودعا أودع البدن (5) وكسب البدن وحرمانه من اليدين إذا عمل بهما ردتا على البدن، وإذا لم يعمل بهما لم تردا على البدن شيئا. (6) تذنيب: قال الطبرسي رحمه الله: قيل: إن سليمان عليه السلام كان يعتكف في مسجد بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل وأكثر، يدخل فيه طعامه وشرابه ويتعبد فيه، فلما كان في المرة التي مات فيها لم يكن يصبح يوما إلا وتنبت شجرة كان يسألها سليمان عليه السلام فتخبره عن اسمها ونفعها وضرها، فرأى يوما نبتا فقال: ما اسمك ؟ قال: الخرنوب، قال: لاي شئ أنت ؟ قال: للخراب، فعلم أنه سيموت، فقال: اللهم أعم على الجن موتي ليعلم الانس أنهم لا يعلمون الغيب، وكان قد بقي من بنائه سنة، وقال لاهله: لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بنائه. ودخل محرابه وقام متكئا على
(1) في المصدر: استخلفه. (2) في المصدر: ومم متعب البدن ودعته ؟ ومم مكسبة البدن وحرمانه. (3) ولعل المراد من الطعم هنا الفائدة والنفع، أو أن الحياة والقوة لو كانتا مما يطعم لكان طعمهما طعم الماء والخبز. (4) في المصدر: إذا تعبا. قلت: الدعة: الراحة. (5) في المصدر: وإذا ودعا ودع البدن، ومكسب البدن اه. (6) تفسير القمي: 568.
[ 142 ]
عصاه فمات وبقي قائما سنة، وتم البناء، ثم سلط الله على منسأته الارضة حتى أكلتها فخر ميتا، فعرف الجن موته وكانوا يحسبونه حيا لما كانوا يشاهدون من طول قيامه قبل ذلك. وقيل: إن في إماتته قائما وبقائه كذلك أغراضا: منها إتمام البناء، ومنها أن يعلم الانس أن الجن لا يعلم الغيب وأنهم في ادعاء ذلك كاذبون، ومنها: أن يعلم أن من حضر أجله فلا يتأخر إذ لم يتأخر سليمان عليه السلام مع جلالته، وروي أنه أطلعه الله سبحانه على حضور وفاته فاغتسل وتحنط وتكفن والجن في عملهم، وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان آصف يدبر أمره حتى دبت الارضة. قال: وذكر أهل التاريخ أن عمر سليمان عليه السلام كان ثلاثا وخمسين (1) سنة مدة ملكه منها أربعون سنة، وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وابتدأ في بناء بيت المقدس بعد أربع سنين مضين من ملكه. وقال رحمه الله: وأما الوجه في عمل الجن تلك الاعمال العظيمة فهو أن الله تعالى زاد في أجسامهم وقوتهم وغير خلقهم عن خلق الجن الذين لا يرون للطافتهم ورقة أجسامهم على سبيل الاعجاز الدال على نبوة سليمان عليه السلام، فكانوا بمنزلة الاسراء في يده، وكانوا تتهيأ لهم الاعمال التي كان يكلفها إياهم، ثم لما مات عليه السلام جعل الله خلقهم على ما كانوا عليه فلا يتهيأ لهم في هذا الزمان شئ من ذلك. انتهى. (2) أقول: لا استبعاد في أن يكونوا مخلوقين خلقة يمكنهم التصور بصورة مرئية ولا استحالة في أن يجعلهم الله مع لطافة أجسامهم قادرين على الاعمال الصعبة كالملك، وسيأتي القول فيهم في كتاب السماء والعالم، وقد مضى في الباب الاول نقلا عن الاحتجاج لذلك وجه.
(1) وفي تاريخ اليعقوبي: فمات وله اثنان وخمسون سنة، وكان له يوم ملك اثنتا عشرة سنة وتقدم في الخبر السابع ما يخالفه ولكنه مجهول، وفي اثبات الوصية: ملك سبعمائة سنة وست عشرة سنة وستة اشهر والله يعلم. (2) مجمع البيان 8: 383 و 384.
[ 143 ]
(باب 12) * (قصة قوم سبأ وأهل الثرثار) * الايات، سبأ ” 34 ” لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم و بدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور * وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور 15 – 19. 1 – فس: ” لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال ” قال: فإن بحرا كان من اليمن وكان سليمان أمر جنوده أن يجروا لهم (1) خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند، ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من الصخر والكلس (2) حتى يفيض على بلادهم، وجعلوا للخليج مجاري، وكانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه، وكانت لهم جنتان عن يمين وشمال عن مسيرة عشرة أيام فيمن يمر (3) لا تقع عليه الشمس من التفافها، فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا بعث الله على ذلك السد الجرذ وهي الفأرة الكبيرة، فكانت تقلع الصخرة التي لا يستقلها الرجل (4) وترمي بها، فلما رأى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد، فما زال الجرذ تقلع الحجر حتى خربوا ذلك السد فلم يشعروا حتى غشيهم السيل وخرب بلادهم
(1) في المصدر: أن يجروا له. (2) الكلس بالفارسية. آهك. (3) هكذا في النسخ، ولعله مصحف (فمن يمر) وفي المصدر: فيما يمر، وفي البرهان: فيها تمر لا يقع عليها الشمس. (4) في المصدر: تقتلع الصخرة التي لا يستقلها الرجال.
[ 144 ]
وقلع أشجارهم وهو قوله: ” لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال ” إلى قوله: ” سيل العرم ” أي العظيم الشديد ” فبدلناهم (1) بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط ” وهو أم غيلان ” وأثل ” قال: هو نوع من الطرفاء (2) ” وشئ من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا ” إلى قوله: ” باركنا فيها ” قال: مكة ” فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ” إلى قوله: ” شكور “. (3) 2 – سن: عن عبد الله بن المغيرة، (4) عن عمرو بن شمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إني لالعق (5) أصابعي من المأدم حتى أخاف أن يرى خادمي أن ذلك من جشع، وليس ذلك كذلك، إن قوما أفرغت عليهم النعمة وهم أهل الثرثار فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوه خبزا هجاء فجعلوا ينجون به صبيانهم حتى اجتمع من ذلك جبل، قال: فمر رجل صالح على امرأة وهي تفعل ذلك بصبي لها، فقال: ويحكم اتقوا الله لا تغيروا ما بكم من نعمة، (6) فقالت: كأنك تخوفنا بالجوع ؟ أما مادام ثرثارنا يجري فإنا لا نخاف الجوع، قال: فأسف الله (7) عزوجل وضعف لهم الثرثار وحبس عنهم قطر السماء ونبت الارض، قال: فاحتاجوا إلى ما في أيديهم فأكلوه، ثم احتاجوا إلى ذلك الجبل، فإن كان ليقسم بينهم بالميزان. (8) أقول: قد أوردنا أخبارا كثيرة في ذلك في باب آداب الاستنجاء. 3 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن سدير قال: سأل رجل أبا جعفر عليه السلام (9) عن قول الله عزوجل: ” فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا
(1) هكذا في النسخ والصحيح كما في المصحف الشريف والمصدر: وبدلناهم. (2) قيل: طرفاء بالفارسية: كز. (3) تفسير القمي: 537 و 538. (4) في المصدر: عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة. (5) لعق العسل أو نحوه: لحسه وتناوله بلسانه أو اصبعه. (6) في المصدر: اتقوا الله، لا يغير ما بكم من نعمة. (7) أي فعل فعل من يأسف ويغضب. وفي المصدر: وأضعف لهم الثرثار. أي صيره ضعيفا. (8) محاس البرقي: 586. (9) في الكافي في الاسناد الاتي: أبا عبد الله عليه السلام.
[ 145 ]
وظلموا أنفسهم ” فقال: هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض، وأنهار جارية، وأموال ظاهرة، فكفروا بأنعم الله (1) وغيروا ما بأنفسهم، فأرسل الله عليهم سيل العرم فغرق قراهم، وأخرب ديارهم، وذهب بأموالهم، وأبدلهم مكان جناتهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل، ثم قال الله عزوجل: ” ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور “. (2) كا: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب مثله. (3) ص: بالاسناد عن الصدوق، عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب مثله. (4) قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: ” لقد كان لسبأ ” المراد بسبأ ههنا القبيلة الذين هم أولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ” في مساكنهم ” (5) أي في بلدهم ” آية ” أي حجة على وحدانية الله عز اسمه وكمال قدرته، وعلامة على سبوغ نعمه، ثم فسر سبحانه الآية فقال: ” جنتان عن يمين وشمال ” أي بستانان عن يمين من أتاهما وشماله، وقيل: عن يمين البلد وشماله، وقيل: إنه لم يرد جنتين اثنتين، والمراد: كانت ديارهم على وتيرة واحدة، إذ كانت البساتين عن يمينهم وشمالهم متصلة بعضها ببعض، وكان من كثرة النعم أن المرأة كانت تمشي والمكتل (6) على رأسها فيمتلئ بالفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا، وقيل: الآية المذكورة هي أنه لم يكن في قريتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية، وكان الغريب إذا دخل بلادهم وفي ثيابه قمل ودواب ماتت، عن ابن زيد،
(1) في الكافي في الاسناد الاتي: فكفروا نعم الله عزوجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله فغير الله ما بهم من نعمة، وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم، فارسل الله اه. وفيه: وخرب ديارهم وأذهب أموالهم. (2) روضة الكافي: 395 و 396. (3) اصول الكافي 2: 274. (4) قصص الانبياء مخطوط. (5) هكذا في النسخ وهو تحريف، والصحيح كما في المصدر: في مسكنهم. (6) المكتل: زنبيل من خوص.
[ 146 ]
وقيل: إن المراد بالآية خروج الازهار والثمار من الاشجار على اختلاف ألوانها وطعومها، وقيل: إنها كانت ثلاث عشرة قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله سبحانه يقولون لهم: ” كلوا من رزق ربكم واشكروا له ” أي كلوا مما رزقكم الله في هذه الجنان و اشكروا له يزدكم من نعمه واستغفروه يغفر لكم ” بلدة طيبة ” أي هذه بلدة مخصبة نزهة أرضها عذبة، تخرج النبات وليست بسبخة، وليس فيها شئ من الهوام الموذية، وقيل: أراد به صحة هوائها، وعذوبة مائها، وسلامة تربتها، وأنه ليس فيها حر يؤذي في القيظ ولا برد يؤذي في الشتاء ” ورب غفور ” أي كثير المغفرة للذنوب ” فأعرضوا ” عن الحق ولم يشكروا الله سبحانه ولم يقبلوا ممن دعاهم إلى الله من أنبيائه ” فأرسلنا عليهم سيل العرم ” وذلك أن الماء كان يأتي أرض سبأ من أودية اليمن، وكان هناك جبلان يجتمع ماء المطر والسيول بينهما، فسدوا مابين الجبلين فإذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السد بقدر الحاجة، فكانوا يسقون زروعهم وبساتينهم فلما كذبوا رسلهم وتركوا أمر الله بعث الله جرذا نقب ذلك الردم وفاض الماء عليهم فأغرقهم، عن وهب. (1) وقال البيضاوي: ” سيل العرم ” أي سيل الامر العرم، أي الصعب، من عرم الرجل فهو عارم وعرم: إذا شرس خلقه وصعب، أو المطر الشديد، أو الجرذ، أضاف إليه السيل لانه نقب عليهم سكرا (2) ضربت لهم بلقيس فحقنت (3) به ماء الشجر، وتركت فيه نقبا على مقدار ما يحتاجون إليه، أو المسناة (4) التي عقدت سكرا على أنه جمع عرمة. وهي الحجارة المركومة، وقيل: اسم واد جاء السيل من قبله، وكان ذلك بين عيسى عليه السلام و محمد صلى الله عليه وآله. ” وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط ” مر بشع، (5) فإن الخمط كل نبت أخذ طعما من مرارة، وقيل: الاراك، أو كل شجر لا شوك له ” وأثل وشئ
(1) مجمع البيان 8: 386. وفيه: نقبت ذلك الردم. قلت: الردم: السد. (2) في نسخة: سدا. والسكر بالكسر فالسكون: السد. (3) أي حبست. (4) المسناة: ما يبني في وجه السيل. (5) في المصدر وفي نسخة: ثمر بشع. قلت: شئ بشع أي كريه الطعم يأخذ بالحلق.
[ 147 ]
من سدر قليل ” والاثل: هو الطرفاء ولا ثمر له، ووصف السدر بالقلة فإن جناه وهو النبق مما يطيب أكله، ولذلك يغرس في البساتين ” ذلك جزيناهم بما كفروا ” بكفرانهم النعمة، أو بكفرهم بالرسل، إذ روي أنه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم ” وهل نجازي إلا الكفور ” وهل نجازي بمثل ما فعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر ” وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ” بالتوسعة على أهلها وهي قرى الشام ” قرى ظاهرة ” متواصلة يظهر بعضها لبعض، أو راكبة متن الطريق، ظاهرة لابناء السبيل ” وقدرنا فيها السير ” بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت الرائح في قرية إلى أن يبلغ الشام ” سيروا فيها ” على إرادة القوم بلسان الحال أو المقال ” ليالي وأياما ” متى شئتم من ليل أو نهار ” آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ” أشروا النعمة وملوا العافية كبني إسرائيل، فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزود الازواد، فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة ” وظلموا أنفسهم ” حيث بطروا النعمة ولم يعتدوا بها ” فجعلناهم أحاديث ” يتحدث الناس بهم تعجبا، وضرب مثل فيقولون: تفرقوا أيدي سبأ ” ومزقناهم كل ممزق ” ففرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشام، وأنمار بيثرب، وجذام بتهامة، والازد بعمان. (1) وقال الطبرسي رحمه الله: روى الكلبي، عن أبي صالح قال: ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقيا بن ماء السماء، وكانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب، وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين، فباع عمرو بن عامر أمواله و سار هو وقومه حتى انتهوا إلى مكة فأقاموا بها وما حولها، فأصابتهم الحمى وكانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى، فدعوا طريفة وشكوا إليها الذي أصابهم، فقالت لهم: قد أصابني الذي تشتكون وهو مفرق بيننا، قالوا: فماذا تأمرين ؟ قالت: من كان منكم ذا هم بعيد وجمل شديد ومزاد جديد فليلحق بقصر عمان المشيد، فكانت أزد عمان، ثم قالت: من كان منكم ذا جلد وقسر وصبر على أزمات الدهر (2) فعليه بالاراك من بطن مر، فكانت خزاعة. ثم قالت:
(1) انوار التنزيل 2: 287 – 288. (2) الجلد: الشدة والقوة. والقسر: القهر والغلبة. وأزمات الدهر: شدائده وما يشد به الانسان من المكاره.
[ 148 ]
من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل (1) فليلحق بيثرب ذات النخل، فكانت الاوس والخزرج. ثم قالت: من كان منكم يريد الخمر والخمير والملك والتأمير وملابس التاج والحرير فليلحق ببصرى وعوير، وهما من أرض الشام، وكان الذين سكنوها آل جفنة بن غسان. ثم قالت: من كان منكم يريد الثياب الرقاق و الخيل العتاق وكنوز الارزاق والدم المهراق فليلحق بأرض العراق، وكان الذين سكنوها آل جزيمة الابرش ومن كان بالحيرة وآل محرق. (2) (باب 13) * (قصة أصحاب الرس وحنظلة) * الايات، الحج ” 22 ” فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد 45. الفرقان ” 25 ” وعادا وثمود وأصحاب الرس 38. ق ” 50 ” كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس 12. 1 – ع، ن: الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن الهروي، عن الرضا، عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: أتى علي بن أبي طالب عليه السلام قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب الرس في أي عصر كانوا ؟ وأين كانت منازلهم ؟ ومن كان ملكهم ؟ وهل بعث الله عزوجل إليهم رسولا أم لا ؟ وبماذا أهلكوا ؟ فإني أجد في كتاب الله ذكرهم ولا أجد خبرهم. فقال له علي عليه السلام: لقد سألت عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك ولا يحدثك به أحد بعدي إلا عني، وما في كتاب الله عزوجل آية إلا وأنا أعرف تفسيرها، (3) وفي أي مكان نزلت من سهل أو جبل، وفي أي وقت نزلت من ليل أو نهار، وإن ههنا لعلما
(1) المحل: الجدب. الجوع الشديد. كنى بها عن النخل. (2) مجمع البيان 8: 387. (3) في العيون: الا وأنا أعرفها وأعرف تفسيرها.
[ 149 ]
جما – وأشار إلى صدره – ولكن طلابه يسير، وعن قليل يندمون لو فقدوني، قال: كان من قصتهم يا أخا تميم أنهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت، كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها روشاب (1) كانت أنبطت (2) لنوح عليه السلام بعد الطوفان، وإنما سموا أصحاب الرس لانهم رسوا نبيهم في الارض، (3) وذلك بعد سليمان بن داود عليه السلام، (4) وكانت لهم اثنتا عشر قرية على شاطئ نهر يقال له: الرس من بلاد المشرق، وبهم سمي ذلك النهر، ولم يكن يومئذ في الارض نهر أغزر منه، ولا أعذب منه، ولا قرى أكثر (5) ولا أعمر منها تسمى إحداهن أبان، والثانية آذر، والثالثة دي، والرابعة بهمن، والخامسة إسفندار، والسادسة فروردين، (6) و السابعة أردي بهشت، والثامنة خرداد، (7) والتاسعة مرداد، والعاشرة تير، والحادي عشرة مهر، والثاني عشرة شهر يورد، (8) وكانت أعظم مدائنهم إسفندار وهي التي ينزلها ملكهم، و كان يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن سازن (9) بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم، وبها العين والصنوبرة، (10) وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة، وأجروا إليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة، فنبتت الحبة وصارت شجرة عظيمة، وحرموا ماء العين والانهار فلا يشربون منها ولا أنعامهم، ومن فعل ذلك قتلوه ويقولون: هو حياة آلهتنا، فلا ينبغي لاحد أن ينقص من حياتها، ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه
(1) في نسخة: روشتاب. وفي العرائس: دوشان. (2) أنبط البئر: استخرج ماءها. وفي العلل والعرائس ” نبعت ” وفي النسخة المطبوعة ” انبتت ” وهو وهم. (3) أي دسوهم فيها ووأدوهم. (4) في العرائس: وذلك قبل سليمان بن داود. (5) في العيون: ولا قرى أكبر منها ولا أعمر منها. وفي العرائس: ولا قرى أكثر سكانا و عمرانا منها. (6) في العلل: پروردين. (7) في نسخة: والثامنة آذر، وفي اخرى والعلل: آذار. (8) في كلا المصدرين: شهريور. (9) في العلل: بركوذ بن غابور بن فارش بن شارب. وفي العرائس: تركون بن عابور بن نوش بن سارب. (10) في العرائس: وفيها العين التي يسقون منها الصنوبرة التي كانوا يعبدونها، وقد غرسوا.
[ 150 ]
قراهم، وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة (1) من حرير فيها من أنواع الصور، ثم يأتون بشاء (2) وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة، ويشعلون فيها النيران بالحطب، فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها (3) في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خروا للشجرة سجدا يبكون ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم، فكان الشيطان يجئ فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي: أني قد رضيت عنكم عبادي ! فطيبوا نفسا، وقروا عينا، فيرفعون رؤوسهم عند ذلك، ويشربون الخمر، ويضربون بالمعازف، (4) ويأخذون الدستبند، فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون، وإنما سمت العجم شهورها بأبان ماه وآذر ماه وغيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد شهر كذا، وعيد شهر كذا، حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى (5) اجتمع إليها صغيرهم وكبيرهم، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباج عليه من أنواع الصور، وجعلوا له اثني عشر بابا كل باب لاهل قرية منهم، ويسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق، ويقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم فيجئ إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا، ويتكلم من جوفها كلاما جهوريا، و يعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها، فيرفعون رؤوسهم من السجود، وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف، (6) فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة، ثم ينصرفون، فلما طال
(1) الكلة بالكسر: الستر الرقيق. غشاء رقيق يخاط كالبيت يتوقى به من البعوض ويعرف (بالناموسية) ويقال بالفارسية (پشه بند) وفي العرائس: يضربون على تلك الشجرة مظلة من حرير فيها اصناف الصور. (2) جمع الشاة. (3) القتار بضم: الدخان من المطبوخ. (4) المعازف: آلات الطرب كالطنبور والعود. (5) في العيون: عيد شهر قريتهم العظمى. (6) في العرائس: ولا يتكلمون معه فيديمون الشرب والمعازف ويكونون.
[ 151 ]
كفرهم بالله عزوجل وعبادتهم غيره بعث الله عزوجل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عزوجل ومعرفة ربوبيته (1) فلا يتبعونه، فلما رأى شدة تماديهم في الغي والضلال وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح وحضر عيد قريتهم العظمى قال: يا رب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي والكفر بك، (2) وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضر، فأيبس شجرهم أجمع، وأرهم قدرتك وسلطانك، فأصبح القوم وقد يبس شجرهم كلها فهالهم ذلك وقطع بهم، وصاروا فرقتين: فرقة قالت: سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السماء والارض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه، وفرقة قالت: لا بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه، فأجمع رأيهم على قتله، فاتخذوا أنابيب (3) طوالا من رصاص واسعة الافواه، ثم أرسلوها في قرار العين (4) إلى أعلى الماء، واحدة فوق الاخرى مثل البرابخ ونزحوا ما فيها من الماء، ثم حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة، وأرسلوا فيها نبيهم، (5) وألقموا فاها صخرة عظيمة، ثم أخرجوا الانابيب من الماء وقالوا: نرجو الآن أن ترضى عنا آلهتنا إذا رأت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها، ويصدنا عن عبادتها، ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه، فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان، فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم، وهو يقول: ” سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي، وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي ” حتى مات، فقال الله جل جلاله لجبرئيل: يا جبرئيل أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم
(1) في العرائس: ويعرفهم ربوبيته، فلا يتبعونه ولا يسمعون مقالته، فلما رأى شدة ما هم فيه من الغي والضلالة. (2) في العرائس: يا رب ان عبادك أبوا تصديقي ودعوتي إليهم، وما ارادوا الا تكذيبي و الكفر بك، ثم غدوا. (3) انابيب جمع الانبوب: مابين العقدتين من القصب أو الرمح. ويستعار لكل اجوف مستدير كالقصب ومنه انبوب الماء لقناته. والقناة: ما يحفر في الارض ليجري فيه الماء. (4) في نسخة من العيون: في قرار الارض. (5) في العرائس: فرسوا فيها نبيهم.
[ 152 ]
حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني ؟ كيف وأنا المنتقم ممن عصاني، ولم يخش عقابي، وإني حلفت بعزتي لاجعلنهم عبرة ونكالا للعالمين، فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك (1) إلا بريح عاصف شديدة الحمرة فتحيروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم إلى بعض، ثم صارت الارض من تحتهم حجر كبريت يتوقد، (2) وأظلتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبة جمرا يلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار، فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (3) بيان: روى الثعلبي في العرائس (4) هذه الرواية عن علي بن الحسين عليهما السلام نحوا مما أوردنا. قوله عليه السلام: (وبهم سمي ذلك النهر) أي سمي ذلك النهر الرس لفعلهم حيث رسوا نبيهم فيه. قال الفيروز آبادي: الرس: البئر المطوية بالحجارة. وبثر كانت لبقية من ثمود كذبوا نبيهم ورسوه في بئر. والحفر. والدس. ودفن الميت انتهى. قوله عليه السلام: (وحرموا ماء العين) يدل على أن العين التي كانت عند الصنوبرة غير الرس الذي كان عليه قراهم. والكلة بالكسر: الستر الرقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من البق. والقترة بالفتح. الغبرة. والقتار بالضم: ريح البخور والقدر والشواء. والمعازف: الملاهي. قوله: (ويأخذون الدستبند) لعل المراد به ما يسمى بالفارسية أيضا سنج، ويحتمل أن يكون المراد التزين بالاسورة. وكلام جهوري أي عال، ويظهر منه أن الذين كانوا يتكلمون في الاشجار الاخر كانوا غير إبليس من أعوانه. وفي القاموس: قطع بزيد كعني فهو مقطوع به: عجز من سفره بأي سبب كان، أو حيل بينه وبين ما يؤمله. والبربخ بالبائين الموحدتين والخاء المعجمة: ما يعمل من الخزف للبئر ومجاري الماء. 2 – فس: أصحاب الرس هم الذين هلكوا، لانهم استغنوا الرجال بالرجال،
(1) في العلل: فلم يدعهم وفي عيدهم ذلك. وفي العرائس: فبينماهم إذ غشيتهم ريح حمراء. (2) في العرائس: كحجر كبريت تتوقد. (3) عيون الاخبار: 114 – 116 علل الشرائع: 25 – 26. (4) راجع العرائس: 87 – 88.
[ 153 ]
والنساء بالنساء، والرس: نهر بناحية آذربايجان. (1) 3 – مع: معنى أصحاب الرس أنهم نسبوا إلى نهر يقال له الرس من بلاد المشرق، وقد قيل: إن الرس هو البئر، وإن أصحابه رسوا نبيهم بعد سليمان بن داود عليه السلام وكانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت، كان غرسها يافث بن نوح، فأنبتت (2) لنوح بعد الطوفان، وكان نساؤهم يشتغلن بالنساء عن الرجال، فعذبهم الله عز وجل بريح عاصف شديدة الحمرة، وجعل الارض من تحتهم حجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة سوداء مظلمة فانكفت عليهم كالقبة جمرة تلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار. (3) 4 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، وماجيلويه، عن محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي، عن علي بن العباس، عن جعفر بن محمد البلخي، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن إبراهيم قال: سأل رجل أبا الحسن موسى عليه السلام عن أصحاب الرس الذين ذكرهم الله من هم وممن هم وأي قوم كانوا ؟ فقال: كانا رسين: أما أحدهما فليس الذي ذكره الله في كتابه، كان أهله أهل بدو وأصحاب شاة وغنم، فبعث الله تعالى إليهم صالح النبي عليه السلام رسولا فقتلوه، وبعث إليهم رسولا آخر فقتلوه، ثم بعث إليهم رسولا آخر و عضده بولي فقتلوا الرسول، وجاهد الولي حتى أفحمهم، وكانوا يقولون: إلهنا في البحر وكانوا على شفيره، وكان لهم عيد في السنة، يخرج حوت عظيم من البحر في تلك اليوم فيسجدون له، فقال ولي صالح لهم: لا أريد أن تجعلوني ربا، ولكن هل تجيبوني إلى ما دعوتكم إن أطاعني ذلك الحوت ؟ فقالوا: نعم، وأعطوه عهودا ومواثيق، فخرج حوت راكب على أربعة أحوات، فلما نظروا إليه خروا سجدا، فخرج ولي صالح النبي إليه وقال له: ايتني طوعا أو كرها بسم الله الكريم، فنزل عن أحواته، فقال الولي: ايتني عليهن لئلا يكون من القوم في أمري شك، فأتى الحوت إلى البر يجرها وتجره إلى عند ولي صالح، فكذبوه بعد ذلك، فأرسل الله إليهم ريحا فقذفتهم في اليم – أي البحر – ومواشيهم،
(1) تفسير القمي: 643. (2) في نسخة: فانبطت. وقد تقدم معناه. (3) معاني الاخبار: 19.
[ 154 ]
فأتى الوحي إلى ولي صالح بموضع ذلك البئر وفيها الذهب والفضة، فانطلق فأخذه ففضه (1) على أصحابه بالسوية على الصغير والكبير. وأما الذين ذكرهم الله في كتابه فهم قوم كان لهم نهر يدعى الرس، وكان فيهم أنبياء كثيرة، فسأله رجل: وأين الرس ؟ فقال: هو نهر بمنقطع آذربيجان، وهو بين حد ارمينية (2) وآذربيجان، وكانوا يعبدون الصلبان، (3) فبعث الله إليهم ثلاثين نبيا في مشهد واحد فقتلوهم جميعا، فبعث الله إليهم نبيا وبعث معه وليا فجاهدهم، وبعث الله ميكائيل في أوان وقوع الحب والزرع، فأنضب ماءهم (4) فلم يدع عينا ولا نهرا ولا ماء لهم إلا أيبسه وأمر ملك الموت فأمات مواشيهم، وأمر الله الارض فابتلعت ما كان لهم من تبرأ وفضة أو آنية فهو لقائمنا عليه السلام إذا قام، فماتوا كلهم جوعا وعطشا، فلم يبق منهم باقية، وبقي منهم قوم مخلصون فدعوا الله أن ينجيهم بزرع وماشية وماء، ويجعله قليلا لئلا يطغوا، فأجابهم الله إلى ذلك لما علم من صدق نياتهم، ثم عاد القوم إلى منازلهم فوجدوها قد صارت أعلاها أسفلها، وأطلق الله لهم نهرهم، وزادهم فيه على ما سألوا، فقاموا على الظاهر و الباطن في طاعة الله حتى مضى أولئك القوم وحدث بعد ذلك نسل أطاعوا الله في الظاهر و نافقوه في الباطن، وعصوا بأشياء شتى فبعث الله من أسرع فيهم القتل، فبقيت شرذمة منهم فسلط الله عليهم الطاعون فلم يبق منهم أحدا، وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحد، ثم أتى الله تعالى بقوم بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين، ثم أحدث قوم منهم فاحشة واشتغل الرجال بالرجال والنساء بالنساء فسلط الله عليهم صاعقة فلم يبق منهم باقية. (5) بيان: قوله: (بموضع ذلك البئر) يظهر منه أنهم كانوا دفنوا أموالهم في بئر و سيظهر مما سننقل من رواية الثعلبي أن فيه تصحيفا.
(1) اي ففرقه. (2) بكسر اوله وبفتح، وتخفيف الياء الاخيرة وقد يشدد: اسم لصقع عظيم واسع في جهة شمال ايران. (3) هكذا في النسخ، وهو جمع الصليب. وفي العرائس كما يأتي بعد ذلك: يعبدون النيران. (4) هكذا في النسخ، وفي العرائس كما يأتي ” فانصب ” راجعه. (5) قصص الانبياء مخطوط.
[ 155 ]
5 – ثو: أبي، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخلت عليه نسوة فسألته امرأة عن السحق، فقال: حدها حد الزاني، فقالت امرأة: ما ذكر الله عزوجل ذلك في القرآن ؟ قال: بلى، قالت: وأين هو ؟ قال: هو أصحاب الرس. (1) 6 – كا: أبو علي الاشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن حسين بن أحمد المنقري، عن هشام الصيدلاني (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله رجل عن هذه الآية: ” كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس ” فقال بيده هكذا، فمسح إحداهما بالاخرى، فقال: هن اللواتي باللواتي، يعني النساء بالنساء. (3) قال الثعلبي في العرائس: قال الله عزوجل: ” وعادا وثمود وأصحاب الرس ” و قال: ” كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس “. اختلف أهل التفسير وأصحاب الاقاصيص فيهم، فقال سعيد بن جبير والكلبي و الخليل بن أحمد – دخل كلام بعضهم في بعض، وكل أخبر بطائفة من حديث -: أصحاب الرس (4) بقية ثمود قوم صالح عليه السلام وهم أصحاب البئر التي ذكرها الله تعالى في قوله: ” وبئر معطلة وقصر مشيد ” وكانوا بفليح اليمامة (5) نزولا على تلك البئر وكل ركية لم
(1) ثواب الاعمال: 259. (2) في نسخة: الصيدناني. (3) فروع الكافي 2: 73. (4) هكذا في النسخ، والصحيح كما في المصدر: وكل أخبر بطائفة من حديث أصحاب الرس ان أصحاب الرس اه. (5) في نسخة: بفليج اليمامة. وفي المصدر: بفلج اليمامة قال ياقوت في معجم البلدان: الرس: في القرآن بئر، يروى انهم كذبوا نبيهم ورسوه في البئر اي دسوه فيها، ويروى أن الرس قرية باليمامة يقال لها فلج، وروى أن الرس ديار لطائفة من ثمود، وقيل: إنه وادي آذربيجان وحد آذربيجان ما وراء الرس، وكان بأران على الرس ألف مدينة فبعث الله إليهم نبيا يقال له موسى، وليس بموسى بن عمران فدعاهم الى الله فكذبوه، ومخرج الرس من قاليقلاء ويمر بأران ثم يمر بورثان ثم يمر بالمجمع فيجتمع هو والكر، وبينهما مدينة البيلقان، ويمر الكر والرس جميعا فيصبان في بحر جرجان، والرس هذا واد عجيب فيه من السمك اصناف كثيرة وفيه سمك يقال له شورماهي، لا يكون الا فيه، ونهر الرس يخرج الى صحراء البلاسجان وهي الى شاطئ البحر في الطول من برزند الى برذعة، وفي هذه الصحراء خمسة آلاف قرية وأكثرها خراب، الا أن حيطانها وابنيتها باقية لم تتغير لجودة التربة وصحتها، ويقال: ان تلك القرى كانت لاصحاب الرس ويقال: انهم رهط جالوت قتلهم داود وسليمان عليهما السلام. (*)
[ 156 ]
تطو بالحجارة والآجر فهو رس، وكان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان، وكان بأرضهم جبل يقال له فتح، مصعدا في السماء ميلا، وكانت العنقاء ينتابه (1) وهي كأعظم ما يكون من الطير، وفيها من كل لون، وسموها العنقاء لطول عنقها، وكانت تكون في ذلك الجبل تنقض على الطير تأكلها، فجاعت ذات يوم فأعوزها الطير (2) فانقضت على صبي فذهبت به، ثم إنها انقضت على جارية حين ترعرعت فأخذتها فضمتها إلى جناحين لها صغيرين سوى الجناحين الكبيرين، فشكوا إلى نبيهم، فقال: اللهم خذها واقطع نسلها وسلط عليها آية تذهب بها، فأصابتها صاعقة فاحترقت فلم ير لها أثر فضربتها العرب (3) مثلا في أشعارها وحكمها وأمثالها، ثم إن أصحاب الرس قتلوا نبيهم فأهلكهم الله تعالى. وقال بعض العلماء: بلغني أنه كان رسان: أما أحدهما فكان أهله أهل بدو و أصحاب غنم ومواش فبعث الله إليهم نبيا فقتلوه، ثم (4) بعث إليهم رسولا آخر وعضده بولي فقتلوا الرسول، وجاهدهم الولي حتى أفحمهم، وكانوا يقولون: إلهنا في البحر، وكانوا على شفيره، وكان يخرج إليهم من البحر شيطان في كل شهر خرجة فيذبحون عنده ويتخذونه عيدا، فقال لهم الولي: أرأيتم إن خرج إلهكم الذين تدعونه وتعبدونه إلي وأطاعني أتجيبونني إلى ما دعوتكم إليه ؟ فقالوا: بلى، وأعطوه على ذلك العهود والمواثيق، فانتظر حتى خرج ذلك الشيطان على صورة حوت راكبا أربعة أحوات، وله عنق مستعلية، وعلى رأسه مثل التاج، فلما نظروا إليه خروا له سجدا، وخرج الولي إليه، فقال: ايتني طوعا أو كرها، بسم الله الكريم، فنزل عند ذلك عن أحواته، فقال له الولي: ايتني عليهن لئلا يكون من القوم في أمري شك، فأتى الحوت وأتين به حتى أفيضن به إلى البر يجرونه، فكذبوه بعد ما رأوا ذلك، ونقضوا العهد، فأرسل الله تعالى عليهم ريحا فقذفتهم في البحر ومواشيهم جميعا وما كانوا يملكون من ذهب وفضة، فأتى الولي الصالح إلى
(1) انتابه: أتاه مره بعد اخرى. قصد إليه. وفي المصدر: تبيت به. (2) اي اعجزه وصعب عليه نيله. (3) في المصدر: فلم ير لها أثر بعد ذلك فضربت بها العرب مثلا. (4) قد سقط عن المصدر من هنا الى قوله: واما الاخر.
[ 157 ]
البحر حتى أخذ التبر والفضة والاواني فقسمها على أصحابه بالسوية على الصغير منهم والكبير، وانقطع هذا النسل. وأما الآخر فهم قوم كان لهم نهر يدعى الرس ينسبون إليه، وكان فيهم أنبياء كثيرة، قل يوم يقوم نبي إلا قتل، (1) وذلك النهر بمنقطع آذربيجان بينها وبين ارمينية فإذا قطعته مدبرا دخلت في حد ارمينية، وإذا قطعته مقبلا دخلت في حد آذربيجان، يعبدون النيران، (2) وهم كانوا يعبدون الجواري العذاري، فإذا تمت لاحداهن ثلاثين (3) سنة قتلوها واستبدلوا غيرها، وكان عرض نهرهم ثلاثة فراسخ، وكان يرتفع في كل يوم وليلة حتى يبلغ أنصاف الجبال التي حوله، وكان لا ينصب في بر ولا بحر، إذا خرج من حدهم يقف ويدور، ثم يرجع إليهم، فبعث الله تعالى إليهم ثلاثين نبيا في شهر واحد فقتلوهم جميعا، فبعث الله عزوجل إليهم نبيا وأيده بنصره وبعث معه وليا فجاهدهم في الله حق جهاده، فبعث الله تعالى إليه ميكائيل حين نابذوه وكان ذلك في أوان وقوع الحب في الزرع، (4) وكان إذ ذاك أحوج ما كانوا من الماء، ففجر نهرهم في البحر فانصب ما في أسفله، وأتى عيونه (5) من فوق فسدها، وبعث إليه خمسمائة ألف من الملائكة أعوانا له ففرقوا ما بقي في وسط النهر، (6) ثم أمر الله تعالى جبرائيل فنزل فلم يدع في أرضهم عينا ولانهرا إلا أيبسه بإذن الله عزوجل، وأمر ملك الموت فانطلق إلى المواشي فأماتهم ربضة واحدة، (7) وأمر الرياح الاربع: الجنوب، والشمال، والدبور، والصباء،
(1) هكذا في النسخ وهو لا يخلو عن تصحيف، والصواب ما في المصدر: لا يقوم فيهم نبي الا قتلوه. (2) في المصدر: وكان من حولهم من أهل ارمينية يعبدون الاوثان، ومن قدامهم من اهل آذربيجان يعبدون النيران، وهم كانوا يعبدون الجواري العذارى. (3) هكذا في النسخ وهو مصحف ثلاثون راجع المصدر. (4) في المصدر: الارض مكان الزرع. وفيه: وكانوا عند ذلك احوج ما يكونون الى الماء فحفر نهرهم. (5) في المصدر: وأتى الى عيونه. (6) في المصدر: خمسمائة من الملائكة أعوانا له فغرقوا ما بقى في وسط نهرهم. (7) الربضة بكسر الاول وسكون الثاني: مقتل كل قوم قتلوا في موقعة واحدة. وفي المصدر: فأماتها دفعة واحدة. وفيه: الارباح الاربع وكذا فيما يأتي.
[ 158 ]
فضمت ماكان لهم من متاع، وألقى الله عزوجل عليهم السبات، (1) ثم حفت الرياح (2) الاربع المتاع أجمع فهبته (3) في رؤوس الجبال وبطون الاودية، فأما ماكان من حلي أو تبر أو آنية فإن الله تعالى أمر الارض فابتلعته فأصبحوا ولا شاة عندهم ولا بقرة، ولا مال يعودون إليه، ولا ماء يشربونه، ولا طعام يأكلونه، فآمن بالله تعالى عند ذلك قليل منهم، وهداهم إلى غار في جبل له طريق إلى خلفه فنجوا، وكانوا أحدا وعشرين رجلا وأربع نسوة وصبيين، وكان عدة الباقين من الرجال والنساء والذراري ستمائة ألف فماتوا عطشا وجوعا، ولم يبق منهم باقية، ثم عاد القوم إلى منازلهم فوجدوها قد صار أعلاها أسفلها، فدعا القوم عند ذلك مخلصين أن يجيئهم بزرع وماء وماشية ويجعله قليلا لئلا يطغوا، فأحابهم الله تعالى إلى ذلك لما علم من صدق نياتهم وعلم منهم الصدق، (4) وآلوا أن لا يبعث رسولا ممن قاربهم إلا أعانوه وعضدوه، وعلم الله تعالى منهم الصدق فأطلق الله لهم نهرهم وزادهم على ما سألوا، فأقام أولئك في طاعة الله ظاهرا وباطنا حتى مضوا وانقرضوا، وحدث بعدهم من نسلهم قوم أطاعوا الله في الظاهر ونافقوه في الباطن، فأملى الله تعالى لهم، وكان عليهم قادرا، ثم كثرت معاصيهم وخالفوا أولياء الله تعالى فبعث الله عزوجل عدوهم ممن فارقهم وخالفهم فأسرع فيهم القتل، وبقيت منهم شرذمة فسلط الله عليهم الطاعون فلم يبق منهم أحدا، وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحد، ثم أتى الله بقرن (5) بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين سنين، ثم أحدثوا فاحشة جعل الرجل يدعو بنته وأخته و زوجته فينيلها (6) جاره وأخاه وصديقه يلتمس بذلك البر والصلة، ثم ارتفعوا من ذلك إلى نوع آخر: ترك الرجال النساء حتى شبقن واستغنوا بالرجال، (7) فجاءت النساء
(1) السبات بالضم: النوم أو أوله. (2) في نسخة: ثم جمعت الرياح. (3) في نسخه: فبثته، وفي المصدر: فرمته. (4) المصدر خلى عن قوله. وعلم منهم الصدق. قوله: آلوا اي حلفوا. وفي المصدر: و قالوا: انه لا يبعث الله رسولا الا ما يليهم ويقاربهم الا أعانوه وصدقوه وعضدوه. (5) القرن: أهل زمان واحد. وفي المصدر: ثم أتى الله بقوم بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين فاقاموا فيها ستين سنة. (6) في المصدر: فيبيت معها. (7) في المصدر: واستغنى الرجال بالرجال.
[ 159 ]
شيطانهن في صورة امرأة وهي الدلهاث (1) بنت إبليس وهي أخت الشيصار كانتا في بيضة واحدة فشبهت إلى النساء (2) ركوب بعضهن بعضا وعلمتهن كيف يصنعن، فأصل ركوب النساء بعضهن بعضا من الدلهاث، فسلط الله على ذلك القرن (3) صاعقة في أول الليل، وخسفا في آخر الليل، وصيحة مع الشمس، فلم يبق منهم باقية، وبادت مساكنهم، ولا أحسب منازلهم اليوم تسكن. انتهى (4) أقول: إنما أوردنا تلك الرواية بطولها لكونها كالشرح لروايتي يعقوب وهشام بل لا يبعد أن يكون من قوله: (قال بعض العلماء) إلى آخره رواية يعقوب بعينها، إذ كثيرا ما ينقل الثعلبي روايات الشيعة في كتابه هكذا، والراوندي رحمه الله دأبه الاختصار في الاخبار، فكثيرا ما وجدناه ترك من خبر رواه عن الصدوق رحمه الله أكثر من ثلاثة أرباعه، وإنما أوردنا قصة أصحاب الرس في هذا الموضع لما ورد في الخبر أنهم كانوا بعد سليمان عليه السلام ومنهم من ذكرها قبل قصص إبراهيم عليه السلام بناء على أنهم من بقية قوم ثمود والصدوق أوردهم بعد قصص إبراهيم وقبل يعقوب عليهما السلام، وقد ذكرهم الله في سورة الفرقان بعد ثمود، وفي سورة ق قبلهم. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: ” وأصحاب الرس ” هو بئر رسوا فيها نبيهم أي ألقوه فيها، عن عكرمة، وقيل: إنهم كانوا أصحاب مواش ولهم بئر يقعدون عليها، وكانوا يعبدون الاصنام، فبعث الله إليهم شعيبا فكذبوه فانهار البئر (5) وانخسف بهم الارض فهلكوا، عن وهب، وقيل: الرس: قرية باليمامة يقال لها: فلح، قتلوا نبيهم فأهلكهم الله، عن قتادة، وقيل: كان لهم نبي يسمى حنظلة فقتلوه فأهلكوا، عن سعيد بن جبير والكلبي، وقيل: هم أصحاب الرس والرس: بئر بأنطاكية، قتلوا فيها حبيبا النجار
(1) في المصدر: الدلهان بالنون وكذا فيما يأتي. (2) في المصدر: فشبهت للنساء. (3) في المصدر: على هؤلاء القوم. (4) العرائس: 86 – 87 وفيه: مسكونة مكان تسكن. (5) انهار البناء: انهدم وسقط.
