الجمل
الشيخ المفيد
[ 1 ]
الجمل
[ 2 ]
..
[ 3 ]
ترجمة الشيخ المفيد هو محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان ابن سعيد بن جبير (1) ولد سنة 338 (2) في الحادى عشر من ذى القعدة بقرية تعرف (بسويقة ابن البصري) من عكبرى (3) وتبعد عن بغداد إلى ناحية الدجيل عشرة فراسخ (4)، وكان ربعة من الرجال نحيفا أسمر اللون (5). عرف بابن المعلم لان أباه كان معلما بواسط (6)، كما اشتهر (بالمفيد) أما لان الامام صاحب العصر (عجل الله فرجه) لقبه به، كما نص عليه ابن شهر اشوب (7)، أو أن شيخه على بن عيسى الرماني لقبه به، كما أثبته الشيخ ورام (8).
(1) النجاشي ص 283. (2) ابن النديم في الفهرست ص 279. (3) مجموعة ورام ص 456. (4) معجم البلدان (ج 6 – ص 203). (5) شذرات الذهب (ج 3 – ص 200). (6) لسان الميزان (ج 5 – ص 367). (7) معالم العلماء ص 101 طهران. (8) المجموعة ص 456. (*)
[ 4 ]
وكيف كان فهو الحرى بهذا اللقب، لاجماع أهل الفضل وذوى التحقيق من الفريقين على تقدمه على من عاصره، وتبرزه في العلوم العقلية والنقلية والحديث والرجال والادب، وله قوة العارضة في الجدل والظهور على الخصم. قال ابن النديم: شاهدته وجالسته فرأيته شديد الفطنة ماضى الخاطر بارعا في العلوم. ويزيد ابن حجر العسقلاني بقوله: ان له على كل إمام منة. وصادق على هذه الظاهرة في شيخنا المفيد كل من الذهبي واليافعي وابن كثير وابن العماد وأبو حيان التوحيدي (1). ومهما تكثرت الاقوال من علماء الامامية وغيرهم في حق الشيخ المعظم فانى أرى البيان لينحسر عن تحديد نفسيته وما آتاه المهيمن جل شأنه من ملكات فاضلة بعد أن خاطبه (أمام العصر) عجل الله فرجه في كتابه الاول: بالاخ السديد، والمولى الرشيد أيها المولى المخلص وفي ودنا الناصر لنا، إلخ. ويقول في الثاني: من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله، سلام عليك أيها العبد الصالح الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصديق، إلخ (2) فإنك بعد أن أحطت خبرا بأن صاحب الناحية المقدسة لم يخاطب أحدا إلا باسمه الساذج من دون إطراء كما إنه عليه السلام لا يلفظ إلا نفس الحقيقة سواء في ذلك مدح رجل أو بيان حكم أو فصل قضاء
(1) انظر أقوالهم في ترجمته المطبوعة مع أمالى المفيد ص 2 في النجف طبعة ثانية. (2) الكتابان في احتجاج الطبرسي ص 277 ط النجف. (*)
[ 5 ]
وهكذا سبيل امناء الوحى والحجج على الخلق فانهم لا ينطقون إلا عن الامر الآلهى. تعرف حينئذ ان من يتخذه (حجة الزمن) عليه السلام أخا له ويعترف له بالصدق في الاقوال والرشد في الامر هو فوق مستوى البشر بعد الحجج الاطهار. نعم وجده صاحب الناحية المقدسة ذلك الرجل الناهض للدعوة الآلهية الناشر للمعارف الاحمدية والذاب عن قدس الشريعة المطهرة فأعطاه ذلك الوسام المشعر بالعظمة والتفوق على غيره ممن عاصره. كتاب الجمل: وان من يقرء كتبه في الامامة والفقه والحديث يذعن بأنه ذلك المتبرز في البرهنة الصحيحة ودحض معرة الشبه والالحاد، وليس من البدع إذا كان شيخ الامة المفيد مستقاها في العلوم ومورد ريها ومحل ثقتها. أما كتاب (الجمل) فيعطى القارئ صورة واضحة لشيخنا الاعظم من دقة النظر وقوة في الحجاج كما انه يوقف الباحث على الآراء في الامامة وما يرتؤنه في هذا الحادث الذى أقلق الفكر وأخذ بمن لم يستضئ بنور الحقيقة إلى مهوى سحيق. ولقد دلنا هذا الكتاب المفعم بالشواهد التاريخية الصحيحة عند الفريقين على نفسيات الرجال وضعف الادمغة مع عدم التباعد عن أحاديث الرسول الاقدس في حق وصيه المقدم والخلفاء من ذريته، وان الخلاف عليه وخيم العاقبة، وهذا بعد التعريف بمواقفه في الاسلام يوم
[ 6 ]
كان الشرك ضاربا بحرانه مخيما على أولئك الضعفاء وبمضاء من سيف أمير المؤمنين عليه السلام ونمير من فضله قام عمد التوحيد واحكمت قواعد الايمان وانقشعت سحب الضلال واستنار العالم بالحقايق. كان كتاب (الجمل) الماثل اليوم أمام القراء الكرام مختبئا في زوايا المكتبات لا يصل إليه إلا النفر النزر من رواد السيرة والتاريخ حتى قيض الله سبحانه المهذب الغيور (محمد كاظم بن الحاج محمد صادق الكتبى) صاحب المطبعة الحيدرية في النجف فأخرجه إلى القراء تلبية لطلبهم ونزولا عند رغبتهم ولكن الاسراع في الاجابة وحراجة الظروف أثرت على العناية في تصحيح الكتاب وتدقيقه غير ان الرغبة الاكيدة في الوقوف على ما فيه من حقايق التى لم يحوها غيره من المؤلفات على كثرتها أوجب تهافت القراء عليه ثقة بشيخنا المعظم لما أوتى من سعة في الحديث وتثبت في النقل ومحص دقيق لقضايا التاريخ. وبعد نفاد نسخ الطبعة الاولى اجتهد الناشر صاحب (المطبعة الحيدرية) في عرض الكتاب على جماعة من أعلام المؤرخين فدققوا النظر في الكتاب بعد المقابلة على نسخة العلامة المتبحر الشيخ على نجل الحجة الشيخ محمد رضا بن آية الله الشيخ هادى آل الشيخ الاكبر كاشف الغطاء أيده الله وأدامه مساعدا ومروجا لاحياء مؤلفات علمائنا الاعلام. ثم أن المساعدين للناشر لم يكتفوا بهذه النسخة وغيرها وإنما بذلوا الجهد في تطبيق ما يذكره (المفيد) مع نصوص المؤرخين الاقدمين الذين تعرضوا لقضية (الجمل) وحديث الناكثين وأضافوا إلى ذلك تعاليق في هامش الكتاب كان بها الجدارة في الاثبات.
[ 7 ]
فالناشر يشكر المساعدين له الآخذين بعضده في المحافظة على تصحيح هذا المؤلف القيم، كما إنا نشكر همته القعساء ونشخص إلى المهيمن سبحانه مبتهلين بأن يمد في عمره وبوفقه للمثابرة على إحياء هذه المؤلفات الجليلة يفيض عليه من لطفه وجوده. ان رحمة الله قريب من المحسنين. ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. وفاة المفيد: توفى الشيخ (المفيد) ليلة الثالث من رمضان ببغداد سنة 413 هج وصلى عليه علم الهدى السيد المرتضى بميدان الاشنان وحمل إلى مشهد الامامين الكاظمين عليهما السلام فدفن عند رجليهما، وكان يوم وفاته كما يحدث عنه الشيخ الطوسى في (الفهرست (1) يوما مشهودا عظيما اجتمع لتشييعه خلق كثير وبكاه المؤالف والمخالف ووجد على قبره مكتوب: لا صوت الناعي بفقدك إنه * يوم على آل النبي عظيم إن كنت قد غيبت في جدث الثرى * فالعدل والتوحيد فيك مقيم والقائم المهدى يفرح كلما * تليت عليك من الدروس علوم
(1) المطبوع في المطبعة الحيدرية في النجف الاشرف. (*)
[ 17 ]
الجمل والنصرة في حرب البصرة تصنيف الشيخ السعيد المفيد محمد بن النعمان العكبري المتوفى سنة 413 هجرية (الطبعة الثانية) من منشورات مكتبة الداوري قم – ايران
[ 18 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى ضمن النصرة لناصريه، وأعان على الحق بتوفيقه متبعيه، وخذل من عند عن دينه والحد فيه، وصلواته على صفوته من خلقه ومجتبيه، محمد وآله المخصوصين بالطهارة والتنزيه، أيدك الله بتوفيقه سألت أن أورد لك ذكر الاختلاف بين أهل القبلة في حديث الفتنة بالبصرة، وما كان بين أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام وبين عائشة وطلحة والزبير من الحرب المهولة والقتال، ومذهب كل فريق من الامة فيه على شرح له وبيان، وإثبات سبب هذه الفتنة والاخبار التى جاءت فيما جرى بين القوم، من القتال والفعال. فان كل كتاب صنف في هذا الفن قد تضمن أخبارا تلتبس معانيها على جمهور الناس ولم يأت أحد من المصنفين بذكر الحرب في هذه الفتنة على الترتيب والنظام بل خلطوا الاخبار فيها خلطا لم يحصل معه تصور الخلل فيما كان بين الجميع منه على الظهور والتبيان للذى جاء. فقد جمعت لك أيدك الله كلما صدر عنهم، وأثبت في هذا الكتاب برهانا يفضى الناظر فيه إلى صحة الاعتقاد في أحكام القوم بأسمائهم بأعمالهم وما فيها من الكفر والايمان والطاعة والعصيان والتبين والضلال. لتعلم وفقك الله
[ 19 ]
بالنظر والاعتبار وتخرج بذلك من التقليد الموبق لصاحبه ولتظفر بالحق ويزول عنك الاشتباه الذى التبس عليك أمره فيما كان هناك وأجبتك إلى ما سألت معتصما بالله عزوجل وسائلا لك التوفيق والرشاد وبالله أستعين. (القول في اختلاف الامة) في فتنة الجمل وأحكام القتال فيها: أما المتولون للقتال في هذه الفتنة فقد أنبانا عملهم فيها عن اعتقادهم ودلت ظواهرهم في ذلك على بواطنهم فيه إذ العلم يحيط بأن أمير المؤمنين عليا (ع) وولده وأهله من بني هاشم وأتباعه من المهاجرين والانصار وغيرهم من المؤمنين لم يسلكوا فيما باشروه من الحرب وسعوا فيه من القتل واستباحة الدماء طريق المجرمين، لذلك الطالبين به العاجل، والتاركين به ثواب الآجل، بل كان ظاهرهم في ذلك، والمعلوم من حالهم، وقصدهم التدين والقربة إلى الله تعالى بعملهم، والاجتهاد فيه وان تركه والاعراض عنه موبق من الاعمال والتقصير فيه موجب لاستحقاق العقاب. ألا ترى إلى ما أشتهر من قول أمير المؤمنين (ع) وقد سئل عن قتاله للقوم (لم أجد الا قتالهم أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله). وقول عمار بن ياسر رحمه الله: أيها الناس والله ما أسلموا ولكنهم أستسلموا وأسروا الكفر فلما وجدوا له أعوانا أظهروه (1) في أمثال هذين القولين من جماعة جلة من شيعة أمير المؤمنين (ع) يطول بشرحها الكتاب فهم يلائم معاني كلامهم في ذلك ظواهر فعالهم. والمعلوم من قصودهم وهذا ما لا مزيد فيه بين العلماء، وانما يشتبه الامر فيه على الجهلاء الذين لم يسمعوا الاخبار، ولا اعتبروا بتأمل الآثار. وكذلك الامر محيط بأن ظاهر عائشة وطلحة والزبير وكثير ممن
(1) نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 243 ط مصر. (*)
[ 20 ]
كان في حيزهم التدين بقتال أمير المؤمنين (ع) وأنصاره والقربة إلى الله سبحانه وتعالى في استفراغ الجهد فيه، وانهم كانوا يريدون على ما زعموا وجه الله والطلب بدم الخليفة المظلوم عندهم، المقتول بغير حق وانهم لا يسعهم فيما أضمروه في اعتقادهم إلا الذى فعلوه، فوضح من ذلك ان كلا من الفريقين يصوب رأيه فيما فعل ويخطئ صاحبه فيما صنع ويشهد لنفسه بالنجاة ويشهد على صاحبه بالضلال والهلاك. إلا أن أمير المؤمنين (ع) صريح بالحكم على محاربيه ووسمهم بالغدر والنكث، وأخيرا أن النبي صلى الله عليه وآله أمره بقتالهم وفرض عليه جهادهم ولم يحفظ عن محاربيه فيه شيئ ولا سمة له بمثل ذلك وان كان المعلوم من رأيهم التخطئة له في القتال، والحكم عليه في بقائه على الامر والامتناع من رده شورى بينهم وتسليمه قتلة عثمان إليهم بالزلل عن الحق الواجب عندهم والصواب. وكان مذهب سعد بن مالك بن أبى وقاص و عبد الله بن عمر ومحمد ابن مسلمة الانصاري، واسامة بن زيد وأمثالهم ممن رأى القعود عن الحرب والتبديع لمن تولاها والحكم على أمير المؤمنين (ع) والحسن والحسين ومحمد بن علي (ع) وجميع ولد أبى طالب وكافة أتباع أمير المؤمنين من بني هاشم والمهاجرين والانصار والمتدينين بنصرته المتبعين له على رأيه في الجهاد، بالضلال والخطأ، في المقال والفعال، والتبديع لهم في ذلك على كل حال. وكذلك كان مذهبهم في عائشة وطلحة والزبير ومن كان على رأيهم في قتال أمير المؤمنين (ع) وانهم بذلك ضلال عن الحق عادلون عن الصواب، مبدعون في استحلال دماء أهل الاسلام، ولم يحفظ عنهم في الطائفتين ولا في احديهما تسمية بالفسوق ولا اخراجهم بما تولوه من الحرب والقتال عن الايمان.
[ 21 ]
اختلاف الفرق: (فصل) الخلاف بعد النبي الذى حكيناه عن السلف في الفتنة المذكورة قد تشعب وزاد على ما أثبتناه عمن سميناه في الخلاف، فقالت العالمة الحشوية المنتسبة إلى السنة على ما زعموا في ذلك أقاويل مشهورة وذهبوا مذاهب ظهرت عنهم مذكورة. فمنهم طائفة اتبعت رأى سعد بن أبى وقاص وشركائه المعتزلة عن الفريقين ومذهبهم في إنكار القتال وحكموا بالخطأ على أمير المؤمنين والحسن والحسين ومحمد بن علي وابن عباس وخزيمة بن ثابت ذى الشهادتين وأبى أيوب الانصاري وأبى الهيثم بن التيهان وعمار بن ياسر وقيس بن سعد بن عبادة وامثالهم من وجوه المهاجرين ونقباء الانصار. وعلى عائشة وطلحة والزبير وجميع من اتبعهم في الحرب واستحل معهم القتال، وشهدوا عليهم جميعا فيما صنعوه بالزلل عن الصواب، ووقفوا فيهم مع ذلك ولم يقطعوا لهم بعقاب، ورجوا لهم الرحمة والغفران، وكان الرجاء لهم في ذلك اقوى عندهم من الخوف عليهم من العقاب. وقالت فرقة منهم اخرى بتخطئة الجميع كما قالت الاولى منهم في ذلك وقطعوا على ان امير المؤمنين والحسن والحسين وابن عباس وعمار بن ياسر وخزيمة ذى الشهادتين ان كانوا قد زلوا بالقتال وسفك الدماء فانه مغفور لهم ذلك، لما قدموا من عظيم طاعتهم لله تعالى وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبتهم له، مواساتهم إياه. وكذلك قولهم في عائشة، وطلحة والزبير ومن شركهم في القتال ممن له صحبة وسالف جهاد.
