اللهوف في قتلى الطفوف

السيد ابن طاووس الحسني


[ 1 ]

مقتل الحسين عليه السلام المسمى باللهوف في قتلى الطفوف


[ 2 ]

الانوار الهدى تلفن: 742346 فاكس: 377880 ايران، قم، ارم، باساج القدس الطابق الارضى، رقم 75 ص. ب 3717 / 37185


[ 3 ]

مقتل الحسين عليه السلام المسمى باللهوف في قتلى الطفوف تأليف على بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسينى المتوفى 664 ه‍ ويليه كتاب: حكاية المختار في أخذ الثأر برواية أبى مخنف


[ 4 ]

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلى على محمد وال محمد


[ 5 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتجلى لعباده من أفق الألباب، المجلى عن مراده بمنطق السنة والكتاب، الذى نزه اوليائه عن دار الغرور، وسما بهم إلى أنوار السرور، ولم يفعل ذلك بهم محاباة لهم على الخلائق، ولا إلجاء لهم إلى جميل الطرائق، بل عرف منهم قبولا للألطاف، وإستحقاقا لمحاسن الأوصاف، فلم يرض لهم التعلق بحبال الإهمال، بل وفقهم للتخلق بكمال الأعمال، حتى فرغت نفوسهم عمن سواه، وعرفت أرواحهم شرف رضاه، فصرفوا أعناق قلوبهم إلى ظله، وعطفوا آمالهم نحو كرمه وفضله، فترى لديهم فرحة المصدق بدار بقائه، وتنظر إليهم مسحة المشفق من أخطار لقائه، ولا تزال أشواقهم متضاعفة إلى ما قرب من مراده، وأريحيتهم مترادفة نحو إصداره وإيراده، وأسماعهم مصغية إلى


[ 6 ]

إستماع أسراره وقلوبهم مستبشرة بحلاوة تذكاره، فحياهم منه بقدر ذلك التصديق، وحباهم من لدنه حباء البر الشفيق، فما أصغر عندهم كل ما أشغل عن جلاله، وما أتركهم لكل ما باعد من وصاله، حتى أنهم يتمتعون بأنس ذلك الكرم والكمال، ويكسوهم أبدا حلل المهابة والجلال، فإذا عرفوا أن حياتهم مانعة عن متابعة مرامه، وبقائهم حائل بينهم وبين إكرامه، خلعوا أثواب البقاء، وقرعوا أبواب اللقاء، وتلذذوا في طلب ذلك النجاح، ببذل النفوس والأرواح، وعرضوها لخطر السيوف والرماح، والى ذلك التشريف الموصوف سمت نفوس أهل الطفوف، حتى تنافسوا في التقدم إلى الحتوف، وأضحوا نهب الرماح والسيوف، فما أخصهم بوصف السيد المرتضى علم الهدى، رضوا الله عليه وقد مدح من أشرنا إليه فقال: نفوس على الرمضاء مهملة * وأنفس في جوار الله يقربها كأن قاصدها بالضر نافعها * وإن قاتلها بالسيف محييها ولولا إمتثال أمر السنة والكتاب، في لبس شعار الجزع والمصاب، لأجل ما طمس من اعلام الهداية، وأسس من أركان الغواية، وتأسفا على ما فاتنا من السعادة، وتلفها على إمتثال تلك الشهادة، وإلا كنا قد


[ 7 ]

لبسنا لتلك النعمة الكبرى أثواب المسرة والبشرى. وحيث في الجزع رضا لسلطان المعاد وغرض لأبرار العباد، فها نحن قد لبسنا سربال الجزوع وأنسنا بإرسال الدموع. وقلنا للعيون جودى بتواتر البكاء وللقلوب جدى جدثوا كل النساء، فإن ودائع الرسول صلى عليه واله وسلم الرؤوف أبيحت يوم الطفوف، ورسوم وصيته بحرمه وأبنائه طمست بأيدى أممه وأعدائه. فيالله من تلك الفوادح المقرحة للقلوب، والجرائع المصرخة بالكروب، والمطائب المصغرة لكل بلوى، والنوائب المفرقة شمل التقوى والسهام التى أراقت دم الرسالة والأيدى التى ساقت سبى الجلالة والزرية التى نكست رؤوس الأبدال والبلية التى سلبت نفوس خير الال، والشماتة التى ركست أسود الرجال، والفجيعة التى بلغ رزؤها الى جبرائيل، والفظيعة التى عظمت على الرب الجليل. وكيف لا يكون ذلك وقد أصبح لحم رسوله مجردا على الرمال، ودمه الشريف مسفوكا بسيوف أهل الضلال، ووجوه بناته مبذولة لعين السائق والشامت، وسلبهن بمنظر من الناطق والصامت، وتلك الأبدان المعظمة عارية من الثياب، والأجساد المكرمة جاثية على التراب.


[ 8 ]

مصائب بددت شمل النبي ففى * قلب الهدى أسهم يطفن بالتلف وناعيات إذا مامل من وله * سرت عليه بنار الحزن والأسف فيا ليت فاطمة وأبيها عينا تنظر إلى بناتها، وبنيها مابين مسلوب وجريح ومسحوب وذبيح، وبنات النبوة مشققات الجيوت، ومفجوعات بفقد المحبوب، وناشرات للشعور، وبارزات من الخدور، ولاطمات للخدود، وعادمات للجدود، ومبديات للنياحة والعويل، وفاقدات للمحامي والكفيل، فيا أهل البصائر من الأنام، ويا ذوي النواظر والافهام، حدثوا أنفسكم بمصارع هاتيك العترة، ونوحوا بالله لتلك الوحدة والكثرة، وساعدوهم بموالاة الوجد والعبرة، وتأسفوا على فوات تلك النصرة، فإن نفوس أولئك الأقوام، ودائع سطان الأنام، وثمرة فؤاد الرسول صلى الله عليه واله وسلم، وقرة عين البتول، ومن كان يرشف بفمه الشريف ثنايا هم ويفضل على امه أمهم وأباهم. إن كنت في شك فسل عن حالهم * سنن الرسول ومحكم التنزيل فهناك أعدل شاهد لذوى الحجى * وبيان فضلهم على التفصيل ووصية سبقت لأحمد فيهم * جائت إليه على يدي جبريل فيكف طاب للنفوس مع تدانى الأزمان، مقابلة احسان أبيهم بالكفران وتكدير عيشه بتعذيب ثمرة فؤاده،


[ 9 ]

وتصغير قدره بإراقة دماء أولاده، وأين موضع القبول لوصاياه بعترته وآله. وما الجواب عند لقائه وسؤاله. وقد هدم القوم ما بناه. ونادى الإسلام واكرباه. فيا لله من قلب لا ينصدع لتذكار تلك الأمور. ويا عجباه من غفلة أهل الدهور. وما عذر أهل الإسلام والايمان. في إضاعة أقسام الاحزان. ألم يعلموا أن محمدا صلى الله عليه واله وسلم موتور وجيع. وحبيبه مقهور صريع. والملائكة يعزونه على جليل مصابه. والأنبياء يشاركونه في أحزانه وأوصا به. فيا أهل الوفاء لخاتم الأنبياء علام لا تواسونه في البكاء، بالله عليك أيها المحب لوالد الزهراء، نح معها على المنبوذين بالعراء، وجد ويحك بالدموع السجام. وابك على ملوك الإسلام، لعلك تحوز ثواب المواسى في المصاب، وتفوز وبالسعادة يوم الحساب. فقد روى عن مولانا الباقر عليه السلام أنه قال كان زين العابدين عليه السلام يقول أيما مؤمن زرفت عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتى تسيل على خده بوأه الله غرفا في الجنة يسكنها أحقابا وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدينا بواه الله منزل صدق وأيما مؤمن مسه اذى فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخط النار.


[ 10 ]

وروى مولانا الصادق عليه السلام انه قال: من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر. وروى أيضا عن آل الرسول عليهم السلم أنهم قالوا من بكى أو أبكى فينا مائة ضمنا له على الله الجنة، ومن بكى أو أبكى خمسين فله الجنة، ومن بكى أو أبكى ثلاثين فله الجنة، ومن بكى أو أبكى عشرة فله الجنة، ومن بكى أو أبكى واحدا فله الجنة ومن تباكى فله الجنة قال على بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسينى جامع هذا الكتاب. إن من أجل البواعث لنا على سلوك هذا الكتاب، إننى لما جمعت كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر، ورأيته قد إحتوى على اقطار محاسن الزيارات، ومختار أعمال تلك الاوقات فحامله مستغعن عن نقل مصباح لذلك الوقت الشريف، أو حمل مزار كبير أو لطيف. أحببت أيضا أن يكون حامله مستغنيا عن نقل مقتل في زيارة عاشوراء إلى مشهد الحسين عليه السلام فوضعت هذا الكتاب ليضم إليه وقد جمعت هاهنا ما يصلح لضيق وقت الزوار وعدلت عن الاطالة والاكثار وفيه غنية لفتح أبواب الاشجان وبغية لنجح


[ 11 ]

أرباب الإيمان فإننا وضعنا في أجساد مغناه روح ما يليق بمعناه وقد ترجمته بكتاب اللهوف على قتلى الطفوف ووضعته على ثلاث مسالك مستعينا بالروف المالك.


[ 12 ]

المسلك الاول في الامور المتقدمة على القتال ولادة الامام الحسين (ع) كان مولد الحسين عليه السلام لخمس ليال خلون من شعبان أرب من الهجرة وقيل اليوم الثالث منه وقيل في أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاثة من الهجرة. وروى غير ذلك ولما ولد هبط جبرائيل عليه السلام ومعه ألف ملك يهنون النبي صلى الله عليه واله وسلم بولادته وجاءت به فاطمة عليه السلام الى النبي صلى الله عليه واله وسلم فسر به وسماه حسينا. قال ابن عباس: في الطبقات أنبأنا عبد الله بن بكربن حبيب السهمى قال: أنبانا حاتم بن صنعة قال قالت أم الفضل زوجة العباس رضوان الله عليه، رأيت في منامي قبل مولده كأن قطعة من لحم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قطعت فوضعت في حجري ففسرت ذلك على رسول


[ 13 ]

الله صلى الله عليه واله وسلم، فقال: يا أم الفضل رأيت خيرا إن صدقت رؤياك فإن فاطمة ستلد غلاما وأدفعه إليك لترضعيه. قالت: فجرى الأمر على ذلك فجئت به يوما إليه فوضعته في حجره فبينما هو يقبله فبال فقطرت من بوله قطرة على ثوب النبي صلى الله عليه واله وسلم فقر صته فبكى، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم كالمغضب مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت إبنى، قالت: فتركته في حجره وقمت لآتيه بماء فجئت فوجدته صلى الله عليه واله وسلم يبكى، فقلت: مم بكائك يا رسول الله فقال صلى الله عليه واله وسلم: إن جبرائيل أتانى فأخبرني إن أمتى تقتل ولدى هذا لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة. قال رواة الحديث. فلما أتت على الحسين عليه السلام من مولده سنة كاملة هبط على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إثنى عشر ملكا أحد هم على صورة الأسد، والثانى على صورة الثور، والثالث على صورة التنين، والرابع على صورة ولد آدم، والثمانية الباقون على صور شتى محمرة وجوههم باكية عيونهم قد نشروا أجنحتهم وهم يقولون، يا محمد صلى الله عليه واله وسلم سينزل بولدك الحسين عليه السلام ابن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل وسيعطي مثل أجر هابيل ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ولم يبق في السموات ملك مقرب إلا ونزل إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم كل يقرئه السلام ويعزيه


[ 14 ]

في الحسين عليه السلام ويخبره بثواب ما يعطى ويعرض عليه تربته والنبى صلى الله عليه واله وسلم يقول: اللهم اخذل من خدله واقتل من قتله ولا تمتعه بما طلبه. قال فلما أتى على الحسين عليه السلام من مولده سنتان خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم في سفر له فوقف في بعض الطريق وإسترجع ودمعت عيناه فسئل عن ذلك. فقال: هذا جبرائيل عليه السلام يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها كربلاء يقتل عليها ولدي الحسين ابن فاطمة عليه السلام فقيل له: من يقتله يا رسول الله ؟ فقال: رجل إسمهه يزيد لعنه الله وكأني أنظر إلى مصرعه ومدفنه، ثم رجع من سفره ذلك مغموما فصعد المنبر فخطب ووعظ والحسن والحسين عليهما السلام بين يديه فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: (اللهم إن محمدا عبدك ونبيك وهذان أطائب عترتي وخيار ذريتي. وأرومتى ومن أخلفهما في امتى وقد اخبرني جبرائيل عليه السلام أن ولدي هذا مقتول مخذور. اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله.) قال: فضج الناس في المسجد بالبكاء والنحيب، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم أتبكونه ولا


[ 15 ]

تنصرونه ثم رجع صلى الله عليه واله وسلم وهو متغير اللون محمر الوجه فخطب خطبة اخرى موجزة وعينا تنهملان دموعا، ثم قال: (أيها الناس إنى قد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتى وأرومتى ومزاج مائى وثمرة فؤادى ومهجتي لن يفترقا حتى يردا على الحوض، ألا وإنى انتظر هما وإنى لا أسئلكم في ذلك إلا ما أمرنى ربى، أمرنى ربى أن أسئلكم المودة في القربى فانظروا كيف تلقوني غدا على الحوص وقد أبغضتم عترتي وظلمتوهم ألا وإنه سترد على يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة. الاولى: سوداء مظلمة قد فزعت له الملائكة فتقف على فأقول: من أنتم ؟ فينسون ذكرى، ويقولون: نحن أهل التوحيد من العرب فأقول لهم: أنا أحمد بنى العرب والعجم فيقولون: نحن من أمتك يا أحمد فأقول لهم: كيف خلفتموني من بعدى في أهلى وعترتي وكتاب ربى ؟ فيقولون: أما الكتاب فضيعناه وأما عترتك فحرصنا على أن نبيد هم عن آخر هم عن جديد الأرض فأولى عنهم وجهى فيصدرون ظما عطاشا مسودة وجوههم. ثم ترد على راية أخرى أشد سوادا من الاولى فاقول


[ 16 ]

لهم: كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر كتاب ربى وعترتي ؟ فيقولون: أما الأكبر فخالفنا وأما الأصغر فخذلنا هم ومزقنا هم كل ممزق فأقول: إليكم عنى: فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم. ثم برد على راية اخرى تلمع وجوههم نورا فأقول لهم: من أنتم ؟ فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى نحن أمة محمد صلى الله عليه واله وسلم ونحن بقية أهل الحق حملنا كتاب ربنا فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه وأحببنا ذرية نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم فنصرنا هم من كل ما نصرنا منه أنفسنا وقاتلنا معهم من ناواهم فأقول لهم: إبشروا فأنا نبيكم محمد صلى الله عليه واله وسلم ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ثم أسقيهم من حوض فيصدرون مرويين مستبشرين ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الابدين. أخذ بيعة الحسين عليه السلام ليزيد. قال وكان الناس يتعاودون ذكر قتل الحسين عليه السلام وسيتعظمونه وير تقبون قدومه فلما توفى معاوية بن أبى سفيان (لع) وذلك في رجب سنة ستين من الهجرة كتب يزيد الى الوليد بن عتبة وكان أمير المدينة يأمره بأخذ البيعة على أهلها عامة وخاصة على الحسين عليه السلام ويقول له إن أبى عليك فاضرب عنقه وأبعث إلى برأسه فاحضر الوليد


[ 17 ]

المروان واستشاره في امر الحسين عليه السلام فقال آنه لا يقبل ولو كنت مكانك لضربت عنقه فقال الوليد ليتنى لم أك شيئا مذكورا ثم بعث الى الحسين عليه السلام فجائه في ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه فنعى الوليد إليه موت معاوية وعرض عليه البيعة ليزيد، فقال: أيها الأمير إن البيعة لا تكون سرا ولكن إذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم، فقال مروان: لا تقبل أيها الأمير عذره ومتى لم يبايع فاضرب عنقه فغضب الحسين عليه السلام ثم قال: ويل لك يابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت والله ولؤمت ثم أقبل على الوليد فقال: أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم الله ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلى لا يبايع مثله. ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة. ثم خرج عليه السلام فقال مروان للوليد عصيتني ! فقال: ويحك إنك أشرت إلى بذهاب دينى ودنياى والله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وإنني قتلت حسينا والله ما أظن أحدا يلقى الله بدم الحسين عليه السلام إلا وهو خفيف الميزان لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.


[ 18 ]

قال: وأصبح الحسين عليه السلام فخرج من منزله يستمع الاخبار فلقيه مروان فقال له: يا أبا عبد الله إنى لك ناصح فأطعني ترشد، فقال الحسين عليه السلام وما ذاك قل حتى أسمع ! فقال مروان: إنى آمرك ببيعة يزيد بن معاوية فإنه خير لك في دينك ودنياك. فقال الحسين عليه السلام: إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ولقد سمعت جدى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الخلافة محرمة على أبى سفيان وطال الحديث بينه وبين مروان حتى إنصرف مروان وهو غضبان يقول على بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس مؤلف هذا الكتاب: والذى تحققناه أن الحسين عليه السلام كان عالما بما إنتهت حاله إليه وكان تكليفه ما إعتمد عليه. أخبرني جماعة وقد ذكرت أسمائهم في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى بإسنادهم إلى أبى جعفر محمد بن بابويه القمى فيما ذكر في أماليه بإسناده الى المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عليهم السلام أن الحسين بن على بن أبى طالب عليهم السلام دخل يوما على الحسن عليه السلام فلما نظر إليه بكى.


[ 19 ]

فقال: ما يبكيك ؟ قال: أبكى لما يصنع بك. فقال الحسن عليه السلام إن الذى يؤتى إلى سم يدس إلى فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله عليه السلام يزدلف إليك ثلاثون الف رجل يدعون إنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم وينتحلون الاسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وإنتهاك حرمتك وسبى ذراريك ونسائك وإنتهاب ثقلك فعندها يحل الله ببنى امية اللعنة وتمطر السماء دما ورمادا ويبكى عليك كل شئ حتى الوحوش والحيتان في البحار. وحدثني جماعة منهم من أشرت إليه بإسنادهم الى عمر النسابة رضوان الله عليه فيما ذكره في آخر كتاب الشافي في النسب بإسناده إلى جده محمد بن عمر قال: سمعت أبى عمر بن على بن أبى طالب عليه السلام يحدث أخوالى آل عقيل قال: لما إمتنع أخى الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد بالمدينة، دخلت عليه فوجدته خاليا فقلت له: جعلت فداك يا ابا عبد الله، حدثنى أخوك أبو محمد الحسن عن أبيه عليهما السلام ثم سبقتني الدمعة وعلا شهيقي فضمني إليه وقال: (حدثك انى مقتول فقلت: حوشيت يابن رسول الله، فقال: (سألتك بحق أبيك بقتلى خبرك فقلت: نعم فلولا ناولت وبايعت، فقال:


[ 20 ]

حدثنى أبى أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اخبره بقتله وقتلى وأن تربتي تكون بقرب تربته فتظن إنك علمت ما لم أعلمه وإنه لا أعطى الدنيا عن نفسي أبدا ولتلقين فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته ولا يدخل الجنة أحد آذاها في ذريتها. أقول ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد أن الله لا يتعبد بمثل هذه الحالة أما سمع في القرآن الصادق المقال أنه تعبد قوما بقتل أنفسهم فقال تعالى: فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم). ولعله يعتقد أن معنى قوله: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) انه هو القتل وليس الأمر كذلك وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة ولقد ذكر صاحب المقتل المروى عن مولانا الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية من ما يليق بالعقل، فروى عن أسلم قال: غزونا نهاوند وقال غيرها واصطفينا والعدو صفين أر أطول منهما ولا أعرض والروم قد الصقوا ظهور هم بحائط مدينتهم فحمل رجل منا على العدو فقال الناس: لا إله إلا الله القى نفسه الى التهلكة. فقال أبو أيوب الانصاري إنما تؤولون هذه الآية على أن حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة، وليس كذلك


[ 21 ]

إنما نزلت هذه الآية فينا لأنا كنا قد إشتغلنا بنصرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وتركنا أهالينا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلح ما فسد منها فقد ضاعت بتشا غلنا عنها فأنزل الله أنكال لما وقع في نفوسنا من التخلف عن نصرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا صلاح أموالنا (ولا تلقوا بأيد بكم الى التهلكة) معناه إن تخلفتم عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأقمتم في بيوتكم القيتم بأيديكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم. وذلك رد علينا فيما قلنا وعزمنا عليه من الاقامة وتحريض لنا على الغزو وما أنزلت هذه الآية في رجل حمل العدو ويحرض أصحابه أن يفعلوا كفعله أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء الثواب الآخرة. أقول: وقد نبهناك على ذلك في خطبة هذا الكتاب وسيأتى ما يكشف عن هذه الأسباب. قال رواة حديث الحسين عليه السلام مع الوليد بن عتبة ومروان فلما كان الغداة توجه الحسين عليه السلام إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين فأقام بها باقى شعبان وشهر رمضان وشوال وذى القعدة قال: وجاء عبد الله بن عباس رضوان الله عليه وعبد الله بن الزبير فأشارا إليه بالامساك. فقال لهما ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد أمرنى بأمر


[ 22 ]

وأنا ماض فيه. قال: فخرج ابن عباس وهو يقول واحسيناه. ثم جاء عبد الله بن عمر فأشار إليه بصلح أهل الضلال وحذره من القتل والقتال فقال له: يا أبا عبد الرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا أهدى إلى بغى من بغايا بنى إسرائيل أما تعلم إن بنى إسرائيل كانوا يقتلوا ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئا فلم يعجل الله عليهم بل أمهلهم وأخذ هم بعد ذلك أخذ عزيز ذى انتقام اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي. قال: وسمع أهل الكوفة بوصول الحسين عليه السلام الى مكة وإمتناعه من البيعة ليزيد فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعى فلما تكاملوا قام سليمان بن صرد فيهم خطيبا وقال في آخر خطبته: يا معشر الشيعة إنكم قد علمتم بأن معاوية قد هلك وصار الى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه إبنه يزيد وهذا الحسين بن على عليهما السلام قد خالفه وصار الى مكة هاربا من طواغيت آل أبى سفيان وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم فإن كنتم تعلمون إنكم


[ 23 ]

ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه قال فكتبوا إليه. كتب أهل الكوفة للحسين (ع). قال: فكتبوا (بسم الله الرحمن الرحيم).. للحسين بن على أمير المؤمنين، من سليمان بن صرد الخزاعى، والمسيب بن نجية، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر، وعبد الله بن وائل، وشيعة من المؤمنين، سلام عليك. أما بعد فالحمد الله الذى قصم عدوك وعدو أبيك من قبل الجبار العنيد الغشوم الظلموم الذى ابتز هذه الأمة أمرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها فبعدا له كما بعدت ثمود ثم إنه ليس علينا إمام غيرك فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق والنعمان بن بشير في قصر الامارة ولسنا نجمع معه في جمعة ولا جماعة ولا نخرج معه في عيد ولو قد بلغنا إنك أقبلت أخرجناه حتى يلحق بالشام والسلام عليك ورحمة الله وبركاته يابن رسول الله وعلى أبيك من قبلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ]


[ 24 ]

ثم سرحوا الكتاب ولبثوا يومين وأنفذوا جماعة معهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والإثنين والثلاثة والاربعة، يسئلونه القدوم عليهم وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم فورد عليه في يوم واحد سنتمائة كتاب وتواترت الكتب حتى إجتمع عنده منها في نوب متفرقة إثنى عشر ألف كتاب. قال ثم قدم عليه بعد ذلك هاني بن هاني السبيعى وسعيد بن عبد الله الحنفي، بهذا الكتاب وهو آخر ما ورد على الحسين عليه السلام من أهل الكوفة وفيه. بسم الله الرحمن الرحيم. للحسين بن على أمير المؤمنين عليه السلام. أما بعد فإن الناس ينتظرونك لا رأى لهم غيرك فالعجل العجل يابن رسول الله، فقد إخضرت الجنات، وأينعت الثمار، وأعشبت الارض، وأورقت الاشجار، فاقدم علينا إذا شئت فإنما تقدم على جند مجندة لك. والسلام عليك ورحمة الله وعلى أبيك من قبلك. فقال الحسين عليه السلام لهانى بن هاني السبيعى. وسعيد بن عبد الله الحنفي: خبرانى من أجتمع على


[ 25 ]

هذا الكتاب الذى كتب به إلى معكما ؟ فقالا: يابن رسول الله شبث بن ربعى، رحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث، ويزيد بن رويم، وعروة بن قيس، وعمرو بن الحجاج، ومحمد بن عمير بن عطارد. قال: فعندها قال الحسين عليه السلام فصلى ركعتين بين الركن والمقام وسأل الله الخيرة في ذلك ثم طلب مسلم بن عقيل وأطلعه على الحال وكتب معه جواب كتبهم يعدهم بالقبول ويقول ما معناه. قد نفذت إليكم ابن عمى مسلم بن عقيل ليعرفني ما أنتم عليه من رأى جميل فسار مسلم بالكتاب حتى وصل بالكوفة فلما وقفوا على كتاب إستبشار هم بإيابه ثم أنزلوه في دار المختار بن أبى عبيدة الثقفى، وصارت الشيعة تختلف إليه، فلما اجتمع إليه منهم جماعة قرا عليهم كتاب الحسين عليه السلام، وهم يبكون حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا. وكتب عبد الله بن مسلم الباهلى، وعمارة بن وليد، وعمر بن سعد، الى يزيد يخبرونه بأمر مسلم ويشيرون عليه بصرف النعمان بن بشير وولاية غيره. فكتب يزيد الى عبيد الله بن زياد وكان واليا على البصرة بأنه قد ولاه الكوفة وضمها إليه وعرفه أمر


[ 26 ]

مسلم بن عقيل وأمر الحسين عليه السلام وشدد عليه في تحصيل مسلم وقتله رضوان الله عليه فتأهب عبيد الله للمسير إلى الكوفة وكان الحسين عليه السلام قد كتب الى جماعة من أشراف البصرة كتابا مع مولى له إسمه سليمان ويكنى أبا رزين يدعوهم فيه الى نصرته ولزوم طاعته منهم يزيد بن مسعود النهشلي والمنذر بن الجارود العبدى، فجمع يزيد بن مسعود بنى تميم وبنى حنظلة وبنى سعد فلما حضروا قال: يا بنى تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم ؟ فقالوا: بخ بخ أنت الله فقرة الظهر ورأس الفخر حللت في الشرف وسطا وتقدمت فيه فرطا، قال، فإنى قد جمعتكم لأمر أريد أن أشارو كم فيه وأستعين بكم عليه فقالوا: إنا والله نمنحك النصيحة نجهد لك الرأى، فقل حتى نسمع فقال: إن معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا الا وإنه قد انكسر باب أحد بيعة عقد بها أمرا ظن انه قد أحكمه وهيهات والذى أراد إجتهد والله ففشل وشاور فخذل وقد قام إبنه يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعى الخلافة على المسلمين ويتآخر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقله علم لا يعرف من الحق موطى قدميه، فاقسم بالله قسما مبرورا لجهاده


[ 27 ]

على الدين أفضل من جهاد المشركين وهذا الحسين بن على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذو الشرف الأصيل، والرأى الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو اولى بهذا الأمر لسابقته، وسنه، وقدمه، وقرابته، يعطف على الصغير ويحنوا على الكبير، فأكرم به راعى رعية وإمام قوم وحببت لله به الحجة وبلغت به الموعظة، فلا تعشوا عن نور الحق، ولا تسكعوا في وهذا الباطل، فقد كان صخر بن قيس إنخذل بكم يوم الجمل فاغسلواها بخروجكم الى ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ونصرته والله لا يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته وها أناذا قد لبست للحرب في ولده والقلة في عشيرته وها أناذا قد لبست للحرب لامتها وأدرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب فتكلمت بنو حنظلة فقالوا: أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك إن رميت بنا أصبت وإن غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ننصرك والله بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت فافعل وتكلمت بنو سعد بن يزيد، فقالوا: يا أبا خالد، إن أبغض الاشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقى عزنا فينا فامهلنا نراجع المشهورة وناتيك


[ 28 ]

برأينا، وتكلمت بنو عامر بن تميم، فقالوا: يا أبا خالد نحن بنوا أبيك وحلفائك لا نرضى إن غضبت ولا نوطن إن ظعنت والامر إليك فادعنا نجبك وأمرنا نطعك والامر لك إذا شئت. فقال: والله يا بنى سعد لئن فعلتموها لارفع الله السيف عنكم أبدا ولا زال سيفكم فيكم. ثم كتب الى الحسين عليه السلام. [ بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد: فقد وصل كتابك وفهمت ما ندبتنى إليه ودعوتني له من الاخذ بحظى من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك وإن الله لا يخل الارض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة وأنتم حجة الله على خلقه ووديعته في أرضه تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها فأقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذلك لك أعناق بنى تميم وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الابل الظماء لورود الماء يوم خمسها وكظها وقد ذلكت لك بنى سعد وغسلت دون صدورها بماء سحابة مزن حين إستهل برقها فلمع ]. فلما قرأ الحسين عليه السلام الكتاب قال مالك آمنك الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر فلما تجهز


[ 29 ]

المشار إليه للخروج إلى الحسين عليه السلام بلغه قتله قبل أن يسير فخرج من إنقطاعه عنه. وأما المنذر بن الجارود فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله بن زياد وكانت بحرية بنت المنذر زوجة لعبيد الله بن زياد فأخذ عبيد الله بن زياد الرسول فصلبه ثم صعد المنبر فخطب وتوعد أهل البصرة على الخلاف وإثارة الأرجاف، ثم بات تلك الليلة، فلما أصبح إستناب عليهم أخاه عثمان بن زياد وأسرع هو إلى قصر الكوفة فلما قاربها نزل حتى أمسى، ثم دخلها اليلا فظن أهلها أنه الحسين عليه السلام فباشروا بقدومه ودنوا منه فلما عرفوا أنه ابن زياد تفرقوا عنه فدخل قصر الامارة وبات فيه الى الغداة، ثم خرج وصعد المنبر وخطبهم وتوعد هم على معصية السلطان ووعدهم مع الطاعة بالاحسان. مقتل مسلم بن عقيل وهانى بن عروة فلما سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف على نفسه من الاشتهار فخرج من دار المختار وقصد دار هانئ بن عروة فآواه وكثر إختلاف الشيعة إليه وكان عبيد الله قد وضع المراصد عليه، فلما علم إنه في دار هاني دعا


[ 30 ]

محمد بن الاشعث وأسماء بن خارجة. وعمرو بن الحجاج وقال ما يمنع هاني بن عروة من إتياننا. فقالوا: ما ندرى وقد قيل انه يشتكى، فقال: قد بلغني ذلك وبلغني إنه قد برء وإنه يجلس على باب داره ولو أعلم أنه شاك لعدته فألقوه ومروه أن لا يدع ما يجب عليه من حقنا فإنى لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب. فأتوه ووقفوا عليه عشية على بابه، فقالوا: ما يمنعك من لقاء الامير فإنه قد ذكرك، وقال، لو أعلم إنه شرك لعدته فقال، لهم الشكوى تمنعني فقالوا له: قد بلغه إنك تجلس كل عشية على باب دارك وقد إستبطاك والابطاء والجفاء لا يتحمله السلطان من مثلك لأنك سيد في قومك ونحن نقسم عليك إلا ما ركبت معنا فدعا بثيابه فلبسها، ثم دعا ببغلته فركبها حتى إذا دنا من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذى كان، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة: يا ابن أخى إنى والله لهذا الرجل الأمير لخائف فما ترى ! قال: والله يا عم ما أتخوف عليك شيئا ولا تجعل على نفسك سبيلا، ولم يكن حسان يعلم في أي شئ، بعث إليه عبيد الله فجاء هاني والقوم معه حتى دخلوا جميعا على عبيد الله فلما رأى هانيا قال: أتتك بخائن لك رجلا ثم التفت إلى شريح القاضى وكان جالسا عنده وأشار إلى هاني وأشد بيت


[ 31 ]

عمرو بن معدى كرب الزبيدى: أريد حياته ويريد قتلى * عذيرك من خليلك من مراد فقال له هاني: وما ذاك أيها الأمير ؟ فقال أيه يا هاني ما هذه الأمور التى تربص في دورك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين، جئت بمسلم بن عقيل وأدخلته في دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك وظننت إن ذلك يخفى على ! فقال: ما فعلت ؟ فقال ابن زياد: بلى قد فعلت، فقال: ما فعلت أصلح الله الأمير فقال ابن زياد: على بمعقل مولاى وكان معقل عينه على اخبارهم وقد عرف كثيرا من أسرارهم فجاء معقل حتى وقف بين يديه فلما رآه هاني عرف إنه كان عينا عليه فقال: أصلح الله الأمير والله ما بعثت إلى مسلم بن عقيل ولا دعوته ولكن جائنى مستجيرا فأجرته، فأستحيت من رده ودخلني من ذلك ذمام، فضيفته فلما إذ قد علمت فخل سبيلى حتى أرجع إليه. وآمره بالخروج من دارى إلى حيث شاء من الارض لاخرج بذلك من ذمامه وجواره فقال له ابن زياد: لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به، فقال: لا والله لا أجيئك به أبدا، أجيئك بضيفي حتى تقتله ! قال: والله لتأتينى به. قال: لا والله لا آتيك به. فلما كثر الكلام بينهما


