مـحـٮ الامـام ڡـاطـمـه|4. فبراير 2022|24. نوفمبر 2023
زاد المعاد
العلامة المجلسي
[ 4 ]
نام كتاب: زاد المعاد نويسنده: مجلسى، محمد باقر بن محمد تقى تاريخ وفات مؤلف: 1110 ق محقق / مصحح: اعلمى، علاءالدين موضوع: ادعيه و زيارات زبان: عربى تعداد جلد: 1 ناشر: موسسة الأعلمي للمطبوعات مكان چاپ: بيروت سال چاپ: 1423 ق نوبت چاپ: اول
[ 5 ]
ـ[كتاب زاد المعاد] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ترجمة المؤلف هو العلامة و البحر الفهامة صاحب التصانيف العظيمة المولى محمد باقر بن محمد تقي المعروف ب المجلسي رضوان اللّه عليه. ولد في أصفهان سنة 1027 و توفي فيه سنة 1110. ذكر في كتاب دار السلام: أنه لم يوفق أحد في الإسلام مثل ما وفق هذا الشيخ المعظم و البحر الخضم و الطود الأشم من ترويج المذهب بطرق عديدة أجلّها و أبقاها التصانيف الكثيرة التي شاع ذكرها في الأنام و انتفع بها الخواص و العوام و المبتدي و المنتهي ثم حكى عن الآغا أحمد حفيد المحقق البهبهاني في كتاب مرآة الأحوال أنه قال: كان شيخ الإسلام من قبل السلاطين في أصفهان و كان يباشر جميع المرافعات بنفسه و لا تفوته صلاة الأموات و الجماعات و الضيافات و العبادات و بلغ من كثرة ضيافته إن رجلا كان يكتب أسماء من أضافه فإذا فرغ من صلاة العشاء يعرض عليه اسمه و إنه ضيفه فيذهب و كان له شوق شديد إلى التدريس و خرج من مجلس درسه جماعة كثيرة من الفضلاء «اه». و عن تلميذه الفاضل الميرزا عبد اللّه الأصبهاني في كتابه رياض العلماء إنهم بلغوا ألف نفس قال و حج بيت اللّه الحرام و زار أئمة العراق مكررا و كان يباشر أمور معاشه و حوائج دنياه بغاية الضبط و مع ذلك بلغت مؤلفاته ما بلغت و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء، قال: و بلغ في الفصاحة و حسن التعبير الدرجة القصوى و لم يفته في تلك التراجم الكثيرة شيء من دقائق نكات الألفاظ العربية و بلغ من ترويجه الدين إن عبد العزيز الدهلوي صاحب التحفة الاثني عشرية في الرد على الإمامية صرّح بأنه لو
[ 6 ]
سمّي دين الشيعة بدين المجلسي لكان في محله لأن رونقه منه و لم يكن له عظم قبله[1] «انتهى» قال صاحب كتاب دار السلام بعد نقل هذا الكلام: و لا يخفى أن آية اللّه العلامة و إن كثرت تصانيفه بل ربما ترجح على تصانيف العلامة المجلسي من جهة أن أغلبها مطالب نظرية و مسائل فكرية تحتاج إلى زمان أزيد من زمان جمع المتشتتات و إن كان عندي فيه نظر يعرف ذلك من عثر على شروح المجلسي و بياناته و تحقيقاته حتى لا تكاد تجد آية و لا خبرا في الأصول و الفروع و غيرها إلا و له فيه بيان و توضيح سوى ما اختص بالتحقيق و التهذيب إلا أن كتب العلامة لم يشتهر منها إلا بعض كتبه الفقهية و بعض مقدماتها المختص انتفاعها بالعلماء و لقد حدثني شيخنا الشيخ عبد الحسين الطهراني عمن حدثه عن بحر العلوم إنه كان يتمنى أن تكون جميع تصانيفه في ديوان أعمال المجلسي و يكون واحد من كتبه الفارسية التي هي ترجمة متون الأخبار الشائعة كالقرآن المجيد في جميع الأقطار في ديوان عمله «انتهى». و قال العلامة الأمين في أعيان الشيعة: فضل المجلسي لا ينكر و تصانيفه الكثيرة التي انتفع بها الناس لا تقدر لكن لا يخفى إن مؤلفاته تحتاج إلى زيادة تهذيب و ترتيب و قد حوت الغث و السمين و بياناته و توضيحاته و تفسيره للأحاديث و غيرها كثير منه كان على وجه الإستعجال الموجب قلة الفائدة و الوقوع في الإشتباه و كلمات القوم في حق المجلسي مشوبة بنوع من العصبية مع ما للرجل من فضل لا ينكر و الإستشهاد بكلام الدهلوي الذي قاله في مقام تنقيص مذهب الشيعة و إنكار ما لعلمائهم السالفين من فضل غريب و المنصف يعلم إن الذين شيدوا مذهب الشيعة و وطدوا بنيانه و تعلمت منهم الشيعة طرق الإحتجاج و إقامة البراهين بعد عصر الأئمة
ـ[1] ليس هنا مكان الرد على الدهلوي و لكني أقول باختصار: إن دين الشيعة هو دين الإسلام دين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم دين أئمة أهل البيت عليهم السّلام و المجلسي هو أحد أعلام هذا الدين العظيم الذي كان عظيما قبل المجلسي و سيبقى عظيما إلا أن يقوم قائم آل محمد (عج) فيملء الأرض عدلا و قسطا بعد ما ملئت ظلما و جورا
[ 7 ]
الطاهرين عليهم السّلام من العلماء ثلاثة: المفيد و المرتضى و العلامة الحلي مع ما للجم الغفير من علماء الشيعة في كل عصر و زمان من الأيادي البيضاء في نصرة الحق و تشييد مذهب أهل البيت عليهم السّلام. و في إجازة السيد عبد اللّه بن نور الدين بن نعمة اللّه الجزائري: سمعت والدي عن جدي رحمة اللّه عليهما إنه لما تأهب المولى محمد باقر المجلسي لتأليف كتاب بحار الأنوار و كان يفحص عن الكتب القديمة و يسعى في تحصيلها بلغه أن كتاب مدينة العلم للصدوق يوجد في بلاد اليمن فأنهى ذلك إلى سلطان العصر فوجه السلطان أميرا من أركان الدولة سفيرا إلى ملك اليمن بهدايا و تحف كثيرة لتحصيل ذلك الكتاب و إنه كان قد أوقف السلطان بعض أملاكه الخاصة على كتاب البحار لتنسخ منه نسخ و توقف على الطلبة و من هنا قيل العلماء أبناء الملوك ثم استشهد بقول القائل: أتى الزمان بنوه في شبيبته فسرهم و أتيناه على هرم ثم قال: فهم على كل حال ادركوا هرما و نحن جئناه بعد الموت و العدم مؤلفاته: أشهرها و أكبرها (بحار الأنوار) 25 مجلدا كبار[1] كل مجلد منها يبلغ عشرات المجلدات الصغار و المتوسط و هو على ما فيه دائرة معارف شيعية لا مثيل لها أثبت فيه جلّ آثار الشيعة و أخبارهم و علومهم و قد طبع غير مرة في بلاد إيران و كتاب (مرآة العقول) في شرح أخبار آل الرسول شرح على الكافي. و له حلية المتقين و حق اليقين و حياة القلوب و تحفة الزائر و مفاتيح الغيب و غيرها كثير من الكتب و الرسائل و الأدعية و أهمها كتابه زاد المعاد الذي بين يديك. و يقال أن تصانيفه تبلغ ألف ألف و أربعمائة ألف و ألفان و سبعمائة بيتا و البيت
ـ[1] كان هذا على الطبعة الحجرية أما الآن فقد طبع عدة طبعات منها 110 مجلدا و منها 44 مجلدا في بيروت
[ 8 ]
في اصطلاح الكتاب عبارة عن خمسين حرفا و إذا وزعت على عمره لحق كل يوم ثلاثة و خمسون بيتا و كسر. و لا يخفى إنه كان له كتّاب يدلهم على مواضع ما يريد نقله فينقلونه فيكون له الإختيار و الترتيب و عليهم النقل غالبا و مما أعانه على تأليف البحار إنه كان جمّاعا للكتب مولعا باقتنائها حتى إنه حكى إن كتاب مدينة العلم للصدوق و لم تكن له نسخة على عهده فبلغه أن نسخته توجد في اليمن فحمل الشاه على أنفاذ رسول لأحضاره مهما كلفه الأمر ففعل و أحضرها، كما مر[1]. رحم اللّه العلامة المجلسي و رحم اللّه جميع علمائنا الأعلام الذين أخذوا علومهم من علوم أهل بيت محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على أفضل الخلق و أشرف المرسلين سيدنا و نبينا محمد صلّى اللّه عليه و على آله الطيبين الطاهرين. بيروت في 18/ 7/ 2002 م الموافق 7 جمادى الأولى 1423 ه علاء الدين الأعلمي
ـ[1] اقتبسنا أكثر الترجمة من كتاب أعيان الشيعة للعلامة السيد محسن الأمين (قدس سره)ـ
[ 9 ]
ـ[مقدمة المؤلف] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و به نستعين الحمد للّه الذي جعل العبادة وسيلة لنيل السعادة في الآخرة و الأولى و الصلاة على سيد الورى محمد و عترته أئمة الهدى. أما بعد، فإن العبد الخاطىء محمد باقر بن محمد تقي عفى اللّه عن جرائمهما يكتب على ألواح الأرواح الصافية للإخوة الإيمانيين و الأخلّاء الروحانيين: حيث إن اللّه– تعالى شأنه– شرّع طريق الصلاة و الصوم و الدعاء و العبادات– و هي أشرف الطاعات و أقرب الطرق لنيل السعادات– من أجل هداية الحائرين في وادي الجهالة و الضلالة؛ و نقل عن الرسول الكريم و أئمة الهدى صلوات اللّه عليهم أجمعين أدعية و أعمال كثيرة مشحونة بها كتب الأدعية، و قد ذكرت أنا– خادم الأحبار الأئمة الأطهار عليهم صلوات اللّه الملك الغفار– أكثرها في كتاب «بحار الأنوار»، و لما كان تحصيلها و العمل بها ليس ميسّرا لأغلب الناس بسبب انشغالهم بأنواع المشاغل الدنيوية و غيرها، أحببت أن أورد في هذه الرسالة منتخبا من أعمال السنة و كذا فضائل الأيام و الليالي الشريفة و أعمالها المنقولة بأسانيد صحيحة و معتبرة بحيث لا يحرم من بركاتها عامة الناس، و عسى أن يذكروني أنا العبد العاصي بالدعاء و طلب المغفرة. و سميت ذلك ب «زاد المعاد» عسى اللّه أن يهدينا و إياهم إلى سبيل الرشاد. و حيث إن هذه الرسالة و بدء و انتهاء هذه العجالة كان في زمان دولة العدالة و أوان سلطة السعادة دولة سيد سلاطين الزمان و رأس خواقين العصر، مثبت أوراق الملة و الدين، نقاوة أحفاد سيد المرسلين، بهجة الرياض المصطفوية، و قرة عين الأسرة المرتضوية، السلطان ذي الخدم الجم، و الخاقان ملائكي الحشم، سليل الشجاعة الذي لم يضطرب سيفه البتار في حزّ رؤوس الكفار و سوقهم إلى دار البوار، و كان حسامه الذي يرسل حمما على رؤوس المخالفين و المعاندين مصداقا
[ 10 ]