[ 22 ]
وأما من سوى الصحابة بين الفريقين منهم بقتالهم واستحلالهم الدماء فمن أهل النار، وحكوا عن بعض مشيختهم وأئمتهم في الدين انه كان يقول نجت القادة وهلك الاتباع، وفرقوا بين الصحابي في ذلك وغيره بحديث رووه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لبعض المسلمين ممن أدركه ولم يكن له صحبته وقد سامى رجلا من الصحابة: إياكم وأصحابي لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدى أحدهم ولا نصفه وقالت فرقة أخرى منهم لا ينبغى لاحد أن يخوض في ذكر الصحابة وما جرى بينهم من تنازع واختلاف وتباين وقتال ولا يتعرض بالنظر في ذلك ولا الفكر فيه ويعرض عنه جانبا، وأن استطاع أن لا يسمع شيئا من الاخبار الواردة به فيفعل، فانه ان خالف هذه الوصاة وأصغى إلى الخبر باختلاف الصحابة أو تكلم بحرف واحد، وتبرع بالحكم عليهم بشئ يشين المسلم فقد أبدع في الدين، وخالف الشرع، وعدل عن قول النبي ولم يحذر مما حذره منه بقوله صلى الله عليه وآله إياكم وما سيجري بين الصحابة. وزعموا أن الرواية بذكر أخبار السقيفة، ومقتل عثمان والجمل وصفين بدعة، والتصنيف في ذلك ضلال، أو الاستماع إلى شئ من ذلك يكسب الآثام. وهذه فرقة مستضعفة من الحشوية يميل إلى قولها جمع كبير ممن شاهدناه من العامة ويدعوا إليه المتظاهرون بالورع والزهد، والصمت وطلب السلامة، وحفظ اللسان، وهم بذلك بعداء عن العلم وأهله، جهال أغمار. وقالت فرقة من العامة تختص بمذاهب الحشوية غير أنها تتعاطى النظر، وتدعى المعرفة بالفقه وتزعم أنها من أهل الاعتبار، ان علي ابن أبى طالب (ع) ومن كان في حيزه من االمهاجرين والانصار
[ 23 ]
وسائر الناس، وعائشة وطلحة والزبير وأتباعه جميعا معا كانوا على صواب فيما انتهوا إليه من التباين والاختلاف والحرب والقتال وسفك الدماء، وضرب الرقاب، فان فرضهم الذى يعين عليهم من طريق الاجتهاد هو ذلك بعينه دون سواه، لم يخرجوا بشئ منه عن طاعة الله ولا دخلوا به في شئ منه إلا انهم كانوا على الهدى والصواب، ولو قصروا عنه مع الاجتهاد المؤدى لهم إليه ; لضلوا عن الحق، وخالفوا السبيل والرشاد. وزعموا أن انهم كانوا جميعا مع الحال التى انتهوا إليها من سفك الدماء ; وقتل النفوس ; والخروج عن الاموال والديار على أتم مصافاة ومودة وموالات، ومخالصة في الضماير والنيات ; واستدلوا على ذلك وزعموا بأن قالوا وجدنا كل فريق من الفريقين متعلقا بحجة تعذره فيما أتاه وتوجب عليه العمل بما صنع، وذلك ان علي بن أبى طالب كان مذهبه تحريم قتل الجماعة بالواحد وان اشتركوا في قتله معا وهو مذهب مشهور من مذاهب أصحاب الاجتهاد ; ولم يثبت عنده أيضا ان المعروفين بقتل عثمان تولوا على ما ادعى عليهم من ذلك فلم يسعه تسليم القوم إلى من التمسهم منه ليقتلوهم بعثمان ; ووجب عليه (ع) في اجتهاده الدفاع عنهم بكل حال، وكان مذهب عائشة وطلحة والزبير قود الجماعة بالواحد من الناس ; وهو مذهب ابن عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة وجماعة من التابعين ; وبه دان جماعة من الفقهاء وأصحاب الاجتهاد، وثبت عندهم ان الجماعة يقتلون بالرجس الواحد وان أمير المؤمنين لم يسلمهم ليقتلوهم بعثمان، وان الناس تولوا قتله واشتركوا في دمه ; وكان إماما مرضيا عندهم ; قتل بغير حق ; فلم يسعهم ترك المطالبة بدمه ; والاستقادة من قاتله وبذل الجهد في ذلك ; فاختلف الفريقان في ذلك لما ذكروه من الاجتهاد ; وعمل كل فريق منهم على رأيه وكان
[ 24 ]
بذلك مأجورا وعند الله مشكورا ; وان كانوا قد سفكوا فيه الدماء وبذلوا فيه الاموال وهذا مذهب جماعة قد شاهدتهم وكلمتهم وهم في وقتنا هذا خلق كثير وجم غفير. وممن كلمتهم فيه من مشيخة أصحاب المخلوق المعروف بأبى بكر التمار الملقب بدرزان وكان في وقته شيخ أصحاب عبد الله بن سعيد بن كلاب أكبرهم سنا ; وأشدهم تقدما في مجالس الكلام ; ومنهم محارب الصيديانى المكنى بابن العلاء خليفة أبى السائبة في القضاء. ومنهم المعروف بالوشعى ; ومن بعدهم المكنى بأبى عبد الله المعروف بابن مجاهد البصري الشعرى صاحب الباهلي تلميذ على بن أسماعيل بن أبى بشر الاشعري ومنهم المعروف بأبى بكر بن الطيب المعروف بابن الباقلانى ومنهم أبو العباس بن الحسين بن أبى عمر القاضى وجميع من سميت ممن جاريته في هذا الباب من أصحاب المخلوق، وبعضهم كلابية وبعضهم أشعرية واليه يذهب في وقتنا هذا جمهور أصحاب الشافعي ببغداد والبصرة وخوزستان وبلاد فارس وخراسان وغيرها من الامصار ; لا أعرف شافعيا له ذكر في قومه ويذهب إلى هذا المذهب ليبعد به عن قول الشيعة ; وأهل الاعتزال. رأي المعتزلة: واختلف في ذلك المعتزلة أيضا كاختلاف الحشوية ; فقال إماماهم المقدمان وشيخاهم المعظمان اللذان هما أصلان للاعتزال، وافتتحا لمعتقديه فيه الكلام وهم فخر الجماعة منهم وجمالهم الذى لا يعدلوا عندهم سواه واصل بن عطاء الغزال ; وعمرو بن عبيد بن باب المكارى (1) ان
(1) قال ابن خلكان بترجمته هو عمرو بن عبيد بن باب ببائين وانما ضبطته بذلك لئلا يشتبه بناب وفى تاريخ بغداد ج 12 ص – (*)
[ 25 ]
أحد الفريقين ضال في البصرة مضل فاسق خارج من الايمان والاسلام ملعون مستحق الخلود في النار، والفريق الآخر هاد مهدي، مصيب مستحق للثواب والخلود في الجنان غير أنهم زعموا أن لا دليل على تعيين الفريق الضال ولا برهان على المهدي ولا بينة نتوصل بها إلى تمييز أحدهما من الآخر في ذلك بحال من الاحوال. وانه لا يجوز أن يكون علي بن أبى طالب (ع) والحسن والحسين ومحد بن علي و عبد الله وقثم والفضل وعبيد الله بنو العباس و عبد الله ابن جعفر الطيار وعمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيوب الانصاري وأبو الهيثم بن التيهان وكافة شيعة علي (ع) وأتباعه من المهاجرين والانصار وأهل بدر وبيعة الرضوان وأهل الدين المتحيزين إليه والمحققين بسمة الاسلام هم الفريق الضال، والفاسق الباغي الخارج عن الايمان والاسلام والعدو لله والبرئ من دينه الملعون المستحق للخلود في النار. وتكون عائشة وطلحة والزبير والحكم بن أبى العاص ومروان أبنه و عبد الله بن أبى سرح والوليد بن عقبة و عبد الله بن عامر بن كريز ابن عبد شمس ومن كان في حيزهم من أهل البصرة هم الفريق المهدى الموفق إلى الله المصيب في حربه المستحق للاعظام والاجلال والخلود في الجنان. قالا جميعا نعم ما ننكر ذلك ولا نؤمن به إذ لا دليل يمنع من الحكم
– 166 كان باب من سبى فارس وعبيد من سبى سجستان وكان عبيد نساجا ثم صار من شرطة الحجاج على السجن وهو يقول إنى أصبت ام عمرو من غلول وكان عبيد يقول لو أن عليا وعثمان وطلحة والزبير شهدوا عندي على شراك نعل ما أجزت شهادتهم وقد أحدث عمرو بدعة قتل فيها الناس وفيه يقول يحيى بن معين انه رجل سوء مات سنة 144 ودفن بمران على ليال من مكة راجعا إلى البصرة. (*)
[ 26 ]
به على ما ذكرناه بحل وكما أن قولنا ذلك في علي وأصحابه فكذلك هو في الفريق الآخر فانا لسنا ننكر انهم وأتباعهم على السوء ولسنا ننكر أن يكونوا هم الفريق الضال الملعون، العدو لله البرئ من دينه، المستحق للخلود في النار، وأن يكون علي (ع) وأصحابه هم الفريق الهادي المهتدي الولي لله في سبيله ; الستحق بقتاله عائشة وطلحة والزبير وقتل من قتل منهم الجنة وعظيم الثواب. قالا ومنزلة الفريقين منزلة المتلاعنين فيهما فاسق لا يعلمه على التميز له والتعيين إلا الله عزوجل. وهذه مقالة مشهورة عن هذين الرجلين قد سطرها الجاحظ عنهما في كتابه الموسوم (بفضيلة المعتزلة) وحكاها أصحاب المقالات عنهما ولم يختلف العلماء في صحتها عن الرجلين المذكورين وانهما خرجا من الدنيا على التدين بها والاعتقاد لها بلا ارتياب. وحكى ابن يحيى أن أبا الهذيل العلاف كان على هذا المذهب في أمير المؤمنين (ع) وعائشة وطلحة والزبير متبعا فيه امامية المذكورين ولم يزل عليه إلى أن مات قال شيخ المعتزلة أيضا ومتكلميها في الفقة وأحكام الشريعة على اصولها الاصم المكنى بأبى بكر الملقب بحريال أنا أقف في كل فريق من الفريقين فلا أحكم له بهدى ولا ضلال ولا أقطع على أحدهما بشئ من ذلك في التفصيل ولا الاجمال ولكني أقول أن كان علي بن أبى طالب (ع) قصد بحرب عائشة وطلحة والزبير كف الفساد ومنع الفتنة في الارض ودفعهم عن التغلب على الامر والعدوان على العباد فانه مصيب مأجور، وان كان أراد بذلك الجبرية والاستبداد بالامر بغير مشورة من العلماء بل ليتأمر على الناس بالقهر لهم على ذلك والاضرار فهو ضال مضل من أهل النار ; قال وانما قلت ذلك لخفاء الامر لي فيه واستتار النيات في معناه واشتباه أسباب الباطل فيه باستتار الحق عند العقلاء
[ 27 ]
قال وكذلك قولي في الفريق الآخر، أقول ان عايشة وطلحة والزبير ان كانوا قصدوا بقتالهم علي بن أبى طالب (ع) وأصحابه منعه من الاستبداد بالامر من دون رضى العلماء به، وأرادوا الطلب بدم عثمان والاقتصاص له من ظالميه برد الامر شورى ليختار المسلمون من يرون فهم بذلك هداة أبرار مستحقون للثواب وان كانوا أرادوا بذلك الدنيا والعصبية والافساد في الامر وتولى الامر بغير رضى العلماء فهم بذلك ضلال مستحقون اللعنة والخلود في النار غير انه لا دليل لي على أعراضهم فيه ولا حجة تظهر في معناه من أعمالهم ولذلك وقف فيهم كما وقفت في علي وأصحابه كما بينت. وان كان طلحة والزبير أحسن حالا من علي فيما أتاه.. وقال هشام القوطي وصاحبه عباد بن سليمان الصيمري، وهذان الرجلان من أئمة المعتزلة أيضا ان عليا وطلحة والزبير وعائشة في جماعة من أتباع الفريقين كانوا على حق وهدى وصواب وكان الباقون من أصحابهم على ضلال وبوار وذلك ان عائشة وطلحة والزبير انما خرجوا إلى البصرة لينظروا في دم عثمان ويأخذوا بثاره من ظالميه وأرادوا بذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلبوا بوجه الله وخرج علي بن أبى طالب ليتفق معهم على الرأي والتدبير في مصالح الاسلام وأهله وكف السعي في الفتنة ومنع العامة مما ليس إليهم بل هو إلى وجوه العلماء وليقع التراضي بينهم على انصاف واجتهاد في طلب الحق والاجتماع على الراي فلما ترائى الجمعان تسرع غوغاؤهم إلى القتال فانتشبت الحرب بينهم على غير اختيار من القادة والرؤساء وخرج الامر عن ايديهم في تلافى ذلك فكان من الاتباع الفتنة وسفك الدماء ما لم يؤثره علي وطلحة والزبير وعائشة ووجوه اصحابهم من الفضلاء فهلك بذلك الاتباع ونجا الرؤساء وهذا يشبه ما قدمنا حكايته عن بعض العامة من وجه يخالفه
[ 28 ]
من وجه آخر يميز به الرجلان من الكافة ودفعا فيه علم الاضطرار وجحد المعروف كالعيان. وقال باقي المعتزلة كبشر بن المعتمر وأبى موسى المراد وجعفر بن بشر والاسكافى والخياط والشجام وابن مجالد البلخي والجبائي فيمن اتبعهم من أهل الاعتزال وجماعة الشيعة من الامامية والزيدية، ان أمير المؤمنين (ع) كان محقا في جميع حروبه مصيبا بقتال أهل البصرة والشام والنهروان مأجورا على ذلك مؤديا فرض الله تعالى عليه في الجهاد وان كل من خرج عليه وحاربه في جميع المواطن ضلال عن الهدى مستحقون بحربه والخلاف عليه النار غير أن من سميناه من المعتزلة خاصة استثنوا عائشة وطلحة والزبير من الحكم باستحقاق العقاب وزعموا أنهم خرجوا من ذلك إلى استحقاق الثواب بالتوبة والندم على ما فرط منهم في القتال فحكموا بضد الظاهر من الفعال والمعلوم منهم من المقال وضعفوا في دعواهم عما هو صناعتهم من الحجاج وأظنهم اتقوا به من العامة وتقربوا باظهاره إلى أمراء الزمان إذ لا شبهة تعترض أمثالهم من العلماء بالاخبار والنظار المتميزين بالكلام عن أهل التقليد في فساد هذا الاعتقاد وخالف من سميناه من المعتزلة في هذا الباب (الاصم) خاصة فانه زعم ان معاوية كان إماما محقا لاجماع الامة عليه فيما قال بعد قتل أمير المؤمنين علي (ع) مع تظامره بالشك في امامة أمير المؤمنين حسبما حكيناه فيما سلف قبل هذا المكان وكل من سميناه منهم سوى (الاصم) مع تصويبه عليا وتفسيق محاربيه ويقطع على معاوية وعمرو بن العاص في خلافهما أمير المؤمنين واستحلالهما حربه بالنار وانهما خرجا من الدنيا على الفسق الموبق لصاحبه الموجب عليه دوام العقاب وأن جميع من مات على اعتقاد امامة معاوية وتصويبه في قتال علي (ع) فهو عندهم ضال عن الهدى خارج عن الاسلام مستحق الخلود في النار وقد وافق من سميناه
[ 29 ]
من المعتزلة وكافة الشيعة الخوارج في تخطئة معوية وعمرو بن العاص وتضليلهما في قتال علي. وجماعة من المرجئة وأصحاب الحديث من المجبرة غير أن هذين الفريقين وقفا في عذابهما ولم يقطعا على دخولهما النار ورجوا لهما ولمحاربي علي وأصحابهما من غيرهم ممن ظاهره الاسلام العفو من الله وقولهم في الخوارج كذلك مع حكمهم عليهم بالضلال. رأي الخوارج: وقال الخوارج: بأجمعهم أن عليا كان مصيبا في أهل البصرة أهل الشام وانهم كانوا بقتاله ضلال كفار مستحقين الخلود في عذاب النار وادعوا مع ذلك انه أخطأ بكفه عن قتال أهل الشام حين رفعوا المصاحف واحتالوا بذلك الكف عن قتاله وشهدوا على أنفسهم بالاثم لوفاقهم في ذلك الرأي وكفهم عن قتال البغاة إلا أنهم زعموا أنهم لما ندموا على ذلك وتابوا منه ودعوا إلى القتال خرجوا من عهدة الضلال ورجعوا إلى ما كانوا عليه من الاسلام والايمان وان عليا لما لم يجبهم إلى القتال وأقام على الموادعة لمعاوية وأهل الشام كان مرتدا بذلك عن الاسلام خارجا من الدين وشبهتهم في هذا الباب مضمحلة لا يلتبس فسادها على أهل الاعتبار وذلك أن عليا (ع) انما كف عن قتال القوم لخذلان أصحابه في الحال، وتركهم النصرة له وكفهم عن القتال فاضطروه بذلك إلى الاجابة لما دعوه إليه من تحكيم الكتاب ولم يجز له قتالهم من بعد، لمكان العهد لهم في مدة الهدنة التي اضطر إليها وحظر الفساد، بنقض العهد في كل ملة وخاصة في ملة الاسلام. رأي الشيعة: واجتمت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمير المؤمنين ولكنهم لم
[ 30 ]
يحرجرهم بذلك عن حكم ملة الاسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملة ولم يكفروا كفر ردة عن الشرع مع اقامتهم على الجملة منه وإظهار الشهادتين والاعتصام بذلك عن كفر الردة المخرج عن الاسلام وان كانوا بكفرهم خارجين عن الايمان مستحقين اللعنة والخلود والنار حسبما قدمناه، وكل من قطع على ضلال محاربي أمير المؤمنين (ع) من المعتزلة فهو يحكم عليهم بالفسق واستحقاق الخلود في النار ولا يطلق عليهم الكفر ولا يحكم عليهم بالاكفار ; والخوارج تكفر أهل البصرة وأهل الشام ويخرجونهم بكفرهم الذي اعتقدوه فيهم ووسموهم به عن ملة الاسلام ومنهم من يسمهم بالشرك ويزيد على حكمه فيهم بالاكفار فهذه جمل القول فيما اختلف فيه أهل القبلة، من احكام الفتنة بالبصرة والمقتولين بها ممن ذكرناه واحكام صفين والنهروان وقد تحريت القول بالمحفوظ عن أرباب المذاهب المشهور عنهم عند العلماء وان كان بعضها قد انقرض معتقدوه، وحصل على فساد القول به الاجماع وبعضها له معتقد قيل لم ينقرضوا إلى هذا الزمان وليس ينعقد على فساده إجماع وان كان في بطلانه أدلة واضحة لمن تأملها من ذوي الالباب وأنا بمشيئة الله وعونه أذكر طرفا من الاحتجاج على كل فريق منهم خالف الحق وأثبت من الاخبار الواردة في صواب أمير المؤمنين (ع) وحقه في حروبه وأحكامه، مختصرا يغني عن الاطالة بما يتيسر به الكلام وأشفع ذلك بما يتلوه ويتصل به من ذكر أسباب الفتنة بالبصرة على ما ضمنت في ذلك بأول الكتاب. عصمة أمير المؤمنين عليه السلام: باب صواب أمير المؤمنين (ع) في حروبه كلها وحقه في جميع أقواله وأفعاله والتوفيق للمقر بآرايه وبطلان قول من خالف ذلك من
[ 31 ]
خصمائه وأعداثة فمن ذلك وضوح الحجة على عصمة أمير المؤمنين (ع) من الخطأ في الدين والزلل فيه والعصمة له من ذلك يتوصل إليها بضربين أحدهما الاعتبار والثانى الوثوق به من الاخبار فأما طريق الاعتبار الموصول إلى عصمته (ع) فهو الدليل على امامته وفرض طاعته على الانام إذ الامام لابد أن يكون معصوما كعصمة الانبياء بأدلة كثيرة قد أثبتناها في مواضع من كتبنا المعروفة في الامامة الاجوبة عن المسائل الخاصة في هذا الباب فمن ذلك ان الائمة قدوة في الدين وان معنى الائتمام هو الاقتداء، وقد ثبت ان حقيقة الاقتداء هو الاتباع للمقتدى به فيما فعل وقال من حيث كان حجة فيه دون الاتباع لقيام الادلة على صواب ما فعل وقال بسوى ذلك من الاشياء إذ لو كان الاقتداء هو الاتباع للمقتدى به من جهة حجة سواه على ذلك كان كل وفاق لذي نحلة في قول أو فعل لا من جهة قوله وفعله بل لحجة سواه اقتداء به وإئتماما وذلك باطل لو فاقنا الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الباطل والضلال في بعض أقوالهم وأفعالهم ; من حيث قامت الادلة على صواب ذلك فيهم لا من حيث ما رأوه وقالوه وفعلوه وذلك باطل بلا ارتياب ولان أحد أسباب الحاجة إلى الائمة هو جواز الغلط على الرعية وارتفاع العصمة عنها لتكون من ورائها تسدد الغالط منها وتقومه عند الاعوجاج وتنبهه عند السهو منه والاغفال ويتولى إقامة الحد عليه فيما جناه، فلو لم تكن الائمة معصومون كما أثبتناه لشاركت الرعية فيما له إليها وكانت تحتاج إلى الائمة عليها ولا تستغني عن دعاة وساسة تكون من ورائها، وذلك باطل بالاجماع على أن الائمة أغنياء عن امام وغير ما ذكرناه من الادلة على عصمتهم كثيرة وهي موجودة في أماكنها من كتبنا على بيان الوجوه واستقصائها وأنها تثبت عصمة الائمة (ع) حسبما وصفناه وأجمعت الامة على انه لو كان بعد النبي صلى الله عليه وآله امام على
[ 32 ]
الفور تجب طاعته على الانام وجب القطع على أنه أمير المؤمنين علي ابن أبى طالب دون غيره ممن ادعيت له الامامة في تلك الحال للاجماع على أنه لم يكن لواحد ممن ذكروه العصمة التي أوجبناها بالنظر الصحيح لائمة الاسلام واجماعا الشيعة الامامية على علي (ع) كان مخصوصا بها من بين الانام إذ لو لم يكن الامر كذلك لخرج الحق عن اجماع أهل الصلاة وفسد ما في العقول من وجوب العصمة لائمة المسلمين بما ذكرناه وإذا تثبت عصمة علي (ع) من الخطأ ووجب مشاركته للرسول في معناه ومساواته فيها ثبت انه كان مصيبا في كل ما فعل وقال ووجب القطع على خطأ مخالفيه وضلالهم في حيرة واستحقاقهم بذلك العقاب وهذا بين لمن تدبر والله الموفق للصواب. دليل آخر على إمامة علي عليه السلام فيما يدل على إمامته الموجبة بالحكم بعصمة على ما قدمناه بثبوت الحاجة إلى الادلة باتقان وفساد ثبوت الامامة من جهة الشورى والآراء وإذا فسد ذلك وجب النص على الائمة وفي وجوبه لثبوت إمامة علي (ع) إذ الامر بين رجلين أحدهما يوجب الامامة بالنص ويقطع على إمامة علي به ومن جهته دون ما سواها من الجهات والاخرى يمنع من ذلك ويجوزها بالرأي وإذا فسد هذا الفريق لفساد ما ذهبوا إليه من عقد الامامة بالرأي ولم يصلح خروج الحق عن أئمة الاسلام ثبتت إمامته (ع)، التصديق في الصلاة: مما يدل على إمامته (ع) من نص القرآن قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله الذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة يؤتون الزكوة وهم راكعون (1).