[ 32 ]

قام مسلم بن عمرو الباهلى فقال: أصلح الله الأمير خلنى وإياه حتى أكلمه فقام فخلى به ناحية وهما بحيث يراهما ابن زياد ويسمع كلامهما إذا رفعا أصواتهما، فقال له مسلم: يا هاني أناشدك الله أن لا تقتل نفسك ولا تدخل البلاء على عشيرتك فوالله إنى لانفس بك عن القتل إن هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضاربيه فأدفعه إليه فإنه ليس عليك بذلك مخزاة ولام منقصة وإنما تدفعه إلى السلطان، فقال هاني: والله إن على بذلك الخزى والعار أنا أدفع جارى وضيفي ورسول ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأنا صحيح الساعدين كثير الأعوان والله لو لم أكن إلا واحد، وليس لى ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه فأخذ يناشده وهو يقول: والله لا أدفعه أبدا فسمع ابن زياد ذلك، فقال ابن زياد: ادنوه منى فأدنى منه فقال: والله لتأتينى به أو لأضربن عنقك… فقال هاني: إذن والله تكثر البارقة حول دارك… فقال ابن زياد: والهفاه عليك أبالبارقة تخوفنى ! وهانى يظن أن عشيرته يسمعونه ثم قال: أدنوه منى فأدنى منه فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخده حتى انكسر أنفه وسيل الدماء على ثيابه ونثر لحم خده وجبينه على لحيته فانكسر القضيب، فضرب هاني بيده إلى قائم سيف شرطى


[ 33 ]

فجاذبه ذلك الرجل، فصاح إبن زياد: خذوه: فجروه حتى القوة في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه، فقال: اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام أسماء بن خارجة الى عبيد الله بن زياد وقيل إن القائم حسان بن أسماء. فقال ارسل غدر سائر القوم أيها الأمير أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت وجهه وسيلت دماء على لحيته وزعمت إنك تقتله فغضب ابن زياد، وقال: وأنت ها هنا ثم أمر به فضرب حتى ترك وقيد وحبس في ناحية من القصر. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، إلى نفسي أنعاك يا هاني. قال الراوى: وبلغ عمرو بن الحجاج أن هانيا قد قتل وكانت رويحة بنت عمرو هذا تحت هاني بن عروة فأقبل عمرو في مذحج كافة حتى أحاط بالقصر ونادى عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعة وقد بلغنا أن صاحبنا هانيا قد قتل، فعلم عبيد الله بإجتماعهم وكلامهم فأمر شريحا القاضى أن يدخل على هاني فيشاهده، ويخبر قومه بسلامته من القتل ففعل ذلك وأخبر هم فرضوا بقوله وانصرفوا. قال وبلغ الخبر إلى مسلم بن عقيل فخرج بمن


[ 34 ]

بايعه إلى حرب عبيد الله بن زياد فتحصن منه الشام بقصر دار الامارة وإقتتل أصحابه وأصحاب مسلم وجعل أصحاب عبيد الله الذين معه في القصر يتشرفون منه ويحذرون أصحاب مسلم ويتوعدونهم بأجناد الشام فلم يزالوا كذلك، حتى جاء الليل فجعل أصجعل أصحاب مسلم يتفرقون عنه ويقول بعضهم لبعض ما نصنع بتعجيل الفتنة أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتى يصلح الله ذات بينهم فلم يبق معه سوى عشرة أنفس، فدخل مسلم المسجد ليصلى المغرب فتفرق العشرة عنه فلما رأى ذلك خرج وحيدا في دروب الكوفة حتى وقف على باب إمرأة يقال لها طوعة فطلب منها ماء فسقته ثم إستجارها فأجارته فعلم به ولدها فوشى الخبر بطريقة إلى إبن زياد فأحضر محمد بن الأشعت وضم إليه جماعة وأنفذه لاحضار مسلم فلما بلغوا دار المرأة وسمع مسلم وقع حوافر الخيل لبس درعه وركب فرسه وجعل يحارب أصحاب عبيد الله حتى قتل منهم جماعة فنادى إليه محمد بن الأشعث وقال: يا مسلم لك الأمان. فقال مسلم: وأى أمان للغدرة الفجرة ثم أقبل يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن: أقسمت لا أقتل إلا حرا * وإن رأيت الموت شيئا نكرا أكره أن أخدع أو أغرا * أو أخلط البارد سخنامرا


[ 35 ]

كل إمرئ يوما يلاقى شرا * أضربكم ولا أخاف ضرا فنادوا إليه إنه لا يكذب ولا يغر فلم يلتفت إلى ذلك وتكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الأرض فأخذ أسيرا فلما أدخل على عبيد الله لم يسلم عليه فقال له الحرس. سلم على الأمير فقال له: أسكت ويحك والله ما هو لى بأمير فقال ابن زياد، لا عليك، سلمت أم لم تسلم فإنك مقتوى فقال له مسلم: إن قتلتنى فلقد قتل من هو شر منك من هو خير منى وبعد فإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولوم الغلبة لا أحد أولى بها منك، فقال ابن زياد: يا عاق يا شاق خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين والحقت القتنة، فقال مسلم: كذبت يا بن زياد ! إنما شق عصا المسلمين معاوية وإبنه يزيد وأما الفتنة فإنما ألحقها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بنى علاج من ثقيف وأنا أرجو أن يرزقنى الله الشهادة على يدى شر بريته فقال ابن زياد: منتك نفسك أمرا حال الله دونه وجعله لأهله، فقال له مسلم: ومن يا ابن مرجانة ؟ فقال أهله يزيد بن معاوية. فقال مسلم: الحمد لله رضينا بالله حكما بيننا وبينكم. فقال له ابن زياد: أتظن ان لك في


[ 36 ]

الأمر شيئا. فقال له مسلم: والله ما هو الظن ولكنه اليقين. فقال ابن زياد: إخبرنى يا مسلم بماذا أتيت هذا البلد وأمرهم ملتئم فشتت أمرهم بينهم وفرقت كلمتهم، فقال مسلم: ما لهذا أتيت ولكنكم أظهر تم المنكر ودفنتم المعروف وتآمر تم على الناس بغير رضى منهم وحملتمو هم على غير ما أمركم الله به وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر فأتينا هم لنأمر فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر وندعو هم الى حكم الكتاب والسنة وكنا أهل ذلك فجعل زياد يشتمه ويشتم عليا والحسن والحسين عليه السلام. فقال له مسلم: أنت وأبوك أحق بالشتيمة، فاقض ما أنت وأبوك أحق بالشتيمة، فاقض ما أنت قاض يا عدو الله فأمر ابن زياد بكير بن حمران أن يصعد به إلى أعلى القصر فيقتله فصعد به وهو يسبح الله تعالى ويستغفره ويصلى على النبي صلى الله عليه واله وسلم فضرب عنقه فنزل مذعورا، فقال له ابن زياد ما شأنك ؟ فقال: أيها الأمير رأيت ساعة قتله رجلا أسود سئ الوجه حذا منى عاضا على إصبعه او قال على شفته، ففزعت منه فزعا لم أفزعه قط. فقال له ابن زياد (ع) لعلك دهشت. ثم أمر بهانى بن عروة فجعل يقول وامذ حجاه وأين منى مذحج واعشيرتاه وأين منى عشيرتي، فقال له: مد عنقك، فقال لهم: والله ما أنا بها سخى، وما كنت لاعينك على نفسي، فضربه غلام


[ 37 ]

لعبيد الله بن زياد يقال له رشيد فقتله. وفى قتل مسلم وهانى يقول عبد الله بن زبير الأسدى. ويقال إنها للفرزدق وقال بعضهم إنها لسليمان الحنفي. فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هاني في السوق وابن عقيل الى بطل قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوى من طمار قتيل أصابهما فرخ البغى فأصبحا * أحاديث من يسرى بكل سبيل ترى جسدا قد غير الموت لونه * ونضح دم سال كل مسيل فتى كان أخى من فتاة حيية * وأقطع من ذى شفرتين صقيل أيركب أسماء الهماليج آمنا * وقد طلبته مذحج بذحول تطوف حفافيه مراد وكلهم * على رقبة من سائل ومسول فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم * فكونا بغايا أرغمت ببعول قال الراوى، وكتب عبيدالله بن زياد بخبر مسلم وهانى إلى يزيد بن معاوية فأعاد الجواب إليه يشكره فيه على فعاله وسطوته ويعرفه أن قد بلغه توجه الحسين عليه السلام إلى جهته ويأمره عند ذلك بالمؤاخذة والانتقام والحبس على الظنون والأوهام. خروج الحسين من مكة متوجها الى العراق وكان قد توجه الحسين عليه السلام من مكة يوم الثلاثاء ثلاث مضين من ذى الحجة وقيل يوم الأربعاء لثمان من


[ 38 ]

ذى الحجة سنة ستين قبل أن يعلم بقتل مسلم لأنه عليه السلام خرج من مكة في اليوم الذى قتل فيه مسلم رضوان الله عليه. وروى إنه عليه السلام لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال: الحمد لله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلى الله على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وخير لى مصرع أنا لاقيه كأنى بأوصالى تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملان منى أكراشا جوفا، وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت نصير على بلائه ويوفينا أجر الصابرين لن تشذ عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لحمته وهى مجموعة له في حظيرة القدس تقربهم عينه وينجز بهم وعده من كان باذلا فينا مهجته وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإننى راحل مصبحا إنشاء الله تعالى. وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الامامي في كتاب دلائل الإمامة، قال: حدثنا أبو سفيان بن وكيع عن أبيه وكيع عن الأعمش قال. قال أبو محمد الواقدي وزارة بن خلج: لقينا الحسين بن على عليهما السلام قبل أن


[ 39 ]

يخرج الى العراق فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة وإن قلوبهم معه، وسيوفهم عليه، فأومى بيده نحو السماء ففتحت أبوا السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله عزوجل، فقال: لولا تقارب الاشياء وحبوط الاجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم يقينا ان هناك مصرعي ومصرع أصحابي لا ينجو منهم إلا ولدى على عليه السلام. وروى معمر بن المثنى في متقل الحسين عليه السلام، فقال: ما هذا لفظه، فلما كان يوم التروية قدم عمر بن سعد بن أبى وقاص الى مكة في جند كثيف قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه أو يقاتله إن قدر عليه. فخرج الحسين عليه السلام يوم التروية. ورويت من كتاب أصل لأحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الثقة، وعلى الاصل إن كان لمحمد بن داود القمى بالاسناد عن أبى عبد الله عليه السلام قال: سار محمد بن الحنفية الى الحسين في الليلة التى أراد الخروج في صبيحتها عن مكة فقال يا أخى إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم وأمنعه. فقال. يا أخى قد خفت أن يغتالنى يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذى يستباح به


[ 40 ]

حرمة هذا البيت فقال له: ابن الحنفية فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحى البر فإنك أمنع الناس به ولا يقدر عليك أحد فقال: أنظر فيما قلت. فلما كان السحر إرتحل الحسين عليه السلام فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ زمام ناقته التى ركبها. فقال له: يا أخى ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال بلى، قال: فما حداك على الخروج عاجلا فقال: أتانى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين أخرج فإن الله قد شاء ان يراك قتيلا، فقال له ابن الحنفية: ايا لله وإنا إليه راجعون فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال ؟ قال فقال له قد قال لى إن الله قد شاء أن يراهن سبايا وسلم عليه ومضى. وذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن أيوب بن نوح عن صفوان عن مروان بن إسماعيل عن حمزة بن حمران عن أبى عبد الله عليهم السلام قال ذكرنا خروج الحسين عليه السلام وتخلف ابن الحنفية عنه فقال أبو عبد الله عليه السلام يا حمزة إنى سأحدثك بحديث لا تسئل عنه بعد مجلسنا هذا إن الحسين عليه السلام لما فصل متوجها أمر بقرطاس وكتب.


[ 41 ]

[ بسم الله الرحمن الرحيم.. من الحسين بن على إلى بنى هاشم. أما بعد فإنه من لحق بى منكم إستشهد ومن تخلف عنى لم يبلغ الفتح والسلام ] وذكر المفيد محمد بن محمد بن النعمان (رض) في كتاب مولد النبي صلى الله عليه واله وسلم ومولد الأوصياء عليهم السلام بإسناده إلى أبى عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام قال لما سار أبو عبد الله الحسين بن على عليهما السلام من مكة ليدخل المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة فسلموا عليه وقالوا: يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه إن الله عز وجل أمد جدك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بنافى مواطن كثيرة وإن الله أمدك بنا. فقال لهم: الموعد حفرتي وبقعتى التى أستشهد فيها وهى كربلاء فإذا وردتها فأتوني فقالوا: يا حجة الله إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك، فقال: لا سبيل لهم على ولا يلقوني بكريهة أواصل الى بقعتي وأتته أفواج من مؤمنى الجن، فقالوا له: لا مولانا نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بما تشاء فلو أمرتنا بقتل كل عدو


[ 42 ]

لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك، فجزاهم خيرا وقال لهم أما قرأتم كتاب الله المنزل على جدى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في قوله تعالى: قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم) فإذا أقمت في مكاني فبمن يمتحن هذا الخلق المتعوس وبماذا يختبرون ومن ذا يكون ساكن حفرتي وقد إختارها الله تعالى لى يوم دحا الارض وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا تقبل أعمالهم وصلواتهم ويجاب دعاؤهم وتسكن شيعتنا فتكون لهم أمانا في الدنيا وفى الاخرة ولكن تحضرون يوم السبت وهو يوم عاشوراء وفى غير هذا الرواية يوم الجمعة الذى في آخره أقتل ولا يبقى بعدى مطلوب من أهلى ونسبي وإخوانى وأهل بيتى ويسار رأسي الى يزيد بن معاوية (لعنهما) الله فقالت الجن: والله يا حبيب الله وابن حبيبه لولا ان أمرك طاعة وإنه لا يجوز لنا مخالفتك لخالفناك وقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك، فقال لهم عليه السلام ونحن والله أقدر عليهم منكم ولكن ليهلك من هلك من بينة ويحيى من حى عن بينة. ثم سار حتى مر بالتنعيم فلقى هناك عيرا تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميرى عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية فأخذ الهدية لأن حكم أمور المسلمين إليه.


[ 43 ]

وقال لأصحاب الجمال من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفينا كراه وأحسنا معه صحبته ومن يحب أن يفارقنا أعطينا كراه بقدر ما قطع من الطريق فمضى معه قوم وامتنع آخرون. ثم سار حتى بلغ ذات عرق فلقى بشر بن غالب واردا من العراق فسأله عن أهلها، فقال: خلفت القلوب معك والسيوف مع بنى أمية، فقال: صدق أخو بنى أسد إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. قال الراوى: ثم سار حتى نزل الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد ثم إستيقظ فقال قد رأيت هاتفا يقول أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم الى الجنة فقال له إبنه على يا أبة أفلسنا على الحق فقال بلى يا بنى والله الذى إليه مرجع العباد فقال: يا أبه إذن لا نبالي بالموت، فقال الحسين عليه السلام جزاك الله يا بنى خير ما جزا ولدا عن والده ثم بات عليه السلم في الموضع المذكور فلما أصبح إذا برجل من الكوفة يكنى أبا هرة الأزدي قد أتاه فسلم عليه ثم قال: يا بن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما الذى أخرجك عن حرم الله وحرم جدك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال الحسين ويحك يا أبا هرة إن بنى أمية أخذوا مالى فصبرت وشتموا عرضى فصبرت وطلبوا دمى فهربت وايم الله لتقتلني الفئة


[ 44 ]

الباغية وليلبسنهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا وليسطن الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم إمرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم. ثم سار عليه السلام فحدث جماعة من بين فزارة وبجيلة قالوا: كما مع زهير بن القين لما أقبلنا من مكة فكنا نساير الحسين عليه السلام حتى لحقناه فكان إذا أراد النزول إعتزلناه فنزلنا ناحية فلما كان في بعض الايام نزل في مكان لن نجد بدا من أن ننازله فيه فبينا نحن نتغدى من طعام لنا إذ أقبل رسول الله الحسين عليه السلام حتى سلم ثم قال: يا زهير بن القين إن أبا عبد الله الحسين عليه السلام بعثنى إليك لتأتيه فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأنما على رؤوسنا الطير، فقالت له زوجته وهى ديلم بنت عمرو: سبحان الله أيبعث إليه ابن رسول الله عليه السلام ثم لا تأتيه فلو أتيته. فسمعت من كلامه فمضى إليه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشرا قد اشرق وجهه فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فحول الى الحسين عليه السلام وقال لإمرأته: أنت طالق فإنى لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بنفسى وأقيه بروحى ثم أعطاها مالها وسلمها إلى بعض بنى عمها ليوصلها إلى أهلها، فقامت إليه وبكت وودعته وقالت:


[ 45 ]

كان الله عونا ومعينا خار الله لك أسالك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام فقال لأصحابه من أحب أن يصحبني وإلا فهو آخر العهد منى به. ثم سار الحسين عليه السلام حتى بلغ زباله فأتاه فيها خبر مسلم بن عقيل فعرف بذلك جماعة ممن تبعه فتفرق عنه أهل الأطماع والارتياب وبقى معه أهله وخيار الاصحاب. قال الراوى: وارتج الموضع بالبكاء والعويل لقتل مسلم بن عقيل وسالت الدموع كل مسيل ثم ان الحسين عليه السلام سار قاصدا لما دعاه الله فلقيه الفرزدق الشاعر فسلم عليه وقال يا ابن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا إبن عمك مسلم بن عقيل وشيعته. قال فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا ثم قال: رحم الله مسلما فلقد صار إلى روح الله وريحانه وجنته ورضوانه أما إنه قد قضى ما عليه وبقى ما علينا ثم أنشأ يقول: فإن تكن الدنيا تعد نفسية * فإن ثواب الله أعلى وأنبل وإن تكن الابدان للموت أنشئت * فقتل إمرة بالسيف في الله أفضل وإن تكن الارزاق قسما مقدرا فقلة حرص المرء في السعي أجمل وإن تكن الاموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل


[ 46 ]

قال الراوى: وكتب الحسين عليه السلام كتابا إلى سليمان بن صرد الخزاعى والمسيب بن نجية ورفاعة بن شداد وجماعة من الشعية بالكوفة وبعث به مع قيس بن مسهر الصيداوي فلما قارب دخول الكوفة إعترضه الحصين بن نمير صاحب عبيد الله بن زياد (لع) ليفتشه فأخرج قيس الكتاب ومزقه فحمله الحصين بن نمير الى عبيد الله بن زياد، فلما مثل بين يديه قال له: من أنت ؟ قال: أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام وإبنه. قال: فلماذا خرقت الكتاب، قال: لئلا تعلم ما فيه. قال: وممن الكتاب وإلى من ؟ قال: من الحسين عليه السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسمائهم، فغضب إبن زياد وقال: والله لا تفارقني حتى تخبرني باسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر فتلعن الحسين بن على وأباه وأخاه، وإلا قطعتك إربا إربا، فقال قيس أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم وأما لعن الحسين عليه السلام وأبيه وأخيه فأفعل فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه واله وسلم وأكثر من الترحم على على والحسن والحسين عليهم السلام ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه ولعن عتاة بنى أمية عن آخر هم. ثم قال أيها الناس أنا رسول الحسين عليه السلام اليكم وقد


[ 47 ]

خلفته بموضع كذا فأجيبوه. فأخبر ابن زياد بذلك فأمر بالقائه من أعمالي القصر، فالقى من هناك فمات فبلغ الحسين عليه السلام موتا فاستعبر بالبكاء ثم قال اللهم إجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريما وأجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك إنك على كل شئ قدير، وروى، إن هذا الكتاب كتبه الحسين عليه السلام من الحاجز وقيل غير ذلك. قال الراوى: وسار الحسين عليه السلام حتى صار على مرحلتين من الكوفة فإذا بالحر بن يزيد في ألف فارس، فقال له الحسين عليه السلام: ألنا أم علينا ؟ فقال: بل عليك يا أبا عبد الله. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ثم تردد الكلام بينهما حتى قال له الحسين عليه السلام، فإذا كنتم على خلاف ما أتتنى به كتبكم وقدمت به على رسلكم فإننى أرجع إلى الموضع الذى أتيت منه فمنعه الحر وأصحابه من ذلك. وقال: بل خذ يا إبن رسول الله طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يوصلك إلى المدينة لأعتذر أنا إلى ابن زياد بأنك خالفتني في الطريق فتياسر الحسين عليه السلام حتى وصل إلى عذيب الهجانات قال: فورد كتاب عبيد الله بن زياد (لع) إلى الحر يلومه في أمر الحسين عليه السلام ويأمره بالتضييق عليه فعرض له الحر وأصحابه ومنعوه من السير فقال له


[ 48 ]

الحسين عليه السلام: ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق. فقال له الحر بلى، ولكن كتاب الأمير عبيد الله قد وصل يأمرنى فيه بالتضييق وقد جعل على عينا يطالبني بذلك. قال الراوى: فقال الحسين عليه السلام خطيبا في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ثم قال: إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون وإن الدينا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت حذاء ولم تبق منه الإصبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا فإنى لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما، فقام زهير بن القين وقال: قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لاثرنا النهوض معك على الاقامة. وقال الراوى: وقام هلال بن نافع البجلى فقال: والله ما كرهنا لقاء ربنا وإنا على نياتنا وبصائرنا نوالى من والاك ونعادى من عاداك قال: وقام برير بن خضير فقال الله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك وتقطع فيك أعضائنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة.


[ 49 ]

وصول الحسين عليه السلام إلى كربلاء قال الراوى: ثم إن الحسين عليه السلام قام وركب وسار وكلما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه اخرى حتى بلغ كربلاء وكان ذلك في اليوم الثاني من المحرم فلما وصلها قال ما إسم هذه الأرض فقيل كربلاء فقال عليه السلام اللهم إنى أعوذ بك من الكرب والبلاء ثم قال هذا موضع كرب وبلاء إنزلوا هاهنا محط رحالنا ومسفك دمائنا وهنا محل قبورنا بهذا حدثنى جدى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فنزلوا جميعا ونزل الحر وأصحابه ناحية وجلس الحسين عليه السلام يصلح سيفه ويقول: يادهراف لك من خليل * كم لك بالاشراق والاصيل من طالب وصاحب قتيل والدهر لا يقنع بالبديل وكل حى سالك سبيل * ما أقرب الوعد من الرحيل وإنما الأمر إلى الجليل قال الراوى: فسمعت زينب بنت فاطمة عليه السلام ذلك فقالت: يا أخى هذا كلام من أيقن بالقتل، فقال، عليه السلام نعم يا أختاه فقالت زينب واثكلاه ينعى الحسين عليه السلام إلى نفسه قال: وبكى النسوة ولطمن الخدود وشفقن الجيوب وجعلت أم كلثوم تناوى وامحمداه، واعلياه، وأماه، واأخاه، واحسيناه، واضيعتنا بعدك يا أبا عبد


[ 50 ]

الله. قيل فعزاها الحسين وقال لها: يا أختاه تعزى بعز الله فإن سكان السموات يفنون وأهل الأرض كلهم يموتون وجميع البرية يهلكون ثم قال: يا أختاه يا أم كلثوم، وأنت يا زينب وأنت يا فاطمة وأنت يا رباب انظرن إذا أنا قتلت فلا تشفقن على جيبا ولا تخمشن على وجها ولا تقلن هجرا. وروى من طريق آخر أن زينب لها سمعت مضمون الأبيات وكانت في موضع آخر منفردة مع النساء والبنات خرجت حاسرة تجر ثوبها حتى وقفت عليه وقالت واثكلاه ليت الموت أعدمنى الحيات اليوم ماتت أمي فاطمة، وأبى على، وأخى الحسن، يا خليفة الماضين وثمال الباقين فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال يا أختاه. لا يذهبن بحلمك الشيطان، فقالت: بأبى وأمى أستقتل نفسي لك الفداء فردت غصته وترقرقت عيناه بالدموع ثم قال لو ترك القطا ليلا لنام، فقالت: يا ويلتاه أفتغتصب نفسك إغتصابا، فذلك أقرح قلبى وأشد على نفسي ثم أهوت إلى جيبها فشقته وخرت مغشية عليها، فقام عليه السلام فصب عليها الماء حتى أفاقت ثم عزاما عليها السلام بجهده وذكرها المصيبة بموت أبيه وجده صلوات الله عليهم أجمعين.


[ 51 ]

ومما يمكن أن يكون سببا لحمل الحسين عليه السلام لحرمه وعياله إنه لو تركهن عليه السلام بالحجاز أو غيرها من البلاد كان يزيد بن معاوية عليهما لعائن الله قد أنفذ ليأخذ هن إليه وصنع بهن من الاستيصال وسئ الاعمال ما يمنع الحسين عليه السلام من الجهاد والشهادة ويمتنع عليه السلام بأخذ يزيد بن معاوية لهن عن مقامات السعادة.


[ 52 ]

المسلك الثاني في وصف حال القتال وما يقرب من تلك الحال قال الراوى: وندب عبيد الله بن زياد أصحابه الى قتال الحسين عليه السلام فاتبعوه وإستخف قومه فأطاعوه واشترى من عمر بن سعد آخرته بدنياه ودعاه إلى ولاية الحرب فلباه وخرج لقتال الحسين عليه السلام في أربعة الاف فارس واتبعه ابن زياد بالعساكر (لع) حتى تكملت عنده إلى ست ليال خلون من محرم عشرون ألف فارس فضيقوا على الحسين عليه السلام حتى نال منه العطش ومن أصحابه فقام عليه السلام واتكى على قائم سيفه ونادى بأعلى صوته، فقال: انشدكم الله هل تعرفونني ؟ قالوا: نعم أنت ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وسبطه. قال: أنشدكم الله هل تعلمون إن جدى رسول الله، قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون إن إبى على بن أبى طالب عليه السلام قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله


[ 53 ]

هل تعلمون إن امى فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى صلى الله عليه واله وسلم ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون إن جدتى خديجة بنت خويلد أول نساء الأمة إسلاما ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم هل تعلمون إن حمزة سيد الشهداء عم أبى ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون إن جعفر الطيار في الجنة عمى ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: هل تعلمون إن هذا سيف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنا متقلده ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون إن هذه عمامة رسول الله أنا لا بسها ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون إن عليا عليه السلام كان أول القوم إسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلما وإنه ولى كل مؤمن ومؤمنة ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فبم تستحلون دمى وأبى عليه السلام الذائد عن الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ولواء الحمد في يد أبى يوم القيامة، قالوا: قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا، فلما خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن وارتفعت أصواتهن فوجه إليهن أخاه العباس وعليا إبنه وقال لهما سكتاهن فلعمري ليكثرن بكائهن. قال الرواى: وورد كتاب عبيد الله بن زياد على


[ 54 ]

عمر بن سعد يحثه على تعجيل القتال ويحذره من التأخير والاهمال فركبوا نحو الحسين عليه السلام وأقبل شمر بن ذى الجوشن (لع) فنادى بنو أختى عبد الله وجعفر والعباس وعثمان فقال الحسين عليه السلام أجيبوه وإن كان فاسقا فإنه بعض أخوالكم فقالوا له ما شأنك فقال يا بنى أختى أنتم آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين عليه السلام والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد. قال: فناده العباس بن على عليه السلام تبت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله أتأمرنا ان نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة عليهما السلام وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء. قال: فرجع الشمر (لع) إلى عسكره مغضبا. قال الراوى: ولما رأى الحسين عليه السلام حرص القوم على تعجيل القتال وقلة انتفاعهم بمواعظ الفعال والمقال قال لأخيه العباس عليه السلام إن إستطعت أن تصرفهم عنا في هذا اليوم فافعل لعلنا نصلى لربنا في هذه الليلة فإنه يعلم إنى أحب الصلاة له وتلاوة كتابه. قال الراوى فسألهم العباس ذلك فتوقف عمر بن سعد (لع) فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي والله لو إنهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لأجبنا هم فكيف وهم من آل محمد صلى الله عليه واله وسلم فأجابو هم إلى ذلك.


[ 55 ]

قال الراوى: جلس الحسين عليه السلام فرقد ثم إستيقظ، فقال: يا أختاه إنى رأيت الساعة جدى محمد صلى الله عليه واله وسلم وأبى عليا وأمى فاطمة الزهراء وأخى الحسن وهم يقولون يا حسين إنك رائح إلينا عن قريب وفى بعض الروايات غدا. قال الراوى: فلطمت زينب وجهها وصاحب وبكت فقال لها الحسين: مهلا لا تشمتي القوم بنا ثم جاء الليل فجمع الحسين عليه السلام أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم أقبل عليهم فقال: أما بعد. فإنى لا أعلم أصحابا أصلح منكم ولا أهل بيت أبر، ولا أفضل من أهل بيتى، فجزاكم الله جميعا عنى خيرا وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتى وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني، وهؤلاء القوم فإنهم لا يريدون غيرى. فقال له إخوته وأبناؤه، وأبناء عبد الله بن جعفر ولم نفعل ذلك ؟ لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا وبدأ هم بذلك القول العباس بن على عليه السلام ثم تابعوه. قال الراوى: ثم نظر إلى بنى عقيل حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم إذهبوا فقد أذنت لكم، وروى من طريق آخر قال فعندها تكلم إخوته وجميع أهل بيته،


[ 56 ]

وقالوا: يا ابن رسول الله فما يقول الناس لنا وماذا نقول لهم إنا تركنا شيخنا وكبيرنا وابن بنت نبينا لم نرم معه بسهم ولم نطعن معه برمح ولم نضرب بسيف لا والله يا إبن رسول الله لا نفارقك أبدا ولكنا نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك ونرد موردك فقبح الله العيش بعدك ثم قام مسلم بن عوسجة وقال نحن نخليك هكذا وننصرف عنك، وقد أحاط بك هذا العدو لا والله لا يرانى الله أبدا وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدور هم رمحي وأضا ربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدى ولو لم يكن لى سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت معك. قال وقام سعيد بن عبد الله الحنفي فقال: لا والله يا ابن رسول الله لا نخليك أبدا حتى يعلم الله أنا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلى الله عليه واله وسلم ولو علمت إنى أقتل فيك ثم أحى ثم أذرى يفعل ذلك بى سبعين مرة ما فارقتك حتى القى حمامى دونك وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التى لا إنقضاء لها أبدا ثم قام زهير بن القين وقال: والله يا ابن رسول الله لوددت إنى قتلت ثم نشرت ألف مرة وإن الله تعالى قد دفع القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوانك وولدك وأهل بيتك وتكلم جماعة من أصحابه بنحو ذلك، وقالوا أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا، فإذا نحن قتلنا بين يديك


[ 57 ]

نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال قد أسر إبنك بثغر الرى فقال عند الله أحتسبه ونفسي ما كنت أحب أن يؤسر وأنا أبقى بعده فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال: رحمك الله أنت في حل من بيعتى فأعمل في فكاك إبنك فقال: أكلتنى السباع حيا إن فارقتك. قال: فأعط إبنك هذه الأثواب والبرود يستعين بها في فداء أخيه فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار. قال الراوى: وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دوى كدوى النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد فعبر عليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد إثنان وثلاثون رجلا وكذا كانت سجية الحسين عليه السلام في كثرة صلاته وكمال صفاته. وذكر ابن عبد ربه في الجزء الرابع من كتاب العقد، قال قيل لعلى بن الحسين عليهما السلام ما أقل ولد أبيك، فقال: العجب كيف ولدت له كان يصلى في اليوم والليلة الف ركعة فمتى كان يتفرغ للنساء. قال: فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاط فضرب فأمر بجفته فيها مسك كثير وجعل عندها نورة ثم دخل ليطلى فروى أن برير بن خضير الهمداني وعبد


[ 58 ]

الرحمن بن عبد ربه الانصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعد فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن: يا برير أتضحك ما هذه ساعة ضحك ولا باطل، فقال بريد: لقد علم قومي إننى ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا وإنما أفعل ذلك إستبشارا بما نصير إليه فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعانق الحور العين. قال الراوى: وركب أصحاب عمر بن سعد (لع) فبحث الحسين عليه السلام برير بن خضير فو عظهم فلو يستمعوا وذكر هم فلو ينتفعوا فركب الحسين عليه السلام ناقته وقيل فرسه فاستنصتهم فأنصتوا، فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله وصلى على محمد صلى الله عليه واله وسلم وعلى الملائكة والأنبياء والرسل وأبلغ في المقال ثم قال: تبا لكم أيتها الجماعة وترحا استصرختمونا والهين فاصرخنا كم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا وعدو كم فأصبحتم البا لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل افشوه فيكم ولا أمل أصح لكم فيهم فهلا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجاش طامن والرأى لما يستحصف ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا وتداعيتم إليها كتهافت الفراش فسحقايا عبيد الامة


[ 59 ]