للآية الشريفة: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ[1]، و من يحاكي دعاة مزيد رفعته في أعتابه الرفيعة البنيان بالكف الخضيب للشركاء و صراخ المتصوفة الصفوة بترنيمة دعاء الخلود لدولة الأبد، عنادل أغصان سدرة المنتهى، و من لو جرد أحد سيف الحقد مرة غمده في وجهه ارتعش كالصفصاف، و من لو أتاه أحد بأربع مرايا النفاق، لرأى فيها المنافق صورة موته، و من جبين غضبه و قهره فاتح لعقد المغاليق، و كرمه وجوده البحر، و نواله سحائب مزارع أمل الذابلين، مؤسس قواعد الملة و الدين، مروّج شريعة آبائه الطاهرين، حياض ساحة مأوى الخلائق، و ملجأه من تقبيل شفاه سلاطين الزمان مليء، و من ما زال خواقين العصر يرددون في الصرح الممرد لعزته و جلاله بنداء: أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ[2]؛ أعني السلطان الأعظم و الخاقان الأعدل الأكرم ملجأ الأكاسرة و ملاذ القياصرة محيي مراسم الشريعة الغراء و مشيد قواعد الملة البيضاء السلطان بن السلطان و الخاقان بن الخاقان الشاه سلطان حسين الموسوي الحسيني الصفوي بهادر خان، لا زالت رايات دولته مرفوعة و هامات أعدائه مقموعة، طمعت في أن تقع هذه التحفة مورد قبول ذلك الطبع الأشرف، و أن ينتفع به ذلك العالي الشأن، بمحمد و آله الطاهرين، و اللّه الموفق و المعين. و هو مشتمل على أربعة عشر بابا و خاتمة:
ـ[1] سورة الرحمن، الآية: 35. [2] سورة يوسف، الآية: 88
ـ[1] بحار الأنوار: ج 94 ص 41 ح 27. [2] بحار الأنوار: ج 94 ص 42 ح 28. [3] بحار الأنوار: ج 94 ص 31
[ 15 ]
وَ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي خُصُوصِ شَهْرِ رَجَبٍ التَّصَدُّقُ بِقُرْصٍ مِنَ الْخُبْزِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِراً عَلَى الصَّوْمِ، وَ حَمَلُوا ذَلِكَ عَلَى الْمِسْكِينِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ قَادِراً عَلَى التَّصَدُّقِ بِمُدٍّ أَوْ دِرْهَمٍ[1]. وَ أَيْضاً وَرَدَ فِي خُصُوصِ صَوْمِ شَهْرِ رَجَبٍ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الصَّوْمَ أَجْزَأَهُ أَنْ يَقُولَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ: «سُبْحَانَ الْإِلَهِ الْجَلِيلِ سُبْحَانَ مَنْ لَا يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلَّا لَهُ، سُبْحَانَ الْأَعَزِّ الْأَكْرَمِ سُبْحَانَ مَنْ لَبِسَ الْعِزَّ وَ هُوَ لَهُ أَهْلٌ»[2]. و في روايات معتبرة أخرى أنه من نوى صوم المستحب، و حلّ ضيفا عند أخيه المؤمن فأحضر له الطعام و طلب منه الإفطار فثواب إفطاره أكثر من ثواب صيامه المستحب سبعين مرة، هذا إذا ظهر أنه صائم و إن لم يظهر أنه كان صائما فثوابه أكثر ربما يعادل صيام سنة. و يظهر من الأحاديث أنه لا يحسن صوم المرأة من دون إذن زوجها، و كذا العبد ما لم يأذن له سيده، و الولد دون رخصة أبيه، و لا الضيف إلا مع إذن مضيفه و كذا المضيف بلا إذن الضيف، و المشهور بين العلماء أن صوم المملوك المستحب بلا إذن مالكه باطل، و كذا لا يصحّ صوم المرأة (المستحب) بلا إذن زوجها، أما الولد فإذا كان صومه سنّة فيكره بدون إذن والديه و لكنه ليس باطلا، و قال بعض بالبطلان، و الأحوط أن لا يصوم الولد (صياما مستحبا) بدون إذن والديه، و في صوم الضيف استحبابا من دون إذن مضيفه خلاف أيضا، و الأحوط أن لا يصوم المضيف و الضيف كل منهما من دون إذن الآخر صياما مستحبا و إن كان الأظهر أنه مكروه. الفصل الثالث في بيان أعمال كل يوم و ليلة من رجب نُقِلَ بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ أَنَّ الْإِمَامَ زَيْنَ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ، هَذَا الدُّعَاءَ، وَ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ قِرَاءَتَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَجَبٍ سُنَّةٌ، وَ هُوَ
ـ[1] بحار الأنوار: ج 94 ص 42 ح 29. [2] بحار الأنوار: ج 94 ص 31 ح 1
وَ فَاقَتِي إِلَيْكَ وَ ارْحَمِ انْفِرَادِي وَ خُضُوعِي وَ خُشُوعِي وَ اجْتِهَادِي بَيْنَ يَدَيْكَ وَ تَوَكُّلِي عَلَيْكَ اللَّهُمَّ بِكَ أَسْتَفْتِحُ وَ بِكَ أَسْتَنْجِحُ وَ بِمُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَ رَسُولِكَ وَ آلِهِ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ اللَّهُمَّ سَهِّلْ لِي كُلَّ حُزُونَةٍ وَ ذَلِّلْ لِي كُلَّ صُعُوبَةٍ وَ أَعْطِنِي مِنَ الْخَيْرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَرْجُو وَ عَافِنِي مِنَ الشَّرِّ وَ اصْرِفْ عَنِّي السُّوءَ وَ فِي رِوَايَةٍ يَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ وَ هُوَ سَاجِدٌ: يَا قَاضِيَ حَوَائِجِ الطَّالِبِينَ اقْضِ حَاجَتِي بِلُطْفِكَ يَا خَفِيَّ الْأَلْطَافِ. وَ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ مُعْتَبَرَةٍ أَنَّ أُمَّ دَاوُدَ قَالَتْ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا سَيِّدِي وَ مَوْلَايَ هَلْ يُمْكِنُ قِرَاءَةُ هَذَا الدُّعَاءِ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَجَبٍ؟ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: نَعَمْ يُمْكِنُ قِرَاءَتُهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَ إِذَا اتَّفَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَا يَفْرُغُ مِنْهُ حَتَّى يَغْفِرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ. وَ إِذَا كَانَتِ الْأَيَّامُ الْبِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ صَامَهَا وَ قَرَأَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ هَذَا الدُّعَاءَ بِالنَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْتُ فَإِنَّ حَاجَتَهُ تُقْضَى. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْإِمَامَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: مَنْ قَرَأَ هَذَا الدُّعَاءَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ أَيِّ يَوْمٍ، قُضِيَتْ حَاجَتُهُ أَيْضاً. يقول المؤلف: يظهر من هذه الأحاديث أنه كل من صام الأيام البيض من أي شهر و أدّى هذه الأعمال في اليوم الثالث منها أي اليوم الخامس عشر من أيام الشهر نال مطلوبه. و لا يبعد أنه لو أتى بهذا العمل في يوم عرفة و الجمعة و سائر الأيام المباركة فالصوم فيه حسن. و إذا قرأ هذا الدعاء في غير الأشهر الحرم– و هي ذو القعدة و ذو الحجة و محرم و رجب– قال: «بحرمة الشهر الحرام» و لا يقول «بحرمة هذا الشهر»، فذلك أفضل. الفصل الخامس في بيان فضائل و أعمال النصف الثاني من رجب قال الشيخ الطوسي و آخرون: إنه في اليوم الثامن عشر من هذا الشهر توفي إبراهيم ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فحقّ الحزن في قبال أولئك الذين شمتوا في هذه المصيبة، و خاصة زيارته– احتياطا– على النحو الذي سوف نذكره
[ 34 ]
وَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ السَّيِّدَةَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ عَلَيْهَا السَّلَامُ انْتَقَلَتْ إِلَى عَالَمِ الْقُدْسِ فِي الْوَاحِدِ وَ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ، و يستحب البكاء و التعزية على تلك المظلومة فلذة كبد النبي الأقدس محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و تستحب زيارتها على الأحوط بالنحو الذي سوف يذكر فيما بعد إن شاء اللّه تعالى. و قال الشيخ المفيد (ره): إن معاوية انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء في الثاني و العشرين من هذا الشهر و يستحب صيام هذا اليوم شكرا للّه على هذه النعمة. و في الثالث و العشرين من هذا الشهر و يستحب صيام هذا اليوم شكرا للّه على هذه النعمة. و في الثالث و العشرين من هذا الشهر طعن الخوارج الإمام المجتبى بخنجر غدرهم المسموم، و يناسب ذلك زيارة الإمام المجتبى في هذا اليوم. و في اليوم الرابع و العشرين من هذا الشهر تمّ فتح خيبر على اليد الإعجازية للإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام و قتل مرحب اليهودي على يديه المباركتين، و قيل إنه يسوغ صيام هذا اليوم شكرا للّه على هذه النعمة. و ذكر الشيخ (ره) أن استشهاد الإمام الكاظم عليه السّلام كانت في الخامس و العشرين من هذا الشهر. أما الأحاديث في فضيلة هذا اليوم و ثواب صيامه فكثيرة. وَ هُنَاكَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ بَابَوَيْهِ وَ غَيْرِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بُعِثَ فِي الْخَامِسِ وَ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ، و هذا مخالف للمشهور و الأحاديث الكثيرة التي ستذكر بعد ذلك. أما فضيلة صيامه فلا شك فيها كَمَا وَرَدَ عَنِ الْإِمَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنَّ صِيَامَهُ كَفَّارَةٌ عَنْ ذُنُوبِ مِائَتَيْ سَنَةٍ. وَ بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ عَنِ الْإِمَامِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ رُوِيَ أَنَّهُ مَنْ صَامَ يَوْمَ الْخَامِسِ وَ الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ كَفَّارَةَ ذُنُوبِ سَبْعِينَ سَنَةً. وَ أَيْضاً: رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ مَنْ صَامَ السَّادِسَ وَ الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ كَفَّارَةَ ذُنُوبِ ثَمَانِينَ سَنَةً[1]. أما اليوم السابع و العشرون فهو من الأعياد العظيمة و يوم بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم للرسالة و هبط عليه جبرئيل. و ليلته كذلك مباركة. وَ رُوِيَ بِأَسَانِيدَ مُعْتَبَرَةٍ عَنِ الْإِمَامِ الْجَوَادِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ فِي رَجَبٍ لَيْلَةً هِيَ خَيْرٌ لِلنَّاسِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَ هِيَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَ الْعِشْرِينَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ مِنْهُ نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ
اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ وَ الْعِشْرُونَ: ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ مِنْهَا بَعْدَ الْحَمْدِ: سُورَةَ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ عَشْراً وَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ عِشْرِينَ مَرَّةً. اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ وَ الْعِشْرُونَ: رَكْعَتَانِ يَقْرَأُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ الْحَمْدِ سُورَةَ الضُّحَى خَمْسَ مَرَّاتٍ. اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ وَ الْعِشْرُونَ: أَرْبَعُونَ رَكْعَةً يَقْرَأُ فِي كُلٍّ مِنْهَا بَعْدَ الْحَمْدِ آيَةَ آمَنَ الرَّسُولُ وَ سُورَةَ التَّوْحِيدِ مَرَّةً. اللَّيْلَةُ الْخَامِسَةُ وَ الْعِشْرُونَ: عِشْرُونَ رَكْعَةً بَيْنَ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَ الْعِشَاءِ فِي كُلٍّ مِنْهَا بَعْدَ الْحَمْدِ آيَةَ آمَنَ الرَّسُولُ وَ سُورَةَ التَّوْحِيدِ. اللَّيْلَةُ السَّادِسَةُ وَ الْعِشْرُونَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَ الْحَمْدِ أَرْبَعُونَ مَرَّةً سُورَةَ التَّوْحِيدِ. اللَّيْلَةُ السَّابِعَةُ وَ الْعِشْرُونَ وَ الثَّامِنَةُ وَ الْعِشْرُونَ وَ التَّاسِعَةُ وَ الْعِشْرُونَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً يَقْرَأُ فِي كُلٍّ مِنْهَا بَعْدَ الْحَمْدِ: سُورَةَ الْأَعْلَى عَشْرَ مَرَّاتٍ وَ سُورَةَ الْقَدْرِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَوَاتِ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدِ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَ اسْتَغْفَرَ مِائَةَ مَرَّةٍ. اللَّيْلَةُ الثَّلَاثُونَ: عَشْرُ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلٍّ مِنْهَا بَعْدَ الْحَمْدِ: سُورَةَ التَّوْحِيدِ عَشْرَ مَرَّاتٍ. و ذكر لكل من هذه الصلوات ثواب كثير لم نذكره بناء على عدم الاعتماد على السند، و كل النوافل المذكورة كل ركعتين تؤدى بسلام واحد، و بعضها الطويل منها و التي تقع بين صلاتي المغرب و العشاء و يجب أن تقع بعد دخول وقت العشاء لا يخلو أداؤها من إشكال، و لهذا لم نورد في هذه الرسالة صلاة ليلة الرغائب المشهورة مع أنها منقولة عن طرق العامة
[ 43 ]
الباب الثاني في بيان فضائل و أعمال شهر شعبان المبارك و أيامه و لياليه و هو في خمسة فصول: الفصل الأول في بيان فضيلة هذا الشهر و ثواب صيامه. اعلم أن فضل شهر شعبان أكثر من فضل شهر رجب و أنه منسوب إلى سيد الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله و سلم كَمَا رُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا شَاهَدَ شَهْرَ شَعْبَانَ: يَأْمُرُ الْمُنَادِيَ أَنْ يُنَادِيَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلَيْكُمْ فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ شَعْبَانَ شَهْرِي، رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مُنْذُ أَنْ سَمِعْتُ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَمْ أَتْرُكْ صَوْمَ شَعْبَانَ وَ لَنْ أَتْرُكَهُ مَا دُمْتُ حَيّاً، وَ قَالَ: إِنَّ صَوْمَ شَعْبَانَ وَ رَمَضَانَ تَوْبَةٌ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ مِنَ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ. وَ أَيْضاً عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَمْ يَصِلْ شَهْراً بِتَمَامِهِ إِلَّا شَعْبَانَ حَيْثُ كَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ. وَ يُرْوَى أَيْضاً أَنَّهُ سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: شَعْبَانُ تَعْظِيماً لِشَهْرِ رَمَضَانَ. وَ يُرْوَى عَنِ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يَصُومُ شَهْرَ شَعْبَانَ وَ يُوصِلُهُ بِشَهْرِ رَمَضَانَ وَ يَقُولُ: كِلَاهُمَا شَهْرُ اللَّهِ وَ صِيَامُهُمَا كَفَّارَةُ الذُّنُوبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَ الْمُتَأَخِّرَةِ. وَ أَيْضاً عَنِ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ مَنْ صَامَ شَهْرَ شَعْبَانَ أُقِيلَ مِنْ عَثْرَةِ الْأَيْمَانِ فِي الْمَعَاصِي وَ الْأَيْمَانِ فِي الْغَضَبِ. وَ نُقِلَ عَنِ الرَّسُولِ الْأَكْرَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّ شَهْرَ شَعْبَانَ شَهْرٌ شَرِيفٌ وَ هُوَ شَهْرِي
الْبَشَرِ، اللَّهُمَّ وَ هَبْ لَنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ خَيْرَ مَوْهِبَةٍ وَ أَنْجِحْ لَنَا فِيهِ كُلَّ طَلِبَةٍ، كَمَا وَهَبْتَ الْحُسَيْنَ لِمُحَمَّدٍ جَدِّهِ وَ عَاذَ فُطْرُسُ بِمَهْدِهِ، فَنَحْنُ عَائِذُونَ بِقَبْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ نَشْهَدُ تُرْبَتَهُ وَ نَنْتَظِرُ أَوْبَتَهُ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. و يستحب زيارته عليه السّلام في هذا اليوم و غسل الزيارة أيضا و سوف تذكر كيفية زيارته عليه السّلام فيما بعد إن شاء اللّه تعالى. وَ رَوَى الشَّيْخُ الطُّوسِيُّ (ره) أَنَّ الْإِمَامَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وُلِدَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فالأفضل احتياطا تعظيم كلا اليومين و الإتيان بالأعمال فيهما و خاصة الزيارة الشريفة. وَ أَيْضاً رَوَى بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْإِمَامَ علي [عَلِيّاً] عَلَيْهِ السَّلَامُ وُلِدَ فِي السَّابِعِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ و إن كان خلاف المشهور كما ذكر في شهر رجب، و لكن لو يؤتى بزيارته عليه السّلام و سائر الأعمال المارة في هذا اليوم أيضا وفقا لهذه الرواية فهو مناسب. الفصل الرابع في بيان أعمال الأيام البيض من شهر شعبان أعني الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر كما ورد في أعمال رجب فمن المسنون في ليلة الثالث عشر من الشهر صلاة ركعتين، و في ليلة الرابع عشر أربع ركعات، و في ليلة الخامس عشر ست ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الحمد: سورة يس و تبارك الذي بيده الملك و قل هو اللّه أحد، و يمكن في الصلوات المسنونة قراءة السور من على المصحف الشريف إن لم يكن يحفظها عن ظهر قلب. و صيام هذه الأيام الثلاثة سنة أيضا. أما فضائل و أعمال ليلة الخامس عشر فأكثر من أن يمكن إحصاؤها في هذه الرسالة و نكتفي فيها بما هو أصح. فَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: إِذَا صَارَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَاقْضُوا لَيْلَتَهُ بِالْعِبَادَةِ وَ يَوْمَهُ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ مُنَادِيَ اللَّهِ
ـ[1] إقبال الأعمال: ص 246. [2] لم نعثر على هذه الخطبة في مصادرنا، و وجدنا خطبة للرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذكرها أمير المؤمنين عليه السّلام و هي الّتي تبدأ ب: أيّها النّاس إنّه قد أقبل إليكم … إلخ و لذلك قمنا بترجمة الخطبة محاولين قدر الإمكان التّعبير عن معانيها و مستعينين بالأحاديث المشهورة في هذا المعنى. [المترجم]ـ
ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: سَمِعْتُ سَيِّدَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ: فِي أَفْضَلِ الشُّهُورِ يُقْتَلُ أَفْضَلُ أَوْصِيَاءِ الْأَنْبِيَاءِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ شَهْرٍ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَ أَيُّ وَصِيٍّ أَفْضَلُ الْأَوْصِيَاءِ؛ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: أَفْضَلُ الشُّهُورِ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَ أَفْضَلُ الْأَوْصِيَاءِ أَنْتَ يَا عَلِيُّ. وَ كَأَنِّي بِكَ وَ قَدِ انْبَعَثَ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ شَقِيقُ عَاقِرِ نَاقَةِ ثَمُودَ فَيَضْرِبُكَ ضَرْبَةً عَلَى قَرْنِكَ تُخْضَبُ مِنْهَا لِحْيَتُكَ!. فَقُلْتُ: وَ هَذَا كَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى وَ اللَّهِ. فَقُلْتُ: وَ ذَلِكَ فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِي؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِكَ، فَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ سِمَاعِهِمْ ذَلِكَ، وَ نَزَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْمِنْبَرِ. وَ أَيْضاً بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ فَصَامَهُ وَ أَحْيَا شَطْراً مِنَ اللَّيْلِ فِيهِ بِالْعِبَادَةِ وَ أَدَّى الصَّلَوَاتِ فِيهِ فِي أَوْقَاتِهَا وَ بَادَرَ إِلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي جُمَعِهِ وَ حَضَرَ صَبِيحَةَ الْعِيدِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ، نَالَ ثَوَابَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ كَانَ مِنَ الْفَائِزِينَ بِالْعَطَايَا وَ الْمَوَاهِبِ الْإِلَهِيَّةِ الْكُبْرَى، وَ لَيْسَتْ عَطَايَا اللَّهِ كَعَطَايَا الْعِبَادِ. الفصل الثاني في بيان حقيقة الصوم و ما هو معتبر فيه اعلم أن الصوم إمساك النفس عن المفطرات من طلوع الصبح حتى زوال الحمرة المشرقية بناء على المشهور، أو اختفاء قرص الشمس أي زوال شعاعها من الجبال و العمارات المرتفعة. و القول الأول أحوط؛ بنية القربة. فينبغي أن يعلم ما هي المفطرات ليمكنه النية. و حيث إن بين العلماء اختلافا كثيرا فيها، فإذا نوى تركها جميعها قربة إلى اللّه تعالى فالظاهر أنه يجزي، لكن الأفضل أن ينوي ترك ما هو متيقن من وجوب تركه وجوبا، و ترك ما هو مختلف فيه بنية الاحتياط، و ترك ما هو متيقن كراهة على نحو الاستحباب. و لو ضم نية ترك جميع المحرمات كان أفضل. أما الأمور التي يجب تركها فهي: الأول و الثاني: الأكل و الشرب. و لا خلاف في أكل و شرب ما هو متعارف و معتاد إذا تناوله بعنوان المعتاد، أما غير المعتاد كقطرة الأنف و الأذن التي تدخل
[ 74 ]
الحلق فمحمل اختلاف. و كذا الحال بالنسبة إلى ما ليس متعارف الأكل و الشرب كالحجر و الخشب و التراب و النباتات و عصير النباتات غير المعتادة، و الأظهر أنها إذا كانت بعنوان المعتاد فاجتنابها واجب، و الأحوط أنه لو خالف، أتى بالقضاء و الكفارة. الثالث: الجماع في قبل المرأة أنزل أم لم ينزل، و فعل ذلك يوجب القضاء و الكفارة بلا خلاف. أما الجماع في دبر المرأة فإذا تم الإنزال بطل الصوم و وجب الكفارة مع القضاء، و المشهور أن الجماع في دبر المرأة مبطل للصوم أيضا و موجب للقضاء و الكفارة، و بعض لا يراه مبطلا، و الأول أقوى. الرابع: البقاء على الجنابة حتى الفجر. و الأشهر و الأقوى أنه مبطل و موجب للقضاء و الكفارة معا، و بعض لم يره مبطلا، و بعض قال بوجوب القضاء فقط، و الأحوط للمرأة الحائض إذا طهرت أن تغتسل قبل الفجر، فإن لم تفعل فالأحوط أن تغتسل بعد فجر ذلك اليوم و تصومه، و تقضيه أيضا. و إذا كان على الجنب أغسال متعددة فالأحوط أن يتيمم و لا يكسر تيممه حتى الفجر. و النوم الأول بعد الجنابة إذا نوى الغسل و احتمل اليقظة جائز، و المشهور أنه لو لم يستيقظ حتى الفجر لا يجب عليه القضاء، و أوجبه بعضهم، و هو أحوط. و المشهور أنه لو نام حتى الفجر و لم يكن قد نوى الغسل وجبت عليه الكفارة مع القضاء، و هذا هو الأحوط و إن كان في دليله كلام. و المشهور في النوم الثاني وجوب القضاء، و هذا قول قوي بل لا خلاف يظهر فيه، و يرى جمع من الأصحاب في النوم الثالث للجنب إذا بلغ الفجر القضاء و الكفارة معا، و الأقوى عدم وجوب الكفارة، و يرى بعض المتأخرين أن للنوم بعد التيقظ للمحتلم حكم النوم الثاني، كما اختاره المرحوم الوالد، و هذا هو الأحوط، بل لا يخلو من قوة. و اعلم أن في صيام غير شهر رمضان المبارك خلافا في أنه هل يجب الإصباح ظاهرا أم لا، و الحق أن في قضاء شهر رمضان يجب الإصباح على غير الجنابة، و في غير القضاء الأحوط أنه لو لم يصبح ظاهرا و لم يكن الواجب معيّنا أن لا يصوم ذلك اليوم، و إذا كان معينا يصومه ثم يقضيه أيضا. أما إذا كان قد تعمد فلا يبعد عدم الكفارة، فإذا أعطى فهو أحوط. و في الصيام المسنون إذا بقي على
[ 75 ]
الجنابة عمدا حتى أصبح و اغتسل قبل الزوال و نوى الصوم فبظني أن صومه صحيح. أما في الواجب المعيّن إذا ترك النية عمدا و نوى قبل الزوال فالمشهور القضاء و لا تجب الكفارة. و لو ترك النية نسيانا يمكنه أن ينوي حتى الزوال. و في الواجب غير المعيّن يمكن النية حتى الزوال و إن كان قضاء شهر رمضان. أما في الصوم المسنون فلا خلاف أنه لو لم ينو في الليل و لم يأت بمفطر يمكنه النية حتى الزوال، و في النية بعد الزوال خلاف، و قال بعض إنه يمكن النية حتى قرب الليل، و يقول جمع من المحققين بذلك، و عندي أنه الأقوى، و قال بعض: إنه لا يمكن النية بعد الزوال، و قال بعض: إذا نوى قبل الزوال، نال ثواب صيام اليوم كله، أما إذا نوى بعد الزوال فإنه ينال ثواب صيام ما بعد النية حتى الإفطار. الخامس: إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق. و قال بعض بأنه يوجب الكفارة، و بعض بالقضاء فقط، و بظني أنه ليس مبطلا، و الأحوط رعاية المشهور. و ألحق بعض المتأخرين بالغبار الغليظ الدخان الغليظ و البخار الغليظ الذي ينفصل من تلك الأجزاء كدخان التنور و بخار القدر، و الأظهر عدم البطلان، و الأحوط الاجتناب حتى من دخان التبغ. السادس: الاستمناء أي طلب نزول المني و مع حصوله، يوجب القضاء و الكفارة، و المشهور أنه إذا لامس و لاعب فنزل بطل الصوم و وجب القضاء و الكفارة، و تأمل بعض في ذلك، خاصة إذا كان مع حليلته و لم يكن من عادته الإنزال– عند الملاعبة– و الأحوط بل الأقوى وجوب القضاء و الكفارة مطلقا. و في النظر المثير للشهوة إلى الحرام أو الحلال، أو سماع الصوت أو التخيل إذا أدى إلى نزول المني و لم يكن من قصده الإنزال، و لم يكن من عادته، خلاف، و الأظهر عدم وجوب القضاء و الكفارة. السابع: التقيؤ عمدا، و يرى الأكثر وجوب القضاء فقط، و قال بعض بوجوب القضاء و الكفارة معا، فيما يرى بعض أنه لا كفارة و لا قضاء أيضا. و المسألة محل
[ 76 ]
إشكال. و لا يخلو وجوب القضاء من قوة. و المشهور أنه إذا كان التقيؤ بلا اختيار من المكلف فلا قضاء عليه، و قال بعض بالقضاء. و هذا القول ضعيف. الثامن: الحقنة و يقول بعض بوجوب القضاء و الكفارة، فيما يرى بعض وجوب القضاء فقط، و قال بعض إنه حرام و لكنه لا يوجب أيا من القضاء و الكفارة. و قال بعض بالقضاء إذا كانت الحقنة بالمائع، أما الحقنة بالجمد فعدّوه مكروها[1]، و قال بعض إنه مكروه مطلقا. و هذا القول أقوى، و الأحوط أن لا يعمل الحقنة بالمائع بلا ضرورة، و إذا عمل قضى. و الأشهر و الأقوى أنّ سكب القطرة في الأنف و الأذن لا يوجب فساد الصوم. و السعوط في الأنف إذا لم يتعدّ إلى الحلق فالأقوى أنه جائز، و قال بعض إنه يوجب القضاء و الكفارة. و إذا كان يبلغ الحلق فالأحوط الاجتناب. التاسع: الكذب على اللّه و رسوله و أئمة الهدى (صلوات اللّه عليهم أجمعين) بأن يكذب عليهم أو ينقل مسألة تخالف الواقع، بل لا شك في حرمة الإفتاء على من لم يكن أهلا له. فقال بعض بوجوب القضاء و الكفارة، و قال بعض إنّه لا يوجب فساد الصوم، و لا يخلو من قوة، و الأحوط القضاء و الكفارة. العاشر: الارتماس في الماء. و قال جمع بالقضاء و الكفارة، و بعض بالقضاء فقط، و بعض بالحرمة وحدها دونهما، و بعض بالكراهة فقط، و الأظهر الحرمة و عدم وجوب القضاء و الكفارة. و قال بعض: إذا أدخل رأسه حتى الرقبة و كان بدنه خارج الماء فله حكم الارتماس أيضا، و هذا أحوط. و قال بعض: إذا أدخل منافذ رأسه دفعة و إن كانت منابت الشعر خارجا فله حكم الارتماس كذلك. و هذا أحوط أيضا، و الأحوط كذلك أن لا يدخل رأسه في الماء في الصوم المسنون أيضا. و أجازه بعض، و الأحوط الترك. حادي عشر: ابتلاع البلغم الذي ينزل من الصدر أو الرأس؛ على ثلاثة أقوال: الأول: جواز ابتلاع ما يخرج من الصدر ما دام لم ينفصل عن الفم
ـ[1] يقصد بالحقنة الجامدة: (التحميلة)ـ
[ 77 ]
و عدم جواز القسم الآخر (أي الذي خرج من الأنف). الثاني: جواز ابتلاعهما (أي كلا القسمين) ما دام لم يصل إلى الفم، و تحريمهما معا إذا وصلا إلى الفم. و القول الثالث: جواز سحبه من الصدر و الرأس (الدماغ) و جواز ابتلاعه ما دام لم ينفصل من الفم. و الذين حكموا بالفساد قال بعضهم بالقضاء فقط، و قال بعض بالكفارة أيضا، بل قال بعض منهم بكفارة الجمع أيضا!. و برأيي أنه لا يجب أي منها، لكن الاحتياط أن لا يبتلعه بعد أن يصل فضاء الفم. الثاني عشر: المشهور بين العلماء أنه يكره للمرأة الصائمة أن تجلس في الماء، و قال بعضهم: إذا جلست المرأة حتى نطاقها في الماء وجب عليها القضاء، و قال بعضهم بالكفارة أيضا، و الأول أظهر. و حرّم بعض الفقهاء استعمال المصطكى الذي يمتص ماؤه و ما أشبه، و قال بعض بالقضاء و الأظهر الجواز. و المشهور بين العلماء أنه إذا ظن المكلف ببقاء الليل بل إذا شك أيضا جاز أن يأكل و يشرب حتى يحصل له اليقين بالفجر، و إذا تبين له بعد ذلك أن الوقت كان داخلا في الصباح، و أن أكله و شربه السابق لم يكن في الليل و أنه كان مخطئا في ظنه و شكه، فلا شيء عليه. أما إذا لم يهتم أصلا و أنه أكل و شرب من دون ملاحظة أصلا فالقضاء واجب و لا كفارة عليه. و لو تمضمض للوضوء للصلاة الواجبة و دخل الماء بلا اختيار منه إلى حلقه فلا قضاء عليه، أما إذا كان الوضوء للنافلة فقال بعض بالوجوب، أما إذا كانت المضمضة هكذا دون وضوء و وصل الماء إلى حلقه فقال بعض بالوجوب و هو الأحوط، و الأظهر عدم الوجوب مطلقا. و في رواية أنه يبصق بعد المضمضة ثلاثا، و هذا أحوط