[ 160 ]
فنسبوا إليها، عن كعب ومقاتل، وقيل: أصحاب الرس كان نساؤهم سحاقات، عن أبي عبد الله عليه السلام. (1) وقال رحمه الله في قوله تعالى: ” وبئر معطلة “: قال الضحاك: هذه البئر كانت بحضرموت في بلدة يقال لها حاضوراء، نزل بها أربعة آلاف ممن آمن بصالح ومعهم صالح، فلما حضروا مات صالح، فسمي المكان حضرموت، ثم إنهم كثروا فكفروا و عبدوا الاصنام فبعث الله إليهم نبيا يقال له حنظلة فقتلوه في السوق فأهلكهم الله فماتوا عن آخرهم، وعطلت بئرهم، وخرب قصر ملكهم. (2) 7 – كنز الفوائد للكراجكي: روي عن ابن عباس في حديث ذكر فيه إتيان رجل جهني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وإسلامه على يده وأنهم تحدثوا يوما في ذكر القبور و الجهني حاضر فحدثهم أن جهينة بن العوسان (3) أخبره عن أشياخه أن سنة (4) نزلت بهم حتى أكلوا ذخائرهم، فخرجوا من شدة الازل (5) وهم جماعة في طلب النبات فجنهم الليل فآووا إلى مغارة: وكانت البلاد مسبعة وهم لا يعلمون، قال: فحدثني رجل منهم يقال له مالك، قال: رأينا في الغار أشبالا (6) فخرجنا هاربين حتى دخلنا وهدة من وهاد الارض (7) بعد ما تباعدنا من ذلك الموضع، فأصبنا على باب الوهدة حجرا مطبقا فتعاونا عليه حتى قلبناه فإذا رجل قاعد عليه جبة صوف، وفي يده خاتم عليه مكتوب: أنا حنظلة بن صفوان رسول الله، وعند رأسه كتاب في صحيفة نحاس فيه: بعثني الله إلى حمير و همدان والعزيز من أهل اليمن بشيرا ونذيرا، فكذبوني وقتلوني. فأعادوا الصخرة على ما كانت عليه في موضعها. (8)
(1) مجمع البيان 7: 170. (2) مجمع البيان 7: 89. (3) في المصدر: القوسان. (4) السنة: القحط والجدب. (5) الازل: الضيق والشدة. (6) الاشبال جمع الشبل: ولد الاسد إذا ادرك الصيد. (7) الوهدة: الارض المنخفضة. الهوة في الارض. (8) كنز الكراجكي: 179.
[ 161 ]
(باب 14) * (قصة شعيا وحيقوق عليهما السلام (1)) * 1 – ص: بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن جابر، عن الباقر عليه السلام قال: قال علي عليه السلام: أوحى الله تعالى جلت قدرته إلى شعيا عليه السلام إني مهلك من قومك مائة ألف أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم، فقال عليه السلام: هؤلاء الاشرار فما بال الاخيار ؟ فقال: داهنوا أهل المعاصي فلم يغضبوا لغضبي. (2) 2 – ص: بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن وهب بن منبه قال: كان في بني إسرائيل ملك (3) في زمان شعيا وهم متابعون مطيعون لله، ثم إنهم ابتدعوا البدع فأتاهم ملك بابل (4) وكان نبيهم يخبرهم بغضب الله عليهم، فلما نظروا إلى مالا قبل لهم من الجنود تابوا وتضرعوا، فأوحى الله تعالى إلى شعيا إني قبلت توبتهم لصلاح آبائهم، وملكهم كان قرحة بساقه وكان عبدا صالحا، فأوحى الله تعالى إلى شعيا عليه السلام أن مر ملك بني إسرائيل فليوص وصيته وليستخلف على بني إسرائيل من أهل بيته، فإني قابضه يوم كذا، فليعهد عهده، فأخبره شعيا عليه السلام برسالته تعالى عز وعلا، فلما قال له ذلك أقبل على التضرع والدعاء والبكاء، فقال: اللهم ابتدأتني بالخير من أول يوم، و
(1) قال الثعلبي: هو شعيا بن أمضيا كان قبل مبعث زكريا ويحيى، وهو الذي بشر بيت المقدس حين شكا إليه الخراب، فقال: ابشر فانه يأتيك راكب الحمار ومن بعده صاحب البعير. قلت: الظاهر هو أشعياء المذكور في التوراة، قيل: كان هو ابن آموص، وآموص أخو امصيا ملك اليهود، كان في 700 سنة قبل تولد المسيح عليه السلام. وأما حيقوق فهو حبقوق – بالباء – المذكور في التوراة قيل: كان في 600 سنة قبل المسيح. (2) قصص الانبياء مخطوط. (3) قال الثعلبي: كان يدعى صديقة. قلت: لعله صدقيا المذكور في التوراة. (4) قال الثعلبي: هو سنجاريب ملك بابل. قلت: لعله سنخاريب – بالخاء – المذكور في التوراة.
[ 162 ]
سببته لي، وأنت فيما أستقبل رجائي وثقتي، فلك الحمد بلا عمل صالح سلف مني، و أنت أعلم مني بنفسي، أسألك أن تؤخر عني الموت، وتنسئ (1) لي في عمري، وتستعملني بما تحب وترضى، فأوحى الله تعالى إلى شعيا إني رحمت تضرعه، واستجبت دعوته، و قد زدت في عمره خمس عشرة سنة، فمره فليداو قرحته بماء التين فإني قد جعلته شفاء مما هو فيه، وإني قد كفيته وبني إسرائيل مؤونة عدوهم، فلما أصبحوا وجدوا جنود ملك بابل مصروعين في عسكرهم موتى، لم يفلت منهم أحد إلا ملكهم وخمسة نفر (2) فلما نظروا إلى أصحابهم وما أصابهم كروا منهزمين إلى أرض بابل، وثبت بنو إسرائيل متوازرين على الخير، فلما مات ملكهم ابتدعوا البدع، ودع كل إلى نفسه، وشعيا عليه السلام يأمرهم وينهاهم فلا يقبلون حتى أهلكهم الله. وعن أنس أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وآله عن شعيا عليه السلام فقال: هو الذي بشر بي وبأخي عيسى بن مريم عليه السلام. (3) أقول: قال صاحب الكامل بعد أن ذكر نحوا مما رواه وهب: قيل: إن شعيا أوحى الله إليه ليقوم في بني إسرائيل يذكرهم بما يوحى على لسانه لما كثرت فيهم الاحداث، ففعل فعدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخلها، وأخذ الشيطان يهدب ثوبه وأراه بني إسرائيل فوضعوا المنشار على الشجرة فنشروها حتى قطعوه في وسطها. (4) أقول: سيأتي بعض أحواله في باب قصص بخت نصر. 3 – ج، ن، يد: عن الحسن بن محمد النوفلي، عن الرضا عليه السلام فيما احتج على أرباب الملل قال عليه السلام للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا ؟ قال: أعرفه حرفا حرفا، فقال له ولرأس الجالوت: أتعرفان هذا من كلامه: ” يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار
(1) اي تؤخر. (2) قال الثعلبي: وكان احدهم بخت نصر. (3) قصص الانبياء مخطوط. (4) الكامل 1: 87 – 88.
[ 163 ]
لابسا جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر ” ؟ فقالا: قد قال ذلك شعيا. ثم قال عليه السلام: وقال شعيا النبي فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة: ” رأيت راكبين أضاء لهما الارض أحدهما على حمار والآخر على جمل ” فمن راكب الحمار ؟ ومن راكب الجمل ؟ قال رأس الجالوت: لا أعرفهما، فخبرني بهما، قال: أما راكب الحمار فعيسى وأما راكب الجمل فمحمد صلى الله عليه وآله، أتنكر هذا من التوراة ؟ قال: لا ما أنكره. ثم قال الرضا عليه السلام: هل تعرف حيقوق النبي عليه السلام ؟ قال: نعم إني به لعارف، قال: فإنه قال وكتابكم ينطق به: ” جاء الله بالبيان من جبل فاران، وامتلات السماوات من تسبيح أحمد وأمته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر، يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس ” يعني بالكتاب القرآن، أتعرف هذا وتؤمن به ؟ قال رأس الجالوت قد قال ذلك حيقوق النبي ولا ننكر قوله. (1) (باب 15) * (قصص زكريا ويحيى عليهما السلام) * الايات، آل عمران ” 3 ” هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين * قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء * قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار 38 – 41. مريم ” 19 ” كهيعص * ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربه نداء خفيا * قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا * وإني
(1) عيون الاخبار: 91 و 93، احتجاج الطبرسي: 229 و 230 و 231، توحيد الصدوق: 437، و 441، و 442 والحديث طويل تقدم بتمامه في كتاب الاحتجاجات. راجع 10: 299 – 318.
[ 164 ]
خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا * قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا * قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا * قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا * فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا * يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا * وحنانا من لدنا وزكوة وكان تقيا * وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا * وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا 1 – 15. الانبياء ” 21 ” وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين 89 و 90. 1 – فس: ” وأصلحنا له زوجه ” قال: كانت لا تحيض فحاضت. (1) 2 – ن: ماجيلويه، عن علي، عن أبيه، عن الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا عليه السلام في أول يوم من المحرم، فقال: يا ابن شبيب أصائم أنت ؟ فقلت: لا، فقال: إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السلام ربه فقال: ” رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ” فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب ” إن الله يبشرك بيحيى ” فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عزوجل استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه السلام. (2) 3 – كا: علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن محمد بن سنان، عن أبي سعيد المكاري عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: ما عنى الله تعالى بقوله في يحيى: ” وحنانا من لدنا وزكوة ” ؟ قال: تخنن الله، قال: قلت: فما بلغ من تخنن الله عليه ؟ قال: كان إذا قال: يا رب قال الله عزوجل له: لبيك يا يحيى. (3)
4 – لى: القطان، عن محمد بن سعيد بن أبي شحمة، عن عبد الله بن سعيد بن هاشم القناني، (1) عن أحمد بن صالح، عن حسان بن عبد الله الواسطي، عن عبد الله بن لهيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كان من زهد يحيى بن زكريا عليه السلام أنه أتى بيت المقدس فنظر إلى المجتهدين من الاحبار والرهبان عليهم مدارع الشعر، و برانس الصوف، وإذا هم قد خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى سواري المسجد، فلما نظر إلى ذلك أتى أمه فقال: يا أماه انسجي لي مدرعة من شعر وبرنسا من صوف حتى آتي بيت المقدس فأ عبد الله مع الاحبار والرهبان، فقالت له أمه: حتى يأتي نبي الله وأؤامره (2) في ذلك، فلما دخل زكريا عليه السلام أخبرته بمقالة يحيى، فقال له زكريا: يا بني ما يدعوك إلى هذا وإنما أنت صبي صغير ؟ فقال له: يا أبه أما رأيت من هو أصغر سنا مني قد ذاق الموت ؟ قال: بلى، ثم قال لامه: انسجي له مدرعة من شعر، وبرنسا من صوف، ففعلت فتدرع المدرعة على بدنه، ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس فأقبل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه، فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى، فأوحى الله عزوجل إليه: يا يحيى أتبكي مما قد نحل من جسمك ؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت إلى النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج، فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه، وبدا للناظرين أضراسه فبلغ ذلك أمه فدخلت عليه وأقبل زكريا عليه السلام واجتمع الاحبار والرهبان فأخبروه بذهاب لحم خديه، فقال: ما شعرت بذلك، فقال زكريا عليه السلام: يا بني ما يدعوك إلى هذا ؟ إنما سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني، قال: أنت أمرتني بذلك يا أبه، قال: و متى ذلك يا بني ؟ قال: ألست القائل: إن بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاؤون من خشية الله ؟ قال: بلى، فجد واجتهد وشأنك غير شأني، فقام يحيى فنفض مدرعته (3) فأخذته أمه،
(1) في نسخة: القنائي. وفي المصدر: القناني البغدادي سنة خمس وثمانين ومائتين. فهو إما بفتح القاف ونونين بينهما ألف، أو بضم القاف وفتح النون المشددة وبعد الالف ياء. (2) أي اشاوره. (3) أي اسقطها.
[ 166 ]
فقالت: أتأذن لي يا بني أن أتخذ لك قطعتي لبود تواريان أضراسك وتنشفان دموعك ؟ فقال لها: شأنك، فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه وتنشفان دموعه حتى ابتلتا من دموع عينيه (1) فحسر عن ذراعيه، ثم أخذهما فعصرهما فتحدر الدموع من بين أصابعه، فنظر زكريا عليه السلام إلى ابنه وإلى دموع عينيه فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إن هذا ابني وهذه دموع عينيه وأنت أرحم الراحمين. وكان زكريا عليه السلام إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فإن رأى يحيى عليه السلام لم يذكر جنة ولا نارا، فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل وأقبل يحيى قد لف رأسه بعباءة فجلس في غمار الناس (2) والتفت زكريا عليه السلام يمينا وشمالا فلم ير يحيى فأنشأ يقول: حدثني حبيبي جبرئيل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى أن في جهنم جبلا يقال له السكران، في أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان لغضب الرحمن تبارك وتعالى، في ذلك الوادي جب قامته مائة عام، في ذلك الجب توابيت من نار، في تلك التوابيت صناديق من نار، وثياب من نار، وسلاسل من نار، وأغلال من نار، فرفع يحيى عليه السلام رأسه فقال: واغفلتاه من السكران، ثم أقبل هائما على وجهه، (3) فقام زكريا عليه السلام من مجلسه فدخل على أم يحيى فقال لها: يا أم يحيى قومي فاطلبي يحيى فإني قد تخوفت أن لا نراه إلا وقد ذاق الموت، فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل فقالوا لها: يا أم يحيى أين تريدين ؟ قالت: أريد أن أطلب ولدي يحيى، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، فمضت أم يحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم فقالت له: يا راعي هل رأيت شابا من صفته كذا وكذا ؟ فقال لها: لعلك تطلبين يحيى بن زكريا ؟ قالت: نعم ذاك ولدي، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه، قال: إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا، ناقعا قدميه (4) في الماء، رافعا بصره إلى السماء يقول: ” وعزتك مولاي لاذقت بارد الشراب
(1) هكذا في النسخ، وفي المصدر: فبكى حتى ابتلتا من دموع عينيه. (2) اي في جماعتهم ولفيفهم. (3) هام على وجهه: ذهب لا يدري أين يتوجه. (4) من نقع الدواء في الماء: اقره فيه.
[ 167 ]
حتى أنظر إلى منزلتي منك ” فأقبلت أمه فلما رأته أم يحيى دنت منه فأخذت برأسه فوضعته بين ثدييها وهي تناشده بالله أن ينطلق معها إلى المنزل فانطلق معها حتى أتى المنزل، فقالت له أم يحيى: هل لك أن تخلع مدرعة الشعر وتلبس مدرعة الصوف فإنه ألين ؟ ففعل، وطبخ له عدس فأكل واستوفى فنام فذهب به النوم فلم يقم لصلاته، (1) فنودي في منامه: يا يحيى بن زكريا أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري ؟ فاستيقظ فقام فقال: يا رب أقلني عثرتي، إلهي فوعزتك لا أستظل بظل سوى بيت المقدس، وقال لامه: ناوليني مدرعة الشعر فقد علمت أنكما ستورداني المهالك، فتقدمت أمه فدفعت إليه المدرعة و تعلقت به، فقال لها زكريا: يا أم يحيى دعيه فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه ولن ينتفع بالعيش، فقام يحيى عليه السلام فلبس مدرعته ووضع البرنس على رأسه، ثم أتى بيت المقدس فجعل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى كان من أمره ما كان. (2) بيان: المدرعة بكسر الميم: القميص. والبرنس: قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الاسلام، واللبود جمع اللبد، وغمار الناس بالضم والفتح: زحمتهم وكثرتهم، و ثنية الجبل: منعطفه. 5 – من خط الشهيد قدس سره نقلا من كتاب زهد الصادق عنه عليه السلام قال: بكى يحيى بن زكريا عليه السلام حتى ذهب لحم خديه من الدموع، فوضع على العظم لبودا يجري عليها الدموع، فقال له أبوه: يا بني إني سألت الله تعالى أن يهبك لي لتقر عيني بك، فقال: يا أبه إن على نيران ربنا معاثر (3) لا يجوزها إلا البكاؤون من خشية الله عزوجل، وأتخوف أن آتيها فأزل منها، فبكى زكريا عليه السلام حتى غشي عليه من البكاء. 6 – فس: أبي، عن حنان بن سدير، عن عبد الله بن الفضل الهمداني، (4) عن
(1) فيه غرابة وكذا في قوله: علمت انكما ستورداني المهالك، والحديث مروى من طرق العامة وهم في فسحة من ذلك وامثاله. (2) امالي الصدوق: 18 – 20. (3) المعاثر: المساقط والمهالك. (4) في المصدر: عبد الله بن الفضيل الهمداني.
[ 168 ]
أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: مر عليه رجل عدو لله ولرسوله فقال: ” فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين ” ثم مر عليه الحسين بن علي عليهما السلام فقال: لكن هذا لتبكين عليه السماء والارض، وقال: وما بكت السماء والارض إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهما السلام. (1) 7 – ب: عنهما، (2) عن حنان، عن الصادق عليه السلام قال: زوروا الحسين عليه السلام ولا تجفوه فإنه سيد شباب الشهداء، وسيد شباب أهل الجنة، وشبيه يحيى بن زكريا عليه السلام، وعليهما بكت السماء والارض. (3) 8 – كا: علي عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقرأ: ” وإني خفت الموالي من ورائي ” يعني أنه لم يكن له وارث حتى وهب الله له بعد الكبر. (4) 9 – فر: سهل بن أحمد الدينوري معنعنا عن أبي عبد الله عليه السلام وساق الحديث في أحوال القيامة إلى أن قال: ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام: أين فاطمة بنت محمد ؟ أين خديجة بنت خويلد ؟ أين مريم بنت عمران ؟ أين آسية بنت مزاحم ؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا ؟ فيقمن. الحديث. (5) 10 – فس: ” هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك
(1) تفسير القمي: 616. (2) اي محمد بن عبد الحميد وعبد الصمد بن محمد. (3) قرب الاسناد: 48، وللحديث صدر يأتي في كتاب المزار ان شاء الله واخرجه البحراني في تفسيره عن كتاب محمد بن العباس بن الماهيار باسناده عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه ومحمد ابن علي بن الحسين، عن سعد بن عبد الله، عن احمد بن بكر، عن موسى بن الفضل، عن حنان، عن ابي عبد الله عليه السلام، وعنه قال: حدثني محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار عن عبد الصمد بن أحمد، عن ابي عبد الله عليه السلام، وعنه بهذا الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن الحسين، عن ابن سدير، عن ابي عبد الله مثله. قلت: عبد الصمد بن احمد مصحف محمد. (4) فروع الكافي 2: 82 (5) تفسير الفرات: 113 و 114.
[ 169 ]
سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ” الحصور: الذي لا يأتي النساء ” قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ” والعاقر التي قد يئست من المحيض ” قال كذلك الله يفعل ما يشاء قال ” زكريا: ” رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ” (1) وذلك أن زكريا ظن أن الذين بشروه هم الشياطين (2) ” قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ” فخرس ثلاثة أيام. (3) بيان: قال الطبرسي رحمه الله: ” هنالك ” أي عند ما رأى عند مريم عليها السلام فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف على خلاف العادة ” دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ” أي طمع في رزق الولد من العاقر، وقوله: ” طيبة ” أي مباركة، وقيل: صالحة تقية نقية العمل ” إنك سميع الدعاء ” بمعنى قابل الدعاء ومجيب له ” فنادته الملائكة ” قيل: ناداه جبرئيل أي أتاه النداء من هذا الجنس، وقيل: نادته جماعة من الملائكة ” وهو قائم يصلي في المحراب ” أي في المسجد، وقيل: في محراب المسجد ” أن الله يبشرك بيحيى ” سماه الله بهذا الاسم قبل مولده، واختلف فيه لم سمي بيحيى ؟ فقيل: لان الله أحيا به عقر أمه، عن ابن عباس، وقيل: لان الله سبحانه أحياه بالايمان عن قتادة، وقيل: لانه سبحانه أحيا قلبه بالنبوة، ولم يسم قبله أحدا بيحيى ” مصدقا بكلمة من الله ” أي بعيسى، وعليه جميع المفسرين إلا ما حكي عن أبي عبيدة أنه قال: بكتاب الله، (4) وكان يحيى أكبر سنا من عيسى عليه السلام بستة أشهر، وكلف التصديق به، وكان أول من صدقه وشهد أنه كلمة الله وروحه، وكان ذلك إحدى معجزات عيسى و أقوى الاسباب لاظهار أمره، فإن الناس كانوا يقبلون قول يحيى لمعرفتهم بصدقه وزهده
(1) اضاف في المصدر: الا رمزا. (2) سيأتي الايعاز من الطبرسي إلى تخطئة ذلك، وهو تفسير من علي بن ابراهيم لم يسنده إلى حديث ولا إلى قائل، نعم سيأتي حديث يوافق ذلك الا انه مرسل ولم يتابع عليه. (3) تفسير القمي: 91 – 92. (4) في المصدر: بكتاب من الله.
[ 170 ]
” وسيدا ” في العلم والعبادة، وقيل: في الحلم والتقوى (1) وحسن الخلق، وقيل: كريما على ربه، وقيل: فقيها عالما، وقيل: مطيعا لربه، وقيل: مطاعا، وقيل: سيدا للمؤمنين بالرئاسة عليهم، والجميع يرجع إلى أصل واحد ” وحصورا ” وهو الذي لا يأتي النساء، عن ابن عباس و ابن مسعود والحسن وقتادة وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام، (2) ومعناه أنه يحصر نفسه عن الشهوات أي يمنعها، وقيل: الحصور إنه لايدخل (3) في اللعب والاباطيل، عن المبرد وقيل: العنين، وهذا لا يجوز على الانبياء لانه عيب وذم، ولان الكلام خرج مخرج المدح ” ونبيا من الصالحين ” أي رسولا شريفا رفيع المنزلة من جملة الانبياء ” قال رب أنى يكون ” أي من أين يكون ؟ وقيل: كيف يكون ” لي غلام (4) وقد بلغني الكبر ” أي أصابني الشيب ونالني الهرم، قال ابن عباس: كان يومئذ ابن عشرين ومائة سنة، و كانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة ” وامرأتي عاقر ” أي عقيم لا تلد، فإن قيل: لم راجع زكريا هذه المراجعة وقد بشره الله بأن يهب له ذرية طيبة ؟ قيل: إنما قال ذلك على سبيل التعرف عن كيفية حصول الولد، أيعطيهما وهما على ما كانا عليه من الشيب أم يصرفهما إلى حال الشباب ثم يرزقهما الولد ؟ ويحتمل أن يكون اشتبه الامر عليه أن يعطيه الولد من امرأته العجوز أم من امرأة أخرى شابة، فقال تعالى: ” كذلك ” وتقديره كذلك الامر الذي أنتما عليه وعلى تلك الحال ” الله يفعل ما يشاء ” معناه: يرزقك الله الولد منها فإنه هين عليه، وقيل فيه وجه آخر وهو أنه إنما قال ذلك على سبيل الاستعظام لمقدور الله تعالى والتعجب الذي يحصل للانسان عند ظهور آية عظيمة، كمن يقول لغيره: كيف سمحت نفسك لاخراج ذلك المال النفيس من يدك ؟ تعجبا من جوده، وقيل: إنه قال ذلك على وجه التعجب من أنه كيف أجابه الله إلى مراده فيما دعا وكيف استحق لذلك، (5)
(1) في المصدر: في العلم والتقى. (2) في المصدر: عن أبي عبد الله عليه السلام. (3) في المصدر: الحصور: الذي لايدخل في اللعب. (4) في المصدر: اي ولد. (5) في المصدر وكيف استحق ذلك.
[ 171 ]
ومن زعم أنه إنما قال ذلك للوسوسة التي خالطت قلبه من الشيطان أو خيلت إليه أن النداء كان من غير الملائكة فقد أخطأ، لان الانبياء لابد أن يعرفوا الفرق بين كلام الملك ووسوسة الشيطان، (1) ولا يجوز أن يتلاعب الشيطان بهم حتى يختلط عليهم طريق الافهام، ثم سأل الله سبحانه علامة يعرف بها وقت حمل امرأته ليزيد في العبادة شكرا، وقيل ليتعجل السرور ” قال رب اجعل لي آية ” أي علامة لوقت الحمل والولد، فجعل الله تلك العلامة في إمساك لسانه عن الكلام إلا إيماء من غير آفة حدثت فيه بقوله: ” قال آيتك ” أي قال الله، أو جبرئيل، أي علامتك ” أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ” أي إيماء، وقيل: الرمز تحريك الشفتين، وقيل: أراد به صومه ثلاثة أيام لانهم كانوا إذا صاموا لم يتكلموا إلا رمزا ” واذكر ربك كثيرا ” أي في هذه الايام الثلاثة، و معناه أنه لما منع عن الكلام عرف أنه لم يمنع عن الذكر لله سبحانه والتسبيح له وذلك أبلغ في الاعجاز ” وسبح ” أي نزه الله، وقيل: معناه: صل (2) ” بالعشي والابكار ” آخر النهار وأوله. (3) 11 – ن، ل: ابن الوليد، عن سعد، عن أحمد بن حمزة الاشعري، عن ياسر الخادم قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يلد فيخرج من بطن أمه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا، وقد سلم الله على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال: ” وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ” وقد سلم عيسى بن مريم عليه السلام على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال: ” والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا “. (4) 12 – ما: ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن الحسن بن القاسم، عن ثبير بن (5)
(1) والا فيجوز ان يلقى الشيطان إليهم كلاما فيزعم أنه من الله، فيبلغه قومه فيعملون و يضلون. (2) اضاف في المصدر: كما يقال: فرغت من سبحتي أي صلاتي. (3) مجمع البيان 2: 438 – 439 و 440. (4) عيون الاخبار: 142. (5) هكذا في النسخ والمصدر، قال ابن حجر في لسان الميزان ج 2 ص 82: ثبين بن ابراهيم ابن شيبان روى عن جعفر الصادق، وعنه الحسين بن قاسم، ذكره ابن عقدة في الشيعة فتأمل.
[ 172 ]
إبراهيم، عن سليم بن بلال المدني، (1) عن الرضا، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام إن إبليس كان يأتي الانبياء من لدن آدم عليه السلام إلى أن بعث الله المسيح عليه السلام يتحدث عندهم ويسائلهم، ولم يكن بأحد منهم أشد أنسا منه بيحيى بن زكريا عليه السلام، فقال له يحيى: يا بامرة إن لي إليك حاجة، فقال له: أنت أعظم قدرا من أن أردك بمسألة فسلني ما شئت، فإني غير مخالفك في أمر تريده، فقال يحيى: يا بامرة أحب أن تعرض علي مصائدك وفخوخك التي تصطاد بها بني آدم، فقال له إبليس: حبا و كرامة، وواعده لغد، فلما أصبح يحيى عليه السلام قعد في بيته ينتظر الموعد وأغلق عليه الباب إغلاقا فما شعر حتى ساواه من خوخة كانت في بيته، فإذا وجهه صورة وجه القرد، وجسده على صورة الخنزير، وإذا عيناه مشقوقتان طولا، وإذا أسنانه وفمه مشقوق طولا عظما واحدا بلا ذقن ولا لحية، (2) وله أربعة أيد: يدان في صدره ويدان في منكبه، وإذا عراقيبه قوادمه، و أصابعه خلفه، وعليه قباء وقد شد وسطه بمنطقة فيها خيوط معلقة بين أحمر (3) وأصفر و أخضر وجميع الالوان، وإذا بيده جرس عظيم، وعلى رأسه بيضة، وإذا في البيضة حديدة معلقة شبيهة بالكلاب، (4) فلما تأمله يحيى عليه السلام قال له: ما هذه المنطقة التي في وسطك ؟ فقال: هذه المجوسية، أنا الذي سننتها وزينتها لهم، فقال له: فماهذه الخيوط الالوان ؟ قال له: هذه جميع أصباغ النساء، لا تزال المرأة تصبغ الصبغ حتى تقع مع لونها، فأفتتن الناس بها، فقال له: فما هذا الجرس الذي بيدك ؟ قال: هذا مجمع كل لذة من طنبور و بربط ومعزفة وطبل وناي وصرناي، (5) وإن القوم ليجلسون على شرابهم فلا يستلذونه
(1) في المصدر: سليمان بن بلال المدني ولعله الصحيح وهو سليمان بن بلال التيمي ابو ايوب وابو محمد المدني مولى ابي بكر، المترجم في رجال الشيخ في اصحاب الصادق عليه السلام، و اطراه العامة في كتبهم بالتوثيق والاتقان والصلاح، توفى سنة 177 على ما في التقريب أو 172 على ما حكى عن الذهبي. (2) في المصدر وفي نسخة: وإذا عيناه مشقوقتان طولا وفمه مشقوق طولا، وإذا اسنانه و فمه عظم واحد بلا ذقن ولا لحية. (3) في المصدر: من بين احمر. (4) الكلاب بالفتح وتشديد اللام: حديدة معطوفة يعلق بها اللحم وغيره. (5) الناي: آلة من آلات الطرب ينفخ فيها، والكلمة من الدخيل وكذا الصرناي.
[ 173 ]
فأحرك الجرس فيما بينهم فإذا سمعوه استخفهم (1) الطرب، فمن بين من يرقص ومن بين من يفرقع أصابعه، ومن بين من يشق ثيابه، فقال له: وأي الاشياء أقر لعينك ؟ قال النساء هن فخوخي ومصائدي، فإني إذا اجتمعت علي دعوات الصالحين ولعناتهم صرت إلى النساء فطابت نفسي بهن، فقال له يحيى عليه السلام: فما هذه البيضة التي على رأسك ؟ قال: بها أتوقى دعوة المؤمنين، قال: فما هذه الحديدة التي أرى فيها ؟ قال: بهذه أقلب قلوب الصالحين. قال يحيى عليه السلام: فهل ظفرت بي ساعة قط ؟ قال: لا، ولكن فيك خصلة تعجبني قال يحيى: فما هي ؟ قال: أنت رجل أكول، فإذا أفطرت أكلت وبشمت فيمنعك ذلك من بعض صلاتك وقيامك بالليل، قال يحيى عليه السلام: فإني أعطي الله عهدا ألا أشبع (2) من الطعام حتى ألقاه، قال له إبليس: وأنا أعطي الله عهدا أني لا أنصح مسلما حتى ألقاه ثم خرج فما عاد إليه بعد ذلك. (3) بيان: الخوخة: كوة تؤدي الضوء إلى البيت. والعراقيب جمع العرقوب وهو عصب غليظ فوق عقب الانسان. وقال الفيروزآبادي: المعازف: الملاهي كالعود والطنبور، والواحد عزف أو معزف كمنبر ومكنسة. وقال: البشم محركة: التخمة والسأمة، بشم كفرح. 13 – فس: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: ” ذكر رحمة ربك عبده زكريا ” يقول: ذكر ربك زكريا فرحمه ” إذ نادى ربه نداء خفيا * قال رب إني وهن العظم مني ” يقول: ضعف ” ولم أكن بدعائك رب شقيا ” يقول: لم يكن دعائي خائبا عندك ” وإني خفت الموالي من ورائي ” يقول: خفت الورثة من بعدي ” وكانت امرأتي عاقرا ” ولم يكن لزكريا يومئذ ولد يقوم مقامه ويرثه، وكانت هدايا بني إسرائيل و نذورهم للاحبار، وكان زكريا رئيس الاحبار، وكانت امرأة زكريا أخت مريم بنت
(1) اي اطربهم. (2) في المصدر: اني لا اشبع. (3) امالي ابن الطوسي: 216 – 217.
[ 174 ]
عمران بن ما ثان ويعقوب بن ما ثان (1) وبنو ما ثان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل وبنو ملوكهم وهم من ولد سليمان بن داود عليه السلام، فقال زكريا: ” فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ” يقول: لم يسم باسم يحيى أحد قبله ” قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ” فهو البؤس (2) ” قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا * قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ” صحيحا من غير مرض. (3) بيان: قال الطبرسي رحمه الله: ” ذكر رحمة ربك عبده زكريا ” أي هذا خبر رحمة ربك زكريا عبده، ويعني بالرحمة إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد، وزكريا اسم نبي من أنبياء بني إسرائيل، كان من أولاد هارون بن عمران، وقيل: معناه: ذكر ربك عبده بالرحمة ” إذ نادى ربه نداء خفيا ” أي سرا غير جهر لا يريد به رياء. (4) وقيل: إنما أخفاه لئلا يهزأ به الناس ” قال رب إني وهن العظم مني ” أي ضعف، وإنما أضاف إلى العظم (5) لانه مع صلابته إذا ضعف فكيف باللحم والعصب ” واشتعل الرأس شيبا ” أي أن الشيب قد عم الرأس ” ولم أكن بدعائك رب شقيا ” أي ولم أكن بدعائي إياك فيما مضى مخيبا محروما، والمعنى أنك قد عودتني حسن الاجابة فلا تخيبني فيما أسألك (6) ” وإني خفت الموالي من ورائي ” وهم الكلالة، عن ابن
(1) المصدر ونسخة خاليان عن قوله: ويعقوب بن ما ثان. (2) هكذا في نسخ، وفي نسخة: اليؤس، قلت: اي يائس، ويحتمل كونه تصحيف اليأس كما يأتي في كلام المصنف، ولعل المعنى: وقد بلغت من الكبر حالة آيس فيها من ان يتولد مني ولد. وفي المصدر: الميؤوس، ويحتمل ان يكون الجميع مصحف اليبس كما يأتي في كلام الطبرسي. (3) تفسير القمي: 408 – 409. (4) في المصدر: اي حين دعا ربه دعاء ” خفيا ” خافيا سرا غير جهر يخفيه في نفسه لا يريد به رياء. (5) في المصدر: وانما اضاف الوهن إلى العظم. (6) في المصدر: قد عودتني حسن الاجابة وما خيبتني فيما سألتك، ولا حرمتني الاستجابة فيما دعوتك ولا تخيبني فيما اسألك.
[ 175 ]
عباس، وقيل، العصبة، عن مجاهد، وقيل: هم العمومة وبنو العم، عن أبي جعفر عليه السلام، و قيل بنو العم (1) وكانوا اشرار بني إسرائيل ” وكانت امرأتي عاقرا ” أي عقيما لا تلد ” فهب لي من لدنك وليا ” ولدا يليني ويكون أولى بميراثي ” يرثني ويرث من آل يعقوب ” وهو يعقوب بن ما ثان، (2) وأخوه عمران بن ما ثان أبو مريم، عن الكلبي ومقاتل، وقيل: هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ” واجعله رب رضيا ” أي مرضيا عندك ممتثلا لامرك فاستجاب الله دعاءه وأوحى إليه: ” يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ” أي لم نسم قبله أحدا باسمه. وقال أبو عبد الله عليه السلام: وكذلك الحسين عليه السلام لم يكن له من قبل سمي، (3) ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا، قيل له: وما بكاؤها ؟ قال: كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء، وكان قاتل يحيى عليه السلام ولد زنا، وقاتل الحسين عليه السلام ولد زنا. وروى سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: خرجنا مع الحسين عليه السلام فما نزل منزلا ولا ارتحل منه إلا وذكر يحيى بن زكريا عليه السلام وقال يوما: من هوان الدنيا على الله عزوجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل. وقيل: إن معنى قوله: ” لم نجعل له من قبل سميا ” لم تلد العواقر مثله ولدا، وهو كقوله: ” هل تعلم له سميا ” أي مثلا، عن ابن عباس ومجاهد ” قال رب أنى يكون لي غلام و كانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ” أي قد بلغت من كبر السن إلى حال اليبس
(1) اخرج البحراني في تفسيره عن كتاب محمد بن العباس باسناده عن محمد بن همام، عن سهل بن محمد، عن محمد بن اسماعيل العلوي، عن سدير الصيرفي قال: حدثني أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال: كنت عند أبي يوما قاعدا حتى اتى رجل فوقف به، وقال: في القوم باقر العلوم ورئيسه محمد بن علي ؟ قيل له: نعم، فجلس طويلا، ثم قام إليه فقال: يا ابن رسول الله اخبرني عن قول الله عزوجل في قصة زكريا: ” واني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا ” الاية، قال: نعم، قال: الموالى بنو العم واحب الله ان يهب له وليا من صلبه – إلى ان قال -: فاني مخرج من صلبك ولدا يرثك ويرث من آل يعقوب فوهب الله له يحيى عليه السلام. (2) في المصدر: ” ماتان ” بالتاء وكذا فيما بعده. (3) في المطبوع: سميا وهو وهم.
[ 176 ]
والجفاف ونحول العظم، قال قتادة: كان له بضع وسبعون سنة (1) ” قال كذلك ” أي قال الله سبحانه: الامر على ما أخبرتك من هبة الولد على الكبر ” قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ” أي من قبل يحيى ” ولم تك شيئا ” أي شيئا موجودا. (2) وروى الحكم بن عتيبة، (3) عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما ولد يحيى بعد البشارة له من الله بخمس سنين. ” قال رب اجعل لي آية ” وعلامة (4) أستدل بها على وقت كونه، قال الله سبحانه: ” آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ” أي وأنت سوي صحيح سليم ” فخرج على قومه من المحراب ” أي من مصلاه ” فأوحى إليهم ” أي أشار إليهم وأومأ بيده، وقيل: كتب لهم في الارض ” أن سبحوا بكرة وعشيا ” أي صلوا بكرة وعشيا، وقيل: أراد التسبيح بعينه، قال ابن جريح: أشرف عليهم زكريا عليه السلام من فوق غرفة كان يصلي فيها لا يصعد إليها إلا بسلم، وكانوا يصلون معه الفجر والعشاء، فكان يخرج إليهم فيؤذن لهم (5) بلسانه، فلما اعتقل لسانه خرج على عادته وأذن لهم بغير كلام، فعرفوا عند ذلك أنه قد جاء وقت حمل امرأته بيحيى، فمكث ثلاثة أيام لا يقدر على الكلام معهم ويقدر على التسبيح والدعاء، ثم قال سبحانه: ” يا يحيى خذ الكتاب بقوة ” تقديره: فوهبنا له يحيى وأعطيناه الفهم والعقل وقلنا له: يا يحيى خذ الكتاب، يعني التوراة بما قواك الله عليه وأيدك به، ومعناه: وأنت قادر على أخذه، قوي على العمل، (6) وقيل: معناه: بجد وصحة عزيمة على القيام بما فيه ” وآتيناه الحكم صبيا ” أي وآتيناه النبوة في حال صباه وهو ابن ثلاث سنين، عن ابن عباس. وروى العياشي بإسناده عن علي بن أسباط قال: قدمت المدينة وأنا أريد مصر فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام وهو إذ ذاك خماسي، فجعلت أتأمله
(1) في المصدر: بضع وتسعون سنة. (2) في المصدر: اي انشأتك وأجدتك ولم تك شيئا موجودا. (3) في المصدر: الحكم بن عيينة وهو وهم. (4) في المصدر: اي دلالة وعلامة. (5) في المصدر: فيأذن لهم. (6) في المصدر: العمل به.
[ 177 ]
لاصفه لاصحابنا بمصر، فنظر إلي فقال: يا علي إن الله أخذ في الامامة كما أخذ في النبوة، قال: ” فلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما ” وقال: ” وآتيناه الحكم صبيا ” فقد يجوز أن يعطى الحكم ابن أربعين سنة، ويجوز أن يعطاه الصبي. وقيل: إن الحكم الفهم، وعن معمر: قال: إن الصبيان قالوا ليحيى: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقت، فأنزل الله تعالى فيه: ” وآتيناه الحكم صبيا ” وروي ذلك عن أبي الحسن الرضا عليه السلام. ” وحنانا من لدنا ” والحنان: العطف والرحمة أي و آتيناه رحمة من عندنا، وقيل: تحننا على العباد ورقة قلب عليهم ليدعوهم إلى طاعة الله، وقيل: محبة منا، وقيل تحنن الله عليه كان إذا قال: يا رب قال له: لبيك يا يحيى و هو المروي عن الباقر عليه السلام، وقيل: تعطفا منا ” وزكوة ” أي وعملا صالحا زاكيا أو زكاة لمن قبل دينه حتى يكونوا أزكياء، وقيل: يعني بالزكاة طاعة الله والاخلاص، وقيل: وصدقة تصدق الله بها على أبويه، وقيل: وزكيناه بحسن الثناء عليه ” وكان تقيا ” أي مخلصا مطيعا متقيا لما نهى الله عنه، قالوا: وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها ” وبرا بوالديه ” أي بارا بهما ” ولم يكن جبارا ” أي متكبرا متطاولا على الخلق ” عصيا ” أي عاصيا لربه ” وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ” أي سلام عليه منا في هذه الاحوال، (1) وقيل: سلامة وأمان له منا. انتهى ملخص تفسيره رحمه الله. (2) أقول: قول علي بن إبراهيم: (ويعقوب بن ما ثان) إما عطف على زكريا، أي كانت الرئاسة في ذلك الزمان لزكريا ويعقوب عم زوجته، أو يعقوب مبتداء وابن ما ثان خبره، أي يعقوب الذي ذكره الله هو ابن ما ثان لاابن إسحاق، أو هو مبتداء وبنو ما ثان معطوف
(1) في المصدر: في هذه الايام. وفيه: ومعناه سلامة وامن له يوم ولد من عبث الشيطان به واغوائه اياه، ويوم يموت من بلاء الدنيا ومن عذاب القبر، ويوم يبعث حيا من هول المطلع و عذاب النار، وانما قال: حيا تأكيدا لقوله: يبعث. وقيل: يبعث مع الشهداء لانهم وصفوا بانهم احياء. وقيل: ان السلام الاول يوم الولادة تفضل، والثاني والثالث على وجه الثواب والجزاء. (2) مجمع البيان 6: 502 – 503 و 504 – 505 و 506.