وشذاذ الاحزاب وبنذة الكتاب ومحرفى الكلم وعصبة الاثام ونفثة الشيطان ومطفى السنن أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون أجل والله الغدر فيكم قديم وشجت إليه أصولكم وتأزرت عليه فروعكم فكنتم أخبث ثم شجا للناظر وآكلة للغاصب ألا وإن الدعى ابن الدعى قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنين وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ألا وإنى زاحف بهذه الاسرة الاسرة مع قلة العدد وخذلة الناصر ثم أوصل كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادى. فإن نهزم فهزا مون قدما * وإن نغلب فغير مغلبينا وما إن طبنا جنن ولكن منايانا ودولة آخرينا إذا ما الموت رفع عن أناس * كلاكله أناخ بآخرينا فافنى ذلكم سرواة قومي * كما أفنى القرون الأولينا فلو خلد الملوك إذا خلدنا * ولو بقى الكرام إذا بقينا فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما القينا ثم أيم الله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده إلى أبى عن جدى فاجمعوا أمر كم وشركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الى


[ 60 ]

ولا تنظرون، إنى توكلت على الله ربى وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم، اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنى يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف فيسومهم كاسا مصبرة فإنهم كذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير. ثم نزل عليه السلام ودعا بفرس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المرتجز فركبه وعبى أصحابه للقتال. فروى عن الباقر عليه السلام إنهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل وروى غير ذلك قال الراوى: فتقدم عمر بن سعد فرمى نحو عسكر الحسين عليه السلام بسهم وقال: إشهدوا لى عند الامير انى اول من رمى وأقبك السهام من القوم كأنها القطر، فقال عليه السلام لأصحابه قوموا رحمكم الله إلى الموت الذى لابد منه فإن هذه السهام رسل القوم إليكم فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة حتى قتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة. قال فعندها ضرب الحسين عليه السلام بيده الى لحيته وجعل يقول اشتد غضب الله تعالى على اليهود إذ جعلوا له ولداواشت غضب الله تعالى على النصارى إذ جعلوه


[ 61 ]

ثالث ثلاثة، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم. أما والله لا أجيبهم الى شئ مما يريدون حتى القى الله تعالى وأنا مخضت بدمى. فروى عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: سمعت أبى يقول لما التقى الحسين عليه السلام وعمر بن سعد (لع) وقامت الحرب أنزل الله تعالى النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله فاختار لقاء الله. رواها أبو طاهر محمد بن الحسين النرسى في كتاب معالم الدين. مبارزة أصحاب الحسين (ع) وإستشهاد هم قال الراوى: ثم صاح عليه السلام أما من مغيث يغيثنا لوجه الله أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله، قال فإذا الحربن يزيد قد أقبل الى عمر بن سعد فقال أمقاتل أنت هذا الرجل ! قال: أي والله قتالا أيسره أن تطير الرؤوس وتطيح الايدى، قال: فمضى الحر ووقف موقفا من أصحاب وأخذه مثل الافكل، فقال له المهاجر بن أوس: والله إن أمرك لمريب ولو قيل لى من


[ 62 ]

أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذى أرى منك فقال والله إنى أخير نفسي بين الجنة والنار فوالله لا اختار على الجنة شيئا ولو قطعت واحرقت، ثم ضرب فرسه قاصدا إلى الحسين عليه السلام ويده على رأسه وهو يقول اللهم إليك أنبت فتب على فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك، فقال للحسين عليه السلام: جعلت فداك أنا صاحبك الذى حبسك عن الرجوع وجعجع بك وما ظننت أن القوم يبلغون منك ما أرى وأنا تائب الى الله تعالى فهل ترى لى من توبة ؟ فقال الحسين عليه السلام نعم يتوب الله عليك. فنزل وقال: أنا لك فارسا خير منى لك راجلا وإلى النزول يصير آخر أمرى. ثم قال فإذا كنت أول من خرج عليك فأذن لى أن أكون أول قتيل بين يديك لعلى أكون ممن يصافح جدك محمد صلى الله عليه واله وسلم غدا في القيامة. قال جامع الكتاب (ره) إنما أراد أول قتيل من الان لأن جماعة قتلوا قبله كما ورد فأذن له فجعل يقاتل أحسن قتال حتى قتل جماعة من شجعان وأبطال ثم أستشهد فحمل إلى الحسين عليه السلام فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول أنت الحر كما سمتك أمك في الدنيا الاخرة. قال الراوى: وخرج برير بن خضير وكان زاهدا


[ 63 ]

عابدا فخرج إليه يزيد بن المغفل فاتفقا على المباهلة إلى الله تعالى في أن يقتل المحق منهما المبطل وتلاقيا فقتله برير ولم حتى قتل رضوان الله عليه. قال: وخرج وهب بن جناح الكلبى فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد وكان معه إمرأته وولدته فرجع إليهما وقال: يا أماه أرضيت أم لا ؟ فقالت ألام ما رضيت حتى تقتل بين يدى الحسين عليه السلام وقالت إمرأته بالله عليك لا تفجعني بنفسك، فقالت له أمه يا بنى أغرب عن قولها وارجع فقاتل بين يدى ابن نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة، فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه فأخذت إمرأته عمودا فأقبلت نحوه وهى تقول فداك أبى وأمى قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأقبل كى يردها إلى النساء فأخذت بجانب ثوبه وقالت لن أعود دون أن أموت معك، فقال الحسين عليه السلام: جزيتم من أهل بيتى خيرا ارجعي إلى النساء رحمك الله فانصرفت اليهن ولم يزال الكلبى يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه. ثم خرج مسلم بن عوسجة فبالغ في قتال الأعداء وصبر على أهوال البلاء حتى سقط إلى الأرض وبه رمق فمشى إليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن مظاهر فقال له


[ 64 ]

الحسين: رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ودنا منه حبيب وقال: عز على مصرعك يا مسلم ابشر بالجنة، فقال له مسلم قولا ضعيفا بشرك الله ثم قال له حبيب لولا إننى أعلم أنى في الاثر لاحببت أتوصى إلى بكل ما أهمك، فقال له مسلم فإنى أوصيك بهذا وأشار إلى الحسين عليه السلام فقاتل دونه حتى تموت، فقال له حبيب: لأنعمنك عينا ثم مات رضوان الله عليه. فخرج عمرو بن قرطة الأنصاري فاستأذن الحسين عليه السلام فأذن له فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد وجمع بين سداد وجهاد وكان لا يأتي إلى الحسين عليه السلام سهم إلا أتقاه بيده ولا سيف إلا تلقاه بمهجته فلم يكن يصل إلى الحسين سوء حتى أثخن بالجراح فالتفت إلى الحسين عليه السلام وقال: يا بن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أوفيت، فقال: نعم أنت أمامى في الجنة فاقرأ رسول الله عنى السلام وأعلمه إنى في الأثر فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه. ثم برز جون مولى أبى ذر وكان عبدا أسود فقال له ثم برز جون مولى أبى ذر وكان عبدا أسود فقال له الحسين عليه السلام أنت في إذن منى فإنما تبعتنا طلبا للعافية


[ 65 ]

فلا تبتل بطريقنا، فقال: يا بن رسول الله أنا في الرخاء الحسن قصاعكم وفى الشدة أخذلكم والله إن ريحى لنتن وإن حسبى للئيم ولوني لأسود فتنفس على بالجنة فتطيب ريحى ويشرف حسبى ويبيض وجهى، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ثم قاتل رضوان الله عليه حتى قتل. قال الراوى: ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي فقال الحسين عليه السلام يا أبا عبد الله جعلت فداك قد هممت أن الحق بأصحابك وكرهت أن أتخلف فأراك وحيدا بين أهلك قتيلا. فقال له الحسين عليه السلام تقدم فإنا لا حقون بك عن ساعة. فتقدم فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه. قال الراوى: وجاء حنظلة بن أسعد الشامي فوقف بين يدى الحسين يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره وأخذ ينادى يا قوم إنى أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعد هم وما الله يريد ظلما للعباد ويا قوم إنى أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم يا قولا لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من إفترى ثم إلتفت إلى الحسين عليه السلام فقال له: أفلا نروح إلى ربنا ونلحق بإخواننا بلى رح إلى ما هو خير لك من


[ 66 ]

الدنيا وما فيها. وإلى ملك لا يبلى، فتقدم فقاتل قتال الأبطال وصبر على إحتمال الأهوال حتى قتل رضوان الله عليه. قال وحضرت صلاة الظهر فأمر الحسين عليه السلام زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه ثم صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى الحسين عليه السلام سهم فتقدم سعيد بن عبد الله الحنفي ووقف يقيه بنفسه ما زال ولا تخطى حتى سقط إلى الأرض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم أبلغ نبيك عنى السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإنى أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ثم قصى نحبه رضوان الله عليه فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح. قال الراوى: وتقدم سويد بن عمر بن أبى المطاع وكان شريفا كثير الصلاة فقاتل قتال الأسد الباسل وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون قتل الحسين عليه السلام فتحامل وأخرج سكينا من خفه وجعل يقاتلهم بها حتى قتل رضوان الله عليه. قال وجعل أصحاب الحسين عليه السلام يسارعون إلى


[ 67 ]

القتل بين يديه وكانوا كما قيل فيهم: قوم إذا نودوا لدفع ملمة * والخيل بين مدعس ومكردس لبسوا القلوب على الدروع كأنهم * يتهافتون إلى ذهاب الأنفس شهادة أهل بيته (ع) فلما لم يبق معه سوى أهل بيته خرج على بن الحسين عليه السلام وكان من أصبح الناس وجها وأحسنهم خلقا فإستأذن أباه في القتال فأذن له ثم نظر إليه نظرة آيس منه وأرخى عليه السلام عينه وبكى ثم قال: اللهم أشهد فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك صلى الله عليه واله وسلم وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه فصاح وقال يا بن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمى فتقدم نحو القوم فقاتل قتال شديدا وقتل جمعا كثيرا ثم رجع إلى أبيه وقال يا أبت العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدنى فهل إلى شربة من الماء سبيل فبكى الحسين عليه السلام وقال واغوثاه ايا بنى قاتل قليلا فما أسرع ما تلقى جدك محمد صلى الله عليه واله وسلم فيسقيك بكأسه الاوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا فرجع إلى موقف النزال وقاتل أعظم القتال فرماه منقذ بن مرة العبدى (لع) بسهم فصرعه فنادى يا أبتاه عليك منى السلام هذا جدى يقرئك السلام ويقول لك عجل القدوم علينا ثم شهق شهقة فمات فجاء


[ 68 ]

الحسين عليه السلام حتى وقف عليه ووضع خده على خده وقال قتل الله قوما قتلوك ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا. قال الراوى: خرجت زينب بنت على عليها السلام تنادى يا حبيباه يا بن أخاه وجاءت فأكبت عليه فجاء الحسين عليه السلام فأخذها وردها إلى النساء ثم جعل أهل بيته عليهم السلام يخرج الرجل منهم بعد الرجل حتى قتل القوم منهم جماعة فصاح الحسين عليه السلام في تلك الحال: صبرا يا بنى عمومتي صبرا يا أهل بيتى فوالله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا. قال الراوى: وخرج غلام كان وجهه شفة قمر فجعل يقاتل فضربه ابن فضيل الأزدي على رأسه ففلقه فوقع الغلام لوجهه وصاح يا عماه فجلى الحسين عليه السلام كما يجلى الصقر ثم شد شدة ليث أغضب فضرب ابن فضيل بالسيف فاتقاها بالساعد فأطنه من لدن المرفق فصاح صيحة سمعه اهل العسكر وحمل أهل الكوفة ليستنقذوه فوطأته الخيل حتى هلك. قال وانجلت الغيرة قرأيت الحسين عليه السلام قائما على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين عليه السلام يقول بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك


[ 69 ]

وبوك ثم قال عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك صوته هذا يوم والله كثر واتره وقل ناصره ثم حمل عليه السلام الغلام على صدره حتى القاه بين القتلى من أهل بيته. قال ولما رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبته عزم على لقاء القوم بمهجته ونادى هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هل من موحد يخاف الله فينا هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا فارتفعت أصوات النساء بالعويل فتقدم إلى باب الخيمة وقال لزينب: ناوليني ولدى الصغير حتى أودعه، فأخذه وأومأ إليه ليقبله فرماه حرملة بن الكاهل الاسدي (لع) بسهم فوقع في نحره فذبحه فقال لزينب: خذيه ثم تلقى الدم بكفيه فلما إمتلاتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال هون على ما نزل بى إنه بعين الله قال الباقر عليه السلام: فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الارض. قال الراوى: واشتد العطش بالحسين عليه السلام فركب المسناة يريد الفرات والعباس أخوه بين يديه فاعترضته خيل ابن سعد فرمى رجل من بنى دارم الحسين عليه السلام بسهم فأثبته في حنكه الشريف فانتزع عليه السلام السهم وبسط يديه


[ 70 ]

تحت حنكه حتى امتلات راحتاه من الدم ثم رمى به وقال: اللهم إنى أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ثم إقتطعوا العباس عنه وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه إقتطعوا العباس عنه وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه قدس الله روحه فبكى الحسين عليه السلام لقتله بكاء شديدا وفى ذلك يقول الشاعر: أحق الناس أن يبكى عليه * فتى أبكى الحسين بكر بلاء أخوه وابن والده على * أبو الفضل المضرج بالدماء ومن واساه لا يثنيه شئ * وجادله على عطش بماء قال الراوى: ثم إن الحسين دعا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من بزر إليه حتى قتل مقتله عظيمة وهو في ذلك يقول: القتل أولى من ركوب العار * والعار أولى من دخول النار قال بعض الرواة فوالله ما رأيت مكسورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا منه وان كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيه الذئب ولقد كان يحمل فيهم ولقد تكملوا ثلاثين ألفا فيهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مركزة وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله.


[ 71 ]

قال الراوى ولم يزل عليه السلام يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله فصاح عليه السلام ويلكم يا شيعة آل أبى سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم هذه وارجعوا إلى احسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون، قال فناداه الشمر (لع) ما تقول يا ابن فاطمة. فقال إنى أقول أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجها لكم وطغاتكم من التعرض الحرمى ما دمت حيا، فقال شمر (لع): لك ذلك يابن فاطمة فقصدوه بالحرب فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجدى حتى أصابه إثنان وسبعون جراحة فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثم رفع رأسه إلى السماء وقال الهى أنت تعلم إنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الارض ابن بنت نبى غيره، ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنه ميزاب فضعف عن القتال ووقف فكلما أتاه رجل إنصرف عنه كراهة ان يلقى الله بدمه حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر فشتم الحسين عليه السلام وضربه على رأسه الشريف بالسيف


[ 72 ]

فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه فامتلا البرنس دما. قال الراوى: فاستدعى الحسين عليه السلام بخرقة فشد بها رأسه واستدعى بقلنسوة فلبسها وأعتم. فلبثوا هنيئة ثم عادوا إليه وأحاطوا به فخرج عبد الله بن الحسن بن عليه عليه السلام وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين فلحقته زينب على عليها السلام لتحبسه فأبى وامتنع إمتناعا شديدا فقال لا والله لا أفارق عمى فأهوى بحر بن كعب وقيل حرملة بن كاهلى إلى الحسين عليه السلام بالسيف. فقال له الغلام ويلك يابن الخبيثة أتقتل عمى فضربه بالسيف فاتقى الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة فنادى الغلام يا أماه فأخذه الحسين عليه السلام وضمه إليه وقال يابن أخى على ما نزل بك وأحتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين، قال فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه الحسين عليه السلام. مقتل الحسين (ع) ثم إن شمر بن ذى الجوشن حمل على فسطاط الحسين عليه السلام فطعنه بالرمح ثم قال: على بالنار أحرقه على من فيه، فقال الحسين عليه السلام: يابن ذى الجوشن


[ 73 ]

أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلى، أحرقك الله بالنار، وجاء شبث فوبخه فاستحا وانصرف. قال الراوى وقال الحسين عليه السلام ابغوا لى ثوبا لا يرغب فيه أجعله تحت ثيابي لئلا أجرد منه فأتى بتبان فقال لا ذاك لباس من ضربت عليه الذلة فخرقه وجعله تحت ثيابه فلما قتل عليه السلام جردوه منه ثم استدعى الحسين عليه السلام بسراويل من حبرة ففرزها ولبسها وإنما فرزها لئلا يسلبها فلما قتل عليه السلام سلبها بحر بن كعب (لع) وترك الحسين عليه السلام مجردا فكانت يدا بحر بعد ذلك تيبسان في الصيف كأنهما عودان يابسان وتترطبان في الشتاء فتنضحان دما وقيحا إلى أن أهلكه الله تعالى. قال ولما أثخن الحسين عليه السلام بالجراح وبقى كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المرى على خاصرته طعنة فسقط الحسين عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن وهو يقول: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ثم قام عليه السلام. قال الراوى وخرجت زينب من باب الفساط وهى تنادى وأخاه واسيداه وا أهل بيتاه ليت السماء أطبقت على الارض وليت الجبال تدكدكت على السهل. قال وصاح شمر بأصحابه ما تنتظرون بالرجل قال


[ 74 ]

وحملوا عليه من كل جانب فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى وضرب الحسين عليه السلام زرعة فصرعه وضرب آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا عليه السلام بها لوجهه وكان قد أعبا وجعل ينوء ويكب عطعنه سنان ابن أنس النخعي في ترقوته ثم أنتزع الرمح فطعنه في بوانى صدره ثم رماه سنان أيضا بسهم فوقع السهم في نحره فسقط عليه السلام وجلس قاعدا فنزع السهم من نحره وقرن كفيه جميعا فكلما امتلاتا من دمائه خضب بهما رأسه ولحيته وهو يقول هكذا القى الله مخضبا بدمى مغصوبا على حقى، فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه: إنزل ويحك إلى الحسين فأرحه قال فبدر إليه خولى ابن يزيد الأصبحي ليحتز رأسه فأرعد فنزل إليه سنان بن أنس النخعي (لع) فضرب بالسيف في حلقه الشريف وهو يقول والله إنى لأجتز رأسك وأعلم إنك ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وخير الناس أبا وأما، ثم أجتز رأسه المقدس المعظم وفى ذلك يقول الشاعر: فأى رزية عدلت حسينا * غداة تبيره كفا سنان وروى أبو طاهر محمد بن الحسن الترسى في كتاب معالم الدين قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لما كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان ضجت الملائكة إلى الله بالبكاء


[ 75 ]

وقالت: يا رب هذا الحسين عليه السلام صفيك وابن بنت نبيك، قال فأقام الله ظل القائم عليه السلام وقال بهذا أنتقم لهذا. وروى إن سنانا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة ثم قطع يديه ورجليه وأغلى له قدرا فيها زيت ورماه فيها وهو يضطرب. قال الراوى فارتفعت في السماء في ذلك الوقت غيرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا ترى فيها عين ولا أثر حتى ظن القوم إن العذاب قد جائهم فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم. وروى هلال بن نافع قال: إنى كنت واقفا مع أصحاب عمر بن سعد (لع) إذ صرخ صارخ أبشر أيها الامير فهذا شمر قتل الحسين عليه السلام قال فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وإنه ليجود بنفسه فوالله ما رأيت قط قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه ولا أنور وجها ولقد شغلنى نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله فإستسقى في تلك الحال ماء فسمعت رجلا يقول والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فسمعته يقول يا ويلك أنا لا أرد الحامية ولا أشرب من حميمها بل أرد على جدى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأسكن معه في داره في


[ 76 ]

مقصد صدق عند مليك مقتدر وأشرب من ماء غير آسن وآشكو إليه ما ارتكبتم منى وفعلتم بى قال: فغضبوا بأجمعهم حتى كان الله لم يجعل في قلب واحد منهم من الرحمة شيئا فأجتزوا رأسه وإنه ليكلمهم فتعجبت من قلة رحمتهم وقلت والله لا أجامعكم على أمر أبدا. قال ثم أقبلوا على سلب الحسين فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره. وروى إنه وجد في قميصه مائة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة سهم وضربة. وقال الصادق عليه السلام وجد في الحسين عليه السلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة وأخذ سراويله بحر بن كعب التيمى (لع) فروى أنه صار زمنا مقعدا من رجليه وأخذ عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي وقيل جابر ابن يزيد الاودى (لع) فاعتم بها فصار معتوها وأخذ نعليه الاسود بن خالد (لع) وأخذ خاتمة بجدل بن سليم الكلبى وقطع اصبعه عليه السلام مع الخاتم وهذا أخذه المختار فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك. وأخذ قطيفة له عليه السلام كانت من خز قيس بن الاشعث وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد فلما قتل عمر وهبها المختار


[ 77 ]

لأبى عمرة قاتله، وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأودى وقيل رجل من نبى تميم يقال له أسود بن حنظلة وفى رواية ابن أبى سعدإنه أخذ سيفه الفلافس النهشلي وزاد محمد بن زكريا إنه وقع بعد ذلك إلى بنت حبيب بن بديل وهذا السيف المنهوب المشهور ليس بذى الفقار فإن ذلك كان مذخورا ومصونا مع أمثاله من ذخائر النبوة والامامة وقد نقل الرواة تصديق ما قلناه وصورة ما حكيناه. قال الراوى: وجائت جارية من ناحية خيم الحسين عليه السلام فقال لها رجل يا أمة الله إن سيدك قتل قالت الجارية: فأسرعت إلى سيدتي وأنا أصيح فقمن في وجهى وصحن. قال: وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرة عين البتول حتى جعلوا ينتزعون ملحفة المرئة على ظهرها وخرج بنات آل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وحريمة يتساعدن على البكاء ويندبن لفراق الحماة والأحباء. وروى حميد بن مسلم قال: رأيت إمرأة من بنى بكربن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه السلام وفسطاطهن وهم يسلبونهن أخذت سيفا وأقبلت نحو


[ 78 ]

الفسطاط وقالت: يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا حكم إلا الله يا لثارات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأخذها زوجها وردها الى رحله. فقال الراوى: ثم أخرج النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة وقلت بحق الله إلاما مررتم بنا على مصرع الحسين عليه السلام فلما نظر النسوة الى القتلى صحن وضربن وجوههن قال فو الله لا أنسى زينب بنت على عليه السلام تندب الحسين عليه السلام وتنادى بصوت حزين وقلت كئيب يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء هذا حسين مرمل بالدماء مقطع الأعضاء وبناتك سبايا إلى الله المشتكى وإلى محمد المصطفى وإلى على المرتضى وإلى فاطمة الزهراء وإلى حمزة سيد الشهداء يا محمداه هذا حسين بالعراء تسفى عليه الصبا قتيل أولاد البغايا واحزناه، واكرباه، اليوم مات جدى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا أصحاب محمداه هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا، وفى رواية: يا محمداه بناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفى عليهم ريح الصبا وهذا حسين محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والرداء، بابى من أضحى عسكره في يوم الإثنين بهبا، بأبى من فسطاطه مقطع العرى،


[ 79 ]

بأبى من لا غائب فيرتجى ولا جريح فيداوى، بأبى من نفسي له الفداء، بأبى المهموم حتى قضى، بابى العطشان حتى مضى، بابى من شيبته تقطر بالدماء، بأبى من جده محمد المصطفى، بأبى من جده رسول إله السماء، بأبى من هو سبط نبى الهدى، بأبى محمد المصطفى، بأبى خديجة الكبرى، بأبى على المرتضى عليه السلام، بأبى فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، بأبى من ردت له الشمس وصلى. فال الراوى: فأبكت والله كل عدو وصديق ثم ان سكينة إعتنقت جسد أبيها الحسين عليه السلام فاجتمعت عدة من الاعراب حتى جروها عنه. قال الراوى: ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين عليه السلام فيواطئ الخيل ظهره وصدره فانتدب منهم عشرة وهم: إسحاق بن حوبة الذى سلب الحسين عليه السلام قميصه وأخنس بن مرثد، وحكيم بن طفيل السنبسى، وعمر بن صبيح الصيداوي، ورجاء بن منقذ العبدى وسالم بن خثيمة الجعفي وواحظ بن ناعم، وصالح بن وهب الجعفي، وهانى بن شبث الحضرمي، وأسيد بن مالك (لع). فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتى رضوا صدره وظهره.


[ 80 ]

قال الراوى: وجاء هؤلاء العشرة حتى وفقوا على ابن زيادة فقال: أسيد بن مالك أحد العشرة عليهم لعائن الله. نحن رضضنا الصدر بعد الظهر * بكل يعبوب شديد الاسر فقال ابن زياد: من أنتم ؟ قالوا: نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا حناجر صدره، قال: فأمر لهم بجائزة يسيرة. قال أبو عمر الزاهد: فنظرنا إلى هؤلاء العشرة فوجدنا هم جميعا أولاد زناء وهؤلاء أخذهم المختار فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد وأوطأ الخيل ظهور هم حتى هلكوا. وروى ابن رياح قال: رأيت رجلا مكفوفا قد شهد قتل الحسين عليه السلام فسئل عن ذهاب بصره، فقال: كنت شهدت قتله عاشر عشرة غير إنى لم أضرب ولم أرم فلما قتل رجعت إلى منزلي وصليت العشاء الاخيرة ونمت فأتاني آت في منافى فقال أجب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فإنه يدعوك. فقلت مالى وله فأخذ بتلابيبى وجرني إليه فإذا النبي صلى الله عليه واله وسلم جالس في صحراء حاسر عن ذراعيه أخذ بحربة وملك قائم بين يديه وفى يده سيف من نار فقتل


[ 81 ]

أصحابي التسعة، فكلما ضرب ضربة التهبت أنفسهم نارا فد نوت منه، وجثوت بين يديه وقلت السلام عليك يا رسول الله فلم يرد على ومكث طويلا ثم رفع رأسه وقال يا عدو اله إنتهكت حرمتي وقتلت عترتي ولم ترع حقى، وفعلت ما فعلت ؟ فقلت: والله يا رسول الله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولارميت بسهم قال صدقت، ولكنك كثرت السواد أذن منى فدنوت منه فإذا طست مملوء دما ! فقال لى: هذا دم ولدى الحسين عليه السلام فكحلني من ذلك الدم فانتهيت حتى الساعة لا أبصر شيئا. وروى عن الصادق عليه السلام يرفعه الى النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة عليها السلام قبة من نور ويقبل الحسين عليه السلام ورأسه في يده فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرب ولا نبى مرسل إلا بكى لها فيمثله الله عزوجل لها في أحسن صورة وهو يخاصم قتلته بلا رأس فيجمع الله عزوجل لها قتلته والمجهزين عليه ومن شركهم في قتله فاقتلهم حتى أتى على آخر هم ثم ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين عليه السلام ثم ينشرون فيقتلهم الحسن عليه السلام، ثم ينشرون فيقتلهم الحسين عليه السلام ثم ينشرون فلا يبقى أحد من ذريتنا إلا


[ 82 ]

قتلهم قتلة. فعند ذلك يكشف الغيظ وينسى الحزن. ثم قال قال الصادق عليه السلام: رحم الله شيعتنا هم والله شيعتنا المؤمنون فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة. وعن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال إذا كان يوم القيامة جائت فاطمة عليها السلام في لمة من نسائها فيقال لها أدخلي الجنة، فتقول لا أدخل حتى أعلم ما صنع بولدى من بعدى: فيقال لها أنظرى في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين عليه السلام قائما ليس عليه رأس فتصرخ صرخة فأصرخ لصراخها وتصرخ الملائكة لصراخها. وفى رواية: وتنادى واولداه واثمرة فؤاداه، قال فيغضب الله عزوجل لها عند ذلك فيأمر نارا يقال له هب هب، قد أوقد عليها ألف عام حتى أسودت لا يدخلها روح أبدا، ولا يخرج منها غم أبدا فيقال: إلتقطى قتلة الحسين، فتلتقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها، وشهقت وشهقوا بها، وزفرت وزفروا بها. فينطقون بالسنة ذلقة ناطقة يا ربنا بم أوجبت لنا النار قبل عبدة الاوثان ؟ فيأتيهم الجواب عن الله عزوجل: أن من علم ليس كمن لا يعلم.


[ 83 ]

روى هذين الخبرين ابن بابويه في كتاب عقاب الأعمال، ورأيت في المجلد الثلاثين من تذييل شيخ المحدثين ببغداد محمد بن النجار في ترجمة فاطمة بنت أبى العباس الازدي بإسناده عن طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول إن موسى بن عمران سئل ربه قال: يا رب إن أخى هارن مات فاغفر له. فأوحى الله إليه يا موسى عمران لو سألتنى في الاولين والاخرين لاجبتك ماخلا قاتل الحسين بن على أبى طالب عليهما السلام


[ 84 ]

المسلك الثالث في الامور المتأخرة عن قتله (ع) وهى تمام ما أشرنا إليه قال ثم إن عمر بن سعد بعث برأس الحسين عليه السلام في ذلك اليوم وهو يوم عاشوراء مع خولى بن يزيد الاصبحي، وحميد بن مسلم الازدي إلى عبيد الله بن زياد وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فنظفت وسرح بها مع شمر بن ذى الجوشن (لع) وقيس بن الاشعث، وعمرو بن الحجاج. فاقبلوا حتى قدموا بها إلى الكوفة وأقام بقية يومه واليوم الثاني إلى زوال الشمس ثم رحل بمن تخلف عن عيال الحسين عليه السلام وحمل نسائه صلوات الله عليه على إجلاس أقتاب الجمال بغير وطاء مكشفات الوجوه بين الاعداء وهن ودائع الانبياء وساقوهن كما يساق سبى الترك والروم في أشد المصائب والهموم ولله در قائله: يصلى على المعبوث من آل هاشم * ويعزى بنوه إن ذا العجيب


[ 85 ]

وقال آخر: أتر جوا أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب وروى: إن أصحاب الحسين عليه السلام كانت ثمانية وسبعين رأسا فاقتسمتها القبائل لتقرب بذلك الى عبيد الله بن زياد وإلى يزيد بن معاوية (لع) فجائت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الاشعث. وجاءت هوازن بإثنى عشر رأسا وصاحبهم شمر بن ذى الجوشن (لع) وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا، وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس، وجاء باقى الناس بثلاثة عشر رأسا. قال الراوى: ولما إنفصل عمر بن سعد (لع) عن كربلاء خرج قوم بنى أسد فصلوا على تلك الجثث الطواهر المرملة بالدماء ودفنوها على ما هي الآن عليه وسار ابن سعد بالسبي المشار إليه فلما قاربوا الكوفة إجتمع أهلها للنظر إليهن. قال الراوى: فأشرفت إمرأة من الكوفيات فقالت من أي الاسارى أنتن نحن أسارى آل محمد صلى الله عليه واله وسلم فنزلت المرأة من سطحها فجمعت لهن ملاء وارزا ومقانع وأعطتهن فتغطين.


[ 86 ]

قال الراوى: وكان مع النساء على بن الحسين عليه السلام قد نهكته العلة والحسن بن الحسن المثنى وكان قد واسى عمه وامامه في الصير على ضرب السيوف وطعن الرماح وإنما أتيت وقد أثخن بالجراح. وروى مصنف كتاب المصابيح ان الحسن بن الحسن المثنى قتل بين يدى عمه الحسين عليه السلام في ذلك اليوم سبعة عشر نفسا وأصابه ثمانية عشر جراحة فوقع فأخذه خاله أسماء بن خارجة فحمله إلى الكوفة وداواه حتى برأ وحمله الى المدينة وكان معهم أيضا زيد وعمر وولدا الحسن السبط عليهم السلام فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون. فقال على بن الحسين عليه السلام: تنوحون وتبكون من أجلنا فمن ذا الذى قتلنا. قال بشير بن خزيم الاسدي: ونظرت إلى زينب بنت على يومئذ ولم أر خفرة والله أنطق منها كأنها تفرع من لسان أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الاجراس ثم قالت: الحمد الله والصلاة على أبى محمد وآله الطيبين الاخيار. أما بعد: يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا


[ 87 ]

رقأت الدفعة ولا هدأت الرنة إنما مثلكم كمثل التى نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون إيمانكم دخلا بينكم ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف والصدر الشنف وملق الاماء وغمز الاعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفى العذاب أنتم خالدون. أتبكون وتنتحبون أي والله فابكون كثيرا واضحكوا قليلا فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداو أنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ حيرتكم ومفزع نازلتكم ومناز حجتكم ومدرة سنتكم ألا ساء ما تزرون وبعدا لكم وسحقا. فلقد خاب السعي وتبت الأيدى وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم وأى كريمة له أبرزتم وأى دم له سفكتم وأى حرمة له انتهكتم لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء (وفى بعضها) خرقاء شوهاء كطلاع الارض أو كملئ السماء أفعجبتم إن مطرب السماء دما ولعذاب الاخرة أخزى وأنتم لا تنصرون فلا يستخفنكم المهل فإنه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثأر وإن ربكم لبالمرصاد. قال الراوى: فوالله لقد رأيت الناس يؤمئذ حيارى


[ 88 ]

يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخا وافقا إلى جنبى يبكى اخضلت لحيته وهو يقول: بأبى أنتم وأمى كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونسائكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى. وروى زيد بن موسى قال: حدثنى أبى عن جدى عليهم السلام قال: خطبت فاطمة الصغرى بعد أن وردت من كربلاء فقالت الحمد لله عدد الرمل والحصا وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأومن به وأتوكل عليه وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه واله وسلم وإن أولاده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات اللهم إنى أعوذ بك أن أفترى عليك بالكذب أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيه على بن أبى طالب عليه السلام المسلوب حقه المقتول من غير ذنب كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله فيه معشر مسلمة بألسنتهم تعسا لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته ولا عند مماته حتى قبضته إليك محمود النقيبة طيب العريكة معروف المناقب مشهور المذاهب لم تأخذه فيك اللهم لومة لائم ولا عذاب عاذل هديته اللهم للاسلام صغيرا وحمدت مناقبة كبيرا ولم يزل


[ 89 ]

ناصحا ولرسولك صلى الله عليه واله وسلم حتى قبضته إليك زاهدا في الدنيا غير حريص عليها راغبا في الاخر مجاهدات لك في سبيلك رضيته فاخترته فهديته إلى صراط مستقيم. أما بعد. يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنا أهل بيت، إبتلانا الله بكم وابتلاكم بنا فجعل بلائنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا فنحن عيبة علمه ووعاء فهمه وحكمته وحجته على الارض في بلاده لعباده أكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم على كثير ممن خلق تفضيلا بينا فكذبتمونا وكفرتمونا ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا نهبا كأننا أولاد ترك وكابل كما قتلتم جدنا بالأمس وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم قرت لذلك عيونكم وفرحت قلوبكم على افتراء الله ومكرا مكرتم والله خير الماكرين فلا تدعونكم انفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا فإن ما أصابنا من المصائب من الجليلة والرزايا العظمية في كتاب من قبل أن نبرئها إن ذلك على الله يسير لا يحب كل مختال فخور، تبا لكم فانتظروا اللعنة والعذاب. فكان قد حل بكم وتواترت من السماء نقمان فيسحتكم


[ 90 ]

بعذاب ويذيق بعضكم بأس بعض، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ألا لعنة الله على الظالمين ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم وأيه نفس نزعت إلى قتالنا أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا والله قست قلوبكم وغلظت أكبادكم وطبع على أفئدتكم وختم على سمعكم وبصر كم وسول لكم الشيطان وأملى لكم وجعل على بصركم عشاوة فأنتم لا تهتدون فتبا لكم يا أهل الكوفة، أي تراث لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم قبلكم ودخول له لديكم بما غدرتم بأخيه على بن أبى طالب، جدى وببنيه وعترته الطيبين الاخيار فاقتخر بذلك مفتخر فقال: نحن قتلنا عليا وبنى على * بسيوف هندية ورماح وسبينا نسائهم سبى ترك * ونطحناهم فأى نطاح بفيك أيها القائل الكثكث والاثلب إفتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهر هم الله وأذهب عنهم الرجس، فاكظم وأقع كما أقعى أبوك قائما لكل امرئ ما كسب وما قدمت يداه أحسدتمونا – ويلكم – على ما فضلنا الله. فما ذنبنا إن جاش دهرا بحورنا * وبحرك ساج ما يوارى الدعا مصا ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.