[ 78 ]
الفصل الثالث في سنن و آداب الصيام يكره للصائم تقبيل النساء و ملامستهن باليد و ملاعبتهن، و الأقرب بأن الكراهة تختص في صورة ما لو كانت مثيرة للشهوة، و يخاف الوقوع في الجماع. و يكره الاكتحال بما له طعم قد يصل الحلق أو فيه مسك، و المشهور كراهية اخراج الدم من البدن مما يبعث على الضعف، و في الحجامة ينبغي الاحتياط أكثر، و كذا الدخول إلى الحمام الذي يكون مضعفا، و يكره الاستشمام للورود و خاصة النرجس، و الأفضل أن لا يشمّ المسك أيضا، و في سائر الأرياح الطيبة لا كراهية، بل هو من السنة. وَ نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: الطِّيبُ تُحْفَةُ الصَّائِمِ[1]، وَ قَالَ: مَنْ تَطَيَّبَ أَوَّلَ النَّهَارِ لَمْ يَزَلْ عَقْلُهُ مَعَهُ إِلَى اللَّيْلِ[2]. و الأشهر و الأقوى أن استشمام الرائحة الغليظة ليس مفطرا، و قال بعض: إن شم الرائحة الغليظة التي تصل الجوف توجب القضاء و الكفارة، و الأحوط أن لا يشم الرائحة التي على شكل مسحوق التي تصعد إلى الدماغ كما ورد في الرواية. و يكره للصائم أن يبلل الثوب الملاصق لبدنه، كما يكره للمرأة الصائمة أن تجلس في الماء كما مر. وَ رُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَ بَصَرُكَ وَ شَعْرُكَ وَ جِلْدُكَ (وَ عَدَّدَ أَشْيَاءَ غَيْرَ هَذَا) وَ قَالَ: لَا يَكُونُ يَوْمُ صَوْمِكَ كَيَوْمِ فِطْرِكَ[3]. وَ أَيْضاً رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ الصِّيَامُ مُجَرَّدَ الِامْتِنَاعِ عَنِ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ مِنَ الْكَذِبِ وَ أَعْيُنَكُمْ مِنَ النَّظْرَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَ لَا تَنَازَعُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ تَجَنَّبُوا الْحَسَدَ وَ الْغِيبَةَ وَ الْجَدَلَ وَ الْيَمِينَ الْكَاذِبَةَ، بَلِ الصَّادِقَةَ أَيْضاً، وَ لَا تَسَابُّوا وَ لَا تَظْلِمُوا وَ لَا تَعْبَثُوا وَ لَا تَضْجَرُوا وَ لَا تَغْفُلُوا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ عَنِ الصَّلَاةِ وَ اسْكُتُوا عَمَّا لَا يَنْبَغِي لَكُمْ قَوْلُهُ وَ اصْبِرُوا وَ اصْدُقُوا وَ اجْتَنِبُوا أَهْلَ الشَّرِّ وَ قَوْلَ السُّوءِ وَ الْكَذِبَ وَ الِافْتِرَاءَ وَ الْخُصُومَةَ مَعَ النَّاسِ وَ سُوءَ الظَّنِّ وَ الْغِيبَةَ وَ النَّمِيمَةَ
ـ[1] تهذيب الأحكام: ج 4 ص 266. [2] وسائل الشّيعة: ج 2 ص 145 ح 1758. [3] بحار الأنوار: ج 94 ص 352
مُحَمَّدٍ وَ آتِنِي كُلَّ مَا سَأَلْتُكَ وَ رَغِبْتُ إِلَيْكَ فِيهِ فَإِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالدُّعَاءِ وَ تَكَفَّلْتَ لِي بِالْإِجَابَةِ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ[1]. الفصل الخامس في أعمال ليالي و أيام شهر رمضان المبارك رُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ وَ الْإِمَامِ الْكَاظِمِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قِرَاءَةُ هَذَا الدُّعَاءِ عَقِيبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ، وَ هُوَ: يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ يَا غَفُورُ يَا رَحِيمُ أَنْتَ الرَّبُّ الْعَظِيمُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَ هَذَا شَهْرٌ عَظَّمْتَهُ وَ كَرَّمْتَهُ وَ شَرَّفْتَهُ وَ فَضَّلْتَهُ عَلَى الشُّهُورِ وَ هُوَ الشَّهْرُ الَّذِي فَرَضْتَ صِيَامَهُ عَلَيَّ وَ هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أَنْزَلْتَ فِيهِ الْقُرْآنَ هُدًى لِلنَّاسِ وَ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَ الْفُرْقَانِ وَ جَعَلْتَ فِيهِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَ جَعَلْتَهَا خَيْراً مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ فَيَا ذَا الْمَنِّ وَ لَا يُمَنُّ عَلَيْكَ مُنَّ عَلَيَّ بِفَكَاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ فِي مَنْ تَمُنُّ عَلَيْهِ وَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. و هو دعاء جيد جدا و يحسن قراءته على الأقل في كل ليلة مرة. وَ رُوِيَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ مَنْ دَعَا كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ بِهَذَا الدُّعَاءِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُمَّ رَبَّ شَهْرِ رَمَضَانَ الَّذِي أَنْزَلْتَ فِيهِ الْقُرْآنَ وَ افْتَرَضْتَ عَلَى عِبَادِكَ فِيهِ الصِّيَامَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ ارْزُقْنِي حَجَّ بَيْتِكَ الْحَرَامِ فِي هَذَا الْعَامِ وَ فِي كُلِّ عَامٍ وَ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُهَا غَيْرُكَ يَا رَحْمَنُ يَا عَلَّامُ[2]. و أيضا من السنّة أن يقرأ في كل ليلة سورة «القدر» ألف مرة، و سورة «حم الدخان» مئة مرة إذا تيسر له، و يستحب تناول السحور في كل سحر من أسحار شهر رمضان المبارك، وَ رُوِيَ عَنِ الرَّسُولِ الْأَكْرَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَتْرُكُ أُمَّتِي السَّحُورَ وَ لَوْ بِتَمْرَةٍ. وَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَيْضاً: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَ مَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُسْتَغْفِرِينَ
ـ[1] الكافي ج 3 ص 74 باب 5 ح 2. [2] إقبال الأعمال: ص 325
[ 85 ]
بِالْأَسْحَارِ وَ الْمُتَسَحِّرِينَ، فَتَسَحَّرُوا وَ لَوْ بِشَرْبَةٍ مَاءٍ. وَ أَحْسَنُ السَّحُورِ التَّمْرُ وَ الْقَوُوتُ (مَسْحُوقُ الْجَوْزِ وَ اللَّوْزِ وَ الْفُسْتُقِ وَ …). وَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: تَسَحَّرُوا وَ لَوْ بِجُرْعَةِ مَاءٍ أَلَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ[1]. وَ رُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْقَدْرِ فِي وَقْتِ السَّحُورِ وَ الْإِفْطَارِ ثُمَّ مَاتَ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ لَهُ ثَوَابَ مَنِ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُضَرَّجاً بِدَمِهِ. و قيل إن النية للصوم بعد السحور أفضل، و يمكن النية من أول الليل حتى آخره أيضا، و تكفي في النية أن يعلم و يقصد أن يصوم يوم غد قربة إلى اللّه تعالى. أما آداب الإفطار فيستحب أن يصلي المغرب أولا ثم يفطر بعد ذلك إلا أن يكون جماعة في انتظاره أو أن يغلبه الجوع أو العطش و يحول دون حضور قلبه في الصلاة، ففي هذه الصورة يفضل تقديم الإفطار. و يستحب عند الإفطار قراءة سورة القدر كما علمت. وَ رُوِيَ عَنِ الرَّسُولِ الْأَكْرَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ فَيَقُولُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ: يَا عَظِيمُ يَا عَظِيمُ أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ لِي غَيْرُكَ اغْفِرْ لِيَ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ إِلَّا الْعَظِيمُ. إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ[2]. وَ عَنِ الْإِمَامِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: لِكُلِّ صَائِمٍ عِنْدَ الْإِفْطَارِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَلْيَقُلْ فِي أَوَّلِ لُقْمَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ اغْفِرْ لِي وَ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مُعْتَبَرٍ آخَرَ عَنِ الْإِمَامِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ تَقُولَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَ عَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ وَ عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. يُكْتَبُ لَكَ أَجْرُ جَمِيعِ مَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَ رُوِيَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الْإِمَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَإِذَا مُدَّتِ الْمَائِدَةُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْنَا وَ عَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْنَا فَتَقَبَّلْهُ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وَ فِي أَحَادِيثَ مُعْتَبَرَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يُفْطِرُ عَلَى التَّمْرِ وَ الْمَاءِ أَوِ الرُّطَبِ