[ 178 ]
عليه، وقوله: رؤساء خبرهما، فيكون من قبيل عطف العام على الخاص. (1) وقال البيضاوي: قيل: يعقوب كان أخا زكريا، أو عمران بن ما ثان (2) من نسل سليمان انتهى. (3) وأما تفسيره العتي بالبؤس أو اليأس (4) فلعله بيان لحاصل المعنى ولازمه. قال الجوهري: عتى الشيخ: كبر وولى. (5) 14 – ج: سأل سعد بن عبد الله القائم عليه السلام عن تأويل ” كهيعص ” قال عليه السلام: هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا، ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله، وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه إياها فكان زكريا عليه السلام إذا ذكر محمدا صلى الله عليه وآله وعليا وفاطمة والحسن عليهم السلام سري عنه همه وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة، فقال عليه السلام ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال: ” كهيعص ” فالكاف اسم كربلا، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين عطشه، والصاد صبره، فلما سمع ذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه: إلهي أتفجع (6) خير جميع خلقك بولده ؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما ؟. ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتينه فافتني
(1) ولعله أظهر: فيكون المعنى أن رئاسة الدين والاحبار كانت لزكريا عليه السلام، ورئاسة الدنيا والملك ليعقوب بن ما ثان وبني ما ثان. (2) في المصدر: أو كان أخا عمران بن ما ثان. (3) انوار التنزيل 2: 31. (4) في نسخة: اليؤس. (5) من ولى الرطب: أخذ في الهيج اي اليبس. (6) فجعه: أوجعه باعدامه ما يتعلق به من اهل أو مال.
[ 179 ]
بحبه، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده. فرزقه الله يحيى وفجعه به، وكان حمل يحيى عليه السلام ستة أشهر، وحمل الحسين عليه السلام كذلك، الخبر. (1) بيان: سري عنه الهم على بناء التفعيل مجهولا: انكشف والبهرة بالضم: تتابع النفس وانقطاعه من الاعياء. وزفر: أخرج نفسه بعد مده إياه. 15 – ع: بالاسناد إلى وهب قال: انطلق إبليس يستقري (2) مجالس بني إسرائيل أجمع ما يكونون، ويقول في مريم ويقذفها بزكريا عليه السلام حتى التحم الشر (3) وشاعت الفاحشة على زكريا عليه السلام، فلما رأى زكريا عليه السلام ذلك هرب وأتبعه سفهاؤهم و شرارهم وسلك في واد كثير النبت حتى إذا توسطه انفرج له جذع شجرة فدخل عليه السلام فيه وانطبقت عليه الشجرة، وأقبل إبليس يطلبه معهم حتى انتهى إلى الشجرة التي دخل فيها زكريا عليه السلام، فقاس لهم إبليس الشجرة من أسفلها إلى أعلاها حتى إذا وضع يده على موضع القلب من زكريا عليه السلام أمرهم فنشروا بمنشارهم وقطعوا الشجرة وقطعوه في وسطها، ثم تفرقوا عنه وتركوه، وغاب عنهم إبليس حين فرغ مما أراد، فكان آخر العهد منهم به، ولم يصب زكريا عليه السلام من ألم المنشار شئ، ثم بعث الله عزوجل الملائكة فغسلوا زكريا وصلوا عليه ثلاثة أيام من قبل أن يدفن، وكذلك الانبياء عليهم السلام لا يتغيرون ولا يأكلهم التراب ويصلى عليهم ثلاثة أيام ثم يدفنون. (4) 16 – ك: القطان، عن السكري، عن الجوهري، عن ابن عمارة، عن أبيه، عن الصادق عليه السلام قال: أفضي الامر بعد دانيال عليه السلام إلى عزير عليه السلام، وكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه معالم دينهم، فغيب الله عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه، وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا عليه السلام وترعرع فظهر وله سبع سنين، فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، وذكرهم بأيام
(1) احتجاج الطبرسي: 259. (2) أي يتبعها ويطوف فيها. (3) التحم الشئ: التصق وتلاءم. التحمت الحرب بينهم: اشتبكت. (4) علل الشرائع: 38.
[ 180 ]
الله، وأخبرهم أن محن الصالحين إنما كانت لذنوب بني إسرائيل، وأن العاقبة للمتقين، ووعدهم الفرج بقيام المسيح عليه السلام بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول. (1) أقول: تمامه في باب قصة طالوت. 17 – ص: الصدوق، عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما ولد يحيى عليه السلام رفع إلى السماء فغذي بأنهار الجنة حتى فطم، ثم نزل إلى أبيه وكان البيت يضئ بنوره. (2) 18 – ص: بهذا الاسناد، عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دعا زكريا عليه السلام ربه فقال: ” هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ” فبشره الله تعالى بيحيى فلم يعلم أن ذلك الكلام من عند الله تعالى جل ذكره، وخاف أن يكون من الشيطان، فقال: ” أنى يكون لي ولد ” وقال: ” رب اجعل لي آية ” فأسكت فعلم أنه من الله تعالى. (3) 19 – تفسير النعماني بإسناده عن الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام حين سألوه عن معنى الوحي فقال: منه وحي النبوة، ومنه وحي الالهام، ومنه وحي الاشارة وساقه إلى أن قال: وأما وحي الاشارة فقوله عزوجل: ” فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ” أي أشار إليهم، لقوله (4) تعالى: ” ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا “. (5) 20 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن ماجيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن عبد الله ابن محمد الحجال، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن هلال، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن ملكا كان على عهد يحيى بن زكريا عليه السلام لم يكفه ما كان عليه من الطروقة حتى تناول امرأة بغيا فكانت تأتيه حتى أسنت، فلما أسنت هيأت ابنتها، ثم قالت لها: إني أريد أن آتي بك الملك، فإذا واقعك فيسألك ما حاجتك (6) فقولي: حاجتي أن تقتل يحيى بن
(1) اكمال الدين: 91 و 95. (2 و 3) قصص الانبياء مخطوط. قوله: (فاسكت) أي اعتقل لسانه وحبس عن الكلام. (4) كذا في المصدر، وفي النسخ ” كقوله ” وهو سهو. (5) المحكم والمتشابه: 21. (6) فيه اجمال أو سقط يأتي شرحه بعد ذلك.
[ 181 ]
زكريا عليه السلام، فلما واقعها سألها عن حاجتها، فقالت: قتل يحيى بن زكريا عليه السلام فلما كان في الثالثة بعث إلى يحيى فجاء به فدعا بطست ذهب فذبحه فيها وصبوه على الارض فيرتفع الدم ويعلو، وأقبل الناس يطرحون عليه التراب فيعلو عليه الدم حتى صار تلا عظيما، ومضى ذلك القرن فلما كان من أمر بخت نصر ماكان رأى ذلك الدم فسأل عنه فلم يجد أحدا يعرفه حتى دل على شيخ كبير، فسأله فقال: أخبرني أبي عن جدي أنه كان من قصة يحيى بن زكريا عليه السلام كذا وكذا، وقص عليه القصة، والدم دمه، فقال بخت نصر: لا جرم لاقتلن عليه حتى يسكن، فقتل عليه سبعين ألفا، فلما وفى عليه سكن الدم. (1) 21 – وفي خبر آخر: إن هذه البغي كانت زوجة ملك جبار قبل هذا الملك، وتزوجها هذا بعده، فلما أسنت وكان لها ابنة من الملك الاول قالت لهذا الملك: تزوج أنت بها فقال: لاسأل يحيى بن زكريا عليه السلام عن ذلك فإن أذن فعلت، فسأله عنه فقال: لا يجوز فهيأت بنتها وزينتها في حال سكره وعرضتها عليه، فكان من حال قتل يحيى عليه السلام ما ذكر فكان ماكان. (2) 22 – ص: أبي، عن علي، عن أبيه، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن زكريا عليه السلام كان خائفا فهرب فالتجأ إلى شجرة فانفرجت له وقالت: يا زكريا ادخل في، فجاء حتى دخل فيها، فطلبوه فلم يجدوه، فأتاهم إبليس وكان رآه فدلهم عليه فقال لهم: هو في هذه الشجرة فاقطعوها، وقد كانوا يعبدون تلك الشجرة، فقالوا: لانقطعها فلم يزل بهم حتى شقوها وشقوا زكريا عليه السلام. (3) 23 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن محمد بن أبي القاسم، عن الكوفي عن أبي عبد الله الخياط، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله عزوجل إذا أراد أن ينتصر لاوليائه انتصر لهم بشرار خلقه، وإذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه، ولقد انتصر ليحيى بن زكريا عليه السلام ببخت نصر. (4)
(1 – 4) قصص الانبياء مخطوط. والحديث الاخر لا يخلو عن غرابة.
[ 182 ]
24 – ص: في خبر آخر أن عيسى بن مريم عليه السلام بعث يحيى بن زكريا عليه السلام في اثني عشر من الحواريين يعلمون الناس وينهاهم عن نكاح ابنة الاخت، قال: وكان لملكهم بنت أخت تعجبه، وكان يريد أن يتزوجها، فلما بلغ أمها أن يحيى عليه السلام نهى عن مثل هذا النكاح أدخلت بنتها على الملك مزينة، فلما رآها سألها عن حاجتها، قالت: حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريا، فقال: سلي غير هذا، فقالت: لا أسألك غير هذا، فلما أبت عليه دعا بطشت ودعا بيحيى عليه السلام فذبحه فبدرت (1) قطرة من دمه فوقعت على الارض فلم تزل تعلو (2) حتى بعث الله بخت نصر عليهم، فجاءته عجوز من بني إسرائيل فدلته على ذلك الدم، فألقى في نفسه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتى يسكن، فقتل عليها سبعين ألفا في سنة واحدة حتى سكن. (3) 25 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن عثمان ابن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عاقر ناقة صالح كان أزرق ابن بغي، وإن قاتل يحيى بن زكريا عليه السلام ابن بغي، وإن قاتل علي عليه السلام ابن بغي، وكانت مراد تقول: ما نعرف له فينا أبا ولا نسبا، وإن قاتل الحسين بن علي عليه السلام ابن بغي، وإنه لم يقتل الانبياء ولا أولاد الانبياء إلا أولاد البغايا. وقال في قوله تعالى جل ذكره: ” لم نجعل له من قبل سميا ” قال: يحيى بن زكريا عليه السلام لم يكن له سمي قبله، والحسين بن علي عليه السلام لم يكن له سمي قبله، وبكت السماء عليهما أربعين صباحا وكذلك بكت الشمس عليهما، وبكاؤها أن تطلع حمراء وتغيب حمراء. وقيل: أي بكى أهل السماء وهم الملائكة. (4) بيان: قد يوجه بكاء السماء والارض كما ذكره الراوندي رحمه الله، (5) و يمكن أن يقال: كناية عن شدة المصيبة حتى كأنه بكى عليه السماء والارض، أو عن
(1) اي اسرعت وسبقت. (2) في نسخة: فلم تزل تغلى. (3 و 4) قصص الانبياء مخطوط. (5) في قوله: وقيل: أي بكى إه.
[ 183 ]
أنه وصل ضرر تلك المصيبة إلى السماء والارض وأثرت فيهما وظهر بها آثار التغير فيهما أو أنه أمطرت السماء دما، (1) وكان يتفجر الارض دما عبيطا، فهذا بكاؤهما كما فسر به في الخبر، ولعل الاخير أظهر. 26 – ص: عن أبي عبد الله عليه السلام إن الحسين بن علي عليه السلام بكى لقتله السماء و الارض واحمرتا، ولم يبكيا على أحد قط إلا على يحيى بن زكريا عليه السلام. (2) 27 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ” فما بكت عليهم السماء والارض ” قال: لم تبك السماء على أحد قبل قتل يحيى بن زكريا عليه السلام وبعده حتى قتل الحسين عليه السلام فبكت عليه. (3) 28 – مل: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن ابن فضال عن مروان ابن مسلم، عن إسماعيل بن كثير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان قاتل
(1) كما في خبر رواه ابن قولويه في الكامل: 90 باسناد ذكره عن عمر بن وهب (عمرو بن ثبيت خ ل) عن ابيه، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: قلت: اي شئ كان بكاؤها ؟ قال: كانت إذا استقبلت بالثوب وقع عليه شبه أثر البراغيث من الدم. واخرجه في البرهان عن كتاب محمد بن العباس عن ابن قولويه الا ان فيه: عمر بن ثابت. وفي خبر آخر رواه ابن قولويه ايضا في الكامل: لما قتل الحسين بن علي عليه السلام امطرت السماء ترابا أحمر. وفي خبر آخر: بكت السماء على الحسين عليه السلام أربعين صباحا بالدم، والارض بكت أربعين صباحا بالسواد، والشمس بكت اربعين صباحا بالحمرة. راجع الكامل، وقد اخرج البحراني روايات كثيرة تناسب الباب في تفسير البرهان عن كتاب تأويل الايات للسيد شرف الدين وهو قدس سره أخرجها عن كتاب ما انزل من القرآن في اهل البيت عليهم السلام للشيخ الاقدم الثقة محمد بن العباس بن مروان بن الماهيار المعروف بابن الحجام. (2) قصص الانبياء مخطوط. قلت: اخرجه ابن قولويه في الكامل: 89 باسناده عن محمد بن جعفر، عن محمد بن الحسين، عن وهيب بن حفص النحاس، عن ابي بصير، عن ابي عبد الله عليه السلام، وباسناده عن ابيه عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، وفيه: الا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهما السلام. (3) قصص الانبياء مخطوط، واخرجه ابن قولويه في كامل الزيارات: 89 باسناده عن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، الا ان فيه: منذ قتل يحيى بن زكريا.
[ 184 ]
الحسين بن علي عليه السلام ولد زنا، وكان قاتل يحيى بن زكريا عليه السلام ولد زنا، ولم تبك السماء والارض إلا لهما وذكر الحديث. (1) 29 – مل: محمد بن جعفر، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان الذي قتل الحسين بن علي عليه السلام ولد زنا، والذي قتل يحيى ابن زكريا عليه السلام ولد زنا. (2) 30 – مل: أبي وابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن عبد الخالق، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. (3) أقول: أوردنا بعض الاخبار في ذلك في باب أحوال الحسين عليه السلام. 31 – شى: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن زكريا لما دعا ربه أن يهب له فنادته الملائكة بما نادته به فأحب أن يعلم أن ذلك الصوت من الله أوحي إليه أن آية ذلك أن يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة أيام، قال: لما أمسك لسانه ولم يتكلم
(1) كامل الزيارات: 79. (2) كامل الزيارات: 78، واخرجه ايضا في ص 93 باسناده عن ابيه، عن محمد بن الحسن بن مهزيار، عن ابيه، عن علي بن مهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن فضالة بن ايوب، عن داود بن فرقد مثله، وزاد: وقال: احمرت السماء حين قتل الحسين بن علي عليه السلام سنة، ثم قال: بكت السماء والارض على الحسين بن علي ويحيى بن زكريا عليهم السلام وحمرتها بكاؤها. واخرجه البحراني في التفسير عن كتاب محمد بن العباس عن علي بن مهزيار، عن ابيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة مثله الا انه اسقط قوله: سنة. قلت: قوله: علي بن مهزيار عن ابيه لا يخلو عن وهم. (3) كامل الزيارات: 78، واخرجه البحراني في تفسيره 3: 4 عن كتاب محمد بن العباس باسناده عن حميد بن زياد، عن احمد بن الحسين بن بكر، وقال: حدثنا الحسن بن علي بن فضال باسناده الى عبد الخالق قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام وذكر نحوه، وللحديث فيه صدر و هو هكذا: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله عزوجل: ” لم نجعل له من قبل سميا ” قال: ذلك يحيى بن زكريا لم يكن من قبل له سميا، وكذلك الحسين عليه السلام لم يكن له من قبل سميا ولم تبك السماء الا عليهما اربعين صباحا، قلت: فما بكاؤها ؟ قال: تطلع الشمس حمراء انتهى وروى الزيادة ابن قولويه في الكامل باسناده عن ابيه، عن سعد بن عبد الله، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن عبد الخالق بن عبد ربه نحوه، وفيه: تطلع حمراء وتغرب حمراء.
[ 185 ]
علم أنه لا يقدر على ذلك إلا الله، وذلك قول الله: ” رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا “. (1) بيان: يمكن أن يقال: اشتبه عليه في خصوص هذا الموضع لحكمة فاحتاج إلى استعلام ذلك، أو يقال: إنه عليه السلام إنما فعل ذلك لزيادة اليقين كما في سؤال إبراهيم عليه السلام. 32 – ل، ع، ن: في أسئلة الشامي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ويوم الاربعاء قتل يحيى بن زكريا عليه السلام. (2) 33 – شى: عن حماد، عمن حدثه، عن أحدهما عليهما السلام قال: لما سأل ربه أن يهب له ذكرا فوهب الله له يحيى فدخله من ذلك (3) فقال: ” رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ” فكان يؤمي برأسه وهو الرمز. (4) 34 – شى: عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام ” وسيدا وحصورا ” الحصور الذي لا يأتي النساء ” ونبيا من الصالحين “. (5) 35 – شى: عن حسين بن أحمد، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن طاعة الله خدمته في الارض، فليس شئ من خدمته تعدل الصلاة، فمن ثم نادت الملائكة زكريا وهو قائم يصلي في المحراب. (6) 36 – م: قال الله تعالى في قصة يحيى: ” يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ” قال: لم يخلق أحدا قبله اسمه يحيى، فحكى الله قصته إلى قوله: ” يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ” قال: ومن ذلك الحكم أنه كان صبيا فقال له الصبيان: هلم نلعب، فقال: أوه والله ما للعب خلقنا، وإنما خلقنا
(1 و 4 و 5 و 6) تفسير العياشي مخطوط، وقد ذكر الصدوق الحديث الاخير مرسلا في الفقيه 1: 67. (2) الخصال 2: 28، علل الشرائع: 199، عيون الاخبار: 137، والحديث طويل اخرجه بتمامه في كتاب الاحتجاجات راجع ج 10 ص 75 – 82. (3) اي دخله من ذلك شك انه من الله أو من الشيطان. ولا يخفى اضطراب المتن وغرابته.
[ 186 ]
للجد لامر عظيم، ثم قال: ” وحنانا من لدنا ” يعني تحننا ورحمة على والديه وسائر عبادنا ” وزكوة ” يعني طهارة لمن آمن به وصدقه ” وكان تقيا ” يتقي الشرور والمعاصي ” وبرا بوالديه ” محسنا إليهما، مطيعا لهما ” ولم يكن جبارا عصيا ” يقتل على الغضب و يضرب على الغضب، لكنه مامن عبد لله (1) عزوجل إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ماخلا يحيى بن زكريا عليه السلام، فإنه لم يذنب ولم يهم بذنب، ثم قال الله عزوجل: ” وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا “. وقال أيضا في قصة يحيى: (2) ” هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ” يعني لما رأى زكريا عليه السلام عند مريم فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء وقال لها: ” يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ” وأيقن زكريا أنه من عند الله إذ كان لايدخل عليها أحد غيره قال عند ذلك في نفسه: إن الذي يقدر أن يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف و فاكهة الصيف في الشتاء لقادر أن يهب لي ولدا وإن كنت شيخا وكانت امرأتي عاقرا، فهنالك دعا زكريا ربه فقال: ” رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ” قال الله عزوجل: ” فنادته الملائكة ” يعني نادت زكريا ” وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله ” قال: مصدقا بعيسى، يصدق يحيى بعيسى (3) ” وسيدا ” يعني رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته ” وحصورا ” وهو الذي لا يأتي النساء ” ونبيا من الصالحين ” قال: وكان أول تصديق يحيى بعيسى أن زكريا كان لا يصعد إلى مريم في تلك الصومعة غيره يصعد إليها بسلم، فإذا نزل أقفل عليها ثم فتح لها من فوق الباب كوة صغيرة يدخل عليها منها الريح، فلما وجد مريم وقد حبلت ساءه ذلك و قال في نفسه: ماكان يصعد إلى هذه أحد غيري وقد حبلت، والآن أفتضح في بني إسرائيل لا يشكون أني أحبلتها، فجاء إلى امرأته فقال لها ذلك، فقالت: يا زكريا لا تخف فإن
(1) في المصدر: ما عبد عبد لله. (2) في المصدر: في قصة يحيى وزكريا. (3) المصدر: خلى عن قوله: يصدق يحيى بعيسى.
[ 187 ]
الله لن يصنع بك إلا خيرا، وايتني بمريم أنظر إليها وأسألها عن حالها، فجاء بها زكريا عليه السلام إلى امرأته، فكفى الله مريم مؤونة الجواب عن السؤال، فلما دخلت إلى أختها – هي الكبرى، ومريم الصغرى – لم تقم إليها امرأة زكريا، فأذن الله ليحيى وهو في بطن أمه فنخس في بطنها وأزعجها ونادى أمه: تدخل إليك سيدة نساء العالمين مشتملة على سيد رجال العالمين فلا تقومين إليها ؟ ! فانزعجت وقامت إليها، وسجد يحيى وهو في بطن أمه لعيسى بن مريم، فذلك أول تصديقه، (1) فكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله (2) في الحسن والحسين عليهما السلام: إنهما سيدا شباب أهل الجنة إلا ماكان من ابني الخالة يحيى وعيسى. (3) بيان: نخسه أي غرزه بعود أو إصبع أو نحوهما، وفي بعض النسخ: بيده. ثم اعلم أن المؤرخين اختلفوا في أن إيشاع أم يحيى هل كانت أخت مريم أو خالته، والخبر يدل على الاول، وسيأتي تأويل آخر الخبر في قصة المباهلة. 37 – كا: علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن علي بن الحكم، عن ربيع بن محمد، عن عبد الله بن سليم العامري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عيسى بن مريم عليه السلام جاء إلى قبر يحيى بن زكريا عليه السلام وكان سأل ربه أن يحييه له، فدعاه فأجابه وخرج إليه من القبر فقال له: ما تريد مني ؟ فقال له: أريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا، فقال له: يا عيسى ما سكنت عني حرارة الموت وأنت تريد أن تعيدني إلى الدنيا وتعود إلي حرارة الموت ! (4) فتزكه فعاد إلى قبره. (5) 38 – إرشاد القلوب: كان يحيى عليه السلام لباسه الليف، وأكله ورق الشجرة. (6)
(1) في المصدر: فذلك أول تصديقه به. (2) في نسخة: ولذلك قول رسول الله. (3) تفسير العسكري: 277 – 278. (4) في نسخة من المصدر: مرارة الموت. (5) فروع الكافي 1: 72. (6) ارشاد القلوب: 192.
[ 188 ]
39 – يه: قال الصادق عليه السلام: إن رجلا جاء إلى عيسى بن مريم عليه السلام فقال له: يا روح الله إني زنيت فطهرني، فأمر عيسى عليه السلام أن ينادى في الناس: لا يبقى أحد إلا خرج لتطهير فلان، فلما اجتمع واجتمعوا وصار الرجل في الحفرة نادى الرجل في الحفرة: لا يحدني من لله تعالى في جنبه حد، فانصرف الناس كلهم إلا يحيى وعيسى عليهما السلام، فدنا منه يحيى فقال له: يا مذنب عظني، فقال له: لاتخلين بين نفسك وبين هواها فتردى، (1) قال: زدني، قال لاتعيرن خاطئا بخطيئته، قال: زدني، قال: لا تغضب، قال: حسبي. (2) 40 – كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم، عن إبراهيم بن مهزم، (3) عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال: كان يحيى بن زكريا عليه السلام يبكي ولا يضحك، وكان عيسى بن مريم عليه السلام يضحك ويبكي، وكان الذي يصنع عيسى عليه السلام أفضل من الذي كان يصنع يحيى عليه السلام. (4) 41 – ص: الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة، عن الحسن بن علي، عن الحسن بن الجهم، عن الرضا عليه السلام مثله. (5) أقول: قال صاحب الكامل: لما دعا زكريا ربه وسأله الولد بينا هو (6) يصلي في المذبح الذي لهم فإذا برجل شاب وهو جبرئيل عليه السلام، ففزع زكريا منه، فقال: ” إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله ” (7) ويحيى أول من آمن بعيسى وصدقه، وذلك أن أمه كانت حاملا (8) فاستقبلت مريم وهي حامل بعيسى عليه السلام فقالت لها: يا
(1) في المصدر: فترداك. (2) من لا يحضره الفقيه: 475. (3) في المصدر: ابراهيم بن مهزم عمن ذكره عن ابي الحسن الاول عليه السلام. (4) اصول الكافي 2: 665. (5) قصص الانبياء مخطوط. (6) في المصدر: فبينما هو. (7) في المصدر: يعني عيسى بن مريم. (8) في المصدر: كانت حاملا به.
[ 189 ]
مريم أحامل أنت ؟ قالت: لماذا تسأليني ؟ قالت: إني أرى (1) ما في بطني يسجد لما في بطنك، فذلك تصديقه، وقيل: صدق المسيح عليه السلام وله ثلاث سنين، وإنما ولد قبل المسيح عليه السلام بثلاث سنين، وقيل: بستة أشهر، وكان يأكل العشب وأوراق الشجر، وقيل: كان يأكل خبز الشعير، فمر به إبليس ومعه رغيف شعير فقال: أنت تزعم أنك زاهد وقد ادخرت رغيف شعير ؟ فقال يحيى: يا ملعون هو القوت، فقال إبليس: إن أقل من القوت (2) يكفي لمن يموت، فأوحى الله إليه: اعقل ما يقول لك. ونبئ صغيرا، فكان يدعو الناس إلى عبادة الله، ويلبس الشعر، ولم يكن له دينار ولا درهم ولا بيت يسكن إليه، (3) أينما جنه الليل أقام، ولم يكن له عبد ولا أمة، فنهى ملك زمانه عن تزويج بنت أخيه أو بنت زوجته فقتله، فلما سمع أبوه بقتله فر هاربا فدخل بستانا عند بيت المقدس فيه أشجار فأرسل الملك في طلبه، فمر زكريا عليه السلام بشجرة فنادته: هلم إلي يا نبي الله، فلما أتاها انشقت فدخل فيها فانطبقت عليه فبقي في وسطها، فأتى عدو الله إبليس فأخذ هدب ردائه فأخرجه من الشجرة ليصدقوه إذا أخبرهم، ثم لقي الطلب (4) فقال لهم: ما تريدون ؟ فقالوا: نلتمس زكريا، فقال: إنه سحر هذه الشجرة فانشقت له فدخلها، قالوا: لانصدقك، فأراهم طرف ردائه، (5) فأخذوا الفأس وقطعوا الشجرة وشقوها بالمنشار فمات زكريا عليه السلام فيها، فسلط الله عليهم أخبث أهل الارض فانتقم به منهم، وقيل: إن السبب في قتله أن إبليس جاء إلى مجالس بني إسرائيل فقذف زكريا بمريم، وقال لهم ما أحبلها غيره، وهو الذي كان يدخل عليها، فطلبوه فهرب، إلى آخر ما مر. (6) أقول: قال الشيخ في المصباح: في أول يوم من المحرم استجاب الله تعالى دعوة
(1) في المصدر: لما اني ارى. (2) في المصدر: ان الاقل من القوت. (3) في المصدر: ولا مسكن يسكن إليه. (4) الطلب: جمع الطالب. (5) في المصدر: قال: فان لي علامة تصدقوني بها فأراهم طرف ردائه. (6) الكامل 1: 170 – 171 – 174 – 175.
[ 190 ]
زكريا عليه السلام، (1) وكذا روى السيد في الاقبال عن المفيد، (2) ورواه الصدوق في الفقيه أيضا، (3) وسيأتي بعض أخبار هذا الباب في أبواب قصص مريم وعيسى عليه السلام، وبعضها في باب أحوال بخت نصر. 42 – ك: بإسناده عن أبي رافع، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لما رفع الله عيسى بن مريم عليه السلام واستخلف في قومه شمعون بن حمون فلم يزل شمعون في قومه يقوم بأمر الله عزوجل حتى استخلص ربنا تبارك وتعالى وبعث في عباده نبيا من الصالحين وهو يحيى بن زكريا عليه السلام فمضى شمعون وملك عند ذلك أردشير بن اشكاس (4) أربعة عشر سنة وعشرة أشهر، وفي ثمان سنين من ملكه قتلت اليهود يحيى بن زكريا عليه السلام فلما أراد الله أن يقبضه أوحى إليه أن يجعل الوصية في ولد شمعون، ألى آخر ما سيأتي في باب أحوال ملوك الارض. (5) بيان: الجمع بين الاخبار الدالة على تقدم وفاة يحيى عليه السلام على رفع عيسى عليه السلام وبين مادل على تأخرها عنه مشكل إلا أن يحمل بعضها على التقية، أو يقال: إن الله أحيا يحيى بعد موته وبعثه إليهم. والله يعلم. (6)
(1) راجع مصباح المتهجد: 537. (2) راجع الاقبال 1: 544. (3) راجع من لا يحضره الفقيه: 172. (4) في نسخة: اردشير بن زاركا، ولعله مصحف بابكان أو بابك. (5) اكمال الدين: 130، والحديث طويل اخرجه بتمامه مسندا في آخر الكتاب. (6) تتميم: قد ساق المسعودي في كتابه اثبات الوصية الوصاية من سليمان بن داود عليه السلام إلى آصف بن برخيا، ومنه إلى صفورا بن آصف ثم إلى منبه بن صفورا ثم إلى هندوا بن منبه ثم إلى اسفر بن هندوا ثم إلى ابنه رامن ثم إلى اسحاق بن رامن ثم إلى ايم بن اسحاق ثم إلى زكريا ابن ايم بن اسحاق ثم إلى اليسابغ ثم إلى روبيل بن اليسابغ ثم بعث الله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام. وقال اليعقوبي: زكريا بن برخيا بن شوا بن نحرائيل بن سهلون بن ارسوا بن شويل بن بعود (كذا) ابن موسى بن عمران. وفي المحبر: زكريا بن بشوى وابنه يحيى من ولد هارون بن عمران. وقال الثعلبي: هو زكريا بن يوحنا بن ادن بن مسلم بن صدوق بن يجسار بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن ناحور بن سدوم ابن ثهفاساطين بن ابيا بن رحبعم بن سليمان بن داود عليهما السلام.
[ 191 ]
(ابواب) * (قصص عيسى وامه وأبويها) * (باب 16) * (قصص مريم وولادتها وبعض أحوالها صلوات الله عليها) * * (وأحوال أبيها عمران) * الايات، ال عمران ” 3 ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم * إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم * فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم * فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب 33 – 37. ” وقال تعالى “: وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين * ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون * إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين * قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة
[ 192 ]
الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الاكمه والابرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين * ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون * إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم 42 – 51. 1 – كا: حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان بن عثمان، عن عبد الاعلى مولى آل سام قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها، فتقول: يا رب حسنت خلقي حتى لقيت ما لقيت، فيجاء بمريم عليها السلام فيقال: أنت أحسن أم هذه ؟ قد حسناها فلم تفتتن. (1) أقول: قد مر تمامه في باب قصص أيوب عليه السلام. 2 – شى: عن الحكم بن عيينة (2) قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله في الكتاب ” إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ” اصطفاها مرتين، والاصطفاء إنما هو مرة واحدة، قال: فقال لي: يا حكم إن لهذا تأويلا و تفسيرا، فقلت له: ففسره لنا أبقاك الله، قال: يعني اصطفاها أولا من ذرية الانبياء المصطفين المرسلين، وطهرها من أن يكون في ولادتها من آبائها وأمهاتها سفاح، و اصطفاها بهذا في القرآن ” يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي ” شكرا لله، ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وآله يخبره بما غاب عنه من خبر مريم وعيسى: يا محمد ” ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ” في مريم وابنها وبما خصهما الله به وفضلهما وأكرمهما حيث قال: ” وما كنت لديهم ” يا محمد ” إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ” حين أيتمت من أبيها – وفي رواية ابن خرزاد: أيهم يكفل مريم حين أيتمت من أبويها – ” وما كنت لديهم ” يا محمد ” إذ يختصمون ” في مريم عند ولادتها بعيسى أيهم يكفلها ويكفل ولدها، قال: فقلت له: أبقاك الله فمن كفلها ؟ فقال: أما تسمع لقوله: ” وكفلها زكريا ” الآية.
(1) روضة الكافي: 228. (2) هكذا في النسخ وفي تفسير البرهان وهو وهم، والصواب عتيبة.
[ 193 ]
وزاد علي بن مهزيار (1) في حديثه: ” فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك و ذريتها من الشيطان الرجيم ” قال: قلت: أكان يصيب مريم ما يصيب النساء من الطمث ؟ قال: نعم ما كانت إلا امرأة من النساء. وفي رواية أخرى: ” إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ” قال: قال استهموا عليها فخرج سهم زكريا فكفل بها. وقال زيد بن ركانة: اختصموا في بنت حمزة كما اختصموا في مريم، قال: قلت له: جعلت فداك حمزة استن السنن والامثال، كما اختصموا في مريم اختصموا في بنت حمزة ؟ قال: نعم ” واصطفاك على نساء العالمين ” قال: نساء عالميها، قال: وكانت فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين. (2) بيان: قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: ” يا مريم إن الله اصطفاك ” أي اختارك وألطف لك حتى تفرغت لعبادته واتباع مرضاته، وقيل: معناه: اصطفاك لولادة المسيح وطهرك بالايمان عن الكفر، وبالطاعة عن المعصية، أو طهرك عن الادناس والاقذار التي تعرض للنساء مثل الحيض والنفاس حتى صرت صالحة لخدمة المسجد، أو طهرك عن الاخلاق الذميمة والطبائع الرديئة ” واصطفاك على نساء العالمين ” أي على نساء عالمي زمانك، لان فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين. وقال أبو جعفر عليه السلام: معنى الآية: اصطفاك من ذرية الانبياء، وطهرك من السفاح، واصطفاك لولادة عيسى من غير فحل، وخرج بهذا من أن يكون تكرارا. أقول: يظهر مما رواه أن فيما عندنا من نسخة العياشي سقطا. (3) ثم قال: ” يا مريم اقنتي لربك ” أي اعبديه واخلصي له العبادة، أو أديمي الطاعة له، أو أطيلي القيام في الصلاة ” واسجدي واركعي مع الراكعين ” أي كما يعمل الراكعون
(1) الظاهر أن الحديث كانت له أسناد متعددة، وحيث اسقط ناسخ التفسير الاسانيد وقعت الرواية هكذا مشوشة غير منتظمة. (2) تفسير العياشي مخطوط. أخرجه البحراني أيضا في تفسير البرهان 1: 283 (3) وسيأتي تمام ذلك من غير سقط عن تفسير القمي تحت رقم 8.
[ 194 ]
والساجدون، أو يكون ذلك أمرا لها بأن تعمل السجود والركوع معهم في الجماعة، و قيل: معناه: واسجدي لله شكرا واركعي أي وصلي مع المصلين، ثم قال: ” وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم ” التي يكتبون بها التوراة في الماء، وقيل: أقلامهم أقداحهم (1) للاقتراع جعلوا عليها علامات يعرفون بها من يكفل مريم على جهة القرعة ” أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ” فيه دلالة على أنهم قد بلغوا في التشاح (2) عليها إلى حد الخصومة. وفي وقت التشاح قولان: أحدهما: حين ولادتها وحمل أمها إياها إلى الكنيسة، فتشاحوا في الذي يحضنها ويكفل تربيتها، وقال بعضهم: كان ذلك وقت كبرها وعجز زكريا عن تربيتها. (3) وقال رحمه الله في قوله تعالى: ” إذ قالت امرأة عمران ” اسمها حنة جدة عيسى، وكانتا أختين: إحداهما عند عمران بن أشهم (4) من ولد سليمان بن داود عليهما السلام وقيل: هو عمران بن ما ثان، عن ابن عباس ومقاتل، وليس عمران أبا موسى وبينهما ألف وثمان مائة سنة، وكان بنو ما ثان رؤوس بني إسرائيل، والاخرى كانت عند زكريا ايشاع (5) واسم أبيها فاقود بن فتيل، فيحيى ومريم ابنا خالة ” رب إني نذرت لك ما في بطني محررا ” أي أوجبت لك أن أجعل ما في بطني محررا، أي خادما للبيعة يخدم في متعبداتنا، وقيل: محررا للعبادة، أي مخلصا لها، وقيل: عتيقا خالصا لطاعتك لا أستعمله في منافعي ولا أصرفه في الحوائج، قالوا: وكان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة يقوم عليها ويكنسها ويخدمها، لا يبرح حتى يبلغ الحلم، ثم يخير فإن أحب أن يقيم فيه أقام، وإن أحب أن يذهب ذهب حيث شاء، قالوا: وكانت حنة قد أمسك عنها الولد حتى آيست،
(1) الاقداح جمع القدح بالكسر فالسكون سهم الميسر. (2) تشاحوا على الشئ: أراد كل منهم ان يستأثر به. (3) مجمع البيان 2: 440 و 441. (4) في المصدر: عمران بن الهشم. وفي تاريخ الطبري: عمران بن يا شهم. وفي العرائس: عمران بن ساهم. (5) هكذا في النسخ وفيه سقط، والصحيح كما في المصدر: اسمها ايشاع.
[ 195 ]
فبينما هي تحت شجرة إذ رأت طائرا يزق (1) فرخا له، فتحرك نفسها للولد فدعت الله أن يرزقها ولدا فحملت بمريم ” فتقبل مني ” أي نذري قبول رضى ” إنك أنت السميع ” لما أقول ” العليم ” بما أنوي ” فلما وضعتها ” خجلت واستحيت وقالت منكسة رأسها: ” رب إني وضعتها أنثى ” وقيل فيه قولان: أحدهما: أن المراد به الاعتذار من العدول عن النذر لانها أنثى، والآخر أن المراد تقديم الذكر في السؤال لها بأنها أنثى لان سعيها أضعف وعملها أنقص، (2) فقدم ذكرها ليصح القصد لها في السؤال بقولها: ” وإني أعيذها بك ” ” والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى ” لانها لا تصلح لما يصلح له الذكر، وإنما كان يجوز لهم التحرير في الذكور دون الاناث، لانها لا تصلح لما يصلح الذكر له من التحرير لخدمة بيت المقدس لما يلحقها من الحيض والنفاس والصيانة عن التبرج للناس، وقال قتادة: لم يكن التحرير إلا في الغلمان فيما جرت به العادة، وقيل: أرادت أن الذكر أفضل من الانثى على العموم وأصلح للاشياء ” وإني سميتها مريم ” وهي بلغتهم العابدة والخادمة فيما قيل، (3) وروى الثعلبي بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية (4) امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ” وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ” خافت عليها ما يغلب على النساء من الآفات فقالت ذلك، وقيل: إنما استعاذتها من طعنة الشيطان في جنبها التي لها يستهل الصبي صارخا، فوقاها الله وولدها عيسى عليه السلام منه بحجاب، وقيل: إنما استعاذت من إغواء الشيطان الرجيم إياها ” فتقبلها ربها ” مع أنوثتها ورضي بها في النذر التي نذرته (5) حنة للعبادة في بيت المقدس، ولم يتقبل قبلها أنثى في ذلك المعنى
(1) زق الطائر فرخه: اطعمه بمنقاره. (2) في المصدر: وعقلها أنقص. (3) في المصدر هنا زيادة وهي: وكانت مريم أفضل النساء في وقتها وأجملهن. (4) في المصدر: وآسية بنت مزاحم. (5) في المصدر في النذر الذي نذرته.
[ 196 ]
وقيل: معناه: تكفل بها في تربيتها والقيام بشأنها، عن الحسن. وقبوله إياها أنه ماعرتها علة ساعة في ليل أو نهار ” بقبول حسن ” أصله: بتقبل حسن، وقيل: معناه: سلك بها طريق السعداء، عن ابن عباس ” وأنبتها نباتا حسنا ” أي جعل نشوءها نشوءا حسنا، وقيل: سوى خلقها فكانت تنبت في يوم ما ينبت غيرها في عام، عن ابن عباس، وقيل: أنبتها في رزقها و غذائها حتى تمت امرأة بالغة تامة، عن ابن جريح. وقال ابن عباس: لما بلغت تسع سنين صامت النهار وقامت الليل وتبتلت حتى غلبت الاحبار ” وكفلها زكريا ” بالتشديد أي ضمها الله عز اسمه إلى زكريا وجعله كفيلها ليقوم بها، وبالتخفيف معناه: ضمها زكريا إلى نفسه، وضمن القيام بأمرها، وقالوا إن أم مريم أتت بها ملفوفة في خرقة إلى المسجد وقالت: دونكم النذيرة، فتنافس فيها الاحبار لانها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، فقال لهم زكريا عليه السلام: أنا أحق بها لان خالتها عندي، فقالت له الاحبار: إنها لو تركت لاحق الناس بها لتركت لامها التي ولدتها، ولكنا نقرع عليها فتكون عند من خرج سهمه، فانطلقوا وهم تسعة وعشرون رجلا إلى نهر جار فألقوا أقلامهم في الماء فارتفع قلم زكريا فوق الماء و رسبت أقلامهم، عن ابن إسحاق وجماعة، وقيل: بل تلبث قلم زكريا (1) وقام فوق الماء كأنه في طين، وجرت أقلامهم مع جرية الماء فذهب بها الماء، عن السدي، فسهمهم زكريا وقرعهم وكان رأس الاحبار ونبيهم فذلك قوله تعالى: ” وكفلها زكريا “. قالوا: فلما ضم زكريا مريم إلى نفسه بنى لها بيتا واسترضع لها، وقال محمد بن إسحاق: ضمها إلى خالتها أم يحيى حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محرابا في المسجد وجعل بابه في وسطها لا يرقى إليها إلا بسلم مثل باب الكعبة، ولا يصعد إليها غيره، وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم ” كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ” يعني وجد زكريا عندها فاكهة في غير أوانها، فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف غضا طريا، وقيل: إنها لم ترضع قط وإنما كان يأتيها رزقها من الجنة ” قال يا مريم أنى لك هذا ” يعني قال لها زكريا: كيف لك ومن أين لك هذا ؟
(1) في المصدر: بل ثبت قلم زكريا. (*)
[ 197 ]
كالمتعجب منه ” قالت هو من عند الله ” أي من الجنة، وهذه تكرمة من الله لها وإن كان ذلك خارقا للعادة، فإن عندنا يجوز أن تظهر الآيات الخارقة للعادة على غير الانبياء من الاولياء والاصفياء، ومن منع ذلك من المعتزلة قالوا فيه قولين: أحدهما: أنه كان ذلك تأسيسا لنبوة عيسى عليه السلام، عن البلخي، والآخر أنه كان بدعاء زكريا عليه السلام لها بالرزق في الجملة، وكانت معجزة له، عن الجبائي ” إن الله يرزق من يشاء بغير حساب “. (1) 3 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن سالم، عن مفضل بن عمر قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام من غسل فاطمة عليها السلام ؟ قال: ذاك أمير المؤمنين عليه السلام، كأنما استفظعت ذلك من قوله، فقال لي: كأنك ضقت مما أخبرتك ؟ فقلت: قد كان جعلت فداك، فقال: لاتضيقن فإنها صديقة لم يكن يغسلها إلا صديق، أما علمت أن مريم عليها السلام لم يغسلها إلا عيسى عليه السلام. (2) 4 – شى: عن سيف، عن نجم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن فاطمة عليها السلام ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقم البيت، وضمن لها علي عليه السلام ماكان خلف الباب: نقل الحطب، (3) وأن يجئ بالطعام، فقال لها يوما: يا فاطمة هل عندك شئ ؟ قالت: والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاث إلا شئ آثرتك به، (4) قال: أفلا أخبرتني ؟ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله نهاني أن أسألك شيئا، فقال: لا تسألي ابن عمك شيئا، إن جاءك بشئ عفوا وإلا فلا تسأليه، قال: فخرج عليه السلام فلقي رجلا فاستقرض منه دينارا، ثم أقبل به وقد أمسى، فلقي المقداد بن الاسود فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة ؟ قال: الجوع، والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين، قال: فهو أخرجني وقد
(1) مجمع البيان 2: 434 – 435 و 436 – 437. (2) فروع الكافي 1: 44، ورواه أيضا في الاصول 1: 459 باسناده عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى، عن احمد بن محمد بن ابي نصر، عن عبد الرحمن بن سالم. وفي نسخة: كأنك استضقت. وفي الطريق الثاني: كانى استعظمت. (3) في نسخة من البرهان: من نقل الحطب. (4) في البرهان: منذ ثلاث ايام شئ نقريك به.