(1) سورة المائدة: 55، والآية نزلت في أمير المؤمنين (ع) – (*)
[ 33 ]
وهذا الخطاب موجه إلى جماعة جعل الله لهم أولياء اضيفوا إليهم باذكر والله وليهم ورسوله ومن عبر عنه بأنه من الذين آمنوا وأقاموا الصلوة وآتوا الزكوة وهم راكعون، يعني حال ركوعهم بدلالة انه لو أراد سبحانه بالخطاب جميع المكلفين لكان هو المضاف ومحال اضافة الشئ إلى نفسه وانما يصح اضافته إلى غيره ; وإذا لم تكن طائفة تختص بكونها أولياء لغيرها وليس لذلك الغير مثل ما اختصت به في الولاء وتفرد من جملتهم من عناه الله تعالى بالايمان والزكوة حال ركوعه لم يبق إلا ما ذهبت إليه الشيعة في ولاية علي (ع) على الامة من حيث الامامة له عليها وفرض الطاعة ولم يكن أحد يدعي له الزكوة في حال ركوعه الا علي (ع) وقد ثبتت امامته بذلك على الترتيب الذي رتبناه فصح انه مصيب في جميع أقواله وأفعاله وتخطئة مخالفيه حسبما شرحناه حديث المنزلة: دليل آخر وهو أيضا ما أجمع عليه أهل القبلة ولم ينازع في صحة الخبر به من أهل العلم بالرواية والآثار من قول النبي صلى الله عليه وآله مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فأوجب له بذلك جميع ما كان لهرون من موسى في المنازل إلا ما استثناه من النبوة وفي ذلك أن الله تعالى قد فرض طاعته على أمة محمد كما كان فرض طاعة هرون على
– حين تصدق بخاتمه على السائل وهو راكع في الصلاة ولما شاهد الرسول الاعظم هذه المكرمة رفع طرفه إلى السماء وقال: ان أخي موسى سألك وقال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري الآية فأنزلت عليه قرآنا: سنشد عضدك بأخيك، الآية، اللهم انى محمد نبيك وصفيك فاشرح اللهم صدري ويسر أمري وأجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي أشدد به ظهري ; فنزلت الآية، نص عليه السبط في تذكرة – (*)
[ 34 ]
أمة موسى وجعله إماما لهم كما كان هرون إماما لقوم موسى وان هذه المنزلة واجبة له بعد مضى النبي كما كانت تجب لهرون لو بقي بعد أخيه موسى ولم يجز خروجه عنها بحال وفي ذلك ثبوت إمامة أمير المؤمنين والامامة تدل على عصمة صاحبها كما بيناه فيما سلف ووصفناه والعصمة تقضي فيمن وجبت له بالصواب بالاقوال والافعال على أثبتناه فيما تقدم من الكلام وفي ذلك بيان صواب أمير المؤمنين في حروبه كلها وأفعاله بأجمعها وأقواله بأسرها وخطأ مخالفيه وضلالهم عن هداه ولاهل الخلاف من المعتزلة والحشوية والخوارج أسئلة قد أجبنا عنها في مواضعها من غير هذا الكتاب وأسقطنا شبهاتهم بدليل البرهان لم نوردها ههنا لغنانا عن دلك بثبوتها فيما سواه وانما اقتصرنا على ذكر هذه الادلة ووجوهها وعدلنا عن ايراد ما في معناها والمتفرع عليه عن اثبات رسم الحجاج في صواب علي (ع) وفساد مذهب الناكثين فيه والايماء إلى أصول ذلك ليقف عليه من نظر في كتابنا هذا ويعلم العمدة بما فيه ويستوفى معانيه فان أحب ذلك يجده في مواضعه المختصة به لنا ولغيرنا من متكلمي عصابة الحق ولان الغرض في هذا الكتاب ما لا يفتقر إلى هذه الادلة من براهين اصابة على (ع) في حروبه وخطأ مخالفيه ومحاربيه وانا سنذكر فيما يلي هذا الفصل من الكلام وتوضيح الحجة فيه على اصول مخالفينا أيضا في طريق الامامة وثبوتها عندهم من جهة الآراء إنكارهم ما نذهب إليه من قصور طريقها
– الخواص ص 9 والمحب الطبري في ذخائر العقبى ص 102 وفي الرياض النظرة (ج 2 ص 227) والرازي في تفسيره (ج 3 ص 431) وابن جرير الطبري في تفسيره (ج 6 ص 165) والخازن في تفسيره (ج 1 ص 496) ومثله البغوي في التفسير بهامشه إلى كثيرين ذكرهم العلامة الاميني في كتاب (الغدير) (ج 2 ص 48). (*)
[ 35 ]
على النص كما قدمناه وبيناه عن الغرض فيه ووصفناه من الدليل على أن أمير المؤمنين (ع) كان مصيبا في حروبه كلها وان مخالفيه في ذلك على ضلال، وهو ما تظاهرت به الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله (حربك يا علي حربي وسلمك يا علي سلمي) وقوله يا علي (أنا حرب لمن حاربك وسلم لمن سالمك) وهذان القولان مرويان من طريق العامة والخاصة، والمنتسبة من أصحاب الحديث إلى السنة المنتسبين منهم للشيعة، لم يعترض أحد من العلماء الطعن على سندهما ولا ادعى انسان من أهل المعرفة بالآثار كذب روايتهما ومن كان هذا سبيله وجب تسليمه والعمل به، إذ لو كان باطلا لما خلت الامة من عالم منها ينكره ويكذب روايته، ولا سلم من طعن فيه ولعرف سبب تخرصه وافتعاله وأقام دليل الله على بطلانه، وفي سلامة هذين الخبرين من جميع ما ذكرناه حجة واضحة على ثبوتهما حسبما بيناه. ومن ذلك الرواية المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لعلي (ع): (تقاتل يا علي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله) (1). وقوله لسهيل بن عمر ومن حضر معه لخطابه على رد من أسلم من مواليهم (لتنتهين يا معشر قريش ليبعث الله عليكم رجلا يضربكم على وتأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله) فقال له بعض أصحابه من هو يا رسول الله ؟ هو فلان قال لا قال فلان ؟ قال لا ولكنه خاصف النعل في الحجرة فنظروا فإذا به علي (ع) في الحجرة يخصف نعل النبي، وقوله لعلي: (تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين) والقول في هذه الرواية كالاخبار التي تقدمت، قد سلمت من طاعن في سندها بحجة ومن قيام دليل على بطلان ثبوتها وسلم لروايتها الفريقان فدل على صحتها. * (هامش) (1) مسند أحمد بن حنبل (ج 3 ص 33). (*)
[ 36 ]
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله: (علي مع الحق والحق مع علي) (1). وقوله صلى الله عليه وآله (اللهم أدر الحق مع علي حيث ما دار) (2). وهذا أيضا خبر قد رواه محدثوا العامة وأثبتوه في الصحيح عندهم ولم يعترض أحدهم لتعليل سنده، ولا أقدم منهم مقدم على تكذيب ناقله وليس توجد حجة في العقل ولا السمع على فساده فوجب الاعتقاد بصحته وصوابه. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) وهذا في الرواية أشهر من أن يحتاج معه إلى جمع السند له وهو أيضا مسلم عند نقلة الاخبار وقوله صلى الله عليه وآله: (قاتل الله من قاتلك وعادى الله من عاداك) والخبر بذلك مشهور وعند أهل الرواية معروف مذكور. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله (فحكم أن الاذى له أذى الله والاذى لله جل اسمه ضلال مخرج عن الايمان. قال الله تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا). وأمثال ما أثبتناه من هذه الاخبار في معانيها الدالة على صواب علي (ع) وخطأ مخالفيه كثيرة أن عملنا على إيراد جميعها طال به الكتاب وانتشر الخطاب، وفيما أثبتناه منه دليلا للحق منه كفاية في الغرض الذي نأمله انشاء الله. * (هامش) (1) تاريخ بغداد (ج 14 ص 321) ومستدرك الحاكم (ج 3 ص 119) والتلخيص للذهبي بهامشه. (2) مستدرك الحاكم النيسابوري (ج 3 ص 124). (*)
[ 37 ]
نظرة في النصوص: (فصل وسؤال) فان قال قائل انكم ان كنتم قد اعتمدتم على هذه الاخبار في عصمة علي (ع) وهي آحاد ليست من المتواترة الذي يمنع على قائلية الافتعال فما الفضل بينكم وبين خصومكم فيما يتعلقون به من أمثالها عن النبي صلى الله عليه وآله في فضل فلان وفلان ومعاوية بن أبى سفيان ؟ (الجواب) قيل له: الاخبار التي يتعلق بها أهل الخلاف في دعوى فضائل من سميت على ضربين: أحدهما لا تنكر صحته وان خصومنا منفردين بنقله إذ ليس فينا مشارك لهم في شئ منه كما شاركنا الخصوم في نقل ما أثبتناه من فضائل علي (ع) إلا أنهم يغلطون في دعوى التفضيل لهم به على ما يتحيلون في معناه والآخر مقطوع بفساده عندنا بأدلة واضحة لا تخفى على أهل الاعتبار وليست مما تساوي أخبارنا التى قدمناها لقطعنا على بطلان ما يقروا به من ذلك طعنا في رواتها واستدللنا على فسادها وأجمع مخالفونا على رواية ما رويناه مما قد بيناه وتسليمه وتخليدهم صحفهم كما ذكرناه وعدو لهم عن الطعن في شيئ منه حسبما وصفناه وان كان هذا سبيله ليس يكون الامر فيه كذلك الا لاعتقاد القوم وتسخيرهم لنقله والتسليم لرواته إذ كانت العادة جارية بأن كل شئ يتعلق به في حجاج مخالفيه ونصرة مذهبه والمنفرد به دون خصمه وكان في الاقرار به شبهة على صحة مقالته المباين لمقال مخالفيه، فانه لا يخلو من دافع له وجاحد وطاعن فيما يروم به ابطاله إلا أن لا تلزم الحجة في صوابه وأن يكون ملطوفا له في اعتقاده، أو مسخرا للاقرار به حجة الله تعالى في صحته ودليلا على ثبوته وبرهانا منه على نصرته والمحتج به وتبديل للحق فيه بلطف من لطائفه وإذا كان الامر في هذا الباب على ما بيناه وثبت تسليم
[ 38 ]
الفريقين لاخبارنا مع اختلافهم في الاعتقاد على ما ذكرناه، وصح الاختلاف بيننا وبين خصومنا في الاحتجاج بالاخبار وبراهينها حسبما اعتمدنا سقط توهم المخالف لما يحيله من المساوات بين الامرين. إنكار الخوارج والاموية فضل علي: فان عارض الخوارج وقالوا هم يدفعون ما آتيتموه من الاخبار الدالة على عصمته وذكروا الاموية، وما يعرف من ضلالهم وظاهر أمرهم في جحد ما رويناه قلنا حكمهم في جحد أخبارنا كحكمهم في جحد أخباركم سواء وإلا فما الفضل بين الامرين فانه يقال لهم الفضل بيننا وبين من عارضتم به من الخوارج في دفع النقل ظاهر لذوي الاعتبار وذلك ان الخوارج ليسوا من أهل النقل والرواية ولا يعرفون حفظ الآثار ولا الاعتماد على الاخبار لاكفارهم الامة جميعا واتهام كل فريق منهم فيما يروونه واعتمادهم لذلك على ظاهر القرآن وانكارهم ما خرج عنه القرآن من جميع الفرائض والاحكام ومن كان هذا طريقة دينه وسبيله في اعتقاده ومذهبه في النقل والاخبار ولم يعتقد بخلافه فيها على حال. فاما الاموية والعثمانية فسبب جحودهم لفضائل علي (ع) معروف وهو الحرص لدولتهم والعصبية لملوكهم وجبابرتهم وهم كالخوارج في سقوط الاعتراض بهم فيما طريقه النقل لبعدهم عن عمله وتأنيهم عن فهمه واطراحهم للعمل به وقد انقرضوا مع ذلك بحمد الله ومنه حتى لم يبق منهم أحد ينسب إلى فضل علي ولا منهم من يذكر في جملة العلماء بخلافه في شئ من الاحكام فسقط الاعتراض بهم كسقوط الاعتراض بالمارقة فيما تعتمد فيه من الاخبار مع أن الخوارج متى تعاطت الطعن في أخبارنا التي أثبتناها في الحجة على عصمة أمير المؤمنين (ع) فإنما
[ 39 ]
يقطعو بها بالطعن رواتها في دينها المخالف كما تدين به من اكفار علي (ع) وعثمان وطلحة والزبير وعائشة بنت أبى بكر ومن تولى واحدا منهم واعتقد انه من الاسلام وذلك طعن يعم جميع نقلة الدين من الملة فسقط لذلك قدحهم في الاخبار وليس كذلك طعوننا في نقل ما تفردت به الناصبة في الحديث لانا لا نطعن في رواية إلا لكذبهم فيه وقيام الحجة على بطلان معانيه دون الطعن في عقايدهم وان كانت عندنا فاسدة فوضح الفرق بيننا وبين من عارضنا في الخصومة برأيه في الاخبار على ما شرحناه. جواز قتل الناكثين: باب آخر الكلام في صواب أمير المؤمنين وحروبه وخطأ مخالفيه ضلالهم عن الحق في الشك فيه: قد بينا أن الحكم على محاربي أمير المؤمنين (ع) باضلال والقضاء له في حربهم بالصواب إذا بنى القول فيه على امامته المنصوصة وعصمته الواجبة له بما قدمناه ثبت القطع على حقيقة كل ما فعل وقال وإذا صحت الاخبار اثبتناها فيما قبل هذا المكان ومضمونها من حكم النبي صلى الله عليه وآله على محاربيه بالفسق المخرج عن الايمان لم يكن طريق إلى الشك في صوابه وخطأ مخالفيه على ما بيناه وفيما أسلفناه في ذلك مقنع لذوي الالباب وغنى لهم في الحجة على خصومهم فيما سواه ونحن نبين القول فيه أيضا بعد الذي تقدم في معناه على مذاهب خصومنا في الائمة وثبوت البعيد لهم من ذوي الرأي حسب اختلافهم في عدديتهم به العقد واجتماعهم على ما اتفقوا عليه في هذا الباب ليعلم الناظر في كتابنا هذا قوة الحق وتمكن ناصريه من الاحتجاج له والله الموفق للصواب.
[ 40 ]
البيعة لامير المؤمنين بعد عثمان: (فصل) قد ثبت بتواتر الاخبار ومتظاهر الحديث والآثار أن أمير المؤمنين (ع) كان منزلا للفتنة بقتل عثمان وانه بعد عن منزله في المدينة (1) لئن لا تتطرق عليه الظنون برغبته في البيعة بالامر على الناس وان الصحابة لما كان من أمر عثمان ما كان التمسوه وبحثوا عن مكانه حتى وجدوه فصاروا إليه وسألوه القيام بأمر الامة وشكوا إليه ما يخافونه من فساد الامة فكره اجابتهم إلى ذلك على الفور والبدأ لعلمه بعاقبة الامور وإقدام القوم على الخلاف عليه والمظاهرة له بالعداوة له والشنئآن فلم يمنعهم باؤه من الاجابة عن الالحاح فيما دعوه إليه ذكروه بالله عزوجل وقالوا له انه لا يصلح لامامة المسلمين سواك ولا نجد أحدا يقوم بهذا الامر غيرك فاتق الله في الدين وكافة المسلمين فامتحنهم عند ذلك بذكر من نكث بيعته بعد أن أعطاها بيده على الايثار وإماما لهم إلى مبايعة أحد الرجلين، وضمن النصرة لهما متى أرادوا اصلاح الدين وحياطة الاسلام فأبى القوم عليه تأمير من سواه والبيعة لمن عاداه وبلغ ذلك طلحة والزبير فصارا إليه راغبين في بيعته منتظرين للرضا بتقدمه عليهما وإمامته عليهما فامتنع فألحا عليه في قبول بيعتهما له، واتفقت الجماعة كلها على الرضا به وترك العدول عنه إلى سواه، وقالوا أن تجبنا إلى ما دعوناك إليه من تقليد الامر وقبول البيعة وإلا انفتق الاسلام
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 ص 154) حصر عثمان وعلي بخيبر وفي شرح النهج لابن أبى الحديد (ج 2 ص 400) كتب عثمان إلى علي فان كنت مأكولا فكن خير آكل وإلا فأدركني ولما امزق وفي العقد الفريد (ج 2 ص 278) مثله. (*)
[ 41 ]
ما لا يمكن رتقه وانصدع في الدين ما لا يستطاع شعبه فلما سمع ذلك منهم بعد الذي ذكرناه من الاباء عليهم والامتناع لتأكيد الحجة لنفسه بسط يده لبيعتهم فتداكوا عليه تداك الابل على حياضها يوم ورودها حتى شقوا أعطافه ووطؤا ابنيه الحسن والحسين بأرجلهم لشدة ازدحامهم عليه وحرصهم على البيعة له والصفقة بها على يده رغبة بتقديمه على كافتهم وتوليته أمر جماعتهم لا يجدون عنه معدلا ولا يخطر ببالهم سواه لهم موئلا فتمت بيعة المهاجرين والبدريين والانصار العقبيين المجاهدين في الدين والسابقين إلى الاسلام من المؤمنين وأهل البلاء الحسن مع النبي صلى الله عليه وآله من الخيرة البررة الصالحين ولم تكن بيعته (ع) مقصورة على واحد أو أثنين أو ثلاثة ونحوها في العدد كما كانت بيعة أبى بكر مقصورة عن بعض أصحابه على بشر بن سعد فتمت بها عنده ثم اتبعه عليها من تابعه عليها من الناس وقال بعضهم بل تمت ببشر بن سعد وعمر ابن الخطاب وقال بعضهم بل تمت بالرجلين المذكورين وأبى عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة واعتمدوا ذلك في أن البيعة لانتم بأقل من أربعة نفر من المسلمين، وقال بعضهم بل تمت بخمسة نفر: قيس ابن سعد واسيد بن خضير من الانصار وعمر وأبو عبيدة وسالم من المهاجرين ثم تابعهم الناس بعدها بالخمسة المذكورين ومن ذهب إلى هذا المذهب الجبائى وأبيه والبقية من أصحابهما في هذا الزمان. وقالوا في بيعة عمر بن الخطاب مثل ذلك فزعم من يذهب الا أن البيعة تتم بواحد من الناس وهم جماعة من المتكلمين منهم الخياط والبلخى وابن مجالد ومن ذهب مذهبهم من أصحاب الاختيار أن الامامة تمت لعمر بأبى بكر وحده وعقد له إياها دون من سواه. وكذلك قالوا في عثمان بن عفان والعقد له انه تم بعبد الرحمن بن عوف خاصة وخالفهم على ذلك من أضاف إلى المذكورين غيرهما في العقد
[ 42 ]
وزعم أن بيعة عمر انفردت من الاختيار له عن الامام وعثمان انما تم له الامر ببيعة بقية أهل الشورى وهم خمسة نفر، أحدهم عبد الرحمن فاعترفت الجماعة من مخالفينا بما هو حجة عليهم في الخلاف على أئمتهم وبشذوذ العاقدين لهم وانحصار عددهم بمن ذكرناه. وثبتت البيعة لامير المؤمنين (ع) باجماع من حوته مدينة الرسول من المهاجرين والانصار وأهل بيعة الرضوان ومن انضاف إليهم من أهل مصر والعراق في تلك الحال من الصحابة والتابعين باحسان ولم يدع أحد من الناس انه تمت له بواحد مذكور ولا انسان مشهور ولا بعدد يحصى محصور فيقال تمت بيعته بفلان واحد وفلان وفلان كما قيل في بيعة أبي بكر وعمر وعثمان. وإذا ثبت بالاجماع من وجوه المسلمين وأفاضل المؤمنين والانصار والمهاجرين على إمامة أمير المؤمنين (ع) والبيعة له على الطوع والايثار وكان العقد على الوجه الذيي ثبت به إمامة الثلاثة قبله عند الخصوم بالاختيار وعلى أوكد منه بما ذكرناه في الرغبة إليه في ذلك والاجماع عليه ممن سميناه من المهاجرين والانصار والتابعين باحسان حسبما بيناه ثبت فرض طاعته وحرم على كل أحد من الخلق التعرض لخلافه ومعصيته ووضح الحق في الحكم على مخالفيه ومحاربيه بالضلال عن هدايته والقضاء بباطل مخالفة أمره وفسقهم بالخروج عن طاعته لما أوجب الله تعالى من طاعة أولياء أمره في محكم كتابه حيث يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم) فقرن طاعة الائمة بطاعته ودل على أن المعصية لهم كمعصيته على حد سواء في حكمه وقضيته وأجمع أهل القبلة مع عن ذكرناه على فسق محاربي أئمة العدل وفجورهم بما يرتكبونه من حكم السمع والعقل وإذا لم يكن أمير المؤمنين (ع) أحدث بعد البيعة العامة له يخرجه عن العدالة
[ 43 ]
ولا كان قبلها على الظاهر بخيانة في الدين ولا خرج عن الامامة كان المارق عن طاعته ضالا فكيف إذا أضاف له بذلك حربا واستحلالا لدمه ودماء المسلمين معه ويبغي بذلك في الارض فسادا يوجب عليه التنكيل بأنواع العقاب، المذكور في نص من قوله تعالى: (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض) (1). هذا بين أن لم يحجب الهوى ويبعد عن فهمه العمى والله نسأل التوفيق. تأخر سعد واسامة عن حرب البصرة: (فصل وسؤال) فان قال قائل كيف تتم لكم دعوى الاجماع على بيعة أمير المؤمنين (ع) وقد علمتم ان الاخبار قد ثبتت بتخلف سعد بن
(1) ذكر أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي المعافري الاندلسي المتوفى سنة 542 في (أحكام القرآن) ج 2 – ص 224 أن عليا (ع) كان إماما لانهم أجتعموا عليه ولم يمكنه ترك الناس لانه كان أحق الناس بالبيعة فقبلها حوطة على الامة وان لا تسفك دماءها بالتهارج ويتخرق الامر وربما تغير الدين وانقض عمود الاسلام وطلب أهل الشام منه التمكين من قتلة عثمان فقال لهم علي (ع) ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه وكان علي (ع) أسدهم رأيا وأصوب قولا لانه لو تعاطى القود لتعصبت لهم قبائلهم فتكون حربا ثالثة قانتظر بهم أن يستوثق الامر وتنعقد البيعة العامة ثم ينظر في مجلس الحكم ويجري القضاء ولا خلاف بين الامة انه يجوز للامام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة وتشتيت الكلمة. وحينئذ فكل من خرج على علي (ع) باغ وقتال الباغي واجب حتى يفئ إلى الحق وينقاد إلى الصلح وأن قتاله لاهل الشام الذين – (*)
[ 44 ]
أبي وقاص، و عبد الله بن عمر بن الخطاب، واسامة بن زيد ; ومحمد بن مسلمة ; ومظاهرتهم له بالخلاف فيما راقبه بالقتال. (الجواب): قيل له أما تأخر من سميت عن الخروج مع أمير المؤمنين (ع) إلى البصرة فمشهور ورأيهم في القعود عن القتال معه ظاهر معروف وليس ذلك بمناف لبيعتهم له على الايثار ولا مضاد للتسليم لامامته على الاختيار والذي ادعى عليه الامتناع في البيعة وأشكل عليه الامر فظن انهم لو تأخروا عن نصرته كان ذلك منهم لامتناعهم عن بيعته، وليس الامر كما توهموا إلا أنه قد يعرض للانسان شاك فيما تيقن سلطانه في صوابه، ولا يرى لسلطان حمله على ما هو شاك فيه لضرب من الرأي يقتضيه الحال في صواب التدبير وقد يعتقد الانسان أيضا صواب غيره في شئ يحمله الهوى على خلافه فيظهر فيما صار إليه من ذلك شبهة تعذره عند كثير من الناس فعاله وليس كل من اعتقد طاعة إمامه كان مضطرا إلى وفاقه بل قد يجمع الاعتقاد لحق الرئيس
أبوا الدخول في البيعة وأهل الجمل والنهروان الذين خلعوا بيعته حق وكان حق الجميع أن يصلوا إليه ويجلسوا بين يديه ويطالبوه بما رأوا فلما تركوا ذلك بأجمعهم صاروا بغاة فتناولهم قوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله). ولقد عتب معاوية على سعد بن أبي وقاص بعدم مشاركته له فقال سعد رادا عليه لقد ندمن على تأخري عن قتال الفئة الباغية يعني بها معاوية ومن تابعه اه. وفى أحكام القرآن للجصاص المتوفى سنة 370 (ج 3 ص 492) أن عليا كان محقا في قتاله الفئة الباغية لم يخالف فيه أحد. وفي (روح المعاني) للالوسي (ج 26 – ص 151) عن الحاكم والبيهقي عن عبد الله بن عمر انه قال ما وجدت في نفسي من شئ – (*)
[ 45 ]
المقدم في الدين مع العصيان له في بعض أوامره ونواهيه ولولا أن ذلك كذلك لما عصى الله من يعرفه ولا خالف نبيه صلى الله عليه وآله ممن يؤمن به وليس هذا من مذاهب خصومك في الامامة فتوضح عنه بما يكسر شبهة مدعيه على أن الاخبار قد وردت باذعان القوم بالبيعة مع اقامتهم على ترك المساعدة والنصرة وما تضمنت ذكر أعذار لهم زعموها في ذلك وجاءت بما كان من أمير المؤمنين فيما أظهروه وإنكاره له بحسب ما اقتضته الحال في مثله من الخطأ فيما ارتكبوه. فروى أبو مخنف لوط بمن يحي الازدي في كتابه الذي صنفه في حرب البصرة عن أصحابه، وروى غيره من أمثاله الرواة للسيرة عن سلفهم أصحاب أمير المؤمنين (ع) لما هم بالمسير إلى البصرة بلغه عن سعد أبن ابى وقاص وابن مسلمة واسامة بن زيد وابن عمر تثاقلهم عنه فبعث إليهم فلما حضروا قال لهم قد بلغني عنكم هنات كرهتها وأنا لا أكرهكم على المسير معي على بيعتي: قالوا بلى، قال فما الذي يقعدكم عن صحبتي ؟ فقال له سعد إني أكره الخروج في هذا الحرب فاصيب مؤمنا فان أعطيتني سيفا يعرف المؤمن من الكافر قاتلت معك. وقال له اسامة أنت أعز الخلق علي ولكني عاهدت الله أن لا اقاتل أهل لا إله إلا الله، وكان اسامة قد أهوى برمحه في عهد رسول الله إلى رجل في الحرب من المشركين فخافه الرجل فقال لا إله إلا الله فشجره