ـ[1] إقبال الأعمال: ص 244. [2] إقبال الأعمال: ج 1 ص 246، ط إيران
[ 86 ]
وَ الْمَاءِ. وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يَبْدَأُ إِفْطَارَهُ بِالْحَلْوَى، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِقِطْعَةِ سُكَّرٍ أَوِ الْحَلْوَى الْمَصْنُوعَةِ مِنْ مَحْلُولِهِ أَوِ التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِراً فَبِالْمَاءِ الْفَاتِرِ وَ كَانَ يَقُولُ: الْمَاءُ الْفَاتِرُ يُنَظِّفُ الْمَعِدَةَ وَ يُقَوِّي الْحَدَقَةَ وَ يَزِيدُ الْبَصَرَ وَ يَغْسِلُ الذُّنُوبَ وَ يُسَكِّنُ الْعُرُوقَ وَ يُلَاشِي الصَّفْرَاءَ الْغَالِبَةَ وَ يَدْفَعُ الْبَلْغَمَ وَ يُطْفِئُ الْحَرَارَةَ وَ يُزِيلُ الصُّدَاعَ. وَ أَيْضاً عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّهُ مَنْ أَفْطَرَ عَلَى تَمْرَةِ حَلَالٍ تُضَاعَفُ ثَوَابُ صَلَاتِهِ أَرْبَعُمِائَةِ مَرَّةٍ. وَ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّ الْإِفْطَارَ بِالْمَاءِ يَغْسِلُ ذُنُوبَ الْقَلْبِ، وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يُفْطِرَ بِالْحَلِيبِ. وَ نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ بِقُرْصٍ مِنَ الْخُبْزِ عَلَى مِسْكِينٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَ أَعْطَاهُ ثَوَابَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْداً مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ. و أفضل الأعمال في أيام و ليالي شهر رمضان المبارك تلاوة القرآن، و ينبغي الإكثار من تلاوة القرآن في هذا الشهر لأن فيه نزل. وَ فِي حَدِيثٍ: أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ رَبِيعاً وَ رَبِيعُ الْقُرْآنِ شَهْرُ رَمَضَانَ. و السنّة في باقي الشهور ختم القرآن كله في الشهر مرة، و أقله في ستة أيام، أما في شهر رمضان فالسنّة ختمه في كل ثلاثة أيام منه، و إن استطاع أن يختم في كل يوم فحسن. وَ فِي حَدِيثٍ أَنَّ بَعْضَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَرْبَعِينَ مَرَّةً وَ يَزِيدُ أَكْثَرَ. و لو أهدى ثواب كل ختمة لروح إمام من الأئمة و لرسول اللّه و فاطمة الزهراء (صلوات اللّه عليهم أجمعين) تضاعف ثوابه، و ينبغي الإكثار من الصلوات على محمد و آل محمد، و الاستغفار و قول «لا إله إلا اللّه»، و أن لا يترك نوافل الليل و النهار، و يغتسل في الليالي الفردية و خاصة في الليلة الأولى و الخامسة عشرة و السابعة عشرة و التاسعة عشرة و الحادية و العشرين و الثالثة و العشرين، و في العشر الأواخر يغتسل في الليالي الزوجية أيضا و بخاصة الليلة الأخيرة من الشهر المبارك. وَ رُوِيَ بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ عَنْ صَاحِبِ الْأَمْرِ (عَجَّ) أَنَّهُ كَتَبَ لِشِيعَتِهِ أَنْ يَقْرَءُوا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ هَذَا الدُّعَاءَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْمَعُ دُعَاءَ هَذَا الشَّهْرِ وَ تَسْتَغْفِرُ لِصَاحِبِهِ. وَ هُوَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّنَاءَ بِحَمْدِكَ وَ أَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوَابِ بِمَنِّكَ وَ أَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ
صَلَّى لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمٍ وَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَ الْحَمْدِ سُورَةَ التَّوْحِيدِ عَشْرَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ نَحْوَهُ عَشَرَةَ مَلَائِكَةٍ يَدْفَعُونَ عَنْهُ ضَرَرَ أَعْدَائِهِ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ يَبْعَثُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ثَلَاثِينَ مَلَكاً يُبَشِّرُونَهُ بِالْجَنَّةِ وَ ثَلَاثِينَ مَلَكاً يُؤْمِنُونَهُ مِنَ النَّارِ. وَ أَيْضاً رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ مَنْ زَارَ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ الْإِمَامَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ صَلَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ عِنْدَ قَبْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَ الْحَمْدِ سُورَةَ التَّوْحِيدِ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَرَى فِي الْمَنَامِ عِدَّةَ مَلَائِكَةٍ يُبَشِّرُونَهُ بِالْجَنَّةِ وَ عِدَّةَ مَلَائِكَةٍ يُؤْمِنُونَهُ مِنَ النَّارِ. و الليلة السابعة عشرة من شهر رمضان ليلة مباركة أيضا، في هذه الليلة التقى جيش الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم كفار قريش في بدر و في صبيحتها حدثت معركة بدر و نصر اللّه جيشه على الكفار، و كان ذلك أعظم فتوحات الإسلام. و الغسل و العبادة في تلك الليلة لهما فضل عظيم. و الليلة التاسعة عشرة هي أولى ليالي القدر، يقول اللّه تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ و ليلة القدر تعني الليلة التي لها عند اللّه قدر عظيم أو أن أمور السنة تقدر فيها أو أن الأرض تضيق (تقدر) فيها من كثرة الملائكة. وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ أي ما الذي أدراك ما هي هذه الليلة؟ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ أي أن العبادة فيها أفضل من العبادة في ألف شهر تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها و الروح أعظم من كل الملائكة بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أي بإجازته مِنْ كُلِّ أَمْرٍ أي بسبب تقدير كل أمر. وردت أحاديث كثيرة أن الملائكة و الروح تنزل في هذه الليلة على صاحب العصر الإمام المهدي «عج»، و يعرضون عليه ما هو مقدر في هذه الليلة لكل أحد. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ أي أن الملائكة تسلم في هذه الليلة على الإمام و المؤمنين الذين يعبدون في هذه الليلة حتى الصباح. و بين الشيعة و السنة خلاف كثير في ليلة القدر فقال بعض السنة إن ليلة القدر كانت في زمن الرسول ثم زالت بعد ذلك، و قال أكثرهم أنها باقية إلى يوم القيامة، و قال بعض إنها مختفية في جميع السنة و إنه ينبغي التعبّد في كل الليالي لنيل فضيلة ليلة القدر و قال بعض إنها مختفية في كل شهر
[ 122 ]
شعبان و رمضان، و قال بعض إنها ليلة النصف من شعبان، و قال بعض إنها الليلة الأولى من رمضان و قال بعض: إنها ليلة النصف من رمضان، و بعض: إنها الليلة السابعة عشرة و قال بعض إنها الليلة الحادية و العشرون، و بعض: إنها ليلة الثالث و العشرين، و بعض: إنها الليلة التاسعة و العشرون، و بعض: إنها الليلة الأخيرة من رمضان، و اتفق أكثر أهل السنة على أنها الليلة السابعة و العشرون، و أجمع علماء الشيعة الإمامية على أنها لا تخرج من الليلة التاسعة عشرة و الحادية و العشرين و الثالثة و العشرين، و يراها بعضهم مرددة بين الحادية و العشرين و الثالثة و العشرين، و كثير من الأحاديث المعتبرة تدلل على أنها غير خارجة من إحدى هذه الليالي الثلاث. و هذه الليالي الثلاث– أي التاسعة عشرة و الحادية و العشرون و الثالثة و العشرون– يجب إحياؤها بالعبادة لنيل فضيلة ليلة القدر. وَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُعْتَبَرَةِ تَمَّ تَعْيِينُ اللَّيْلَةِ الْحَادِيَةِ وَ الْعِشْرِينَ وَ الثَّالِثَةِ وَ الْعِشْرِينَ بِالْخُصُوصِ. وَ رُوِيَ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْجُهَنِيِّ وَ هُوَ أَعْرَابِيٌّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: إِنَّ مَنْزِلِي بَعِيدٌ عَنِ الْمَدِينَةِ، أُرِيدُ أَنْ تُعَيِّنَ لِي مَا هِيَ أَفْضَلُ اللَّيَالِي لِكَيْ أَتَشَرَّفَ فِيهَا بِخِدْمَتِكَ وَ الْحُضُورِ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَعَيَّنَ لَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَيْلَةَ الثَّالِثِ وَ الْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَكَانَ دَائِماً يَدْخُلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ فَوْجٍ مِنْ أَهْلِهِ وَ خَدَمِهِ وَ حَشَمِهِ، حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ الصَّبَّاحُ عَادَ. و يظهر من بعض الأحاديث أن كل الليالي الثلاث ليالي قدر، فالليلة الأولى من الليالي الثلاث يجري فيها تقدير الأمور، و لكن يمكن تغيير بعضها في الليلة الثانية بكثرة العبادة و الدعاء، و في الليلة الثالثة تختم التقديرات و لا تتغير أو تتغير قليلا جدا، [بلا تشبيه] مثل أرقام الملوك إذ تكون تعليقة أول الأمر و تغييرها سهل، ثم تثبت في الدفاتر و يصعب تغييرها، و لكن ما لم تختم بختم الملك تظل ممكنة التغيير، حتى إذا ختمت حتمت و حسمت، و يصبح تغييرها في غاية الصعوبة. و الحكمة في إبهام بعض الأمور كالاسم الأعظم المشتبه على أكثر الناس، و الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات. و كذا ساعات استجابة الدعاء في كل ليلة و في كل جمعة، و العمل المقبول بين الأعمال، و أمثال ذلك. وثمة حكمة في جعلها مبهمة و هي ليواظب على جميع الأسماء الإلهية المقدسة، و يهتم بكل