[ 198 ]
استقرضت دينارا وسأؤثرك به، فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا وفاطمة تصلي وبينهما شئ مغطى، فلما فرغت أحضرت ذلك الشئ، فإذا جفنة من خبز ولحم قال: يا فاطمة أنى لك هذا ؟ قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أحدثك بمثلك ومثلها ؟ قال: بلى، قال: مثل زكريا إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قال: يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فأكلوا منها شهرا وهي الجفنة التي يأكل منها القائم عليه السلام وهو عنده. (1) 5 – ل: الفامي وابن مسرور معا، عن ابن بطة، عن الصفار، عن ابن معروف، عن حماد، عن حريز، عمن أخبره، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أول من سوهم عليه مريم بنت عمران، وهو قول الله: ” وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ” والسهام ستة. الخبر. (2) يه: أبي، عن سعد، عن ابن هاشم وابن يزيد، عن حماد بن عيسى، عمن أخبره، عن حريز عنه عليه السلام مثله. (3) بيان: قوله عليه السلام: (والسهام ستة) ظاهره أن السهام في تلك الواقعة كانت ستة لكون المتنازعين ستة، فيدل على بطلان ما مر في كلام الطبرسي رحمه الله أنهم كانوا تسعة وعشرين، ويحتمل أن يكون المراد كون سهام القرعة مطلقا ستة إذا لم يزد المطلوب عليها بضم السهام المبهمة كما دل عليه بعض الاخبار لكنه بعيد. 6 – فس: ” والتي أحصنت فرجها ” قال: مريم لم ينظر إليها شئ ” فنفخنا فيها من روحنا ” قال: روح مخلوقة لله. (4)
(1) تفسير العياشي مخطوط، وأخرجه ايضا البحراني في البرهان 1: 282 وفيه: وهي عندنا. (2) الخصال 1: 75 (3) من لا يحضره الفقيه: 336. (4) تفسير القمي: 433 وفيه: قال: روح مخلوقة يعني امرنا.
[ 199 ]
7 – فس: أبي، عن داود بن محمد النهدي قال: دخل أبو سعيد المكاري (1) على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له: أبلغ من قدرك أن تدعي ما ادعى آباؤك ؟ فقال له الرضا عليه السلام: مالك أطفأ الله نورك وأدخل الفقر بيتك ؟ أما علمت أن الله أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا فوهب له مريم ووهب لمريم عيسى ؟ فعيسى بن مريم من مريم، ومريم من عيسى، ومريم وعيسى واحد، وأنا من أبي، وأبي مني، وأنا وأبي شئ واحد الخبر. (2) مع: أبي، عن محمد العطار، عن الاشعري، عن إبراهيم بن هاشم، عن داود بن محمد النهدي مثله. (3) 8 – فس: ” إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ” فإن الله تبارك وتعالى أوحى إلى عمران إني واهب لك ذكرا يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى بإذن الله، (4) فبشر عمران زوجته بذلك فحملت فقالت: ” رب إني نذرت لك ما في بطني محررا ” للمحراب، وكانوا إذا نذروا نذرا محررا جعلوا ولدهم للمحراب ” فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى ” وأنت وعدتني ذكرا ” وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ” فوهب الله لمريم عيسى عليه السلام، قال: وحدثني أبي،
(1) هو هاشم (أو هشام) بن حيان أبو سعيد المكاري على اختلاف، ترجمع النجاشي والشيخ و غيرهما، وكان وجها في الواقفة، ذكر أبو عمرو الكشي الحديث في ابنه قال: حدثني حمدويه عن الحسن بن موسى قال: كان ابن أبي سعيد المكاري واقفا، حدثني حمدويه قال: حدثني الحسن بن موسى قال: رواه علي بن عمر الزيات، عن ابن أبي سعيد المكاري قال: دخل على الرضا عليه السلام فقال له: فتحت بابك للناس وقعدت للناس تفتيهم ولم يكن ابوك يفعل هذا، قال: ليس علي من هارون بأس، فقال له: أطفأ الله نور قلبك وأدخل الفقر بيتك اما علمت ان الله اوحى إلى مريم أن في بطنك نبيا فولدت مريم عيسى ؟ ثم ذكر نحو الحديث مع ذيل. (2) تفسير القمي: 551. (3) معاني الاخبار: 65 – 66، وفيه: النهدي، عن بعض اصحابنا قال: دخل ابن ابي سعيد المكاري. وللحديث فيه ذيل. (4) في نسخة: باذني.
[ 200 ]
عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن قلنا لكم في الرجل منا قولا فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك، إن الله أوحى إلى عمران إني واهب لك ذكرا مباركا يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى بإذني، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل، فحدث امرأته حنة بذلك وهي أم مريم فلما حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما فلما وضعتها أنثى قالت رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالانثى لان البنت لا تكون رسولا، (1) يقول الله: ” والله أعلم بما وضعت ” فلما وهب الله لمريم عيسى عليه السلام كان هو الذي بشر الله به عمران ووعده إياه، فإذا قلنا لكم في الرجل منا شيئا وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك، فلما بلغت مريم صارت في المحراب وأرخت على نفسها سترا وكان لا يراها أحد، وكان يدخل عليها زكريا المحراب فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، فكان يقول لها: ” أنى لك هذا ” فتقول: ” هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب “. ” وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ” قال: اصطفاها مرتين: أما الاولى فاصطفاها أي اختارها، وأما الثانية فإنها حملت من غير فحل فاصطفاها بذلك على نساء العالمين، قوله: ” يا مريم اقنتي لربك واسجدي و اركعي مع الراكعين ” وإنما هو: واركعي واسجدي، ثم قال الله لنبيه: ” ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ” يا محمد ” وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ” قال: لما ولدت اختصموا آل عمران فيها وكلهم قالوا: نحن نكفلها، فخرجوا وضربوا بالسهام بينهم، فخرج سهم زكريا عليه السلام فكفلها زكريا عليه السلام، قوله: ” وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ” أي ذووجه وجاه. (2) 9 – ل: محمد بن علي بن إسماعيل، عن أبي القاسم بن منيع، (3) عن شيبان بن
(1) في نسخة: الابنة لا تكون رسولا. (2) تفسير القمي: 91 و 92، وفيه: ذا وجه وجاه. (3) في نسخة: عن منيع، وحكى في ذيل الخصال المطبوع جديدا عن النسخ المخطوطة أنه أبو العباس بن منيع، قلت: فيهما وهم والصحيح ما في المتن وما في الخصال المطبوع والظاهر أنه ابو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي الحافظ كان ابن بنت أحمد بن منيع البغوي، ولد سنة =
[ 201 ]
فروخ، عن داود بن أبي الفرات، عن علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وآله أربع خطط في الارض. وقال: أتدرون ماهذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله: أفضل نساء الجنة أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون. (1) 10 – ل: سليمان بن أحمد بن أيوب اللحمي، (2) عن علي بن عبد العزيز، عن حجاج بن المنهال، عن داود بن أبي الفرات، عن علباء، عن عكرمة، عن ابن عباس قال خط رسول الله صلى الله عليه وآله أربع خطوط، ثم قال: خير نساء الجنة مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون. (3) 11 – ل: ابن إدريس، عن أبيه، عن محمد بن أحمد، عن أبي عبد الله الرازي، عن ابن أبي عثمان، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عزوجل اختار من النساء أربعا: مريم، وآسية، وخديجة، وفاطمة. الخبر. (4) 12 – ع: أبي، عن سعد، عن البرقي، عن محمد بن علي، عن محمد بن أحمد، عن أبان ابن عثمان، عن إسماعيل الجعفي قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: إن المغيرة يزعم أن الحائض تقضي الصلاة كما تقضي الصوم، فقال: ماله لا وفقه الله ؟ إن امرأة عمران قالت: ” رب إني نذرت لك ما في بطني محررا ” والمحرر للمسجد لا يخرج منه أبدا، فلما
= 214 وتوفى سنة 317. وشيبان بن فروخ هو شيبان بن فروخ أبي شيبة الحبطي الابلي ابو محمد المتوفى في سنة 235 أو 236 وله بضع وتسعون سنة. وداود بن أبي الفرات هو داود بن بكر بن أبي الفرات الاشجعي المدني. وعلباء بالكسر فالسكون هو ابن أحمر اليشكري البصري كان من القراء. (1) الخصال 1: 96 و 1: 164 من الطبعة الجديدة. (2) هكذا في النسخ، والصحيح كما في المصدر: اللخمي بالخاء، وهو بفتح اللام وسكون الخاء نسبة إلى لخم وهو مالك بن عدي، ولخم وجذام قبيلتان من اليمن، والرجل هو سليمان بن احمد بن أيوب اللخمي ابو القاسم الطبراني الحافظ، عاش مائة سنة، وسمع وهو ابن ثلاث عشرة سنة وبقى إلى سنة ستين وثلاث مائة. (3) الخصال 1: 96. (4) الخصال 1: 107.
[ 202 ]
وضعت مريم قالت: ” رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالانثى ” فلما وضعتها أدخلتها المسجد، فلما بلغت مبلغ النساء أخرجت من المسجد، أنى كانت تجد أياما تقضيها و هي عليها أن تكون الدهر في المسجد ؟. (1) شى: عن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي مثله. (2) 13 – كا: الحسين بن محمد، عن المعلى، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفي مثله. وفيه: فلما وضعتها أدخلتها المسجد، فساهمت عليها الانبياء، فأصابت القرعة زكريا عليه السلام فكفلها زكريا عليه السلام فلم تخرج من المسجد حتى بلغت، فلما بلغت ما تبلغ النساء خرجت. فهل كانت تقدر على أن تقضي تلك الايام التي خرجت وهي عليها أن تكون الدهر في المسجد ؟ (3) أقول: سيأتي شرحه في كتاب الصلاة إن شاء الله. 14 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام، عن عمران أكان نبيا ؟ فقال: نعم كان نبيا مرسلا إلى قومه، وكانت حنة امرأة عمران وحنانة امرأة زكريا أختين، فولد لعمران من حنة مريم، وولد لزكريا من حنانة يحيى عليه السلام وولدت مريم عيسى عليه السلام وكان عيسى عليه السلام ابن بنت خالته، وكان يحيى عليه السلام ابن خالة مريم، وخالة الام بمنزلة الخالة. (4) بيان: أي فلذا كان يقال: إن يحيى ابن خالة عيسى. ثم اعلم أن هذا مخالف لما مر، وسيأتي أن مريم كانت أخت أم يحيى، ولعل أحدهما محمول على التقية، ويمكن حمل الاخت الوارد في تلك الاخبار على المجاز أيضا، ويمكن إرجاع ضمير أختها في خبر إسماعيل الآتي إلى أم مريم.
(1) علل الشرائع: 193. (2) تفسير العياشي مخطوط، واخرجه البحراني أيضا في البرهان 1: 282. (3) فروع الكافي 1: 30. (4) قصص الانبياء مخطوط.
[ 203 ]
15 – ص: بهذا الاسناد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالى جل جلاله أوحى إلى عمران إني واهب لك ذكرا مباركا يبرئ الاكمه والابرص، ويحيي الموتى بإذن الله، وإني جاعله رسولا إلى بني إسرائيل، قال: فحدث عمران امرأته حنة بذلك وهي أم مريم، فلما حملت كان حملها عند نفسها غلاما، فقالت: ” رب إني نذرت لك ما في بطني محررا ” فوضعت أنثى فقالت: ” وليس الذكر كالانثى ” إن البنت لا تكون رسولا، فلما أن وهب الله لمريم عيسى بعد ذلك كان هو الذي بشر الله به عمران. (1) كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير مثله. 16 – ص: بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن أورمة، عن محمد بن أبي صالح عن الحسن بن محمد بن أبي طلحة قال: قلت للرضا عليه السلام أيأتي الرسل عن الله بشئ ثم تأتي بخلافه ؟ قال: نعم إن شئت حدثتك، وإن شئت أتيتك به من كتاب الله تعالى جلت عظمته: ” ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم ” الآية، فما دخلوها ودخل أبناء أبنائهم، وقال عمران: إن الله وعدني أن يهب لي غلاما نبيا في سنتي هذه وشهري هذا، ثم غاب وولدت امرأته مريم وكفلها زكريا، فقالت طائفة: صدق نبي الله، وقالت الآخرون: كذب، فلما ولدت مريم عيسى عليه السلام قالت الطائفة التي أقامت على صدق عمران: هذا الذي وعدنا الله. (2) 17 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد رفعه قال: قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ” ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها ” قال: أحصنت فرجها قبل أن تلد عيسى خمسمائة عام، قال: فأول من سوهم عليه مريم ابنة عمران، نذرت أمها ما في بطنها محررا للكنيسة، فوضعتها أنثى فشبت فكانت تخدم العباد تناولهم حتى بلغت، وأمر زكريا عليه السلام أن يتخذ لها حجابا دون العباد، فكان زكريا عليه السلام يدخل عليها
(1 و 2) قصص الانبياء مخطوط، والحديث الثاني مجهول بمحمد بن ابي صالح والحسن بن محمد بن ابي طلحة، ومتنه من البداء الذي تقدم ذكره ومعناه ودفع الاشكال عنه في باب البداء.
[ 204 ]
فيرى عندها ثمرة الشتاء في الصيف، وثمرة الصيف في الشتاء، قال: ” يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله ” تعالى، وقال: عاشت مريم بعد عمران خمسمائة سنة. (1) بيان: لا يخفى ما في هذا الخبر من الشذوذ والغرابة والمخالفة لسائر الاخبار و الآثار. (2) 18 – شى: أبو خالد القماط، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن امرأة عمران لما نذرت ما في بطنها محررا قال: والمحرر للمسجد إذا وضعته دخل المسجد فلم يخرج من المسجد أبدا، فلما ولدت مريم قالت: ” رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك و ذريتها من الشيطان الرجيم ” فساهم عليها النبيون فأصاب القرعة زكريا وهو زوج أختها، وكفلها وأدخلها المسجد، فلما بلغت ما تبلغ النساء من الطمث وكانت أجمل النساء وكانت تصلي فتضئ المحراب لنورها، فدخل عليها زكريا فإذا عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، فقال: ” أنى لك هذا قالت هو من عند الله ” فهنالك دعا زكريا ربه قال: إني خفت الموالي من ورائي، إلى ما ذكر الله من قصة زكريا ويحيى. (3) 19 – شى: حفص بن البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: ” إني نذرت لك ما في بطني محررا ” المحرر يكون في الكنيسة ولا يخرج منها ” فلما وضعتها أنثى قالت رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالانثى ” (4) إن الانثى تحيض فتخرج من المسجد، والمحرر لا يخرج من المسجد. (5) 20 – شى: في رواية حريز، عن أحدهما عليهما السلام قال: ” نذرت ما في بطنها ” للكنيسة
(1) قصص الانبياء مخطوط. (2) مع انه مرسل ومرفوع. (3) تفسير العياشي مخطوط، وأخرجه البحراني أيضا في البرهان 1: 282. (4) في نسخة من البرهان: والله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى. (5) تفسير العياشي مخطوط.
[ 205 ]
أن تخدم العباد، وليس الذكر كالانثى في الخدمة، قال: فشبت وكانت تخدمهم وتناولهم حتى بلغت، فأمر زكريا عليه السلام أن يتخذ لها حجابا دون العباد، فكان يدخل عليها فيرى عندها ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء، فهنالك دعا وسأل ربه زكريا فوهب له يحيى. (1) 21 – شى: عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: أوحى الله إلى عمران إني واهب لك ذكرا مباركا، يبرئ الاكمه والابرص، ويحيي الموتى بإذن الله ورسولا إلى بني إسرائيل، فأخبر بذلك امرأته حنة فحملت فوضعت مريم، فقالت: ” رب إني وضعتها أنثى ” والانثى لا تكون رسولا، وقال لها عمران: إنه ذكر يكون نبيا، فلما رأت ذلك قالت ما قالت، فقال الله وقوله الحق: ” والله أعلم بما وضعت ” فقال أبو جعفر عليه السلام: فكان ذلك عيسى بن مريم عليه السلام، فإن قلنا لكم: إن الامر يكون في أحدنا فكان في ابنه وابن ابنه أو ابن ابن ابنه فقد كان فيه فلا تنكروا ذلك. (2) أقول: سيأتي بعض أخبارها في أبواب أحوال فاطمة عليها السلام. 22 – لى: بإسناده عن ابن عباس في حديث طويل (3) رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في فاطمة عليها السلام وما يصيبها من الظلم بعده: ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعث الله إليها مريم بنت عمران تمرضها (4) وتؤنسها في علتها. إلى آخر الخبر. (5)
(1) تفسير العياشي مخطوط، وفي البرهان: وسأل ربه زكريا أن يهب له ذكرا فوهب له يحيى. (2) تفسير العياشي مخطوط واخرجه البحراني وما تقدم في البرهان 1: 282. (3) في فضائل علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ولم يذكر المصنف إسناد الحديث اختصارا ويذكره في محله وهو هكذا: علي بن أحمد بن موسى الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد ابن ابي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي عن الحسن بن علي بن ابي حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. (4) مرضه: داواه واعتنى به في مرضه. (5) امالي الصدوق: 69 و 70.
[ 206 ]
23 – ع: بإسناده (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما سميت فاطمة محدثة لان الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي و اركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الاولين والآخرين. (2) (باب 17) * (ولادة عيسى عليه السلام) * الايات، آل عمران ” 3 ” إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون 59. مريم ” 19 ” واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا * فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا * قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا * قال إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا * قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا * قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا * فحملته فانتبذت به مكانا قصيا * فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا * فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا * وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا * فكلي واشربي و قري عينا * فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا * فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا * يا أخت هارون ما كان
(1) لم يذكر المصنف الاسناد اختصارا فهو هكذا: حدثنا محمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علي العسكري، عن محمد بن زكريا الجرهري قال: حدثنا شعيب بن واقد قال: حدثني إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام. (2) علل الشرائع: 72.
[ 207 ]
أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا * فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا * قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت و أوصاني بالصلوة والزكوة مادمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا * و السلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا * ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون * ماكان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون 16 – 35. الانبياء ” 21 ” والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين 91. التحريم ” 66 ” ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا و صدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين 12. 1 – فس: ” ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها ” قال: لم ينظر إليها ” فنفخنا فيه من روحنا ” أي روح الله مخلوقة (1) ” وكانت من القانتين ” أي من الداعين. (2) 2 – كا: محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل، (3) عن محمد بن عمرو الزيات، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لم يولد لستة أشهر إلا عيسى بن مريم، والحسين ابن علي عليهما السلام. (4) 3 – ع: أحمد بن الحسن، عن أحمد بن يحيى، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن المثنى الهاشمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لم يعش مولود قط لستة أشهر غير الحسين وعيسى بن مريم عليهما السلام. (5)
(1) في المصدر: أي روح مخلوقة. (2) تفسير القمي: 688. (3) في المصدر: علي بن اسماعيل، وهو الصحيح والظاهر انه علي بن اسماعيل السندي بقرينة روايته عن محمد بن عمرو بن سعيد الزيات كما يظهر من جامع الرواة. (4) اصول الكافي 1: 464 و 465. (5) علل الشرائع: 79.
[ 208 ]
4 – فس: أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل في صفة المعراج وساق الحديث إلى أن قال: ثم قال لي جبرئيل: انزل فصل، فنزلت وصليت، فقال لي: تدري أين صليت ؟ فقلت: لا، فقال: صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما، ثم ركبت فمضينا (1) ما شاء الله، ثم قال لي: انزل فصل، فنزلت وصليت، فقال لي: أتدري أين صليت ؟ فقلت: لا، فقال: صليت في بيت لحم (2) و بيت لحم بناحية بيت المقدس حيث ولد عيسى بن مريم عليه السلام الخبر. (3) 5 – كا: علي بن إبراهيم، عن أبيه وعلي بن محمد جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام يتخلل بساتين الكوفة فانتهى إلى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع وسجد، فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة، ثم استند إلى النخلة فدعا بدعوات ثم قال: يا حفص إنها والله النخلة التي قال الله جل ذكره لمريم: ” وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا “. (4) 6 – فس: ” واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ” قال: خرجت إلى النخلة اليابسة ” فاتخذت من دونهم حجابا ” قال: في محرابها ” فأرسلنا إليها روحنا ” يعني جبرئيل عليه السلام ” فتمثل لها بشرا سويا * قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ” (5) فقال لها جبرئيل: ” إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا ” فأنكرت ذلك لانه لم يكن في العادة أن تحمل المرأة من غير فحل، فقالت: ” أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ” ولم يعلم جبرئيل أيضا كيفية القدرة فقال لها: ” كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا ” قال: فنفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه السلام بالليل فوضعته بالغداة، وكان حملها تسع ساعات (6)
(1) في نسخة: فمضيت. (2) في نسخة: صليت ببيت لحم. (3) تفسير القمي: 368. (4) روضة الكافي: 143 – 144. (5) في المصدر: يعني ان كنت ممن يتقى الله. (6) هذا ينافي ما تقدم من أنه لم يولد لستة أشهر إلا عيسى بن مريم، ولم يسند القمي ذلك إلى حديث.
[ 209 ]
جعل الله الشهور لها ساعات، ثم ناداها جبرئيل: ” وهزي إليك بجذع النخلة ” أي هزي النخلة اليابسة، فهزت وكان ذلك اليوم سوقا فاستقبلها الحاكة وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان، فأقبلوا على بغال شهب، فقالت لهم مريم: أين النخلة اليابسة ؟ فاستهزؤوا بها وزجروها، فقالت لهم: جعل الله كسبكم نزرا، (1) وجعلكم في الناس عارا، ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم: جعل الله البركة في كسبكم، و أحوج الناس إليكم، فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى، فلما نظرت إليه قالت: ” ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ” ماذا أقول لخالي ؟ وماذا أقول لبني إسرائيل ؟ فناداها عيسى من تحتها: ” ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ” أي نهرا ” وهزي إليك بجذع النخلة ” أي حركي النخلة ” تساقط عليك رطبا جنيا ” أي طيبا، وكانت النخلة قد يبست منذ دهر طويل فمدت يدها إلى النخلة فأورقت وأثمرت وسقط عليها الرطب الطري وطابت نفسها، فقال لها عيسى: قمطيني وسويني ثم افعلي كذا وكذا، فقمطته وسوته، وقال لها عيسى: ” فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما ” وصمتا كذا نزلت ” فلن أكلم اليوم إنسيا ” ففقدوها في المحراب فخرجوا في طلبها، وخرج خالها زكريا عليه السلام فأقبلت وهو في صدرها وأقبلن مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها، فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها، فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا فقالوا لها: ” يا مريم لقد جئت شيئا فريا * (2) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ” ومعنى قولهم: يا أخت هارون أن هارون كان رجلا فاسقا زانيا فشبهوها به، (3) من أين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته بني إسرائيل ؟ فأشارت إلى عيسى في المهد فقالوا لها: ” كيف نكلم من كان في المهد صبيا ” فأنطق الله عيسى عليه السلام فقال: ” إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلوة والزكوة مادمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا
(1) النزر: القليل أي جعل الله ربحه قليلا. (2) في المصدر: أي عظيما من المناهى. (3) راجع ما سيأتي عن الطبرسي في ذلك.
[ 210 ]
شقيا * والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا * ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ” أي يتخاصمون، فقال الصادق عليه السلام في قوله: ” وأوصاني بالصلوة والزكوة ” قال: زكاة الرؤوس، لان كل الناس ليست لهم أموال، وإنما الفطرة (1) على الغني والفقير والصغير والكبير. حدثني محمد بن جعفر قال: حدثني محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: ” وجعلني مباركا أينما كنت ” قال: نفاعا. (2) أقول: في بعض النسخ بعد قوله: ” في المهد صبيا ” زيادة وهي قوله: فنطق عيسى عليه السلام بإذن الله بلسان فصيح، وقال: ” إني عبد الله آتاني الكتاب ” أي قدر لي أن أكون صاحب شرع له ” وجعلني نبيا ” إلى قوله: ” ويوم أبعث حيا ” قيل: لا يكون على الانسان شئ أشد من هذه المواطن الثلاثة: عند الولادة وقد فارق رفاهية اعتدال الحرارة الغريزية، وصدم أهوال الدنيا، ولمس الايدي له، وهو موجب لصراخه، وعند الممات وما يجده من سكرات الموت، وفراق الاحبة والمسكن، ومجاورة الاموات الذين لا يتعارفون ولا يتزاورون، وعند الحشر وما يكون من أهوال يوم القيامة، فأخبر عيسى عليه السلام أن الله تعالى قد سلمه وآمنه من الآلام والاهوال في هذه الاحوال الثلاث. 7 – ما: المفيد، عن علي بن بلال، عن إسماعيل بن علي بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عيسى بن حميد الطائي، عن أبيه حميد بن قيس، (3) عن علي بن الحسين عليهما السلام قال
(1) في نسخة: وانها الفطرة. (2) تفسير القمي: 409 – 411. (3) في المصدر: عن أبيه حميد بن قيس قال: سمعت أبا الحسن علي بن الحسين بن علي بن الحسين قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا جعفر بن علي بن الحسين يقول: إن امير المؤمنين عليه السلام إه.
[ 211 ]
إن أمير المؤمنين عليه السلام لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء، (1) فقال للناس: إنها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها، فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة، فلما أتى يمنة (2) السواد إذا هو براهب في صومعة له، فقال له الراهب: لا تنزل هذه الارض بجيشك قال: ولم ؟ قال: لانها لا ينزلها إلا نبي أو وصي نبي يقاتل (3) في سبيل الله عزوجل هكذا نجد في كتبنا، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أنا وصي سيد الانبياء، وسيد الاوصياء فقال له الراهب: فأنت إذن أصلع قريش، ووصي محمد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أنا ذلك، فنزل الراهب إليه فقال: خذ علي شرائع الاسلام، إني وجدت في الانجيل نعتك وأنك تنزل أرض براثا (4) بيت مريم وأرض عيسى عليه السلام، (5) فأتى أمير المؤمنين عليه السلام موضعا
(1) قال ياقوت في المعجم: زوراء: دجلة بغداد، وارض بذي خيم، وحكى عن الازهري أن مدينة الزوراء ببغداد في الجانب الشرقي، وعن غيره أنها مدينة ابي جعفر المنصور وهي في الجانب الغربي. ودار بناها النعمان بن منذر بالحيرة. وقال: زوراء: فلج، وفلج مابين الرحيل إلى المجازة وهي أول الدهناء. قلت: الظاهر أن المراد ههنا هو بغداد. (2) في المصدر: فلما أتى موضعا من أرضها قال: ما هذه الارض ؟ قيل: أرض بحرا، فقال: ارض سباخ جنبوا ويمنوا، فلما أتى يمنة السواد وإذا هو براهب في صومعة له، فقال له: يا راهب انزل ههنا، فقال له الراهب: لا تنزل اه. (3) في المصدر: بجيشه يقاتل. (4) قال ياقوت: براثا محلة كانت في طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محول، و كان لها جامع مفرد تصلى فيه الشيعة وقد خرب عن آخره، وكذلك المحلة لم يبق لها أثر، فاما الجامع فأدركت أنا بقايا من حيطانه وقد خربت في عصرنا واستعملت في الابنية، وفي سنة 329 فرغ من جامع براثا واقيمت فيه الخطبة، وكان قبل مسجدا يجتمع فيه قوم من الشيعة يسبون الصحابة فكبسه الراضي بالله وأخذ من وجده فيه وحبسهم وهدمه حتى سوى به الارض، وأنهى الشيعة خبره إلى بجكم الماكاني أمير الامراء ببغداد فأمر باعادة بنائه وتوسيعه واحكامه، وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية يزعمون أن عليا عليه السلام مر بها لما خرج لقتال الحرورية بالنهروان وصلى في موضع من الجامع المذكور، وذكر أنه دخل حماما كان في هذه القرية، وقيل: بل الحمام كان بالعتيقة محلة ببغداد خربت أيضا. (5) في المصدر ههنا زيادة وهي هذه: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قف ولا تخبرنا بشئ. ثم أتى موضعا فقال: الكزوا هذه فألكزه برجله عليه السلام إه. قلت: لكزه: ضربه.
[ 212 ]
فلكزه برجله فانبجست عين خرارة، (1) فقال: هذه عين مريم التي أنبعت لها، (2) ثم قال: اكشفوا ههنا على سبعة عشر ذراعا، فكشف فإذا بصخرة بيضاء، فقال عليه السلام: على هذه وضعت مريم عيسى عليه السلام من عاتقها وصلت ههنا، (3) ثم قال: أرض براثا هذه بيت مريم عليها السلام. (4) 8 – يب: محمد بن أحمد بن داود، عن محمد بن همام، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن سعد بن عمرو الزهري، عن بكر بن سالم، عن أبيه، عن الثمالي، عن علي بن الحسين عليه السلام في قوله تعالى: ” فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ” قال: خرجت من دمشق حتى أتت كربلاء فوضعته في موضع قبر الحسين عليه السلام ثم رجعت من ليلتها. (5) 9 – ع: بالاسناد إلى وهب قال: لما أجاء (6) المخاض مريم عليها السلام إلى جذع النخلة اشتد عليها البرد، فعمد يوسف النجار إلى حطب فجعله حولها كالحظيرة، ثم أشعل (7) فيه النار فأصابتها سخونة الوقود من كل ناحية حتى دفئت، وكسر لها سبع جوزات وجدهن في خرجه فأطعمها، فمن أجل ذلك توقد النصارى النار في ليلة الميلاد، وتلعب بالجوز. (8)
(1) من خر الماء: أسمع صوته فهو خرار. (2) في المصدر: انبعقت لها. قلت: بعق البئر: حفرها. (3) في المصدر ههنا زيادة وهي هذه: فنصب أمير المؤمنين عليه السلام الصخرة وصلى إليها وأقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة، وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دعوة، ثم قال: أرض براثا هذا بيت مريم عليها السلام، هذا الموضع المقدس صلى فيه الانبياء، قال أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام: ولقد وجدنا انه صلى فيه ابراهيم قبل عيسى عليه السلام انتهى. قلت: قوله: على دعوة اي على قرب. (4) امالي الطوسي: 124 – 125. قلت: حديث الراهب والصخرة مما روته الخاصة والعامة، وذكره اهل السير ونظمه الشعراء واورد الحميري في قصيدته البائية المذهبة: ولقد سرى فيما يسير بليلة * بعد العشاء بكربلا في موقف وسيأتي تفصيل القضية في محلة، وتقدم الايعاز إليها في ج 10: 67 – 68. (5) التهذيب 2: 26. (6) في المصدر: لما الجأ. (7) في المصدر: اشتعل. (8) علل الشرائع، 38 والحديث كما ترى من مرويات العامة.
[ 213 ]
10 – ك: القطان، عن السكري، عن الجوهري، عن ابن عمارة، عن أبيه، عن الصادق عليه السلام قال: لما ولد المسيح أخفى الله ولادته وغيب شخصه، لان مريم لما حملته انتبذت به مكانا قصيا، ثم إن زكريا وخالتها أقبلا يقصان أثرها حتى هجما عليها وقد وضعت ما في بطنها وهي تقول: ” ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ” فأطلق الله تعالى ذكره لسانه بعذرها وإظهار حجتها، فلما ظهر اشتدت البلوى والطلب على بني إسرائيل، وأكب الجبابرة والطواغيت عليهم، حتى كان من أمر المسيح عليه السلام ما قد أخبر الله به، واستتر شمعون بن حمون والشيعة حتى أفضى بهم الاستتار إلى جزيرة من جزائر البحر فأقاموا بها ففجر لهم (1) فيها العيون العذبة، وأخرج لهم من كل الثمرات، وجعل لهم فيها الماشية، (2) وبعث إليهم سمكة تدعى القمد لا لحم لها ولا عظم، وإنما هي جلد ودم، فخرجت من البحر فأوحى الله عزوجل إلى النحل أن يركبها فركبها فأتت النحل إلى تلك الجزيرة ونهض النحل وتعلق بالشجر فغرس (3) وبنى وكثر العسل، ولم يكونوا يفقدون شيئا من أخبار المسيح. (4) أقول: تمامه في قصة طالوت. 11 – كا: أحمد بن مهران وعلي بن إبراهيم جميعا، عن محمد بن علي، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي الحسن موسى عليه السلام في حديث طويل قال: أما أم مريم فاسمها مرتا (5) وهي وهيبة بالعربية، وأما اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال وهو اليوم الذي هبط فيه الروح الامين، وليس للمسلمين عيد كان
(1) في المصدر: ففجر الله لهم. (2) في المصدر: وأخرج لهم فيها الماشية. (3) في المصدر: فعرش. أي بنى عريشا. (4) اكمال الدين: 91 و 95. (5) في المصدر: مرثا بالثاء المثلثة، قال المصنف في مرآت العقول: مرثا في بعض النسخ بالمثلثة وفي بعضها بالمثناة. وهيبة بمعنى موهوبة ويحتمل التصغير. وفي خبر عن ابي عبد الله عليه السلام أن اسمها كان حنة كما في القاموس، ويحتمل أن يكون احدهما اسما والاخر لقبا، أو يكون احدهما موافقا للمشهور بين أهل الكتاب.
[ 214 ]
أولى منه، وأما اليوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلثاء لاربع ساعات ونصف من النهار، والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى هو الفرات، فحجبت لسانها (1) ونادى قيدوس ولده وأشياعه فأعانوه وأخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم، فقالوا لها ما قص الله في كتابه. (2) 12 – يب: بإسناده، عن علي بن الحسن، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن البزنطي عن أبان بن عثمان، عن كثير النواء، عن أبي جعفر عليه السلام قال: يوم عاشوراء هو اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم عليه السلام. (3) 13 – يه: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى وابن هاشم، عن الوشاء، عن الرضا عليه السلام قال: ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه السلام وولد فيها عيسى بن مريم عليه السلام، الخبر. (4)
(1) في المصدر: والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى هل تعرفه ؟ قال: لا، قال: هو الفرات وعليه شجر النخل والكرم، وليس يساوى بالفرات شئ للكروم والنخيل، واما اليوم الذي حجبت فيه لسانها ونادى قيدوس ولده وأشياعه فأعانوه واخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم فقالوا لها ما قص الله عليك في كتابه وعلينا في كتابه فهل فهمته ؟ قال: نعم إه قلت: المخاطب هو نصراني ورد عليه فارشده إلى الاسلام. قال المصنف في مرآت العقول: وكون ولادة عيسى عليه السلام بالكوفة على شاطئ الفرات مما وردت فيه اخبار كثيرة، وربما يستبعد ذلك بانه تواتر عند اهل الكتاب بل عندنا أيضا أن مريم كانت في بيت المقدس، وكانت محررا لخدمته، وخرجت إلى بيت خالتها أو اختها زوجة زكريا فكيف انتقلت إلى الكوفة والى الفرات مع هذه المسافة البعيدة في هذه المدة القليلة ؟ والجواب أن تلك الامور إنما تستبعد بالنسبة إلينا، وأما بالنسبة إليها وأمثالها فلا استبعاد فيمكن أن يكون الله تعالى سيرها في ساعة واحدة آلاف فراسخ بطي الارض، ويؤيده قوله تعالى ” فانتبذت به مكانا قصيا ” أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد، هذا على فرض كون مدة حملها ساعات قليلة، وإلا على فرض كونها تسعة أشهر أو ثمانية أشهر فيمكن أن يكون ذهابها إلى الكوفة بغير طي الارض أيضا، والمشهور بينهم أن ولادته كانت في بيت لخم بقرب بيت المقدس. قلت: بيت لخم بالمهملة والمعجمة كلاهما صحيح وان كان الاول أشهر. (2) اصول الكافي 1: 479 – 480. (3) التهذيب 1: 437. (4) من لا يحضره الفقيه: 172. الموجود في المطبوع وروى عن الحسن بن علي الوشاء، و لم يذكر بقية الاسناد.
[ 215 ]
بيان: لعل الخبر الاول الدال على كون ولادته في يوم عاشوراء محمول على التقية كما يشهد به بعض الاخبار، (1) وكذا الاخبار المختلفة الواردة في زمان الحمل وموضع الولادة لعل بعضها محمولة على التقية لاشتهارها بين المخالفين. والله يعلم. 14 – ص: قال الباقر عليه السلام: إن مريم بشرت بعيسى، فبينا هي في المحراب إذ تمثل لها الروح الامين بشرا سويا ” قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا ” فتفل في جيبها فحملت بعيسى فلم يلبث أن ولدت. وقال: لم يكن على وجه الارض شجرة إلا ينتفع بها ولها ثمرة ولا شوك لها حتى قالت فجرة بني آدم كلمة السوء، فاقشعرت الارض، وشاكت الشجر، وأتى إبليس تلك الليلة فقيل له: قد ولد الليلة ولد لم يبق على وجه الارض صنم إلا خر لوجهه وأتى المشرق والمغرب يطلبه فوجده في بيت دير (2) قد حفت به الملائكة، فذهب يدنو فصاحت الملائكة: تنح، فقال لهم: من أبوه ؟ فقالت: فمثله كمثل آدم، فقال إبليس: لاضلن به أربعة أخماس الناس. (3) 15 – ص: الصدوق، عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن زياد بن سوقه، عن الحكم بن عيينة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لما قالت العواتق الفرية – وهن سبعون – لمريم: ” لقد جئت شيئا فريا ” أنطق الله عيسى عليه السلام عند ذلك، فقال لهن: ويلكن تفترين على أمي ؟ أنا عبد الله، آتاني الكتاب وأقسم بالله لاضربن كل امرأة منكن حدا بافترائكن على أمي، قال الحكم: فقلت للباقر عليه السلام: أفضربهن عيسى عليه السلام بعد ذلك ؟ قال: نعم ولله الحمد والمنة. (4) 16 – ع: بإسناده عن وهب اليماني قال: إن يهوديا سأل النبي فقال: يا محمد أكنت في أم الكتاب نبيا قبل أن تخلق ؟ قال: نعم، قال: وهؤلاء أصحابك المؤمنون مثبتون معك قبل أن يخلقوا ؟ قال: نعم، قال: فما شأنك لم تتكلم بالحكمة حين خرجت
(1) مع أنه ضعيف بكثير النواء. (2) هكذا في النسخ. (3 و 4) قصص الانبياء مخطوط.
[ 216 ]
من بطن أمك كما تكلم عيسى بن مريم على زعمك وقد كنت قبل ذلك نبيا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله إنه ليس أمري كأمر عيسى بن مريم عليه السلام إن عيسى بن مريم خلقه الله عزوجل من أم ليس له أب كما خلق آدم من غير أب ولا أم، ولو أن عيسى عليه السلام حين خرج من بطن أمه لم ينطق بالحكمة لم يكن لامه عذر عند الناس، وقد أتت به من غير أب، وكانوا يأخذونها كما يأخذون به من المحصنات، فجعل الله عزوجل منطقه عذرا لامه. (1) 17 – ص: الصدوق، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن يحيى بن عبد الله قال: كنا بالحيرة فركبت مع أبي عبد الله عليه السلام فلما صرنا حيال قرية فوق الماصر قال: هي هي، حين قرب من الشط و صار على شفير الفرات، ثم نزل فصلى ركعتين، ثم قال: أتدري أين ولد عيسى عليه السلام ؟ قلت: لا، قال: في هذا الموضع الذي أنا فيه جالس، ثم قال: أتدري أين كانت النخلة ؟ قلت: لا، فمد يده خلفه فقال: في هذا المكان، ثم قال: أتدري ما القرار وما الماء المعين ؟ قلت: لا، قال: هذا هو الفرات، ثم قال: أتدري ما الربوة ؟ قلت: لا، فأشار بيده عن يمينه فقال: هذا هو الجبل إلى النجف، (2) وقال: إن مريم ظهر حملها وكانت في واد فيه خمسمائة بكر تيعبدن، وقال: حملته تسع ساعات، فلما ضربها الطلق خرجت من المحراب إلى بيت دير لهم فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة فوضعته فحملته فذهبت به إلى قومها، فلما رأوها فزعوا فاختلف فيه بنو إسرائيل فقال بعضهم: هو ابن الله، وقال بعضهم: هو عبد الله و نبيه، وقالت اليهود: بل هو ابن الهنة، ويقال للنخلة التي أنزلت على مريم: العجوة. بيان: المآصر بالمد جمع الماصر كمجلس أي المحبس، ولعل المراد محابس الماء، والماصر بغير مد: الحاجز بين الشيئين. والحد بين الارضين. وابن الهنة كناية عن ولد الزنا، بأن يكون المراد بالهنة الشر والقبيح كما تطلق عليه كثيرا، وقد يكنى به عن كل جنس، فالمعنى ابن رجل. 18 – ص: بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة، عن أحمد بن خالد
(1) علل الشرائع: 38. (2) في نسخة: أي النجف.
[ 217 ]
الكرخي، عن الحسن بن إبراهيم، عن سليمان الجعفري، (1) عن أبي الحسن عليه السلام قال: أتدري بما حملت مريم ؟ (2) قلت: لا، قال: من تمر صرفان (3) أتاها به جبرئيل عليه السلام. (4) سن: أبي وبكر بن صالح، عن سليمان الجعفري عنه عليه السلام مثله، وفي آخره: نزل بها جبرئيل فأطعمها فحملت. (5) 19 – ير: علي بن الحسين، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن الحكم، عن سليمان بن نهيك، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: ” وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ” قال: الربوة: نجف الكوفة، والمعين: الفرات. 20 – كا: أحمد بن مهران وعلي بن إبراهيم جميعا، عن محمد بن علي، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي الحسن موسى عليه السلام في مسائله التي سأل النصراني عنها فقال له أبو إبراهيم عليه السلام: والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى هل تعرفه ؟ قال: لا، قال: هو الفرات. الخبر. (6) 21 – سن: أبي، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ستة كرهها الله تعالى لي فكرهتها للائمة من ذريتي، وعد منها الرفث في الصوم، قال: (7) وما الرفث في الصيام ؟ قال: ما كره الله لمريم في قوله: ” إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ” قال: قلت: صمتت من أي شئ ؟ قال: من الكذب. (8) 22 – نجم: ذكر أبو جعفر بن بابويه في كتاب النبوة في باب سياقه حديث عيسى بن
(1) في نسخة: الجعفي وهو مصحف، والرجل هو سليمان بن جعفر الجعفري. (2) في المحاسن: أتدري مما حملت مريم. (3) صرفان محركة: تمر رزين صلب المضاغ، أو هو الصيحاني. (4) قصص الانبياء مخطوط. (5) محاسن البرقي: 537. (6) اصول الكافي 1: 480، والحديث مكرر، راجع الحديث 11 وذيله. (7) في المصدر: قال: قلت. (8) محاسن البرقي: 10.