– ما وجدت في نفسي من هذه الآية وهي قوله تعالى: فقاتلوا التي تبغي الخ) حيث انى لم اقاتل الفئة الباغية يعني معاوية ومن معه من الباغين على علي (ع) اه، ولم يتعقبه الالوسي بشئ، ثم ذكر الالوسي عن بعض الحنابلة التصريح بوجوب قتال الباغين احتجاجا بأن عليا (ع) اشتغل في زمان خلافته بقتال الباغين دون الجهاد فهو إذا أفضل من الجهاد. (*)
[ 46 ]
بالرمح فقتله فبلغ النبي صلى الله عليه وآله خبره فقال يا اسامة أقتلت رجلا يشهد ان لا إله إلا الله ؟ فقال يا رسول الله إنما قالها تعوذا، فقال له ألا شفقت عن قتله فزعم اسامة أن النبي صلى الله عليه وآله أمره أن يقاتل بالسيف من قاتل المشركين فإذا قوتل به المسلمون ضرب بسفه الحجر فكسره. وقال عبد الله بن عمر لست أعرف في هذه الحرب شيئا أسألك أن لا تحملني على ما لا أعرف. فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام ليس كل مفتون معاتب الستم على بيعتي قالوا بلى قال انصرفوا فسيغنيني الله عنكم فاعترفوا له (ع) بالبيعة وأقاموا في تأخرهم عند عذرا لم يقبله منهم وأخبر أنهم بتركهم الجهاد مفتنون ولم ير الانكار عليهم في الحال بأكثر مما أبداه من ذكر المهم عن الصواب في خلافته والشهادة بفتنتهم بترك وفاقهم له. ولان الدلائل الظاهرة على حقه (ع) تغني عن محاججتهم بالكلام ومعرفته بباطن أمرهم الذي أظهروا خلافه في الاعتذار يسقط عن فرض التنبيه الذي يحتاج إليه أهل الرقدة عن البيان وقد قال الله عز وجل في تأكيد ما ذكرناه وحجة على ما وصفناه (بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره. وقد ذكر بعض العلماء ان الاسباب في تأخر القوم عن نصرة أمير المؤمنين (ع) بعد البيعة له معروفة وان الذي أظهروه من الاعتذار في خلافه خداع منهم وتمويه وستر علي أنفسهم ما استبطنوه منه خوفا من الفضيحة فيه، فقال أما سعد بن مالك فسبب قعوده عن نصرة أمير المؤمنين (ع) الحسد له والطمع كان منه في مقامه الذي يرجوه فلما خاب من أمله حمله الحسد على خذلانه والمباينة له في الرأي قال والذي أفسد سعدا طمعه فيما ليس له بأهل وجرأة على مسامات أمير المؤمنين بادخال عمر بن الخطاب إياه في الشورى وتأهيله إياه للخلافة وإيهامه
[ 47 ]
لذلك انه محل الامامة فقدم عليه وأفسد حاله في الدنيا والدين حتى خرج منها صفرا مما كان يرتجيه. وأما اسامة بن زيد فان النبي صلى الله عليه وآله كان ولاه في مرضه الذي توفى فيه على أبى بكر وعمر وعثمان فلما مضى رسول الله سبيله انصرف القوم عن معسكره وخدعوه بتسميته مدة حياتهم له بالامرة مع تقدمهم عليه في الخلافة وصانعوه بذلك مما خالفوه فيه من السمع له والسير معه والطاعة واغتر بخداعهم وقبل منهم مصانعتهم وكان يعلم ان أمير المؤمنين لا يسمح له بالخداع ولا يصانعه مصانعة القوم ويحذر من التسمية التى جعلوها له ولا يرفعه عن منزلته ويسير به سيرته في عبيده وموالي نعمته إذ كان ولائه له بالتعق الذي كان من انزاعه النبي صلى الله عليه وآله لابيه بعد استرقاقه فصار كذلك بعد النبي صلى الله عليه وآله غير انه منه في الولاء فكره الانحطاط عن رتبته التى رتبها القوم فيه ولم يجد إلى التخلص من ذلك إلا بكفر النعمة والمباينة لسيده والخلاف لمولاه فحمل نفسه على ذلك لما ذكرناه. وأما محمد بن مسلمة فانه كان صديق عثمان بن عفان وخاصته وبطانته فحملته المعصية له على معاونة الطالبين بثاره وكره أن يتظاهر في الكون في حيز المحاربين فهم المباينين طريقهم ولم ير بمقتضى الحال معاونة أعدائهم ولا سمحت نفسه بذلك فأظهر من العذر بتأخره عن نصرة أمير المؤمنين بخلاف باطنه منه مما كره وسترا لقبيح سريرته. وأما عبد الله بن عمر فانه كان ضعيف العقل كثير الجهل ماقتا لامير المؤمنين (ع) وراثة الخلف عن السلف ما يرثونه من المودة والعداوة وكان أمير المؤمنين (ع) مع ذلك قد شجاه بهدر دم أخيه عبيد الله لقتله الهرمزان وأجلاه عن المدينة وشرده في البلاد لا يأمن على نفسه من الظفر به فيسقط قودا فلم تسمح نفسه بطاعة أمير المؤمنين (ع) ولا
[ 48 ]
أمكنه المقت من الانقياد له لنصرته وتجاهل ما أبداه من الحيرة في قتال البغاة والشك في لمسه ذلك وحجته. روى هذا الكلام بعينه عن أمير المؤمنين في أسباب تأخر القوم عنه فان صحت الرواية بذلك فهو أوكد بحجته وان لم تثبت كفى في برهانه أن قائله ليس من أهل العلم له صحة فكر وصفاء فطنة. على أنا لو سلمنا لخصومنا ما ادعوه من امتناع سعد وابن مسلمه واسامة وابن عمر من بيعة أمير المؤمنين وكراهتهم لها باعتزالهم إياها وأضفنا إليهم في ذلك أمثالهم ممن ظاهر عليه بالعداوة كزيد بن ثابت وحسان بن ثابث ومروان بن الحكم بن أبى العاص و عبد الله بن الزبير وولد عثمان بن عفان وجماعة ممن كان معهم في الدار يوم الحصار بني امية المعروفين بمقت بني هاشم وعداوتهم والمباينة لهم في الجاهلية والاسلام بالخلاف لما قدح فيما اعتمدنا من دليل إمامته (ع) الذي بينا القول فيه على مذاهب الخصوم من الحشوية والمرجئة والخوارج وأهل الاعتزال وقاعدتهم في ثبوت البيعة بالاختيار من أهل الرأى إذ كنا لم نعتمد في ذلك على اجماع كافة أهل الاسلام وانما اعتمدنا ما ثبت به العقل على امور القوم في بيعة أهل الفضل منهم والاجتهاد واستظهرنا في التأكيد لذلك بذكر إجماع المهاجرين الاولين وعيون الانصار وفضلاء المسلمين ممن حوته المدينة يومئذ والتابعين بأحسان والخيرة الصالحين من أهل الحجاز والعراق ومصر وغيرها من البلاد والذين كانوا حاضرين بالمدينة يومئذ بأجمعهم سوى من يعتصم بخلافة الخصوم محصور عددهم لقلتهم رضوا بامامة أمير المؤمنين (ع) ورغبوا في تولي الامر وسألوه ورأوا أن لا يستحق له سواه وتابعوه على الطوع منهم والايثار وبذلوا نفوسهم من بعد البيعة معه في جهاد أعدائه واعتقدوا أن التأخر عن طاعته في قتال أعدائه ضلال موبق وفسق مخرج عن
[ 49 ]
الايمان والبيعة عند مخالفينا تتم ببعض من ذكرناه إذ كانوا خمسة نفر على قول فريق منهم أو أربعة على قول آخرين أو أثنين على مذهب فريق آخر بل تتم عند أكثرهم بواحد حسبما ذكرناه فكيف يحل مع ذلك بدليلنا الذي ذكرناه في إمامته (ع) خلاف النفر الذين تعلق بذكرهم في القعود عن القتال ممن تعلق أو بما ظهر بعد البيعة من خلاف مرتكبها. ومباينة معاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص بعد الذي كان من مراسلتهما أمير المؤمنين (ع) بالبيعة والطاعة بشرط أقرارهما على ما ولاهما عليه عثمان من الاعمال فلما أبى ذلك خوفا من الله تعالى ظاهروا عليه بالخلاف وان خصومنا جهال أغمار لا معرفة لهم بوجوه النظر ولا علم لهم بالاخبار. ونحن نذكر الآن جملة من بايع أمير المؤمنين (ع) الراضين بامامته الباذلين لانفسهم في طاعته بعد الذي أجملناه من الخبر عنهم ممن يعترف المنصف بوقوفه على أسمائهم تحقيق ما وصفناه عن عنايتهم في الدين وتقدمهم في الاسلام ومكانهم من نبي الهدى وان الواحد منهم لو ولى العقد لامام لانعقد الامر به خاصة عند خصومنا فضلا عن جماعتهم وعلى مذهبهم فيما يدعونه من ثبوت الامامة بالاختيار وآراء الرجال وتضمحل بذلك عنده شبهات الاموية فيما راموه من القدح في دليلنا بما ذكروه من خلاف من سموه حسبما قدمنا ومن بايع أمير المؤمنين بغير ارتياب ودان بامامته على الاجماع والاتفاق، واعتقد فرض طاعته والتحريم لخلافه ومعصيته والحاضرون معه في حرب البصرة الف وخمسمائة رجل من وجوه المهاجرين الاولين والسابقين إلى الاسلام والانصار البدريين العقبيين وأهل بيعة الرضوان من جملتهم سبعائه من المهاجرين وثمانمائة من الانصار سوى أبنائهم وحلفائهم ومواليهم وغيرهم من بطون العرب والتابعين باحسان على ما جاء به الثبت من الاخبار.
[ 50 ]
بيعة المهاجرين: فمن جملة المهاجرين عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وحبيبه أخص الاصحاب كان به والثقة قبل البعثة وبعدها وأنصر الناس له وأشدهم اجتهادا في طاعته المعذب في الله أبوه وامه في أول الاسلام الذي لم يكن لاحد من الصحابة في المحنة ما كان له ولا نال أحد منهم في الدين من المكروه والصبر على الاسلام كما ناله، لم تأخذه في الله لومة لائم، مقيم مع شدة البلاء على الايمان الذي اختص من رسول الله بمديح لم يسبقه فيها سواه من الصحابة كلها، مع شهادته له بالجنة مع القطع والبيان لانذاره من قتله والتبشير لقاتله بالنار على ما اتفق عليه أهل النقل من حملة الآثار فمن ذلك قول رسول الله (ص) ان الجنة لتشتاق إلى عمار فانها إليه أشوق منه إليها، وقوله بشر قاتل عمار وسالبه بالنار، وقوله صلى الله عليه وآله عمار جلدة بين عيني وأنفي، وقوله لا تؤذوني في عمار، وقوله عمار ملا إيمانا وعلما، في أمثال ذلك من المدايح والتعظيمات التي اختص بها على ما ذكرناه. ثم الحصين بن الحرث بن عبد المطلب والطفيل بن الحرث المهاجران البدريان ومسطح بن أثاثه وحجار بن سعد الغفاري و عبد الرحمن بن جميل الجمحي و عبد الله ومحمد ابنا بديل الخزاعي والحرث بن عوف وأبو عابد الليثي والبراء بن عازب وزيد بن صوحان ويزيد بن نويرة الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بالجنة وهاشم بن عتبة المرقال وبريدة الاسلمي وعمرو بن الحمق الخزاعي وهجرته إلى الله ورسوله معروفة ومكانه منه مشهور ومدحه له مذكور والحرث بن سراق وأبو اسيد ابن ربيعة ومسعود بن أبي عمر و عبد الله بن عقيل وعمر بن محصن وعدي بن حاتبم وعقبة بن عامر ومن في عدادهم ممن أدرك عصر النبي
[ 51 ]
كحجر بن عدي الكندي وشداد بن أوس في نظرائهما من الاصحاب وامثال من تقدم ذكره من المهاجرين على طبقاتهم في التقى ومراتبهم في الدين ممن يطول تعداد ذكره والكلام فيه. بيعة الانصار: ومن الانصار أبو أيوب وخالد بن زيد صاحبا رسول الله صلى الله عليه وآله وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبى الهيثم بن التيهان وأبو سعيد الخدري وعبادة ابن الصامت وسهل وعثمان ابنا حنيف وأبو عباس الزرقي فارس رسول الله صلى الله عليه وآله يوم احد وزيد بن أرقم وسعد وقيس ابنا سعد بن عبادة وجابر بن عبد الله بن حزام ومسعود بن أسلم وعامر ابن أجبل وسهل بن سعيد والنعمان بن حجلان وسعد بن زياد ورفاعة أبن سعد ومخلد وخالد ابني أبي خلف وضرار بن الصامت ومسعود بن قيس وعمر بن بلال وعمار بن اوس ومرة الساعدي ورفاعة بن مالك الزرقي وجبلة بن عمرو الساعدي وعمر بن حزم وسهل بن سعد الساعدي في أمثالهم من الانصار الذين بايعوا البيعتين وصلوا القبلين واختصوا من مدايح القرآن والثناء عليهم من نبي الهدى عليه وآله السلام مما لم يختلف فيه من أهل العلم اثنان وممن لو أثبتنا أسماءهم لطال بها الكتاب ولم يحتمل استيفاء العدد الذي حددناه. بيعة الهاشميين: ومن بني هاشم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي ومختلف الملائكة الحسن والحسين سبطا الرحمة وسيدا شباب أهل الجنة عليهما السلام ومحمد بن الحنفية و عبد الله بن جعفر ومحمد وعون ابنا جعفر الطيار و عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن عم رسول الله
[ 52 ]
والفضل وقثم وعبيد الله بنو العباس و عبد الله بن أبي لهب و عبد الله ابن الزبير بن عبد المطلب و عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وكافة بني هاشم وبني عبد المطلب. بيعة باقي الشيعة: ومن يلحق منهم بالذكر من أوليائهم وعليه شيعتهم وأهل الفضل في الدين والايمان والعلم والفقه والقرآن المنقطعين إلى الله تعالى بالعبادة والجهاد والتمسك بحقائق الايمان: محمد بن أبي بكر ربيب أمير المؤمنين وحبيبه ومحمد بن أبي حذيفة وليه وخاصته المستشهد في طاعته ومالك ابن الحرث الاشتر النخعي سيفه، المخلص في ولايته وثابت بن قيس النخعي وكميل بن زياد وصعصعة بن صوحان العبدى وعمر بن زاررة النخعي و عبد الله بن أرقم وزيد بن الملفق وسليمان بن صرد الخزاعي وقبيصة وجابر و عبد الله ومحمد بن بديل الخزاعي و عبد الرحمن بن عديس السلولى واويس القرنى وهند الجملي وجندب الازدي والاشعث ابن سوار وحكيم بن جبلة ورشيد الهجري ومعقل بن قبس بن حنظلة وسويد بن الحارث وسعد بن مبشر و عبد الله بن وال ومالك ابن ضمرة والحارث الهمداني وحبة بن جويرة العرنى ممن كانوا بالمدينة عند قتل عثمان وأطبقوا على الرضا بأمير المؤمنين (ع) فبايعوه على حرب من حارب وسلم من سالم وأن لا يولوا في نصرته الادبار وحضروا مشاهده كلها لا يتأخر عنه منهم أحد حتى مضئ الشهيد منهم على نصرته وبقى المتأخر منهم على حجته حتى مضى أمير المؤمنين (ع) لسبيله وكان من بقى منهم بعده على ولايته والاعتقاد بفضله على الكافة بامامته وإذا كان الامر في بيعته حسب ما ذكرناه واجماع من سميناه ونعتناه على الرضا به والطاعة له والاعتقاد كما وصفناه بطل اعتراض المتعرض في
[ 53 ]
ثبوت إمامته بتأخر من سميناه من البيعة وتفردهم عن الحرب معه ووضح حصر عددهم وقلت ان الاجماع كان من كافة أهل الهجرة عليه إذ لو كان هناك سوى النفر المعدودين في خلاف أمير المؤمنين (ع) لشركهم في الرأي وذكرهم الناس في جملتهم وأحصوهم في عددهم وألحقوهم بهم فيما انفردوا به من جماعتهم ولم يكن لغيرهم ذكر في ذلك فصح ما حكيناه من اتفاق المهاجرين والانصار وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان والتابعين باحسان على إمامته كما قدمناه فيما سلف وذكرناه والمنة لله. الاجبار في البيعة: فان قال قائل قد وجدتكم فيما احتججتم به على مخالفيكم في إمامة علي (ع) وثبوتها الموجب لضلال مخالفيه وخروجهم بحربه عن الايمان عقد الصحابة على الاختيار ورغبتهم إليه في تولي امورهم ومسائلته في ذلك وإباؤه له حتى اجتمع المسلمون والالحاح ممن بايعه طوعا من المهاجرين والانصار وقد جاءت الاخبار بضد ذلك وانه كان قاهرا للامة مجبرا لها على البيعة مكرها في ذلك الناس. فروى الواقدي عن هاشم بن عاصم عن المنذر بن الجهم قال سألت عبد الله بن تغلبة كيف كانت بيعة علي عليه السلام قال رأيت بيعة رأسها الاشتر يقول من لم يبايع ضربت عنقه وحكيم بن جبلة وذووهما ما ظنك بما يكون أجبر فيه جبرا ثم قال أشهد لرأيت الناس يحشرون بيعته فيتفرقون فيؤتى بهم فيضربون ويعسفون فبايع من بايع وانفلت من انفلت، وروى أيضا عن سعيد بن المسيب قال لقيت سعد بن زيد بن نفيل فقلت بايعت ؟ فقال ما أصنع إن لم أفعل قتلني الاشتر وذووه قال وقد عرف الناس من طلحة والزبير كانا يقولان بايعناه مكرهين، وروى عنهما انهما قالا بايعناه بأيدينا ولم تبايعه قلوبنا، والخبر مشهور عن طلحة بن عبد الله
[ 54 ]
إنه كان يقول بايعت مع علي وإلا رقبتي، قالوا وإذا كان البيعة لعلي بقهر وإصرار وإكراه الناس وإجبار لم تثبت إمامته ولم يثبت نظيرها في بيعة أبى بكر وعمر وعثمان، الجواب: فيقال للمعترض لما حكيناه، لسائل عما ذكرناه، فاما الواقدي فعثماني المذهب بالميل عن علي أمير المؤمنين (ع) والذي رووا عنه ما رواه من إكراه الناس علي البيعة لامير المؤمنين (ع) والتخرص عليه باضافة الاباطيل إليه وقد ثبت ان شهادة المشاجر مردودة بالاجماع وحديث الخصم فيما قدح به عدالة خصمه مطروح بالاتفاق وقول المتهم الظنين غير مقبول بلا اختلاف فلا حجة في الحديث المذكور عن ابن تغلبة. ولو سلم من جميع ما وصفناه من الطعن فيه إذا كان فانه خبر واحد يضاد التواتر الوارد بخلاف معناه فكيف وهو من الوهن عل ما بيناه. وأما خبر أبن المسيب عن سعيد بن زيد بن نفيل فقد صرح فيه باقرار سعيد بالبيعة ودعواهم انه بايع خوفا من الاشتر باطلة إذا كان ظاهره بخلاف ما ادعاه فيه وليس كل من خاف شيئا فقد وقع خوفه موقعه بل أكثر من يخاف متوهم للبعد ظان للباطل متخيل للفاسد ولم يذكر سعيد شيئا من إمارات خوفه فيكون له حجة فيما ادعاه ولم يقل أحد ان الاشتر ولا غيره من شيعة أمير المؤمنين (ع) كلموا ممتنعا من بيعته في الحال ولا ضربوا أحدا منهم بالسوط ولا نهروه فضلا عن القتل وضرب الرقاب فكيف يخاف سعيد من الاشتر مع ما ذكرناه وأنى يكون لخوفه وجه صحيح على ما نقلناه وهذا يدل على كذب الواقدي فيما أضافه إلى سعيد بن زيد من الخوف وأخبر عنه أو على تمويه سعيد فيما ادعاه. وأما قول طلحة والزبير إنهما بايعا مكرهين فالكلام فيه كالكلام
[ 55 ]
على ابن المسيب عن سعيد والتهمة لهما في ذلك أوكد لانهما جعلا ذلك عذرا في نكثهما البيعة والخروج عن الطاعة وطلب الرياسة والامرة فلم يجدا إلى ذلك سبيلا مع ما كان منهما في ظاهر الحال من البيعة على الطوع بلا اجبار إلا بدعوى الاكراه والاحالة في ذلك على الضمائر والبواطن التي لا يعلمها إلا الله وقد ثبت في حكم الاسلام الاخذ لهما بمقتضى الاقرار منهما في البيعة والقضاء عليها بلزوم الطاعة لهما لمن بايعاه والخلاف عليهما لامامهما الذي اعترفا ببيعتهما له وصفقا له بأيديهما على يده بالعقد له على ظاهر الرضا والايثار وسقوط دعواهما للباطن المضاد للحكم الظاهر من ذلك وما زعماه من حكم الكراهة في قلوبهما على ما ادعياه. مع أن ظهور مشاحتهما لامير المؤمنين (ع) ومظاهرتهما له بالعداوة وبلوغهما في ذلك الغاية من ضرب الرقاب وسفك الدماء يبطل دعواهما على ما يقدح في عدالته ويؤثر في إمامته ويمنعه حقا له على كل حال. على أنه لو ثبت الاكراه في البيعة لامير المؤمنين لمن ادعى المخالفون إكراهه لم يقدح ذلك في إمامته (ع) على أن اصول شيعته الداينين بالنص عليه من رسول الله صلى الله عليه وآله تقتضي ذلك لان الامام المنصوص عليه المفترض طاعته على الانام أن يكره من أبى طاعته ونصرته بالسوط والسيف على ذلك حتى يفئ إلى أمر الله والانقياد له ويزول بذلك ما يحذر من فسادهم وفتنهم ولا يؤثر أيضا في إمامته على مذهب المخالفين القائلين بالاختيار لانه إذا بايع عندهم من أهل الفضل عدد محصور ثبت له العقد ووجبت له الطاعة وكان له إكراه من أبى البيعة ورام الخلاف والعصيان واعمال السوط والسيف في ردعه عن ذلك وإكراهه على الطاعة والدخول مع الجماعة ومعلوم ان أمير المؤمنين قد بايعه على الرضا به من لا يحصى عددهم كثرة ممن جاهد معه في حروبه وبذل دمه في نصرته من المهاجرين البدريين والانصار العقبيين وأهل
[ 56 ]
بيعة الرضوان، والتابعين باحسان ممن أثبتنا أسماء بعضهم فيما سبق هذا الفصل في الكتاب فبطل ما تعلق به الخصم من دعوى الاكراه لمن سموه والخبر في ذلك على ما ادعوه والاعتماد على أخبار شواذ به يبطله الظاهر والمنتشر في خلافهما من الاخبار. إنكار جماعة بيعة ابي بكر: على أنه يقال للخصم ان كان الخبر باكراه قوم على بيعة أمير المؤمنين يقدح في إمامة عدل فقد جاءت الاخبار المتواترة باكراه من اكره على بيعة أبي بكر وعمر وعثمان فيجب أن نقطع على فساد إمامتهم بذلك وإلا كنت مناقضا عند العقلاء، ألا ترى ان المعلوم المنتشر بعد بلا ارتياب من مباينة الانصار في بيعة أبي بكر ودعائها إلى البيعة لسعد ابن عبادة وإنكاره بيعة سواه وتضمن على حرف الامر عن قريش وشروعها في ذلك حتى اختلف كلمتهم وأفسد أمره بشر بن سعد منهم وبايع أبا بكر حسدا لابن عمه وظنا عليه بالرياسة وكراهة الاتباع له والتقدم على نفسه فوقعت الفتنة وسلت السيوف ودعا عمر بن الخطاب إلى قتل سعد بن عبادة وحرض عليه في ذلك وقال اقتلوا سعدا قتل الله سعدا فخافت الانصار من ظفرها والجناية عليها فحملوا سعدا من السقيفة بين جماعتهم لضعفه عن النهوض بنفسه لمرض كان به في الحال وانحاز إليه أهل بيته كارهين لبيعة من عقدت له منكرين لما تم لابي بكر متوعدين فيه بالخلاف. وجاءت الاخبار متظافرة بانكار الزبير بن العوام لبيعة أبى بكر وخروجه بالسيف مصلتا للقتال فتكاثر القوم عليه حتى أخذوه من يده وضربوه بالاحجار فكسروه وجاؤا به ملببا لابي بكر حتى بايع مكرها على غير اختيار منكرا ولما حضر سلمان رضي الله عنه لامرهم
[ 57 ]
متكلما في ذلك بلسانه ومفصحا فيه بلسان العرب وما كان من إنكار العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله صرف الامر عن بني هاشم وبيعتهم لمن بايعوا ودعائه أمير المؤمنين (ع) إلى بسط يده ليبايعه على الامر فقال له أمدد يدك يا ابن أخي أبايعك ليقول الناس عم رسول الله صلى الله عليه وآله بايع ابن عم رسول الله فلا يختلف عليك اثنان وقول أبي سفيان حرب بن صخر بأعلى صوته: يا بني هاشم أرضيتم أن يلي عليكم ابن تيم مرة حاكما على العرب ومتى طمعت أن تتقدم على بني هاشم في الامر انهضوا لدفع هؤلاء القوم عما تمالؤا إليه ظلما لكم أما والله لئن شئتم لاملانها عليهم خيلا ورجالا ثم قال: بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم * ولا سيما تيم بن مرة أو عدي فما الامر إلا فيكم واليكم * وليس له إلا أبو حسن على أبا حسن فاشدد بها كف فاتك * فانك بألامر الذي يرتجى ملي (1) ولما اجتمع من اجتمع في دار فاطمة من بني هاشم وغيرهم للتحيز عن أبى بكر وإظهار الخلاف أنفذ عمر بن الخطاب قنفذا وقال له اخرج من في البيت فان خرجوا وإلا فاجمع الاحطاب على بابه واعلمهم انهم ان لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم نارا. ثم قام بنفسه في جماعة منهم المغير بن شعبة الثقفي وسالم مولى حذيفه حتى صاروا إلى باب على فنادى يا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله اخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع ويدخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا والله أضرمت عليهم نارا في حديث مشهور (2).