[ 91 ]

قال: فارتفعت الاصوات بالبكاء والنحيب وقالوا حسبك يا أبنة الطيبين فقد أحرقت قلوبنا وأنضجت نحورها وأضرمت أجوافنا فسكتت. قال: وخطبت أم كلثوم بنت على عليه السلام في ذلك اليوم من وراء كلتها رافعة صوتها بالبكاء، فقالت: يا أهل الكوفة سوأة لكم ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وأنتهبتم أمواله وورثتموه وسببتم نسائه ونكبتموه، فتبا لكم وسحقا، ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم وأى وزر على ظهور كم حملتم وأى دماء سفكتموها وأى كريمة أصبتموها وأى صيبة سبلتموها وأى أموال إنتهبتموها. قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم ونزعت الرحمة من قلوبكم ألا إن حزب الله هم الفائزون وحزب الشيطان هم الخاسرون، ثم قالت: قتلتم أخى صبرا فويل لا مكم * ستجزون نارا حرها يتوقد سفكتم دماء حرم الله سفكها * وحرمها القرآن ثم محمد ألا فابشروا بالنار إنكم غدا * لفى سقر حقا يقينا تخلدوا وإنى لأبكى في حياتي على أخى * على خير من بعد النبي سيولد بدمع عزيز مستهل مكفكف * على الخدمنى دائما ليس يحمد قال الراوى: فضج الناس بالبكاء والنوح ونشر النساء شعور هن ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن


[ 92 ]

وجوههن وضربن خدود هن ودعون بالويل والثبور وبكى الرجال ونتفوا لحاهم فلم ير باكية أكثر من ذلك اليوم. ثم إن زين العابدين عليه السلام أوما إلى الناس أن اسكتوا فسكتوا، فقام قائما فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه واله وسلم ثم صلى عليه ثم قال أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسى أنا على بن الحسين بن على بن أبى طالب عليهم السلام أنا ابن من إنتهكت حرمته وسلبت نعمته وإنتهب ماله وسبى عياله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات أنا ابن من قتل صبرا، وكفى بذلك فخرا، أيها الناس فأنشدكم الله هل تعلمون إنكم كتبتم إلى أبى وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه فتبا لما قدمتم لأنفسكم وسوءة لرأيكم بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه اله وسلم إذ يقول لكم قتلتم عترتي وإنتهكتم حرمتي فلستم من امتى. قال الراوى فارتفعت الاصوات من كل ناحية ويقول بعضهم لبعض هلكتم وما تعلمون فقال عليه السلام رحم الله إمرءا قبل نصيحتي وحفظ وصيتى في الله وفى رسوله وأهل بيته فإن لنا في رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أسوة حسنة فقالوا: بأجمعهم نحن كلنا يا ابن رسول الله سامعون


[ 93 ]

مطيعون خافظون لذمامك زاهدين فيك وراغبين عنك فمرنا بأمرك يرحمك الله فإنا حرب لحربك وسلم لسلمك لنأخذن يزيد لعنه الله ونبرأ ممن ظلمك فقال عليه السلام هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا إلى كما آتيتم آبائى من قبل كلا ورب الراقصات فإن الجرح لما يندمل قتل أبى صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه ولم ينسنى ثكل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وثكل أبى وبنى أبى ووجده بين لهاتي ومرارته بين حناجري وحلقى وغصصه تجرى في فراش صدري ومسئلتي أن تكونوا لا لنا ولا علينا ثم قال: لاغرو إن قتل الحسين فشيخه * قد كان خيرا من حسين وأكرم فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذى * أصيب حسين كان ذلك أعظم قتيل بشط النهر روحي فدائه * جزاء الذى أرداه نار جهنم ثم قال رضينا منكم رأسا برأس فلا يوم لنا ولا يوم علينا. قال الراوى: ثم إن ابن زياد جلس في القصر للناس وأذن إذنا عاما وجى برأس الحسين عليه السلام فوضع بين يديه وأدخل نساء الحسين عليه السلام وصبيانه إليه فجلست زينب بنت على عليه السلام متنكرة فسأل عنها فقيل زينب بنت على عليه السلام فأقبل إليها فقال الحمد


[ 94 ]

لله الذى فضحكم وأكذب أحدوثتكم، فقالت: إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا، فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك، فقالت: ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن يكون الفلج يؤمئذ هبلتك أمك يا بن مرجانة. فقال الراوى: فغضب ابن زياد وكأنه هم بهاء، فقال له عمرو بن حريث إنها إمرأة والمراد لا تؤخذ بشئ من منطقها، فقال لها ابن زياد: لقد شفى الله قلبى من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك، فقالت: لعمري لقد قتلت كهلى وقطعت فرعى وإجتثثت أصلى فإن كان هذا شفاك فقد إشتفيت، فقال ابن زياد: هذه سجاعة ولعمري لقد كان أبوك شاعرا وسجاعا، فقالت: يا بن زياد ما للمرأة والسجاعة. ثم التفت ابن زياد إلى على بن الحسين عليهما السلام فقال من هذا ؟ فقيل: على بن الحسين، فقال: أليس قد قتل الله على بن الحسين عليه السلام فقال على عليه السلام: قد كان لى أخ يقال له على بن الحسين قتله الناس فقال بل الله قتله. فقال على عليه السلام الله يتوفى الأنفس حين موتها


[ 95 ]

والتى لم تمت في منامها، فقال ابن زياد: ألك جرأة على جوابي إذهبوا به فإضربوا عنقه فسمعت به عمته زينب فقالت: يابن زياد إنك لم تبق منا أحدا فإن كنت عزمت على قتله فاقتلني معه، فقال على عليه السلام لعمته أسكتي يا عمة حتى أكلمه ثم أقبل، فقال: أبا لقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة. ثم أمر ابن زياد بعلى بن الحسين عليه السلام وأهله فحملوا إلى دار جنب المسجد الأعظم، فقالت زينب بنت على عليه السلام لا تدخلن عربية إلا ام ولد أو مملوكة فإنهن سبين كما سبينا ثم أمر ابن زياد برأيس الحسين عليه السلام فطيف به في سكك الكوفة ويحق لى أن أتمثل هنا بأبيات لبعض ذوى العقول يرثى بها قتيلا من آل الرسول. رأس ابن بنت محمد ووصية * للناظرين على قناة يرفع والمسلمون بمنظر وبمسمع * لا منكر منهم ولا متفجع كحلت بمنظرك العيون عماية * وأصم رزئك كل أذن تسمع أيقظت أجفانا وكنت لها كرى * وأنمت عينا لم يكن بك تهجع ماروضة إلا تمنت إنها * لك حفرة ولحظ قبرك مضجع قال الراوى: ثم إن ابن زياد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال في بعض كلامه: الحمد لله الذى أظهر


[ 96 ]

الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه وقتل الكذاب بن الكذاب فما زاد على الكلام شيئا حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الازدي وكان من خيار الشيعة وزهادها وكانت عينه اليسرى ذهبت في يوم الجمل يصلى فيه إلى الليل، فقال: يا ابن زياد إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه يا عدو الله أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين !. قال الراوى: فغضب ابن زياد وقال من هذا المتكلم فقال أنا المتكلم يا عدوا الله أتقتل الذرية الطاهرة التى قد أذهب الله عنها الرجس وتزعم إنك على دين الاسلام واغوثاه أين أولاد المهاجرين والانصار لينتقمون من طاغيتك اللعين بن اللعين على لسان رسول رب العالمين. قال الراوى: فازداد غضب ابن زياد حتى إنتفخت أوداجه وقال: وقال: على به فتبادرت إليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه فقامت الاشراف من الازد من بنى عمه فخلصوه من أيدى الجلاوزة وأخرجوه من باب المسجد وإنطلقوا به إلى منزله، فقال ابن زياد: إذهبوا الى هذا


[ 97 ]

الاعمى أعمى الازد أعمى الله قبله كما أعمى عينه فاتوني به، قال فانطلقوا إليه فلما بلغ ذلك الازد أجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم، قال: بلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر وضمهم إلى محمد بن الاشعث وأمرهم بقتال القوم. قال الراوى: فاقتلوا قتالا شديدا حتى قتل بينهم جماعة من العرب، قال ووصل أصحاب ابن زياد إلى دار عبد الله بن عفيف، فكسروا الباب وإقتحموا عليه فصاحب إبنته أتاك القوم من حيث تحذر، فقال: لا عليك ناولنى سيفى: قال: فناوله إياه فجعل يذب عن نفسه ويقول: أنا إبن ذى الفضل عفيف الطاهر * عفيف شيخي وابن أم عامر كم دارع من جمعكم وحاسر * وبطل جدلته مغاور قال وجعلت إبنته تقول يا أبت ليتنى كنت رجلا أخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة قال وجعل القوم يدرون عليه من كل جهة وهو يذب عن نفسه فلم يقدر عليه أحد وكلما جاءه من جهة قالت يا أبت جاؤك من جهة كذا حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به فقالت بنته واذلاه يحاط بأبى وليس له ناصر يستعين به فجعل يدير سيفه ويقول:


[ 98 ]

أقسم لو يفسخ لى عن بصرى * ضاق عليك موردى ومصدري قال الراوى: فما زالوا به حتى أخذوه ثم حمل فأدخل على ابن زياد فلما رآه قال الحمد الله الذى أخزاك فقال له عبد الله بن عفيف: يا عدو الله وبماذا أخزاني الله والله لوفرج لى عن بصرى * ضاق عليك موردى ومصدري فقال ابن زياد: يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان، فقال يا عبد بنى علاج يا ابن مرجانة وشتمه ما أنت وعثمان بن عفان أسماء أم أحسن وأصلح أم أفسد والله تبارك وتعالى ولى خلقه يقضى بينهم وبين عثمان بالعدل والحق ولكن سلنى عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه، فقال ابن زياد: لا سئلتك عن شئ أو تذوق الموت فقال ابن زياد: لا سئلتك عن شئ أو تذوق الموت غصة بعد غصة، فقال عبد الله بن عفيف: الحمد لله رب العالمين اما إنى قد كنت أسئل الله ربى أن يرزقنى الشهادة من قبل ان تلدك أمك وسألت الله ان يجعل ذلك على يدى ألعن خلقه وأبغضهم إليه فلما كف بصرى يئست عن الشهادة والان فالحمد لله الذى رزقنيها بعد الياس منها وعرفني الاجابة منه في قديم دعائي، فقال يا ابن زياد: إضربوا عنقه فضربت عنقه وصلب في السبخة.


[ 99 ]

قال الراوى: وكتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية يخبره بقتل الحسين عليه السلام وخبر أهل بيته وكتب أيضا إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة بمثل ذلك أما عمرو فحيث وصله الخبر صعد على المنبر وخطب الناس وأعلمهم ذلك فعظمت واعية بنى هاشم وأقاموا سنن المصائب والماتم وكانت زينب بنت عقيل بن أبى طالب عليه السلام تندب الحسين عليه السلام وتقول: ماذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الامم بعترتي وبأهل بيتى بعد مفتقدى * منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم ماكان هذا جزائي إذ نصحت لكم * أن تخلفوني بسوء في ذوى رحمى فادما جاء الليل سمع أهل المدينة هاتفا ينادى: أيها القاتلون جهلا حسينا * إبشروا بالعذاب والتنكيل كل أهل السماء يدعو عليكم * منى بنى ومالك وقبيل قد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى صاحب الانجيل وأما يزيد بن معاوية فإنه لما وصله كتاب عبيد الله بن زياد ووقف عليه أعاد الجواب إليه يأمره فيه بحمل رأس الحسين عليه السلام ورؤوس من قتل معه وعمل أثقاله ونسائه وعياله فاستدعى ابن زياد بمحفر بن ثعلبة العائذى فسلم إليه الرؤوس والاسرى والنساء فصار بهم محفر الى


[ 100 ]

الشلام، كما يسار بسبايا الكفار يتصفح وجوههن أهل الاقطار. فروى ابن لهيعة وغيره حديثا أخذنا منه موضع الحاجة قال: كنت أطوف بالبيت فإذا برجل يقول اللهم أغفر لي وما أراك فاعلا، فقلت له: يا عبد الله إتق الله ولا تقل مثل ذلك فإن ذنوبك لو كانت مثل قطر الامطار وروق الاشجار فاستغفرت الله غفرها لك فإنه غفور رحيم قال فقال لى: تعالى حتى أخبرك بقصتي فأتيته فقال: إعلم إنا كنا خمسين نفرا ممن سار مع رأس الحسين عليه السلام إلى الشام فكنا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت وشربنا الخمر حول التابوت فشرب أصحابي ليلة حتى سكروا ولم أشرب معهم فلما جن الليل سمعت رعدا ورأيت برقا فإذا أبواب السماء قد فتحت ونزل آدم عليه السلام ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ونبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم ومعهم جبرائيل وخلق من الملائكة فدنا جبرائيل من التابوت وأخرج الرأس وضمه الى نفسه وقبله ثم كذلك فعل الأنبياء كلهم وبكى النبي صلى الله عليه واله وسلم على رأس الحسين عليه السلام وعزاه الأنبياء وقال له جبرائيل عليه السلام يا محمد إن الله تبارك وتعالى أمرنى أن أطيعك في أمتك فإن أمرتنى زلزلت بهم الأرض وجعلت عاليها سافلها كما


[ 101 ]

فعلت بقوم لوط، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم يا جبرائيل فإن لهم معى موقفا بين يدى الله يوم القيامة ثم جاءت الملائكة نحونا ليقتلونا فقلت الامان الامان يارسول الله فقال إذهب فلا غفر الله لك. ورأيت في تذييل محمد بن النجار شيخ المحدثين ببغداد في ترجمة على بن نصر الشبوكى بإسناده زيادة في هذا الحديث ما هذا لفظه قال لما قتل الحسين بن على وحملوا برأسه جلسوا يشربون ويجئ بعضهم بعضا بالرأس فخرجت يد وكتبت بقلم الحدى على الحائط. أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب قال فلما سمعوا بذلك تركوا الرأس وهزموا دخول الرؤوس والنساء الى الشام قال الراوى: وسار القوم برأس الحسين ونسائه والاسرى من رجاله فلما قربوا من دمشق دنت ام كلثوم من شمر وكان من جملتهم فقالت له: لى إليك حاجة: فقال: ما حاجتك قالت: إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة وتقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذه الحال فأمر في جواب سؤالها أن يجعل


[ 102 ]

الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة حتى أتى بهم باب دمشق فوفقوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبى. فروى: أن بعض فضلاء التابعين لما شاهدا رأس الحسين عليه السلام بالشام أخفى نفسه شهرا من جميع أصحابه فلما وجدوه بعد إذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك فقال ألا ترون ما نزل بنا وأنشأ يقول: جاؤا بر أسك يا بن بنت محمد * مترملا بدمائه ترميلا وكأنما بك يا بن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا قتلوك عطشانا ولم يترقبوا * في قتلك التأويل والتنزيلا ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا قال الراوى: وجاء شيخ ودنا من نساء الحسين عليه السلام وعياله وهم في ذلك الموضع فقال الحمد لله الذى قتلكم وأهلككم وأراح البلاد عن رجالكم، وأمكن أمير المؤمنين منكم فقال له على بن الحسين عليه السلام يا شيخ هل قرأت القرآن ؟ قال: نعم، قال فهل عرفت هذه الآية: (لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى). قال الشيخ: نعم قد قرأت ذلك فقال على عليه السلام له فنحن القربى يا شيخ فهل قرأت في


[ 103 ]

بنى إسرائيل (وآت القربى حقه) فقال الشيخ قد قرأت، فقال على بن الحسين فنحن القربى يا شيخ فهل قرأت هذه الآية: (واعملوا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى). قال: نعم، فقال له على عليه السلام: فنحن القربى يا شيخ فهل فرأت هذه الاية: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم تطهيرا. قال الشيخ: قد قرأت ذلك، فقال على عليه السلام: فنحن أهل البيت الذى خصصنا الله بآية الطهارة يا شيخ. قال الراوى: فبقى الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به وقال: بالله إنكم هم، فقال: على بن الحسين عليهما السلام تالله إنا لنحن هم من غير شك وحق جدنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فبكى الشيخ ورمى عمامته ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم إنا نبرأ إليك من عدو آل محمد صلى الله عليه واله وسلم من جن وإنس، ثم قال هل لى توبة، فقال له: نعم إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا، فقال: أنا تائب فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل. قال الراوى: ثم أدخل ثقل الحسين عليه السلام ونسائه ومن تخلف من أهل بيته على يزيد بن معاوية (لع) وهم مقرنون في الحبال، فلما وفقوا بين يديه وهم على تلك


[ 104 ]

الحال قال على بن الحسين عليهما السلام أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله صلى الله عليه واله وسلم لو رآنا على هذه الصفة فأمر يزيد بالحبال فقطعت. ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه فرآه على بن الحسين عليهما السلام فلم يأكل بعد ذلك أبدا وأما زينب فإنها لما رأته أهوت إلى جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين يفزع القلوب يا حسيناه يا حبيب رسول الله يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن بنت المصطفى. قال الراوى فأبكت والله كل من كان في المجلس ويزيد عليه لعائن الله ساكت. ثم جعلت امرأة من بنى هاشم كانت في دار يزيد لعنه الله تندب على الحسين عليه السلام وتنادى يا حبيباه يا سيد أهل بيتاه يا ابن محمد يا ربيع الارامل واليتامى يا قتيل أولاد الادعياء، قال الراوى: فأبكت كل من سمعها. ثم دعاء يزيد عليه اللعنة بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال: ويحك يا يزيد أتنكت بقضيبك ثغر الحسين عليه السلام


[ 105 ]

ابن فاطمة عليها السلام أشهد لقد رأيت النبي صلى الله عليه واله وسلم يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن عليهما السلام أنتما سيدا شباب أهل الجنة فقتل الله قاتلكما ولعنه وأعد له جهنم وسائت مصيرا قال الراوى: فغضب يزيد وأمر بإخراجه فأخرج سحبا، قال وجعل يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعرى ليت أشياخى ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الاسل لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلناه ببدر فاعتدل لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحى نزل لست من خندف إن لم أنتقم * من بنى أحمد ما كان فعل قال الراوى: فقامت زينب بنت على بن أبى طالب عليه السلام فقالت الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسول وآله: أجمعين، صدق الله سبحانه كذلك يقول ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوء أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الارض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الاسراء إن بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة وإن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حين رأيت الدينا لك مستوثقة والامور متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلا مهلا أنسيت


[ 106 ]

قول الله تعالى (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزداد وا إثما ولهم عذاب مهين) أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول لله صلى الله عليه واله وسلم سبايا قد هتكت ستور هن وأبديت وجوههن تحدوا بهن الاعداء من بلد إلى بلد ويستشر فهن أهل المناهل والمناقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدنى والشريف ليس معهن من رجالهن ولى ولا من حماتهن حمى وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأذكياء ونبت لحمه من دماء الشهداء وكيف ويستبطأ في بغضاء أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنان والاحن والاضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم. لا هلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لاتشل منتحيا على ثنايا أبى عبد الله عليه السلام سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة وإستأصلت الشأفة باراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه واله وسلم ونجوم الارض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك، وزعمت إنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتوذن إنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت اللهم خذ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا وأحلل


[ 107 ]

غضبك بمن سفك دمائنا وقتل حماتنا فوالله ما قريب إلا جلدك ولا حززت إلا لحمك ولتردن على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بما تحملت من سفك ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته وحيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم. (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحيا عند ربهم يرزقون). وحسبك بالله حاكما وبمحمد صلى الله عليه واله وسلم خصيما وبجبرائيل ظهيرا وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا وأيكم شر مكانا وأضعف جندا ولئن جرت على الدواهي مخاطبتك إنى لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحرب الشيطان الطلقاء فهذه الايدى تنطف من دمائنا والافواه تتحلف من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكى تتنابها العواسل وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما حين لا تجد الا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد: فإلى الله المشتكى وعليه المعول فكد كيدك وأسع سعيك وناصب جهد كفوالله لا عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادى المنادى الا لعنة الله على الظالمين فالحمد


[ 108 ]

لله رب العالمين الذى ختم لاولنا بالسعادة والمغفرة ولاخرنا بالشهادة والرجمة ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل. فقال يزيد لعنه الله: يا صيحة تحمد من صوائح * ما أهون الموت على النوائح قال الراوى: ثم استشار أهل الشام فيما يصنع بهم، فقالوا لا تتخذن من كلب سوء جروا، فقال النعمان بن بشير: أنظر ما كان الرسول يصنع بها فاصنعه بهم. فنظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الحسين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية، فقالت فاطمة لعمتها: يا عمتاه أو تمت وأستخدم ؟ فقالت: زينب: لاولا كرامة لهذا الفاسق فقال الشامي: من هذه الجارية ؟ فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين عليه السلام وتلك زينب بنت على بن أبى طالب فقال الشامي: الحسين بن فاطمة عليهما السلام وعلى بن أبى طالب عليه السلام ! قال: نعم فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد أتقتل عترة نبيك وتسبى ذريته والله ما توهمت إلا


[ 109 ]

أنهم سبى الروم ! فقال يزيد: والله لألحقنك بهم، ثم أمر به فضربت عنقه. قال الراوى: ودعا يزيد بالخطيب وأمره أن يصعد المنبر فيذم الحسين وأباه عليهما السلام فصعد وبالغ في ذم أمير المؤمنين والحسين الشهيد عليهما السلام والمدح لمعاوية ويزيد عليهما لعائن الله فصاح به على بن الحسين عليه السلام ويلك أيها الخطيب إشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبؤ مقعدك من النار ولقد أحسن ابن سنان الخفاجى في وصف أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أعلى المنابر تعلنون بسبه * وبسيفه نصبت لكم أعوادها قال الراوى: ووعد يزيد (لع) على بن الحسين عليهما السلام في ذلك اليوم إنه يقضى له ثلاث حاجات ثم أمر بهم إلى منزل لا يكنهم من حر ولا برد فاقاموا به حتى تقشرت وجوههم وكانوا مدة إقامتهم في البلد المشار إليه ينوحون على الحسين عليه السلام. قالت سكينة فلما كان في اليوم الرابع من مقامنا رأيت في المنام رؤيا ذكرت مناما طويلا في آخره رأيت أمرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها فسألت عنها فقيل لى فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله وسلم أم أبيك فقلت والله لأنطلقن إليها ولأخبرنها ما صنع بنا فسعيت مبادرة


[ 110 ]

نحوها حتى لحقت بها فوقفت بن يديها أبكى وأقول يا أماه جحدوا والله حقنا يا أماه بددوا والله شملنا يا أماه إستباحوا والله حريمنايا أماه قتلوا والله الحسين عليه السلام أبانا، فقالت لى: كفى صوتك يا سكينة فقد قطعت نياط قلبى هذا قميص أبيك الحسين عليه السلام لا يفارقنى حتى ألقى الله به. وروى ابن لهيعة: عن أبى الاسود محمد بن عبد الرحمن قال: لقيني رأس الجالوت فقال والله بينى وبين داود لسبعين أبا وإن اليهود تلقاني فتعظمني وأنتم ليس بين ابن نبيكم وبينه إلا أب واحد قتلتم ولده ! وروى عن زين العابدين عليه السلام قال: لما أتى برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد كان يتخذ مجالس الشرب ويأتى برأس الحسين عليه السلام ويضعه بين يديه ويشرف عليه فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم وكان من أشراف الروم وعظمائهم، فقال يا ملك العرب هذا رأس من ؟ فقال له يزيد: مالك ولهذا الرأس ؟ فقال إنى إذا رجعت الى ملكنا يسألنى عن كل شئ رأيته فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه حتى يشاركك في الفرح والسرور، فقال يزيد: عليه اللعنة هذا رأس الحسين بن على بن أبى طالب عليه السلام، فقال الرومي: ومن أمه ؟


[ 111 ]

فقال: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسم فقال النصراني أف لك ولدينك لى دين أحسن من دينكم إن أبى من حوافد داود عليه السلام وبيني وبينه آباء كثيرة والنصارى يعظمونى ويأخذون من تراب قدمى تبركا بأنى من حوافد داود عليه السلام وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وما بينه وبين نبيكم إلا أم واحدة فأى دين دينكم !. ثم قال ليزيد: هل سمعت حديث كنيسة الحافر ؟ فقال له: قل حتى أسمع فقال: بين عمان والصين بحر مسيرة سنة ليس فيها عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء طوله ثمانون فرسخا ى ثمانين فرسخا، ما على وجه الارض بلدة منها ومنها يحمل الكافور والياقوت أشجارهم العود والعنبر وهى في أيدى النصارى لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم وفى تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقة ذهب معلقة فيها حافر يقولون إن هذا حافر حمار كان يركبه عيسى عليه السلام وقد زينوا حول الحقة بالديباج يقصدها في كل عام عالم من النصارى ويطوفون حولها ويقبلونها ويرفعون حوائجهم الى الله تعالى عندها هذا شأنهم ورأيهم بحافر حمار يزعمون إنه حافر حمار كان يركبه عيسى عليه السلام نبيهم وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم فلا بارك


[ 112 ]

الله تعالى فيكم ولا في دينكم، فقال يزيد: (لع) أقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحنى في بلاده فلما أحس النصراني بذلك قال له: أتريد أن تقتلني ؟ قال: نعم قال: إعلم إنى رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول لى يا نصراني أنت من أهل الجنة فتعجبت من كلامه ؟ وأشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ووثب إلى رأس الحسين عليه السلام فضمه إلى صدره وجعل يقبله ويبكى حتى قتل. قال وخرج زين العابدى عليه السلام يوما يمشى في أسواق دمشق قاستقبله المنهال بن عمرو فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول الله ؟ قال أمسينا كمثل بنى إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبنائهم ويستحيون نسائهم يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمدا عربي، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمدا منها وأمسينا معشر أهل بيته ونحن مغصوبون مقتولون مشردون، فإنا لله وإنا إليه راجعون مما أمسينا فيه، يا منهال ولله در مهيار حيث قال: يعظمون له أعواد منبره * وتحت أرجلهم أولاده وضعوا بأى حكم بنوه يتبعونكم * وفخر كم إنكم صحب له تبع ودعا يزيد عليه لعائن الله يوما بعلى بن


[ 113 ]

الحسين عليه السلام وعمرو بن الحسين عليه السلام وكان عمرو صغيرا يقال ان عمره إحدى عشرة سنة، فقال له: اتصارع هذا يعنى إبنه خالدا ؟ فقال له عمرو: لا ولكن أعطني سكينا واعطه سكينا ثم أقاتله، فقال يزيد (لع): شنشة أعرفها من أخزم * هل تلد الحية إلا الحية وقال لعلى بن الحسين عليه السلام: أذكر ما جائك الثلاث اللاتى وعدتك بقضائهن فقال له: الاولى: أن ترينى وجه سيدى ومولاى وأبى الحسين عليه السلام فأتزود منه. والثانية: أن ترد علينا ما أخذ منا. والثالثة: إن كنت عزمت على قتلى أن توجه مع هؤلاء النسوة من يرد هن إلى حرم جدهن صلى الله عليه واله وسلم، فقال له يزيد،: أما وجه أبيك فلا تراه أبدا وأما قتلك فقد عفوت عنك وأما النساء فما يردهن غيرك إلى المدينة وأما ما أخذ منكم فأنا أعوضكم عنه أضعاف قيمته فقال: أما مالك فما نريده فهو موفر عليك وإنما طلبت ما أخذ منا لان فيه مغزل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله وسلم ومقنعتها وقلادتها وقميصها فأمر برد ذلك، وزاد فيه من عنده مائتي دينار فأخذها زين العابدين عليه السلام وفرقها في الفقراء ثم أمر برد


[ 114 ]

الاسارى وسبايا الحسين عليه السلام إلى أوطانهن بمدينة الرسول صلى الله عليه واله وسلم. فأما رأس الحسين عليه السلام فروى إنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف عليه السلام وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه، ورويت آثار كثيرة مختلفة غير ما ذكرناه تركنا وضعها كيلا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب. قال الراوى: لما رجع نساء الحسين عليه السلام وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل مر بناعلى طريق كربلاء فوصلوا الى موضع المصرع فوجدوا جابر بن عبد الله الانصاري (ره) وجماعة من بنى هاشم ورجالا من آل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام فوافوا وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد واجتمع إليهم نساء ذلك السواد فأقاموا على ذلك أياما فروى عن أبى حباب الكلبى قال حدثنا الجصاصون قالوا: كنا نخرج إلى الجبانة في الليل عند مقتل الحسين عليه السلام فنسمع الجن ينوحون عليه فيقولون: مسح الرسول جبينه * فله بريق في الخدود أبواه من أعلى قريش * وجده خير الجدود


[ 115 ]

قال الراوى: ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة قال بشيرين جذلم: فلما قربنا منها أنزل على بن الحسين عليه السلام فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نسائه وقال: يا بشر رحم الله أباك لقد كان شاعرا فها تقدر على شئ منه فقال بلى يا ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إنى شاعر فقال عليه السلام أدخل المدينة وانع أبا عبد الله عليه السلام قال بشير فركبت فرسى وركضت حتى دخلت المدينة فلما بلغت مسجد النبي صلى الله عليه واله وسلم رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول: يا أهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فأدمعي مدرار الجسم منه بكربلاء مضرج * والرأس منع على القناة يدار قال ثم قلت هذا على بن الحسين عليهما السلام مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم وأنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه، قال: فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدور هن مكشوفة شعور هن مخمشة وجوههن ضاربات خدود هن يدعون بالويل والثبور فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم ولا يوما أمر على المسلمين منه وسمعت جارية تنوح على الحسين عليه السلام فتقول. نعى سيدى ناع نعاه فأوجعا * وأمرضني ناع نعاه فأفجعا


[ 116 ]

فعينى جودا بالدماع وأسكبا * وجودا بدمع بعدد معكما معا على من دهى عرش الجليل فزعوعا * فأصبح هذا المجد والدين أجدعا على إبن نبى الله وإبن وصيه * وإن كان عناشاحط الدار اشعا ثم قالت أيها الناعي جددت حزننا بأبى عبد الله عليه السلام وخدشت منا قروحا لما تندمل فمن أنت رحمك الله فقلت: أنا بشير بن جذلم وجهنى مولاى على بن الله فقلت: أنا بشير بن جذلم وجهنى مولاى على بن الحسين عليه السلام وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبى عبد الله الحسين عليه السلام ونسائه قال فتركوني مكاني وبادروني فضربت فرسى حتى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع فنزلت عن فرسى وتخطيب رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط وكان على بن الحسين عليه السلام داخلا فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه وخلفه خادم معه كرسى فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك عن العبرة وارتفعت أصوات الناس بالبكاء وحنين النسوان والجوارى والناس يعزونه من كل ناحية فضبحت تلك البقعة ضجة شديدة. فأومأ بيده أن سكتوا فسكنت فورتهم فقال: الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين بارئ الخلائق أجمعين الذى بعد فارتفع في السموات العلى وقرب فشهد النجوى نحمده على عظائم الامور وفجائع الدهور وألم الفجائع