[ 218 ]
مريم عليه السلام فقال ماهذا لفظه: وقدم عليها وفد من عظماء المجوس (1) زائرين معظمين لامر ابنها، وقالوا: إنا قوم ننظر في النجوم، فلما ولد ابنك طلع بمولوده نجم من نجوم الملك، فنظرنا فيه فإذا ملكه ملك نبوة لا يزول عنه ولا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء فيجاور ربه عزوجل ما كانت الدنيا مكانها، ثم يصير إلى ملك هو أطول وأبقى مما كان فيه، فخرجنا من قبل المشرق حتى رفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعا عليه من فوقه، فبذلك عرفنا موضعه، وقد أهدينا له هدية جعلناها له قربانا لم يقرب مثله لاحد قط، وذلك أنا وجدنا هذا القربان يشبه أمره، وهو الذهب والمر واللبان (2) لان الذهب سيد المتاع كله، وكذلك ابنك هو سيد الناس ما كان حيا، ولان المر جبار الجراحات وكذلك ابنك يبرئ الله به الجراحات والامراض والجنون والعاهات كلها، ولان اللبان يبلغ دخانه السماء ولن يبلغها دخان شئ غيره (3) وكذلك ابنك يرفعه الله عزوجل إلى السماء وليس يرفع من أهل زمانه غيره. (4) 23 – ع: الدقاق، عن الاسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: لم خلق الله عيسى من غير أب وخلق سائر الناس من الآباء والامهات ؟ فقال: ليعلم الناس تمام قدرته وكمالها، ويعلموا أنه قادر على أن يخلق خلقا من أنثى من غير ذكر، كما هو قادر على أن يخلقه من غير ذكر ولا أنثى، وإنه عزوجل فعل ذلك ليعلم أنه على كل شئ قدير. (5) 24 – كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن الاحول قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الروح التي في آدم قوله: ” فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ” قال: هذه روح مخلوقة، والروح التي في عيسى مخلوقة. (6)
(1) في المصدر: من علماء المجوس. (2) المر: صمغ وقيل: دواء كالصبر. واللبان بالضم: الكندر (3) في المصدر: دخان غيره. (4) فرج المهموم: 28. (5) علل الشرائع: 17. (6) اصول الكافي 1: 133.
[ 219 ]
25 – كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة ابن ميمون، عن حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله: ” وروح منه ” قال: هي روح الله مخلوقة خلقها في آدم وعيسى عليهما السلام. (1) أقول: قد مضت الاخبار في تفسير الروح في كتاب التوحيد، (2) وستأتي في كتاب الامامة إن شاء الله تعالى. 26 – لى: أبي، عن ابن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن علقمة، (3) عن الصادق عليه السلام أنه قال في حديث طويل: ألم ينسبوا مريم بنت عمران إلى أنها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف ؟ ! الخبر. (4) 27 – وبإسناده عن علي عليه السلام قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا علي إن فيك شبها من عيسى بن مريم عليه السلام: أحبته النصارى حتى أنزلوه بمنزلة ليس بها، و أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه. (5) 28 – كا: حميد بن زياد، عن أبي العباس عبيد الله بن أحمد الدهقان، عن علي بن الحسن الطاطري، عن محمد بن زياد بياع السابري، عن أبان، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن مريم حملت بعيسى عليه السلام تسع ساعات، كل ساعة شهرا. (6) 29 – كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن
(1) اصول الكافي 1: 133. (2) راجع ج 4: 11 – 15. (3) في المصدر: صالح، عن علقمة. (4) امالي الصدوق: 63 و 64. (5) نسبوه الى الربوبية والالوهية وعبدوه ! واخرى نسبوه الى العصيان وعادوه وسبوه، قال الصادق عليه السلام في الرواية المتقدمة: يا علقمه ما اعجب اقاويل الناس في علي عليه السلام ! كم بين من يقول انه رب معبود، وبين من يقول انه عبد عاص للمعبود ! ولقد كان قول من ينسبه الى العصيان أهون عليه من قول من ينسبه إلى الربوبية. (6) روضة الكافي: 332. قوله: (شهرا) أي كل ساعة له كان بمنزلة شهر من غيره.
[ 220 ]
الصيام ليس من الطعام والشراب وحده، ثم قال: قالت مريم: ” إني نذرت للرحمن صوما ” أي صمتا. (1) 30 – كا: علي بن محمد، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الوشاء، عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير، عنه عليه السلام مثله. (2) 31 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: كانت نخلة مريم عليها السلام العجوة، ونزلت في كانون. (3) 32 – فض، ضه: عن مجاهد، عن أبي عمرو وأبي سعيد الخدري في حديث طويل في ولادة علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال: هذا عيسى بن مريم عليه السلام قال الله عزوجل فيه: ” فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ” إلى قوله. ” إنسيا ” فكلم أمه وقت مولده وقال حين أشارت إليه فقالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا: ” إني عبد الله آتاني الكتاب ” إلى آخر الآية، فتكلم عليه السلام في وقت ولادته فأعطي الكتاب والنبوة، وأوصى بالصلاة والزكاة في ثلاثة أيام من مولده، وكلمهم في اليوم الثاني من مولده. (4) * تذنيب: قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: (5) ” إذ قالت الملائكة “: قال ابن عباس: يريد جبرئيل ” يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه ” ففيه قولان: أحدهما أنه المسيح سماه كلمة، عن ابن عباس وقتادة وجماعة من المفسرين، وإنما سمي بذلك لانه كان بكلمة من الله من غير والد وهو قوله: ” كن فيكون ” يدل عليه قوله تعالى:
(1) فروع الكافي 1: 187، فيه: أي صوما صمتا. (2) فروع الكافي 1: 187. (3) فروع الكافي 2: 177. (4) روضة الواعظين: 72 و 73 الروضة 134 و 135، راجع الاخير. * – روى الثعلبي عن مجاهد قال: قالت مريم عليها السلام: كنت إذا خلوت انا وعيسى حدثني وحدثته، فإذا شغلني عنه انسان سبح في بطني وانا اسمع. منه رحمه الله. (5) هكذا في النسخ، والترتيب يقتضى أن يذكر ذلك الى قوله: (واذكر في الكتاب مريم) في الباب السابق لان الايات المفسرة مذكورة هناك.
[ 221 ]
” إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ” وقيل: سمي بذلك لان الله تعالى بشر به في الكتب السالفة، كما يقول الذي يخبر بالامر إذا خرج موافقا لامره: قد جاء كلامي، ومما جاء من البشارة به في التوراة ” أتانا الله من سيناء، و أشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران ” وساعير هو الموضع الذي بعث منه المسيح عليه السلام وقيل: لان الله يهدي به كما يهدي بكلمته. والقول الثاني: أن الكلمة بمعنى البشارة، كأنه قال: ببشارة منه ولد اسمه المسيح، والاول أقوى، ويؤيده قوله: ” إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ” وإنما ذكر الضمير في اسمه وهو عائد إلى الكلمة لانه واقع على مذكر فذهب إلى المعنى. واختلف في أنه لم سمي بالمسيح فقيل: لانه مسح باليمن والبركة، عن الحسن وقتادة وسعيد، وقيل: لانه مسح بالتطهير من الذنوب، وقيل: لانه مسح بدهن زيت بورك فيه، وكانت الانبياء تتمسح به، عن الجبائي، وقيل: لانه مسحه جبرئيل بجناحه وقت ولادته ليكون عوذة من الشيطان، وقيل: لانه كان يمسح رأس اليتامى لله، وقيل: لانه يمسح (1) عين الاعمى فيبصر، عن الكلبي، وقيل: لانه كان لا يمسح ذا عاهة بيده إلا أبرأه، عن ابن عباس في رواية عطاء والضحاك، وقال أبو عبيدة: وهو بالسريانية مشيحا، فعربته العرب ” عيسى ابن مريم ” نسبه إلى أمه ردا على النصارى قولهم (2): إنه ابن الله ” وجيها ” ذا جاه وقدر وشرف ” في الدنيا والآخرة ومن المقربين ” إلى ثواب الله وكرامته ” ويكلم الناس في المهد ” أي صغيرا، والمهد الموضع الذي يمهد لنوم الصبي، ويعني بكلامه في المهد: ” إني عبد الله آتاني الكتاب ” الآية، ووجه كلامه في المهد أنه تنزيه لامه (3) مما قذفت به وجلالة له بالمعجزة التي ظهرت فيه ” وكهلا ” أي يكلمهم كهلا بالوحي الذي يأتيه من الله،
(1) في المصدر: لانه كان يمسح. (2) في المصدر: في قولهم. (3) في المصدر: تبرأة لامه.
[ 222 ]
أعلمنا الله (1) سبحانه أنه يبقى إلى حال الكهولة، وفي ذلك إعجاز لكون المخبر في وفق الخبر، (2) وقيل: المراد به الرد على النصارى بما كان فيه من التقلب في الاحوال لان ذلك مناف لصفة الاله ” ومن الصالحين ” أي ومن النبيين مثل إبراهيم وموسى عليهما السلام، وقيل: إن المراد بالآية: ويكلمهم في المهد دعاء إلى الله، وكهلا بعد نزوله من السماء ليقتل الدجال وذلك لانه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وذلك قبل الكهولة، عن زيد بن أسلم. وفي ظهور المعجزة في المهد قولان: أحدهما: أنها كانت مقرونة بنبوة المسيح عليه السلام لانه سبحانه أكمل عقله في تلك الحال وجعله نبيا، وأوحى إليه بما تكلم به، عن الجبائي، وقيل: كان ذلك على التأسيس والارهاص لنبوته، (3) عن ابن الاخشيد، ويجوز عندنا الوجهان، ويجوز أن يكون معجزة لمريم تدل على طهارتها وبراءة ساحتها إذ لا مانع لذلك، وقد دلت الادلة الواضحة على جوازه، وإنما جحدت النصارى كلام المسيح في المهد مع كونه آية ومعجزة لان في ذلك إبطال مذهبهم (4) لانه قال: ” إني عبد الله ” وهو ينافي قولهم: إنه ابن الله، فاستمروا على تكذيب من أخبر بذلك (5) ” قالت مريم أنى يكون لي ” أي كيف يكون لي ” ولد ولم يمسسني بشر ” لم تقل ذلك استبعادا واستنكارا، بل إنما قالت استفهاما واستعظاما لقدرة الله تعالى، لان في طبع البشر التعجب مما خرج عن المعتاد، وقيل: إنما قالت ذلك لتعلم أن الله سبحانه يرزقها الولد وهي على حالتها لم يمسسها بشر، أو يقدر لها زوجا ثم يرزقها الولد على مجرى العادة ” قال كذلك الله يخلق ما يشاء ” أي يخلق ما يشاء مثل ذلك، فهي حكاية ما قال لها الملك، أي يرزقك الولد وأنت على هذه الحالة لم يمسك بشر ” إذا قضى أمرا ” أي خلق أمرا، وقيل: إذا قدر أمرا ” فإنما يقول له كن فيكون ” وقيل في معناه قولان: أحدهما أنه إخبار بسرعة حصول مراد الله تعالى في كل شئ أراد حصوله من غير مهلة ولا معاناة
(1) في المصدر: أعلمها الله. (2) في المصدر: لكون المخبر على وفق الخبر. (3) أرهصه: أسسه وأثبته. (4) في المصدر: لان في ذلك ابطالا لمذهبهم. (5) في المصدر: فاستمروا على تكذيب من أخبر انه شاهده كذلك.
[ 223 ]
ولا تكلف سبب ولا أداة، وإنما كنى بهذه اللفظة لانه لايدخل في وهم العباد شئ أسرع من كن فيكون، والآخر أن هذه الكلمة جعلها الله علامة للملائكة فيما يريد إحداثه وإيجاده لما فيه من المصلحة والاعتبار، وإنما استعمل لفظة الامر فيما ليس بأمر هنا ليدل ذلك على أن فعله بمنزلة فعل المأمور في أنه لا كلفة فيه على الآمر. (1) وقال رحمه الله في قوله ” واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ” أي انفردت من أهلها إلى مكان في جهة المشرق وقعدت ناحية منهم، قال ابن عباس: ” إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة لانها انتبذت مكانا شرقيا، وقيل: اتخذت مكانا تنفرد فيه للعبادة لئلا تشتغل بكلام الناس، عن الجبائي، وقيل: تباعدت عن قومها حتى لا يروها، عن الاصم وأبي مسلم، وقيل: إنها تمنت أن تجد خلوة فتفلي رأسها، (2) فخرجت في يوم شديد البرد فجلست في مشرقة للشمس، عن عطاء ” فاتخذت من دونهم حجابا ” أي فضربت من دون أهلها لئلا يروها سترا وحاجزا بينها وبينهم ” فأرسلنا إليها روحنا ” يعني جبرئيل عليه السلام عن ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم، وسماه الله روحا لانه روحاني، وأضافه إلى نفسه تشريفا له ” فتمثل لها بشرا سويا ” معناه: فأتاها جبرئيل فانتصب بين يديها في صورة آدمي صحيح لم ينقص منه شئ، وقال أبو مسلم: إن الروح الذي خلق منه المسيح عليه السلام تصور لها إنسانا، والاول هو الوجه لاجماع المفسرين عليه، وقال عكرمة: كانت مريم إذا حاضت خرجت من المسجد، وكانت عند خالتها امرأة زكريا أيام حيضها، فإذا طهرت عادت إلى بيتها في المسجد، فبينما هي في مشرقة لها في ناحية الدار وقد ضربت بينها وبين أهلها سترا لتغتسل وتمتشط إذ دخل عليها جبرئيل في صورة رجل شاب أمرد سوي الخلق، فأنكرته فاستعاذت بالله منه ” قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ” معناه إني أعتصم بالرحمن من شرك فاخرج من عندي إن كنت تقيا. سؤال: كيف شرطت في التعوذ منه أن يكون تقيا والتقي لا يحتاج أن يتعوذ منه، وإنما يتعوذ من غير التقي ؟.
(1) مجمع البيان 2: 442 و 443. (2) فلى رأسه أو ثوبه: نقاهما من القمل. وفي نسخة: فتغسل رأسها.
[ 224 ]
والجواب أن التقي إذا تعوذ بالرحمن منه ارتدع عما يسخط الله، ففي ذلك تخويف وترهيب له، وهذا كما تقول: إن كنت مؤمنا فلا تظلمني، فالمعنى: إن كنت تقيا فاتعظ واخرج. وروي عن علي عليه السلام أنه قال: ” علمت أن التقى (1) ينهاه عن المعصية ” وقيل: إن معنى قوله (2): ” إن كنت تقيا ” ما كنت تقيا حيث استحللت النظر إلي وخلوت بي، فلما سمع جبرئيل منه هذا القول قال لها: ” إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا ” أي ولدا طاهرا من الادناس، وقيل: ناميا في أفعال الخير، وقيل: يريد نبيا، عن ابن عباس ” قالت ” مريم ” أنى يكون لي غلام ” أي كيف يكون لي ولد ” ولم يمسسني بشر ” على وجه الزوجية ” ولم أك بغيا ” أي ولم أكن زانية، وإنما قالت ذلك لان الولد في العادة يكون من إحدى هاتين الجهتين، والمعنى أني لست بذات زوج وغير ذات الزوج لا تلد إلا عن فجور ولست فاجرة، وإنما يقال للفاجرة بغي بمعنى أنها تبغي الزنا، أي تطلبه. وفي هذه الآية دلالة على جواز إظهار الكرامات (3) على غير الانبياء عليهم السلام لان من المعلوم أن مريم ليست بنبية، وأن رؤية الملك على صورة البشر وبشارة الملك إياها وولادتها من غير وطئ إلى غيرها من الآيات التي أبانها الله بها من أكبر المعجزات، ومن لم يجوز إظهار المعجزات على غير النبي اختلفت أقوالهم في ذلك: فقال الجبائي وابنه: إنها معجزات لزكريا، وقال البلخي: إنها معجزات لعيسى على سبيل الارهاص و التأسيس لنبوته ” قال كذلك ” أي قال لها جبرئيل حين سمع تعجبها من هذه البشارة: الامر كذلك، أي كما وصفت لك ” قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ” معناه ولنجعله علامة ظاهرة وآية باهرة للناس على نبوته ودلالة على براءة أمه ” ورحمة منا ” أي ولنجعله نعمة منا على الخلق يهتدون بسنته (4) ” وكان أمرا مقضيا ” أي وكان خلق
(1) في المصدر: علمت أن التقي ينهاه التقى عن المعصية. (2) في نسخة: معنى قولها. (3) في المصدر: إظهار المعجزات. (4) في المصدر: يهتدون بسببه.
[ 225 ]
عيسى عليه السلام من غير ذكر أمرا كائنا مفروغا منه محتوما، قضى الله سبحانه بأنه يكون و حكم به ” فحملته ” أي فحملت مريم بعيسى وحبلت في الحال، قيل: إن جبرئيل أخذ ردن قميصها (1) بإصبعه فنفخ فيه فحملت مريم من ساعتها ووجدت حس الحمل، عن ابن عباس، وقيل: نفخ في كمها فحملت، عن ابن جريح. وروي عن الباقر عليه السلام أنه تناول جيب مدرعتها فنفخ نفخة فكمل الولد في الرحم من ساعته، كما يكمل الولد في أرحام النساء تسعة أشهر، فخرجت من المستحم (2) وهي حامل مثقل فنظرت إليها خالتها فأنكرتها، ومضت مريم على وجهها مستحيية من خالتها ومن زكريا ” فانتبذت به مكانا قصيا ” أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد، وقيل: معناه انفردت به مكانا بعيدا من قومها حياء من أهلها وخوفا من أن يتهموها بسوء. واختلفوا في مدة حملها فقيل: ساعة واحدة، قال ابن عباس: لم يكن بين الانتباذ والحمل إلا ساعة واحدة، لانه تعالى لم يذكر بينهما فصلا لانه قال: فحملته، فانتبذت به، فأجاءها، والفاء للتعقيب، وقيل: حملت به في ساعة، وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زاغت الشمس من يومها وهي بنت عشر سنين، عن مقاتل، وقيل: كانت مدة حملها تسع ساعات، وهذا مروي عن أبي عبد الله، وقيل. ستة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر، وكان ذلك آية وذلك أنه لم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيره ” فأجاءها المخاض ” أي أجاءها الطلق (3) أي وجع الولادة ” إلى جذع النخلة ” فالتجأت إليها لتستند إليها، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي قال ابن عباس: نظرت مريم إلى أكمة (4) فصعدت مسرعة فإذا عليها جذع النخلة ليس عليها سعف، والجذع ساق النخلة، والالف واللام دخلت للعهد لا للجنس، أي النخلة المعروفة، فلما ولدت ” قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ” أي شيئا حقيرا متروكا، عن ابن عباس، وقيل: شيئا لا يذكر ولا يعرف، عن قتادة وقيل: حيضة ملقاة، عن عكرمة والضحاك ومجاهد، قال ابن عباس: فسمع جبرئيل كلامها
(1) الردن: أصل الكم. طرفه الواسع. (2) المستحم: موضع الاستحمام. (3) في المصدر: ألجأها المخاض. (4) الاكمة: التل. وفي المصدر: فصعدت مسرعة إليها.
[ 226 ]
وعرف جزعها ” فناداها من تحتها ” وكان أسفل منها تحت الاكمة: ” أن لا تحزني ” وهو قول السدي وقتادة والضحاك أن المنادي جبرئيل ناداها من سفح الجبل، وقيل: ناداها عيسى، عن مجاهد والحسن ووهب وسعيد بن جبير وابن زيد وابن جرير والجبائي. و إنما تمنت الموت كراهية لان يعصى الله فيها، وقيل: استحياء من الناس أن يظنوا بها سوءا، عن السدي، وروي عن الصادق عليه السلام: لانها لم تر في قومها رشيدا ذا فراسة ينزهها عن السوء ” قد جعل ربك تحتك سريا ” أي ناداها جبرئيل أو عيسى ليزول ما عندها من الغم والجزع: لا تغتمي قد جعل ربك تحت قدميك نهرا تشربين منه وتطهرين من النفاس، عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، قالوا: وكان نهرا قد انقطع الماء عنه، فأرسل الله الماء فيه لمريم وأحيا ذلك الجذع حتى أثمر وأورق، وقيل: ضرب جبرئيل برجله فظهر ماء عذب، وقيل: بل ضرب عيسى برجله فظهر عين ماء تجري وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام، وقيل: السري: عيسى عليه السلام، عن الحسن وابن زيد والجبائي، و السري هو الرفيع الشريف، قال الحسن: كان والله عبدا سريا ” وهزي إليك بجذع النخلة ” معناه: اجذبي إليك، والباء مزيدة، وقال الفراء: تقول العرب: هزه وهز به ” تساقط عليك رطبا جنيا ” الجني بمعنى المجتنى، من جنيت الثمرة واجتنيتها: إذا قطعتها، وقال الباقر عليه السلام: لم تستشف النفساء بمثل الرطب، إن الله تعالى أطعمه مريم في نفاسها، قال: (1) إن الجذع كان يابسا لا ثمر عليه إذ لو كان عليه ثمر لهزته من غير أن تؤمر به، وكان في الشتاء فصار معجزة لخروج الرطب في غير أوانه ولخروجه دفعة واحدة، فإن العادة أن يكون نورا أولا، ثم يصير بلحا، ثم بسرا. (2) وروي أنه لم يكن للجذع رأس وضربته برجلها فأورق (3) وأثمر وانتثر عليها الرطب جنيا، والشجرة التي لا رأس لها لا تثمر في العادة.
(1) في المصدر: قالوا. (2) النور بالفتح: الزهر، وبالفارسية: شكوفه البلح بالفتح: ثمر النخل مادام أخضر و لم ينضج وهو كالحصرم من العنب. فإذا اخذ الى الطول والتلون الى الحمرة والصفرة فهو بسر قال الثعالبي في ترتيب حمل النخل: أطلعت، ثم أبلحت، ثم ابسرت، ثم أزهت، ثم أمعت، ثم أرطبت، ثم أتمرت. (3) في المصدر: فأورقت. وكذا فيما بعده.
[ 227 ]
وقيل: إن تلك النخلة كانت برنية، (1) وقيل: كانت عجوة (2) وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام ” فكلي واشربي ” أي كلي يا مريم من هذا الرطب، واشربي من هذا الماء ” وقري عينا ” جاء في التفسير: وطيبي نفسا، وقيل: معناه: لتبرد عينك سرورا بهذا الولد الذي ترين، لان دمعة السرور باردة، ودمعة الحزن حارة، وقيل: معناه: لتسكن عينك سكون سرور برؤيتك ما تحبين ” فإما ترين من البشر أحدا ” فسألك عن ولدك ” فقولي إني نذرت للرحمن صوما ” أي صمتا، عن ابن عباس، والمعنى: أوجبت على نفسي لله أن لا أتكلم، وقيل صوما، أي إمساكا عن الطعام والشراب والكلام، عن قتادة، وإنما أمرت بالصمت ليكفيها الكلام ولدها بما يبرئ ساحتها (3) عن ابن مسعود وابن زيد ووهب، وقيل: كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم الصائم حتى يمسي، يدل على هذا قوله: ” فلن أكلم اليوم إنسيا ” أي إني صائمة فلا أكلم اليوم أحدا، وكان قد أذن لها أن تتكلم بهذا القدر ثم تسكت ولا تتكلم بشئ آخر، عن السدي، وقيل: كان الله تعالى أمرها أن تنذر لله الصمت، وإذا كلمها أحد تؤمي بأنها نذرت صمتا، لانه لا يجوز أن يأمرها بأن تخبر بأنها نذرت ولم تنذر لان ذلك كذب عن الجبائي ” فأتت به قومها تحمله ” أي فأتت مريم بعيسى حاملة له، وذلك أنها لفته في خرقة وحملته إلى قومها ” قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ” أي أمرا عظيما بديعا، إذ لم تلد أنثى قبلك من غير رجل، عن قتادة ومجاهد والسدي، وقيل: أمرا قبيحا منكرا من الافتراء وهو الكذب، عن الجبائي. ” يا اخت هارون ” قيل فيه أقوال: أحدها أن هارون كان رجلا صالحا في بني إسرائيل ينسب إليه كل من عرف بالصلاح، عن ابن عباس وقتادة وكعب وابن زيد، والمغيرة بن شعبة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وقيل: إنه لما مات شيع جنازته أربعون ألفا كلهم يسمى هارون، فقولهم: ” يا أخت هارون ” معناه: يا شبيهة هارون في الصلاح ماكان هذا معروفا منك.
(1) قال الفيروزآبادي: البرني: تمر، معرب أصله برنيك أي الحمل الجيد. وقال غيره: نوع من أجود التمر. (2) العجوة: التمر المحشى. وتمر بالمدينة. وهي ضرب من أجود التمر. (3) في المصدر: بما يبرئ به ساحتها.
[ 228 ]
وثانيها. أن هارون كان أخاها لابيها ليس من أمها، وكان معروفا بحسن الطريقة عن الكلبي. وثالثها: أنه هارون أخو موسى عليه السلام فنسبت إليه لانها من ولده كما يقال: يا أخا تميم، عن السدي. ورابعها: أنه كان رجلا فاسقا مشهورا بالعهر والفساد فنسبت إليه، وقيل لها: يا شبيهته في قبح فعله، عن سعيد بن جبير. ” ماكان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ” أي كان أبواك صالحين، فمن أين جئت بهذا الولد ؟ ” فأشارت إليه ” أي فأومأت إلى عيسى بأن كلموه واستشهدوه على براءة ساحتي، فتعجبوا من ذلك ثم قالوا: ” كيف نكلم من كان في المهد صبيا ” معناه كيف نكلم صبيا في المهد ؟ وقيل: صبيا في الحجر رضيعا ؟ وكان المهد حجر أمه الذي تربيه فيه إذ لم تكن هيأت له مهدا، عن قتادة، وقيل: إنهم غضبوا عند إشارتها إليه، و قالوا: لسخريتها بنا أشد علينا من زناها، فلما تكلم عيسى عليه السلام قالوا: إن هذا الامر عظيم، عن السدي. ” قال ” عيسى بن مريم: ” إني عبد الله ” قدم إقراره بالعبودية ليبطل به قول من يدعي له الربوبية، وكان الله سبحانه أنطقه بذلك لعلمه بما يقوله الغالون فيه، ثم قال ” آتاني الكتاب وجعلني نبيا ” أي حكم لي بإيتاء الكتاب والنبوة، وقيل: إن الله سبحانه أكمل عقله في صغره وأرسله إلى عباده وكان نبيا مبعوثا إلى الناس في ذلك الوقت مكلفا عاقلا، ولذلك كانت له تلك المعجزة، عن الحسن والجبائي، وقيل: إنه كلمهم وهو ابن أربعين يوما، عن وهب، وقيل: يوم ولد، عن ابن عباس وأكثر المفسرين وهو الظاهر وقيل: إن معناه إني عبد الله سيؤتيني الكتاب وسيجعلني نبيا، وكان ذلك معجزة لمريم عليها السلام على براءة ساحتها ” وجعلني مباركا أينما كنت ” أي وجعلني معلما للخير عن مجاهد، وقيل: نفاعا حيثما توجهت، (1) والبركة: نماء الخير، والمبارك: الذي ينمي الخير به، وقيل: ثابتا دائما على الايمان والطاعة، وأصل البركة الثبوت، عن
(1) وهو المروي عن ابي عبد الله عليه السلام كما تقدم.
[ 229 ]
الجبائي ” وأوصاني بالصلوة والزكوة ” أي بإقامتهما ” مادمت حيا ” أي ما بقيت حيا مكلفا ” وبرا بوالدتي ” أي جعلني بارابها أؤدي شكرها ” ولم يجعلني جبارا ” أي متجبرا ” شقيا ” والمعنى أني بتوفيقه كنت محسنا إليها حتى لم أكن من الجبابرة الاشقياء ” والسلام علي ” أي والسلامة علي من الله ” يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ” أي في هذه الاحوال الثلاث، قيل: ولما كلمهم عيسى عليه السلام بذلك علموا براءة مريم، ثم سكت عيسى فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان. (1) انتهى ملخص تفسيره رحمه الله. وقال البيضاوي: ” ذلك عيسى بن مريم ” أي الذي تقدم نعته هو عيسى بن مريم، لا ما تصفه النصارى ” قول الحق ” خبر محذوف، أي هو قول الحق الذي لاريب فيه، و الاضافة للبيان، والضمير للكلام السابق أو لتمام القصة، وقيل: صفة عيسى أو بدله أو خبر ثان، ومعناه كلمة الله، وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب (قول) بالنصب على أنه مصدر مؤكد ” الذي فيه يمترون ” أي في أمره يشكون، أو يتنازعون، فقالت اليهود: ساحر، وقالت النصارى: ابن الله ” إذا قضى أمرا ” تبكيت لهم بأن من إذا أراد شيئا أوجده بكن كان منزها عن شبه الخلق في الحاجة في اتخاذ الولد بإحبال الاناث ” والتي أحصنت فرجها ” من الحلال والحرام يعني مريم ” فنفخنا فيها ” في عيسى فيها، أي أحييناه في جوفها، وقيل: فعلنا النفخ فيها ” من روحنا ” من الروح الذي هو بأمرنا وحده، أو من جهة روحنا جبرئيل ” وجعلناها وابنها ” أي قصتهما أو حالهما ” آية للعالمين ” فإن من تأمل حالهما تحقق كمال قدرة الصانع تعالى.
(1) مجمع البيان 6: 507 و 508 و 511 و 513.
[ 230 ]
(باب 18) * (فضله ورفعة شأنه ومعجزاته وتبليغه ومدة عمره) * * (ونقش خاتمه وجمل أحواله) * الايات، البقرة ” 2 ” قال الله تعالى: ” وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ” مرتين 87 و 253. آل عمران ” 3 ” وأنزل التوراة والانجيل * من قبل هدى للناس 3 و 4. المائدة ” 5 ” وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة و آتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين 46 ” وقال تعالى “: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار * لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد و إن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم * أفلا يتوبون إلى الله و يستغفرونه والله غفور رحيم * ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل و أمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون 73 و 75 ” وقال تعالى: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون 78 ” وقال تعالى “: إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الاكمه والابرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين * وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون * إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل
[ 231 ]
علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذ به أحدا من العالمين 11 – 115. المؤمنون ” 23 ” وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين 50. يس ” 36 ” واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون * إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون * قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شئ إن أنتم إلا تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون * وما علينا إلا البلاغ المبين * قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم * قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون * وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون * ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون * ءأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لاتغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون * إني إذا لفي ضلال مبين * إني آمنتم بربكم فاسمعون * قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين * وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين * إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون 13 – 29. الزخرف ” 43 ” إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل 59. ” وقال تعالى “: ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون * إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم * فاختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم 63 – 65. الصف ” 61 ” وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد 6.
[ 232 ]
تفسير: قال الطبرسي رحمه الله: ” وآتينا عيسى بن مريم البينات ” أي المعجزات وقيل: الانجيل ” وأيدناه بروح القدس ” أي قويناه بجبرئيل، وقيل: أي الانجيل، وقيل: هو الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى، وقيل: هو الروح الذي نفخ فيه فأضافه إلى نفسه تشريفا، والقدس: الطهر، وقيل: البركة، وقيل: هو الله تعالى. (1) ” وجعلنا ابن مريم وأمه آية ” أي حجة على قدرتنا على الاختراع ” وآويناهما إلى ربوة ” أي وجعلنا مأواهما مكانا مرتفعا مستويا واسعا، والربوة هي الرملة من فلسطين وقيل: دمشق، وقيل: مصر، وقيل بيت المقدس، وقيل: هي حيرة الكوفة وسوادها، والقرار: مسجد الكوفة، والمعين: الفرات، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، (2) وقيل: ” ذات قرار ” أي ذات موضع استقرار، أي هي أرض مستوية يستقر عليها ساكنوها، و قيل: ذات ثمار إذ لاجلها يستقر فيها ساكنوها ” ومعين ” أي ماء جار ظاهر للعيون. (3) ” أنعمنا عليه ” أي بالخلق من غير أب وبالنبوة ” وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ” أي آية لهم ودلالة يعرفون بها قدرة الله تعالى على ما يريد حيث خلقه من غير أب، فهو مثل لهم يشبهون به ما يريدون من أعاجيب صنع الله ” بالحكمة ” أي بالنبوة، وقيل: بالعلم بالتوحيد والعدل والشرائع ” بعض الذي تختلفون فيه ” قيل: أي كله، كقول لبيد: أو يخترم بعض النفوس حمامها. أي كل النفوس، والصحيح أن البعض لا يكون في معنى
(1) مجمع البيان 1: 155 و 152. (2) قال المسعودي في اثبات الوصية: روى ان جبرئيل نفخ في جيبها وقد دخلت الى المغتسل للتطهير فخرجت وقد انتفخ بطنها فخافت من خالتها ومن زكريا فخرجت هاربة على وجهها، و ان نساء بني اسرائيل ومن كان يتعبد معها رأوا بطنها فشتمنها ونتفن شعرها وخمشن وجهها، فانطق الله المسيح عليه السلام في بطنها فقال: وحق النبي المبعوث بعدى في آخر الزمان لئن أخرجني الله من بطن امي مريم لاقيمن عليكم الحد، ومضت مريم على وجهها حتى اتت قرية في غربي الكوفة يقال لها بشوشا، ويروى بانقيا، وهي اليوم تعرف بالنخيلة وفيها عظام هود وشعيب و صالح وعدة من الانبياء والاوصياء عليهم السلام فاشتد بها الطلق فاستندت الى جذع نخلة نخرة قد سقط رأسها اه. (3) مجمع البيان 7: 107 و 108. وفيه: ظاهر العيون.
[ 233 ]
الكل، والذي جاء به عيسى في الانجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه وبين لهم في غير الانجيل ما احتاجوا إليه، وقيل: معناه: لابين لكم ما تختلفون فيه من أمور الدين دون أمور الدنيا وهو المقصود (1) ” فاختلف الاحزاب ” يعني اليهود والنصارى في أمر عيسى. (2) 1 – شى: عن الهذلي، عن رجل قال: مكث عيسى عليه السلام حتى بلغ سبع سنين، أو ثمان سنين، فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فأقام بين أظهرهم يحيي الموتى ويبرئ الاكمه والابرص، ويعلمهم التوراة، وأنزل الله عليه الانجيل لما أراد الله أن يتخذ عليهم حجة. (3) 2 – شى: عن محمد بن أبي عمير، عمن ذكره رفعه قال: إن أصحاب عيسى عليه السلام سألوه أن يحيي لهم ميتا، قال: فأتى بهم إلى قبر سام بن نوح، فقال له: قم بإذن الله يا سام بن نوح، قال: فانشق القبر، ثم أعاد الكلام فتحرك، ثم أعاد الكلام فخرج سام بن نوح، فقال له عيسى: أيهما أحب إليك: تبقى أو تعود ؟ قال: فقال: يا روح الله بل أعود، إني لاجد حرقة الموت – أو قال: لدغة الموت – (4) في جوفي إلى يومي هذا. (5) ص: مرسلا مثله. (6) 3 – شى: عن أبان بن تغلب قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام هل كان عيسى بن مريم أحيا أحدا بعد موته حتى كان له أكل ورزق ومدة وولد ؟ قال: فقال: نعم، إنه كان له صديق مواخ له في الله، وكان عيسى يمر به فينزل عليه، وإن عيسى عليه السلام غاب عنه حينا، ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه (7) فسألها عنه، فقالت أمه: مات يارسول الله، فقال لها: أتحبين أن تريه ؟ قالت: نعم، قال لها: إذا كان غدا أتيتك حتى أحييه لك بإذن الله، فلما كان من الغد أتاها فقال لها: انطلقي معي إلى قبره، فانطلقا حتى أتيا قبره فوقف عيسى عليه السلام ثم دعا الله فانفرج القبر وخرج ابنها حيا، فلما رأته
(1) المصدر خلى عن قوله: وهو المقصود. (2) مجمع البيان 9: 53 و 54. (3 و 5) تفسير العياشي مخطوط. (4) في نسخة: لذعة الموت. (6) قصص الانبياء مخطوط. (7) في البرهان: فخرجت إليه امه لتسلم عليه.
[ 234 ]
أمه ورآها بكيا، فرحمهما عيسى عليه السلام (1) فقال له: أتحب أن تبقى مع أمك في الدنيا ؟ قال: يارسول الله بأكل وبرزق ومدة، أو بغير مدة ولا رزق ولا أكل ؟ فقال: له عيسى عليه السلام: بل برزق وأكل ومدة تعمر عشرين سنة، وتزوج ويولد لك، قال: فنعم إذا، قال: فدفعه عيسى إلى امه (2) فعاش عشرين سنة وتزوج وولد له. (3) كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جميلة، عن أبان بن تغلب وغيره عنه عليه السلام مثله. (4) 4 – شى: عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان بين داود وعيسى بن مريم عليهما السلام أربع مائة سنة، وكان شريعة عيسى أنه بعث بالتوحيد والاخلاص، وبما أوصي به نوح وإبراهيم وموسى عليهم السلام، وأنزل عليه الانجيل، وأخذ عليه الميثاق الذي أخذ على النبيين، وشرع له في الكتاب إقام الصلاة مع الدين، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتحريم الحرام، وتحليل الحلال، وأنزل عليه في الانجيل مواعظ وأمثال وليس فيها قصاص ولا أحكام حدود، ولا فرض مواريث، وأنزل عليه تخفيف ما كان نزل على موسى عليه السلام في التوراة، وهو قول الله في الذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل: ” ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم ” وأمر عيسى من معه ممن اتبعه من المؤمنين أن يؤمنوا بشريعة التوراة والانجيل. (5) 5 – شى: البرقي، عن أبيه رفعه في قول الله: ” وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام ” قال: كانا يتغوطان. (6)
(1) في نسخة: فرحمها عيسى عليه السلام. (2) في البرهان: قال: فنعم إذا، فدفعه عيسى الى امه. وفي نسخة من التفسير: قال: فنعم قال: فدفعه (فرفعه خ ل) عيسى الى امه. (3) تفسير العياشي مخطوط، وأخرجه البحراني وما قبله في البرهان 1: 284. (4) روضة الكافي: 337. (5) تفسير العياشي مخطوط، وأخرجه البحراني ايضا في البرهان 1: 248. (6) تفسير العياشي مخطوط. واخرجه البحراني في البرهان 1: 492، ورواه الصدوق في العيون: 325 في خبر طويل باسناده عن تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال: حدثني ابي قال: حدثنا احمد بن علي الانصاري، عن الحسن بن الجهم، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام.
[ 235 ]
بيان: قال الطبرسي رحمه الله: قيل فيه قولان: أحدهما أنه احتجاج على النصارى بأن من ولدته النساء ويأكل الطعام لا يكون إلها للعباد، أي أنهما كانا يعيشان بالغذاء كما يعيش سائر الخلق فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام ؟ والثاني أن ذلك كناية عن قضاء الحاجة. (1) 6 – شى: عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (2) ” لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ” قال: الخنازير على لسان داود عليه السلام، و القردة على لسان عيسى بن مريم عليه السلام. (3) كا: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة مثله. (4) بيان: قد مر شرحه في باب قصة أصحاب السبت. 7 – شى: عن الفيض بن المختار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لما أنزلت المائدة على عيسى عليه السلام قال للحواريين: لا تأكلوا منها حتى آذن لكم، فأكل منها رجل منهم فقال بعض الحواريين: يا روح الله أكل منها فلان، فقال له عيسى عليه السلام: أكلت منها ؟ قال له: لا، فقال الحواريون: بلى والله يا روح الله لقد أكل منها، فقال له عيسى: صدق أخاك، وكذب بصرك. (5) 8 – م: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله إن قوم عيسى لما سألوه أن ينزل عليهم مائدة من السماء قال الله: ” إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ” فأنزلها عليهم، فمن كفر منهم بعد مسخه الله إما خنزيرا، وإما قردا، وإما دبا، وإما هرا، وإما على صورة بعض الطيور والدواب التي في
(1) مجمع البيان 3: 230. (2) في الكافي: قال في قول الله اه. (3) تفسير العياشي مخطوط. واخرجه البحراني في البرهان. (4) روضة الكافي: 200. (5) تفسير العياشي مخطوط، واخرجه البحراني ايضا في البرهان 1: 511.
[ 236 ]
البر والبحر حتى مسخوا على أربعمائة نوع من المسخ. (1) 9 – شى: عن عيسى العلوي، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: المائدة التي نزلت على بني إسرائيل مدلاة بسلاسل من ذهب، عليها تسعة ألوان وتسعة أرغفة. (2) 10 – شى: عن الفضيل بن يسار، عن أبي الحسن عليه السلام قال: إن الخنازير من قوم عيسى عليه السلام سألوا نزول المائدة فلم يؤمنوا فمسخهم الله خنازير. (3) 11 – شى: عن عبد الصمد بن بذار (4) قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: كانت الخنازير قوما من القصارين كذبوا بالمائدة فمسخوا خنازير. (5) 12 – شى: عن ثعلبة، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى لعيسى: ” ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ” قال: لم يقله وسيقوله، إن الله إذا علم أن شيئا كائن أخبر عنه خبر ما قد كان. (6) 13 – شى: عن سليمان بن خالد قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام قول الله لعيسى: ” ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ” (7) فقال: إن الله إذا أراد أمرا أن يكون قصه قبل أن يكون كأن قد كان. (8)
(1) تفسير العسكري: 234. (2) تفسير العياشي مخطوط، واخرجه البحراني في البرهان 1: 511 دفعتين، في احداهما، تسعة احوتة، وفي الاخرى: تسعة انوان. والظاهر أن الالوان في المتن مصحفة أنوان، والاحوتة جمع الحوت، والانوان جمع النون: الحوت. (3) تفسير العياشي مخطوط. (4) في البرهان: عبد الصمد بن بندار، وفي تنقيح المقال عن رجال الشيخ: عبد الصمد بن مدار الصيرفي الكوفي من اصحاب الصادق عليه السلام، وفي نسختي من رجال الشيخ: عبد الصمد ابن بلات، وتقدم فيما مضى: عبد الصمد بن برار، وعلى اي فالرجل مجهول أبا وحالا. (5 و 6) تفسير العياشي مخطوط، أخرجهما وما قبلهما البحراني في البرهان 1: 511 و 512. (7) في البرهان زيادة: قال الله بهذا الكلام ؟ (8) تفسير العياشي مخطوط، وأخرجه البحراني في البرهان 1: 512.
[ 237 ]
14 – شى: عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام في تفسير هذه الآية: ” تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ” قال: إن اسم الله الاكبر ثلاثة وسبعون حرفا، فاحتجب الرب تبارك وتعالى منها بحرف، فمن ثم لا يعلم أحد ما في نفسه عزوجل، أعطى آدم اثنين وسبعين حرفا فتوارثتها الانبياء حتى صارت إلى عيسى فذلك قول عيسى: ” تعلم ما في نفسي ” يعني اثنين وسبعين حرفا من الاسم الاكبر، يقول أنت علمتنيها فأنت تعلمها ” ولا أعلم ما في نفسك ” يقول: لانك احتجبت عن خلقك بذلك الحرف فلا يعلم أحد ما في نفسك. (1) بيان: قال الطبرسي رحمه الله: ” وإذ قال الله ” والمعنى: إذ يقول الله يوم القيامة لعيسى: ” يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ” هذا وإن خرج مخرج الاستفهام فهو تقريع وتهديد لمن ادعى ذلك عليه من النصارى، وقيل: أراد بهذا القول تعريف عيسى عليه السلام أن قوما قد اعتقدوا فيه وفي أمه أنهما إلهان، واعترض على قوله: ” إلهين ” فقيل: لم يعلم في النصارى من اتخذ مريم إلها. والجواب عنه من وجوه: أحدها: أنهم لما جعلوا المسيح إلها ألزمهم أن يجعلوا والدته أيضا إلها، لان الولد يكون من جنس الوالدة، فهذا على طريق الالزام لهم. والثاني: أنهم لما عظموهما تعظيم الآلهة اطلق اسم الاله عليهما. والثالث: أنه يحتمل أن يكون فيهم من قال بذلك. ويعضده ما حكاه الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه عن بعض النصارى أنه قد كان فيما مضى قوم يقال لهم المريمية يعتقدون في مريم أنها إله. (2) وقال رحمه الله في قوله تعالى: ” تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ” أي تعلم
(1) تفسير العياشي مخطوط، اخرجه البحراني ايضا في البرهان 1: 513. (2) ويؤيد ذلك ما قال اليعقوبي في تاريخه 1: 123 في ترجمة قسطنطين وتنصره وجمعه الاساقفة والبطارخة قال: وكان سبب جمع قسطنطين هؤلاء أنه لما تنصر وحلت النصرانية بقلبه أراد أن يستقصى علمها فأحصى مقالات أهلها فوجد ثلاث عشرة مقالة، فمنها قول من قال: ان المسيح وامه كانا إلهين.