(1) رواها اليعقوبي في تاريخه (ج 2 – ص 105) ط النجف بزيادة بيت رابع: وان امرءا يرمي قصيا وراءه * عزيز الحمى والناس من غالب قصي (2) في العقد الفريد (ج 2 – ص 252) ان عمر بن الخطاب – (*)
[ 58 ]
ولما عرف أهل اليمامة تقلد أبي بكر أنكروا أمره وامتنعوا من حمل الزكاة حتى أنفذ إليهم الجيوش فقتلهم وحكم عليهم بالردة عن الاسلام وفى إنكار أهل اليمامة بيعة أبي بكر يقول: أطعنا رسول الله ما كان بيننا * فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر إذا مات بكر قام عمر مكانه * وذلك لعمر الله قاصمة الظهر (1) وكان عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب خارجا عن المدينة فدخلها وقد بايع الناس أبا بكر فوقف في وسط المسجد وأنشأ يقول (2): ما كنت أحسب هذا الامر منتقلا * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن اليس أول من صلى لقبلتهم * وأعرف الناس بالآثار والسنن وآخر الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له بالغسل والكفن من فيه ما فيهم لا يمترون به * وليس في القوم ما فيه من الحسن فما الذي ردكم عنه فنعلمه * هاان بيعتكم في أول الفتن
– جاء إلى بيت فاطمة بقبس من نار يريد أن يحرقه على من فيه فخرجت إليه فاطمة (ع) تقول يا ابن الخطاب جئت لتحرق دارنا ؟ قال نعم اه، والقبس في نص أهل اللغة شعلة نار مضرمة. (1) في تاريخ الطبري (ج 3 – ص 223) ذكر سبعة أبيات منها البيتين ونسبها للخطيل بن أوس أخو الحطيئة وفى روايته عجز البيت الاول: (فيا لعباد الله ما لابي بكر) وصدر البيت الثاني: (أيورثنا بكر إذا مات بعده). (2) في تاريخ اليعقوبي (ج 2 – ص 103) ط النجف نسبت إلى عتبة بن أبى لهب ولم يذكر الخامس وفى روايته الصدر الاول: (ما كنت أحسب أن الامر منصرف) والبيت الثاني: عن أول الناس ايمانا وسابقة * وأعلم الناس بالقرآن والسنن
[ 59 ]
رواه أبو مخنف لوط بن يحيى الازدي عن محمد اسحق الكلبي وأبى صالح ورواه أيضا عن رجاله زايدة بن قدامة قال كان جماعة من الاعراب قد دخلوا المدينة ليتماروا منها فشغل الناس عنهم بموت رسول الله صلى الله عليه وآله فشهدوا البيعة وحضروا الامر فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه، قال والله لقد رأيت الاعراب تحزموا، واتشحوا بالازر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا وجاؤا بهم مكرهين إلى البيعة وأمثال ما ذكرناه من الاخبار في قهر الناس على بيعة أبى بكر وحملهم عليها بالاضطراب كثيرة ولو رمنا ايرادها لم يتسع لهذا الكتاب فان كان الذي ادعاه المخالف من إكراه من أكره على بيعة أمير المؤمنين (ع) دليلا على فسادها مع ضعف الحديث بذلك فيكون ثبوت الاخبار بما شرحناه من الادلة على بيعة أبى بكر موضحة عن بطلانها. كراهة المسلمين استخلاف عمر: هذا والامة مجتمعة على أن أبا بكر لما أراد استخلاف عمر بن الخطاب حضره وجوه المهاجرين وفيهم طلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص فقالوا ما تقول لربك إذا وليت علينا هذا الفض الغليظ وإنا لم نكن نطيقه وهو رعية لك فكيف إذا ولى الامر، فاتق الله في الاسلام وأهله ولا تسلطه على الناس، فغضب أبو بكر وقال اجلسوني فاجلس واستند إلى صدور الرجال من ضعفه ثم قال لهم: أبالله تخوفونى ان كل واحد منكم قد طمع في هذا الامر، فلما سمع ما اريده لعمر ورم لذلك أنفه قال وقد رأيتم ما جاءته فعملتم على التأمر واستعمال الستور
[ 60 ]
ونضاثد الديباج لتتخذوها كسروية لا والله لا أجبتكم إلى ما تريدون إنى إذا لقيت ربى فسألني من استخلفت عليهم قلت استخلفت عليهم خير أهلهم، وهذا خبر مشهور لا تنازع فيه العلماء (1) وهو متضمن لعقد أبى بكر الامر لعمر على كراهية ممن ذكرناه وقهرا لهم وإجبارا عليهم فيجب على غلبة الخصم أن تكون إمامة عمر بن الخطاب فاسدة لكراهتها ممن أعددناه. الصحابة يوم الشورى: قال ولما كان في يوم الشورى حضر عمار بن ياسر رحمه الله فقام في الناس وقال ان وليتموها عليا (ع) سمعنا وأطعنا وان وليتموها عثمان سمعنا وعصينا فقام الوليد بن عقبة وقال: يا معشر الناس أهل الشورى إن وليتموها عثمان سمعنا وأطعنا وان وليتموها عليا سمعنا وعصينا فانتهره عمار وقال له متى كان مثلك يا فاسق يعترض في أمور المسلمين وشتات جمعها، وتسابا جميعا وتناوشا حتى حيل بينهما فقال المقداد من وراء الباب: يا معشر المسلمين ان وليتموها أحدا من القوم فلا تولوها من لم يحضر بدرا وانهزم يوم احد ولم يحضر بيعة الرضوان (2)
(1) في تاريخ الطبري (ج 4 – ص 52) والعقد الفريد (ج 2 – ص 257) وشرح النهج لابن أبى الحديد (ج 1 – ص 55) ان أبا بكر ذكر هذا عند مجئ المهاجرين إليه وتذمره منهم وفى تاريخ الخميس (ج 2 – ص 299) ان طلحة والزبير قالا له أتولى علينا فظا غليظا ما تقول لربك. (2) في شرح النهج لابن أبى الحديد (ج 1 – ص 66) ان عبد الرحمن بن عوف أرسل إلى عثمان يذكره بفراره يوم احد وعدم حضوره بدرا ولا بيعة الرضوان فلم ينكر عليه. (*)
[ 61 ]
وولى الدبر يوم التقى الجمعان فقال له عثمان أما والله لئن وليتها لاردنك إلى ربك الاول، ولما صفق عبد الرحمن يده على يد عثمان نهض أمير المؤمنين (ع) وقال مال الرجل إلى صهره ونبذ دينه وراء ظهره وأقبل على عبد الرحمان فقال والله ما أملت منه إلا ما أمل صاحبك من صاحبه دق الله بينكما عطر منشم (1) وانصرف مظهرا للتنكير على عبد الرحمن واعتزل بيعة عثمان فلم يبايعه حتى كان من أمره مع المسلمين ما كان وقد عرفت الخاصة والعامة ما أظهره أمير المؤمنين (ع) من كراهته من تقدم عليه وتظلمه منهم. فقال في مقام بعد مقام: اللهم انى أستعيدك على قريش فانهم ظلموني حقى ومنعوني ارثى وتمالؤا على. وقال (ع) لم أزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله. وقال وقد عهد إلى رسول الله ان الامة ستغدر بى من بعده. وقال اللهم أجز قريشا عنى الجوازى فقد قطعت رحمى ودفعتني عن حقى وأغرت بى سفهاء الناس وخاطرت بدمى (2). خطبة علي يوم البيعة: فصل: ولما أفضى الامر إليه رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
(1) في تاج العروس (ج 9 – ص 79) بمادة نشم ان امرأة صنعت لزوجها طيبا تطيب به ثم أنها صادفت رجلا فطيبته فلقيه زوجها فشم طيب زوجته فقتله فاقتتل الحيان من أجله فضرب به المثل وقالوا أشأم من عطر منشم، وقيل ان المنشم حب عطر شاق الدق وهو سم ساعة وفيه يقول زهير: تداركتما عبسا وذبيان بعدما * تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم (2) البيان والتبيين (ج 2 – ص 52) ط سنة 1332 هج (*)
[ 62 ]
قد كانت امور كثيرة لم تكونوا عندي فيها محمودين أما انى لو أشاء لقلت عفى الله عما سلف سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همته بطنه وفرجه، يا ويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له. إلى آخر الخطبة وفيها عجائب من فصيح الكلام وغرائبه والعلماء متفقون عليها عنه (ع) وقد ذكرها أبو عبيدة معمر بن المثنى وفسر غريب الكلام فيها وأوردها المدايني في كتبه وذكرها الجاحظ مع نصبه وعداوته لامير المؤمنين (ع) في كتابه الموسوم (بالبيان والتبيين) (1). الشقشقية: فاما خظبته عليه السلام التى رواها عبد الله بن عباس فهى أشهر من أن ندل عليها لشهرتها وهى التى يقول (ع) في أولها: والله لقد تقمصها ابن أبى قحافة وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عنى السيل ولا يرقى إلى الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا. أرى تراثي نهبا فصبرت وفى العين قذى، وفى الحلق شجى، إلى قوله (ع): فجعلني عمر سادس ستة زعم انى أحدهم فيالله وللشورى متى اعترض الريب في مع الاول منهم حتى صرت اقرن إلى هذه النظائر ولكني أسففت إذا سفوا، وطرت إذا طاروا، في كلام طويل اختصرناه ههنا (2) فدل ما ذكرناه عنه عليه السلام على كراهيته من
(1) ذكر ابن أبى الحديد في شرح النهج (ج 2 – ص 496) ان الاخبار قد تواترت عنه عليه السلام في هذا وذكر ما نص عليه المفيد. (2) ذكر شيخنا الحجة الشيخ هادى آل كاشف الغطاء قدس سره في رسالته مدارك نهج البلاغة ص 70 المطبوعة مع مؤلفه المستدرك –
[ 63 ]
تقدم عليه، وإنكاره ما صنعوه في ذلك، وخصومنا لعنادهم الحق وتجاهلهم يجعلون الاخبار الشاذة في كراهة نفر معدودين لبيعة أمير المؤمنين (ع) قدحا في إمامته ولا يجعلون ما ذكرناه من خلاف وجوه المسلمين وعامة المؤمنين والانصار والمهاجرين في إمامة الثلاثة النفر المذكورين حجة في بطلانها ولا انكارهم لذلك وكراهتهم لها قدحا فيها ويدعون مع ذلك بعجبهم وجرأتهم وقلة أمانتهم إجماع الامة عليهم (ان هذا هذا لشئ عجاب) مع انى مثبت طرفا من الاخبار التى جاءت ببيعة أمير المؤمنين (ع) وانها كانت على وفاق ما ذكرت في أول الباب من الرغبة إليه في قبولهما منهم والايثار لتقدمه عليهم والاختيار ما قصدنا به الايضاح عنه من ثبوت إمامته على اصول الموافقين من شيعته والمخالفين لهم في ذلك حسب ما بيناه ان شاء الله تعالى. امتناع علي من البيعة: فمن روى خبر البيعة وما كانت عليه الحال أبو مخنف لوط بن يحيى الازدي في كتابه المصنف في حرب البصرة عن سيف بن عمر عن محمد ابن عبد الله بن سوادة وطلحة بن الاعلم وابنى عثمان أجمع قالوا بقيت المدينة بعد قتل عثمان خمسة أيام وأميرها الغافقي بن حرب العكى (1) والناس يلتمسون من يجيبهم لهذا الامر فلا يجدون فيأتى المصريون عليا فيختبئ عنهم ويلوذ بحيطان المدينة فإذا لقوه يأبى عليهم، قال وروى اسحق بن راشد عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن ابن اثرى
– على نهج البلاغة اقوال العلماء في الاعتراف بوجود الخطبة الشقشقية في مؤلفات كتبت قبل أن يوجد السيد الرضى وأبوه فراجعه فانه نافع جدا. (1) الطبري (ج 5 – ص 103 وص 155). (*)
[ 64 ]
قال ألا احدثك بما رأت عيناى وسمعت اذناى لما التقى الناس عند بيت المال قال على (ع) لطلحة أبسط يدك ابايعك فقال طلحة أنت أحق بهذا الامر منى وقد اجتمع لك من هؤلاء الناس (1) لم يجتمع لي فقال له (ع) ما خشينا غيرك فقال طلحة لا تخشى فوالله لا تؤتى من قبلي وقام عمار بن ياسر والهيثم بن التيهان ورفاعة بن أبى رافع ومالك بن عجلان وأبو أيوب خالد بن زيد فقالوا لعلي (ع) ان هذا الامر قد فسد وقد رأيت ما صنع عثمان وما أتاه من خلاف الكتاب والسنة فابسط يدك لنبايعك لتصلح من أمر الامة ما قد فسد فاستقال علي (ع) وقال قد رأيتم ما صنع بى وعرفتم رأى القوم قلا حاجة لي فيهم فاقبلوا على الانصار وقالوا يا معاشر الانصار أنتم أنصار الله وأنصار رسوله وبرسوله أكرمكم الله وقد علمتم فضل علي وسابقته في الاسلام وقرابته ومكانته من النبي صلى الله عليه وآله وان ولي بنى لكم خيرا فقال القوم نحن أرضى الناس به ما نريد به بدلا ثم اجتمعوا عليه وما يزالوا به حتى بايعوه. وباسناده عن ابن أبى الهيثم بن التيهان ; قال يا معشر الانصار قد عرفتم رأيي ونصحى ومكاني من رسول الله صلى الله عليه وآله واختياره إياى فردوا هذا الامر إلى أقدمكم اسلاما ولولاكم برسول الله صلى الله عليه وآله لعل الله أن يجمع به إلفتكم ويحقن به دماءكم فأجابه القوم بالسمع والطاعة وروى سيف عن رجاله قال اجتمع الناس إلى علي وسألوه ان ينظر في امورهم وبذلوا له البيعة فقال لهم التمسوا غيرى فقالوا له ننشدك الله أما ترى الفتنة ألا تخاف الله في ضياع هذه الامة فلما ألحوا عليه قال لهم انى لو أجبتكم حملتكم على ما أعلمه وان تركتمونى كنت لاحدكم قالوا قد رضينا بحكمك وما فينا مخالف لك فاحملنا على ما تراه ثم بايعته الجماعة.