[ 117 ]

ومضاضة اللواذع وجليل الرزء وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة الفادحة الجائحة أيها القوم ان الله وله الحمد إبتلانا بمصائب جليلة وثلمة في الاسلام عظيمة قتل أبو عبد الله الحسين عليه السلام وعترته وسبى نسائه وصبيته وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان وهذه الرزية التى لا مثلها رزية، أيها الناس فأى رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من أجله، أم أيه عين منكم تحبس دمعها وتضن عن أنهما لها فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها والسموات بأركانها، والارض بأرجانها والسموات بأركانها، البحار والملائكة المقربون وأهل السموات أجمعون. يا أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله أم أي فؤاد لا يحن إليه أم أي سمع لا يسمع هذه الثلمة التى ثلمت في الاسلام ولا يصم، أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين وشاسعين عن الامصار كأنا أولاد ترك وكابل من غير جرم إجترمناه ولا مكروه إرتكبناه ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها ما سمعنا بهذا في آبائنا الاولين إن هذا إلا اختلاق والله لو ان النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها وأوجعها وأفجعها وأكظها وأمرها وأفدحها، فعند الله


[ 118 ]

نحتسب فيما أصابنا وأبلغ بنا فإنه عزيز ذو إنتقام. قال الراوى: فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان وكان زمنا فاعتذر إليه صلوات الله عليه بما عنده من زمانة رجليه فأجابه بقبول معذرته وحسن الظن فيه وشكر له وترحم على أبيه. قال على بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس جامع هذا الكتاب: ثم إنه صلى الله عليه واله وسلم رحل إلى المدينة بأهله وعياله ونظر إلى منازل قومه ورجاله فوجد تلك المنازل تنوح بلسان أحوالها وتبوح باعلال الدموع وإرسالها لفقد حماتها وتندب عليهم ندب الثواكل وتسأل عنهم أهل المناهل وتهيج أحزانه على مصارع قتلاه وتنادى لاجلهم واثكلاه وتقول يا قوم أعذروني على النياحة والعويل وساعدوني على المصاب الجليل، فإن القوم الذين أندب لفراقهم وأحن إلى كرم أخلاقهم كانوا سمار ليلى ونهارى وأنوار ظلمي وأسحاري وأطناب شرقي وإفتخاري وأسباب قوتي وإنتصاري والخلف من شموسي وأقمارى، كم ليلة شردوا باكرامهم وحشتي وشيدوا بأنعامهم حرمتي وأسمعوني مناجات أسحارهم وأمتعوني بإبداع أسرارهم وكم يوم عمرو ان نعى بمحافلهم وعطروا طبعي بضائلهم وأورقوا عودي بماء عهودهم


[ 119 ]

وأذهبوا نحوسى بماء سعود هم وكم غرسوا لى من المناقب وحرسوا محلى من النوائب وكم أصبحت بها أتشرف على المنازل والقصور وأميس في ثوب الجذل والسرور وكم أعاشوا في شعابي من أموات الدهور وكم إنتاشوا على أعتابي من رفات المحذور فأقصدني فيهم منهم الحمام وحسدني عليهم حكم الايام فأصبحوا غرباء بين الاعداء وغرضا لسهام الاعتداء وأصبحت المكارم تقطع بقطع أناملهم والمناقب تشكو لفقد شمائلهم والمحاسن تزول بزوال أعضائهم والاحكام تنوح لوحشة أرجائهم فيا لله من ورع أريق دمه في تلك الحروب وكمال نكس علمه بتلك الخطوب ولئن عدمت مساعدة أهل العقول وخذلني عند المصائب جهل العقول فإن لى مسعدا من السنن الدارسة والاعلام الطامسة فإنها تندب كندبى وتجد مثل وجدى وكربي فلو سمعتم كيف ينوح عليهم لسان حال الصلوات ويحن إليهم إنسان الخلوات وتشتاقهم طوية المكارم وترتاح إليهم أندية الاكارم وتبكيهم محاريب المساجد وتناديهم ماآريب الفوائد لشجاكم سماع تلك الواعية النازلة وعرفتم تقصير كم في هذه المصيبة الشاملة بل لو رأيتم وحدتي وانكساري وخلو مجالسي وآثاري لرأيتم ما يوجع قلب الصبور ويهيج أحزان الصدور لقد شمت بى من كان يحسدنى من الديار


[ 120 ]

وظفرت بى أكف الاخطار فياشوقاه إلى منزل سكنوه ومنهل أقاموا عنده واستوطنوه ليتنى كنت إنسانا أفديهم حز السيوف وأدفع عنهم حر الحتوف وأشفى غيظي من السنان وأرد عنهم سهام العدوان وهلا إذا فاتني شرف تلك المواساة الواجبة كنت محلا لضم جسومهم الشاجة وأهلا لحفظ شمائلهم من البلى ومصونا من لوعة هذا الهجر والقلى، فآه ثم آه لو كنت مخطا لتلك الاجساد ومحطا لنفوس أولائك الا جواز لبذلت في حفظها غاية المجهود ووفيت لها بقديم العهود وقضيت لها بعض الحقوق الاوائل ووقيتها من وقع الجنادل وخدمتها خدمة البعد المطيع وبذلت لها جهد المستطيع، فرشت لتلك الخدود والاوصال فراش الاكرام والاجلال، وكنت أبلغ منيتى من إعتناقها وأنور ظلمتي بإشراقها فيا شوقاه الى تلك الامانى ويا قلقاه لغيبة أهلى وسكاني فكل حنين يقصر عن حنيني وكل دواء غيرهم لا يشفينى، وها أنا قد لبست لفقدهم أثواب الاحزان وآنست بعد هم بجلباب الاشجان وأيست أن يلم في التجلد والصبر وقلت يا سلوة الايام موعدك الحشر ولقد أحسن ابن قتيبة رحمه الله تعالى وقد بكى على المنازل المشار إليها فقال: مررت على أبيات آل محمد * فلم أرها أمثالها يوم حلت


[ 121 ]

فلا يبعد الله الديار وأهلها * وإن أصبحت منهم بزعمي تخلف ألا إن قتلى الطف من آل هاشم * أذلت رقاب المسلمين فذلت وكانوا غياثا ثم أضحوار زية * لقد عظمت تلك الرزايا وجلت ألم تر ان الشمس أضحت مريضة * لفقد حسين والبلاء إقشعرت فأسلك أيها السامع بهذا المصاب مسلك القدوة من حماة الكتاب. فقد روى عن مولانا زين العابدين عليه السلام وهو ذو الحكم الذى لا يبلغه الوصف إنه كان كثير البكاء لتلك البلوى وعظيم البث والشكوى. فروى عن الصادق عليه السلام أنه قال: ان زين العابدين عليه السلام بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره وقائما ليلة فإذا حضر الافطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه قيضعه بين يديه فيقول كل يا مولاى فيقول قتل ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم جائعا، قتل ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عطشانا، فلا يزال يكرر ذلك ويبكى حتى يبتل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل. وحدث مولى له: أنه برز يوما إلى الصحراء قال فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكائه وأحصيت عليه ألف مرة يقول لا إله


[ 122 ]

إلا الله حقا حقا لا إله إلا تعبدا ورقا لا إله إلا الله إيمانا وتصديقا وصدقا. ثم رفع رأسه من سجوده وإن لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموع عينيه، فقلت: يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضى ولبكائك أن يقل ؟ فقال لى: ويحك إن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، كان نبيا ابن نبى له إثنى عشر إبنا فغيب الله واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن وإحدودب ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وإبنه حى في دار الدنيا وأنا رأيت أبى وأخى وسبعة عشر من أهل بيتى صرعى مقتولين فكيف ينقضى حزنى ويقل بكائى وها أنا أتمثل وأشير إليهم صوات الله عليهم فأقول: من مخبر الملبسينا يانتزاحهم * ثوبا من الحزن لا يبلى ويبلينا إن الزمان الذى قد كان يضحكنا * بقربهم صار بالتفريق يبكينا حالت لفقد هم أيا منا فغدت * سودا وكانت بهم بيضا ليالينا وها هنا منتهى ما أوردناه وآخر ما قصدناه ومن وقف على ترتيبه ورسمه مع اختصاره وصغر حجمه عرف تميزه على أبناء جنسه وفهم فضيلته في نفسه والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين


[ 123 ]

كتاب حكاية المختار في أخذ الثار


[ 125 ]

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب فيه أخذ الثأر وانتصار المختار على الطغاة الفجار روى أبو مخنف رضى الله عنه قال: لما قتل مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة الحسين بن أمير المؤمنين عليهما السلام واستولت بنو امية لعنهم الله تعالى على الملك وكان بالكوفة رجل معلم صبيان في مكتب يقال له عمير بن عامر الهمداني وكان ذو عقل وأدب وكان مواليا لأهل البيت عليه السلام، فلما كان في بعض الايام مر به رجل يسقى الماء فقل له عميرا، إسقنى ماء فناوله شربة ماء فشربها الماء). قال: وكان من جملة الاولاد ولد سنان بن أنس النخعي (لع) قال فلما سمع الولد ذلك من المعلم قال لعمير هكذا تسب الخليفة وتلعن الامير عبيد الله بن


[ 126 ]

زياد ! فقال له المعلم: يا غلام إعراض عن هذا الكلام ولا تعد عنى مما سمعت وأنت عندي مثل ولدى. ثم إن الصبى صبر إلى وقت الانصراف فانصرف مع الصبيان ودخل في خراجه وجرح نفسه بسكين كانت معه وفضخ رأسه بحجر وخضب وجهه بالدم ومضى إلى امه، فلما رأته أمه كذلك صرخت في وجهه وقال: يا ولدي من فعل بك هذا ؟ قال إعلمي إن المعلم عبر إليه ساق يسقى الماء فناوله شربة ماء فشرب فطاب له الماء فلعن الخليفة ولعن الامير عبيد الله بن زياد (لع) فلمته على ذلك ففعل بى هذا الفعل. فأخذته أمه الملعونة ومضت به إلى إبن زياد (لع)، ونادت بأعلى صوتها النصيحة فخرج إليها أبو الصبى وكان من خواص إبن زياد الملعون الفاجر الفاسق (لع)، فلما رأى ولده على تلك الحال قال: يا ويلك من فعل بك هذا الفعل ؟ فحدثته إمرأته الملعونة بالحديث من أوله إلى آخر، فلما سمع أخذه وأدخله على عبيد الله بن زياد الملعون، وقص عليه القصة من أولها إلى آخرها وزاد عليها زيادة كثيرة، فلما سع ابن زياد الملعون قال: لبعض قواده أحضروا عمير بن عامر الهمداني مكتوب اليدين مكشوف الرأس سريعا هذه الساعة. وأحضروه بين يدى فمضت القواد من وقتهم وساعتهم وقبضوا على المعلم وجاؤا به


[ 127 ]

وأحضروه بين يدى ابن زياد (لع)، فلما رآه قال له: يا ويلك أنت الذى سببت الخليفة والساب لى ؟ فقال المعلم: معاذ الله أيها الامير أنى ما قلت شيئا من ذلك ولكن احضر الساقى وعقلاء الصبيان فإن شهدوا على ذلك فلا يؤ اخذك الله فيما تعملة في. قال أمر ابن زياد أن يحبسوه في الطامورة. وكان لها ثلاث أبواب على كل باب قفل يقفل فيه ويختم عليه عبيد الله بن زياد قال عمير فأدخلوني الباب الاول والثانى حتى نزلت تحت الطامورة بعشرين ذراعا، فلما نزلت فلم أبصر شيئا فصبرت ساعة فأضاء لى الموضع فرأيت قوما في الميلاد وهم يستغيثون فلا يغاثون منهم أقوام مقيدون ومنهم جماعة مغلولون وسمعت في آخر الطامورة أنينا عاليا فتخطيت رقاب من كان بين يدى حتى وصلت إلى الانين وإذا برجل مقيد مغلولة يديه على عنقه وهو جالس لا يقدر أن يلتفت يمينا ولا شمالا وهو في ذلك الحال يتنفس الصعداء، فسلمت عليه فرد على السلام ورفع رأسه ونظر إلى، وإذا بشعره قد غطا عينيه ووجهه فقلت يا هذا: ما الذى جنيت حتى نزلت بك هذه المصيبة ؟ فقال لأنى من شيعة على بن أبى طالب عليه السلام ومولى ولده الحسين عليه السلام. فقلت له من أنت. من أصحاب الحسين عليه السلام ؟ فقال: أنا المختار بن عبيدة الثقفى.


[ 128 ]

قال عمير: فلما سمعت كلامه بكيت عليه فقبلت رأسه ويديه، فقال لى: من أنت يرحمك الله ؟ فقلت أنا عمير بن عامر الهمداني، وقد كنت أعلم الصبيان فحكيت له قصتي كلها، فقال المختار: ليس هذا موضع المعلمين بل موضع من يأخذ بثار الحسين عليه السلام، روحي فداه ولكن أنت يا عمير لاتغتم وطب نفسا وقر عينا فأنت تخرج عن قريب قال: فبقى المختار والمعلم أياما قلائل، قال: وكان للمعلم إبنه أخ وهى داية في دار ابن زياد (لع) قد أرضعت اولاده فلما سمعت بخبر عمها دخلت على حضية زوجة ابن زياد الملعون وشقت جيبها وهى تبكى فقالت لها حضية: ما الذى أصابك ؟ فقالت: إعلمي يا سيدتي إن عمى شيخ كبير وهو معلم أولادكم وقد وجب حقه عليكم وقد كذب عليه صبى بكلام لم يقله وقد حبسه الامير لعنه الله في الطامورة لعل الله يفك أسره على يدك ويفرج عنه بسببك. فعند ذلك قالت حضية: حبا وكرامة ثم إنها نهضت ودخلت على ابن زياد الملعون وكانت أحظى نسائه وأوجههن إليه، فقالت: أيها الامير إن عمير المعلم له علينا إحسان وقد وجب حقه علينا وهو مكذوب عليه فيما قيل فيه: وأسالك أن تمن على فيه وأن تهبه لى فقال لها: حبا وكرامة.


[ 129 ]

(ثم إنه) دعى في الحال والوقت ببعض حجابه وقال له انطلق الى عمير المعلم وأخرجه من الطامورة وآتني به فمضى الحاجب في الساعة وأتى إلى الطامورة وفتح الاقفال وكان في ذلك الوقت المعلم والمختار يتحدثان فلما سمع الافقال تنفتح قال للمعلم إعلم إن هذه الساعة يفرج الله عنك وتخرج، فقال عمير: والله يعصب على فراقك وإن كنت كارها لهذا الموضع فلما وجدتك إشتهيت أن لا أفارقك طرقة عين، قال: فعند ذلك قال المختار: إن رأيت أصلحك الله تعالى أن يقضى لى حاجة يجزيك الله تعالى عنها الثواب الجزيل ويكون لك عندي منزلة إن كان لى سلامة، فقال المعلم: وما هي حتى أحتال في قضائها، فقال: أريد أن توصل إلى ورقة ولو قدر شبر وقلما ولو قدر ابهام ومداد ولو في قشر جوزة بها حاجة لى. فقال المعلم: حبا وكرامة انشاء الله ولا يكون خاطرك إلا طيب. قال: فبينما هم يتحدثان وإذا بالحاجب قد دخل وأذن للمعلم بالخروج فخرج هو والحاجب حتى مثل بين يدى عبيد الله (لع) فلما رآه قال له: عميرا قد عفونا عنك وعفونا من زلتك لاجل من قد سألنا فيك فإياك أن تعود إلى مثلها أبدا فقال عمير أنا تائب على يدك إننى لا أعود إلى تعليم الصبيان ولا أجلس في مكتب بعد هذا الامر ثم استرخص من عبيد


[ 130 ]

الله بن زياد وانصراف إلى منزله ودخل على زوجته وأوفاها صداقها وطلقها لانه كان خائفا منها أن تظهر خبره وكان صاحب مال وقال في قبله لابد أن أفرغ همتي في قضاء حاجة المختار، ثم إن عمير أعمد إلى بهيمة سمينة فشواها وجعل معه خبزا كثيرا وفاكهة كثيرة وجعل معه ألف دينار وألف درهم وحمل ذلك كله على رأسه وسار في الليل حتى لا يعلم به أحدا حتى أتى دار السجان فلم يجد السجان حاضرا فخرجت إليه زوجته فسلمت عليه وسلم عليها وسلم لها ما كان معه وقال لها إذا قدم زوجك سلمى لى عليه وقولى له إن المعلم الذى كان عندك في الطامورة يقول إننى نذرت لله تعالى نذرا بأنى متى فك الله سبحانه وتعالى سجنى أهديت لك هذا وتركها ومضى عنها فلما ورد السجان إلى منزله حملت إليه جميع ما أهداه عمير فلما رآه حل المنديل وإذا فيه ذلك كله ففرح بذلك وقال هذا من أين قالت له: إن المعلم الذى كان عندك في الطامورة يقرئك السلام ويقول إنى نذرت لله نذرا متى فك الله سجنى أهديت لك ذلك وسلمه إلى ومضى، قال راوي الحديث: فلما كان اليوم الثاني فعل مثل ما فعل بالامس وحمله في زنبيل فلم يجد السجان حاضرا فسلمه إلى زوجته وقال سلمى لى على زوجك وقولى له ما قلت بالأمس.


[ 131 ]

قال فلما حضر السجان: قالت له جميع ما قاله المعلم واحضره بين يديه ما أهداه المعلم، قال السجان والله ما هذا لاجل نذر بل هذا لاجل المختار لا محالة (قال أبو مخنف) وكان ممن أسائه وأحزنه قتل الحسين عليه السلام ولما كان اليوم الثالث إستخلف السجان أخاه بموضعه وعاد إلى منزله وقعد يترقب المعلم وعمد إلى حائل سمينة وشواها وترك تحتها نقدا كثيرة وخبزا كثيرة وفاكهة كثيرة وأخذ منديلا دبقيا وشف فيه ألف دينار وألف درهم وجعل جميع ذلك على رأسه ومضى في الليل الى ار السجان على العادة المستمرة فصادف السجان على الباب فسلم كل واحد منها على صاحبه فأخذه السجان وأدخله الدار فسلم إليه عمير ما كان معه، فقال السجان يا أخى والله لقد أحشمتني بكرامتك فعرفني، ما جتك حتى أنظر في قضائها، فقال يا أخى قد نذرت لله نذرا متى فك الله تعالى أسرى وخلصت مما أتهمت فيه أهديت لك ذلك، فقال السجان: دع عنك هذا الكلام وأذكر لى ما تريد فقال: حق الله العظيم ورسوله النبي الكريم وحق الحسين صلى الله عليهم أجمعين لاقضينها ولو كانت بذهاب نفسي فقال عمير: إعلم يا أخي إنه اخى إنه لما حبسني هذا الظالم الفاجر الملعون في الطامورة رأيت المختار وهو في حالة


[ 132 ]

ردية صورته قد تغيرت فشكى إلى الله وإلى حاله وقد أحرق قلبى سوء حاله وسئلني أو أوصل إليه بياض ولو بقدر شبر وقلما ولو بقدر عقد إبهام ومدادا لو بقشر جوزة، يكتب فيها حاجة له وأريد ان تحتال لى في ذلك وتوصل إليه ما قلت لك، فقال السجان: حبا وكرامة، فإذا كان الغد فاشترى خبزا يكون قرصا وأترك بين الاقراص بياضا واشترى قثاء ويكون في القثاء قلم واشترى جوزا واترك، وفى جملة الجوز مداد وتحمل الجميع على رأسك وتجيئ إلى وتسلم على وتقول لى إنى نذرت نذرا متى خلصت من الحبس هذا للمحبوسين، وتراني أقوم إليك أضربك وأشتمك وأرمى الخبز من أعلى رأسك فينبغي أن تتوسل بى وتتضرع على بما تقدر عليه حتى آخذ الطعام وأدخله الى المختار وأوصل إليه حاجته. فعند ذلك فرح المعلم وقبل يدى السجان وخرج من عنده وبات تلك الليلة فما كان في الغداة أحضر المعلم جميع ما ذكره وحمله وجاء إلى السجن فنظر السجان إليه وقال: ما معك ؟ فقال معى نذر للمسجونين والمحبوسين فقام إليه السجان وضربه وشتمه ورمى الخبز من أعلى رأسه فتوسل به المعلم وقبل يديه كثيرا فبعد إلحاح كثير أخذ الطعام من المعلم وأوصله إلى


[ 133 ]

المختار، ففرح المختار بذلك وحمد الله كثيرا وأخذ الكاغذ وقطعه نصفين وكتب إلى أخته كتابة وكتب إلى صهره عبد الله بن عمر بن الخطاب كتابة أخرى وسلمها إلى السجان وأمره أن يسلمها الى المعلم فأخذ السجان المكتوبين وسلمهما إلى المعلم ففرح المعلم بذلك فرحا شديدا. قال أبو مخنف: وكان عند السجان صبى قد إلتقطته زوجته وكفلته إلى أن أدرك، فقال السجان لامرأته: إعلمي إن هذا الغلام قد أدرك ولست آمنه على بناتى فقالت إمرأته: هذا بمنزلة ولدنا وما يطيب على أن نخرجه من عندنا فسمع الصبى كلامها وقد صار له إطلاع بما صار بين المعلم والسجان من أمر المختار، فأسر الغلام ذلك في نفسه فلما كان الغداة سود وجهه وشق جيبه وخرج إلى قصر الامارة ونادى النصيحة النصيحة للأمير (لع) وإن غفل عنها كان فيها زوال ملكه، فأحضروه بين يدى عبيد الله بن زياد (لع) وقال له: ما نصيحتك أيها الغلام، فقال: أيها الامير إعلم أن المعلم الذى حبسته في الطامورة حمل إلى المختار طعاما وجعل فيه كذا وكذا، وقال له كل ما جرى بينهما، فلما سمع ابن زياد الملعون الفاسق الفاجر ذلك الصبى إنقلبت عيناه في


[ 134 ]

رأسه كالخنزير (لع) وركب من وقته وساعته وذهب إلى دار السجن فقام أصحاب السجن هيبة له ثم إنه أقبل إلى السجان وشجه بالسوط وأمر به فسحبوه وضربوه حتى خضبه بدمه ثم أحضروا المعلم وضربوه ضربا شديدا فامر بضرب عنقه وعنق السجان، فقال السجان: أيها الامير ما جنينا حتى نستوجب القتال ؟ فقال: يا ويلك اظننت إنه يخفى على ما فعلتم وتحيلتم به أنت والمعلم، تنزل على المختار قلما في قثاء ومداد في قشر جوزة، وكاغذا في طيات الخبز، وتريد في ذلك زوال ملكى فقال: أيها الامير هذا أنا والمعلم حاضرين بين يديك، ما غاب، منا أحد ولا مضى على هذا الخبر يومان وما أظن أهل السجن أكلوا من الخبز شيئا فينبغي أن تفتش الطعام إن فيه مما ذكرت شئ فدمائنا على الامير حلال. فأمر ابن زياد الملعون غلمانه أن ينزلوا إلى الطامورة ويصعدون إليه جميع ما فيها من الطعام ففعلون ذلك وفتشوا فلم يجدوا فيه شيئا وأسبل الله تعالى عليهم الستر فاستحى ابن زياد مما فعل وقال: على بالغلام فلما مثل بين يديه قال له: يا ويلك كيف عملت هذا الكذب فتلجلج الغلام فعند ذلك قبل السجان الارض بين يدى عبيد الله بن زياد (لع)، وقال: أيها الامير هذا من يعمل


[ 135 ]

الاحسان في أولاد الزنا، هذا الصبي وجدناه مرميا في ظهر الكوفة فأخذناه وربيناه وأحسنا إليه حتى بلغ الحلم فلم آمنه على بناتى وعلى حرائمي فقلت له: أخرج من بيتى فأسر ذلك في نفسه وأراد هلاكى عندك أيها الامير قال: فلما سمع عبيد الله بن زياد (لع) كلام السجان تعذر عند السجان والمعلم وأخلع عليهما وخفف عن المختار وأمر بضرب رقبة الغلام (لع) وانصرف ابن زياد (لع). قال أبو مخنف رضى الله عنه. وأما ما كان من أمر المختار فإنه لما نزلوه إلى الطامورة أخذه قشرة الجوزة مع مداده ودفنه في موضع حبسه ودفن القلم في موضع آخر، وأما المعلم إنه لما طاب خاطره من أمر ابن زياد (لع) قام من وقته وساعته ودخل الحمام وأخذ شعره وتنظف ومضى إلى باب عبيد الله بن زياد (لع) ولبا وقال الملعون ابن زياد: من هذا الملبى ؟ فقيل له: المعلم أيها الامير الذى أنعمت عليه وأطلقته من السجن، ويقول إنه نذر لله متى خلص مما أتهم فيه يحج بيت الله الحرام، وقد عزم على المسير، فقال: أدخلوه على فأدخلوه عليه فلما مثل بين يديه قال: له يا عمير تمضى إلى المدينة قاصدا مكة أم


[ 136 ]

مكة قبل المدينة ؟ فقال له المعلم: أيها الامير قد نذرت الحج تاما، فقال ابن زياد (لع) أعطوه ألف دينار وألف درهم. فأخذها عمير وتصدق بها على فقراء المؤمنين وخرج قاصدا الى المدينة ولم يزل يجد السير أياما وليالي حتى وصل إلى المدينة فدخل دار عبد الله وكانت زوجة عبد الله بن عمر أخت المختار، وكان ذلك اليوم عند عبد الله غرايب الطعام مطبوخا ومشويا ويقول لها عبد الله تقدمي وكلى من هذا الطعام وهى تقول لا آكل حتى أعرف خبر أخى بأنه طيب سالم فبينما هما كذلك وإذا المعلم دخل عليهما فلما وصل إلى الباب ودقه خرج الخادم إليه فقال: من أنت ؟ قال رجل من أهل الكوفة، فلما سمعت أخت المختار وفد عمير على عبد الله بن عمر وإذا هو شيخ حسن الشيبة فسلم كل واحد منهما على صاحبه وقدم إليه المائدة فأكل منهما حتى إكتفى وغسل يديه فعند ذلك أخرج المعلم المكتوبين وأعطاهما إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب وقرأ كتابه فلما إطلع عليه بكى وخنقته العبرة ودخل على زوجته وقال إبشرى هذا كتاب أخيك إليك وهذا كتاب أخيك إلى فلما رأت ذلك بكت بكاء شديدا وقال: سألتك بالله العظيم ورسوله النبي الكريم الا ما أذنت لى بالخروج إليه فانظر إلى من نظر إلى غرة أخى ؟ فأذن لها في ذلك


[ 137 ]

فخرجت إليه وجلست عنده وقالت: يا أخي أنا أعلم إنه ما حملك على قضاء حاجته إلا حبك للحسين عليه السلام ألا تخفى على من أمره شيئا فحدثها بحديث أخيها من أوله إلى آخره حتى ذكر أنه مقيد مغلول وقد إسود وجهه وفى وجهه ضربة يخرج القيح منها وقد منع ابن زياد الملعون الاطباء عن معالجته قال: فلما سمعت ذلك قامت صارخة ودخلت منزلها وجزت شعرها ذلك قامت صارخة ودخلت منزلها وجزت شعرها وشعر بناتها وخرجت به ورمته بين يدى عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال: ويلك ما هذا ! فقالت: هذا شعرى وشعر بناتى فو الله لا اجتمعت أنا وأنت تحت سقف واحد وأخى على تلك الحالة فعذلها زوجها على ذلك ولامها وقال: والله لو لحقت رجلا ثقة أستاجرة ليوصل كتابي إلى يزيد بن معاوية (لع) ما كان اخوك يلبث ساعة في السجن، فقال المعلم: أنا أمضى قال فعند ذلك فرح عبد الله بن عمر فرحا شديدا وقر غاية السرور وكتب إلى يزيد بن معاوية (لع) ثم دعا بثياب ديباج ولف فيه شعر رأس زوجته وشعر بناتها ودفعه إلى عمير كتابا يتلطف به ويد عوله وذكر في الكتاب أشياء تحثه وأكد عليه تأكيدات بتخلية سجن المختار وكتب عنوانه من عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية، قال العمير: امض بارك الله فيك وادفع كتابي إلى يزيد، فإذا قرأه فأحضر


[ 138 ]

له الثواب وأراه ما فيه فكتب إليه شر ما فعلت زوجتى بنفسها وبناتها، تقضى الحاجة إن شاء الله تعالى، ثم قال إلى عمير بن عامر، أوصيك إذا وصلت إلى دمشق فاصبر ثلاثة أيام ثم ادخل الحمام وتنظف. قال: ثم أمر عبد الله بن عمر أن يوطأ له نافة وهيأ له زادا وماء ثم إن عمير استوى على كور ناقته ولم يزل يسير حتى ورد إلى دمشق فدخلها واكثري حجرة وكان في كل يوم يأتي مسجدا كان قريبا منه فيصلى مع أهل المحلة وكان إذا فرغ من صلاته يقول رحم الله الذى قد دعا لى بقضاء حاجتى ثم إنه يأتي إلى باب يزيد يريد الدخول فلا يمكنه الدخول. فلما كان في بعض الايام قال لهم الامام الدى يصلى بهم يا قوم إن أهل الكوفة فيهم الجفاء والشقاوة وما نرى من هذا الشيخ إلا الخير والعلم والمعرفة ومع ذلك سمعناه يقول رحم الله الذى دعا لى بقضاء حاجتى فلم لا نسأله عن حاجته ماهى ؟ فقالوا أيها الشيخ أنت أحق بالمسألة أكثر منا. فلما كان من الغد ورد عمير على العادة وقال مثل ما قاله أولا فلما خرج عمير وخرج إمام المسجد خلف عمير إلى منزله ودخل عليه فرفع موضعه وجلس عنده ساعة


[ 139 ]

وقال له: يا أخى إنا سمعناك تقول رحم الله الذى قد دعالى بقضاء حاجتى وما سألناك عن حاجتك ما هي فإن كان عليك دين فنحن نقضيه وان كان دم فنحن نفديه بأموالنا وأنفسنا. فلما سمع عمير كلامه أطرق إلى الارض ما يدرى ما يقول ويخشى أن يحدثه بذلك فيكون من بنى أمية فلما رآه الامام كذلك أقبل عليه وقال يا هذا الرجل مالك مطرقا تخشى منى أن تبوح بسرك فوالله العظيم ورسوله الكريم وحق أمير المؤمنين وحق الحسن والحسين عليهما السلام لئن أخبرتني بحاجتك لأقضيتها لك ولو بذهاب نفسي ومالى. فلما سمع كلامه وثق به وقال: إعلم يا أخى إننى رجل من أهل الكوفة وإسمى عمير بن عامر، وحدثه بالحديث من أوله إلى آخره ولم يخف منه شيئا. فلما سمع كلامه وعرف ومرامه، وقال له: يا أخى إذا كان من الغد ألبس أفخر ثيابك وتبخر وتطيب حتى يذهب عنك درن السفر والبس فوق ثيابك ثوب ديبقى وشد وسطك بمنديل واجعل الثوب الذى فيه الشعر تحت إبطك واترك على كتفك مئزرا وادخل كأنك بعض الغلمان فإذا أتيت إلى دار يزد الملعون، ووصلت إلى الباب الاول ترى دهليزا


[ 140 ]

طويلا على اليمين دكتان وعلى الشمال دكتان عليها بسط من الديباج الاحمر وعلى كل دكة مائة حاجب وترى على الباب ثلاث أبواب فادخل ولا تسلم عليهم فيجيبوك وبعض الغلمان الذين يدخلون ويخرجون من كثرتهم فلا يعارضك أحد فإذا دخلت الباب الثاني سترى دارا عالية ودهليزا وعلى الجانبين دكتان وفراش من حرير وديباج وعلى كل دكة مائة غلام وعلى فراش كل خادم سقلانى يروحه والسيوف والدروق معلقة على الحيطان فادخل عليهم ولا تسلم عليهم ثم إنك تأتى الى دار عالية ودهليزها طويل وأطول من أول وفيه دكتان على كل دكة منهما بساط من الابريسم الاصفر وعلى كل دكة زهاء مائتين غلام جرد مرد متكئين على وسائد الديباج على رأس كل خادم خمس خدم سقاليه عمر كل واحد من الخدم تسع سنين وهم يروحونهم بمراوح الذهب فجزهم ولا تعبأ بهم، ثم تدخل إلى الدهليز الرابع، وفيه دكتان وعلى كل دكة بساط من الوشى الاصفر على كل دكة زهاء ثلاثمائة غلام أسود مردا وعلى كل رأس واحد منهم غلام يروحه فجزهم ولا تعبابهم، ثم تأتى إلى دهليز خامس، وفيه دكتان عليهما فرش من الديباج وعليهما قوم يقال لهم الطشتية وهم الذين قدموا رأس الحسين عليه السلام بين يزيد الملعون في طشت من الذهب


[ 141 ]