[ 238 ]
غيبي وسري ولا أعلم غيبك وسرك، وإنما ذكر النفس لمزاوجة الكلام، والعادة جارية بأن الانسان يسر في نفسه فصار قوله ” ما في نفسي ” عبارة عن الاخفاء، (1) ثم قال: ” ما في نفسك ” على جهة المقابلة، وإلا فالله منزه عن أن يكون له نفس أو قلب تحل فيه المعاني. (2) 15 – يه: قال الصادق عليه السلام: قيل لعيسى بن مريم مالك لا تتزوج ؟ فقال: وما أصنع بالتزويج ؟ قالوا: يولد لك، قال: وما أصنع بالاولاد ؟ إن عاشوا فتنوا، وإن ماتوا حزنوا. (3) بيان: حزنه (4) بمعنى أحزنه. 16 – نهج: قال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه: وإن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السلام، فلقد كان يتوسد الحجر، ويلبس الخشن، (5) وكان إدامه الجوع، وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الارض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الارض للبهائم، ولم تكن له زوجة تفتنه، ولا ولد يحزنه، ولا مال يلفته، ولا طمع يذله، دابته رجلاه، وخادمه يداه. (6) بيان: (كان إدامه الجوع) لعل المعنى أن الانسان إنما يحتاج إلى الادام لانه يعسر على النفس أكل الخبز خاليا عنه، فأما مع الجوع الشديد فيلتذ بالخبز ولا يطلب غيره، فهو بمنزلة الادام، أو أنه كان يأكل الخبز دون الشبع فكان الجوع مخلوطا به كالادام. ولفته يلفته: لواه وصرفه عن رأيه.
(1) لعل المراد بقوله: ” ما في نفسي ” على هذا الوجه نفسي ونفس أمثالي من سائر الانبياء عليهم السلام، أو المراد ما يخصني من اثنين وسبعين حرفا، فلا ينافى ما ورد في سائر الاخبار من اختصاصه عليه السلام ببعض تلك الاسماء والله يعلم. منه طاب ثراه. (2) مجمع البيان 3: 268 و 269. (3) الفقيه: 459، باب نوادر النكاح. (4) يحتمل كونه بالتخفيف والتشديد. (5) في المصدر بعده: ويأكل الجشب. (6) نهج البلاغة 1: 293.
[ 239 ]
17 – ارشاد القلوب: قال عيسى عليه السلام: خادمي يداي، ودابتي رجلاي، وفراشي الارض، ووسادي الحجر، ودفئي في الشتاء مشارق الارض، وسراجي بالليل القمر، و إدامي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، وفاكهتي وريحانتي ما أنبتت الارض للوحوش والانعام، أبيت وليس لي شئ، وأصبح (1) وليس لي شئ، وليس على وجه الارض أحد أغنى مني. (2) 18 – مع: (3) المظفر العلوي، عن ابن العياشي، عن أبيه، عن الحسين ابن إشكيب، (4) عن عبد الرحمن بن حماد، عن أحمد بن الحسن، عن صدقة بن حسان، عن مهران بن أبي نصر، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي سعيد الاسكاف، (5) عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في قول الله عزوجل: ” وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ” قال: الربوة الكوفة، والقرار: المسجد، والمعين: الفرات. (6) 19 – فس: قال علي بن إبراهيم في قوله: ” وجعلنا ابن مريم وأمه آية ” إلى قوله: ” ومعين ” قال: ” الربوة ” الحيرة، وذات قرار ومعين: الكوفة. (7) بيان: لعل المعنى أن القرار هو الكوفة، والمعين ماؤها، أي الفرات، والحيرة أي كربلا لقربها منهما أضيفت إليهما. (8)
(1) في المصدر: ابيت وليس معي شئ، وأصبحت وليس لي شئ. (2) ارشاد القلوب: 191. (3) في طبعة أمين الضرب ” شى ” وهو وهم ظاهر، لان الحديث مروي عن العياشي بوسائط. وهو موجود في معاني الاخبار. (4) في المصدر ” اسكيت ” بالمهملة والتاء، والصحيح بالباء الموحدة، فهو اما بالسين المهملة أو بالشين المعجمة على اختلاف. (5) هكذا في النسخ وفيه وهم، والصحيح كما في المصدر: عن سعد الاسكاف. (6) معاني الاخبار: 106. (7) تفسير القمي: 446. (8) روى الشيخ باسناده عن ابي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وابن قولويه في كامل الزيارات عن علي بن الحسين بن موسى، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن علي بن الحكم، عن سليمان بن نهيك، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل ” وآويناهما الى ربوة ذات قرار ومعين ” قال: الربوة: نجف الكوفة، والمعين: الفرات.
[ 240 ]
أقول: سيأتي في كتاب الغيبة في حديث المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام أن بقاع الارض تفاخرت ففخرت الكعبة على البقعة بكربلا، فأوحى الله إليها: اسكتي ولا تفخري عليها، فإنها البقعة المباركة التي نودي منها موسى من الشجرة، وإنها الربوة التي آويت إليها مريم والمسيح، وإن الدالية التي غسل فيها رأس الحسين عليه السلام فيها غسلت مريم عيسى عليه السلام واغتسلت لولادتها. 20 – فس: ” واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون ” إلى قوله: ” إنا إليكم مرسلون ” أبي، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن تفسير هذه الآية، فقال: بعث الله رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية، فجاءاهم بما لا يعرفونه، فغلظوا عليهما فأخذوهما وحبسوهما في بيت الاصنام، فبعث الله الثالث فدخل المدينة فقال: ارشدوني إلى باب الملك، قال: فلما وقف على باب الملك قال: أنا رجل كنت أتعبد في فلاة من الارض، وقد أحببت أن أعبد إله الملك، فأبلغوا كلامه الملك فقال: أدخلوه إلى بيت الآلهة، فأدخلوه فمكث سنة مع صاحبيه، فقال لهما: بهذا ننقل قوما (1) من دين إلى دين لا بالخرق، أفلا رفقتما ؟ ثم قال لهما: لا تقران بمعرفتي، ثم أدخل على الملك فقال له الملك: بلغني أنك كنت تعبد إلهي، فلم أزل وأنت أخي فسلني حاجتك، قال: مالي حاجة أيها الملك، ولكن رجلين رأيتهما في بيت الآلهة فما حالهما ؟ قال الملك: هذان رجلان أتياني يضلان عن ديني (2) ويدعوان إلى إله سماوي، فقال: أيها الملك فمناظرة جميلة، فإن يكن الحق لهما اتبعناهما، وإن يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا، فكان لهما مالنا وعليهما ما علينا، قال: فبعث الملك إليهما فلما دخلا إليه قال لهما صاحبهما: ما الذي جئتماني (3) به ؟ قالا: جئنا ندعو إلى عبادة الله الذي خلق السماوات والارض ويخلق في الارحام ما يشاء ويصور كيف يشاء، وأنبت الاشجار والثمار، وأنزل القطر من السماء، قال: فقال لهما:
(1) في المصدر: ينقل قوم. (2) في نسخة: أتياني يبطلان ديني، وفي المصدر: أتيا يضلان عن ديني. (3) في نسخة: جئتمانا به. وفي المصدر: جئتما به.
[ 241 ]
إلهكما هذا الذي تدعوان إليه وإلى عبادته إن جئنا كما بأعمى يقدر أن يرده صحيحا ؟ قالا: إن سألناه أن يفعل فعل إن شاء، قال: أيها الملك علي بأعمى لا يبصر قط (1) قال: فأتي به، فقال لهما: ادعوا إلهكما أن يرد بصر هذا، فقاما وصليا ركعتين فإذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر إلى السماء، فقال: أيها الملك علي بأعمى آخر فأتي به قال: فسجد سجدة ثم رفع رأسه فإذا الاعمى بصير، فقال: أيها الملك حجة بحجة، علي بمقعد، فأتي به، فقال لهما مثل ذلك، فصليا ودعوا الله فإذا المقعد قد أطلقت رجلاه و قام يمشي، فقال: أيها الملك علي بمقعد آخر، فأتي به، فصنع به كما صنع أول مرة فانطلق المقعد، فقال: أيها الملك قد أتيا بحجتين وأتينا بمثلهما، ولكن بقي شئ واحد فإن كان هما فعلاه دخلت معهما في دينهما، ثم قال: أيها الملك بلغني أنه كان للملك ابن واحد ومات، فإن أحياه إلههما دخلت معهما في دينهما، فقال له الملك: وأنا أيضا معك، ثم قال لهما: قد بقيت هذه الخصلة الواحدة: قد مات ابن الملك فادعوا إلهكما أن يحييه، قال فخرا ساجدين (2) لله وأطالا السجود ثم رفعا رأسيهما وقالا للملك: ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره إن شاء الله، قال فخرج الناس ينظرون فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب، قال فأتي به إلى الملك فعرف أنه ابنه، فقال له: ما حالك يا بني ؟ قال: كنت ميتا فرأيت رجلين بين يدي ربي الساعة ساجدين يسألانه أن يحييني فأحياني، قال: يا بني فتعرفهما إذا رأيتهما ؟ قال: نعم، قال: فأخرج (3) الناس جملة إلى الصحراء، فكان يمر عليه رجل رجل فيقول له أبوه: انظر فيقول: لا لا، ثم مر عليه بأحدهما (4) بعد جمع كثير فقال: هذا أحدهما، وأشار بيده إليه، ثم مر أيضا بقوم كثيرين (5) حتى رأى صاحبه الآخر فقال: وهذا الآخر، قال: فقال النبي صاحب
(1) في نسخة: لم يبصر شيئا قط. (2) في المصدر: فوقعا إلى الارض ساجدين لله. (3) قال: نعم، فأخرج إه. (4) في المصدر: ثم مروا عليه بأحدهما. (5) ثم مروا أيضا بقوم كثيرين.
[ 242 ]
الرجلين: أما أنا فقد آمنت بإلهكما وعلمت أن ما جئتما به هو الحق، فقال الملك: و أنا أيضا آمنت بإلهكما، وآمن أهل مملكته كلهم. (1) بيان: قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: ” واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون “: أي حين بعث الله إليهم المرسلين ” إذ أرسلنا إليهم اثنين ” أي رسولين من رسلنا ” فكذبوهما ” قال ابن عباس: ضربوهما وسجنوهما ” فعززنا بثالث ” أي فقوينا (2) وشددنا ظهورهما برسول ثالث، قال شعبة: كان اسم الرسولين شمعون ويوحنا، والثالث بولس، وقال ابن عباس وكعب: صادق وصدوق، والثالث سلوم، وقيل: إنهم رسل عيسى وهم الحواريون، عن وهب وكعب، قالا: وإنما أضافهم إلى نفسه لان عيسى عليه السلام أرسلهم بأمره ” فقالوا إنا إليكم مرسلون * قالوا ” يعني أهل القرية: ” ما أنتم إلا بشر مثلنا ” فلا تصلحون للرسالة ” وما أنزل الرحمن من شئ إن أنتم إلا تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ” وإنما قالوا ذلك بعد ما قامت الحجة بظهور المعجزة فلم يقبلوها ” وما علينا إلا البلاغ المبين * قالوا ” أي هؤلاء الكفار: ” إنا تطيرنا بكم ” أي تشاءمنا بكم ” لئن لم تنتهوا لنرجمنكم ” بالحجارة أو لنشتمنكم ” وليمسنكم منا عذاب أليم * قالوا ” يعني الرسل: ” طائركم معكم ” أي الشؤم كله معكم بإقامتكم على الكفر بالله تعالى ” أئن ذكرتم ” أي أئن ذكرتم قلتم هذا القول، وقيل: معناه: لئن ذكرناكم هددتمونا وهو مثل الاول، وقيل: معناه: إن تدبرتم عرفتم صحة ما قلناه لكم ” بل أنتم قوم مسرفون ” معناه: ليس فينا ما يوجب التشاءم بنا، ولكنكم متجاوزون عن الحد في التكذيب للرسل والمعصية ” وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ” وكان اسمه حبيبا النجار، عن ابن عباس وجماعة من المفسرين، وكان قد آمن بالرسل عند ورودهم القرية، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل و هموا بقتلهم جاء يعدو ويشتد ” قال يا قوم اتبعوا المرسلين ” وإنما علم نبوتهم لانهم لما دعوه قال: أتأخذون على ذلك أحرا ؟ قالوا: لا، وقيل: إنه كان به زمانة أو جذام فأبرؤوه فآمن بهم، عن ابن عباس.
(1) تفسير القمي: 549 – 550. (2) في المصدر: فقويناهما.
[ 243 ]
” اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ” قيل: فلما قال هذا أخذوه فرفعوه إلى الملك، فقال له الملك: أفأنت تتبعهم ؟ قال: ” وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ” أي تردون عند البعث ” ءأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر ” أي إن أراد الله إهلاكي والاضرار بي ” لاتغن عني شفاعتهم شيئا ” أي لا تدفع شفاعتهم عني شيئا ” ولا ينقذون ” ولا يخلصوني من ذلك ” إني إذا لفي ضلال مبين * إني آمنت بربكم فاسمعون ” أي فاسمعوا قولي واقبلوه. ثم إن قومه لما سمعوا ذلك القول منه وطئوه بأرجلهم حتى مات، فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزق وهو قوله: ” قيل ادخل الجنة ” وقيل: رجموه حتى قتلوه عن قتادة، وقيل إن القوم لما أرادوا أن يقتلوه رفعه الله إليه فهو في الجنة ولا يموت إلا بفناء الدنيا وهلاك الجنة، عن الحسن ومجاهد، وقالا: إن الجنة التي دخلها يجوز هلاكها، وقيل: إنهم قتلوه إلا أن الله سبحانه أحياه وأدخله الجنة، فلما دخلها قال: ” ياليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي ” تمنى أن يعلم قومه ما أعطاه الله من المغفرة وجزيل الثواب ليرغبوا في مثله ويؤمنوا لينالوا ذلك ” وجعلني من المكرمين ” أي من المدخلين الجنة. ثم حكى سبحانه ما أنزله بقومه من العذاب فقال: ” وما أنزلنا على قومه من بعده ” أي من بعد قتله أو رفعه ” من جند من السماء ” يعني الملائكة، أي لم ننتصر منهم بجند من السماء (1) ” وما كنا منزلين ” أي وما كنا ننزلهم على الامم إذا أهلكناهم، و قيل: معناه: وما أنزلنا على قومه من بعده رسالة من السماء قطع الله عنهم الرسالة حين قتلوا رسله ” إن كانت إلا صيحة واحدة ” أي كان إهلاكهم عن آخرهم بأيسر أمر صيحة واحدة حتى هلكوا بأجمعهم ” فإذا هم خامدون ” أي ساكنون قد ماتوا قيل: إنهم لما قتلوا حبيب بن موسى النجار (2) غضب الله عليهم، فبعث جبرئيل
(1) في المصدر زيادة: ولم ننزل لاهلاكهم بعد قتلهم الرسل جندا من السماء يقاتلونهم. (2) في المصدر: حبيب بن مرى النجار.
[ 244 ]
حتى أخذ بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم لا يسمع لهم حس كالنار إذا طفئت. انتهى. (1) وقال الثعلبي في تفسيره: هو حبيب بن مرى، وقال ابن عباس ومقاتل: حبيب بن إسرائيل النجار، وقال وهب: كان رجلا أسرع فيه الجذام وكان مؤمنا ذا صدقة، يجمع كسبه إذا أمسى فيقسمه نصفين: فيطعم نصفه عياله، ويتصدق بنصفه، وقال قتادة: كان حبيب في غار يعبد ربه، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وما هو عليه من التوحيد وعبادة الله فوثب القوم إليه فقتلوه. (2) 21 – محص: عن سدير قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: هل يبتلي الله المؤمن ؟ فقال: وهل يبتلي إلا المؤمن ؟ حتى إن صاحب يس قال: ” ياليت قومي يعلمون ” كان مكنعا، قلت: وما المكنع ؟ قال: كان به جذام. (3) 22 – لى: علي بن عيسى، عن علي بن محمد ماجيلويه، (4) عن البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن أحمد بن النصر الطحان، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله الصادق جعفر ابن محمد عليه السلام إن عيسى روح الله مر بقوم مجلبين، فقال: ما لهؤلاء ؟ قيل: يا روح الله إن فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان ابن فلان في ليلتها هذه، قال: يجلبون اليوم ويبكون غدا، فقال قائل منهم: ولم يا رسول الله ؟ قال: لان صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه، فقال القائلون بمقالته: صدق الله وصدق رسوله، وقال أهل النفاق: ما أقرب غدا، فلما أصبحوا جاؤوا
(1) مجمع البيان 8: 418 و 419 و 421 و 422. (2) الكشف والبيان مخطوط. (3) التمحيص مخطوط. وروى الكليني في الاصول 2: 254 في باب شدة ابتلاء المؤمن باسناده عن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن معاوية بن عمار، عن ناجية قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: ان المغيرة يقول: ان المؤمن لا يبتلى بالجذام ولا البرص ولا بكذا ولا بكذا، فقال: ان كان لغافلا عن صاحب يس انه كان مكنعا – ثم رد أصابعه فقال: وكاني أنظر الى تكنيعه – فانذرهم ثم عاد إليهم من الغد فقتلوه، ثم قال: ان المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة الا انه لا يقتل نفسه انتهى. وأورده مجملا في الفروع 1: 31 في باب علل الموت. قلت: قوله: مكنعا من كنع يده أشلها وأيبسها. (4) هكذا في النسخ وفيه وهم والصواب: محمد بن علي ماجيلويه كما في المصدر.
[ 245 ]
فوجدوها على حالها لم يحدث بها شئ فقالوا: يا روح الله إن التي أخبرتنا أمس أنها ميتة لم تمت، فقال عيسى عليه السلام: يفعل الله ما يشاء، فاذهبوا بنا إليها، فذهبوا يتسابقون حتى قرعوا الباب، فخرج زوجها، فقال له عيسى عليه السلام: استأذن لي على صاحبتك، قال: فدخل عليها فأخبرها أن روح الله وكلمته بالباب مع عدة، قال: فتخدرت فدخل عليها فقال لها: ما صنعت ليلتك هذه ؟ قالت: لم أصنع شيئا إلا وقد كنت أصنعه فيما مضى، إنه كان يعترينا سائل في كل ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثلها، وإنه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغيل، فهتف فلم يجبه أحد، ثم هتف فلم يجب حتى هتف مرارا، فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى أنلته كما كنا ننيله، فقال لها: تنحي عن مجلسك، فإذا تحت ثيابها أفعي مثل جذعة عاض على ذنبه، فقال عليه السلام: بما صنعت صرف عنك هذا. (1) بيان: الجلبة: اختلاط الصوت. والجذعة بالكسر: ساق النخلة. 23 – ير: أحمد بن محمد، عن البرقي، عن رجل من الكوفيين، عن محمد بن عمر، عن عبد الله بن الوليد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ما يقول أصحابك في أمير المؤمنين و عيسى وموسى عليهم السلام أيهم أعلم ؟ قال: قلت: ما يقدمون على أولي العزم أحدا، قال: أما إنك لو خاصمتهم (2) بكتاب الله لحججتهم، (3) قال: قلت: وأين هذا في كتاب الله ؟ قال: إن الله قال في موسى: ” وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة ” ولم يقل: كل شئ، وقال في عيسى: ” ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه ” ولم يقل: كل شئ، وقال في صاحبكم: ” كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب “. (4) 24 – ج: عن ابن عباس قال: جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا فيما قالوا: عيسى خير منك، قال: ولم ذاك ؟ قالوا: لان عيسى بن مريم عليه السلام كان ذات يوم بعقبة بيت المقدس فجاءته الشياطين ليحملوه، فأمر الله عزوجل جبرئيل أن اضرب بجناحك الايمن
(1) أمالي الصدوق: 299 و 300 وفيه: صرف الله عنك هذا. (2) في المصدر: لو حاججتهم. (3) أي لغلبتهم بالحجة. (4) بصائر الدرجات: 63.
[ 246 ]
وجوه الشياطين، وألقهم في النار، فضرب بأجنحته وجوههم وألقاهم في النار، قال النبي صلى الله عليه وآله: لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك، الخبر. (1) 25 – فس: ” إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ” أي أقدر وهو خلق تقدير، حدثنا أحمد بن محمد الهمداني، عن جعفر بن عبد الله، عن كثير بن عياش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: ” وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ” فإن عيسى عليه السلام كان يقول لبني إسرائيل: إني رسول الله إليكم، وإني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وأبرئ الاكمه والابرص، الاكمه هو الاعمى، قالوا: ما نرى الذي تصنع إلا سحرا، فأرنا آية نعلم أنك صادق، قال: أرأيتم إن أخبرتكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم – يقول: ما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا وما ادخرتم إلى الليل – تعلمون أني صادق ؟ قالوا: نعم، فكان يقول للرجل: أكلت كذا وكذا، وشربت كذا وكذا، ورفعت كذا وكذا، فمنهم من يقبل منه فيؤمن، ومنهم من يكفر، وكان لهم في ذلك آية إن كانوا مؤمنين. وقال علي بن إبراهيم في قوله: ” ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم “: هو السبت والشحوم والطير الذي حرمه الله على بني إسرائيل. (2) 26 – ن، ل: ابن الوليد، عن سعد، عن أحمد بن حمزة الاشعري، عن ياسر الخادم قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يلد (3) فيخرج من بطن أمه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا، وقد سلم الله على يحيى عليه السلام في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال: ” وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ” وقد سلم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال: ” والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا “. (4)
(1) احتجاج الطبرسي: 28 – 29. (2) تفسير القمي: 92 – 93. (3) في المصدر: يوم يولد ويخرج. (4) عيون الاخبار: 142، الخصال 1 – 53.
[ 247 ]
27 – فس: الحسين بن عبد الله السكيني، عن أبي سعيد البجلي، عن عبد الملك بن هارون، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال الحسن بن علي عليه السلام فيما ناظر به ملك الروم: كان عمر عيسى عليه السلام في الدنيا ثلاثة وثلاثين سنة، ثم رفعه الله إلى السماء، ويهبط إلى الارض بدمشق، وهو الذي يقتل الدجال. (1) 28 – ع: أبي، عن الحميري، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مر عيسى بن مريم عليه السلام بصفائح الروحاء وهو يقول: لبيك، عبدك وابن أمتك، لبيك. الخبر. (2) كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير مثله. (3) 29 – مع: معنى المسيح أنه كان يسيح في الارض ويصوم. (4) 20 – مع: أبي، عن سعد، عن ابن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: ” وجعلني مباركا أينما كنت ” قال: نفاعا. (5) فس: محمد بن جعفر، عن محمد بن أحمد، عن ابن يزيد مثله. (6) 31 – ن: بإسناده عن الرضا عليه السلام قال: كان نقش خاتم عيسى عليه السلام حرفين اشتقهما من الانجيل: طوبى لعبد ذكر الله من أجله، وويل لعبد نسي الله من أجله. (7) 32 – ج: حمران بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل: ” وروح منه ” قال: هي مخلوقة خلقه الله بحكمته في آدم وعيسى عليهما السلام. (8)
(1) تفسير القمي: 595 و 597 و 598. (2) علل الشرائع: 145. (3) فروع الكافي 1: 223 و 224. (4) معاني الاخبار: 19. (5) معاني الاخبار: 64. (6) تفسير القمي: 410 – 411. (7) عيون الاخبار: 218. (8) احتجاج الطبرسي: 176.
[ 248 ]
33 – فس: ” إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ” فقال عيسى: ” اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ” قالوا كما حكى الله: نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ” فقال عيسى: ” اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا و آية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ” فقال الله احتجاجا عليهم: ” إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ” فكانت تنزل المائدة عليهم فيجتمعون عليها ويأكلون حتى يشبعوا ثم ترفع، فقال كبراؤهم ومترفوهم: (1) لا ندع سفلتنا يأكلون منها، فرفع الله المائدة، ومسخوا القردة والخنازير. (2) 34 – شى: عن يحيى الحلبي في قوله: ” هل يستطيع ربك ” قال: قراءتها: ” هل تستطيع ربك ” يعني هل تستطيع أن تدعو ربك. (3) بيان: هذا قراءة الكسائي حيث قرأ ” تستطيع ” بصيغة الخطاب و ” ربك ” بالنصب أي تستطيع سؤال ربك. 35 – ص: عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فأما موسى عليه السلام فرجل طوال سبط يشبه رجال الزط ورجال أهل شنوة (4) وأما عيسى عليه السلام فرجل أحمر جعد ربعة، قال: ثم سكت، فقيل له: يارسول الله فإبراهيم ؟ قال: انظروا إلى صاحبكم – يعني نفسه -. (5) 36 – ص: بالاسناد عن الصدوق، عن ماجيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن عيسى ابن عبد الله، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: المائدة التي نزلت على بني إسرائيل كانت
(1) المترف: المتنعم. (2) تفسير القمي: 177. (3) تفسير العياشي مخطوط. (4) هكذا في النسخ، ولعله مصحف شنوءة، وهم بطن من الازد، وقد مر الكلام فيه في الباب الاول من قصص موسى وهارون. (5) قصص الانبياء مخطوط.
[ 249 ]
مدلاة بسلاسل من ذهب عليها تسعة أحوات، (1) وتسعة أرغفة فحسب. (2) شى: عن عيسى العلوي، عن أبيه مثله. (3) 37 – م: قال النبي صلى الله عليه وآله: إن الله أنزل مائدة على عيسى عليه السلام وبارك له في أرغفة (4) وسميكات حتى أكل وشبع منها أربعة آلاف وسبعمائة. (5) 38 – ص: الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة، عن الحسن بن علي، عن الحسن بن الجهم، عن الرضا عليه السلام قال: كان عيسى عليه السلام يبكي ويضحك، وكان يحيى عليه السلام يبكي ولا يضحك، وكان الذي يفعل عيسى عليه السلام أفضل. (6) 39 – ك: أبي وابن الوليد معا، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن معروف، عن ابن مهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن محمد بن إسماعيل القرشي، عمن حدثه، عن إسماعيل بن أبي رافع عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن جبرئيل نزل علي بكتاب فيه خبر الملوك ملوك الارض قبلي، وخبر من بعث قبلي من الانبياء والرسل – وهو حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة إليه – قال: لما ملك اشبخ بن أشجان (7) وكان يسمى الكيس وملك مائتي سنة وستا وستين سنة، ففي سنة إحدى وخمسين من ملكه بعث الله عيسى بن مريم عليه السلام و استودعه النور والعلم والحكمة (8) وجميع علوم الانبياء قبله، وزاده الانجيل، وبعثه إلى بيت المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الايمان بالله وبرسوله،
(1) قد مر برواية العياشي بهذا السند ” تسعة الوان ” ولعل أحدهما تصحيف الاخر. منه طاب ثراه قلت: تقدم الكلام هناك راجع. (2) قصص الانبياء مخطوط. (3) تفسير العياشي مخطوط واخرجه وما قبله البحراني في البرهان 1: 511. (4) في المصدر: في أربعة أرغفة. (5) تفسير العسكري: 77. (6) قصص الانبياء مخطوط، وأخرجه عنه بالاسناد وعن الكافي باسناده عن الحسن بن الجهم عن ابراهيم بن مهزم، عن أبي الحسن الاول عليه السلام في باب قصص زكريا ويحيى عليهما السلام. (7) في المصدر: اشج بن اشجان. (8) في المصدر: والحكم.
[ 250 ]
فأبى أكثرهم إلا طغيانا وكفرا، فلما لم يؤمنوا به دعا ربه وعزم عليهم فمسخ منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا فلم يزدهم إلا طغيانا وكفرا، فأتى بيت المقدس يدعوهم (1) ويرغبهم فيما عند الله ثلاثا وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت أنها عذبته ودفنته في الارض حيا، وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه، وما كان الله ليجعل لهم عليه سلطانا، وإنما شبه لهم، وما قدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله وصلبه، قوله عزوجل: (2) ” إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ” فلم يقتدروا على قتله (3) وصلبه لانهم لو قدروا على ذلك كان تكذيبا لقوله ولكن رفعه الله إليه بعد أن توفاه، فلما أراد الله أن يرفعه أوحى إليه أن يستودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا خليفته على المؤمنين، ففعل ذلك فلم يزل شمعون يقوم بأمر لله عزوجل، (4) ويهتدي بجميع مقال عيسى عليه السلام في قومه من بني إسرائيل ويجاهد الكفار، فمن أطاعه وآمن به وبما جاء به كان مؤمنا، ومن جحده وعصاه كان كافرا حتى استخلصه ربنا عزوجل، وبعث في عباده نبيا من الصالحين وهو يحيى بن زكريا عليه السلام فمضى شمعون وملك عند ذلك أردشير. (5) أقول: تمامه في باب أحوال الملوك. 40 – ك: الطالقاني، عن ابن عقدة، عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن محمد بن الفضيل، عن الثمالي، عن الباقر عليه السلام قال: إن الله أرسل عيسى إلى بني إسرائيل خاصة، وكانت نبوته ببيت المقدس، وكان من بعده من الحواريين اثني عشر. الخبر. (6) 41 – ل: بإسناده عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أول نبي من بني إسرائيل
(1) في المصدر: فمكث يدعوهم. (2) في المصدر: لقوله عزوجل. (3) في المصدر: فلم يقدروا على قتله. (4) في المصدر: فلم يزل شمعون في قومه يقوم بامر الله عزوجل. (5) اكمال الدين: 130. (6) اكمال الدين: 122 و 127.
[ 251 ]
موسى، وآخرهم عيسى وستمائة نبي. الخبر. (1) 42 – يد: بإسناده عن فتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق ؟ قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: ” تبارك الله أحسن الخالقين ” فقد أخبر أن في عباده خالقين وغير خالقين، منهم عيسى عليه السلام خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار. (2) إلى آخر ما مر في كتاب التوحيد. (3) 43 – ص: الصدوق بإسناده عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان بين داود وعيسى عليهما السلام أربعمائة سنة وثمانون سنة، و أنزل على عيسى في الانجيل مواعظ وأمثال وحدود ليس فيها قصاص ولا أحكام حدود ولا فرض مواريث، وأنزل عليه تخفيف ماكان نزل على موسى عليه السلام في التوراة وهو قوله تعالى حكاية عن عيسى إنه قال لبني إسرائيل: ” ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم ” وأمر عيسى من معه ممن تبعه من المؤمنين أن يؤمنوا بشريعة التوراة وشرائع جميع النبيين والانجيل قال: ومكث عيسى عليه السلام حتى بلغ سبع سنين أو ثمانيا، فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فأقام بين أظهرهم يحيي الموتى ويبرئ الاكمه والابرص ويعلمهم التوراة، وأنزل الله عليه الانجيل لما أراد أن يتخذ عليهم حجة، وكان يبعث إلى الروم رجلا لا يداوي أحدا إلا برئ من مرضه، ويبرئ الاكمه والابرص حتى ذكر ذلك لملكهم فأدخل عليه فقال: أتبرئ الاكمه والابرص ؟ قال: نعم، قال: أتي بغلام منخسف الحدقة لم ير شيئا قط، فأخذ بندقتين فبندقهما ثم جعلهما في عينيه ودعا فإذا هو بصير
(1) الخصال 2: 104. والحديث طويل ومسند، اسناده: علي بن عبد الله الاسواري، عن احمد بن محمد السجزي، عن عمرو بن حفص، عن عبد الله بن محمد بن اسد، عن ابي علي الحسين ابن ابراهيم، عن يحيى بن سعيد البصري، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عتبة بن عميد الليثي، عن أبي ذر رحمه الله. (2) توحيد الصدوق: 44 و 46، والحديث مسند راجعه. (3) والحديث طويل أورده في أبواب متعددة حسب مضمونه، وتقدم في باب أنه تعالى خالق كل شئ ما يناسب المقام راجع 4: 147.
[ 252 ]
فأقعده الملك معه وقال: كن معي ولا تخرج من مصري، فأنزله معه بأفضل المنازل. ثم إن المسيح عليه السلام بعث آخر وعلمه ما به يحيي الموتى، فدخل الروم وقال: أنا أعلم من طبيب الملك ؟ فقالوا للملك ذلك، قال: اقتلوه، فقال الطبيب: لا تفعله أدخله فإن عرفت خطاه قتلته ولك الحجة، فأدخل عليه فقال: أنا أحيي الموتى، فركب الملك والناس إلى قبر ابن الملك وكان قد مات في تلك الايام، فدعا رسول المسيح وأمن طبيب الملك الذي هو رسول المسيح أيضا الاول، فانشق القبر فخرج ابن الملك، ثم جاء يمشي حتى جلس في حجر أبيه، فقال: يا بني من أحياك ؟ قال: فنظر فقال: هذا وهذا، فقاما فقالا: إنا رسول المسيح إليك، وإنك كنت لا تسمع من رسله إنما تأمر بقتلهم إذا أتوك، فتابع وأعظموا أمر المسيح عليه السلام حتى قال فيه أعداء الله ما قالوا واليهود يكذبونه ويريدون قتله. (1) 44 – ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن محمد بن الحسين، عن محمد ابن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن الصادق عليه السلام إن عيسى عليه السلام لما أراد وداع أصحابه جمعهم وأمرهم بضعفاء الخلق، ونهاهم عن الجبابرة، فوجه اثنين إلى أنطاكية، فدخلا في يوم عيد لهم فوجداهم قد كشفوا عن الاصنام وهم يعبدونها، فعجلا عليهم بالتعنيف، فشدا بالحديد وطرحا في السجن، فلما علم شمعون بذلك أتى أنطاكية حتى دخل عليهما في السجن، وقال: ألم أنهكما عن الجبابرة ؟ (2) ثم خرج من عندهما وجلس مع الناس مع الضعفاء، فأقبل يطرح كلامه الشئ بعد الشئ، فأقبل الضعيف يدفع كلامه إلى من هو أقوى منه، وأخفوا كلامه إخفاء شديدا، فلم يزل يتراقي الكلام حتى انتهى إلى الملك، فقال: منذ متى هذا الرجل في مملكتي ؟ قالوا: منذ شهرين، فقال: علي به، فأتوه فلما نظر إليه وقعت عليه محبته فقال: لا أجلس إلا وهو معي، فرأى في منامه شيئا أفزعه، فسأل شمعون عنه فأجاب بجواب حسن فرح به، ثم ألقي عليه في المنام ما أهاله فأولها له بما ازداد به سرورا، فلم يزل يحادثه حتى استولى عليه، ثم قال: إن في
(1) قصص الانبياء مخطوط. (2) فكان شمعون أيضا نهاهم عن ذلك، أو كان نهى المسيح كنهيه.
[ 253 ]
حبسك رجلين عابا عليك، قال: نعم، قال: فعلي بهما، فلما أتي بهما قال: ما إلهكما الذي تعبدان ؟ قالا: الله، قال: يسمعكما إذا سألتماه ويجيبكما إذا دعوتماه ؟ قالا: نعم قال شمعون: فأنا أريد أن أستبرئ (1) ذلك منكما، قالا: قل، قال: هل يشفي لكما الابرص ؟ قالا: نعم، قال: فأتي بأبرص، فقال: سلاه أن يشفي هذا، قال: فمسحاه فبرئ، قال: وأنا أفعل مثل ما فعلتما، قال: فأتي بآخر فمسحه شمعون فبرئ، قال: بقيت خصلة إن أجبتماني إليها آمنت بإلهكما، قالا: وماهي ؟ قال: ميت تحييانه ؟ قالا: نعم، فأقبل على الملك وقال: ميت يعنيك أمره ؟ قال: نعم ابني، قال: اذهب بنا إلى قبره فإنهما قد أمكناك من أنفسهما، (2) فتوجهوا إلى قبره فبسطا أيديهما فبسط شمعون يديه فما كان بأسرع من أن صدع القبر وقام الفتى فأقبل على أبيه، فقال أبوه: ما حالك ؟ قال: كنت ميتا ففزعت فزعة فإذا ثلاثة قيام بين يدي الله باسطو أيديهم يدعون الله أن يحييني، وهما هذان وهذا، فقال شمعون: أنا لالهكما من المؤمنين، فقال الملك: أنا بالذي آمنت به يا شمعون من المؤمنين، وقال وزراء الملك: ونحن بالذي آمن به سيدنا من المؤمنين، فلم يزل الضعيف يتبع القوي فلم يبق بالانطاكية أحد إلا آمن به. (3) 45 – ص: في رواية: أتت عيسى امرأة من كنعان بابن لها مزمن، فقالت: يا نبي الله ابني هذا زمن (4) ادع الله له، قال: إنما أمرت أن أبرئ زمنى بني إسرائيل، قالت: يا روح الله إن الكلاب تنال من فضول موائد أربابها إذا رفعوا موائدهم، فأنلنا من حكمتك ما ننتفع به، فاستأذن الله تعالى في الدعاء فأذن له فأبرأه. (5) 46 – ص: بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان قال: سأل أبي أبا عبد الله عليه السلام هل كان عيسى يصيبه ما يصيب ولد آدم ؟ قال: نعم، ولقد كان يصيبه وجع الكبار في صغره، ويصيبه وجع الصغار في كبره، ويصيبه المرض، وكان
(1) أي أردت أن استبين ذلك منكما حتى لا تبقى لي شبهة. (2) أي قد جعلا لك على انفسهما سلطانا وقدرة تقتلهما إن لم يفعلا ذلك. (3) قصص الانبياء مخطوط. (4) الزمن: المصاب بالزمانة وهي تعطيل بعض القوى. (5) قصص الانبياء مخطوط.
[ 254 ]
إذا مسه وجع الخاصرة في صغره وهو من علل الكبار قال لامه: ابغي لي عسلا وشونيزا وزيتا فتعجني به ثم ايتني به، فأتته به فكرهه (1) فتقول: لم تكرهه وقد طلبته ؟ فيقول هاتيه، نعتته لك بعلم النبوة وأكرهته لجزع الصبا، ويشم الدواء ثم يشربه بعد ذلك. (2) 47 – ص: في رواية إسماعيل بن جابر قال أبو عبد الله عليه السلام: إن عيسى بن مريم عليه السلام كان يبكي بكاء شديدا، فلما أعيت مريم كثرة بكائه قال لها: خذي من لحا (3) هذه الشجرة فاجعلي وجورا (4) ثم اسقينيه، فإذا سقى بكى بكاء شديدا، فتقول مريم: ماذا أمرتني ؟ فيقول: يا أماه علم النبوة وضعف الصبا. (5) 48 – ن: بالاسانيد الثلاثة عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عليكم بالعدس فإنه مبارك مقدس يرقق القلب، ويكثر الدمعة، وقد بارك فيه سبعون نبيا آخرهم عيسى بن مريم عليه السلام. (6) 49 – كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن محبوب، عن داود الرقي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: اتقوا الله ولا يحسد بعضكم بعضا، إن عيسى ابن مريم عليه السلام كان من شرائعه السيح في البلاد، فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من أصحابه قصير وكان كثير اللزوم لعيسى بن مريم عليه السلام، فلما انتهى عيسى إلى البحر قال ” بسم الله ” بصحة يقين منه، فمشى على ظهر الماء، فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسى عليه السلام جازه: ” بسم الله ” بصحة يقين منه، فمشى على الماء فلحق بعيسى عليه السلام فدخله العجب بنفسه، فقال: هذا عيسى روح الله يمشي على الماء، وأنا أمشي على الماء فما فضله
(1) في نسخة: فأكرهه. (2) قصص الانبياء مخطوط. (3) اللحاء بالمد – والقصر لغة – ما على العود من قشره. (4) الوجور بالفتح والضم: الدواء الذي يصب في الفم والحلق. (5) قصص الانبياء مخطوط. (6) عيون الاخبار: 207.
[ 255 ]
علي ؟ قال: فرمس في الماء فاستغاث بعيسى عليه السلام فتناوله من الماء فأخرجه، ثم قال له: ما قلت يا قصير ؟ قال: قلت: هذا روح الله يمشي على الماء، وأنا أمشي، (1) فدخلني من ذلك عجب، فقال له عيسى عليه السلام: لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فيه فمقتك الله على ما قلت فتب إلى الله عزوجل مما قلت، قال: فتاب الرجل وعاد إلى مرتبته التي وضعه الله فيها، فاتقوا الله ولا يحسدن بعضكم بعضا. (2) 50 – كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مر عيسى بن مريم عليه السلام بصفائح الروحاء وهو يقول: لبيك عبدك ابن أمتك. (3) 51 – كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام ابن سالم، عن يزيد الكناسي (4) قال: سألت أبا جعفر عليه السلام كان عيسى بن مريم حين تكلم في المهد حجة الله على أهل زمانه ؟ فقال: كان يومئذ نبيا حجة الله غير مرسل، أما تسمع لقوله حين قال: ” إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت و أوصاني بالصلوة والزكوة مادمت حيا ” قلت: فكان يومئذ حجة الله على زكريا عليه السلام في تلك الحال وهو في المهد ؟ فقال: كان عيسى في تلك الحال آية للناس، ورحمة من الله لمريم حين تكلم فعبر عنها، وكان نبيا حجة على من سمع كلامه في تلك الحال، ثم صمت فلم يتكلم
(1) في المصدر: وأنا امشي على الماء. (2) اصول الكافي 2: 306 و 307. (3) فروع الكافي 1: 223 و 224 وقد مضت الرواية تحت رقم 28 ولذا خط عليها في نسخة خطية. (4) في المصدر: بريد بالباء الموحدة وفي هامشه: في بعض النسخ: يزيد الكناسي. واستظهر المامقاني أن الصحيح يزيد وهو أبو خالد الكناسي، حيث ان الشيخ ذكر بريد بالباء في اصحاب الصادق عليه السلام وبالياء المثناة في اصحاب الباقر عليه السلام، ولم يذكر في اصحاب الباقر عليه السلام بريد بالباء الموحدة فحيث ذكر بريد عن الباقر عليه السلام فهو وهم وصوابه يزيد. قلت: قد ذكر ابن حجر في لسان الميزان بريد الكناسي بالموحدة في أصحابهما عليهما السلام، قال: بريد الكناسي حدث عن أبي جعفر وأبي عبد الله قال الدارقطني وابن ماكولا في المؤتلف والمختلف: انه من شيوخ الشيعة. قلت: وذكره الطوسي في الرواة عن جعفر الصادق. انتهى.