(1) الطبري (ج 5 – ص 156). (*)
[ 65 ]
بيعة طلحة والزبير: وروى أبو إسحاق بن ابراهيم بن محمد الثقفى عن عثمان بن أبى شيبة عن ادريس عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم قال جاء طلحة والزبير إلى علي (ع) وهو متعوذ بحيطان المدينة فدخلا عليه وقالا ابسط يدك نبايعك فان الناس لا يرضون إلا بك ; فقال لهما لا حاجة لي في ذلك ولئن أكون لكما وزيرا خير لكما من أن أكون أميرا فليبسط قرشيا منكما يده ابايعه ; فقالا ان الناس لا يؤثرون غيرك ولا يعدلون عنك إلى سواك فابسط يدك نبايعك أول الناس، فقال ان بيعتى لا تكون سرا فامهلا حتى اخرج إلى المسجد فقالا بل نبايعك هنها ثم نبايعك في المسجد فبايعاه أول الناس ثم بايعه الناس على المنبر أولهم طلحة بن عبيدالله وكانت يده شلاء فصعد المنبر إليه فصفق على يده، ورجل من بنى أسد يزجر الطير قائم ينظر إليه فلما رأى أول يده صفقت على يد أمير المؤمنين يد طلحة وهى شلاء قال إنا لله وإنا إليه راجعون أول يد صفقت على يدي شلاء بوشك أن لا يتم هذا الامر (1) ثم نزل طلحة والزبير وبايعه الناس بعدهما، وهذه الاخبار مع كثرتها وانتشارها في كتب السير وكافه كتب العلماء وظهورها واستفاضتها تتضمن نقيض ما ادعاه المخالف من إكراه أمير المؤمنين (ع) على البيعة ويبطل ما تعلق به من من ذلك من شك في الخبر الذى أورده الواقدي عن العثمانية المتظاهرة بعداوة أمير المؤمنين (ع). على أن الواقدي قد أثبت في كتابه الذى صنفه في حرب البصرة ما يوافق الاخبار التى قدمنا ذكرها ويضاد ما خالفها في معناه، فقال حدثنى عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد قال لما قتل عثمان أقبل الناس
(1) العقد الفريد (ج 2 ص 269) والطبري (ج 5 ص 153) (*)
[ 66 ]
على علي ليبايعوه فتأبى عليهم وقالوا بايعنا لا تخلف أمرك فأبى عليهم فمدوا يده وبسطوها وقبضوها فقالوا بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضى إلا بك ; وروى اسماعيل بن محمد عن محمد بن سعد عن أبيه قال أرسل علي ابن أبى طالب (ع) إلى أبى ليبايع فقال له إذا لم يبق غيرى بايعتك فقال علي (ع) خلوا سعدا وأرسل إلى اسامة بن زيد فقال له اسامة أنا لك طوع ولكن اعفنى الخروج بالسيف فقال له علي لم اكره أحدا على بيعته وان جميع من بايعه كان مؤثرا له داعيا إليه في ذلك على ما قدمناه والحمد لله. قال الشيخ المفيد أدام الله تأييده: وقد دللنا على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من جهة النص عليه بها من رسول الله صلى الله عليه وآله وباختاره له من ذوى العقول والعلم والفضل والرأى على ما يذهب إليه المخالفون في ثبوت الامامة وانعقادها وأنبأنا عن عصمته (ع) بما سلف وشرحنا القول في طريقها وأوضحناه وذكرنا الاخبار الواردة من طريق الخاصة والعامة في وجوب حقه وبرهان صوابه وتحربم خلافه وفى ذلك إبطال ما ذهب إليه كافة خصومنا على اختلافهم في تصويب محاربيه والوقوف في ذلك والشك فيه وفى ما أصلناه من ذلك ورسمناه في معناه غني عن تكليف كلام في فساد مذهب واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد على ما شرحناه عنهما في صدر هذا الكتاب من شبهات المذهب الرذل وإبطال مذهب الاصم وأتباعه ونقض شبهات الحوشية في تصويب الجماعة وإفساد ما ذهب إليه كل فريق منهم في تخطئتهم بأسرهم وإقامة البرهان على صحة ما ذهب إليه الشيعة ومن شاركهم من قبائل المعتزلة والمرجئة والخوارج على أمير المؤمنين وضلال أهل البصرة وتخطئة محاربيه في هذين المقامين وضلالهم في ذلك عن طريق الرشاد وفيما أثبتناه عن عصمته (ع) وحقه أيضا دليل مقنع في إبطال مذهب الخوارج المبدعة في إنكار التحكيم وترك القتال عند الموادعة حسب ما قدمناه
[ 67 ]
ونحن نشفع ذلك بأسباب فتنة البصرة على ما بطن منها عن كثير من الناس وظهر منها للجمهور ونورد بعد هذا الباب الذى ذكرناه الاخبار الواردة بصورة الامر في القتال وكيفية ما جرى فيه على ترتيب ذلك في مواضعه المقتضية لذكره فيها ونأتى به على الترتيب والنظام إن شاء الله تعالى. الناكثان: فصل: فأن ظاهر الفتنة بالبصرة فهو ما أحدثه طلحة والزبير من نكث البيعة التى بذلاها لامير المؤمنين (ع) طوعا واختيارا وإيثارا وخروجهما عن المدينة إلى مكة على اظهار منهما ابتغاء العمرة فلما وصلاها اجتمعا مع عائشة وعمال عثمان الهاربين بأموال المسلمين إلى مكة طمعا فيما احتجبوه منها وخوفا من أمير المؤمنين (ع) واتفاق رأيهم على الطلب بدم عثمان والتعلق عليه في ذلك بانحياز قتلة عثمان وحاصريه وخاذليه من المهاجرين والانصار وأهل مصر والعراق وكونهم جندا له وأنصارا واختصاصهم به في حربهم منه ومظاهرته لهم بالجميل وقوله فيهم الحسن من الكلام ; وترك إنكار ما صنعوه بعثمان والاعراض عنهم في ذلك، والمصيب معهم في جنده إلى ما ذكرناه وشبهوا بذلك على الضعفاء واغتروا به السفهاء وأوهموهم بذلك لظلم عثمان والبراءة من شئ يستحق به ما صنع به القوم من إحصاره وخلعه والمنازعة إلى دمه فأجابهم إلى مرادهم من الفتنة ممن استغووه بما وصفناه وقصدوا البصرة لعلمهم أن جمهور أهلها من شيعة عثمان وأصحاب عامله وابن عمه كان بها وهو عبد الله بن كريز بن عامر وكان ذلك منهم ظاهرا وباطنا بخلافه كما تدل عليه الاخبار ويوضح عن صحة الحكم به الاعتبار ألا ترى أن طلحة والزبير وعائشة باجماع العلماء بالسير والآثار هم الذين
[ 68 ]
كانوا أوكد السبب لخلع عثمان وحصره وقتله وان أمير المؤمنين (ع) لم يزل يدفعهم عن ذلك (1) ويلطف في منعهم عنه ويبذل الجهد في إصلاح حاله مع المنكرين عليه، العائبين له ; المحتجين عليه بأفعاله وأحداثه فمن أنكر ما ذكرناه أوشك في شئ مما وصفناه فهو بعيد عن علم الاخبار ناء عن معرفة السير والفتن والآثار ومكابر يحمل نفسه على جحد لا على اضطرار وهذا باب لا يحسن مكالمة الحصوم فيه إلا مع الانصاف والاطلاع على ما جاءت به الاخبار ومخالطة العلماء من أهل الاخبار في الاسلام وأما من لا معرفة له بالروايات أو منقطع عنها إلى صناعة الكلام أو عامى له غفلة أو مترف مشغول باللذات فلا وجه لمجاراته في هذا الباب وأمثاله طرقه السمع والاخبار وسبيله ملاقاة الخاصة والعلماء والاستفادة مما عندهم من علمه على ما ذكرناه. أسباب الخروج على عثمان: فصل ونحن نثبت بتوفيق الله مختصرا من الاخبار فيما ذكرناه من كون طلحة والزبير وعائشة فيما صنعوه في أيام عثمان من أوكد أسباب ماتم عليه من الخلع والحصر وسفك الدم والفساد فمن ذلك ما رواه أبو حذيفة اسحاق بن بشر القرشى وأثبته في كتابه الذى صنفه في مقتل عثمان وكان هذا الرجل أعنى أبا حذيفة من وجوه أصحاب الحديث المنتسبين إلى السنة والمباينين للشيعة يهتم فيما يروونه لمفارقة خصومه ولا يظن تخرصا فيما يجتنيه من جميع الاخبار، فقال حدثنى محمد بن اسحاق عن الزهري لما قدم أهل مصر في ستمائة راكب عليهم عبد الرحمن بن عديس البكري فنزلوا ذا خشب وفيهم كنانة بن بشير
(1) في شرح النهج لابن أبى الحديد (ج 1 – ص 256) كان عبيد الله بن عمر بن الخطاب يمدح عليا بأن لم يشترك في قتل عثمان. (*)
[ 69 ]
الكنانى وأبو عمر بن بديل بن ورقاء الخزاعى وأبو عروة الليثي واجتمع معهم حكيم بن جبلة العبدى في طائفة من اهل البصرة وكميل بن زياد ومالك الاشتر وصعصعة بن صوحان وحجر بن عدى في جماعة من قراء الكوفة الذين كانوا سيرهم عثمان منها إلى الشام حين شكوا أحداثه التي أنكرها عليه المهاجرون والانصار (1) فاجتمع القوم على عيب عثمان وجهروا بذكر أحداثه فمر بهم عمر بن عبد الله الاصم وزياد بن النظر فقالا إن شئتم بلغنا عنكم أزواج النبي صلى الله عليه وآله فان أمرنكم أن تقدموا فاقدموا فقالوا لهما إفعلا واقصدوا عليا آخر الناس فانطلق الرجلان فبدءا بعائشة وأزواج النيي بعدها ثم أنبئا أصحابه صلى الله عليه وآله فأخبروهم الخبر فأمروهما أن يقدموا المدينة وصاروا إلى أمير المؤمنين فأخبراه واستأذناه للقوم في دخول المدينة فقال لهما أتيتما أحدا قبلي ؟ قالا نعم أتينا عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وآله بعدها وأصحابه من المهاجرين والانصار فأمروا أن يقدموا فقال علي لكنى لا آمرهم إلا أن يستغيثوا بمن قرب فان أغاثهم فهو خير لهم وإن أبى فهم أعلم، فخرج الرجلان إليهم جميعا وتسرع إليهم جماعة من المدينة واجتمعوا مع أهل حسب وذو مروات فلما بلغ عثمان اجتماعهم أرسل إلى علي (ع) وقال: أخرج يا أبا الحسن إلى هؤلاء القوم وردهم عما جاؤا إليه. فخرج إليهم فلما رأوه رحبوا به وقالوا له قد علمت يا أبا الحسن ما أحدثه هذا الرجل من الاعمال الخبيثة وما يلقاه المسلمون منه ومن عماله وكنا لقيناه واستعتبناه فلم بعتبنا وكلمناه فلم يصغ إلى كلامنا وأغراه ذلك بنا وقد جئنا نطالبه بالاعتزال عن إمرة المسلمين واستأذنا في ذلك الانصار والمهاجرين وأزواج النبي أمهات المؤمنين فأذنوا لنا
(1) ذكر الطبري (ج 5 ص 85) وابن الاثير (ج 3 ص 53) تسفير الجماعة إلى الشام وفى رسائل الخوارزمي ص 77 إشارة إليه، (*)
[ 70 ]
في ورود المدينة ونحن على ذلك، فقال لهم أمير المؤمنين يا هؤلاء تريثوا لا تسرعوا إلى شئ لا تعرف عاقبته فانا كنا قد عتبنا على هذا في شئ وانه قد رجع عنه فارجعوا ; فقالوا هيهات يا أبا الحسن لا نقنع منه إلا بالاعتزال عن هذا الامر ليقدم به من يوثق بأمامته، فرجع أمير المؤمنين إلى عثمان وأخبره بمقالتهم فخرج عثمان حتى أتى المنبر فخطب الناس وجعل يتكلم ويدعو إلى نصرته ودفاع القوم عنه فقام إليه عمرو بن العاص فقال يا عثمان إنك قد ركبت بالتهمة وقد ركبوها منك فتب إلى الله، فقال له عثمان وإنك لهاهنا يا بن النابغة (1) ثم رفع يده إلى السماء وقال أتوب إلى الله اللهم إنى أتوب اليك ; فأنفذ أمير المؤمنين (ع) إلى القوم بما جرى من عثمان وما صار إليه من التوبة والاقلاع فساروا إلى المدينة بأجمعهم وسار إليهم عمرو بن معدي كرب في ناس كثيرين فجعل يحرض على عثمان ويذكر إثرته فقال: أما هلكنا ولا يبكي لنا أحد * قالت قريش ألا تلك المقادير والحر في الصيف قد تدمي جوارحه * نعطي السوية مما أخلص الكير نعطى السوية يوم الضرب قد علموا * ولا سوية إذ كانت دنانير وانظم إليهم من المهاجرين طلحة والزبير وجمهور الانصار على ذلك فخرج إليهم أمير المؤمنين (ع) فقال لهم يا هؤلاء اتقوا الله ما لكم وللرجل أما رجع عما أنكرتموه أما تاب على المنبر توبة جهر بها، ولم يزل عليه السلام يلطف بهم حتى سكنت فورتهم. ثم سأله أهل مصر أن يلقاه في عزل عبد الله بن سعيد بن أبى سرح عنهم واقترح أهل الكوفة عزل سعيد بن العاص عنهم وسأل أهل النهروان أن يصرف ابن كريز عنهم ويعدل عما كان عليه من منكر
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 111) وشرح النهج الحديدي (ج 1 – ص 163) ذكر انكار عمرو، على عثمان وما قاله فيه. (*)
[ 71 ]
الافعال فدخل عليه امير المؤمنين (ع) ولم يزل حتى أعطاه ما أراد القوم من ذلك وبذل لهم العهود والايمان. فخرج أمير المؤمنين إلى القوم بما ضمنه له عثمان ولم يزل بهم حتى تفرقوا فلما سار أهل مصر ببعض الطريق نظروا وإذا براكب على الطريق مسرع فلما دنا تأملوه فإذا هو غلام عثمان على ناقة من نوقه فاسترابوا به فقالوا له أين تذهب ؟ فقال بعثنى عثمان في حاجة له قالوا إلى أين بعثك ؟ فارتج عليه وتلعثم في كلامه فنهروه وزبروه فقال أنفذني إلى مصر فقالوا فيما أنفذك ؟ قال لا علم لي فزاد استرابهم فيه ففتشوه فلم يجدوا إلى معه شيئا فأخذوا أدواته ففتشوها وإذا فيها كتاب من عثمان إلى عبد الله بن أبى سرح وهو إذا أتاك كتابي هذا فاضرب عنق عمرو بن بديل وعبد الرحمن البكري واقطع أيدى وأرجل علقمة وكنانه وعروة ثم دعهم يتشحطون في دمائهم فإذا ماتوا فأوقفهم على جذوع النخل. فلما رأوا ذلك قبضوا على الغلام وعادوا إلى المدينة فاستأذنوا علي ابن أبى طالب (ع) ودفعوا إليه الكتاب ففزع عليه السلام لذلك فدخل على عثمان فقال إنك وسطتني أمرا بذلت الجهد فيه لك وفى نصيحتك واستوهبت لك من القوم فقال عثمان فماذا ؟ فأخرج إليه الكتاب ففضه وقرأه فأنكره فقال له علي أتعرف الخط ؟ قال الخط يتشابه، قال أتعرف الختم ؟ قال الختم ينقش عليه، قال فهذا البعير الذى على باب دارك تعرفه ؟ قال هو بعيرى ولم آمر أحدا ولا يركبونه قال فغلامك من أنفذه ؟ قال انفذ بغير أمري. فقاله له أمير المؤمنين عليه السلام أما أنا فمعتزلك وشأنك وأصحابك وخرج من عنده ودخل داره وأغلق عليه بابه ولم يأذن لاحد من
[ 72 ]
القوم في الوصول إليه. (1) وخرج إليهم طلحة والزبير وقالا لهم قد اعتزل علي بن أبي طالب وانتدبنا معكم على هذا الرجل فاجتمع القوم على حصره فلما علم أن القوم قد حصروه وحقق العزيمة على خلعه كتب إلى معاوية يستدعيه بجنود الشام، وكتب إلى عبد الله بن عامر يستدعيه بجنود البصرة وفارس لينتصر بهم ويدفعهم عن نفسه وعرف أهل مصر وأهل العراق والحجاز انه قد استفز عليهم أهل الشام وشيعته من أهل البصرة وفارس وخوزستان فجدوا في حصاره وتولى ذلك منه طلحة والزبير ومنعاه الماء وضيقا عليه وكان طلحة على حرس الدار يمنع كل أحد يدخل إليه شيئا من الطعام والشراب ويمنع من في الدار أن يخرج عنها إلى غيرها (2). فصل: فهل يخفى على عاقل براءة أمير المؤمنين (ع) مما قرفوه به ناكثوا عهده من التأليب على عثمان والسعي في دمه مع ما رويناه من الحديث عمن سميناه، أم هل يرتاب عاقل فيما فعله طلحة والزبير فيما تولياه من حصر عثمان حتى آل ذلك إلى قتله وهما من بعده يقرفان عليا بما تولياه ويدعيان لانفسهما البراءة بما صنعاه ويجعلان شبهتهما في استحلال قتاله عليه السلام دعوى الباطل المعروف بهتانا ممن ادعاه وهذا يكشف ان الامر فيما ادعياه وأظهراه من الطلب بدم عثمان كان بخلافه على ما بيناه مما جاءت به الاخبار فيما تولاه طلحة والزبير في عثمان ما رواه أبو اسحاق جبلة بن زفر قال رأيت طلحة والزبير يرفلان في أدراعهما
(1) الطبري (ج 5 – ص 107 إلى ص 112). (2) في تاريخ الطبري (ج 5 – 122) وشرح النهج لابن أبى الحديد (ج 1 – ص 167) والعقد الفريد (ج 2 – ص 267) أن طلحة ممن أعان على عثمان وألب الناس عليه. (*)
[ 73 ]
في عثمان ثم جاءا من بعد إلى علي (ع) فبايعاه طايعين غير مكرهين ثم صنعا ما صنعا، وروى أبو حذيفة القرشى عن الحصين بن عبد الرحمان عن عمرو بن جاران عن الاحنف بن قيس قال قدمت المدينة وساق حديثا طويلا من أمر عثمان إلى أن قال لما لقيت الفتنة والناس قد اجتمعوا على حصر عثمان وهو على خطر فأتيت طلحة والزبير فقلت لهما ما أرى هذا الرجل إلا مقتولا فمن تأمراني أن ابايع وترضونه لي فقالا عليا فخرجت حتى أتيت مكة وبها عائشة فدخلت عليها فقلت إنى لاحسب هذا الرجل مقتولا فمن تأمريني أن أبايع فقالت بايع عليا فقضيت حجتى ثم مررت بالمدينة وقد قتل عثمان فبايعت عليا ثم عدت إلى البصرة فإذا عائشة وطلحة والزبير قد جاؤنا يطلبون بدم عثمان ويأمروننا بقتال على ابن أبى طالب فطال تعجبي من ذلك (1). وروى أبو حذيفة عن رجاله انه لما اجتمع الناس على عثمان أنفذوا إليه اخلع نفسك فقال لا أخلع سربالا سربلنيه الله (2) وكتب إلى معاوية يستدعيه بجنود الشام وإلى عبد الله بن عامر بن كريز يستدعيه بجند البصرة وخرج عثمان حتى صعد المنبر فلما بدأ بالخطبة قال إليه رجل من الانصار وقال له أقم كتاب الله يا عثمان فقال هو لك ئم أعادها ثانية فقال هو لك فأعادها ثالثة فقنع وأجلس فقام ناس من الانصار فخلصوه وحصب عثمان بالحصى حتى سقط مغشيا عليه فحمله بنو امية حتى أدخلوه الدار وجاءه علي (ع) يسأله عن خبره فثارت بنو امية إليه بصوت واحد يا علي كدرت علينا العيش وعملت بنا العمل والله لئن بلغت الذى تريد لنخبثن عليك الدنيا فخرج علي مغضبا فقال القوم للعباس بن الزبرقان
(1) رواه ابن حجر الهيتمى في تطهير الجنان بهامش الصواعق المحرقة ص 113 ط سنة 1312 هج والعقد الفريد (ج 2 – ص 282). (2) تاريخ الطبري (ج 5 – 118). (*)
[ 74 ]
وكانت اخته تحت الحرث بن الحكم أخى مروان بن الحكم اتبع الرجل وقل له مالك ولابن عمك فاتبعه وقال له ذلك فقال عليه السلام وهو مغضب فعل الله وفعل يجني ما يجني واسأل عن أمره واتهم مع ذلك أما والله لولا مكاني لاحتز الذى فيه عيني عثمان. إنكار طلحة على عثمان: ولما أبى عثمان أن يخلع نفسه تولى طلحة والزبير حصاره والناس معهما على ذلك فحصروه حصرا شديدا ومنعوه الماء وأنفذ إلى علي يقول ان طلحة والزبير قد قتلاني من العطش، والموت بالسلاح أحسن فخرج معتمدا على يد المسور بن مخرمة الزهري حتى دخل على طلحة بن عبيد الله وهو جالس في داره يسوى نبلا وعليه قميص هندي فلما رآه رحب به ووسع له على الوسادة فقال له علي عليه السلام ان عثمان قد أرسل إلي إنكم قد هلكتموه عطشا وان ذلك ليس بالحسن والقتل بالسلاح أحسن وكنت آليت على نفسي أن لا أرد عنه أحدا بعد أهل مصر وأنا أحب أن تدخلوا عليه الماء حتى تروا رأيكم فيه، فقال طلحة لا والله لا ننعمه عينا ولا نتركه يأكل ولا يشرب، فقال علي (ع) ما كنت أظن أن أكلم أحدا من قريش فيردني دع ما كنت فيه يا طلحة فقال طلحة ما كنت أنت يا علي في ذلك من شئ فقام علي (ع) مغضبا وقال ستعلم يا بن الحضرمية أكون في ذلك من شئ أم لا ثم انصرف. وروى أبو حذيفة بن اسحاق بن بشير القرشى أيضا قال حدئنى يزيد بن أبى زياد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال والله إنى لانظر إلى طلحة وعثمان محصور وهو على فرس أدهم وبيده الرمح يجول حول الدار وكأني انظر إلى بياض ما وراء الدرع (1).