وهم زهاء من خمسمائة عدد بأيديهم الحراب المسقية ومالهم شغل غير اللهو واللعب فجزهم ولا تعبأ بهم، ثم تأتى دهليز سادس سترى فيه دكتان عليهما فرش الزقلاط وعليهما زهاء من خمسمائة غلام وهم الذين كانوا خاصة فجزهم المشورة ولا تعبأ بهم ثم تأتى إلى دهليز سابع وفيه قوم قعود على بسط قد تعبت صناعها وأسهرت فيها عيونهم من غرائب صناعها ودقته وهو مصور فيه سائر ما خلق الله تعالى من الطيور والوحوش على دكتين فلا تنظر إليهم ولا تلتفت فإن التفت إليهم يشكون فيك فيقولون هذا غريب وهم الذين حملوا رأس الحسين عليه السلام إلى يزيد الملعون فجزهم ولا تعبا بهم، ثم تأتى إلى دهليز ثامن ستجده خاليا من الخدم وستري فيه من الصور المختلفة وسقوف قد أجرى عليها ماء الذهب الذى قد تعب صناعها ثم تخرج الى دار عالية علوها أربعون ذراعا في أربعين ذراع فيها بساط على الدار وعرضه عرض قد تعب فيه أيدى الصناع وهو وصلة واحدة وهو محشو بريش النعام مبطن بالحرير وهو من صدر الدار إلى باب الحمام النعام مبطن بالحرير وهو من صدر الدار إلى باب الحمام حتى لا يطأ يزيد على الارض فقف في جنة الدار ساعة في مقدار ما تطلع الشمس فعند ذلك يخرج غلام حسن الوجه عليه قباء ديباج أحمر وعلى رأسه عمامة خز وفى رجليه أخفاف من الأديم الاسود وبيده مفخرة من الفضة


[ 142 ]

وفيها عود وند وعنبر حتى إذا أتى يزيد إلى الحمام وخرج يبخروه ثم يخرج بعده غلام لباسه مثل لباس الاول وبيده كوز مملوء من ماء الورد ومسك وعنبر حتى إذا خرج يزيد الملعون من الحمام رش عليه من ذلك الماء ثم يأتي غلام ثالث حسن الوجه كأنه قمر منير عليه قباء من ديباج أسود محلول غير مشدود وعليه عمامة سوداء وفى رجليه مداس من الديباج الاسود فهو إذا رآك يأتيك مقبلا يسئلك عن حالك وهو يقضى حاجتك لانه ممن يوالى الحسين عليه السلام وهو من يوم قتل الحسين يلبس السواد وهو الذى إشترى رأس الحسين عليه السلام بمائة ألف دينار ورده إلى كربلاء وهو صائم النهار قائم الليل ويفطر على خبز الشعير ويعمل الزنانير ويبيع كل يوم زنارا بخمسمأة درهم وينفق على نفسه بعضا ويتصدق بالباقي على فقراء الشيعة ولا يأكل من مال يزيد شيئا ابدا ولم يكن مملوكا له بل يخدمه ويزيد الملعون مشغوف بحبه ولا يقدر أن يفارقه ولا يغضبه أبدا وكل ما حوت مملكته مطيعون له لما يرون من محبة يزيد الملعون له وترى معه منديل أبريسم ومنشفة ديبقى فإذا رأيته فاسرع إليه وقبل يديه وأعطيه الكتاب وقل له إنى من شيعة الحسين عليه السلام وبح بسرك إليه فإنه يقضى جميع مأويك ويبلغك لانه استاذ الدار والمرجوع إليه والمطاع أمره وكل الخدم يخدمون


[ 143 ]

يزيد (لع) بالنوبة إلا هو لأن يزيد الملعون لا يأمر سواه ولا يقدر أن يفارقه وستراه إذا ذكرت له الحسين عليه السلام يبكى بكاء شديدا فسلمه الكتاب وأنظر ما يأمرك به فافعل فقال له عمير: جزاك الله خيرا ثم انصرف الامام من عند عمير فلما كان من الغد صلى عمير صلاة الصبح وأتى بعيبة كانت من فاستخرج ثوب ديبقى وثوب رومى فلبسهما ولبس فوقهما ثوب خز وتعمم بعمامة خز كوفية كبيرة ولبس خفين من أديم أسود وتطيب وخرج والكتاب معه والشعر وهو ملفوف في الثوب وهو تحت إبطه حتى رقى دار يزيد فرآه كما وصفه له إمام المسجد لم يغادر منه حرفا، قال عمير: وجعلت أخترق دهليزا بعد دهليز حتى وصلت إلى البساط فجعلت أنظر إليه وأفكر فذكرت وصية الشيخ وقوله عندئذ فجزت وسمعت إلخ. (هكذا الخبر) فلما كان من الغد أمر عبد الله بن عمر بن الخطاب لعمير بألف دينار وألف درهم ووطأله على مركوب فره سريع السير، وضبط عمير نفسه وودع عبد الله أخت المختار وقرأ له الفاتحة واستوى في ظهره مطيته وسار طالبا إلى دمشق ولم يجد السير حتى وصل إلى دمشق وبقى مقيما أيام فلما كان في اليوم الرابع دخل الحمام وأخذ شعره وتنظف وتطيب حتى زال عنه ريح


[ 144 ]

السفر ثم إنه لبس ثوب ديبقى مرتفعا عن الارض ولبس من تحته ثوب رومى وشد وسطه بمنديل ديبقى وتعمم بعمامة خز وجعل على كتفية منديل ديبقى وجعل المئزر الذى فيه الشعر تحت إبطه وسار طالبا دار يزيد الملعون الفاجر الفاسق (لع) في الدارين، وإذا هو بالبوابين على الباب الاول كما ذكر له عبد الله بن عمر ودكتان مفروشتان بالديباج زهاء من ثلاثمائة بواب فجازهم ولم يعبأ بهم ودخل الباب الثاني والثالث والرابع وهم كما وصف له عبد الله بن عمر ثم إخترق الدهليز الخامس وإذا فيه قوم جلوس يقال لهم الطشتية وهم الذين قدموا رأس الحسين عليه السلام بطشت من الذهب بين يدى يزيد (لع). قال عمير: فلفتهم بقلى ودخلت الدهليز السادس وإذا هو مفروش بالزقلاط وفيه خمسمائة غلام وهم خواص المشورة فجزتهم ولم أعبأ بهم وما أحد أنكرني من كثرتهم ثم اخترقت الدهليز السابع وإذا فيه بساط قد أتعب صناعه وأسهرت أحداقهم من غرائب صنعته ودقة حكمته فيه كلما خلق الله من صور الوحوش والطيور فجعلت أفتكر فيه ساعة زمانية، ثم إنى ذكرت ما أوصافي به عبد الله بن عمر، وسمعت قائلا يقول:


[ 145 ]

ما أكثر الدخول هذا اليوم إلى هذا المكان فقال له بعضهم يا ويلك دار فيها عشرة الاف حاجب وخادم ولكل واحد منهم خدام بحسب حاله، كيف تستكثر الدخول قال فجزتهم ولم أعبأ بهم حتى إنتهيت إلى صحن الدار وإذا طولها أربعون ذراعا وعرضها كذلك وإرتفاعها كذلك وفيها بساط واحد قد تعب أيدى الصناع مما عملت فيه من التماثيل والصور هومن باب مقصورة يزيد (لع) الى باب الحمام إلى باب الدهليز وذلك البساط محشور بريش النعام وريش العصفور الهندي مبطن بالحرير الاصفر حتى لا يطأ يزيد الملعون على الارض قال عمير: فلم أر مثل ذلك البساط أبدا فبقيت متفكرا في عمله وفى جبروت يزيد الملعون فبينما أنا كذلك وإذا بغلامين ومعهما المبخرة وهما ماضيان الى الحمام وكان (لع) لا يدخل الحمام إلا مصبحا فما كان هنيئة إلا وأقبل غلام ما رأيت أحسن منه وجها وعليه قباء ديباح أسود محلول غير مشدود وعلى رأسه عمامة سوداء وعلى كتفيه منشفة ديبقى وبيده منديل أبريسم، فلما رأني أقبل الى مسرعا وقال لى: لا إله إلا الله محمد رسول الله أين كنت يا عمير منذ سبعة عشر يوما وما الذى أخرك فقد والله أقلقت ليلى ونهارى بانتظارك وتوقعي بمجيئك ؟ فقلت له: يا سيدى ومن أين لك علم بأن إسمى عمير


[ 146 ]

ومن الذى اخبرك إننى دخلت دمشق منذ سبعة عشر يوما ! وما رأيتك وما رأيتنى قبل هذا اليوم ! فقال: يا عمير إننى رأيت سيدى ومولاى الحسين عليه السلام في منافى منذ سبعة عشر يوما وحدثني بحديثك وأوصاني بقضاء حوائجك، فقلت: يا مولاى فأين هو حتى أمضى إليه فقال: ما يحتاج فهو يأتيك فاقضى حاجته وأعلمه إن جدى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يجزيك غدا وهو شفيعه وشفيعك، غدا وإنى سابقه الى الجنة وتكونان في جنة النعيم وإنه بين يدى مع شيعتي أوقفهم بين يدى الحق فأقول: هؤلاء الذين نصروني وجاهدوا بين يدى ثم إن الغلام بكى وبكيت معه، فبينما نحن كذلك وإذا قد أقبل الخدم بعضهم صغار وبعضهم كبار وهم زهاء من ستمائة غلام بالاقبية الديباجية ومناطق الذهب، وبأيديهم دنابيس الجوهر وإذا يزيد الملعون الفاسق الفاجر أقبل وعليه ثوب ديبقى محلول الازرار وعلى رأسه رداء مطوى أربع طاقات معلم بالذهب وفى رجليه نعلان من ذهب شراكهما من اللؤلؤ الرطب والفضة البيضاء مبطنتان بالحرير وهو يتوكأ على قضيب من خيزران مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال عمير: فلما رأيته ذكرت مولاى الحسين عليه السلام وجرت دموعي


[ 147 ]

ثم إن الغلام أخذ الكتاب منى والمئزر الذى فيه الشعر واستقبله من قبل دخول الحمام وقال له يا خليفة الوقت والزمان اليس لى في عنقك بأن حلفته بحق والدك أن تقضى لى في كل يوم حاجة وهل سألتك منذ قتل الحسين عليه السلام حاجة ؟ قال: لا، ثم قال له (لع). وهل لك حاجة ؟ قال: نعم قال ما حاجتك ؟ قال: حاجتى إليك أن تقرأ هذا الكتاب وترد الجواب في هذه الساعة ثم دفع إليه الكتاب فأخذه وفضه وقرأه وعرف معناه، وقال: أين الذى أوصل اليك هذا الكتاب ؟ فقال: هو هذا يا خليفة الزمان. فقال: على به. قال عمير: فلما وقفت بين يديه نظرت إليه وإذا به ذميم الوجه قبيح المنظر أفطس الانف أسود، بشدقه ضربه كزند البعير غليظ الشفتين ما فيها صفة من صفات الملوك بل صفاته صفات العبيد (لع)، فقال: هذا الكتاب من عبد الله بن عمر بن الخطاب ؟ يسألنى في أمر المختار بن أبى عبيدة الثقفى ؟ يسألنى أن أكتب إلى حاجبي عبيد الله بن زياد الملعون بالافراج عنه، قال عمير فقلت: نعم، فقال فقل لى لا أشك أنك من شيعة الحسين عليه السلام، فقلت أنا رجل إستأجرني عبد الله ابن عمر بن الخطاب لاحمل هذا الكتاب إليك وهذا


[ 148 ]

المئزر، قال ونشرت الثوب وأريته الشعر، فلما نظر إليه إصفر وجهه وتغير لونه وهز رأسه قال: فقال له الغلام رآه أيها الخليفة ما عليك منه إنه من شيعة الحسين عليه السلام أم غيره فأنت أجبه على حاجته، قال ثم استدعى في الوقت والحال بدواه وبياض وكتب كتابا إلى عبيد الله بن زياد (لع) يأمره بالافراج عن المختار وأن يحمله الى صهره عبد الله بن عمر بن الخطاب مكرما ويأمر بالاحسان إليه وأن يكرم الرسول ولا يسئ إليه. ثم التفت إلى الغلام وقال: قضيت حاجتك والله لقد وددت أن تسألني عن مائتي ألف دينار من مالى ولا تسألني بالافراج عن المختار ولكن جمعنا في قضاء هذه الحاجة أمرين: أحد هما: قضينا حق عبد الله بن عمر والاخر: أنعمنا عليك وقضينا حقك. قال عمير بن عامر: فأمر لى أن يعطنى مركوبا وخمسمائة درهم وخلعة فما كان ساعة إلا وقد أحضر ما أمر به ورأيت له هيبة عظيمة، قال عمير بن عامر الهمداني، ثم خرجت من دار يزيد (لع) في غاية الفرح والسرور ومن الحين ركبت الناقة التى أعطاني إياها يزيد وخرجت من دمشق طالبا الكوفة، فما كان مدة قليلة إلا


[ 149 ]

وقد أشرفت على الكوفة وقصدت دار الامارة وعبيد الله بن زياد لعنه الله قال عمير فضيقت لثامى واستأذن الحاجب لى عليه الدخول قال من يكون ؟ قال: وافد من قبل يزيد (لع). قال عمير فضيقت اللثام بحيث لا يرى منى الحدق حتى لا يعرفني أهل الكوفة فلما دخلت عليه أسفرت عن لثامى فنظر عبيد الله بن زياد الملعون إلى فعرفني فضحك عن الغضب وقال يا ويلك فعلتها يا عمير ؟ فقال عمير: نعم فعلتها وأفعلها أيها الامير، قال ثم سلمت الكتاب الى ابن زياد وكان من عادته إذا ورد عليه كتاب من يزيد (لع) لا يقرئه إلا وهو قائم فقبل الكتاب ووضعه على رأسه وفضه فلما قرأه وفهم معناه قال سمعا وطاعة للخليفة (لع): ثم أحضروا المختار في هذه الساعة مكرما فما كان ساعة إلا وقد أحضر بين يديه قال: فلما دخل المختار ورآه ابن زياد الملعون قام له اجلالا ثم أمر أن يحضر له طبيبا يداوى الضربة التى في وجهه وأن يدخل الحمام ويأخذ شعره وأمر أن يخلعون عليه خلعة سنية وأمر له بناقة جيدة لأجل المسير الى المدينة وناقة للزاد وناقة للماء وأمر له بعشرة آلاف دينار وجهزه جهازا حسنا، وقال له: سر الى المدينة راشدا مهديا، قال: واعتذر إليه ابن


[ 150 ]

زياد الملعون كثيرا وتلطف به وكتب معه كتابا إلى عبد الله به عمر. قال عمير: فخرجت أنا والمختار من دار عبيد الله بن زياد الملعون ودخلت معه إلى بيتى بالكوفة وأحضرت له غرائب الطعام وقلت كل يا سيدى فقد خلصت ولله الحمد والمنة من فاقة عظيمة، فقال لى المختار، والله يا عمير لا يخلط ريقي لحما حتى أقتل من بين أمية (لع) ما أوطئ به تحتي وأجلس على رؤوسهم ثم أبسط بساطا على القتلى وأجلس أنا وأصحابي، قال: ثم قدمت إليه النوق فركب وركبت معه ثم قال: لى شكر الله سعيك وأستودعك الله يا شيخ، قال قلت له: والله ما أفارقك أبدا فقال لى: حبا وكرامة. قال: ثم أركبني معه في الهودج قال فأقطر الجمال وأخذ بزمام الاولى وسرنا حتى قدمنا إلى المدينة الطبية وكان في ذلك اليوم الذى قدمنا فيه طبخ لعبد الله ابن عمر بن الخطاب هريسة وقد غرف في الاصحن وهو يقول لزوجته كلى معى وكان يحبها محبة عظيمة وهى تقول إليك عنى يا بن عمر فوالله لا يخالط لحمى حتى أعرف خبر أخى المختار وانظره بين يديه، قال وبينما هما كذلك إذ طرقنا الباب فقام عبد الله بن عمر وفتح


[ 151 ]

الباب وإذا هو بالمختار فاعتنقه وبكى وسلم كل واحد على صاحبه فدخل الدار فقامت أخت المختار واعتنقته وسقطا جميعا إلى الارض مغشيا عليهما، فلما أفاق المختار بقيت أخته مغشيا عليها فحركوها وإذا هي قد قضت نحبها فأخذوا في تجهيزها وغسلوها وكفنوها وصلوا عليها ودفنوها ولزم عبد الله بن عمر عليها الحزن أياما وليال وكذلك المختار حزن عليها حزنا شديدا ثم أقام المختار بعد موتها أياما في المدينة الطيبة. قال أبو مخنف رضى الله عنه، وأما ما كان من أمر يزيد بن معاوية فإنه ركب في بعض الايام في خاصته في عشر الاف فارس يريد الصيد والقنص فسار حتى بعد من دمشق مسير يومين فلاحت له ظبية فقال: لأصحابه لا يتبغى منك أحد ثم إنه إنطلق جواده في طلبها وجعل يطاردها من واد إلى واد، حتى انتهت إلى واد مهول مخوف فأسرع فيه طلبها فلما توسط الوادي لم ير لها خبرا ولم يعرف لها أثرا وكضه العطش فلم يجد هناك شيئا من الماء وإذا برجل معه صحن ماء فقال يا هذا إسقنى قليلا من الماء فلما سقاه قال لو عرفت من انا لازددت من كرامتي، فقال له: ومن تكون. قال: أنا أمير المؤمنين يزيد بن معاوية. فقال الرجل: أنت والله


[ 152 ]

قاتل الحسين بن على بن أبى طالب عليه السلام يا عدو الله ثم نهض ليلزمه فنفر من تحته فرمى به عن مستتر فعلقت رجله بالركاب فجعل الفرس كلما رآه خلفه نفر فلم يزل كذلك إلى أن مزقه وعجل الله بروحه إلى النار، وكان له عشرة ندماء لا يفارقونه ولا يفارقهم ويأمنهم على حريمه وأولاده وماله فاقتحموا الطريق الذى سلك فيه ليعرفوا خبره فوجدوا الفرس وفخذه معلق بالركاب فرفعت الصيحة في المعسكرين فرجعوا إلى دمشق (هكذا) فلم يجدها فخرج إليه ملك من الملائكة الموكلين في جهنم وبيده سوط من النار فضربه على وجهه فأهلكه لعنه الله، فلما أبطأ على أصحابه اقتحموا الطريق الذى سلكه فلم يردوه إنهم سلكوا سلكه ومضوا الى جنهم وبئس المصير لعنهم الله جميعا. قال أبو مخنف (ره) وبقى العكر متحيرين ولم يعرفوا له خبرا فرجعوا إلى دمشق فبعد اليأس منه أقاموا له العزاء ووقعت الفتنة العظيمة، واختلف من الناس بعده فبعضهم من فرح بقتل الملعون وبعضهم من حزن له (لع) فمنهم قوم رضوا بقتل الحسين فجعلوا يمانعون عن اولاد يزيد بن معاوية وحرمه وماله وبعض الناس أرادوا ان يهجموا على دار الملعون ويقتلوا اصحابه


[ 153 ]

وأولاده ويهتكوا حريمه وفى ذلك الوقت كانت ولاية المصرين البصرة والكوفة بيد عبيد الله بن زياد الملعون الفاجر، وكان يزيد الملعون أوصاه أن يقيم بالبصرة ستة أشهر وبالكوفة ستة أشهر. فلما هلك (لع) كان ابن زياد الملعون بالبصرة وكان في حبسه أربعة الآف وخمسمائة رجل من التوابين من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأبطاله، وجاهدوا معه وكانوا في حبس ابن زياد الملعون من أيام معاوية ولم يكن لهم سبيل إلى نصرة الحسين عليه السلام لأنهم كانوا مقيدين مغلولين بالحبس وكانوا يطعمون يوما، ويوما لا يطعمون وهم بالكوفة فلما جاء البريد إلى الكوفة بخبر هلال يزيد لعنه الله وكان ابن زياد الملعون في ذلك الوقت بالبصرة. فلما شاع هلاك يزيد (لع) وثبوا على دار ابن زياد ونهبوا أمواله وخيله وقتلوا غلمانه وكسروا حبسه وأخرجوا منه الاربعة آلاف وخمسمائة رجل من أصحاب أمير المومنين على بن أبى طالب عليه السلام منهم سليمان بن صرد الخزاعى وإبراهيم بن مالك الاشتر وابن صفوان، ويحيى بن عوف وصعصعة العبدى وفيهم أبطال وشجعان فلما خرجوا من حبس إبن زياد الملعون نهبوا خزائنه وأمواله وخربوا داره ثم ان البريد خرج الى ابن زياد لعنه الله يخبره قتل يزيد بن معاوية (لع).


[ 154 ]

فلما سمع ابن زياد الملعون بذلك قام من وقته وساعته فرقى المنبر والناس يعلمون بهلاك يزيد وجمعهم من كان جانب ومكان فلما اجتمعوا قام قائما على المنبر ونادى بأعلى صوته يا أهل البصرة ويا جماعة العرب إعلموا إننى قد عزمت على الرحيل الى الشام لاجل حوائج عرضت لامير المؤمنين (لع) ليعلم شاهد كم غائبكم إن الله اختار ما هو أهله وقد قبض يزيد بن معاوية (لع) وليعلم شاهدكم غائبكم إننى مخلف عليكم خليفتي النافذ حكمه فأطيعوه وقد عزمت على الرحيل الى الشام والدخول إلى دمشق وكتبي متواترة إليكم وها أنا سائر فقال الناس سمعا وطاعة ثم عرفهم الخليفة عليهم وقضى حوائجهم وأعطاهم العطايا والخلع ثم عزم على المسير ومعه الرجال والابطال لانه قد بلغه فعل أهل الكوفة وإنهم قد أخرجوا المحبوسين الذين هم أصحاب أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام ونزلوا على الطريق ويتربصون على ابن زياد الملعون ليأخذوه ويقتلوه ثم إن ابن زياد توجه الى الشام فبلغ الخبر إلى أهل الكوفة فخرجوا في طلب ابن زياد الملعون. قال أبو مخنف: [ فلما صار ابن زياد في بعض الطريق أقبل إليه عمر بن الجارود، وقال له: يا عبيد الله اصدقنا على أي وجه خرجت من البصرة، قال له:


[ 155 ]

إعلم قد بلغني أن الخليفة قد هلك وقد اتصل الخبر إلى الكوفة وقد نهبوا دارى وأخرجوا المحبوسين وأنا متخوف منهم أن يكون قد علموا برحيلي من البصرة فيكمنون لى في الطريق فينتقمون منى لأنهم من أصحاب على بن أبى طالب عليه السلام وكانوا في حبسي فقال له عمر بن الجارود إن كان الامر كما تقول فما لك منهم مخلص إلا بما أشير عليك فقال ابن زياد (لع): ما الذى تشير به على ؟ قال (لع) أشدك تحت بطن الناقة وأشد عليك القرب منفوخة خالية من الماء وأرخى عليك الجلال، وأجعل الناقة التى أنت تحت بطنها وسط النوق فإن خالفتني هلكت لا محالة لأنهم يلحقوننا ويفتشوننا فوا الله إن رأوك لا يخلوك ساعة واحدة، قال ابن زياد الملعون إفعل ما بدا لك ثم إن عمر بن الجارود (لع) شد ابن زياد الملعون تحت بطن ناقة قوية حتى فرغوا من حيلتهم فإذا خرج عليهم سليمان ابن صرد الخزاعى (ره) في أبعة آلاف وخمس مائة فارس فأحدقوا بعمر ابن الجارود وأصحابه ونادوا يا لثارات الحسين عليه السلام فقال عمر بن الجارود مهلا يا قوم عفاكم الله ممن تطلبون ثارات الحسين عليه السلام فقال سليمان بن صرد الخزاعى ومن معه بلغنا أن ابن زياد الملعون معكم تحملونه إلى الشام فقالوا: يا قوم اتقوا الله فما نحن بالظلماء ولا بليل


[ 156 ]

ونحن في برية ققراء فتشونا كلنا ففتشهم أصحاب سليمان فلم يروا معهم شيئا ولم يعلموا بالحيلة فرجعوا عنهم وخلوا سبيلهم فقال سليمان (ره) إلى أين يرجع فإن الذى حدثنى بأن ابن زياد الملعون خرج من البصرة قاصدا إلى الشام صادق غير كاذب فنحن نكمن له في الطريق فإذا لقيناه انتقمنا منه لال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ونأخذ منه ما معه من مال بنى أمية (لع) ولا نلقى أحدا ممن أسرج وألجم وشايع وبايع على قتل الحسين عليه السلام إلا قتلناه فقال له أصحابه نحن بين يديك وتحت أمرك ما فينا من يعصيك قال ثم إن ابن الجارود أخذ بابن زياد الملعون في البر الاقفر فلما بعدوا عن أصحاب سليمان بن صرد الخزاعى وأمنوا تقدم الى ابن زياد الملعون وحله من تحت بطن الناقة وأركبه على هودجه فوهب له في الحال عشرة آلاف دينار من المال الذى حمله وسار حتى دخل دمشق بعد عشرين يوما فوجد أهل دمشق وسائر الناس اجتمعوا على أنهم يبايعون عبد الله بن عمر الخطاب فدخل عبيد الله بن زياد (لع) على مروان بن الحكم (لع) وقال له: لا تبايع عبد الله بن عمر بن الخطاب وفيك عرق يضرب فقال له مروان بن الحكم (لع): الراى عندك أيها الامير، قال تنادى قومك وتجمعهم وتفتح خزينة ابن عمك يزيد (لع) وتعطى العسكر وآخذ لك


[ 157 ]

البيعة على جمى الناس وتكون أنت الخليفة مقام ابن عمك اللعين المردود وقد جئتك أنا بخمسين ناقة محملة ذهب وقضة وثياب فاخرجه واعط الجيش المال واخلع على كبارهم وأدعهم إلى بيعتك فإذا بايعك أهل الشام أخرج وجهز الجيش واقصد اهل العراق واكفيك أمر العراقين الكوفة والبصرة واخطب لك فيهما وأكاتب خراسان وأصفهان والحرمين وأكاتب سائر الامصار إنك أنت الخليفة وإن الناس قد اجتمعوا على بيعتك وخلافتك وإن خطبت لك في الشامين خطبت لك في العراقين والحرمين الشريفين وخطبت لك في سائر الامصار واخطب لك في المشرق والمغرب فقال مروان بن الحكم لعنه الله إفعل ما شئت لنا وأنت في هذا الامر أولى فعند ذلك فرش ابن زياد الملعون الانطاع وطرح عليها الاموال وأحضر قواد يزيد (لع) وخاصة وعسكره وأعطى كل واحد منهم أضعاف ما كان يعطيهم يزيد وحلفهم بالمصاحف والطلاق بأنهم لا ينقضوا بيعة مروان بن الحكم (لع) ففعلوا ذلك ثم إن مروان بن الحكم انتقل من داره الى دار يزيد الملعون فعند ذلك جهز مروان بن الحكم لابن زياد الملعون ثلاثمائة ألف فارس من أهل الشام ومن أهل العراق وكتب الى خراسان وأصفهان وإلى سائر الامصار والبلدان، أن الخليفة


[ 158 ]

مروان بن الحكم عقد لابن زياد راية على ثلاثمائة ألف فارس وأنفذه الى العراق من دمشق لقتال من يضاده في الخلافة ثم سار بالعسكر من الشام يريد العراق فلما خرجوا من الشام مسيرة يومين نزل على قرية هناك وكان ابن زياد الملعون قبل نزوله على القرية قد وجه غلاما من غلمانه ليقيم الزاد والعلوفة والنزول للعسكر فلما نزل بذلك الموضع عقد لبعض حجابه راية وضم إليه فارس وأمره أن يكون متقدما على العسكر وقال له بلغنا أن في طريقنا أربعة آلاف وخمسمائة من التوابين الذين تابوا على يد على بن أبى طالب عليه السلام ولا بد أن يتلقوك ويطلبون ثأر الحسين عليه السلام فإن لقيتهم لا تبق منهم أحدا وها أنا في أثرك فارتحل القائد بمن معه في مقدمة ابن زياد وكان سليمان بن صرد الخزاعى وأصحابه ينتظرون قدوم ابن زياد وكانوا كل من يرونه من بنى امية ومن أنساب يزيد وابن زياد وكل من شايع وبايع على قتل الحسين عليه السلام يقتلونه فبينما هم كذلك وإذا قد طلعت عليهم رايات العسكر مع القائد الذى قدمه ابن زياد وهم مائة ألف فارس فلما نظر إليهم سليمان وأصحابه هللوا وكبروا ثم أقبل سليمان على أصحابه وقال يا أخواني هذا عسكر ابن زياد قد أقبل ومعهم رايات مكتوب عليها مروان بن الحكم وابن زياد مضى الى دمشق وعقد البيعة


[ 159 ]

لمروان بن الحكم وعضده ونصره وعقد الرايات على حربكم فاحملوا بارك الله فيكم على أعداء الله وأعداء رسول صلى الله عليه واله وسلم فلما سمعوا ذلك استووا على ظهور خيولهم وقوموا الاسنة وأطلقوا الاعنة ونادوا يا لثارات الحسين عليه السلام وحملوا حملة رجل واحد فلما رأوهم أصحاب ابن زياد حملوا أيضا حملة رجل واحد واقتتلوا قتالا شديدا وصبر سليمان وأصحابه على الشدائد حتى أظلم الليل وحال بين الفريقين وأصحاب ابن زياد ينادون بالبيعة لمروان بن الحكم وأصحاب سليمان ينادون يا لثارات الحسين عليه السلام. قال أبو مخنف (ره): فافترق عن بعضهم بعض وقد قتل من أصحاب ابن زياد إثنى عشر ألف فارس وقتل من أصحاب سليمان (ره) ألف فارس قال وباتا تلك الليلة وقد كلت سواعد هم من الطعن والضرب وخيولهم من التعب وكثرة الجراع فلما أقبل الصباح أذن مؤذن سليمان وصلى بأصحابه وبعد الفراغ من الصلاة إستووا على ظهور خيولهم ونادوا يا لثارات الحسين عليه السلام وحملوا على القوم ولم يزالوا في كر وفر وضرب وطعن حتى جنهم الليل وافترق عن بعضهم بعض وقد قتل من أصحاب ابن زياد الملعون ألف فارس، وقد نزل أصحاب سليمان (ره) في


[ 160 ]

موضع قوم ابن زياد وملكوا رحالهم وأموالهم وانهزموا أصحاب ابن زياد الملعون فلحقهم ابن زياد بعسكره على مسير يومين فلما رآهم منهزمين عظم عليه ذلك وقال لهم يا غلف القلوب ويا جلفان الرجال أنتم مائة الف فارس تنهزمون عن أربعة الاف وخمسمائة فارس ويقتلون منكم أربعين الف فارس فسيروا الان بين يدى فرجعوا معه طالبين سليمان (ره) وقد صار عسكر ابن زياد مائتي ألف فارس وستين الف فارس وساروا وسار ابن زياد الملعون مع قومه في اليوم الثالث وقد بقى سليمان في ثلاثة الآف حتى أشرفوا على أصحاب سليمان. فلما رآهم سليمان (ره) أقبل يحرض أصحابه ويقول: جاهدوا بارك الله فيكم في سبيل الله تعالى فلما رآهم ابن زياد حمل عليهم هو أصحابه حملة رجل واحد واقتتلوا قتالا شديدا ولم يزل كذلك حتى أظلم عليهم الليل وحال بين الفريقين وافترق القوم من المعركة وقد بقى من أصحاب سليمان ألف فارس وقالوا أيها الامير أنت تعلم إننا كنا أربعة آلاف وخمسمائة فارس وبقينا ألف فارس وهذا ابن زياد الملعون في مائتين وأربعين ألف فارس فإن أصبحنا نقاتلهم لم يبق منا أحد والصواب إنا نعبر الفرات ونقطع الجسر ونسير إلى الكوفة


[ 161 ]

وننادى يا لثارات الحسين عليه السلام ولا نلاقى عدو الله ورسوله. فقال سليمان: من أراد منكم يصير إلى الموت ويكره الحياة وإلا ينصرف حيث شاء فإن غرضي أن ألقى مولاى الحسين عليه السلام وهو عنى راض قال فعند ذلك قال أصحابه كلهم ما لنا في الدنيا من حاجة ولا نطلب إلا رضاء الله ورسوله وأهل بيته صلى الله عليه واله وسلم وها نحن بين يديك ثم إنهم باتوا تلك الليلة وقد رغبت نفوسهم في القتل. فلما أصبحوا إستووا على ظهور خيولهم ولا يزالون مقبلين غير مدبرين على هذا الامر سبعة أيام فلما كان في اليوم الثامن أصبح سليمان (ره) وقد بقى من أصحابه سبعة وعشرون رجلا وقد أثخنوا بالجراح، وحجزوا عن القتال وفى جسد كل واحد منهم مائة طعنة ومائة ضربة وسهام نافذة وقد أحصى سليمان ما وصل الى جسده مائة وعشرين طعنة وضربة غير السهام فعند ذلك عبروا الفرات وقطعوا الجسر ونزلوا عن خيولهم وهم لا يطيقون الكلام ولا يستطيعون النهوض من التعب وكثرة الجراح وثقل الحديد وخيولهم قريبة الهلاك من الجوع وكثرة العطش وكثرة الطرد فاضطجعوا على ظهورهم وهم يتلون القران ويكبرون الله ويصلون على محمد صلى الله عليه واله وسلم. قال فعند ذلك قالوا أيها الامير أنت تعلم ما كنا


[ 162 ]