[ 256 ]
حتى مضت له سنتان، وكان زكريا عليه السلام الحجة لله عزوجل على الناس بعد صمت عيسى عليه السلام بسنتين، ثم مات زكريا عليه السلام فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير، أما تسمع لقوله عزوجل: ” يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ” فلما بلغ عيسى سبع سنين تكلم بالنبوة والرسالة حين أوحى الله تعالى إليه، فكان عيسى الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين، وليس تبقى الارض يابا خالد يوما واحدا بغير حجة لله على الناس منذ يوم خلق الله آدم عليه السلام وأسكنه الارض. (1) ص: الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى مثله. (2) 52 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا عليه السلام: قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول: يهب الله لي غلاما فقد وهب الله لك فقر عيوننا، فلا أرانا الله يومك، فإن كان كون فإلى من ؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السلام وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين، قال: وما يضره من ذلك شئ، قد قام عيسى عليه السلام بالحجة وهو ابن ثلاث سنين. (3) بيان: هذا الخبر بظاهره ينافي خبر الكناسي، ويمكن أن يوجه بأنه نزل عليه الكتاب في السنة الثالثة ولم يؤمر بتبليغه إلى السابعة، أو يكون المعنى أنه كان في ثلاث سنين نبيا وإن كان قبله أيضا كذلك، ويحتمل أن يكون ضمير هو راجعا إلى أبي جعفر عليه السلام، (4) أي كان عيسى عليه السلام حجة في المهد فلا يستبعد أن يكون أبو جعفر عليه السلام إماما وهو ابن ثلاث سنين. 53 – كا: الحسين بن محمد، عن الخيراني، عن أبيه قال: كنت واقفا بين يدي أبي الحسن عليه السلام بخراسان، فقال له قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من ؟ قال: إلي أبي جعفر ابني، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر عليه السلام، فقال أبو الحسن عليه السلام:
(1) اصول الكافي 1: 382 و 383. (2) قصص الانبياء مخطوط. (3) اصول الكافي 1: 383. (4) بعيد جدا.
[ 257 ]
إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم عليه السلام رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر. (1) 54 – نص: علي بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن عبد الله بن جعفر الحميري، (2) عن الرضا عليه السلام قال: إن الله تعالى احتج بعيسى عليه السلام وهو ابن سنتين. (3) 55 – كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن سعدان بن مسلم، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عيسى بن مريم عليه السلام لما أن مر على شاطئ البحر رمى بقرص من قوته في الماء، فقال له بعض الحواريين: يا روح الله وكلمته لم فعلت هذا وإنما هو من قوتك ؟ قال: فعلت هذا لدابة تأكله من دواب الماء وثوابه عند الله عظيم. (4) 56 – يه: عن جابر بن عبد الله الانصاري أن أمير المؤمنين عليه السلام سأل عن الديراني الذي كان في مسجد براثا وأسلم على يديه: من صلى ههنا ؟ قال: صلى عيسى بن مريم عليه السلام
(1) اصول الكافي 1: 384. (2) في المصدر: عبد الله بن جعفر قال: دخلت على الرضا عليه السلام انا وصفوان بن يحيى وأبو جعفر عليه السلام قائم قد اتى عليه ثلاث سنين، فقلت له: جعلنا الله فداك ان – وأعوذ بالله – حدث حدث فمن يكون بعدك ؟ قال: ابني هذا – وأومأ إليه – قال: فقلنا له: وهو في هذا السن ؟ قال: نعم وهو في هذا السن، ان الله تبارك وتعالى احتج بعيسى عليه السلام وهو ابن سنتين انتهى. قلت: فيه غرابة لان عبد الله بن جعفر قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين، وكان في سن من يحمل عنه الحديث، فسمع أهلها منه وأكثروا، وأبو جعفر الجواد عليه السلام ولد سنة 195، فعليه فيكون عبد الله بن جعفر ممن عمر أكثر من 110 سنة وهو بعيد جدا، فيحتمل قويا اسقاط فاعل (دخلت) عن الاسناد، ويؤيده ما ذكره قبل ذلك باسناده عن علي بن محمد الدقاق قال: حدثني محمد ابن الحسن، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن أحمد بن قتادة، عن المحمودي، عن اسحاق ابن اسماعيل، عن ابراهيم بن أبي محمود قال: كنت واقفا عند رأس أبي الحسن علي بن موسى عليه السلام بطوس قال له بعض من كان عنده: ان حدث حدث فالى من ؟ قال: الى ابني محمد، وكأن السائل استصغر سن ابي جعفر، فقال له ابو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام: ان الله بعث عيسى بن مريم ثابتا به شريعته في دون السن الذي اقيم فيه ابو جعفر ثابتا على شريعته. انتهى. بل يمكن أن يقال باتحاد الحديثين وان احدهما منقول بالمعنى فتأمل. (3) كفاية الاثر: 324. (4) فروع الكافي 1: 164.
[ 258 ]
وأمه، فقال له علي عليه السلام: أفأخبرك من صلى ههنا ؟ قال: نعم، قال: الخليل عليه السلام. (1) أقول: قد مضى بعض أحوال عيسى في باب قصص زكريا ويحيى عليهما السلام وسيأتي خبر الظباء في أرض كربلا في باب إخبار الانبياء بشهادة الحسين عليه السلام، وقد مر في باب جوامع أحوال الانبياء عن الرضا عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام في خبر الشامي أنه عليه السلام قال ستة لم يركضوا في رحم، وعد منها الخفاش الذي عمله عيسى بن مريم عليه السلام وطار بإذن الله عزوجل. وعن الصادق عليه السلام أن الله عزوجل أعطى عيسى حرفين من الاسماء العظام، كان يحيي بهما الموتى، ويبرئ بهما الاكمه والابرص. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى في وصف عيسى عليه السلام: ” ويعلمه الكتاب ” (2) أراد الكتابة، عن ابن جريح، قال: أعطى الله تعالى عيسى تسعة أجزاء من الخط وسائر الناس جزءا، وقيل: أراد به بعض الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه سوى التوراة والانجيل مثل الزبور وغيره، عن أبي علي الجبائي وهو أليق بالظاهر ” والحكمة ” أي الفقه وعلم الحلال والحرام، عن ابن عباس، وقيل: أراد بذلك جميع ما علمه من أصول الدين ” والتوراة والانجيل ” إنما أفردهما تنبيها على جلالة موقعهما ” ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم ” أي قال لهم ذلك لما بعث إليهم ” بآية ” أي بدلالة وحجة ” من ربكم ” دالة على نبوتي ” أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ” معناه: وهذه الآية أني أقدر لكم وأصور لكم من الطين مثل صورة الطير ” فأنفخ فيه ” أي في الطير المقدر من الطين. وقال في موضع آخر: ” فيها ” أي في الهيئة المقدرة ” فيكون طيرا بإذن الله ” و قدرته، وقيل: بأمر الله تعالى، وإنما وصل قوله: ” بإذن الله ” بقوله: ” فيكون طيرا ” دون ما قبله لان تصوير الطين على هيئة الطير والنفخ فيه مما يدخل تحت مقدور العباد، فأما جعل الطين طيرا حتى يكون لحما ودما وخلق الحياة فيه فمما لا يقدر عليه غير الله
(1) من لا يحضره الفقيه: 63. (2) أورد الاية في الباب الاول من احوال عيسى عليه السلام، والترتيب يقتضى ايراد تفسيرها هناك.
[ 259 ]
تعالى، فقال: ” بإذن الله ” ليعلم أنه فعله تعالى (1) وليس بفعل عيسى عليه السلام، وفي التفسير: أنه صنع من الطين كهيئة الخفاش، ونفخ فيه فصار طائرا ” وأبرئ الاكمه ” أي الذي ولد أعمى، عن ابن عباس وقتادة، وقيل: هو الاعمى، عن الحسن والسدي ” والابرص ” الذي به وضح. قال وهب: وربما اجتمع على عيسى عليه السلام من المرضى في اليوم خمسون ألفا، من أطاق منهم أن يبلغه بلغه، ومن لم يطق أتاه عيسى عليه السلام يمشي إليه، وإنما كان يداويهم بالدعاء على شرط الايمان ” وأحيي الموتى بإذن الله ” إنما أضاف الاحياء إلى نفسه على وجه المجاز والتوسع، لان الله كان يحيي الموتى عند دعائه، وقيل: إنه أحيا أربعة أنفس: عازر وكان صديقا له، وكان قد مات منذ ثلاثة أيام فقال لاخته: انطلقي بنا إلى قبره، ثم قال: ” اللهم رب السماوات السبع ورب الارضين السبع إنك أرسلتني إلى بني إسرائيل أدعوهم إلى دينك، وأخبرهم أني أحيي الموتى، فأحي عازر ” فخرج من قبره وبقي وولد له، وابن العجوز مر به ميتا على سريره فدعا الله عيسى فجلس على سريره، ونزل عن أعناق الرجال، ولبس ثيابه ورجع إلى أهله، وبقي وولد له، وابنة العاشر، قيل له: أتحييها وقد ماتت أمس ؟ فدعا الله فعاشت وبقيت وولدت، وسام بن نوح دعا باسم الله الاعظم فخرج من قبره وقد شاب نصف رأسه، فقال: قد قامت القيامة ؟ قال: لا ولكني دعوتك باسم الله الاعظم، قال: ولم يكونوا يشيبون في ذلك الزمان لان سام ابن نوح قد عاش خمسمائة سنة وهو شاب، ثم قال له: مت، قال: بشرط أن يعيذني الله من سكرات الموت، فدعا الله سبحانه ففعل. وقال الكلبي: كان عيسى عليه السلام يحيي الاموات بيا حي يا قيوم ” وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ” كان يقول للرجل: تغديت بكذا وكذا، ورفعت إلى بيتك كذا (2) ” إن في ذلك لآية ” أي حجة ومعجزة ودلالة ” لكم إن كنتم مؤمنين ” بالله لان العلم بالمرسل لابد وأن يكون قبل العلم بالرسول. (3)
(1) في المصدر: ليعلم انه من فعله تعالى. (2) في المصدر: ورفعت الى الليل كذا وكذا. (3) مجمع البيان 2: 445 و 466 وفيه بعد قوله: بالله: إذ كان لا يصح العلم بمدلول المعجزة =
[ 260 ]
وقال رحمه الله في قوله تعالى: ” إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ” قيل فيه أقوال: أحدها: أن يكون معناه: هل يفعل ربك ذلك بمسألتك إياه لتكون علما على صدقك ؟ ولا يجوز أن يكونوا شكوا في قدرة الله سبحانه على ذلك، لانهم كانوا عارفين مؤمنين، وكأنهم سألوه ذلك ليعرفوا صدقه وصحة أمره من حيث لا يعترض عليهم (1) فيه إشكال ولا شبهة، ومن ثم قالوا: ” وتطمئن قلوبنا ” كما قال إبراهيم عليه السلام ” ولكن ليطمئن قلبي ” عن أبي علي الفارسي. وثانيها: أن المراد: هل يقدر ربك ؟ وكان هذا في ابتداء أمرهم قبل أن يستحكم معرفتهم بالله، ولذلك أنكر عليهم عيسى عليه السلام فقال: ” اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ” لانهم لم يستكمل إيمانهم في ذلك الوقت. وثالثها: أن يكون معناه: هل يستجيب لك ربك ؟ وإليه ذهب السدي في قوله: يريد: هل يطيعك ربك إن سألته ؟ وهذا على أن يكون استطاع بمعنى أطاع كما يكون استجاب بمعنى أجاب. قال الزجاج: يحتمل مسألة الحواريين عيسى المائدة ضربين: أحدهما أن يكونوا أرادوا أن يزدادوا تثبيتا، كما قال إبراهيم عليه السلام: ” رب أرني كيف تحيي الموتى (2) ” وجائز أن تكون مسألتهم المائدة قبل علمهم أنه أبرأ الاكمه والابرص و أحيا الموتى. ” قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ” معناه: اتقوا الله أن تسألوه شيئا لم تسأله الامم قبلكم، وقيل: معناه الامر بالتقوى مطلقا، كما أمر الله سبحانه المؤمنين بها في قوله: ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله (3) ” عن أبي علي الفارسي، وقيل: أمرهم أن لا يقترحوا
= الا لمن آمن بالله، لان العلم بالمرسل لابد أن يكون قبل العلم بالرسول، وفي الاية دلالة على أن عيسى عليه السلام كان مبعوثا الى جميع بني اسرائيل. (1) في المصدر: من حيث لا يعرض عليهم. (2) البقرة: 260. (3) آل عمران: 102.
[ 261 ]
الآيات، وأن لا يقدموا بين يدي الله ورسوله، لان الله تعالى قد أراهم البراهين والمعجزات بإحياء الموتى وغيره مما هو أو كد مما سألوه وطلبوه، عن الزجاج. ” قالوا ” أي قال الحواريون: ” نريد أن نأكل منها ” قيل في معناه قولان: أحدهما أن يكون الارادة التي هي من أفعال القلوب، ويكون التقدير فيه: نريد السؤال من أجل هذا الذي ذكرنا، والآخر أن تكون الارادة هنا بمعنى المحبة التي هي ميل الطباع، أي نحب ذلك ” وتطمئن قلوبنا ” يجوز أن يكونوا قالوه وهم مستبصرون في دينهم، ومعناه: نريد أن نزداد يقينا، وذلك أن الدلائل كلما كثرت مكنت المعرفة في النفس، عن عطاء ” ونعلم أن قد صدقتنا ” بأنك رسول الله، وهذا يقوي قول من قال: إن هذا كان في ابتداء أمرهم، والصحيح أنهم طلبوا المعاينة والعلم الضروري والتأكيد في الاعجاز ” ونكون عليها من الشاهدين ” لله بالتوحيد، ولك بالنبوة، وقيل: من الشاهدين لك عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم. ثم أخبر سبحانه عن سؤال عيسى إياه فقال: ” قال عيسى بن مريم ” عن قومه لما التمسوا عنه، وقيل: إنه إنما سأل ربه ذلك حين أذن له في السؤال: ” اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ” أي خوانا عليه طعام من السماء ” تكون لنا عيدا ” قيل في معناه قولان: أحدهما: نتخذ اليوم الذي تنزل فيه عيدا نعظمه نحن ومن يأتي بعدنا، عن السدي وقتادة وابن جريح وهو قول أبي علي الجبائي. الثاني: أن معناه: يكون عائدة فضل من الله (1) ونعمة منه لنا، والاول هو الوجه ” لاولنا وآخرنا ” أي لاهل زماننا ومن يجئ بعدنا، وقيل: معناه: يأكل منها آخر الناس كما يأكل أولهم، عن ابن عباس ” وآية منك ” أي دلالة منك عظيمة الشأن في إزعاج قلوب العباد إلى الاقرار بمدلولها، والاعتراف بالحق الذي يشهد به ظاهرها يدل (2) على توحيدك وصحة نبوة نبيك ” وارزقنا ” أي واجعل ذلك رزقا لنا، وقيل: معناه: و ارزقنا الشكر عليها، عن الجبائي ” وأنت خير الرازقين ” وفي هذا دلالة على أن العباد قد يرزق بعضهم بعضا، لانه لو لم يكن كذلك لم يصح أن يقال له سبحانه: ” أنت خير الرازقين “
(1) في المصدر: تكون عائدة فضل من الله علينا. (2) في المصدر: تدل.
[ 262 ]
كما لا يجوز أن يقال: أنت خير الآلهة، لما لم يكن غيره إلها ” قال الله ” مجيبا له إلى ما التمسه: ” إني منزلها ” يعني المائدة ” عليكم فمن يكفر بعد منكم ” أي بعد إنزالها عليكم ” فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ” قيل في معناه أقوال: أحدها: أراد عالمي زمانهم (1) فجحد القوم وكفروا بعد نزولها فمسخوا قردة و خنازير، عن قتادة، وروي عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنهم مسخوا خنازير. وثانيها أنه أراد عذاب الاستيصال. وثالثها: أنه أراد جنسا من العذاب لا يعذب به أحدا غيرهم، وإنما استحقوا هذا النوع من العذاب بعد نزول المائدة لانهم كفروا بعد ما رأوا الآية التي هي من أزجر الآيات عن الكفر بعد سؤالهم لها، فاقتضت الحكمة اختصاصهم بفن من العذاب عظيم الموقع، كما اختصت آيتهم بفن من الزجر عظيم الموقع. القصة. اختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا ؟ فقال الحسن ومجاهد: إنها لم تنزل، وإن القوم لما سمعوا الشرط استعفوا من نزولها، وقالوا: لا نريدها ولا حاجة لنا فيها، فلم تنزل، والصحيح أنها نزلت لقوله سبحانه: ” إني منزلها عليكم ” ولايجوز أن يقع في خبره الخلف، ولان الاخبار قد استفاضت عن النبي والصحابة والتابعين في أنها نزلت، قال كعب: إنها نزلت يوم الاحد، ولذلك اتخذه النصارى عيدا، واختلفوا في كيفية نزولها وما عليها، فروي عن عمار بن ياسر، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: نزلت المائدة خبزا ولحما، وذلك أنهم سألوا عيسى عليه السلام طعاما لا ينفد يأكلون منها، قال: فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم ما لم تخونوا أو تخبؤوا (2) وترفعوا، فإن فعلتم ذلك عذبتم، قال: فما مضى يومهم حتى خبؤوا ورفعوا وخانوا. وقال ابن عباس: إن عيسى بن مريم قال لبني إسرائيل: صوموا ثلاثين يوما، ثم سلوا الله ما شئتم يعطكموه، (3) فصاموا ثلاثين يوما، فلما فرغوا قالوا: يا عيسى إنا لو عملنا
(1) في المصدر: إنه أراد عالمي زمانه. (2) في المصدر: وتخبؤوا. (3) قى المصدر: ثم اسألوا الله ما شئتم يعطيكم.
[ 263 ]
لاحد من الناس فقضينا عمله لاطعمنا طعاما، وإنا صمنا وجعنا فادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء، فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعتها بين أيديهم، (1) فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام وروى عطاء بن السائب عن زاذان وميسرة قالا: كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل اختلفت عليهم الايدي من السماء بكل طعام إلا اللحم، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أنزل على المائدة كل شئ إلا الخبز واللحم، وقال عطاء: نزل عليها كل شئ إلا السمك واللحم، وقال عطية العوفي: نزل من السماء سمكة فيها طعم كل شئ وقال عمار وقتادة: كان عليها ثمر من ثمار الجنة، وقال قتادة: كانت تنزل عليهم بكرة وعشيا حيث كانوا، كالمن والسلوى لبني إسرائيل، وقال يمان بن رئاب: كانوا يأكلون منها ما شاؤوا، وروى عطاء بن أبي رياح عن سلمان الفارسي أنه قال: والله ماتبع عيسى عليه السلام شيئا من المساوي قط ولا انتهر شيئا، (2) ولا قهقه ضحكا ولا ذب ذبابا عن وجهه، ولا أخذ على أنفه من شئ نتن قط، ولا عبث قط، ولما سأله الحواريون أن ينزل عليهم مائدة لبس صوفا وبكى وقال: ” اللهم ربنا أنزل علينا مائدة ” الآية، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضة حتى سقطت بين أيديهم، فبكى عيسى عليه السلام وقال: ” اللهم اجعلني من الشاكرين، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة و عقوبة ” واليهود ينظرون إليها ينظرون إلى شئ لم يروا مثله قط، ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه، فقام عيسى عليه السلام فتوضأ وصلى صلاة طويلة ثم كشف المنديل عنها وقال: ” بسم الله خير الرازقين ” فإذا هو سمكة مشوية ليس عليها فلوسها، تسيل سيلا من الدسم، وعند رأسها ملح، وعند ذنبها خل، وحولها من أنواع البقول ما عدا الكراث، وإذا خمسة أرغفة، على واحد منها زيتون، وعلى الثاني عسل، وعلى الثالث سمن، وعلى الرابع جبن، وعلى الخامس قديد، فقال شمعون: يا روح الله أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة ؟ فقال عيسى: ليس شئ مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة، ولكنه شئ افتعله الله
(1) في المصدر: حتى وضعوها بين ايديهم. (2) الصواب كما في المصدر: ولا انتهر يتيما.
[ 264 ]
تعالى بالقدرة الغالبة، كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله، وقال الحواريون: يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية اليوم آية أخرى، فقال عيسى عليه السلام: يا سمكة احيي بإذن الله، فاضطربت السمكة وعاد عليها فلوسها وشوكها ففزعوا منها، فقال عيسى عليه السلام: مالكم تسألون أشياء إذا أعطيتموها كرهتموها ؟ ! ما أخوفني عليكم أن تعذبوا، يا سمكة عودي كما كنت بإذن الله، فعادت السمكة مشوية كما كانت، قالوا: يا روح الله كن أول من يأكل منها ثم نأكل نحن، فقال عيسى: معاذ الله أن آكل منها، ولكن يأكل منها من سألها، فخافوا أن يأكلوا منها، فدعا لها عيسى عليه السلام أهل الفاقة والزمنى والمرضى و المبتلين فقال: كلوا منها ولكم الهناء ولغيركم البلاء، فأكل منها ألف وثلاث مائة رجل وامرأة من فقير ومريض ومبتلى وكلهم شبعان يتجشى، ثم نظر عيسى عليه السلام إلى السمكة فإذا هي كهيئتها كما نزلت من السماء، ثم طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى توارت عنهم فلم يأكل منها يومئذ زمن إلا صح، ولا مريض إلا برئ، ولا فقير إلا استغنى ولم يزل غنيا حتى مات، وندم الحواريون ومن لم يأكل منها، وكانت إذا نزلت اجتمع الاغنياء والفقراء والصغار والكبار يتزاحمون عليها، فلما رأى ذلك عيسى عليه السلام جعلها نوبة بينهم، فلبثت أربعين صباحا تنزل ضحى فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفئ (1) طارت صعدا وهم ينظرون في ظلها حتى توارت عنهم، وكانت تنزل غبا: يوما ويوما لا، فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام اجعل مائدتي للفقراء دون الاغنياء فعظم ذلك على الاغنياء حتى شكوا وشككوا الناس فيها، فأوحى الله تعالى إلى عيسى: إني شرطت على المكذبين شرطا: إن من كفر بعد نزولها أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، فقال عيسى: ” إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ” فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين رجلا باتوا من ليلهم على فرشهم مع نسائهم في ديارهم فأصبحوا خنازير، يسعون في الطرقات والكناسات، ويأكلون العذرة في الحشوش، (2) فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى عليه السلام وبكوا وبكى على الممسوخين
(1) اي رجع. (2) الحشوش: جمع الحش: الكنيف ومواضع قضاء الحاجة، واصله من الحش بمعنى البستان، لانهم كانوا كثيرا ما يتغوطون في البستان.
[ 265 ]
أهلوهم فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا. وفي تفسير أهل البيت عليهم الصلاة والسلام: كانت المائدة تنزل عليهم فيجتمعون عليها ويأكلون منها ثم يرفع، (1) فقال كبراؤهم ومترفوهم: لا ندع سفلتنا يأكلون منها معنا، فرفع الله المائدة ببغيهم ومسخوا قردة وخنازير انتهى كلامه رحمه الله. (2) وقال الثعلبي في تفسيره: قالت العلماء بأخبار الانبياء: بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين إلى أنطاكية، فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب صاحب ياسين، فسلما عليه، فقال الشيخ لهما: من أنتما ؟ قالا: رسولا عيسى ندعوكم من عبادة الاوثان إلى عبادة الرحمن، فقال: أمعكما آية ؟ قالا: نعم، نحن نشفي المريض ونبرئ الاكمه والابرص بإذن الله، فقال الشيخ: إن لي ابنا مريضا صاحب فراش منذ سنين، قالا: فانطلق بنا إلى منزلك نتطلع حاله، فأتى بهما إلى منزله فمسحا ابنه فقام في الوقت بإذن الله صحيحا، ففشا الخبر في المدينة وشفى الله على يديهما كثيرا من المرضى وكان لهم ملك يقال له شلاحن، (3) وكان من ملوك الروم يعبد الاصنام، قالوا: فأنهى الخبر إليه فدعاهما فقال لهما: من أنتما ؟ قالا: رسولا عيسى، قال: وما آيتكما ؟ قالا: نبرئ الاكمه والابرص، ونشفي المرضى بإذن الله، قال: وفيم جئتما ؟ قالا: جئناك ندعوك من عبادة مالا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر، فقال الملك: ولنا إله سوى آلهتنا ؟ قالا: نعم، من أوجدك وآلهتك، قال: قوما حتى أنظر في أمركما، فتتبعهما ناس فأخذوهما وضربوهما في السوق. وقال وهب بن منبه: بعث عيسى عليه السلام هذين الرسولين إلى أنطاكية فأتياها ولم يصلا إلى ملكها، فطالت مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكر الله، فغضب الملك وأمر بهما فأخذا وحبسا وجلد كل واحد منهما مائة جلدة، قالوا: فلما كذب الرسولان وضربا بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا (4) على أثرهما لينصرهما، فدخل
(1) في المصدر: ثم ترتفع. (2) مجمع البيان 3: 267 264. (3) لم يذكر اسمه في مجمع البيان. (4) الصفا: الحجر والنصارى يسمونه پطرس باليونانية، وبالسريانية: كيفاس، وهما بمعنى الحجر. وكان تلامذة المسيح يسمون بالحجر لابتناء المسيحية والكنيسة عليهم.
[ 266 ]
شمعون البلدة متنكرا وجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به، فرفع خبره إلى الملك (1) فدعاه فرضي عشرته وأنس به وأكرمه، ثم قال له ذات يوم: أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك، فهل كلمتهما وسمعت قولهما ؟ فقال الملك: حال الغضب بيني وبين ذلك، قال: فإن رأى الملك دعاهما حتى يتطلع ما عندهما، (2) فدعاهما الملك فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى ههنا ؟ قالا: الله الذي خلق كل شئ وليس له شريك، قال لهما شمعون: فصفاه وأوجزا، فقالا: إنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، قال شمعون: وما آيتكما ؟ قالا له: ما تتمناه، فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين، موضع عينيه كالجبهة، فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما، فتعجب الملك فقال شمعون للملك: إن أنت سألت (3) إلهك حتى يصنع صنيعا مثل هذا فيكون لك ولالهك شرفا، فقال له الملك: ليس لي عنك سر، إن إلهنا الذي نعبده لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع ! وكان شمعون إذا دخل الملك بيت الصنم يدخل بدخوله ويصلي كثيرا ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم، فقال الملك للرسولين: إن قدر إلهكما الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما، قالا: إلهنا قادر على كل شئ، فقال الملك: إن ههنا ميتا مات منذ سبعة أيام ابن لدهقان وأنا أخذته ولم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان غائبا، فجاؤوا بالميت وقد تغير وأروح، وجعلا يدعوان ربهما علانية، وجعل شمعون يدعو ربه سرا، فقام الميت وقال: إني قد مت منذ سبعة أيام وأدخلت في سبعة أودية من النار، وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله، ثم قال: فتحت أبواب السماء فنظرت فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة ؟ قال الملك: ومن الثلاثة ؟ قال: شمعون وهذان، وأشار إلى صاحبيه، فتعجب الملك، فلما علم شمعون أن قوله قد أثر في الملك أخبره بالحال ودعاه فآمن قوم، (4) وكان الملك فيمن آمن،
(1) في المجمع: ورفعوا خبره إلى الملك. (2) في المصدر: حتى نتطلع ما عندهما. (3) في المصدر: أرأيت لو أنت سألت. (4) في المصدر: دعاه إلى الله فآمن وآمن من أهل مملكته قوم.
[ 267 ]
وكفر آخرون. انتهى. (1) وذكر الطبرسي رحمه الله هذه القصة إلى هذا الموضع، ثم قال: وقد روى مثل ذلك العياشي بإسناده عن الثمالي وغيره عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام إلا أن في بعض الروايات: بعث الله الرسولين إلى أهل أنطاكية ثم بعث الثالث، وفي بعضها أن عيسى أوحى الله إليه أن يبعثهما، ثم بعث وصيه شمعون ليخلصهما، وأن الميت الذي أحياه الله بدعائهما كان ابن الملك، وساق الخبر إلى آخر ما أورده علي بن إبراهيم، (2) ثم قال: وقال ابن إسحاق: بل كفر الملك وأجمع هو وقومه على قتل الرسل، فبلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة الاقصى فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة الرسل. انتهى. (3) وقال صاحب الكامل والثعلبي في العرائس: لما كانت مريم بمصر نزلت على دهقان وكانت داره يأوي إليها الفقراء والمساكين، فسرق له مال فلم يتهم إلا المساكين، فحزنت مريم، فلما رأى عيسى عليه السلام حزن أمه قال: أتريدين أن أدله على ماله ؟ قالت: نعم، قال: إنه أخذه الاعمى والمقعد اشتركا فيه حمل الاعمى المقعد فأخذه، فقيل للاعمى: ليحمل المقعد، فأظهر المقعد العجز، فقال له المسيح: كيف قويت على حمله البارحة لما أخذتما المال ! (4) فاعترفا فأعاداه ونزل بالدهقان أضياف ولم يكن عنده شراب فاهتم لذلك، فلما رآه عيسى عليه السلام دخل
(1) الكشف والبيان مخطوط. (2) باختلاف كثير في ألفاظه. (3) مجمع البيان 8: 419 و 420. (4) في العرائس زيادة: فلما سمعوه يقول ذلك ضربوا الاعمى حتى قام، فلما استقل قائما هوى المقعد إلى كوة الخزانة، فقال عيسى للدهقان: هكذا احتالا على مالك البارحة، لان الاعمى استعان بقوته والمقعد بعينيه، فقال الاعمى والمقعد: صدق والله، فردا على الدهقان ماله كله، فاخذه الدهقان ووضعه في خزانته وقال: يا مريم خذي نصفه، فقالت: إني لم اخلق لذلك، قال الدهقان فاعطيه لابنك ؟ قالت: هو أعظم مني شأنا، ثم لم يلبث الدهقان أن أعرس لابن له، فصنع عيدا فجمع عليه أهل مصر كلهم فكان يطعمهم شهرين، فلما انقضى ذلك زاره قوم من اهل الشام ولم يعلم الدهقان بهم حتى نزلوا به وليس عنده يومئذ شراب.
[ 268 ]
بيتا للدهقان فيه صفان من جرار، فأمر عيسى عليه السلام يده على أفواهها وهو يمشي فامتلات شرابا، وعمره حينئذ اثنتا عشرة سنة، وكان في الكتاب يحدث الصبيان بما يصنع أهلوهم وبما يأكلون، قال وهب: بينما عيسى عليه السلام يلعب مع الصبيان إذ وثب غلام على صبي فضربه على رجله فقتله، فألقاه بين رجلي المسيح متلطخا بالدم، (1) فانطلقوا به إلى الحاكم في ذلك البلد وقالوا: قتل صبينا، فسأله الحاكم فقال: ما قتلته، فأرادوا أن يبطشوا به فقال: ايتوني بالصبي حتى أسأله من قتله، فعجبوا من قوله وأحضروه عند القتيل، (2) فدعا الله تعالى وأحياه، فقال: من قتلك ؟ فقال: قتلني فلان، (3) فقال بنو إسرائيل للقتيل: من هذا ؟ قال: عيسى بن مريم، ثم مات من ساعته. وقال عطاء: سلمت مريم عيسى عليه السلام إلى صباغ يتعلم عنده، فاجتمع عند الصباغ ثياب وعرض له حاجة، فقال للمسيح عليه السلام: هذه ثياب مختلفة الالوان، وقد جعلت في كل ثوب خيطا على اللون الذي تصبغ به فاصبغها حتى أعود من حاجتي هذه، فأخذها المسيح وألقاها في حب واحد، فلما عاد الصباغ سأله عن الثياب فقال: صبغتها، فقال: أين هي ؟ قال: في هذا الحب، قال: كلها ؟ قال: نعم، قال: قد أفسدتها على أصحابها وتغيظ عليه، فقال له المسيح: لا تعجل وانظر إليها، فقام وأخرج كل ثوب منها على اللون الذي أراد صاحبه، فتعجب الصباغ منه، وعلم أن ذلك من الله تعالى. ولما عاد عيسى وأمه إلى الشام (4) نزلا بقرية يقال لها ناصرة وبها سميت
(1) في العرائس زيادة وهي: فاطلع الناس عليه فاتهموه به فأخذوه. (2) في المجمع: فتعجبوا من قوله وأحضروا عنده القتيل فدعا الله تعالى فاحياه. (3) في المصدر زيادة: يعني الذي قتله. (4) في العرائس: قال وهب: لما مات هردوس الملك بعد اثنتى عشر سنة من مولد عيسى عليه السلام أوحى الله تعالى إلى مريم يخبرها بموت هردوس ويأمرها مع ابن عمها يوسف النجار إلى الشام، فرجع عيسى وامه وسكنا في جبل الخليل في قرية يقال لها ناصرة وبها سميت النصارى وكان عيسى عليه السلام يتعلم في الساعة علم يوم، وفي اليوم علم شهر، وفي الشهر علم سنة، فلما تمت ثلاثون سنة أوحى الله تعالى إليه اه.
[ 269 ]
النصارى فأقام إلى أن بلغ ثلاثين سنة، فأوحى الله إليه أن يبرز للناس ويدعوهم إلى الله تعالى، ويداوي الزمنى والمرضى والاكمه والابرص وغيرهم من المرضى، ففعل ما أمر به، فأحبه الناس وكثر أتباعه، (1) وحضر يوما طعام بعض الملوك كان دعا الناس إليه، فقعد على قصعة يأكل منها ولا ينقص، قال الملك: من أنت ؟ قال: أنا عيسى ابن مريم، فنزل الملك (2) وأتبعه في نفر من أصحابه فكانوا الحواريين، وقيل: إن الحواريين هم الصباغ الذي تقدم ذكره وأصحاب له، وقيل: كانوا صيادين، وقيل: كانوا قصارين، وقيل: ملاحين والله أعلم. (3) أقول: وقال السيد ابن طاوس في سعد السعود: رأيت في الانجيل أن عيسى عليه السلام صعد السفينة ومعه تلاميذه وإذا اضطراب عظيم في البحر حتى كادت السفينة تتغطى بالامواج، وكان هو كالنائم، فتقدم إليه تلاميذه وأيقظوه وقالوا: يا سيدنا نجنا لكيلا نهلك، فقال لهم: يا قليلي الايمان ما أخوفكم ! فعند ذلك قام وانتهر الرياح فصار هدء عظيما، (4) فتعجب الناس (5) وقالوا: كيف هذا ؟ إن الرياح والبحر لتسمعان منه. (6)
(1) في المصدر: وعلا ذكره. وفي العرائس بعد ذلك زيادة راجع. (2) في الكامل: فنزل الملك عن ملكه. (3) الكامل 1: 108، العرائس: 217 – 219. (4) الهدء والهدوء: السكون. (5) في المصدر: فتعجب الناس من ذلك. (6) سعد السعود: 56.
[ 270 ]
(باب 19) * (ما جرى بينه عليه السلام وبين ابليس لعنه الله) * 1 – لى: ابن شاذويه، عن محمد الحميري، عن أبيه، عن ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما مضى لعيسى عليه السلام ثلاثون سنة بعثه الله عزوجل إلى بني إسرائيل، فلقيه إبليس على عقبة بيت المقدس وهي عقبة أفيق، (1) فقال له: يا عيسى أنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أن تكونت من غير أب ؟ قال عيسى: بل العظمة للذي كونني، وكذلك كون آدم وحواء قال إبليس: يا عيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تكلمت في المهد صبيا ؟ قال عيسى: يا إبليس بل العظمة للذي أنطقني في صغري ولو شاء لابكمني، قال إبليس: فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيه فيصير طيرا ؟ قال عيسى: بل العظمة للذي خلقني وخلق ما سخر لي، قال إبليس: فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تشفي المرضى ؟ قال عيسى: بل العظمة للذي بإذنه أشفيهم وإذا شاء أمرضني، قال إبليس فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تحيي الموتى ؟ قال عيسى: بل العظمة للذي بإذنه أحييهم، ولا بد من أن يميت ما أحييت ويميتني، قال إبليس: يا عيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تعبر البحر فلا تبتل قدماك ولا ترسخ فيه ؟ قال عيسى: بل العظمة للذي ذلله لي ولو شاء أغرقني، قال إبليس: يا عيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنه سيأتي عليك يوم تكون السماوات والارض ومن فيهن دونك، وأنت فوق ذلك كله تدبر الامر، وتقسم الارزاق ؟ فأعظم عيسى عليه السلام ذلك من قول إبليس الكافر اللعين، فقال عيسى: سبحان الله ملء سماواته وأرضه، ومداد كلماته، وزنة عرشه، ورضى نفسه. قال: فلما سمع إبليس لعنه الله ذلك ذهب على وجهه لا يملك من نفسه شيئا حتى وقع في اللجة الخضراء.
(1) بفتح الهمزة ثم الكسر فالسكون.
[ 271 ]
قال ابن عباس: فخرجت امرأة من الجن تمشي على شاطئ البحر فإذا هي بإبليس ساجدا على صخرة صماء تسيل دموعه على خديه، فقامت تنظر إليه تعجبا، ثم قالت له: ويحك يا إبليس ما ترجو بطول السجود ؟ فقال لها: أيتها المرأة الصالحة ابنة الرجل الصالح أرجو إذ أبر ربي عزوجل قسمه (1) وأدخلني نار جهنم أن يخرجني من النار برحمته. (2) 2 – ص: الصدوق بإسناده عن ابن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن بريد القصراني قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: صعد عيسى عليه السلام على جبل بالشام يقال له أريحا، فأتاه إبليس في صورة ملك فلسطين فقال له: يا روح الله أحييت الموتى وأبرأت الاكمه والابرص، فاطرح نفسك عن الجبل، فقال عيسى عليه السلام: إن ذلك أذن لي فيه وهذا لم يؤذن لي فيه. (3) 3 – ص: الصدوق، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن محمد بن خالد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق عليه السلام قال: جاء إبليس إلى عيسى عليه السلام فقال: أليس تزعم أنك تحيي الموتى ؟ قال عيسى: بلى، قال إبليس: فاطرح نفسك من فوق الحائط، فقال عيسى: ويلك إن العبد لا يجرب ربه. وقال إبليس: يا عيسى هل يقدر ربك على أن يدخل الارض في بيضة والبيضة كهيئتها ؟ فقال: إن الله تعالى لا يوصف بعجز، والذي قلت لا يكون يعني هو مستحيل في نفسه كجمع الضدين. (4) 4 – شى: عن سعد الاسكاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لقي إبليس عيسى بن مريم عليه السلام فقال: هل نالني من حبائلك شئ ؟ قال: جدتك التي قالت: ” رب إني وضعتها أنثى ” إلى قوله: ” من الشيطان الرجيم “. (5) بيان: يعني كيف ينالك من حبائلي وجدتك دعت حين ولدت والدتك أن يعيذها الله وذريتها من شر الشيطان الرجيم وأنت من ذريتها ؟.
(1) في المصدر: إذا ابر ربي عزوجل قسمه. (2) امالي الصدوق: 122 – 123. (3) قصص الانبياء مخطوط. (4) قصص الانبياء مخطوط. والظاهر أن التفسير من الراوندي رحمه الله. (5) تفسير العياشي مخطوط، وأخرجه البحراني ايضا في البرهان 1: 282.
[ 272 ]
(باب 20) * (حواريه وأصحابه وأنهم لم سموا حواريين) * * (وأنه لم سمى النصارى نصارى) * الايات، آل عمران ” 3 ” فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون * ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين * ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين 52 – 54. الحديد ” 57 ” وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الانجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون 27. الصف ” 61 ” يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين 14. 1 – فس: روى ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: ” فلما أحس عيسى منهم الكفر ” أي لما سمع ورأى أنهم يكفرون، والحواس الخمس التي قدرها الله في الناس السمع للصوت، والبصر للالوان وتميزها، والشم لمعرفة الروائح الطيبة والمنتنة، (1) والذوق للطعوم وتميزها، واللمس لمعرفة الحار والبارد واللين والخشن. (2) 2 – ع، ن: الطالقاني، عن أحمد الهمداني، عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه قال: قلت للرضا عليه السلام: لم سمي الحواريون الحواريين ؟ قال: أما عند الناس فإنهم سموا حواريين لانهم كانوا قصارين يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل، وهو
(1) في نسخة: والخبيثة. (2) تفسير القمي: 93.
[ 273 ]
اسم مشتق من الخبز الحوارى، (1) وأما عندنا فسمي الحواريون حواريين لانهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلصين لغيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير، قال: فقلت له: فلم سمي النصارى نصارى ؟ قال: لانهم من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام نزلتها مريم وعيسى عليهما السلام بعد رجوعهما من مصر. (2) مع: مرسلا مثله. (3) 3 – ل: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، عن أحمد بن الفضل بن المغيرة، عن منصور ابن عبد الله بن إبراهيم الاصبهاني، عن علي بن عبد الله، عن محمد بن هارون بن حميد، عن محمد ابن المغيرة الشهرزوري، عن يحيى بن الحسين المدائني، عن ابن لهيعة، (4) عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين: مؤمن آل يس، وعلي بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون. (5) أقول: روى الثعلبي في تفسيره عن أبي بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن علي، عن عبد الله بن فارس بن محمد العمري، عن إبراهيم بن الفضل بن مالك، عن الحسين بن عبد الرحمن ابن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمرو بن جميع، عن محمد بن أبي ليلى، عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سباق (6) الامم ثلاث لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون، فهم
(1) الخبز الحوارى: الذي نخل مرة بعد مرة. (2) علل الشرائع: 38، عيون الاخبار: 233 و 234. (3) معاني الاخبار: 19. (4) في المطبوع: ” أبي لهيعة ” وهو مصحف، والصحيح ابن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء وهو عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان بن ربيعة بن ثوبان الحضرمي الاعدولي – ويقال: النافقي = أبو عبد الرحمن المصري الفقيه القاضي المتوفى سنة 174. وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس الاسدي مولاهم أبو الزبير المكي المتوفى سنة 126، ترجمهما العامة في كتبهم. (5) الخصال 1: 82. (6) بالضم جمع السابق.