(1) في شرح النهج لابن أبى الحديد (ج 2 – ص 404) كان طلحة يوم قتل عثمان مقنعا بثوب يرمى الدار بالسهام وانه حمل الذين – (*)
[ 75 ]
وروى أبو إسحاق قال لما اشتد الحصار بعثمان عمد بنو امية على إخراجه ليلا إلى مكة وعرف الناس فجعلوا عليه حرسأ وكان على الحرس طلحة بن عبيد الله وهو أول من رمى بسهم في دار عثمان، قال واطلع عثمان وقد اشتد به الحصار وظمأ من العطش فنادى أيها الناس اسقونا شربة من الماء واطعمونا مما رزقكم الله فناداه الزبير بن العوام: يا نعثل لا والله لا تذوقه. وروى أبو حذيفة القرشى عن الاعمش عن حبيب بن ثابت عن تغلبة بن يزيد الحمانى قال أتيت الزبير وهو عند أحجار الزيت فقلت له يا أبا عبد الله قد حيل بين أهل الدار وبين الماء فنظر نحوهم وقال وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل انهم كانوا في شك مريب فهذاه الاحاديث في جملة كثيرة في هذا المعنى وهى كاشفة عما ذكرناه من أدغال القوم من التظاهر بطلب دم عثمان وهم تولوا سفكه ولم يظهر احد منهم إلا الذم عليه، ولما بايع الناس عليا أظهروا الندم على ما فرط منهم وقرفوا بما صنعوا وأثاروا الفتنة التى رجع عليهم ما كانوا آملوه فيها منه وهو الظاهر منهم والباطن كان مخالفا للظاهر منهم فيما ادعوه بعثمان. إنكار عائشة على عثمان: فأما تأليب عائشة على عثمان فهي أظهر مما وردت به الاخبار من تأليب طلحة والزبير عليه، فمن ذلك ما رواه محمد بن اسحاق صاحب السيرة عن مشايخه عن حكيم بن عبد الله قال دخلت يوما بالمدينة إلى المسجد فإذا كف مرتفعة وصاحب الكف يقول: أيها الناس العهد قريب هذان نعلا رسول الله (1) وقميصه وكأني أرى ذلك القميص
– حاصروه إلى دار بعض الانصار فتسوروا منها على عثمان فقتلوه والزبير يقول اقتلوه فقد بدل دينكم وانه لجيفة على الصراط. (1) في الاغانى (ج 4 – ص 178) ان جماعة من أهل الكوفة – (*)
[ 76 ]
يلوح تقول وان فيكم فرعون هذه الامة فإذا هي عائشة وعثمان يقول لها اسكتي ثم يقول للناس انها إمرأة وعقلها عقل النساء فلا تصغوا إلى قولها، وروى الحسن بن سعد قال رفعت عائشة ورقة من المصحف بين عودتين من وراء حجلها وعثمان قائم ثم قالت يا عثمان أقم ما في هذا الكتاب فقال لتنتهين عما أنت عليه أو لادخلن عليك جمر النار فقالت له عائشة أما والله لئن فعلت ذلك بنساء النبي يلعنك الله ورسوله وهذا قميص رسول الله لم يتغير وقد غيرت سنته يا نعثلي (1). وروى الليث بن أبى سليمان عن ثابت الانصاري عن ابن أبى عامر مولى الانصار قال كنت في المسجد فمر عثمان فنادته عائشة يا غدر يا فجر أخفرت أمانتك وضعيت رعيتك ولولا الصلاة الخمس لمشى اليك الرجال حتى يذبحوك ذبح الشاة فقال عثمان: (ضرب الله مثلا للذين كفروا إمرأة نوح وإمرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين). وروى محمد بن اسحاق والمدايني وحذيفة قال لما عرفت عائشة ان الرجل مقتول تجهزت إلى مكة جاءها مروان بن الحكم وسعيد بن العاص فقالا لها انا لنظن ان الرجل مقتول وأنت قادرة على الدفع عنه فان تقيمي يدفع الله بك عنه قالت ما أنا بقاعدة وقد قدمت ركابي وغريت غرائري وأوجبت الحج على نفسي فخرج من عندها مروان
شهدوا على الوليد بن عتبة وأخافهم عثمان فاستجاروا بعائشة فأخرجت نعل رسول الله إلى المسجد تقول: ترك عثمان سنة صاحب هذا النعل. (1) في كامل ابن الاثير (ج 3 – ص 80) والنهاية (ج 4 – ص 166) بمادة نعثل وتاج العروس ان عائشة سمت عثمان نعثلا وهو أما رجل يهودي أو الشيخ الاحمق أو رجل طويل اللحية بمصر. (*)
[ 77 ]
يقول: (زخرف قيس على البلاد حتى إذا اضطربت) فسمعته عائشة فقالت: أيها المتمثل هلم قد سمعت ما تقول أتراني في شك من صاحبك والله لوددت انه في غرارة من غرايرى حتى إذا مررت بالبحر قذفته فيه فقال مروان قد والله تبنيت قد والله تبنيت قال فسارت عائشة فاستقبلها ابن عباس بمنزل يقال له الصلعاء وابن عباس يريد المدينة فقالت يابن عباس إنك قد أوتيت عقلا وبيانا وإياك أن ترد الناس عن قتل الطاغية، وهذه أيضا جملة من كثير ورد بها أخبار في تأليب عائشة على عثمان والسعى في دمه اقتصرنا عليها كراهة الاملال بالتطويل وفيها أوضح دليل على أن تظاهرها من بعد بطلب دمه ومباينة أمير المؤمنين عليه السلام وجمع الجموع لحربه والاجتهاد في نقض عهده وأمرها بسفك دمه لم يكن الباطن فيه كالظاهر بل كان لغير ذلك فيما اشتهر عند المعتبرين لاعمال القوم قديما وحديثا وأغراضهم في الافعال وما فيه من يصرح القول عنهم في عداوتها له (ع) فليتأمل أولوا الابصار بما رويناه وليمعن النظر فيما ذكرناه ويجد الامر فيه على ما وصفناه والله المستعان. ندم طلحة والزبير من البيعة: فصل: قد قدمناه من القول فيما كان قد عمد عليه طلحة والزبير في خلاف أمير المؤمنين (ع) والمباينة له والتحيز عنه وهو لما كرها ولايته وأنكرا إمرته ولم يؤثرا من الناس بيعته لما كانا عليه من الطمع في الولاية للامر دونه والتأمر على الناس بذلك وفاتهم منه ما أملاه وندما على افراطهما فيما صنعاه مع التسخير لهما من الله تعالى في بذل بيعتهما له (ع) طوعا واختيارا سنح لهما الاعتلال في تسويغ خلافهما له بدعوى إكراهه لهما على البيعة فتعلقا بذلك وجعلاه حجة لهما في خلافه
[ 78 ]
فظن به تمام الشبهة التى قصداها بعمد الامر على الجهل فلما وضح لهما تهافت ما اعتمداه من ذلك بظهور اختيارهما لبيعته وإيثارهما لتقدمه عليهما والرضا بامامته واشتهر ذلك عند الكافة من الخاصة والعامة وعلما انه لا حجة لهما في دفع الظاهر بدعوى الباطن وانه لو تم لهما التلبيس بدعوى الكراهة الباطنية لم تتم لهما حجة لانه لا يسع أحد كراهة بيعة المحق ولا يسوغ لاحد خلاف المهاجرين والانصار في الرضا بما يجتمعون عليه من الرضا بامامة المرتضى عليه السلام في ظاهر الحال فكيف بمن يرضى برضاء الله له في الباطن والظاهر على كل حال ولانهما لم يجدا شبهة يتعلقان بها في كراهة إمامة أمير المؤمنين (ع) مع جمعه للفضل وتقدم الايمان والذب عن الاسلام والجهاد في الدين والبلاء الحسن مع الرسول والعلم الظاهر الذى لا يختلف فيه اثنان من العلماء مع الزهد في الدنيا والورع عن محارم الله وحسن التدبير وصواب الرأى والرحم الماسة منه برسول الله صلى الله عليه وآله وما كان سنه فيه من الامور الدالة على استحقاقه التقدم على كافة الانام من الامة فلم يول عليه واليا قط ولا أنفذه في سرية إلا وهو أميرها وسيدها ورئيسها وقائدها وعظيمها وانه لم يفسد أحد على عهد النبي أمرا إلا ندبه إليه فقوى تلافي فارطه به (ع) وكان الامر إذا أعضل في شئ ناطه به وأنجزه وكفى به وأغناه ورفع إليه من بعده صلى الله عليه وآله من تقدمه في مقامه عند معضل الامور فاستعلموا منه ما كان خافيا عليهم من أحكام الملة وصواب التدبير في مصالح الامة فعلم طلحة والزبير ان التعلق في خلافه بكراهة البيعة شبهة داحضة لا يثبت لهما به حجة عند أحد من الفضلاء والعقلاء وانه لو ثبت ما ادعياه من إكراههما على البيعة لكان أسوء لحالهما عند الامة ولكان له (ع) في حكم الشريعة ذلك إذ للامام القهر على طاعته والاكراه على الاجابة إلى ما يلزم للامة كف الفتنة وشمول المصلحة
[ 79 ]
فلما علم الرجلان ذلك ووضح لهما ما ذكرناه في معانيه ولم يكونا ممن يخيل عليهما فساد الدعوى لما ادعياه وقصورهما عن غرضهما فيه: عدلا إلى التظاهر بطلب دم عثمان وزعما ان الذى كان منهما قد بانا منه وادعيا ان التوبة لا تصلح أن تتم لهما إلا ببذل الجهد في طلب قاتليه والاقتصاص من ظالميه فاشتبه الامر بما سارا إليه مما ذكرناه عنهما على المستضعفين واستغويا به كثيرا من العامة البعداء عن فقه الدين وسلكت عائشة في خلافها لامير المؤمنين (ع) مسلكها في ذلك فتظاهرت به من الطلب بدم عثمان والاقتصاص من قاتله ومعلوم في شريعة المسلمين ان ذلك ليس لهما ولا اليهما وانهما فيما تكلفاه منه على شبهة باطلة عند الناظرين لانهما لم يكونا أولياء لدم عثمان ولا بينه وبينهما نسب يسوغهما للتخاصم في دمه. المرأة والحجاب: ولا إلى النساء أيضا الدخول في شئ من ذلك على وجه من الوجوه إذ ليس عليهن جهاد ولا لهن أمر ولا نهى في البلاد والعباد مع ما خص به الله أزواج النبي في الحكم المضاد ولما صنعته هذه المرأة وتبينت فيه بالخلاف فيه للدين وقص الله تعالى في محكم التنزيل حيث يقول جل إسمه: (يا أيها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن) وفرض عليهن سبحانه التحصن والتجلبب ولا يتعرفن إلى أحد فجاء بضد ذلك من التبرج وهتك الحجاب واطراح الجلباب وإظهار الصورة وابداء الشخص والتهتك بين العامة فيما لا عذر لها فيه مع ما ارتكبته من قتال ولي الله الذى فرض عليها إعظامه وإجلاله وأوجب عليها طاعته وحرم عليها معصيته وسفكت فيما صنعت دماء المؤمنين وأثارت الفتنة التى شانت بها المسلمين وأنى يواطئ ذلك ما أمرها الرسول به في الحديث المشهور
[ 80 ]
دخل ابن ام كلثوم وهو أعمى على النبي صلى الله عليه وآله فقال لها قبل دخوله ادخلي الخباء يا عائشة فاستتري به من هذا الرجل فقالت يا رسول الله انه أعمى ولن يرانى فقال صلى الله عليه وآله إن لم يراك فانك ترينه (1). وقال سبحانه فيما أدب به أصحاب نبيه: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناءه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث ان ذلكم كان يؤذى النبي فيستحي منكم والله لا يستحى من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ان ذلكم كان عند الله عظيما) (2). فبين الله عز إسمه أن خطاب المؤمنين من أصحابه لازواج نبيه يؤذيه وان الانبساط لهن يشق عليه ويؤلمه وصانهن لصيانته واحتراسه فنهى أن يأنس بهن أحد أو يسألهن متاعا إلا من وراء حجاب ونهى عن اللبث في بيته بعد نيل الحاجة من طعامه وغير ذلك لئلا يطول مقامهم فيه فتأنس أزواجه بهم أو يأنسون بكلامهن فكيف هذا يوافق لما فعلته المرأة من مخالطتها للقوم ومسافرتها معهم وإطالة النجوى لهم وكونها بمحمل من لا يحتشم في خطاب ولا كلام ولا أمر
(1) مثل هذا الحديث ما رواه الخازن في تفسيره (ج 5 ص 57) والبغوى في تفسيره بهامشه كلاهما عن الترمذي وأبى داود عن ام سلمة قالت: كنت وميمونة بنت الحرث إذا أقبل ابن ام كلثوم فدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك بعد ما نزل الامر بالحجاب فقال رسول الله احتجبا منه فقلنا انه أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال صلى الله عليه وآله أفعمياوتان أنتما ألستما تبصرانه. (2) سورة الاحزاب: 53. (*)
[ 81 ]
ونهى ويؤنس بها في كل حال وتصير بذلك كأمير العسكر وقائد الجيش الذى لا يتمكن من الاستخفاء عن أصحابه بحال وان هذا لعجيب عند من فكر فيه، والحكم بالعصيان لله عزوجل والاطراح والاستخفاف بنواهيه غير مشكل على كل ذى عقل ومن اشتبه عليه ضلالها فهو يعد من الاموات هذا مع قول الله عزوجل: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى) وعند كل ذى لب عرف الشرع ودان بالاسلام ان أزواج عثمان وبناته وبنات عمه من بنى امية الذين هم أمس رحما من عائشة لو كلفن ما تكلفن للقتال وان كن عاصيات خارجات عن شريف الاسلام فما ظنك بالبعيدة نسبا النائية عنه عقلا ومذهبا المقرفة على قتله الساعية في دمه الداعية إلى خلعه المانعة عن نصرته وما الذى أحدثه بعد إنكارها عليه مما يوجب رجوعها عما كانت عليه معتقدة فهل تراه أحدث عملا صالحا بعد قتله أو أحياه الله لها فسألها نصرته أم أوحى الله إليها من باطن أمره ما كان مستورا عنها، كلا. لكن الامر فيما قصدته من حرب أمير المؤمنين (ع) وتظاهرت عليه به من عداوته كان أظهر من أن تخفيه بالعلل والاباطيل وقد أجمع أهل النقل عنها على ما ذكرناه في باطن الامر وأوضحناه في وجوه الحجاج وبيناه. عائشة تبغض عليا: فصل: فمن ذلك ما رواه كافة العلماء عنها انها كانت تقول: لم يزل بينى وبين على من التباعد ما يكون بين بنت الاحماء، وقالت في خبرها عن قصة الذين رموها بصفوان بن المعطل وما كان منها في غزوة بنى المصطلق وهجر رسول الله لها واعراضه عنها واستشارته في اسامة بن
[ 82 ]
زيد قالت وكان عبدا صالحا مؤمنا وذكر له قذف القوم بصفوان فقال له اسامة لا تظن يارسول الله إلا خيرا فان المرأة مأمونة وصفوان عبد صالح ثم استشار عليا عليه السلام فقال له يارسول الله النساء عليك كثيرة سل عن الخبر بريرة خادمتها وابحث عن سر خبرها منها فقال له رسول الله فتول أنت يا على تقريرها فقطع لها علي (ع) خشبا من النخل وخلا بها يسألها ويتهددها ويرهبها لا جرم انى لا احب عليا أبدا (1). فهذا تصريح منها ببغضها له ومقتها إياه ولم يكن منه ذلك عليه السلام إلا النصيحة لله ولرسوله واجتهاده في الرأى ونصحه وامتثاله لامر النبي صلى الله عليه وآله ومسارعته لطاعته. ومن ذلك ما رواه كافة العلماء من حديث عكرمة وابن عباس وان عكرمة اخبره عن حديث حدثته عائشة في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله الذى توفى فيه حتى انتهت من ذلك إلى قولها فخرج رسول الله متوكئا على رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر فقال
(1) روى المفسرون وأرباب الحديث قصة الافك النازل فيها قوله تعالى: (ان الذين جاؤا بالافك) الآية. وارتاحوا لتنزيه (صاحبة الجمل) عما قيل فيها، روى ذلك البخاري (ج 3 – ص 33) ومسلم (ج 2 – ص 455) والخازن في تفسيره (ج 5 – ص 46) والبغوى بهامشه وابن جرير الطبري في التاريخ (ج 3 – ص 67) بالاسناد إلى عروة بن الزبير عن عائشة والى سعيد بن المسيب عنها وإلى علقمة بن وقاص عنها وإلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عنها فالمصدر لنقل الحديث عائشة فقط وأصبحت هذه الاشاعة حديث أندية المدينة ؟ ذلك نبى الله صلى الله عليه وآله لانه لم يتفق ومقامه الطافح بالعظمة القدسية وهنا يقول ابن العربي الاندلسي في أحكام القرآن (ج 2 – ص 94) – (*)
[ 83 ]
عبد الله بن العباس لعكرمة فلم تسم لك الاخر قال لا والله ما سمته فقال أتدرى من هو ؟ قال لا، قال ذلك علي بن أبى طالب وما كانت والله امنا تذكره بخير وهى تستطيع. والرواية المشهورة عن ابن عباس حين أنفذه أمير المؤمنين (ع) إلى عائشة وهى بالبصرة نازلة في قصر ابن خلف يأمرها بالرحيل إلى وطنها والرجوع إلى بيتها والحديث مشهور مثبت في كتب (الجمل) وغيرها أن ابن عباس قال لها ان أمير المؤمنين يأمرك أن ترتحلي إلى بيتك فقالت رحم الله أمير المؤمنين وان تربدت له وجوه ورغمت له معاطس، هذا مع الاخبار التى لا ريب فيها ولا مرية في صحتها لاتفاق الرواة عليها أنها لما قتل أمير المؤمنين جاء الناعي فنعى أهل المدينة فلما سمعت عائشة بنعيه استبشرت وقالت متمثلة:
– شاور النبي صلى الله عليه وآله اسامة بن زيد وعليا (ع) في أمرها فقال له أمير المؤمنين ان الله تعالى لم يضيق عليك والنساء كثير فاسأل الجارية تصدقك، هذا كل ما في علبة القوم وما ادرى ولا المنجم يأرى كيف تغافل المسلمون عن نقل هذا الحادث الشائع الذى نزل القرآن في افتضاح من أشاعه فلم يذكر أحد ما روته عائشة وانفردت بنقله مع شدة حرصهم على حفظ ما لا أهمية له من الحوادث، أكلهم تواصوا بالكتمان والعادة تبعده أم أن للقصة تخريجا آخرا ولم تكن بذلك الظهور. نعم، أوقفنا الشيخ الجليل الثبت علي بن ابراهيم القمى من علماء القرن الثالث على حقيقة سترتها الاحقاد فروى في تفسيره (ص 453) عن رجال أجلاء ثقاة عن زرارة بن اعين قال سمعت الباقر (ع) يقول لما مات ابراهيم بن رسول الله حزن عليه النبي صلى الله عليه وآله فقالت له عائشة ما الذى يحزنك عليه انه ابن جريح القبطى فبعث النبي عليا ليقتله
[ 84 ]
فان يك ناعيا فلقد نعاه * لنا من ليس في فيه التراب فقالت لها زينب بنت أبى سلمى العلي تقولين ؟ فتضاحكت ثم قالت أنسى فإذا نسيت فذكروني ثم خرت ساجدة شكرا على ما بلغها من قتله ورفعت رأسها وهى تقول (1). فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالاياب المسافر هذا وقد روي عن مسروق انه قال دخلت عليها فاستدعت غلاما باسم عبدا لرحمن قالت عبدى قلت لها فكيف سميتيه عبد الرحمن قالت حبا لعبد الرحمن بن ملجم قاتل علي.
– فخاف منه جريح فتسلق نخلة في بستان فانكشف ثوبه فإذا ليس له ما للرجال فرجع علي (ع) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله واخبره بما رأى فقال صلى الله عليه وآله الحمد لله الذى صرف عنا السوء أهل البيت ثم نزلت هذه الآية: (إن الذين جاؤا بالافك) وفي ص – 640 – من التفسير روى عن الصادق أن رسول الله كان عالما بكذبها ولكنه أراد أن يدفع القتل عن جريح وترجع المرأة عن ذنبها. وفي شرح النهج لابن أبى الحديد (ج 2 – ص 457) كانت لعائشة جرأة على رسول الله حتى كان منها في أمر مارية ما كان من الحديث الذى أسرته إلى الزوجة الاخرى وأدى إلى تظاهرهما عليه فنزل فيهما قرآنا يتلى في المحاريب يتضمن وعيدا غليظا عقيب تصريح بوقوع الذنب. ولم تخف هذه الظاهرة على شيخنا المفيد ولكنه مشى في نقل القصة عنها مع المؤرخين ليسجل عليها اعترافا بالمباينة لامير المؤمنين التى لا يستحق فيها شيئا جاء به من قبل نفسه وانما هو ممتثل أمر رسول الله في تعقيب المرأة لتعترف بالحقيقة ويستبين الحال. (1) البيتان في تاريخ الطبري (ج 6 ص 87). (*)
[ 85 ]
والخبر مشهور انه لما بعث إليها أمير المؤمنين بالبصرة أن ارتحلي عن هذه البلدة قالت لا أريتم مكاني هذا فقال لها أمير المؤمنين أم والله لترتحلين أو لابعثن اليك نسوة من بكر بن وائل يأخذنك بشفار حداد فقالت لرسوله ارتحل فبالله أحلف ما كان مكان أبغض إلى من مكان يكون هو فيه، وأمثال هذا مما لو أثبتناه لطال به الكتاب ومما يؤكد ما ذكرناه من ان غرض القوم كان في مباينة أمير المؤمنين (ع) ومظاهرته بالخلاف وانه لم يكن لاقامة حق واجتهاد ورأى في إصابة طاعة وحوز مثوبة بل كان لضغاين بينه وبينهم لاسباب سالفة وآنفة أو طمع في عاجل أو حسد له وبغي عليه. عائشة تفرح وتحزن: وان حكم المرأة لما ذكرناه ظاهر لذوى الاعتبار، وما أجمع على نقله رواة الآثار، ونقلة السير والاخبار انه لما قتل عثمان بن عفان خرج البغاة إلى الآفاق فلما وصل بعضهم إلى مكة سمعت بذلك عائشة فاستبشرت بقتله وقالت قتلته أعماله انه أحرق كتاب الله وأمات سنة رسول الله فقتله الله (1) ومن بايع الناس ؟ فقال لها الناعي لم ابرح المدينة حتى أخذ طلحة بن عبد الله نعاجا لعثمان وعمل مفاتيح لابواب بيت المال ولا شك ان الناس قد بايعوه فقالت أي هذا الاصيبع وجدوك لها محسنا وبها كافيا ثم قالت شدوا رحلي فقد قضيت عمرتي لاتوجه إلى
(1) في شرح النهج لابن أبى الحديد (ج 2 – ص 460) كانت عائشة أشد الناس عليه تأليبا وتحريضا فلما سمعت بقتله قالت أبعده الله وأملت أن تكون الخلافة في طلحة فتعود الامرة تيمية فلما سمعت أن البيعة تمت لعلي (ع) صاحت واعثماناه قتل عثمان مظلوما، ونقل ذلك عن شيخه المعتزلي أبى يعقوب يوسف اللمعانى.