[ 123 ]
الصلوات، و يدعو في كل ساعات الليل و يوم الجمعة، و يسعى في كل أعمال الخير لعل أحدها يكون مقبولا، و كذا الحال بالنسبة لليلة القدر، فتحيا كل الليالي التي يحتمل أن تكون ليلة القدر بالعبادة و الدعاء. و الحكمة الأخرى التي يمكن أن تكون في بعض هذه الموارد أنه لو عرف كل أحد الاسم الأعظم فإنه يمكن أن تستخدمها بعض النفوس الشريرة كوسيلة لحصول المطالب الدنيوية كما نقل عن بلعم، و كذا الحال بالنسبة إلى ليالي القدر و ساعات استجابة الدعاء، فلو عرفت بخصوصها لأمكن استدعاؤها لأمور غير مشروعة أو اضرار عظيمة ببعض المسلمين، فإنه لو عرفت بخصوصها ينبغي تحقق الاستجابة البتة. و الحكمة الأخرى هي عدم الاغترار بالأعمال، و حكم أخرى كثيرة لا تسعها هذه الرسالة، إذن على المؤمن أن يحيي كل هذه الليالي الثلاث و يهتم بالعبادة و الدعاء فيها لينال فضيلة ليلة القدر و يهتم في الليلتين الأخيرتين أكثر. و في الليلة الثالثة و العشرين التي وردت أحاديث كثيرة في تخصيصها أنها ليلة القدر يضاعف سعيه أكثر فأكثر. و فوائد عبادات ليلة القدر كثيرة جدا، منها: أنه من نال عبادة ليلة القدر فقد كتب له اللّه– بنص القرآن– أكثر من عبادة ألف شهر الذي يزيد على ثمانين سنة. و منها: حيث إن جميع الأمور من العمر و المال و الولد و العزة و الصحة و التوفيق و أعمال الخير و سائر الأمور تقدّر في هذه الليلة، فسوف يكون إصلاح الأحوال للسنة كلها في هذه الليلة، و يمكن أن يكون اسمه مكتوبا في ديوان الأشقياء فيغيّره في هذه الليلة، و يكتب في زمرة السعداء كما ورد هذا المضمون في أكثر الأدعية و أكثر الأحاديث المعتبرة. و منها: حيث إن إمام العصر محشور في هذه الليلة كلها مع الملائكة المقربين و يصلون أفواجا لزيارته و السلام عليه و يعرضون عليه التقديرات التي جرت لسائر الخلق فليس من اللائق أن لا يتأسى في مثل هذه الليلة بإمامه و يعيش في غفلة، فعن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنه إذا كانت ليلة القدر يهبط الملائكة الساكنون في سدرة المنتهى و من جملتهم جبرئيل، و يأتي جبرئيل بعلوم معه فيجعل أحدها نصيب قبري المنور
و الغسل في هذه الليالي الثلاث سنّة مؤكدة، و إذا كان الغسل في هذه الليالي مقارنا لغروب الشمس فهو أفضل، لكي يصلي المغرب على غسل، وَ يُسْتَحَبُّ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي أَنْ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ بِيَدِهِ وَ يَفْتَحَهُ وَ يَقْرَأُ هَذَا الدُّعَاءَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكِتَابِكَ الْمُنْزَلِ عَلَى نَبِيِّكَ الْمُرْسَلِ وَ مَا فِيهِ وَ فِيهِ اسْمُكَ الْأَكْبَرُ وَ أَسْمَاؤُكَ الْحُسْنَى وَ مَا يُخَافُ وَ يُرْجَى أَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ. وَ تَقْضِيَ حَوَائِجِي لِلدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ثُمَّ يَطْلُبُ حَوَائِجَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا مَقْضِيَّةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَ يُرْوَى عَنِ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ وَ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: أَنْ تَنْشُرَ الْمُصْحَفَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى رَأْسِكَ وَ تَقُولَ: اللَّهُمَّ بِحَقِّ هَذَا الْقُرْآنِ وَ بِحَقِّ مَنْ أَرْسَلْتَهُ بِهِ وَ بِحَقِّ كُلِّ مُؤْمِنٍ مَدَحْتَهُ فِيهِ وَ بِحَقِّكَ عَلَيْهِمْ فَلَا أَحَدَ أَعْرَفُ بِحَقِّكَ مِنْكَ. ثُمَّ قُلْ عَشْرَ مَرَّاتٍ: بِكَ يَا اللَّهُ وَ عَشْراً بِمُحَمَّدٍ وَ عَشْراً بِعَلِيٍّ وَ عَشْراً بِفَاطِمَةَ وَ عَشْراً بِالْحَسَنِ وَ عَشْراً بِالْحُسَيْنِ وَ عَشْراً بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ عَشْراً بِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ عَشْراً بِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ عَشْراً بِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَ عَشْراً بِعَلِيِّ بْنِ مُوسَى وَ عَشْراً بِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ عَشْراً بِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ عَشْراً بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ عَشْراً بِالْحُجَّةِ الْقَائِمِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ تَطْلُبُ مَا شِئْتَ. و تستحب زيارة الإمام الحسين عليه السّلام في كل من هذه الليالي الثلاث استحبابا مؤكدا. و من السنّة أن تصلّي في كل ليلة من هذه الليالي الثلاث و بخاصة الليلة الثالثة و العشرين مئة ركعة كل ركعتين بسلام تقرأ في كل ركعة الحمد مرة و التوحيد عشر مرات. وَ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاكْتِفَاءُ بِقِرَاءَةِ التَّوْحِيدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَوْ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً. وثمة أحاديث كثيرة في فضيلة هذه الصلاة. و ينبغي أن تكون هذه المئة ركعة ما عدا نافلة الليل. و إذا كان ضعيفا أمكنه أن يصليها من جلوس. و أفضل الأعمال في هذه الليالي الاستغفار و الدعاء لمطالب دنياه و آخرته و والديه و أقربائه و إخوته المؤمنين حيّهم و ميّتهم، و الأذكار، و الصلوات على محمد
[ 127 ]
و آل محمد ما تيسّر، و ورد في بعض الروايات أن يقرأ دعاء الجوشن الكبير في كل ليلة من ليالي القدر الثلاث (19، 21، 23). أما الثاني: فنبدأ بالأعمال المخصوصة بالليلة التاسعة عشرة و هو أن يقول: أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه مئة مرة، و اللّهمّ العن قتلة أمير المؤمنين مئة مرة. وَ يَقْرَأُ هَذَا الدُّعَاءَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِيمَا تَقْضِي وَ تُقَدِّرُ مِنَ الْأَمْرِ الْمَحْتُومِ وَ فِيمَا تَفْرُقُ مِنَ الْأَمْرِ الْحَكِيمِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ الْقَضَاءِ الَّذِي لَا يُرَدُّ وَ لَا يُبَدَّلُ أَنْ تَكْتُبَنِي مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الْحَرَامِ الْمَبْرُورِ حَجُّهُمُ الْمَشْكُورِ سَعْيُهُمُ الْمَغْفُورِ ذُنُوبُهُمُ الْمُكَفَّرِ عَنْهُمْ سَيِّئَاتُهُمْ وَ اجْعَلْ فِيمَا تَقْضِي وَ تُقَدِّرُ أَنْ تُطِيلَ عُمُرِي وَ تُوَسِّعَ عَلَيَّ فِي رِزْقِي وَ تُقَدِّرَ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي مَا هُوَ خَيْرٌ لِي فِي دُنْيَايَ وَ آخِرَتِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. ثُمَّ تَطْلُبُ حَوَائِجَكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. و الليلة الحادية و العشرون تفوق فضيلتها الليلة السابقة (التاسعة عشرة) و ينبغي أداء الغسل و الأعمال السابقة فيها أيضا. و الاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان في المساجد جامعة، سنّة، و هي أيام و ليالي استجابة الدعاء. وَ رُوِيَ بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ عَنِ الْإِمَامِ الْكَاظِمِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي لَيْلَةِ الثَّالِثِ وَ الْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ (كُلُّ رَكْعَتَيْنِ بِسَلَامٍ) وَ تَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا بَعْدَ الْحَمْدِ سُورَةَ التَّوْحِيدِ عَشْرَ مَرَّاتٍ. وَ فِي حَدِيثٍ مُعْتَبَرٍ آخَرَ أَنَّ الْإِمَامَ الْبَاقِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُحْيِي هَاتَيْنِ اللَّيْلَتَيْنِ وَ يَنْشَغِلُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنَ اللَّيْلِ بِالدُّعَاءِ، وَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ بِالصَّلَاةِ. وَ رُوِيَ بِسَنَدٍ مُوَثَّقٍ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي كُلٍّ مِنْ لَيْلَتِي الْوَاحِدِ وَ الْعِشْرِينَ وَ الثَّالِثِ وَ الْعِشْرِينَ مِائَةَ رَكْعَةٍ سِوَى ثَلَاثَةَ عَشْرَةَ رَكْعَةً صَلَاةِ اللَّيْلِ وَ نَافِلَةِ الصُّبْحِ– وَ أَنْ تَبْقَى يَقِظاً حَتَّى الصَّبَاحِ فَافْعَلْ و يستحب أن تكون منشغلا فيهما بالدعاء و التضرع فإنه يرجى أن تكون ليلة القدر إحداهما، و ليلة القدر خير من ألف شهر، أي إن العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر، و كل ما يقع في تلك السنة يقدّر في ليلة القدر. و سوف يذكر دعاء هذه الليلة ضمن أدعية العشر الأواخر إن شاء اللّه تعالى