وصرنا إليه من العدة اليسيرة والضعف بعد القوة فهل لك أن ترجع بنا ونجمع العساكر ونكثر من السلاح ونرجع إليهم فقال لهم يا قوم لا أستطيع أن أترك عدو الله ورسول خلفي وأولى عنهم بل أقاتلهم، فألقى الله عز وجل ورسوله وهم راضين عنى، فلما سمعوا عنه ولم يجيبوه ثم ناموا ونام سليمان (ره) قال فبينما هو نائم وإذا بفاطمة الزهراء عليها السلام وخديجة الكبرى وقد أعطتاه إناء فيه ماء وقاليا له: أفض هذا الماء على وجهك وجسدك وعجل إلينا بالقدوم، قال سليمان: ثم انتبهت من نومى وإذا بقدح تحت رأسي مملوء من الماء فافضته على جسدي وإذا قد التحمت جراحي ثم اشتغلت بلبس ثيابي فلم أجد القدح، فقلت الله أكبر قال فنبهت أصحابي وقالوا ما الخبر أيها الامير قال فقصصت عليهم الرؤيا. وفى رواية أخرى: لما رقد سليمان كأنه في روضة خضراء وفيها أنهار وأشجار وأطيار كأنه قد أوتى به إلى قصر من الذهب والفضة وعليه ستور من نور فتقدم سليمان الى الباب ودفعة ودخل القصر وإذا بإمرأة قد خرجت من القصر وهى مخمرة بخمار من حرير وعليها حلل من سندس وإستبرق. قال فلما رآها كاد أن ينصرع فضحكت في وجهه وقالت شكرا لله تعالى لك سعيك يا


[ 163 ]

سليمان ولاخوانك فإنكم معنا يوم القيامة وكل من قتل في مجتنا أو دمعت عيناه رحمة لنا فإنه يوم القيامة معنا، قال سليمان فعند ذلك قلت لها: يا مولاتي من أنتى ؟ فقالت: أنا خديجة الكبرى، وهذه إبنتى فاطمة الزهراء وهذان ولداها الحسن والحسين عليهما السلام معها وهم يقولون لك أبشر فأنت عندنا الزوال ثم ناولتنى إناء فيه ماء، فانتبه سليمان فرأى عند رأسه إناء ماء فأفاضه على جسده وترك القدح إلى جانبه واشتغل بلبس ثيابه فغاب عنه القدح فتعجب من ذلك وقال الله اكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله على ولى الله، فانتبه أصحابه لتكبيره وقالوا له ما الخبر أيها الامير ؟ فقال لهم: هذه خديجة الكبرى تخبرني إنى وأنتم غدا عندها ونجتمع مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وناولتني قدحا فيه ماء وأمرتني أن أقيضه على جسدي فافضته وغاب عنى وها أنا لا أحس بألم الجراح ولم يزل سليمان راكعا وساجدا إلى أن طلع الفجر ثم صلى بأصحابه وأمرهم أن يعبروا الفرات فشدوا على خيولهم وحملوا على ابن زياد وقاتلوا الى قرب الزوال فدار وا عليهم القوم من كل جانب فقتلو هم عن آخر هم رحمهم الله ثم أمر ابن زياد الملعون أن يقطعوا رؤوسهم ويحملوها إلى دمشق الى مروان بن الحكم لعنه الله


[ 164 ]

ويخبروه كيف جرى له معهم ولبث ابن زياد يرتقب الجواب. قال أبو مخنف: وكان المختار قد ارتحل من المدينة إلى الكوفة ونزل في دار إبراهيم بن مالك الاشتر ومعه خاتم من طين وهو يزعم أنه خاتم محمد بن الحنفية، وقال يرحمك الله هذا خاتم الامام محمد بن الحنفية قد أنفذني إليك وهو يأمرك أن تجمع له أهل الكوفة وتأخذ له البيعة عليهم وقد ولانى الامر وقد كان محمد بن الحنفية موكوعا لانه اهدى الى أخيه الحسين عليه السلام درع من نسج داود على نبينا وعليه السلام فلبسه ففضل عنه ذراع وأربعة أصابع فجمع محمد بن الحنفية ما فضل منه وفركه بيده فقطعه فأصابته نظرة فصارت أنامله تجرى دما ومدة ولهذا لم يخرج مع الحسين عليه السلام يوم كربلاء لأنه ماكان يقدر أن يقبض قائم سيف ولا كعب رمح، قال فلما سمع إبراهيم كلام المختار قال له: يا أخى إنى لك سامع مطيع ولكن غدا أجمع أهل الكوفة وأبلغهم ما تقول وأسمع ما يقولون من الجواب فلما كان الغد جمع إبراهيم (رض) أهل الكوفة وقال لهم أيها الناس هذا المختار قد ورد من المدينة ومعه خاتم من طين ويذكر إنه خاتم محمد بن الحنفية


[ 165 ]

وهو يأمر كم بالبيعة له فما تقولون قال فلما سمعوا هذا الكلام قالو يا أبا اسحاق أنبايع بخاتم من طين بل نرسل من مشايخنا خمسين شيخا إلى محمد بن الحنفية فإن كان هذا صحيحا فالسمع والطاعة نبايعه ولم نزل بين يديه حتى تقتفى عن آخرنا وإن كان غير ذلك فلسنا نبايع بخاتم من طين، فقال: افعلوا ذلك، قال فجمعوا من خيارهم خمسين شيخا ووجهوهم إلى المدينة فلما وصلوا استأذنوا بالدخول على محمد بن الحنفية فأذن لهم، فدخلوا قال فسلموا عليه فرد عليهم السلام فقالوا يا مولانا يا بن أمير المؤمنين عليه السلام قد قدم علينا المختار ومعه خاتم من طين وهو يزعم خاتمك ويد عونا إلى البيعة ليأخذ بثأر الحسين عليه السلام فقال لهم يا قوم والله ما أنفذت إليكم خاتم من طين ولا غيره ولكن نجب حبا وولايتنا عليكم رجلا ذميا كان أو زنجيا وهو يطلب بثار الحسين عليه السلام والذب عن حريمه وجب عليكم أن تنصروه وتجاهدوا بين يديه ولكن الان هذا خاتمي إليه وليكم وقد وليته عليكم وأن تكونوا له تابعين وتنصروه فقالوا بأجمعهم السمع والطاعة لله ولك يا ين أمير المؤمنين عليه السلام ثم إنهم أخذوا الخاتم وتوجهوا من وقتهم وساعتهم طالبين الكوفة فلما وصلوا القادسية سمع المختار برجوعهم من المدينة فدعى بعبد يقال له سطيع


[ 166 ]

وقال له انطلق الى القادسية واستعلم بخبر أهل الكوفة فإن جاؤا بولايتي فأنت حر لوجه الله تعالى وإن كان غير ذلك فلا ترجع إلى فأنت ميشوم على نفسك فتوجه العبد إلى القادسية فوجدهم قد جمعوا أهل القادسية يأخذون منهم البيعة للمختار (رض) فرجع العبد الى المختار فأخبره بذلك ففرح المختار بذلك فرحا شديدا فاعتنق العبد ثم وردت المشايخ إلى المختار وسلموه الخاتم ونادى مناديم أهل الكوفة بالطاعة له فأطاعوه جميعهم. قال أبو مخنف: ثم إن المختار عقد لابراهيم بن مالك الاشتر راية وضم إليه أربعة وعشرين الف فارس وأهم بالسير الى أعمال الشام وملاقات عدو الله وعدو رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عبيد الله بن زياد الملعون فارتحل إبراهيم بن مالك الاشتر من الكوفة وجد في السير حتى نزل بالانبار فعبر الجيش عليها فخرج أهل الكوفة. وقالوا ما هذا الجيش ؟ قالوا أصحاب الحسين عليه السلام فاخرجوا إليهم الزاد والعلوفة فأبى أصحاب إبراهيم أن يأخذوا منه شيئا إلا بالثمن الوافر ورحل منها ونزل النخل الاسود وهو الكثف الاحمر على يمين الطريق فأقام هناك يومين ورحل منها ونزل على دير اللطيف الذى عند الطريق فأقام ساعة من


[ 167 ]

النهار وحل ونزل على حصون بنى جعفر ثم سار الى تكريت وهى يؤمئذ قلعة منيعة فغلق أهل تكريت الابواب وقالوا لمن هذا الجيش فقالوا نحن أصحاب الحسين عليه السلام فعند ذلك أعلنوا بالبكاء والنحيب ونادوا بأجمعهم وامحمداه واعلياه واحسيناه، ثم إنهم أخرجوا إليهم الزاد والعلوفة فلم يقبلوا منهم شيئا إلا بوافر الثمن، قال: واجتمع مشايخ البلد وتوجهوا الى إبراهيم بن مالك الاشتر وقالوا له أيها الامير نحن نحب ان يكون لنا نصيب وحظ في هذا الامر ونشارككم في الثواب في ثار الحسين عليه السلام ونجمع لكم أموالنا عشرة الاف دينار ونسألك أن تقبلها منا وتنفقها على العسكر فأبى إبراهيم أن يقبل شيئا ثم إرتحل وسار ثلاثين فرسخا في ثلاثة أيام حتى الموصل فخرج إليهم من الموصلي ألف فارس ضارب بالسيف واشهروا سيوفهم في وجوههم وقالوا لمن الجيش، فقالوا: نحن أصحاب الحسين عليه السلام فلما سمعوا ذلك أعلنوا بالبكاء والنحيب ومزقوا ثيابهم وحثوا التراب على وجوههم وصاحوا واحسيناه وأقاموا مأتما عظيما قدر عشرة أيام وأخرجوا الى إبراهيم الزاد والعلوفة فأبى أن يأخذ منهم شيئا إلا بوافر الثمن وكان قد نزل بقرب دير يقال له دير العلاء بمقدار ميلين من الموصل فبينما إبراهيم جالس في خيمته وإذا


[ 168 ]

قد أقبك إليه عجوز تجر أذيالها وهى رثة الأطمار وتنادى في باب الخيمة أنا مستغيثة بالله تعالى وبالأمير وبأصحاب الحسين عليه السلام ليسمع كلامي ويرد جوابي فأنا متنظرة لقدومه من يوم خرج من الكوفة فظن إبراهيم إنها تطلب شيئا، فقال لعبده والله ما أملك شيئا غير الف درهم قد بقيت من نفقتى فأقسمها نفصين وأعط العجوز نصفا وخل نصفا فأخذها العبد وخرج الى العجوز فقالت العجوز: ماهذا ؟ فقال: هذه عطية الامير: قالت العجوز ما أنا محتاجه في هذه بل أريد أن أكلم الامير كلمة واحدة فيها وافر الحظ فرجع العبد الى إبراهيم وأعلمه بذلك، فقال إبراهيم إدفع إليها بقية الدراهم لا تكون مستقلة للعطية فخرج العبد إليها ببقية النفقة وقال لها أيها العجوز خذى هذه الدراهم وأعذرى الامير فقالت ما أريد مالا، أريد أن أكلم الامير بحاجة له فيها حظ عظيم فرجع العبد الى الامير وقال أيها الامير هذه المرأة ما تطلب شيئا بل لها عندك حاجة فقال ادخلها فدخلت عليه فجلست بين يديه فسلمت عليه وإذا هي إمرأة طائعة للدين عليها ثياب من الصوف وعليها سيماء أهل الخير فقال لها: قولى يرحمك الله، فقالت كنت أنا وبعلى ذات يوم جالسين في دويرة لنا في صحن الدار بلدنا هذا كثير السيل والامطار وبعلى حطاب كل يوم بدرهم


[ 169 ]

وينفق علينا بعضه ويتصدق ببعضه على فقراء المسلمين فبينما نحن جلوس وقد وقع المطر فتعوق زوجي من الخروج إلى الحطب فانكشف لنا في دارنا بلاطة بيضاء كأنها كافورة طولها ذراع وعرضها ذراع، فقلت لزوجي: خذ هذه وبعها واشترى لنا قوتا، فقلعها فوجدنا تحتها باب حديد مطبق بقفل عظيم ففتحناه وإذا هو بسرداب مظلم فنزلنا إليه مصباح وإذا مملوء ذهبا لا يعلم عددها إلا الله فأخذنا منها دينارا واحدا وأطبقناه بالبلاطة وغطيناه بالتراب ومضى بعلى الى السوق وصرف الدينار فأخذ بنصفه لحمار وخبزا ورد الباقي وجلسنا نتغذى فمد بعلى يده وأخذ لقمة ووضعها في فمه فغص بها ومات من وقته وساعته قبل ان يبلغ اللقمة فامتنعت أنا من الاكل وتصدقت بباقى الطعام واليوم لى ثلاثة أشهر يهتف بى هاتف وهو يقول يا هذه المرأة إن هذا المال لمن يأخذ بثأر الحسين عليه السلام وقد أتيتك أخبرك فإن شئت أن تسر معى حتى أوقفك على الكنز فافعل وإن أردت أن تنفذ معى أحدا تثق به فافعل. فلما سمع إبراهيم (ره) كلام العجوز ركب هو وعشرة رجال من خاصته وسار مع العجوز حتى أوقفتهم على الباب ففتحوا السرداب ونزلوا إليه بمصباح وإذا فيه مال لا يكون أكثر منه فاحضر الانطاع وبسط عليها الاموال


[ 170 ]

وكان مع إبراهم أربعة وعشرون ألف فارس فدفع الى كل واحد منهم ألف دينار وبقى المال على حاله كأن لم يؤخذ منه شئ ثم إنه حمل منه مائة ناقة ووجهها الى المختار في الكوفة ومعه خمسمأة فارس يحفظونه وجعل على الكنز خمسين رجلا يحفظونه وكتب كتابا الى المختار يعلمه بالكنز وسار إبراهيم حتى نزل نصيبين وكان فيها رجل من بنى شيبان يقال له حنظلة بن مغاور الثعلبي، وكان له عشرة أولاد فكتب إليه إبراهيم (ره) كتابا يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من إبراهيم بن مالك الاشترى إلى الامير حنظلة بن مغار الثعلبي. أما بعد: فإنك تعلم ما جرى على الحسين عليه السلام ونحن طالبون بثاره ممن ظلمه من أعداء الله تعالى ورسوله نحن وإياكم على شهادة أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهذا كتابي إليك أتساعدني على الاخذ بثأرهم وتقيم لنا المعابر حتى نعبر عليها وتقيم لنا الزاد العلوفة بأوفر ثمن والسلام ونحن نسألك أن تكون تؤمن بالله


[ 171 ]

وبرسوله محمد صلى الله عليه واله وسلم واليوم الاخر ان تأذن لنا بالعبور إلى بلدك نجتاز به من دون أذية ولا نظلم أحدا من الناس وندخل من باب ونخرج من باب آخر غير قاطنين فتكسب الاجر فيما تفعله ووجه الكتاب مع الرسول إلى حنظلة فوجه الرسول حتى أتى إلى باب حنظلة وكان في ذلك الوقت وجه ابن زياد قاصدا إلى حنظلة وكتابا يقول فيه نريد أن تقيم الزاد والعلوفة لا ربع مائة ألف فارس من أصحاب مروان فنفسك مرتهنة رهانا واصل اليك فاحذر المخالفة. قال أبو محنف (رض) فإلتقى الرسولان على باب حنظلة فأخبر حنظلة غلمانه أن قد ورد رسولان [ أحد هما ] رسول إبراهيم بن مالك الاشتر. [ والاخر ] يزعم أنه رسول ابن زياد فقال على بهما جميعا فأحضروهما جميعا بين يديه وهو في دست مملكته والغلمان والحجاب عن يمينه وشماله فلما وقفا بين يديه سلما عليه فرد عليهما السلام وقال أيكما رسول إبراهيم من أصحاب الحسين عليه السلام فقال رسول إبراهيم أنا يا مولاى فقال له: أدن منى يرحمك الله، فدنا منه فأجلسه على سريره وأخذ الكتاب يرحمك الله فدنا، منه فأجلسه على سريره وأخذ الكتاب منه وقبله وتركه على عيونه فلما فضه وقرأه بكى بكاء عاليا فلما قرأ باقى الكتاب قال السمع والطاعة أنا أول من


[ 172 ]

يجاهد بن يديه وأطلب بثار الحسين عليه السلام ثم التفت إلى رسول ابن زياد الملعون وقال له: فيما جئت به أنت فناوله الكتاب فإذا وفيه الله نفسك مرتهنة بإقامة الزاد والعلوفة لاربع مائة ألف فارس، فأخذ الكتاب حنظلة ومزقه، وقال لاصحابه على بالسيف ونطع الدم فاحضروا ذلك فضرب رقبة رسول ابن زياد الملعون ثم خلع على رسول إبراهيم وطوقه بطوق من الذهب وأركبه سابقا من الخيل وقال له: إنطلق الى صاحبك وأخبر بما رأيت وإنني به فقد أقمت له الزاد والعلوفة وإن بلدي موطئ له وأقرأه عنى السلام وأولادى وقومي بين يديه وقل له يجد في لقاء عدو الله ورسوله، فرجع الرسول الى ابراهيم فناوله الكتاب وحدثه بما جرى من فعل حنظلة ففرح إبراهيم بذلك وسار حتى نزل نصيبين فضربت البوقات وتلقاهم أول نصيبين الرجال منهم والمشايخ ونسوانهم ناشرات شعور هن ينادون واسيداه واحسيناه وأصحاب إبراهيم ينادون يا لثاراث الحسين عليه السلام وأطلع لهم حنظلة الهدايا والعلوفة فقال إبراهيم وحق مولاى الحسين ما آخذ شيئا إلا بوافر الثمن وكلوا إذا ساموا الشئ درهما يأخذونه منهم بدر همين والناس يدعون لهم بالنصرة والظهر فأقاموا في نصيبين يومين ثم رحلوا منها يطلبون قلعة ماردين وخرج معهم حنظلة واولاده وأصحابه ونزلوا


[ 173 ]

على قلعة ماردين فنظروا فإذا حنظلة وكانت قلعة ماردين لحنظلة وأصحابه فيها وكان إبراهيم في جانب حنظلة فتقدم وقبل الارض ما بين يديه فقال له حنظلة: أين أبوك قال إرجع وادع لنا أباك فرجع الغلام وأخبر أباه بذلك فنزل من القلعة وأتى إلى حنظلة وسلم عليهم جميعا فحدثه حنظلة بحديث إبراهيم فقال له: أيها الامير لو كنت سبقت ساعة سلمت إليك ابن زياد الملعون قبضا باليد، فقال له: وكيف ذلك يا مبارك الطلعة ؟ قال له: إعلم إن له عندي شيئا وجاء نى اليوم ومعه حرمه وأولاده ومعه أربعون بغلا موقورة مالا فأودعها عندي في القلعة، قال له حنظلة وإبراهيم: بشرك الله بالخبر وأين حريمه وأولاده ؟ قال: عندي قال له إحضرهم فقال سمعا وطاعة ثم مضى الى القلعة وأحضر أولاد ابن زياد الملعون وهم أربعة أولاد ذكورا وثلاثمائة جارية وأربعون بغلا موقورة مالا وصناديق مملوءة من قباطى مصر وخز وديباج فلما، أحضروا بين يدى إبراهيم (رض) قال إبراهيم: أيها الناس إن ابن زياد الملعون قتل الحسين عليه السلام وله من العمر ستين سنة وقتل يحيى بن على وله ثمان سنين وقتل عون بن على وله من العمر أربعة عشر سنة وقتل العباس وله من العمر ثلاثون سنة وقتل فلانا وفلانا حتى عدد ثمانية عشر من أهل البيت ثم


[ 174 ]

قال وقد هتك حرم الرسول صلى الله عليه واله وسلم وسباهم على الجمال عرايا بغير وطئ فوالله لا أبقيت من بنى أمية ما أقدر عليه وجرد وجرد سيفه وجرد أصاحبه سيوفهم ووضعوها في أولاد ابن زياد وحرمه فقتلوهم عن آخرهم، ثم أقبل أصحابه على القلعة على إبراهيم وقال له أيها الامير أنا أوقع ابن زياد الملعون بيدك بلا طعنة ولا ضربة، فقال له إبراهيم: وكيف ذلك أيها المبارك الطلعة ! قال: أمضى إليه أنا وأولادى وأنت معنا وأبعث واحدا من أولادي يقول له أبى يقرأك السلام ويقول لك إن حنظلة قد مضى وصار من حزب إبراهيم بن مالك الاشتر وقد بايعه وحلف له أن يجاهد بين يديه وأنت تعلم إن القلعة له وملكونا من قبله ولا آمن هذا الرجل فينزل على القلعة ويصل إليه الخبر أن أولادك وحرمك عندي فيريد ذلك منى ولا يمكننى أن أدفعه وأريد أن تخرج إلى وحدك ولا يكون معك أحد من أصحابك حتى أشاورك فإنى لا آمن أن يكون لهم في عسكرك عين علينا فيعلمه بذلك فإدا سمع ابن زياد الملعون بذلك يأتي إلى لأنه يأمننى على نفسه وأولاده وماله فإذا جاء الملعون أدخله وأجلسه بينى وبينك وبين أولادي واقبض أنت قائم سيفك واضرب عنقه وأزحف بعسكرك إلى عسكره فإنهم لا يجتمع منهم إثنان في موضع واحد، فقال إبراهيم: نعم ما أشرت به وبيض


[ 175 ]

الله وجهك ولكني أشير عليك برأى فقال: هات قال بلغني إن معهم سفن نحاس على ظهور الابل لاجل العبور والرأى والصواب أن أجئ معك كما ذكرت وتكون أصحابي كامنين عن يمين المعبر بخمسة آلاف فارس وفى المعبر آلاف فارس وأكون بباقى الجيش فإن استولى لى قتله في الخمية كما ذكرت فالحمد لله رب العالمين. وإن يتولى قتله جئت معك إلى أن أقف على المعبر لان السفن الذى معه صغار لا يقدر أن يعبر عليها غير فارس بعد فارس وأنا أكون إلى جنبك فإنه يحسبنى بعض أولادك فإذا رأيته أرميه عن فرسه وأضرب عنقه، فقال: إفعل ما بدالك فإنى وأولادى تبع لك لكن أوصى أصحابك أن يكونوا بالقرب منك حتى يسمعوا صوتك، فجمع إبراهيم أصحابه وأوصاهم أن يكونوا حول المعبر وأن لا يتبعك عدوا ويكونوا لهم طلائع تقف حول المعبر يعرفونهم ما يكون ففعلوا ذلك وسار إبراهيم (ره) وصاحب حنظلة وتبعهم العسكر فلما صار بالقرب من عسكر ابن زياد ضرب خيمته وجلس فيها صاحب حنظلة وإبراهيم وأرسل واحدا من أولاده إلى ابن زياد الملعون يقول له إقبل إلى وحدك لا يعلم بك أحد من أصحابك فإن جيش إبراهيم قد نزلوا نصيبين وقد أقام حنظلة له الزاد والعلوفة وحلف أن


[ 176 ]

يجاهد بين يديه وأنا خائف أن يعلم بحرمك وأولادك عندي فبادر إلى وحدك لاخلوا أنا وأنت في مشورة فإنى أخاف أن يكون لهم في عسكرك عين فمضى إبنه الى ابن زياد الملعون فأبلغه كلام أبيه قال: فلما سمع ابن زياد كلامه نهض فزعا مرعوبا وركب فرسه وسار في وقته وساعته مع الغلام قاصدا للخيمة وبين يديه عند ومعه شمعة كقامة الرجل وكان بين الخمية وبين المعبر أقل من ميل فلما رآه صاحب حنظلة قام إليه وقبل يديه وكذلك إبراهيم قبل يديه فجعل ابن زياد الملعون يطيل النظر الى إبراهيم (ره) وصاحب القلعة يشغله بالحديث عنه قال إبراهيم فأردت أقوم فافتكرت في ضيق الخيمة وقلت في نفسي إذا جردت سيفى لم يمكننى أن أفتح باعى لصغر الخيمة ولا أدرى أتقع الضربة له في مقتله أم لا وهو مع ذلك شجاع، ورأيت سيفه على فخذه مجردا ولا آمن يصيح بعسكره فيلزموني بعض أصحابه فيثور عسكره وهم أربعمائة آلاف فارس قال فجعل صاحب القلعة يشغله بالحديث حتى يقوم إليه وإبراهيم مطرق رأسه الى الارض فقال ابن زياد الملعون لصاحب حنظلة إذا كان الامر كما ذكرت فلاى شئ أقعد أنا أقوم هذه الساعة وآمر أصحابي بضرب البوقات للرجل وألحقه قبل أن تروح برجل، فقال صاحب القلعة: هذا الرأى أيها


[ 177 ]

الامير، قال فنهض ابن زياد وقال لصاحب القلعة كن أنت وأولادك على المعبر لنحدك أنا وأنت ثم خرج من الخيمة وقدم له العبد فرسه وركب الى عسكره ثم اقبل صاحب القلعة على ابراهيم وقال والله ما شبهتك إلا مسلم بن عقيل تمكن في دار هاني بن عروه ولم يقتله وكان ابن زياد هو القاتل لمسلم بن عقيل (ره) فقال: له إبراهيم بن مالك الاشتر: يرحمك الله إنى قد اقتكرت في جلوسه وسيفه على ركبتيه وصغر الخيمة وقرب عسكره منه فخفت أن يصيح فيسمعونه أصحابه ورأيت أن أقتله في غير هذا الموضع أصلح وأنا أرجو من الله تعالى أن لا يفلت من يدى قال فمضى ابن زياد الملعون الى عسكره سريعا و أقبل صاحب القلعة وأولادهم وإبراهيم فوققوا على المعبر والجيش يعبر فوجا فوجا يسرعون في المعبر على تلك السفن في الناس وفوقها ألواح الخشب حتى عبر منهم مائة ألف فارس ثم أقبل ابن زياد الملعون على بغل أشهب وعلى رأسه قلنسوة من الديباج المدبر محشا بريش النعامة وريش العصفور الهندي وعلى دائر القبة ديباج بمنطقة من الذهب مرصعة بالدار والجوهر بين حمرة الذهب مع بياض الدر مثل مشعل النار ودوره ثلاثون شمعة في أنوار الذهب بأيدى الخدم السقلانية الرومية وعن يمينه شمعتان من العنبر وعن شماله كذلك


[ 178 ]

وعليه برنس من الوشى وقلنسوة من الذهب مرصعة باللؤلؤ الرطب وكان في زى عظيم قال: فتكون إبراهيم من قائم سيفه وهو ملتثم فقال له بعض الخدم تنح عن الطريق حتى يعبر الامير، فقال له إبراهيم: لى إلى الامير حاجة فلما سار ابن زياد قريبا من إبراهيم نادى إبراهيم: أنا مستجير بالله وبالامير فأخرج ابن زياد رأسه لينظر من يستغبث فمد يده إبراهيم وجدبه ورماه الى الارض فوقع على وجهه، وصاح يا لثارات الحسين عليه السلام وجاوبته الكماء وخرج كمين عن اليمين وكمين عن وجاوبته الكماء وخرج كمين عن اليمين وكمين عن الشمال وكمين عن القلب وضربوهم بالسيوف وجرد صاحب القلعة وأولاده وأصحابه سيوفهم ووضعوها في أصحاب ابن زياد الملعون وهم يقولون يا لثارات الحسين عليه السلام ولم يزل السيف يعمل فيهم إلى طلوع الفجر، فلما اصبحوا عدوا القتلى وإذا قتل من أصحاب ابن زياد ثمانون ألف فارس وكان إبراهيم بن مالك الاشتر (ره) قد كتف ابن زياد وثيقا وسلمه الى من يثق به من أصحابه ووكل به مائتي فارس فحملوه وشدوه بالطول وأوثقوة بالحبال القنب والرجال محدقون به وكل منهم يلعنه ويضربه في وجهه وينادون يا لثارات الحسين عليه السلام قال: فلما أسفر الصباح طرح إبراهيم (ره) الانطاع والاديم الطائفي ومن فوقها ستور الديباج ونزل هو


[ 179 ]

وأصحابه وكان معهم ألف أسير وقد أصبغ أصحاب إبراهيم ثيابهم بالدم وصلوا صلاة الصبح، ثم أمر إبراهيم (ره) بإحضار الاسارى فأحضروا بن يديه فأول من قدم ابن زياد الملعون وهو مكتوف، فشدوا رجليه فقال إبراهيم بن مالك الاشتر (ره) إضرموا نارا فجذب إبراهيم خنجره وجعل يشرح من لحم ابن زياد الملعون فيشوى منه على نصف الصاج ويطعمه وكلما امتنع ابن زياد من أكل لحمه ينخسه بالخنجر حتى أكل لحم أفخاذه، فلما علم إنه يموت وضع الخنجر على حلقه فذبحه من الاذن إلى الاذن وإبراهيم (رح) ينادى يا لثارات الحسين عليه السلام ثم أحرق جثته بالنار. وبعده قدم إليه شبث بن ربعى (لع) وخولى بن يزيد الاصبحي وعمره بن الحجاج وسنان بن أنس النخعي لعنهم الله تعالى وهم الذين تولوا حرب الحسين عليه السلام وهتك حريمه ونهب ماله فأول ما بدأ لسنان الملعون وقال يا ويلك اصدقني ما فعلت يوم الطف ؟ قال: ما فعلت شيئا، غير إنى أخذت تكة الحسين عليه السلام من سرواله فبكى إبراهيم عند ذلك فجعل يشرح لحم أفخاذه ويشويها على نصف نضاجها ويطعمه إياه وكلما امتنع من الاكل ينخره بالخنجر فلما أشرف على الموت ذبحه


[ 180 ]

وأحرق جثته (لع) وبعدة قدموا إليه شبت بن ربعى، فقال له إبراهيم: اصدقني ما فعلت يوم الطف ؟ قال ضربت وجهه الشريف فقال له يا ويلك يا ويلك يا ملعون ما خفت من الله تعالى ولا من جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثم جعل يشرح أفخاذه حتى مات وعزل رأسه وأحرق جثته (لع) ثم قدموا إليه أبحر بن كعب، فقال إبراهيم رحمه الله تعالى يا ويلك ما فعلت يوم الطف قال أخذت قناع زينب من رأسها وقرطيها من أذنيها فجذبت حتى خرمت أذنيها قال له إبراهيم: وهو يبكى يا ويلك ما قالت لك ! قال: قالت قطع الله يديك ورجليك وأحرقك الله تعالى بنار الدنيا قبل نار الاخرة، فقال له يا ويلك ما خجلت من الله تعالى ولا راقبت من جدها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولا أدركتك الرأفة عليها ثم قال له: اطلع يديك فأطلع يديه وإذا هما مقطوعتان ثم قطر إبراهيم رجليه وقلع عينيه وعذبه بأنواع العذاب. قال أبو مخنف: فأمر إبراهيم (ره) بأحضار النوق وأركبوها ووقروها رؤوس القتلى وكان عدد الرؤوس عشرين ألف رأس وفيها رأس عبيد الله بن زياد (لع) وأنفذ الاموال والغنائم جميعا إلى الكوفة وكتب المختار


[ 181 ]

يخبره بما جرى من حنظلة وفى الحيلة التى عملها صاحبه ثم إبراهيم (ره) بسط بساطا على رؤوس القتلى وأكل هو أصحابه عليهم الطعام قال صاحب الحديث: فلما وردت الرؤوس الى الكوفة خرج المختار خارج الكوفة وأشهرها وفرح الناس عليها فرحا شديدا قال ونادى: تجتها يا لثارات الحسين عليه السلام فلما صار رأس ابن زياد الملعون بين يدى المختار نظر إليه وبصق في وجهه وقال إحرقوه. وقال أبو مخنف: (ره) أما الباقي من عسكر ابن زياد الملعون فبعضهم غرق في الماء وبعضهم إنهزم في البراري وتفرقوا وقليل منهم بقى ورجع الى دمشق الى مروان بن الحكم (لع) قال فعند ذلك رجع إبراهيم الى الكوفة وأصحابه في غاية السرور والفرح مع الكسب والمال الكثير، قال: وأما ما كان من مروان فإنه لما سمع ما جرى على ابن زياد الملعون وعسكره والقتل والنهب والسبي إغتم غما عظيما فلما كان من الغد خرج الى المسجد الجامع وخطب الناس خطبة بالغة ثم قال أيها الناس إن الخوارج الذين مع المختار قد أفتنوا العباد وأفسدوا في البلاد فمن منكم يخرج الى حربهم ويقتل أبطالهم ويبد رجالهم ولا يدع منهم شيخا كبيرا ولا طفلا


[ 182 ]

صغيرا فقام عامر ابن أبى ربيعة الشيباني الملعون وقال أنا أيها الخليفة لذلك فقال مروان (لع) أريد أن تحلف يمينا إنك لا تدع منهم احدا حتى المرأة الحامل تشق بطنها وتقتل جنينها معها فقال سمعا وطاعة وأنا أفعل ذلك وأزيد عليه فلما حلف له جهز معه مائتي ألف فارس وسارع عامر مع العسكر يطلب الكوفة فوصل الى حوالى الكوفة، وأما إبراهيم لما وصل إلى المختار ركب معه في يوم الى الصيد ومعه جيشه وأصحابه فبينما هم كذلك إذ أقبل إليهم رجل راكب وهو مقبل عليهم من صدر البرية قال فرآه المختار فقال على بهذا الرجل فأقاموه بين يديه فقال له المختار: من أين يا أخا العرب والى أين تريد ؟ قال: أتيتك من عسكر مروان بن الحكم الى عامر بن أبى ربيعة فقد ذكر إنه وصل الى مصرعكم هذا ومعه مائتا ألف فارس من مروان بن الحكم يطلب المختار، فقال له المختار يا ويلك أصدقني والا ضربت عنقك، فقال أنا رجل من الازد ولى في عسكر المختار ابن عم وقد خشيت عليه فأتيت أخرجه من الكوفة ولا يتركوا منهم أحدا فقال المختار: لقواده كم في ديواني من الازد، فقالوا: رجل واحد فقال: على به فأحضر بين يديه، فقال له المختار: قد إحتجت إليك بشئ فقال: الازدي: لا فقال له المختار أنت