[ 274 ]
الصديقون: حبيب النجار مؤمن آل يس، وحزبيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم. (1) 4 – شى: عن مروان، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر النصارى وعداوتهم فقال: قول الله: ” ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ” قال: أولئك كانوا قوما بين عيسى ومحمد ينتظرون مجئ محمد صلى الله عليه وآله. (2) 5 – شى: عن محمد بن يوسف الصنعاني، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر عليه السلام ” إذ أوحيت إلى الحواريين ” قال: ألهموا. (3) 6 – كا: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن معاوية بن عمار، عن ناجية قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: (4) إن المغيرة يقول: إن المؤمن لا يبتلى بالجذام ولا بالبرص ولا بكذا ولا بكذا، فقال: إن كان لغافلا عن صاحب يس، إنه كان مكنعا، ثم رد أصابعه فقال: كأني أنظر إلى تكنيعه أتاهم فأنذرهم ثم عاد إليهم من الغد فقتلوه. (5) بيان: كنعت أصابعه أي تشنجت ويبست، وكنع يده تكنيعا: جعلها شلا. 7 – كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي يحيى كوكب الدم، (6) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن حواري عيسى عليه السلام كانوا شيعته، وإن شيعتنا حواريونا، وما كان حواري عيسى عليه السلام بأطوع له من حوارينا لنا، وإنما قال عيسى عليه السلام للحواريين: ” من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ” فلا والله ما نصروه من اليهود ولا قاتلوهم دونه، وشيعتنا والله
(1) الكشف والبيان مخطوط، وذكره أيضا في العرائس: 228. (2) تفسير العياشي مخطوط، وأخرجه البحراني أيضا في البرهان 1: 493. (3) تفسير العياشي مخطوط، وأخرجه البحراني أيضا في البرهان 1: 511. (4) في المصدر: عن ابي عبد الله عليه السلام. (5) اصول الكافي 2: 254. (6) اسمه زكريا. (*)
[ 275 ]
لم يزالوا منذ قبض الله عز ذكره رسوله صلى الله عليه وآله ينصرونا ويقاتلون دوننا، ويحرقون و يعذبون ويشردون في البلدان، جزاهم الله عنا خيرا. (1) بيان: قال الطبرسي رحمه الله: ” فلما أحس ” أي وجد، وقيل: أبصر ورأى، و قيل: علم ” عيسى منهم الكفر ” وأنهم لا يزدادون إلا إصرارا على الكفر بعد ظهور الآيات والمعجزات امتحن المؤمنين من قومه بالسؤال والتعرف عما في اعتقادهم من نصرته ” قال من أنصاري إلى الله ” وقيل: إنه لما عرف منهم العزم على قتله قال: من أنصاري إلى الله، وفيه أقوال: أحدها: أن معناه: من أعواني على هؤلاء الكفار مع معونة الله تعالى ؟ عن السدي وابن جريح. والثاني: أن معناه: من أنصاري في السبيل إلى الله ؟ عن الحسن لانه دعاهم إلى سبيل الله. والثالث: أن معناه: من أعواني على إقامة الدين المؤدي إلى الله ؟ أي إلى نيل ثوابه كقوله: ” إني ذاهب إلى ربي سيهدين ” (2) ومما يسأل على هذا أن عيسى إنما بعث للوعظ دون الحرب فلما استنصر عليهم ؟ فيقال لهم: للحماية من الكافرين الذين أرادوا قتله عند إظهار الدعوة، عن الحسن ومجاهد، وقيل أيضا: يجوز أن يكون طلب النصرة للتمكين من إقامة الحجة ولتميز الموافق والمخالف. (3) ” قال الحواريون ” واختلف في سبب تسميتهم بذلك على أقوال: أحدها: أنهم سموا بذلك لنقاء ثيابهم، عن سعيد بن جبير. وثانيها: أنهم كانوا قصارين (4) يبيضون الثياب، عن أبي نجيح، (5) عن أبي أرطاة.
(1) روضة الكافي: 268. (2) الصافات: 99. (3) في المصدر: ولتميز الموافق من المخالف. (4) من حار الثوب وحوره: غسله وبيضه. (5) في المصدر: ابن ابي نجيح. وهو عبد الله بن ابي نجيح يسار المكي المتوفى سنة 131، وابوه يسار المكي ابو نجيح مولى ثقيف توفى سنة 109.
[ 276 ]
وثالثها: أنهم كانوا صيادين يصيدون السمك، عن ابن عباس والسدي. ورابعها: أنهم كانوا خاصة الانبياء، عن قتادة والضحاك، وهذا أوجه لانهم مدحوا بهذا الاسم كأنه ذهب إلى نقاء قلوبهم كنقاء الثوب الابيض بالتحوير، وقال الحسن: الحواري: الناصر، والحواريون: الانصار، وقال الكلبي: الحواريون: أصفياء عيسى عليه السلام وكانوا اثني عشر رجلا، وقال عبد الله بن المبارك: سموا حواريين لانهم كانوا نورانيين، عليهم أثر العبادة ونورها وحسنها، كما قال تعالى: ” سيماهم في وجوههم من أثر السجود (1) “. ” نحن أنصار الله ” معناه: نحن أعوان الله على الكافرين من قومك، أي أعوان رسول الله أو أعوان دين الله ” آمنا بالله ” أي صدقنا أنه واحد لا شريك له ” واشهد ” يا عيسى ” بأنا مسلمون ” أي كن شهيدا لنا عند الله، اشهدوه على إسلامهم لان الانبياء شهداء الله على خلقه يوم القيامة، كما قال سبحانه: ” ويوم نبعث من كل أمة شهيدا (2) “. ” ربنا ” أي يا ربنا ” آمنا بما أنزلت ” على عيسى ” واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ” أي في جملة الشاهدين بجميع ما أنزلت لنفوز بما فازوا به، وننال ما نالوا من كرامتك، وقيل: معناه: واجعلنا مع محمد صلى الله عليه وآله وأمته، عن ابن عباس، وقد سماهم الله شهداء بقوله: ” لتكونوا شهداء على الناس (3) ” أي من الشاهدين بالحق من عندك، هذا كله حكاية قول الحواريين. وروي أنهم اتبعوا عيسى وكانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح الله جعنا، فيضرب بيده على الارض سهلا كان أو جبلا فيخرج لكل إنسان منهم رغيفين يأكلهما، فإذا عطشوا قالوا: يا روح الله عطشنا، فيضرب بيده على الارض سهلا كان أو جبلا فيخرج ماء فيشربون قالوا: يا روح الله من أفضل منا ؟ إذا شئنا أطعمتنا وإذا شئنا سقيتنا، وقد آمنا بك و اتبعناك، قال: أفضل منكم من يعمل بيده، ويأكل من كسبه، فصاروا يغسلون الثياب بالكراء. (4)
(1) الفتح: 29. (2) النحل: 84. (3) البقرة: 143. (4) مجمع البيان 2: 447 و 448.
[ 277 ]
” في قلوب الذين اتبعوه ” (1) في دينه، يعني الحواريين وأتباعهم اتبعوا عيسى عليه السلام ” رأفة ” وهي أشد الرقة ” ورهبانية ابتدعوها ” هي الخصلة من العبادة يظهر فيها معنى الرهبة إما في لبسة، (2) أو انفراد عن الجماعة، أو غير ذلك من الامور التي يظهر فيها نسك صاحبه، والمعنى: ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم، وقيل: هي رفض النساء، واتخاذ الصوامع، وقيل: هي لحاقهم بالبراري والجبال في خبر مرفوع عن النبي صلى الله عليه وآله فما رعاها الذين من بعدهم حق رعايتها، وذلك لتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وآله وقيل: إن الرهبانية هي الانقطاع عن الناس للانفراد بالعبادة ” ما كتبناها ” أي ما فرضناها عليهم. وروي عن ابن مسعود قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وآله على حمار فقال: يا ابن أم عبد هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية ؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال: ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلام يعملون بمعاصي الله فغضب أهل الايمان فقاتلوهم، فهزم أهل الايمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا القليل، فقالوا: إن ظهرنا هؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه فتعالوا نتفرق في الارض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليه السلام – يعنون محمدا صلى الله عليه وآله – فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا رهبانية، فمنهم من تمسك بدينه، ومنهم من كفر، ثم تلا هذه الآية: ” ورهبانية ابتدعوها ” الآية، ثم قال: يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة. (3) ” من أنصاري إلى الله ” أي مع الله، أو فيما يقرب إلى الله ” نحن أنصار الله ” أي أنصار دينه ” فآمنت طائفة ” أي صدقت بعيسى عليه السلام ” وكفرت طائفة ” أخرى به، قال ابن عباس: يعني في زمن عيسى عليه السلام، وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق: فرقة قالت: كان الله فارتفع، وفرقة قالت: كان ابن الله فرفعه إليه، وفرقة قالوا: كان عبد الله و رسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون، واتبع كل فرقة طائفة من الناس فاقتتلوا وظهرت
(1) في المصدر: وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه. (2) في المصدر: إما في كنيسة. (3) مجمع البيان 9: 243.
[ 278 ]
الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث محمد صلى الله عليه وآله، فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرين وذلك قوله: ” فأيدنا ” إلى قوله: ” ظاهرين ” أي عالين غالبين، وقيل: معناه: أصبحت حجة من آمن بعيسى عليه السلام ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وآله بأن عيسى كلمة الله وروحه، و قيل: بل أيدوا في زمانهم على من كفر بعيسى عليه السلام، وقيل: فآمنت طائفة بمحمد صلى الله عليه وآله وكفرت طائفة به، فأصبحوا قاهرين لعدوهم بالحجة والقهر والغلبة. (1) 8 – كا: أحمد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد البرقي، عن بعض أصحابه رفعه (2) قال قال عيسى بن مريم عليه السلام: يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي، قالوا: قضيت حاجتك يا روح الله، فقام فغسل أقدامهم، فقالوا: كنا نحن أحق بهذا يا روح الله، فقال: إن أحق الناس بالخدمة العالم، إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم، ثم قال عيسى عليه السلام: بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل. (3) 9 – كا: علي بن محمد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن علي بن المعلى، عن القاسم بن محمد رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قيل له: ما بال أصحاب عيسى عليه السلام كانوا يمشون على الماء وليس ذلك في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ؟ قال: إن أصحاب عيسى عليه السلام كفوا المعاش، وإن هؤلاء ابتلوا بالمعاش. (4) 10 – كا: العدة، عن البرقي، عن ابن أسباط، عن العلاء، عن محمد، عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت: إنا لنرى الرجل له عبادة واجتهاد وخشوع ولا يقول بالحق فهل ينفعه ذلك شيئا ؟ فقال: يا محمد إنما مثل أهل البيت (5) مثل أهل بيت كانوا في بني
(1) مجمع البيان 9: 282. (2) الموجود في المصدر وفي مرآت العقول: وبهذا الاسناد عن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان رفعه. والاسناد الذي قبله هكذا: أحمد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد البرقي. (3) اصول الكافي 1: 37. (4) فروع الكافي 1: 347. (5) في نسخة: ان مثل اهل البيت.
[ 279 ]
إسرائيل، كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلا دعا فأجيب، وإن رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة ثم دعا فلم يستجب له، فأتى عيسى بن مريم عليه السلام يشكو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء له، قال: فتطهر عيسى عليه السلام وصلى ركعتين (1) ثم دعا الله عزوجل، فأوحى الله عزوجل إليه: يا عيسى إن عبدي أتاني من غير الباب الذي أوتى منه، إنه دعاني وفي قلبه شك منك، فلو دعاني حتى ينقطع عنقه وتنتثر أنامله ما استجبت له، قال: فالتفت إليه عيسى عليه السلام فقال: تدعو ربك وأنت في شك من نبيه ؟ ! فقال: يا روح الله و كلمته قد كان والله ما قلت، فادع الله أن يذهب به عني، قال: فدعا له عيسى عليه السلام فتاب الله عليه وقبل منه، وصار في حد أهل بيته. (2) 11 – ين: أبو الحسن بن عبد الله، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن موسى عليه السلام حدث قومه بحديث لم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بمصر فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم، وإن عيسى عليه السلام حدث قومه بحديث فلم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بتكريت (3) فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم، وهو قول الله عزوجل: ” فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين “. (4) 12 – يد، ن، ج: عن الحسن بن محمد النوفلي في خبر طويل يذكر فيه احتجاج الرضا عليه السلام على أرباب الملل قال: قال الجاثليق للرضا عليه السلام: أخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدتهم ؟ وعن علماء الانجيل كم كانوا ؟ قال الرضا عليه السلام: على الخبير سقطت، أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا، وكان أفضلهم وأعلمهم الوقا (5) وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنا الاكبر بأج، (6) ويوحنا بقرقيسياء (7)
(1) المصدر خلى عن قوله: ركعتين. (2) اصول الكافي 2: 400. (3) بفتح التاء: بلدة مشهورة بين بغداد والموصل، منها إلى بغداد ثلاثون فرسخا. (4) مخطوط. (5) وهو المسمى عند النصارى لوقا وينسب إليه أحد الاناجيل. وفي الاحتجاج: لوقا. (6) هكذا في العيون، وفي التوحيد: بأح، وفي الاحتجاج: باحى، ولم نجد أمكنة بهذه الاسامي ولعلها مصحف ” اخى ” بضم الالف وتشديد الخاء والقصر: ناحية من نواحي البصرة في شرقي دجلة ذات أنهار وقرى. (7) قرقيسياء: بكسر القاف ويقصر: بلدة على الفرات سميت بقرقيساء بن طهمورث. (*)
[ 280 ]
ويوحنا الديلمي بزجار (1) وعنده كان ذكر النبي صلى الله عليه وآله وذكر أهل بيته وأمته، وهو الذي بشر أمة عيسى وبني إسرائيل به. (2) أقول: وجدت في بعض الكتب أن عيسى عليه السلام كان مع بعض الحواريين في بعض سياحته، فمروا على بلد، فلما قربوا منه وجدوا كنزا على الطريق، فقال من معه: ائذن لنا يا روح الله أن نقيم ههنا ونحوز هذا الكنز لئلا يضيع، فقال عليه السلام لهم: أقيموا ههنا وأنا أدخل البلد ولي فيه كنز أطلبه، فلما دخل البلد وجال فيه رأى دارا خربة فدخلها فوجد فيها عجوزة، فقال لها: أنا ضيفك في هذه الليلة، وهل في هذه الدار أحد غيرك ؟ قالت: نعم لي ابن مات أبوه وبقي يتيما في حجري، وهو يذهب إلى الصحارى ويجمع الشوك ويأتي البلد فيبيعها ويأتيني بثمنها نتعيش به، فهيأت لعيسى عليه السلام بيتا، فلما جاء ولدها قالت له: بعث الله لنا في هذه الليلة ضيفا صالحا، يسطع من جبينه أنوار الزهد والصلاح، فاغتنم خدمته وصحبته، فدخل الابن على عيسى عليه السلام وخدمه وأكرمه فلما كان في بعض الليل سأل عيسى عليه السلام الغلام عن حاله ومعيشته وغيرها، فتفرس عليه السلام فيه آثار العقل والفطانة والاستعداد للترقي على مدارج الكمال، لكن وجد فيه أن قلبه مشغول بهم عظيم، فقال له: يا غلام أرى قلبك مشغولا بهم لا يبرح فأخبرني به لعله يكون عندي دواء دائك، فلما بالغ عيسى عليه السلام قال: نعم في قلبي هم وداء لا يقدر على دوائه أحد إلا الله تعالى، فقال: أخبرني به لعل الله يلهمني ما يزيله عنك، فقال الغلام: إني كنت يوما أحمل الشوك إلى البلد فمررت بقصر ابنة الملك فنظرت إلى القصر فوقع نظري عليها فدخل حبها شغاف (3) قلبي وهو يزداد كل يوم ولا أرى لذلك دواء إلا الموت، فقال عيسى عليه السلام: إن كنت تريدها أنا أحتال لك حتى تتزوجها، فجاء الغلام إلى أمه وأخبرها بقوله، فقالت أمه: يا ولدي إني لا أظن هذا الرجل يعد بشئ
(1) هكذا في العيون، وفي التوحيد: بزجان، وفي الاحتجاج: بزخار، وكلها غير معروف، نعم الرجان كشداد: واد بنجد وموضع بفارس يقال فيه أرجان أيضا. (2) التوحيد: 433 العيون: 89 الاحتجاج: 228، وتقدم الحديث مفصلا راجع ج 10: 303. (3) الشغاف: غلاف القلب. حبته. وحبة القلب: مهجته.
[ 281 ]
لا يمكنه الوفاء به، فاسمع له وأطعه في كل ما يقول، فلما أصبحوا قال عيسى عليه السلام للغلام: اذهب إلى باب الملك، فإذا أتى خواص الملك ووزراؤه ليدخلوا عليه قل لهم: أبلغوا الملك عني أني جئته خاطبا كريمته، ثم ائتني وأخبرني بما جرى بينك وبين الملك، فأتى الغلام باب الملك، فلما قال ذلك لخاصة الملك ضحكوا وتعجبوا من قوله و دخلوا على الملك وأخبروه بما قال الغلام مستهزئين به، فاستحضره الملك، فلما دخل على الملك وخطب ابنته قال الملك مستهزئا به: أنا لا أعطيك ابنتي إلا أن تأتيني من اللآلي واليواقيت والجواهر الكبار كذا وكذا، ووصف له ما لا يوجد في خزانة ملك من ملوك الدنيا، فقال الغلام: أنا أذهب وآتيك بجواب هذا الكلام، فرجع إلى عيسى عليه السلام فأخبره بما جرى، فذهب به عيسى عليه السلام إلى خربة كانت فيها أحجار ومدر كبار، فدعا الله تعالى فصيرها كلها من جنس ما طلب الملك وأحسن منها، فقال: يا غلام خذ منها ما تريد واذهب به إلى الملك، فلما أتى الملك بها تحير الملك وأهل مجلسه في أمره، وقالوا لا يكفينا هذا، فرجع إلى عيسى عليه السلام فأخبره، فقال: اذهب إلى الخربة وخذ منها ما تريد واذهب بها إليهم، فلما رجع بأضعاف ما أتى به أولا زادت حيرتهم، وقال الملك: إن لهذا شأنا غريبا، فخلا بالغلام واستخبره عن الحال، فأخبره بكل ما جرى بينه وبين عيسى عليه السلام وما كان من عشقه لابنته، فعلم الملك أن الضيف هو عيسى عليه السلام، فقال: قل لضيفك: يأتيني ويزوجك ابنتي، فحضر عيسى عليه السلام وزوجها منه، وبعث الملك ثيابا فاخرة إلى الغلام فألبسها إياه وجمع بينه وبين ابنته تلك الليلة، فلما أصبح طلب الغلام وكلمه فوجده عاقلا فهما ذكيا ولم يكن للملك ولد غير هذه الابنة فجعل الغلام ولي عهده (1) ووارث ملكه، وأمر خواصه وأعيان مملكته ببيعته وطاعته. فلما كانت الليلة الثانية مات الملك فجأة وأجلسوا الغلام على سرير الملك وأطاعوه وسلموا إليه خزائنه، فأتاه عيسى عليه السلام في اليوم الثالث ليودعه، فقال الغلام: أيها الحكيم إن لك علي حقوقا لا أقوم بشكر واحد منها لو بقيت أبد الدهر، ولكن عرض في قلبي البارحة أمر لو لم تجبني عنه لاأنتفع بشئ مما حصلتها لي، فقال: وما هو ؟ قال
(1) ولي العهد: وريث الملك.
[ 282 ]
الغلام: إنك إذا قدرت على أن تنقلني من تلك الحالة الخسيسة إلى تلك الدرجة الرفيعة في يومين فلم لا تفعل هذا بنفسك، وأراك في تلك الثياب وفي هذه الحالة ؟ فلما أحفى في السؤال قال له عيسى عليه السلام: إن العالم بالله وبدار كرامته وثوابه والبصير بفناء الدنيا و خستها ودناءتها لا يرغب إلى هذا الملك الزائل وهذه الامور الفانية، وإن لنا في قربه تعالى ومعرفته ومحبته لذات روحانية لا نعد تلك اللذات الفانية عندها شيئا، فلما أخبره بعيوب الدنيا وآفاتها ونعيم الآخرة ودرجاتها قال له الغلام: فلي عليك حجة أخرى لم اخترت لنفسك ما هو أولى وأحرى وأوقعتني في هذه البلية الكبرى ؟ فقال له عيسى: إنما اخترت لك ذلك لامتحنك في عقلك وذكائك، وليكون لك الثواب في ترك هذه الامور الميسرة لك أكثر وأوفى، وتكون حجة على غيرك، فترك الغلام الملك، و لبس أثوابه البالية، وتبع عيسى عليه السلام فلما رجع عيسى إلى الحواريين قال: هذا كنزي الذي كنت أظنه في هذا البلد فوجدته. والحمد لله. وذكر الثعلبي في العرائس نحوا من ذلك مع اختصار إلى أن قال: فكان معه ابن العجوز إلى أن مات، فمر به ميتا على سرير (1) فدعا الله عزوجل عيسى فجلس على سريره ونزل عن أعناق الرجال ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله فبقي وولد له. (2)
(1) في العرائس: ومر به وهو ميت على سريره. (2) العرائس: 220 و 221.
[ 283 ]
(باب 21) * (مواعظه وحكمه وما اوحى إليه صلوات الله على نبينا وآله وعليه) * الايات، المائدة ” 5 ” وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم 116 – 118. 1 – فس: ” وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت ” فلفظ الآية ماض و معناه مستقبل، ولم يقله بعد وسيقوله، وذلك أن النصارى زعموا أن عيسى عليه السلام قال لهم: إني وأمي إلهين من دون الله، فإذا كان يوم القيامة يجمع الله بين النصارى وبين عيسى فيقول له: ءأنت قلت لهم ما يدعون عليك ؟ فيقول عيسى: ” سبحانك ما يكون لي أن أقول ” الآية، والدليل على أن عيسى لم يقل لهم ذلك قوله: ” هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم “. (1) 2 – كا: علي، عن أبيه ومحمد بن القاسم. (2) عن محمد بن سليمان، عن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: أنزل الانجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. (3) 3 – وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن الجوهري، عن البطائني، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزل الانجيل في اثني عشر ليلة مضت من شهر رمضان. (4)
(1) تفسير القمي: 178. (2) في نسخة من الكتاب والمصدر: علي، عن أبيه، عن محمد بن القاسم. (3) اصول الكافي 2: 628 و 629. (4) فروع الكافي 1: 206.
[ 284 ]
بيان: لعل الخبر الاول محمول على نزوله إلى بيت المعمور كما يشعر به صدره الذي تركناه، (1) والثاني على نزوله إلى الارض. 4 ع: بإسناده عن يزيد بن سلام أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله لم سمي الفرقان فرقانا قال: لانه متفرق الآيات والسور، أنزلت في غير الالواح وغير الصحف، (2) والتوراة والانجيل والزبور أنزلت كلها (3) جملة في الالواح والورق. (4) 5 – لى: ابن البرقي، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن علي القرشي، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن طلحة، وإسماعيل بن جابر وعمار بن مروان، عن الصادق جعفر ابن محمد عليهما السلام أن عيسى بن مريم عليه السلام توجه في بعض حوائجه ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فمر بلبنات ثلاث من ذهب على ظهر الطريق، فقال عيسى عليه السلام لاصحابه: إن هذا يقتل الناس، ثم مضى، فقال أحدهم: إن لي حاجة، قال: فانصرف، ثم قال الآخر: إن لي حاجة فانصرف، ثم قال الآخر: لي حاجة فانصرف، فوافوا عند الذهب ثلاثتهم، فقال اثنان لواحد: اشتر لنا طعاما، فذهب يشتري لهما طعاما فجعل فيه سما ليقتلهما كيلا يشاركاه في الذهب، وقال الاثنان: إذا جاء قتلناه كي لا يشاركنا، فلما جاء قاما إليه فقتلاه ثم تغذيا فماتا، فرجع إليهم عيسى عليه السلام وهم موتى حوله، فأحياهم بإذن الله تعالى ذكره، ثم قال: ألم أقل لكم: إن هذا يقتل الناس ؟ ! (5) 6 لى: الطالقاني، عن الجلودي، عن هشام بن جعفر، عن حماد، عن عبد الله بن سليمان وكان قارئا للكتب قال: قرأت في الانجيل: يا عيسى جد في أمري ولا تهزل. و اسمع وأطع، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول أنت من غير فحل، أنا خلقتك آية للعالمين
(1) إذ ذكر في صدره أن نزول القرآن إلى بيت المعمور كان في ليلة القدر، فعلى هذا يكون نزول الانجيل إلى بيت المعمور في سنة والى الارض في اخرى. منه رحمه الله. (2) في المصدر: وغيره من الصحف. (3) في المصدر: نزلت كلها. (4) علل الشرائع: 161. (5) امالي الصدوق: 109.
[ 285 ]
فإياي فاعبد، وعلي فتوكل، خذ الكتاب بقوة فسر لاهل سوريا (1) بالسريانية، بلغ من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول، صدقوا النبي الامي صاحب الجمل و المدرعة والتاج وهي العمامة، والنعلين، والهراوة (2) وهي القضيب، الانجل العينين، (3) الصلت الجبين، (4) الواضح الخدين، الاقنى الانف، (5) مفلج الثنايا، (6) كأن عنقه إبريق فضة، كأن الذهب يجري في تراقيه، له شعرات من صدره إلى سرته، ليس على بطنه ولا على صدره شعر، أسمر اللون، دقيق المسربة، (7) شثن الكف والقدم، (8) إذا التفت التفت جميعا، وإذا مشى كأنما يتقلع من الصخرة، (9) وينحدر من صبب، (10) وإذا جاء مع القوم بذهم، (11) عرقه في وجهه كاللؤلؤ وريح المسك ينفح منه، لم ير قبله مثله ولا بعده، طيب الريح، نكاح النساء، ذو النسل القليل، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لاصخب فيه ولا نصب، (12) يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك، لها فرخان مستشهدان، كلامه القرآن، ودينه الاسلام، وأنا السلام، طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيامه، وسمع كلامه. قال عيسى: يا رب وما طوبى ؟ قال: شجرة في الجنة أنا غرستها، تظل الجنان، أصلها من رضوان، ماؤها من تسنيم، برده برد الكافور، وطعمه
(1) هكذا في الكتاب والمصدر، وهو مصحف سورى كبشرى: موضع بالعراق من ارض بابل وهي مدينة السريانين. (2) الهراوة بالكسر: العصا الضخمة كهراوة الفأس والمعول. (3) نجل الرجل: وسعت عينه وحسنت فهو أنجل. (4) أي واسعه. (5) القنا في الانف: طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه. (6) الفلج: فرجة ما بين الثنايا والرباعيات. (7) المسربة بضم الراء: الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة. (8) أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر، وقيل: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر. (9) أراد قوة مشيه كانه يرفع رجليه من الارض رفعا قويا لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطاه. (10) أي من موضع منحدر. (11) أي غلبهم في المشي. (12) الصخب: اختلاط الاصوات. النصب: البلاء. الداء.
[ 286 ]
طعم الزنجبيل، من يشرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبدا، فقال عيسى: اللهم اسقني منها، قال: حرام يا عيسى على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي، وحرام على الامم أن يشربوا منها حتى يشرب أمة ذلك النبي، أرفعك إلي ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب، ولتعينهم على اللعين الدجال، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم، إنهم أمة مرحومة. (1) أقول: سيأتي شرحه في باب شمائل النبي صلى الله عليه وآله. 7 – لى: الوراق، عن سعد، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه، عن الحسين بن سعيد، عن الاحول، (2) عن جميل بن صالح، عن الصادق عليه السلام قال: قام عيسى بن مريم عليه السلام في بني إسرائيل، فقال: يا بني إسرائيل لا تحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تعينوا الظالم على ظلمه فيبطل فضلكم. الخبر. (3) 8 – يد، مع، لى: الطالقاني، عن أحمد الهمداني، عن جعفر بن عبد الله بن جعفر العلوي، عن كثير بن عياش القطان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما ولد عيسى بن مريم عليه السلام كان ابن يوم كأنه ابن شهرين، فلما كان ابن سبعة أشهر أخذت والدته بيده وجاءت به إلى الكتاب وأقعدته بين يدي المؤدب، فقال له المؤدب: قل: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال عيسى عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال له المؤدب: قل: أبجد، فرفع عيسى رأسه فقال: وهل تدري ما أبجد ؟ فعلاه بالدرة ليضربه، فقال يا مؤدب لا تضربني إن كنت تدري وإلا فاسألني حتى أفسر لك، فقال: فسر لي، فقال عيسى: أما الالف آلاء الله، والباء بهجة الله، والجيم جمال الله، والدال دين الله ” هوز ” الهاء هول جهنم، والواو ويل لاهل النار، والزاء زفير جهنم ” حطي ” حطت الخطايا عن المستغفرين ” كلمن ” كلام الله لا مبدل لكلماته ” سعفص ” صاع بصاع والجزاء بالجزاء ” قرشت “
(1) أمالي الصدوق: 163 و 164. (2) في المصدر: الحارث بن محمد بن النعمان الاحول وهو الصحيح، وأخرجه عنه وعن المعاني في كتاب العلم مطابقا لذلك راجع ج 2: 66 وأخرجه هنالك ايضا عن الامالي باسناد آخر. (3) أمالي الصدوق: 183.
[ 287 ]
قرشهم، (1) فحشرهم، فقال المؤدب: أيتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم، ولا حاجة له في المؤدب. (2) 9 – ل: بإسناده، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الحواريون لعيسى بن مريم عليه السلام: يا معلم الخير علمنا أي الاشياء أشد، فقال: أشد الاشياء غضب الله عزوجل، قالوا: فبم يتقى غضب الله ؟ (3) قال: بأن لا تغضبوا، قالوا: وما بدء الغضب ؟ قال: الكبر والتجبر ومحقرة الناس. (4) 10 – لى: ابن مسرور، عن محمد الحميري، عن أبيه، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن أسباط عن عمه، عن الصادق عليه السلام قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام لبعض أصحابه: مالا تحب أن يفعل بك فلا تفعله بأحد، وإن لطم أحد خدك الايمن فأعط الايسر. (5) 11 – لى: أبي، (6) عن البرقي، عن محمد بن علي الكوفي، عن شريف بن سابق التفليسي، عن إبراهيم بن محمد، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مر عيسى بن مريم عليه السلام بقبر يعذب صاحبه، ثم مر به من قابل فإذا هو ليس يعذب، فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب، ثم مررت به العام فإذا هو ليس يعذب، فأوحى الله عزوجل إليه: يا روح الله إنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه. قال: وقال عيسى بن مريم عليه السلام ليحيى بن زكريا عليه السلام: إذا قيل فيك ما فيك فاعلم أنه ذنب ذكرته فاستغفر الله منه، وإن قيل فيك ما ليس فيك فاعلم أنها حسنة كتبت لك لم تتعب فيها. (7)
(1) في المعاني: قرشهم (قرشتهم خ ل) جهنم. (2) التوحيد: 238 و 239. معاني الاخبار: 18 أمالي الصدوق: 190 – 191 وأخرجه أيضا في كتاب العلم وشرح غريب الفاظه، راجع ج 2: 316. (3) في المصدر: فبم نتقي غضب الله ؟. (4) الخصال 1: 7. (5) أمالي الصدوق: 220. (6) في المصدر: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن أبيه. (7) أمالي الصدوق: 306.
[ 288 ]
13 – لى: ابن إدريس، عن أبيه، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: كان عيسى ابن مريم عليه السلام يقول لاصحابه: يا بني آدم اهربوا من الدنيا إلى الله، وأخرجوا قلوبكم عنها، فإنكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم، ولا تبقون فيها ولا تبقى لكم، هي الخداعة الفجاعة، المغرور من اغتر بها، المغبون من اطمأن إليها، الهالك من أحبها وأرادها، فتوبوا إلى بارئكم، (1) واتقوا ربكم، واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا، أين آباؤكم ؟ أين أمهاتكم ؟ أين إخوتكم ؟ (2) أين أخواتكم ؟ أين أولادكم ؟ دعوا فأجابوا، واستودعوا الثرى، وجاوروا الموتى، وصاروا في الهلكى، و خرجوا عن الدنيا، وفارقوا الاحبة، واحتاجوا إلى ما قدموا واستغنوا عما خلفوا (3) فكم توعظون وكم تزجرون (4) وأنتم لاهون ساهون، مثلكم في الدنيا مثل البهائم همتكم بطونكم (5) وفروجكم، أما تستحيون ممن خلقكم وقد أوعد من عصاه النار، ولستم ممن يقوي على النار ؟ ووعد من أطاعه الجنة ومجاورته في الفردوس الاعلى، فتنافسوا فيه، وكونوا من أهله، وأنصفوا من أنفسكم، وتعطفوا على ضعفائكم وأهل الحاجة منكم، وتوبوا إلى الله توبة نصوحا، وكونوا عبيدا أبرارا، ولا تكونوا ملوكا جبابرة، ولا من العتاة الفراعنة المتمردين على من قهرهم بالموت، جبار الجبابرة رب السماوات ورب الارضين، وإله الاولين والآخرين مالك يوم الدين، (6) شديد العقاب، أليم العذاب، لا ينجو منه ظالم، ولا يفوته شئ، ولا يعزب عنه شئ، ولا يتوارى منه شئ، أحصى كل شئ علمه وأنزله منزلته في جنة أو نار. ابن آدم الضعيف ! أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك وبياض نهارك وفي كل
(1) في المصدر: فتوبوا إلى الله بارئكم. (2) في نسخة: أين إخوانكم. (3) في المصدر: واستغنوا عما خلفوا. (4) في نسخة: ولا تزجرون. (5) في نسخة: همكم بطونكم. (6) في نسخة: ملك يوم الدين.
[ 289 ]
حال من حالاتك ؟ قد أبلغ من وعظ، وأفلح من اتعظ. (1) 14 – كا: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط عنهم عليهم السلام، لى: ابن المتوكل، عن الحميري، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، (2) عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: كان فيما وعظ الله تبارك وتعالى به عيسى بن مريم عليه السلام أن قال له: يا عيسى أنا ربك ورب آبائك، اسمي واحد، وأنا الاحد المتفرد بخلق كل شئ، وكل شئ من صنعي، وكل خلقي إلي راجعون. (3) يا عيسى أنت المسيح بأمري، وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني، وأنت تحيي الموتى بكلامي، فكن إلي راغبا، ومني راهبا، فإنك لن تجد مني ملجأ إلا إلي. يا عيسى أوصيك وصية المتحنن، عليك بالرحمة حين حقت لك مني الولاية بتحريك (4) مني المسرة، فبوركت كبيرا وبوركت صغيرا حيثما كنت، أشهد أنك عبدي ابن أمتي. يا عيسى أنزلني من نفسك كهمك، واجعل ذكري لمعادك، وتقرب إلي بالنوافل، وتوكل علي أكفك، ولا تول غيري فأخذ لك. (5) يا عيسى اصبر على البلاء وارض بالقضاء، وكن كمسرتي فيك، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى. يا عيسى أحي ذكري بلسانك، وليكن ودي في قلبك. يا عيسى تيقظ في ساعات الغفلة، واحكم لي بلطيف الحكمة. (6) يا عيسى كن راغبا راهبا، و أمت قلبك بالخشية. يا عيسى راع الليل لتحري مسرتي، واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي. يا عيسى نافس في الخير جهدك لتعرف بالخير حيثما توجهت. يا عيسى احكم في عبادي بنصحي، وقم فيهم بعدلي، فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان
(1) أمالي الصدوق: 331 و 332. (2) ورواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: 496. (3) في الكافي والتحف: كل إلي راجعون. (4) التحري: الاجتهاد في الطلب وطلب ما هو أحرى وأحق. (5) في الكافي: ولا توكل على غيري فأخذ لك. (6) في الكافي والتحف: واحكم لي لطيف الحكمة.
[ 290 ]
[ كا: يا عيسى لا تكن جليسا لكل مفتون ] كا، لي: يا عيسى حقا أقول ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي، وما خشعت لي إلا رجت ثوابي، فأشهدك أنها آمنة من عقابي ما لم تغير أو تبدل سنتي. يا عيسى ابن البكر البتول ابك على نفسك بكاء من قد ودع الاهل وقلى الدنيا، وتركها لاهلها، وصارت رغبته فيما عند الله. (1) يا عيسى كن مع ذلك تلين الكلام، وتفشي السلام، يقظان إذا نامت عيون الابرار حذارا للمعاد (2) والزلازل الشداد، وأهوال يوم القيامة حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا مال. يا عيسى اكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطالون. يا عيسى كن خاشعا صابرا فطوبى لك إن نالك ما وعد الصابرون. يا عيسى رح من الدنيا يوما فيوما، وذق ما قد ذهب طعمه، فحقا أقول ما أنت إلا بساعتك ويومك، فرح من الدنيا بالبلغة، وليكفك الخشن الجشب، فقد رأيت إلى ما تصير، ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت. يا عيسى إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إياك، ولا تقهر اليتيم. يا عيسى ابك على نفسك في الصلاة، (3) وانقل قدميك إلى مواضع الصلوات، (4) وأسمعني لذاذة نطقك بذكري، فإن صنيعي إليك حسن. يا عيسى كم من أمة قد أهلكتها بسالف ذنب قد عصمتك منه. (5) يا عيسى ارفق بالضعيف، وارفع طرفك الكليل إلى السماء، وادعني فإني منك قريب، ولا تدعني إلا متضرعا إلي وهمك هم واحد، فإنك متى تدعني (6) كذلك أجبك. يا عيسى إني لم أرض بالدنيا ثوابا لمن كان قبلك، ولا عقابا لمن انتقمت منه. (7) يا عيسى إنك تفنى وأنا أبقى، ومني رزقك، وعندي ميقات
(1) في الكافي والتحف: فيما عند الهه. (2) في الكافي: حذرا للمعاد. (3) في الكافي والتحف: ابك على نفسك في الخلوات. (4) في الكافي والتحف: الى مواقيت الصلوات اي الى مواضعها. (5) في الكافي والتحف: قد اهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها. (6) في التحف: متى دعوتني. (7) في الامالي: ولا عقابا لمن كان قبلك، ولا عقابا لمن انتقمت منه.
[ 291 ]
أجلك، وإلي إيابك، وعلي حسابك، فاسألني ولا تسأل غيري، فيحسن منك الدعاء، ومني الاجابة. يا عيسى ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر ! الاشجار كثيرة وطيبها قليل، فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرتها. يا عيسى لا يغرنك المتمرد علي بالعصيان، يأكل رزقي ويعبد غيري، ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه، ثم يرجع إلى ماكان، (1) أفعلي يتمرد، أم لسخطي يتعرض ؟ (2) فبي حلفت لآخذنه أخذة ليس له منها منجى، ولادوني ملتجأ، أين يهرب ؟ من سمائي وأرضي ؟ يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم، والاصنام في بيوتكم، فإني وأيت (3) أن أجيب من دعاني، وأن أجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم حتى يتفرقوا، يا عيسى كم أجمل النظر (4) وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون، تخرج الكلمة من أفواههم لا تعيها قلوبهم، يتعرضون لمقتي، ويتحببون بي إلى المؤمنين. (5) يا عيسى ليكن لسانك في السر والعلانية واحدا، وكذلك فليكن قلبك وبصرك، واطو قلبك ولسانك عن المحارم، وغض طرفك عما لاخير فيه، (6) فكم ناظر نظرة زرعت في قلبه شهوة، ووردت به موارد الهلكة !. (7) يا عيسى كن رحيما مترحما، وكن للعباد كما تشاء أن يكون العباد لك، وأكثر ذكر الموت ومفارقة الاهلين، ولا تله فإن اللهو يفسد صاحبه، ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد، واذكرني بالصالحات حتى أذكرك. يا عيسى تب إلي بعد الذنب، وذكر بي الاوابين، وآمن بي، وتقرب إلي
(1) في الكافي والتحف: ثم يرجع إلى ما كان عليه. (2) في الكافي والتحف: فعلي يتمرد أم بسخطي يتعرض ؟. (3) في الكافي والتحف: فاني آليت. وأيت أي وعدت. آليت: حلفت. (4) في الكافي: كم اطيل النظر ؟ (5) في نسخة من الكافي: ويتحببون بقربي إلى المؤمنين. (6) في الكافي: وكف بصرك عما لا خير فيه. فكم من ناظر نظرة قد زرعت. (7) في الكافي: موارد حياض الهلكة.
[ 292 ]
المؤمنين، (1) ومرهم يدعوني معك، وإياك ودعوة المظلوم فإني وأيت (2) على نفسي أن أفتح لها بابا من السماء، (3) وأن أجيبه ولو بعد حين. يا عيسى اعلم أن صاحب السوء يغوي، (4) وأن قرين السوء يردي، فاعلم من تقارن، واختر لنفسك إخوانا من المؤمنين. يا عيسى تب إلي فإنه لا يتعاظمني ذنب أن أغفره وأنا أرحم الراحمين. يا عيسى اعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك، واعبدني ليوم كألف سنة مما تعدون فإني أجزي (5) بالحسنة أضعافها، وإن السيئة توبق صاحبها، وتنافس في العمل الصالح، (6) فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار. يا عيسى ازهد في الفاني المنقطع، وطئ رسوم منازل من كان قبلك فادعهم وناجهم هل تحس منهم من أحد، فخذ موعظتك منهم، واعلم أنك ستحلقهم في اللاحقين. يا عيسى قل لمن تمرد بالعصيان وعمل بالادهان يستوقع عقوبتي، (7) وينتظر إهلاكي إياه سيصطلم مع الهالكين، طوبى لك يا ابن مريم ثم طوبى لك إن أخذت بأدب إلهك الذي يتحنن عليك ترحما، وبدأك بالنعم منه تكرما، وكان لك في الشدائد، لا تعصه يا عيسى فإنه لا يحل لك عصيانه، قد عهدت إليك كما عهدت إلى من كان قبلك وأنا على ذلك من الشاهدين. يا عيسى ما أكرمت خليقة بمثل ديني، ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي. يا عيسى اغسل بالماء منك ما ظهر، وداو بالحسنات منك ما بطن، فإنك إلي راجع [ كا: يا عيسى أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضا من غير تكدير، وطلبت منك قرضا لنفسك فبخلت به
(1) في الكافي: وتقرب بي الى المؤمنين. (2) في الكافي: آليت. (3) في الكافي: أن أفتح لها بابا من السماء بالقبول. (4) في الكافي: واعلم ان صاحب السوء يعدى. (5) في الكافي: فيه اجزى بالحسنة أضعافها. (7) في الكافي: فامهد لنفسك في مهلة، ونافس في العمل الصالح. (6) في الكافي: قل لمن تمرد علي بالعصيان وعمل بالادهان: ليتوقع عقوبتي.
[ 293 ]
عليها لتكون من الهالكين. يا عيسى تزين بالدين، وحب المساكين، وامش على الارض هونا، وصل على البقاع فكلها طاهر. ] كا، لي: يا عيسى شمر فكل ما هو آت قريب، واقرأ كتابي وأنت طاهر، وأسمعني منك صوتا حزينا. [ كا: يا عيسى لاخير في لذاذة لا تدوم، وعيش من صاحبه يزول، يا ابن مريم لو رأت عينك ما أعددت لاوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقا إليه، فليس كدار الآخرة دار، تجاور فيها الطيبون، ويدخل عليهم فيها الملائكة المقربون، وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون، دار لا يتغير فيها النعيم، ولا يزول عن أهلها، يا ابن مريم نافس فيها مع المتنافسين، فإنها أمنية المتمنين حسنة المنظر، طوبى لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين، مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم لا تبغي لها بدلا ولا تحويلا، كذلك أفعل بالمتقين. يا عيسى اهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب، ونار ذات أغلال وأنكال، لا يدخلها روح، ولا يخرج منها غم أبدا، قطع كقطع الليل المظلم، من ينج منها يفز، ولن ينجو منها من كان من الهالكين، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين، وكل فظ غليظ، وكل مختال فخور. يا عيسى بئست الدار لمن ركن إليها وبئس القرار دار الظالمين، إني أحذرك نفسك فكن بي خبيرا. يا عيسى كن حيثما كنت مراقبا لي، واشهد علي أني خلقتك وأنت عبدي، وأني صورتك وإلى الارض أهبطتك. يا عيسى لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا قلبان في صدر واحد، وكذلك الاذهان. يا عيسى لاتستيقظن عاصيا ولا تستنبهن لاهيا، و افطم نفسك (1) عن الشهوات الموبقات، وكل شهوة تباعدك مني فاهجرها، واعلم أنك مني بمكان الرسول الامين، فكن مني على حذر، واعلم أن دنياك مؤديتك إلي وأني آخذك بعلمي، وكن ذليل النفس عند ذكري، خاشع القلب حين تذكرني، يقظانا عند نوم الغافلين. يا عيسى هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك، فخذها مني فإني رب العالمين. يا عيسى إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله علي، وكنت عنده حين يدعوني، وكفى