النَّارِ، وَ الْجَوَازُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَ الْأَمْنُ مِنَ الْعَذَابِ، وَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَ يَكُونُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً[1]. و تقرأ هذه الليلة أدعية العشر الأواخر، وَ يَقْرَأُ أَيْضاً هَذَا الدُّعَاءَ: اللَّهُمَّ امْدُدْ لِي فِي عُمُرِي وَ أَوْسِعْ لِي فِي رِزْقِي وَ أَصِحَّ جِسْمِي وَ بَلِّغْنِي أَمَلِي وَ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْأَشْقِيَاءِ فَامْحُنِي مِنَ الْأَشْقِيَاءِ وَ اكْتُبْنِي مِنَ السُّعَدَاءِ فَإِنَّكَ قُلْتَ فِي كِتَابِكَ الْمُنْزَلِ عَلَى نَبِيِّكَ الْمُرْسَلِ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ[2]. و يقرأ ما تيسّر له من القرآن، و أدعية الصحيفة السجادية و بخاصة دعاء مكارم الأخلاق و دعاء التوبة. و يحفظ حرمة أيام هذه الليالي أيضا و يقضيها بالعبادة و تلاوة القرآن و الدعاء، فقد ورد في الأحاديث المعتبرة أن يوم القدر في الفضل مثل ليلة القدر. و في الليلة الرابعة و العشرين و الخامسة و العشرين يستحب الغسل أيضا، و وردت في استحباب الغسل فيهما أحاديث معتبرة، وَ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْفَعُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ عَنِ الصَّائِمِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ جَمِيعَ الشُّرُورِ وَ الْآثَامِ وَ أَنْوَاعَ الْبَلَايَا، ثُمَّ يَمْنَحُهُمْ نُوراً فِي أَبْصَارِهِمْ وَ آذَانِهِمْ. و في الليلة السابعة و العشرين ورد الغسل أيضا، وَ رُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَ زَيْنَ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُكَرِّرُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا قِرَاءَةَ هَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي التَّجَافِيَ عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَ الْإِنَابَةَ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ وَ الِاسْتِعْدَادَ لِلْمَوْتِ قَبْلَ حُلُولِ الْفَوْتِ. و في ليلة التاسع و العشرين ورد استحباب الغسل أيضا و كذا زيارة الإمام الحسين عليه السّلام، و وداع شهر رمضان المبارك استحبابا مؤكدا لإظهار أن الصوم
ـ[1] إقبال الأعمال: 506. [2] سورة الرعد، الآية: 39
[ 130 ]
و العبادة في هذا الشهر لم يكن ثقيلا علينا و أننا كنا نحب ذلك و أننا محزونون لفراقه. و من وجد لذّة العبادة الإلهية و عرف فوائدها في الدنيا و العقبى كان عاشقا للعبادة و العبودية، إذن فعليه أن يودع هذا الشهر الفضيل الوافر البركات كما يودّع أعزّ أهله حين فراقهم، و معلوم أن العبد السعيد بخدمة سيده و المسرور بذلك ليس كالعبد الذي يخدم سيده خوفا و ضجرا. و تستحب أدعية الوداع في الليلة الأخيرة، و إذا قرأها العبد في اليوم الأخير فحسن أيضا، ففي الحديث أنه إذا كان آخر الشهر مشتبها فيستحب قراءة أدعية الوداع في الليلة التاسعة و العشرين أيضا احتياطا. و أدعية الوداع كثيرة و أفضلها دعاء الصحيفة الكاملة. وَ رُوِيَ بِأَسَانِيدَ مُعْتَبَرَةٍ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ أَدْعِيَةِ وَدَاعِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ فِي كِتَابِكَ الْمُنْزَلِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ الْمُرْسَلِ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَوْلُكَ حَقٌ شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ وَ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ تَصَرَّمَ وَ أَيَّامُهُ وَ لَيَالِيهِ فَأَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَ كَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ إِنْ كَانَ بَقِيَ عَلَيَّ ذَنْبٌ لَمْ تَغْفِرْهُ لِي أَوْ تُرِيدُ أَنْ تُعَذِّبَنِي عَلَيْهِ أَوْ تُقَايِسَنِي بِهِ أَنْ لَا يَطْلُعَ فَجْرُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَوْ يَتَصَرَّمَ هَذَا الشَّهْرُ إِلَّا وَ قَدْ غَفَرْتَهُ لِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ بِمَحَامِدِكَ كُلِّهَا أَوَّلِهَا وَ آخِرِهَا مَا قُلْتَ لِنَفْسِكَ مِنْهَا وَ مَا قَالَ لَكَ الْخَلَائِقُ الْحَامِدُونَ الْمُجْتَهِدُونَ الْمُعَدِّدُونَ الْمُؤْثِرُونَ فِي ذِكْرِكَ وَ الشُّكْرِ لَكَ الَّذِينَ أَعَنْتَهُمْ عَلَى أَدَاءِ حَقِّكَ مِنْ أَصْنَافِ خَلْقِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ أَصْنَافِ النَّاطِقِينَ الْمُسَبِّحِينَ لَكَ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ عَلَى أَنَّكَ بَلَّغْتَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ وَ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمِكَ وَ عِنْدَنَا مِنْ جَزِيلِ قِسَمِكَ وَ إِحْسَانِكَ وَ تَظَاهُرِ امْتِنَانِكَ فَبِذَلِكَ لَكَ مُنْتَهَى الْحَمْدِ الْخَالِدِ الدَّائِمِ الرَّاكِدِ الْمُخَلَّدِ السَّرْمَدِ الَّذِي لَا يَنْفَدُ طُولَ الْأَبَدِ جَلَّ ثَنَاؤُكَ أَعَنْتَنَا عَلَيْهِ حَتَّى قَضَيْتَ عَنَّا صِيَامَهُ وَ قِيَامَهُ مِنْ صَلَاةٍ وَ مَا كَانَ مِنَّا فِيهِ مِنْ بِرٍّ أَوْ شُكْرٍ أَوْ ذِكْرٍ اللَّهُمَّ فَتَقَبَّلْهُ مِنَّا بِأَحْسَنِ قَبُولِكَ وَ تَجَاوُزِكَ وَ عَفْوِكَ وَ صَفْحِكَ
السُّعَدَاءِ وَ رُوحِي مَعَ الشُّهَدَاءِ وَ إِحْسَانِي فِي عِلِّيِّينَ وَ إِسَاءَتِي مَغْفُورَةً وَ أَنْ تَهَبَ لِي يَقِيناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي وَ إِيمَاناً يُذْهِبُ الشَّكَّ عَنِّي وَ تُرْضِيَنِي بِمَا قَسَمْتَ لِي وَ آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ الْحَرِيقِ وَ ارْزُقْنِي فِيهَا ذِكْرَكَ وَ شُكْرَكَ وَ الرَّغْبَةَ إِلَيْكَ وَ الْإِنَابَةَ وَ التَّوْبَةَ وَ التَّوْفِيقَ لِمَا وَفَّقْتَ لَهُ مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ. دُعَاءُ اللَّيْلَةِ الثَّلَاثِينَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَ عِزِّ جَلَالِهِ وَ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ يَا قُدُّوسُ يَا نُورُ يَا نُورَ الْقُدْسِ يَا سُبُّوحُ يَا مُنْتَهَى التَّسْبِيحِ يَا رَحْمَنُ يَا فَاعِلَ الرَّحْمَةِ يَا اللَّهُ يَا عَلِيمُ يَا كَبِيرُ يَا اللَّهُ يَا لَطِيفُ يَا جَلِيلُ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ يَا سَمِيعُ يَا بَصِيرُ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ لَكَ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَ الْأَمْثَالُ الْعُلْيَا وَ الْكِبْرِيَاءُ وَ الْآلَاءُ أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تَجْعَلَ اسْمِي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فِي السُّعَدَاءِ وَ رُوحِي مَعَ الشُّهَدَاءِ وَ إِحْسَانِي فِي عِلِّيِّينَ وَ إِسَاءَتِي مَغْفُورَةً وَ أَنْ تَهَبَ لِي يَقِيناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي وَ إِيمَاناً يُذْهِبُ الشَّكَّ عَنِّي وَ تُرْضِيَنِي بِمَا قَسَمْتَ لِي وَ آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ الْحَرِيقِ وَ ارْزُقْنِي فِيهَا ذِكْرَكَ وَ شُكْرَكَ وَ الرَّغْبَةَ إِلَيْكَ وَ الْإِنَابَةَ وَ التَّوْبَةَ وَ التَّوْفِيقَ لِمَا وَفَّقْتَ لَهُ مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ. الفصل التاسع في بيان صلوات الليالي و أدعية الأيام المشهورة و ذكرها العلماء في كتب الأدعية، و ليست معتبرة عندي. الليلة الأولى: أربع ركعات في كل ركعة بعد الحمد: التوحيد إحدى عشرة مرة. الليلة الثانية: أربع ركعات في كل منها بعد الحمد: القدر عشرين مرة. الليلة الثالثة: عشر ركعات في كل منها الحمد مرة و التوحيد خمسين مرة. الليلة الرابعة: ثماني ركعات في كل منها الحمد مرة و التوحيد عشرين مرة
[ 142 ]
الليلة الخامسة: ركعتان في كل ركعة الحمد مرة و التوحيد خمسين مرة، و بعد السلام تقول مئة مرة: اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد. الليلة السادسة: أربع ركعات في كل منها الحمد و سورة الملك. الليلة السابعة: أربع ركعات في كل منها الحمد مرة و سورة القدر ثلاث عشرة مرة. الليلة الثامنة: ركعتين في كل منهما بعد الحمد تقرأ التوحيد عشر مرات ثم يقول بعد التسليم «سبحان اللّه» ألف مرة. الليلة التاسعة: ست ركعات بين المغرب و العشاء في كل ركعة بعد الحمد، آية الكرسي سبع مرات، و بعد الإتمام اللهم صل على محمد و آل محمد خمسين مرة. الليلة العاشرة: عشرين ركعة تقرأ في كل ركعة بعد الحمد سورة التوحيد 30 مرة. الليلة الحادية عشرة: ركعتين في كل منهما بعد الحمد سورة الكوثر عشرين مرة. الليلة الثانية عشرة: ثماني ركعات في كل ركعة بعد الحمد سورة القدر ثلاثين مرة. الليلة الثالثة عشرة: أربع ركعات في كل منها بعد الحمد سورة التوحيد 25 مرة. <