[ 183 ]

بحكم نفسك فإن أردت المقام عندي فأنا لك كما تحب وإن أردت تذهب مع ابن عمك فمصحوب السلامة ثم إن المختار أمر أن يخلع على الازدي ووهبه الف دينار وقال إنطلق الى صاحبك عامر بن أبى ربيعة فإنى أعلم أنك على حق لا علينا فإذا سألك صاحبك عنى فما تقول له فقال أقول له إن المختار في ستين الف فارس فقال المختار سألتك بالله العظيم لا تكذب ولا تقل إلا الصحيح وقل قد لقيت عسكر المختار مع أصحاب إبراهيم أربعة وعشرين الف فارس، فقال الازدي حبا وكرامة فزاده على ما وهبه وسار الازدي حتى اتى عامر ابن ابى ربيعة وحدثه بالحديث من أوله إلى آخره فقال له عامر بن أبى ربيعة أريد أن تقضى لى حاجة ولك صلتها منى عشرة الاف درهم وعشرة الاف دينار فقال الازدي وما حاجتك أيها الامير فقال تعود إلى المختار وتوصل هذه الرقعة إلى قوم من أصحابه ثم سماهم بأسمائهم حتى عد أربعة عشر قال إنى حالفتهم على قتل المختار وهم اليوم خواصه فقال له الازدي أيها الامير إنى أخاف على نفسي إذا رجعت الى عسكر المختار لان لهم طلائع فيقبضوني ويضربون عنقي فقال له عامر إنى أعلمك حيلة تقول بها وتأخذ جائزتك فقال: وما الحيلة أيها الامير فقال: هذه العشرة الاف دينار والعشر الاف درهم فخذ الجميع وما


[ 184 ]

اعطاك المختار، وسلم الجميع إلى أهلك وإرم ثيابك والبس ثياب أسمال خلقان وضم هذه الرقعة التى الى أصحابي بين الخلقان وإمض إليهم فإذا قربت منهم فمضى حافيا مكشوف الرأس فإن الطلائع يحذرونك ويوقفونك ين يديه فإذا رآك على هذه الحالة يسألك عن حالك قل له إعلم أن عامر بن أبى ربيعة (لع) لما رأى ما أنعمت على ضربتني أخذ جميع ما عندي وأمر بقتلى فسأله بنو عمى في أمرى فأطلقني فأتيتك فإذا سمع مالك هذا يرحمك ويخلع عليك ويجعلك من جملة أصحابه فإذا آمنت وآمن منك سلم الرقعة الى القوم الذين أخبرتك عنهم فقلت السمع والطاعة ثم ان الازدي جمع كل ما أعطاه عامر وما كان من المختار وسلمه الى أهله ولبس ثيابا مقطعة وركب مطيا وسار يطلب الكوفة وهذا المختار على تلك الحالة خارج قريب بلد الحيرة وإذا راكب مقبل فقال المختار لاصحابه احضروا هذا المقبل فأحضروه عنده فنظر إليه وإذا هو الازدي فعرفه فقال له المختار ما خبرك أخا أزد وما هذه الحالة التى أنت فيها فقال الازدي إعلم أيها الامير إن عامر بن أبى ربيعة لما رأى ما أنعمت به على قبضني وأخذ جميع ما عندي وأمر بقتلى فسأله قومي وتشفعوني فصفح عنى وطردني وقد أتيتك قال فلما سمع المختار كلامه رحمه


[ 185 ]

الله وأمر له بخمسة الاف دينار وأخلع عليه وقال طب نفسا وقر عينا وتلطف به المختار كثيرا قال فلما رأى الازدي إلى كثرة إحسان المختار إليه إفتكر في نفسه وقال يا نفس إن الدنيا فاتية والآخرة باقية وهذا المختار وإبراهيم وعسكرهم قوم مؤمنون لا أسمع فيهم صوت ملاهي ولا خمر ولا محرم ولا لهم غير ذكر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله وسلم وتلاوة القرآن ومع ذلك لو عثر أحدهم قال ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم وتلاوة القرآن ومع ذلك لو عثر أحد هم قال لعن الله ظالمي أهل البيت وإن شرب أحد هم الماء لعن من ظلم الحسين عليه السلام ومن منعه شرب الماء فوالله لا بعث آخرتي بديناى ثم إنه قرب من المختار وقبل الارض بين يديه وقال أيها الامير أريد أن تعتزل معى ناحية من أصحابك فإن عندي لك فيها وافر الحظ قال فخرج المختار معه حتى اختلا معه قال فعند ذلك حدثه بحيلة عامر بن أبى ربيعة الملعون وإن له من عسكره جواسيس وهم أربعة عشر رجلا وسماهم بأسمائهم واحدا بعد واحد وأخرج الكتاب الذى كتبه عامر الى اصحابه الملعونون وسلمه الى المختار وقال يا مولاى إنى تفكرت في الدينا وفنائها والاخرة وبقائها وقد رجعت الى الله تعالى يا مولاى وأنا تائب إلى الله قال فشكره المختار على فعله وقال له أحسنت يا أخا العرب ثم إن المختار رجع الى اصحابه وأخبر إبراهيم بخبر الازدي وحيلة


[ 186 ]

الملعون وبالاربعة عشر الذين في عسكره قال فعند ذلك أمر المختار بإحضار الاربعة عشر الذين كانوا متفقين على قتل المختار فأحضرو هم قال ذلك رمى المختار عمامته من رأسه وجرد سيفه من غمده وقتل الاربعة عشر واحدا بعد واحد منهم فتقدم إليه إبراهيم وقال له أيها الرجل إن الامير ندم على ما فعل فاصدقني كيف أردتهم وكيف كنت تفعلون فقال له والله يا إبراهيم إن ندم المختار أو لم يندم كما في هذه المدة نتوقع الفرصد وكنا هذه الساعة نريد قتلك وقتل المختار ولكنكم سبقتمونا واعلم إنكم ما ظلمتمونا قال فعند ذلك ضربه إبراهيم (ره) بحربة وزنها ثلاثة أرطال في صدره فأخرجتها من ظهره ثم إلتفت المختار الى الازدي وأخلع عليه الخلع السنية. ثم إن المختار قال لاصحابه كل من يحب الحسين عليه السلام منكم يعطى الازدي قال فجعلوا يرمون على الازدي الدراهم والدنانير حتى صار مساويا لرأسه قال فقال الازدي أيها الامير والله ما آخذ من المال درهما ولا دينارا وأصحاب الحسين أحق منى بهذا المال ولو كنت راغبا في المال لرغبت في المال الذى يعطينى إياه عامر بن أبى ربيعة ولكني أريد رضاء الله قال فجعلوا يصننون على الازدي قال هل أردت أيها الامير أنا أسلم


[ 187 ]

إليك عامر بن أبى ربيعة (لع) قبض اليد فقال له المختار وكيف ذلك فقال له: تبعث معى إبراهيم وأسير أنا معه حتى تقرب من عسكر عامر بن أبى ربيعة (لع) ويكمن هو مختفى وأضى إليه وأقول إنى وصلت كتابك الى القوم وقد أرسلوا معى واحدا منهم يستوثق منك بالايمان والعهود وإنك لا تقصر عنهم إذا قتلوا المختار ويكون لهم عندك المرتبة العليا ويشارك في أمر المختار فاخرج معى وحدك ناحية العسكر فقال إبراهيم نعم الشور والرأى بما قلت قال ثم إن إبراهيم ركب مع الازدي وساروا حتى أشرفا على عسكر عامر بن أبى ربيعة الملعون قال فنظرتها الطلائع فأخذ وهما وعرفوا الازدي ولم يعرفوا إبراهيم فقالوا للازدي، من هذا الرجل الذى ولم يعرفوا إبراهيم فقالوا للازدي: من هذا الرجل الذى معك ؟ فقال احدى بنى عمى فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون هذا عدو الله يعرفني معرفة حقيقية، قال: فمضت الطلائع إلى عامر وقالوا له أيها الامير إن الازدي أرسلته إلى المختار قد جاء ومعه رجل ما نعرفه وهو يزعم إنه ابن عمه قال فقال عامر على بهما فأحضر وهما بين يدى عامر قال: وكان إبراهيم عنه ملثما فنظر إليه عامر فعرفه، فقال عامر: الله اكبر يا إبراهيم أسفر عن وجهك أظننت إنك تخفى على فوالله لا قتلك قتلة شديدة يتحدث بها أهل المشرق والمغرب ثم قال عامر لقوادة: إقبضوا


[ 188 ]

عليه فأحاطوا بإبراهيم وكتفوه وقال على بالسيف ونطع الدم ثم أحضر قواده السيف والنطع قال وكان ذلك مغيب في الشمس قال فقال بعض الحضور أيها الامير تعلم إن إبراهيم هو نصير المختار وهو عمدة عسكره وهذا وقت المساء فإذا كان الغداة آمر بضرب البوقات والطبول وتنادى بالعكسر ليبصر العسكر كلة قتله ابراهيم فإذا قتلته فسر إلى المختار وقبضه قبض اليد والعادة جرت عند الحكام يحبسون شهرا وشهرين وأكثر فكيف وهو سواد الليل فقال عامر: هذا هو الرأى: ثم سلمه الى قواده ووكل به أربعمائة رجل من خواصه وقال لهم: أبصروا كيف تكونون في حراسته وجعلوه في الخيمة وضربوا له في الارض أربعة أوتاد وشدوا يديه الى وتدين ورجليه الى وتدين وفعلوا في الازدي مثل ذلك قال فلما غفت العيون وأطلع الحى القيوم قال بكى الازدي وانتحب فقال إبراهيم: يا هذا الرجل اراك تبكى ! ؟ فقال الازدي لعلمي إننا مقتولون في غداة غد، فقال له إبراهيم ما: ترضى أن تكون في جوار الله تعالى وجوار رسوله صلى الله عليه واله وسلم وجوار أمير المؤمنين عليه السلام وولديه الحسن والحسين وفاطمة الزهراء عليهم السلام فإن قتلونا فإن الله يجمع بيننا وبينهم قال: فلما سمع القائد المتوكل بهم كلام إبراهيم إقشعر جلده وخشع قلبه وقال في نفسه صدق


[ 189 ]

والله إبراهيم ويحك يا نفس وما تقولين في يوم القيامة إذا أوقفوك بين يدى الله ورسوله وما العذر والله لا عاونت ظالما مرق من الدين على أهل الحق فقام القائد من وقته وساعته وقال لابراهيم، هؤلاء المتوكلون بكم نيام واعلم أيها الامير ما كان في هذا العسكر أقسى من قلبى عليكم وقد حصلت لى الرقة عليك من كلامك وأريد طلق سبيلك وهذا الازدي أطلقته فقم، قال فأطلق إبراهيم وقال: يا مولاى خذ سيفى هذا فإنه سيف قاطع وخذ يا ابرايهم لنفسك الحذر وقال فخرج إبراهيم من العسكر وإقتحم البرية مع الازدي قال فلما علم القائد إبراهيم خرج من العسكر صاح باعلى صوته هرب الرجلال ! ! قال فلما سمع عامر الصياح قام وركب فرسه وفى عينيه أثر النوم وتقلد سيفه وصاح في العسكر ويلكم إركبوا في طلب إبراهيم، فركب العسكر جميعهم يطلبون إبراهيم والازدى قال فلما سمع إبراهيم والازدى حوافر الخيل وصياح الرجال قال الازدي الابراهيم أنا أختفى بهذا الرمل فضم الازدي نفسه في الرمل قال إبراهيم: فبقيت متفكرا وما لى ملجا إلا الله تعالى فبينما أنا كذلك إذا لاحت لى شجرة عظيمة فقصدتها فلما وصلت إليها صعدت عليها الى رأسها وسترتي الله تعالى عنهم في أغصانها قال: فأقبل


[ 190 ]

العسكر من يمينى وشمالي وتفرقوا في البرية وبقوا على هذه الحالة حتى حميت الشمس واشتد الحر هذا وإبراهيم مكن في الشجرة وهو آيس من روحه والله عز وجل حجبه عن أعينهم قال إبراهيم: وصار الوقت قريبا من الظهر وقد تشتت العسكر في البرية كل فارس بجانب وقد بعدوا عنى كلهم قال: وإشتد عليهم الحر والتعب ماله الشعور في نفسه فنظرت الى ما ورائه في البرية فلم أر أحدا غيره فتأملته وإذا هو عدو الله ورسوله عامر بن أبى ربيعة الملعون فقلت في نفسي اللهم مكنى من عدو الله ورسوله وأهل بيته فوقف تحت الشجرة وعيناه يحولان في البرية يريد أحدا من أصحابه فلم ير أحدا وكضه العطش قال: فأدار كفل فرسه في الشجرة ووجهه في البرية، قال: فنزل إبراهيم بن مالك الاشتر رحمه الله من رأس الشجرة قال: فطفرت على كفل فرسه فقبضت رقبته ورميته عن ظهر جواده وقعدت على صدره فقبضت لحيته. فقال لى: من أنت يا ويلك ؟ فقلت يا عدو الله ما أعجل ما أنكرتني ! أنا إبراهيم بن مالك الاشتر الذى كنت بالامس تريد قتلى فمكننى الله منك قال فجعلت السيف على حلقه فذبحته وأنا أقول يا لثارات الحسين عليه السلام قال: فأخذت رأسه وأخذت سيفه ورمحه واستويت على ظهر الجواد وكان سابقا من


[ 191 ]

الخيل وأعطيته عناية حتى أتيت الكوفة وكان لى من يوم فارقت الكوفة أربعة أيام وكان المختار قد أنفذ في طلبى وهو يظن إنى قد خرجت مع الازدي الى بعض الضياع قال: فبينما المختار كذلك وكان خارجا الى الحيرة وإذا إبراهيم مقبل ومعه رأس ذلك الملعون فتلقاه المختار (ره) وسلم كل واحد منهما على الاخر فقال المختار أين كنت هذه المدة أيها الامير وما هذا الرأس الذى معك. قال: كنت في عسكر عامر بن أبى ربيعة الملعون وهذا رأسه وقص عليه القصة من أولها الى آخرها، فتعجب المختار منه والعسكر وكيف نصر الله إبراهيم على عامر فقال المختار، يا ابراهيم وما فعل الازدي وما كان منه ؟ فقال الامير عهدي من الازدي لما إندفن في الرمال وما أدرى أي شئ صار عليه. قال فقال ابراهيم للمختار: ما قعودك أيها الامير ؟ قال فأمر المختار فجمع عسكره وركبوا على ظهور خيولهم أربع وعشرون ألف طالبين عسكر عامر ابن أبى ربيعة قال وساروا بقية يومهم وليلتهم حتى أشرفوا على عسكر عامر يموج في البرية عرضا وطولا لانهم فقدوا أميرهم وصار كل واحد يطلب الامارة لنفسه، فجرد المختار سيفه وإبراهيم وعسكر هم ونادوا يا لثارات الحسين عليه السلام وحملوا على القوم فما كان الا ساعة وقد تركوهم كل


[ 192 ]

يخوض بدمه فتفرق وإنهزم عسكر عامر الملعون وأخذ هم سيف المختار واغتموا أموالهم واستأسرور هم وما أطلق منهم أحدا فجمعوا رؤوس القتلى وإذا هي من كثرتها لا تحصى ولا تعد فحملوا بعضها على الرماح وبعضها على الجمال في العدول والجواليق والاموال والخيل وحملوا الجميع الى الكوفة وهم ينادون يا لثارات الحسين عليه السلام قال: فلما وصلوا جلسوا في قصر الامارة وأمر بإحضار من كان في الوقعة من الاسارى وكان فيهم جماعة ممن كان في طلبهم منهم شر حبيل والحصين وجماعة يطول شرحهم فأما الحصين فقال: لله الحمد الذى أمكننى منك ثم قرض لحمه بالمقراض إلى أن مات وأما شرحبيل فإنه كان قد ضرب الحسين عليه السلام على عارضه يوم كربلاء من خلفه، فقال له: الحمد لله الذى أمكننى منك فأمر به، فأحرق بالنار وأما حرملة فلما رآه المختار بكى وقال: يا ويلك أما كفاك ما فعلت حتى قتلت طفلا صغيرا وذبحته بسهمك يا عدو الله أما علمت إنه ولد النبي فامر به، فجعله مرمى، فرماه بالنشاب حتى مات لا رحمه الله ولم يزل يقتل كل واحد منهم بقتلة لا تشبه الاخرى حتى قتل جميع من كان منهم ثم ان المختار جمع الرؤوس وشيئا من مال الغنيمة ووجه به إلى محمد بن الحنفية وكتب له يخبره بما جرى ثم فرق


[ 193 ]

أصحابه وعماله في جميع البلاد وعدل وأنصف. قال أبو مخنف: إن المختار بلغه أن الشمر أخذ من النهب ناقة وفرق لحمها بالكوفة فعمد المختار الى كل دار دخلها من ذلك اللحم شئ فنقضها ولم يبق ممن شهد كربلاء إلا عمر بن سعد وأشعث بن قيس وأخوه محمد فجعل يطلبهم وكان عمر بن سعد قد اختفى بالكوفة فظفر به المختار وأحضره بين يديه وقال له: يا ابن سعد أنت قتلت رضيع الحسين عليه السلام قبحك الله من بين الاخوة لا ذمة النبي حفظت ولاحق الاخوة رعيت والله العظيم لئن لم تنشدني أبياتك النونية لأعذبنك بأشد العذاب فأنشد عمر بن سعد لعنه الله وهو يقول: فوالله ما أدرى وإنى لصادق * أفكر في أمرى على خطرين أأترك ملك الرى والرى منيتى * أم أصبح مأثوما بقتل حسين حسين ابن عمى والحوادث جمة * ولكن لى في الرى قرة عينى يقولون إن الله خالق جنة * ونار وتعذيب وغل يدين فإن صدقوا مما يقولون إننى * أتوب إلى الرحمن من سنتين وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة * وملك عقيم دائم الحجلين وإن آله العرش يغفر زلتى * ولو كنت فيها إظلم الثقلين ولكنها الدنيا بخير معجل * وما عاقل باع الوجود بدين فقال له المختار: يا ويلك هكذا يكون إعتقاد


[ 194 ]

المسلمين والله لو كنت مسلما على الحقيقة ما فعلت، ثم قال: أريد أن تخبرني عما أسألك عنه ؟ لما وقع الامام على الارض ما كان يقول ؟ فأخبره بما قال حين حدثك إلى أن بلغ إلى قوله ليسلطن عليكم غلاما يسفك دمائكم وأقام في الكوفة ما شاء الله تعالى وعمل أعمالا عظيمة ولم يخل أحدا ممن حضر قتل الحسين عليه السلام إلا قتله قال فلبس المختار نعله ووطأ به وجه ابن زياد الملعون ثم رمى النعل الى مولى له، فقال: خذ هذا النعل واغسله ثم وجه رأس ابن زياد ورؤوس خواصه ورؤوس بنى امية الى محمد بن الحنفية الى المدينة المنورة واتى على بن الحسين عليه السلام يؤمئذ بمكة فكتب المختار (ره). بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فإنى أنفذت شيعتك وأنصارك إلى أعدائك يطلبون بدم أخيك الشهيد المظلوم فخرجوا محتسبين أسيافهم على أعداء الله ورسوله فلقاهم نصر من الله وفتح قريب فقتلنا هم وفنينا هم عن آخر هم والحمد الله الذى أخذ لكم الثأر وأضرم في عدائكم النار وأشفى صدورنا وصدور كم وصدور قوم مؤمنين وقد وجهت اليك برأس عبيد الله بن زياد الملعون ورؤوس أقاربه وأصحابه وبنى أمية ومن


[ 195 ]

شايع وبايع على قتل سيدنا ومولانا الحسين عليه السلام لعل يبرد غيظك ذلك بين أمرك ونهيك والسلام قال فلما ورد على محمد بن الحنفية وقرأ خر ساجدا شاكرا لله وبنصره أوليائه وهلاك أعدائه قال: إن محمد بن الحنفية وجه برأس عبيد الله بن زياد الى ابن أخيه على بن الحسين عليه السلام قال فأدخل عليه وهو يتغدى فوضعوه بين يديه قال: الحمد لله رب العالمين أنا دخلت على هذا اللعين وأدخل رأس أبى إليه وهو يتغدى فقلت: لا تمتنى حتى أرى رأس ابن زياد الملعون وأنا أتغدى، والحمد الله الذى استجاب دعائي ثم أمر ان يرفعوه إلى الزبير فرفعوه إليه ورفعوه على قصبة فحركها الريح، قال: فسقطت منه حية من تحت لسانه، فأخذت من تحت لسانه فأخذت بأنفه ثم رفعوه على القصبة فحركتها فسقطت أيضا حية أخذت بأنفه وهكذا مرارا عديدة والناس ينظرون إليه ويلعنونه يتعجبون من ذلك ثم امر ابن الزبير أن يلقوه في بعض شعاب مكة. وروى عن منهال بن عمر قال: دخلت على على بن الحسين عليه السلام عند انصرافي من مكة فسلمت عليه فرد عليه السلام. فقال لى: يامنهال ما خبرك بحرملة بن كاهل الاسدي، فقلت له يا مولاى تركته حيا بالكوفة


[ 196 ]

فرفع مولاى على بن الحسين عليه السلام يديه الى السماء ثم قال: اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار، قال المنهال ثم دخلت الكوفة وقد ظهر المختار بن أبى عبيدة الثقفى فيها وقتل من قتل وكانت بينى وبينه صداقة فأقمت في منزلي أياما حتى إسترحت من سفري وانقطع الناس عن وركبت وخرجت في طلب المختار فلقيته خارجا في باب داره وسلمت عليه، فرد على السلام فقال لى: يا منهال ما أتيتنا ولا شاهدتنا ولا هنيتنا بما فتح الله على أيدينا ونصرنا على أعداء الله تعالى كنت بمكة وقد جئت الان بيته عليه السلام فقلت يا مولاى إنى كنت بمكة وقد جئت الان قال وسايرته قليلا حتى أتينا الكنائس قال فوقف كأنه ينتظر شيئا وكان قد أخبرني عن حرملة بن كاهل فبعث قوما يفتشون عنه فلم يكن ساعة إلا وجاء قوم يركضون ويقولون له أيها الامير البشارة قد آتيناك بحرملة بن كاهل الاسدي (لع) فلما أحضروه بين يديه وإذا هو مكتوف فلما نظر إليه المختار قال الحمد لله الذى مكنني منك يا عدو الله قال ثم قال ابن الجزار: فحضر الجزار فقال: إقطع يديه ورجليه، فقطعها وهو قضيبا من حديد وجعله في النار حتى إحمر ثم إبيض فوضعه على رقبته قصارت رقبته تجوش من النار وهو يستغيث حتى قطعت رقبته


[ 197 ]

(لع) فعند ذلك قال: المنهال سبجان الله. فقال المختار: يا منهال التسبيح حسن ولكن فيم سبحت ؟ فقال المنهال إعلم أيها الامير إنى دخلت في سفري هذا عند انصرافي من مكة على مولاى على بن الحسين عليه السلام فقال يا منهال ما فعل بحرملة بن كامل الاسدي (لع) فقلت: يا مولاى تركته حيا بالكوفة فرفع، يديه وقال اللهم أدقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار، فقال المختار: بالله عليك سمعته يقول هذا الكلام ؟ فقلت: والله سمعت ذلك منه قال فعند ذلك نزل المختار على دابته فصلى ركعتين شكرا وحمد الله طويلا وركب وسرنا راجعين فلما قربنا من دارى قلت له: أيها الامير أحب أن مولاى على بن الحسين عليه السلام دعا منهال أنت تعرف أن مولاى على بن الحسين عليه السلام دعا بثلاث دعوات إستجابها الله على يدى، ثم تأمرني أن آكل وأشرب فهذا يوم أصوم فيه شكرا لله على توفيقه وحسن صنائعه ثم مضى وتركني. والحمد الله رب العالمين هذا، ما إنتهى إلينا من أخذ الثأر على يد المختار بن أبى عبيدة الثقفى وإبراهيم بن مالك الاشتر رحمهم الله ورضوانه عليهما. قال أبو مخنف: وأما مصعب بن الزبير (لع) فنهض


[ 198 ]

وطلب الخلافة وسار حتى دخل البصرة واجتمع معه عسكر عظيم وسار يطلب الكوفة فأعلم المختار بذلك فسار إليه في عسكره ومصعب نازل بنهر الدير فنزل المختار قريبا فأرسل الى المختار (ره) وطلب أن يكون من قبله على الكوفة وسار كل واحد منهما يريد الآخر فالتقيا وجرت الحرب بينهما فنصر معصب ووصل الى الكوفة ودخل الى قصر الامارة فبقى فيه أربعين يوما حتى ذاق به وبأصحابه المختار، فقال لاصحابه أريد أن أخرج إلى هؤلاء فقد شنعني الحصال فأجابه أصحابه فخرج والتقى القوم وقائل قتالا شديدا وحمل عليهم وغاص في أوصالهم فطلبه أصحابه فلم يروه فظنوا أنه قد إنهزم وطلب أصحاب فلم يرهم فظن أنهم قد إنهزموا وبقى وحده فأسند ظهره إلى حائط القصر وقاتل حتى قتل قدس الله روحه ونور ضريحه، وأقام مصعب هنيئة عليه عبد الملك بن مروان فسار مصعب نحوه حتى إلتقيا بالرماحية من سواد دجيل فانتصر عليه ابن عبد الملك فقتله وأخذ رأسه وسار حتى وصل الكوفة وجلس في قصر الامارة، وأحضر رأس مصعب بين يديه في طشت فقال بعض مشايخ الكوفة لا إله إلا الله لقد رأيت عجبا ! فقال عبد الملك: ما الذى رأيت يا شيخ ؟ فقال رأيت رأس الحسين عليه السلام في طشت وقد أحضر بين يدى عبيد الله بن زياد في هذا


[ 199 ]

الوضع، ورأيت فيه أيضا رأس عبيد الله بن زياد بين يدى المختار (ره)، ورأيت فيه أيضا رأس المختار بين يدى مصعب ورأيت أيضا رأس مصعب بين يديك. فقال له عبد الله الملك: لا أراك اله الخامس ثم إستقر الملك في بنى امية الى أن ظهرت الدولة العباسية. وهذا ما إنتهى إلينا من الحديث بالتمام والكمال ونعوذ بالله من الزيادة والنقصان والحمد لله وحده وصلى الله عليه


[ 200 ]

ريارة عاشوراء بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك يابن رسول الله السلام عليك يابن أمير المؤمنين وابن سيد الوصين السلام عليك يابن فاطمة سيدة نساء العالمين السلام عليك يا ثأر الله وابن ثأره والوتر الموتور السلام عليك وعلى الارواح التى حلت بفنائك عليكم منى جميعا سلام الله أبدا ما بقيت وبقى الليل والنهار يا أبا عبد الله. لقد عظمت الرزية وجلت وعظمت المصيبة بك علينا وعلى جميع أهل الاسلام وجلت وعظمت مصيبتك في السماوات على جميع أهل السماوات فلعن الله امة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التى رتبكم الله فيها ولعن الله أمة قتلتكم ولعن الله


[ 201 ]

الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم برئت إلى الله وإليكم منهم ومن أشيا عهم وأتباعهم وأوليائهم. يا أبا عبد الله إنى سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة ولعن الله آل زياد وآل مروان ولعن الله بنى امية قاطبة ولعن الله ابن مرجانة ولعن الله عمر بن سعد ولعن الله شمرا ولعن الله امة أسرجت وألجمعت وتنقبت لقتالك بأبى أنت وأمى لقد عظم مصابي بك فأسأل الله الذى أكرم مقامك وأكرمي بك أن يرزقنى طلب ثأرك مع إمام منصور من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله. اللهم أجعلني عندك وجيها بالحسين عليه السلام في الدنيا والآخرة يا أبا عبد الله إنى أتقرب إلى الله وإلى رسوله وإلى أمير المؤمنين وإلى فاطمة وإلى الحسن وإليك بموالاتك وبالبراءة من أعدائك وممن قاتلك ونصب لك الحرب وبالبراءة ممن أسس أساس ذلك وبنى


[ 202 ]

عليه بنيانه وجرى في ظلمه وجوره عليكم وعلى أشياعكم برئت الى الله وإليكم منهم وأتقرب إلى الله ثم إليكم بموالاتكم وموالاة وليكم وبالبراءة من أعدائكم والناصبين لكم الحرب وبالبراءة من أشياعهم وأتباعهم. إنى سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم وولى لمن والالكم وعدو لمن عاداكم فأسأل الله الذى أكرمنى بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم ورزقني البراءة من أعدائكم أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة وأن يثبت لى عند كم قدم صدق في الدنيا والآخرة وأسأله أن يبلغني المقام المحمود لكم عند الله وأن يرزقنى طلب ثأركم مع امام هدى ظاهر ناطق بالحق منكم. وأسال الله بحقكم وبالشان الذى لكم عنده أن يعطينى بمصابي بكم أفضل ما يعطى مصابا بمصيبته مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيتها في الاسلام وفى جميع السماوات والارض.


[ 203 ]

أللهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات ورحمة ومغفرة اللهم اجعل محياى محيا محمد وآل محمد ومماتي ممات محمد وآل محمد أللهم إن هذا يوم تبركت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد اللعين ابن اللعين على لسانك ولسان نبيك صلى الله عليه وآله في كل موطن وموقف وقف فيه نبيك صلى الله عليه وآله. أللهم العن أبا سفيان ومعاوية ويزيد بن معاوية عليهم منك اللعنة أبد الآبدين وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين صلوات الله عليه أللهم فضاعف عليهم اللعن منك والعذاب الأليم أللهم إنى أتقرب إليك في هذا اليوم وفى موقفي هذا وأيام حياتي بالبراءة منهم واللعنة عليهم وبالموالاة لنبيك وآل نبيك عليه وعليهم السلام (ثم تقول مائة مرة): أللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك أللهم العن العصابة التى جاهدت


[ 204 ]

الحسين وشايعت وبايعت وتابعت على قتله أللهم العنهم جميعا (ثم تقول مائة مرة) السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التى حلت بفنائك عليك منى سلام الله أبدا ما بقيت وبقى الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد منى لزيارتكم السلام على الحسين وعلى على بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين (ثم تقول): أللهم خص أنت أول ظالم باللعن منى وأبدأ به أولا ثم العن الثاني والثالث والرابع أللهم العن يزيد خامسا والعن عبيد الله بن زياد وابن مرجانة وعمر بن سعد وشمرا وآل أبى سفيان وآل زيال وآل مروان إلى يوم القيامة (ثم تسجد وتقول) أللهم لك الحمد حمد الشاكرين لك على مصابهم الحمد لله على عظيم رزيتي أللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود وثبت لى قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام.


[ 205 ]

زيارة وارث بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله السلام عليك يارواث نوح نبى الله السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله السلام عليك يا وارث موسى كليم الله السلام عليك يا وارث عيسى روح الله السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين ولى الله السلام عليك يا وارث الزهراء السلام عليك يابن محمد المصطفى السلام عليك يابن على المرتضى السلام عليك يابن فاطمة الزهراء السلام عليك يابن خديجة الكبرى السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكوة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله حتى أتاك اليقين فلعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة


[ 206 ]

ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به يا مولاى يا أبا عبد الله أشهد أنك كنت نورا في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها وأشهد أنك من دعائم الدين وأركان المؤمنين وأشهد أنك الإمام البر التقى الرضى الزكي الهادى المهدى وأشهد أن الأئمة من ولدك كلمة التقوى وأعلام الهدى والعرورة الوثقى والحجة على أهل الدنيا وأشهد الله وملائكته وأنبيائه ورسله أنى بكم مؤمن وبإيابكم موقن بشرائع دينى وخواتيم عملي وقلبي لقلبكم سلم وأمري لأمركم متبع صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وعلى أجسادكم وعلى أجساكم وعلى شاهدكم وعلى غائبكم وعلى ظاهركم وعلى باطنكم. ثم قف عند رأس على بن الحسين عليه السلام وقل: السلام عليك يابن رسول الله السلام عليك يابن نبى أهل الدنيا وأشهد الله وملائكته وأنبيائه ورسله أنى بكم مؤمن وبإيابكم موقن بشرائع دينى وخواتيم عملي وقلبي لقلبكم سلم وأمري لأمركم متبع صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وعلى أجسادكم وعلى أجساكم وعلى شاهدكم وعلى غائبكم وعلى ظاهركم وعلى باطنكم. ثم قف عند رأس على بن الحسين عليه السلام وقل: السلام عليك يابن رسول الله السلام عليك يابن نبى الله السلام عليك يابن أمير المؤمنين السلم عليك يابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين السلام عليك يابن الحسين الشهيد السلام عليك أيها الشهيد وابن الشهيد السلام عليك أيها المظلوم وابن المظلوم لعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به. ثم توجه الله الشهداء وقل: السلام عليكم يا أولياء الله وأحبائه السلام عليكم يا أصفياه الله وأودائه السلام عليكم يا أنصار دين الله السلام عليكم يا أنصار رسول الله السلام عليكم يا أنصار أمير المؤمنين السلام عليكم يا أنصار فاطمة سيدة نساء العالمين السلام عليكم يا أنصار أبى محمد الحسين بن على الزكي الناصح الامين السلام عليكم يا أنصار أبى عبد الله بأبى أنتم وأمى طبتم وطابت الأرض التى فيها دفنتم وفزتم فوزا عظيما فياليتني كنت معكم فأفوز معكم

اترك تعليقاً