[ 86 ]
منزلي فلما شدوا رحالها واستوت على مركبها سارت حتى بلغت (سرفا) موضع معروف بهذا الاسم لقيها ابراهيم بن عبيد بن ام كلاب فقالت ما الخبر ؟ فقال قتل عثمان قالت قتل نعثل ؟ ثم قالت اخبرني عن قصته وكيف كان أمره ؟ فقال لها أحاط الناس بالدار وبه ورأيت طلحة بن عبد الله قد غلب على الامر واتخذ مفاتيح على بيوت الاموال والخزائن وتهيأ ليبايع له فلما قتل عثمان مال الناس إلى علي بن أبى طالب (ع) ولم يعدلوا به طلحة ولا غيره وخرجوا في طلب علي يقدمهم الاشتر ومحمد بن أبى بكر وعمار بن ياسر رحمه الله حتى أتوا عليا وهو في ببت سكن فيه فقالوا له بايعنا على الطاعة لك فتفكر ساعة فقال الاشتر يا علي ان الناس لا يعدلون بك غيرك فبايع قبل أن تختلف الناس. قال وكان في الجماعة طلحة والزبير فظننت أن سيكون بين طلحة والزبير وعلي كلام قبل ذلك فقال الاشتر لطلحة قم يا طلحة فبايع ثم قم يا زبير فبايع فما تنتظران فقاما فبايعا وأنا أرى أيديهما على يد علي يصفقانهما ببيعته ثم صعد علي بن أبى طالب المنبر فتكلم بكلام لا احفظه إلا أن الناس بايعوه يومئذ على المنبر وبايعوه من الغد فلما كان اليوم الثالث خرجت ولا أعلم ما جرى بعدي. فقالت يا أخا بنى بكر أنت رأيت طلحة بايح عليا ؟ فقلت أي والله رأيته بايعه وما قلت إلا رأيت طلحة والزبير أول من بايعه فقالت إنا لله اكره والله الرجل وغصب علي بن أبى طالب أمرهم وقتل خليفة الله مظلوما ردوا بغالي ردوا بغالي فرجعت إلى مكة. قال وسرت معها فجعلت تسألني في المسير وجعلت اخبرها ما كان فقالت لي هذا بعهدي وما كنت اظن ان الناس يعدلون عن طلحة مع بلائه يوم احد قلت فان كان بالبلاء فصاحبه الذى بويع ذو بلاء وعناء فقالت يا أخا بنى بكر لا تسلك غير هذا فإذا دخلت مكة وسألك لناس ما رد
[ 87 ]
ام المؤمنين فقل القيام بدم عثمان والطلب به. وجاءها يعلي بن منبه فقال لها قد قتل خليفتك الذى كنت تحرضين على قتله فقالت برأت إلى الله ممن قتله. قال الآن ; ثم قال لها اظهري البراءة ثانيا من قاتله فخرجت إلى المسجد فجعلت تتبرء ممن قتل عثمان، وهذا الخبر يصرح مضمونه عما ذكرناه من أنها لم تزل مقيمة على رأيها في استحلالها دم عثمان حتى بلغها أن أمير المؤمنين قد بويع وبايعه طلحة والزبير فقلبت الامر وأظهرت ضد الذى كانت عليه من الرأى وانه لو تم الامر لطلحة لاقامت ما كانت عليه وان طلحة والزبير كانا في الاول على عثمان وإنما رجعا عنه لما فاتهما مما كانا يأملانه من ذلك ولم يرجعا عنه لما أظهراه من بعد الندم على قتل عثمان والدعاء إلى قتله ولا رجعا عنه استبصارا بضلالة ما كانا يأملانه في ذلك وان الذى ادعته الحشوية لهم من اجتهاد الرأى. باطل ومنحل وان دعوى المعتزلة في الشبهة عليهما فيما صارا إليه من خلاف أمير المؤمنين عليه السلام ليس بصحيح. بل الحق في ذلك ما ذهبت إليه الشيعة في تعمدها خلافه وأسباب ذلك العداوة له والشنئآن مع الطمع في الدنيا والسعى في عاجلها والميل للتأمر على الناس والتملك لامرهم وبسط اليد عليهم وان الرجلين خاصة لما أيسا من نيل ما طمعا فيه من الامر فوجدا الامة لا تعدل بأمير المؤمنين أحدا وعرفا رأى المهاجرين والانصار فمن أرادا الحظوة عنده بالبدار إلى بيعته وظنا بذلك شركاه في أمره فلما استويا بالحال من بعد وصح لهما رأيه (ع) وتحققا انهما لا يليان معه أمرا فامتحنا ذلك مع ما غلب في ظنهما مما ذكرناه بأن صارا إليه بعد استقرار الامر ببيعة المهاجرين والانصار وبنى هاشم وكافة الناس إلا من شذ من بطانة عثمان وكانوا على خفاء لاشخاصهم مخافة على دمائهم من أهل الايمان
[ 88 ]
فصارا إلى أمير المؤمنين فطلب منه طلحة ولاية العراق وطلب منه الزبير ولاية الشام نأمسك علي عن إجابتهما في شئ من ذلك فانصرفا وهما ساخطان وقد عرفا ما كان غلب في ظنهما قبل من رأيه (ع) فتركاه يومين أو ثلاثة أيام ثم صارا إليه واستأذنا عليه فأذن لهما وكان في علية داره فصعدا إليه وجلسا عنده بين يديه وقالا يا أمير المؤمنين قد عرفت حال هذه الازمنة وما نحن فيه من الشدة وقد جئناك لتدفع الينا شيئا نصلح به أحوالنا ونقضى به حقوقا علينا فقال عليه السلام قد عرفتما مالي (بينبع) فان شئتما كتبت لكما منه ما تيسر فقالا لا حاجة لنا في مالك (بينبع) فقال لهما ما اصنع ؟ فقالا له اعطنا من بيت المال شيئا لنا فيه كفاية فقال سبحان الله وأى يد لي في بيت المال وذلك للمسلمين وأنا خازنهم وأمين لهم فان شئتما رقيتما المنبر وسألتما ذلك ما شئتما فان اذنوا فيه فعلت وأنى لي بذلك وهو لكافة المسلمين شاهدهم وغائبهم لكنى ابدى لكما عذرا فقالا ما كنا بالذى نكلف ذلك ولو كلفناك لما اجابك المسلمون فقال لهما ما اصنع ؟ قالا قد سمعنا ما عندك ثم نزلا من العلية وكان في أرض الدار خادمة لامير المؤمنين سمعتهما يقولان والله ما بايعنا بقلوبنا وإن كنا بايعنا بألسنتنا فقال أمير المؤمنين عليه السلام (ان الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) فتركاه يومين آخرين وقد جائهما الخبر باظهار عائشة بمكة ما أظهرته من كراهة أمره وكراهة من قتل عثمان والدعاء إلى نصره والطلب بدمه وان عمال عثمان قد هربوا من الامصار إلى مكة بما احتجبوه من أموال المسلمين ولخوفهم من أمير المؤمنين ومن معه من المهاجرين والانصار وان مروان بن الحكم بن عم عثمان ويعلى بن منبه خليفته وعامله كان باليمن و عبد الله بن عامر بن كريز ابن عمه وعامله على البصرة وقد
[ 89 ]
اجتمعوا مع عائشة وهم يدبرون الامر في الفتنة، فصار إلى امير المؤمنين عليه السلام وتيمما وقت خلوته فلما دخلا عليه قالا يا امير المؤمنين قد استأذناك للخروج في العمرة لانا بعيدان العهد بها إئذن لنا فيها فقال والله ما تريدان العمرة ولكنكما تريدان الغدرة، وانما تريدان البصرة فقالا اللهم غفرا ما نريد إلا العمرة فقال عليه السلام احلفا لى بالله العظيم انكما لا تفسدان علي امر المسلمين ولا تنكثان لى بيعة ولا تسعيان في فتنة فبذلا السنتهما بالايمان المؤكدة فيما استحلفهما عليه من ذلك فلما خرجا من عنده لقيهما ابن عباس فقال لهما اذن لكما امير المؤمنين ؟ قالا نعم. فدخل على أمير المؤمنين فابتداه عليه السلام فقال يا ابن عباس أعندك الخبر قال قد رأيت طلحة والزبير فقال (ع) انهما استأذناني في العمرة فأذنت لهما بعد ان استوثقت منهما بالايمان ان لا يغدرا ولا ينكثا ولا يحدثا فسادا والله يا ابن عباس وانى اعلم انهما ما قصدا إلا الفتنة فكأني بهما وقد صارا إلى مكة ليسعيا إلى حربى فان يعلى بن منبه الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق وفارس لينفق ذلك وسيفسدان هذان الرجلان علي امرى ويسفكان دماء شيعتي وانصاري. قال عبد الله بن عباس إذا كان ذلك عندك يا امير المؤمنين معلوما فلم اذنت لهما وهلا حبستهما واوثقتهما بالحديد وكفيت المسلمين شرهما. فقال له عليه السلام يا ابن عباس اتأمرنى بالظلم ابدأ وبالسيئة قبل الحسنة واعاقب على الظنة والتهمة واوآخذ بالفعل قبل كونه كلا والله لا عدلت عما اخذ الله على من الحكم والعدل ولا ابتدأ بالفصل. يا ابن عباس اننى اذنت لهما واعرف ما يكون منهما، ولكني استظهرت بالله عليهما والله لاقتلنهما ولاخيبن ظنهما ولا يلقيان من الامر مناهما وان الله يأخذهما بظلمهما لى ونكثهما بيعتى وبغيهما على وهذا الخبر والذى تقدم مع ما ذكرناه من وجودهما في اثر مصنفات اصحاب السيرة وقد اورده
[ 90 ]
ابو مخنف لوط بن يحي في كتابه الذى صنفه في حرب الجمل وجاء به الثقفى عن رجال الكوفيين، والشاميين، وغيرهم ولم يورد احد من اصحاب الآثار نقيضه في معناه ولا ثبت ضده في فحواه، ومن تأمل ذلك علم ان القوم لم يكونوا فيما صنعوه على جميل طوية في الدين ولا للمسلمين، وان الذى اظهروه من الطلب بدم عثمان انما كان تشبيها وتلبيسا، على العامة والمستضعفين ولولا ما جعلوه من شعارهم بدعوى الانتصار بعثمان، والتظاهر بتظليم قاتليه وخاذليه والندم على ما فرط منهم فيه لما اختلف اثنان من العلماء واتباعهم في صواب رأى المسلمين مما كان في عثمان وانهم انما اجتمعوا على خلعه وقتله باستحقاقه ذلك بالاحداث التى احدثها في الدين ولكنهم ضلوا بما اظهروه وافسدوا افسادا عظيما بما اظهروه، ولم يثر المستضعفين في هذا الباب إلا لنأيهم عن معرفة الاخبار وتدبر الاثار واشتبه الامر فيه على جماعة النظار بجهلهم بما اثبتناه في ذلك من الحديث، وبعدهم عن معرفة طرقه ولعل جمهورهم لم يسمع بشئ منه فضلا عن تدبره وكل من ضل عن سبيل الحق إنما ضل بالتقليد، وحسن الظن بمن لا يحسب حسن الظن لله فيه واعتقاد فضل من قد خرج عنه بسوء الرأى، وطريق الانصاف، فيما ذكرناه والنظر فيما وصفناه والتأمل لما اثبتناه من الاخبار فيه وشرحناه والرجوع إلى اهل السير وإلى اختلافهم في الآراء والمذهب وإلى كتبهم المصنفة في الفتن تعرف ذلك منهما ومن تدبر الامر يجده على ما وصفناه والله ولى التوفيق. براءة أمير المؤمنين من الدم: باب آخر في القول فيما يتصل بالمقدم من الكلام في معانيه ثم قد اشتبه الامر في رأى امير المؤمنين عليه السلام ومذهبه في حصر عثمان
[ 91 ]
وقتله وتشعب اقوال المختلفين في ذلك، فلم احد أحدا من متكلمي اصحابنا الامامية حصر القول في ذلك، ولا كلاما في معناه يوضح عن الغرض الملتبس على العقلاء وكان كل فريق عدا الامامية من اهل القبلة يقولون في ذلك بظن أو ترجيم، ولا يضع يده في شئ منه على معرفة ويقين، والذى تدل الدلائل عليه من رأى أمير المؤمنين (ع) فيما صنعه القوم بعثمان من الحصار ومطالبته بالخلع، ومنعه الطعام والشراب، لعدم الاجابة لهم على ما دعوه إليه من اعتزال الامر ثم الهجوم عليه بالقتل والقائه على بعض المزابل لا يريدون الصلوة عليه ولا الدفن له ويمنعون من ذلك على ما اجمعت عليه رواة الآثار والاخبار والمتفق على صحته العلماء بالسير من الآثار فقد كره (ع) لجملة من ذلك وعتزل القوم فيه غير انه لم يواط على كراهة غيره، على نيته فيه ولا وافق سواه من مخالفيه على طويتهم في معناه، وذلك انه عليه السلام لم يشرع مع القوم في دعاء عثمان إلى الاعتزال، ولا رأى ما رأوه من حصاره وما ولى ذلك من افعالهم به وانه عليه السلام علم عاقبة الامر في ذلك وتحققها ولم يخف عليه ما يكون في مستقبل الاوقات في الفتنة بذلك، والاختلاف والحروب، وسفك الدماء، فان مخالفيه لقديم العداوة له والبغضاء منهم له (ع) والشنئآن والحسد والبغى عليه بالطغيان سيقرفونه بقتل عثمان، والسعى في دمه بهتانا له في ذلك على ما ذكرناه من الظغناء في الدين البعداء عن علمه، ولم يصر إلى الاعتزال مما صنعه القوم بالرجل لولائه ولاعتقاد الجميل فيه، وكيف يكون اعتزاله لهم فيما رأوه من خلعه وحصره وقتله واعتقاد الحق له عليهم وثبوت إمامته بحكم الله في ذلك كما ظنه اولياء الرجل وهو عليه السلام يعلم انه مظلوم بدفعه عن الامر بعد النبي صلى الله عليه وآله وتقدم عليه من لا يستحق ذلك والتصغير من شأنه والحط بذلك له عن قدره والاغراء في السعاية
[ 92 ]
بذلك في حجد فضله وإنكار فضله وتظلمه من القوم جميعا في مقام على التلويح والتصريح والتحقيق والتعريض. بقوله (ع) اللهم انى استعديك على قريش فانهم ظلموني ومنعوني حقى وصغروا شأني ومنعوني حقى اي ار في مقام مشهور. وقوله (ع) في مقام آخر اللهم اجز قريشا عنى الجوازى فقد ظلموني ومنعوني حقى وصغروا شأني ومنعوني ارثى. وقوله (ع) في مقام آخر لم ازل مظلوما منذ قبض رسول الله. وقوله (ع) اللهم اجز عمرا لقد ظلم الحجر والمدر. وقوله (ع) والذى فلق الحبة وبرأ النسمة لقد عهد النبي صلى الله عليه وآله إلي ان الامة ستغدر بك من بعدى. وقوله (ع) في مقام آخر لما قبض الله نبيه لم يكن يرى أحدا بهذا الامر منا اهل البيت حتى قوى عليه غيرنا فابتزنا حقنا منه. وقوله (ع) لما مضى نبينا صلى الله عليه وآله وتقلدها ابو بكر والله ليعلم إنى اولى بها منه كقميصي هذا وقبض قميصه بيده. وقوله صلى الله عليه وآله في خطبته المشهورة اما والله لقد تقمصها ابن قحافة وانه ليعلم ان محلى منها محل القطب من الرحى ينحدر عنى السيل ولا يرقى إلى الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، وطفقت ارتأى بين ان اصول بيد جذاء، أو اصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن، حتى يلقى ربه فرأيت ان الصبر على هاتا احجى فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، ارى تراثي نهبا، حتى إذا حضر أجله جعلها في صاحبه عمر فيا عجبا بينا هو يستقبلها في حيوته إذ عقدها لآخر بعد وفاته. وفي كلامه المشهور حتى انتهى إلى الشورى فذكر عمر وقال فجعلها شورى في ستة ! زعم إنى احدهم فيالله وللشورى متى اختلج الريب
[ 93 ]
في مع الاولين حتى صرت اقرن إلى هذه النظائر. ثم انتهى في كلامه إلى بيعة عثمان فذكر عبد الرحمن في اختياره لعثمان عليه وقال ونهض واحد لضغنه ومال الآخر لصهره وكان عبد الرحمن صهرا لعثمان على اخته في الكلام الثابت في الخطبة إلى آخرها وقوله (ع) في اول خطبة خطبها بعد قتل عثمان وبيعة الناس له قد مضت امور كنتم فيها غير محمودي الرأى اما لو اشاء لقلت ولكن عفا الله عما سلف سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه وفرجه يا ويله لو قص جناحه وقع رأسه لكان خيرا له حتى انتهى إلى قوله وقد اهلك الله فرعون وهامان وقارون. فيما يتصل بهذه الخطبة إلى آخرها. وقوله (ع) عند بيعة عبد الرحمن لعثمان يوم الشورى والله ما املت إلا ما أمل صاحبك من صاحبه دق الله بينكما عطر منشم (1) ثم انصرف في امثاله لهذا الكلام كثيرا ان قصدنا إثباته لطال به الكتاب وفي ثبوت النص على امير المؤمنين بالامامة في القرآن والاخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله اوضح دليل على انه (ع) لم يكن قاضيا بتقديم أحد عليه في مقام النبوة ولا مصوبا لهم في ادعاء الامامة فكيف وقد تظافرت الاخبار بما ذكرناه ومما كشف به عن عقيدته فيه ورأيه في القوم على ما بيناه ولو لم يكن نص عليه بالامامة ولا ورد عنه مقال في إنكار ما صنعه القوم في التقديم عليه في الامر لكان الدليل القاهر على فضله (ع) بثبوته عن جماعتهم بذلك كافيا في كراهة امرهم وإنكاره عليهم ولو فسد الطريق في ذلك اجمع واشتبه الامر فيه لم يعترض ريب في إنكاره احداث عثمان بن عفان التى اجمع على إنكارها المهاجرون والانصار والتابعون باحسان وما تظاهرت به الاخبار من
(1) تقدم بيان هذا المثل. (*)
[ 94 ]
مواليه (ع) على الانكار في مقام بعد مقام. ما نقم به على عثمان: ألا ترى إلى ما جاءت به الاخبار من إنكاره (ع) ادراء الحد عن عبيد الله بن عمر بن الخطاب وقد استحق القود بقتله الهرمزان ومن قتل معه من اهل العهد بغير حق بمقتضى شريعة الاسلام ولما طالبه القوم للقود منه تعلل عثمان تارة بأن اباه قتل ولا يرى قتله اليوم لئن لا يجترأ المسلمون بذلك وتواتر عليهم الهموم والغموم ولما خاف من الاضطراب له والفساد فرد عليه امير المؤمنين (ع) هذا الرأى وأعلمه ان حدود الله لا تسقط ولا يجوز تطبيقها بمثل هذا الاعتلال (1) فعدل عثمان إلى تعلل آخر بأن في إسقاط الحد عن ابن عمر خلافا على رأى امير المؤمنين فيه ومضادته فيما دعاه إليه واشار به عليه في حكم الله تعالى وقال الهرمزان رجل غريب لا ولي له وانا ولي من لا ولي له وقد رأيت العفو عن قاتله فقال له امير المؤمنين ليس للامام ان يعفو عن حق يتعلق بالمخلوقين إلا ان يعفو الاولياء عنه وليس له ان يعفو عن ابن عمر ولكن ان اردت ان تدرأ الحد عنه فأد الدية إلى المسلمين الذين عم اولياء الهرمزان أو اقسمها مع ما في بيت المال على مستحقه فلما رأى امير المؤمنين دفاع عثمان عن الحد الواجب في حكم الله وتعلله في ذلك قال له اما انت فلمطالب بدم الهرمزان يوم يعرض
(1) في صحيح البخاري (ج 2 – ص 262) وصحيح مسلم (ج 2 – ص 32) والمستدرك عليهما للحاكم (ج 4 – ص 379) ومسند احمد (ج 3 – ص 386) وسنن ابى داود والسجستاني (ج 4 – ص 132) ان النبي صلى الله عليه وآله قال الحدود لا تسقط بحال فلم يقبل شفاعة احد في سارقة الحلى حتى قطع يدها. (*)
[ 95 ]
الله الخلق للحساب واما انا فاقسم بالله فانني لان وقعت عينى على عبيد الله بن عمر لاخذت حق الله منه وان رغم انف من رغم فاستدعى عثمان عبيد الله ليلا وأمره بالهرب من أمير المؤمنين (ع) فخرج من المدينة ليلا وقد أصحبه عثمان كتابا أقطعه فيه قرية من قرى الكوفة وهى (كويفة ابن عمر) فلم يزل بها حتى ولي أمير المؤمنين (ع) فكان من جملة المعاندين له واجتهد في حربه مع جند الشام فقتله الله بغيضه ولقاه أعماله وكفى المسلمين شره. ولما ورد أهل الكوفة يتظلمون من الوليد بن عقبة بن أبى معيط ويشهدون عليه بشرب الخمر وسكره وصلوته فيها بالناس الفجر وهو سكران وانه قاء بالخمر ونام في موضعه حتى حمل منه وجعل مواضع القرآن شعرا مشهورا، فاغتاظ عثمان من الشهود وتغير عليهم وأمر بضربهم فصاروا إلى أمير المؤمنين (ع) يشكون إليه أمرهم وما حل بهم من عثمان فقام (ع) حتى دخل عليه فلما رآه عثمان قال ما لك يا ابن أبي طالب أحدث أمر ؟ قال نعم حدث أمر عظيم، قال وما ذاك ؟ قال عطلت الحدود وضربت الشهود، فقال عثمان فما ترى ؟ قال أرى أن تعزل أخاك عن الكوفة وتستدعيه وتقيم عليه الحد قال أنظر في هذا (1). ولما كان من إنكار أبي ذر وإجداث عثمان ما كان ودخل عليه في بعض الايام وعنده قوم يمدحونه بالاباطيل فأخذ بيده كفا من التراب وضرب وجوههم فقال له عثمان ويلك ما هذا تضرب وجوه المسلمين بالتراب قال انه لم أفعل إلا ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله إذا رأيتم
(1) ابن الاثير (ج 3 – ص 40) حوادث سنة 30، والاغاني (ج 1 – ص 20 وج 4 ص 176) وتاريخ اليعقوبي (ج 2 – ص 142). (*)
[ 96 ]
المداحين فاحثوا في وجوههم التراب وقد رأيت هؤلاء يتقربون بالاباطيل اليك ويمدحونك بما ليس فيك فقال عثمان كذبت فهو إذا يكذبه ويغلظ له في القول وأبو ذر يخاصمه إذ دخل أمير المؤمنين فقال له عثمان يا علي أما ترى هذا الكذاب كيف يكذب على رسول الله فقال له علي إنزل له يا عثمان فيما قال بمنزلة مؤمن آل فرعون قال الله تعالى (إن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذى يعدكم فغضب عثمان وقال اسكت بفيك التراب فجثا (ع) على ركبتيه ثم قال بل بفيك التراب سيكون (1) ولما حضر الوليد لاقامة الحد عليه أخذ عثمان السوط فألقاه إلى من حضر من الصحابة وقال وهو مغضب من شاء منكم فليقم الحد على أخي فأحجم القوم عن ذلك فنهض أمير المؤمنين (ع) وبيده السوط إلى الوليد فلما رآه الوليد يقصد نحوه ليضربه نهض من موضعه لينصرف فبادر إليه فقبضه وشتمه الوليد فسبه علي (ع) بما كان أهله وتعتعته حتى أثبت إقامة الحد عليه فاستشاط عثمان من ذلك وقال له ليس لك أن تعنفه يا علي ولا لك أن تسبه فقال له عليه السلام بل لي أن أقهره على الصبر على الحد وما سببته إلا لما سبني بباطل وقلت فيه حقا ثم ضربه بالسوط وكان له رأسان أربعين جلدة في الحساب بثمانين فحقدها عليه عثمان. ولما رود عثمان طريد رسول الله وهو الحكم بن أبى العاص الذى لعنه الله وقد كان نفاه النبي من المدينة إلى الطائف وذلك انه كان يؤذى النبي حتى بلغ من أذاه له انه كان يتسلق على حائط بيته ليراه مع ازواجه فضربه صلى الله عليه وآله وهو متطلع عليه ولما وقعت عيناه في عينه كلح في وجه النبي ثم نزل وكان النبي إذا مشى مشى خلفه الحكم يتخلع في مشيته يحكيه وكان من رسول الله صلى الله عليه وآله التفاتة إليه فقال له كن كما
(1) راجع تاريخ اليعقوبي (ج 2 – ص 148) ط النجف. (*)
[ 97 ]
أنت فلا يقدر على المشي بعدها إلا مخلجا وكان يقف نصب عينه فإذا تكلم صلى الله عليه وآله يذكر شيئا من الوحى إليه وشرع لامته من الدين شيئا ووعظهم وأنذرهم أو وعدهم أو رغبهم وعلم شيئا من الحكم لوى شدقيه في وجهه يحكيه ويعيب به فلما طال ذلك منه على رسول الله وقد كان يداري قومه من قبل بالصبر عليه فنفاه إلى الطائف وأباح دمه متى وجد بالمدينة وقضى رسول الله والحكم مطرودا فلما ولي أبو بكر جاءه عثمان فسأله في رده فامتنع عليه وقال له قد مضى رسول الله ولم يأذن له في الرد فاني لا أرده فلما مات أبو بكر وولي عمر جاءه عثمان يسأله في رده فقال له لقد كنت سألت رسول الله في ذلك فلم يجبك وسألت أبا بكر فلم يجبك ولست أرى إجابتك إلى ما سألت فأمسك يا عثمان فاني لا اخالف صاحبي (1). ولما ولي عثمان الامر استدعاه من الطائف إلى المدينة وآواه وحباه وأعطاه وقطعه المربد بمدينة الرسول فعظم ذلك على المسلمين وقالوا آوى طريد رسول الله وحباه وأعطاه وصاروا إلى أمير المؤمنين (ع) فسألوه أن يكلمه في إخراجه عن المدينة ورده إلي حيث نفاه النبي فجاءه أمير المؤمنين وقال له قد علمت يا عثمان ان النبي قد نفى هذا الرجل عن المدينة ولم يرده وان صاحبيك سلكا سبيله في تبعيده واتبعا سنته في ذلك وقد عظم على المسلمين ما صنعت في رده وإيوائه فاخرجه عن المدينة واسلك في ذلك سنة النبي صلى الله عليه وآله فقال يا علي قد علمت مكان هذا الرجل مني وانه عمي وقد كان النبي صلى الله عليه وآله أخرجه عن المدينة لبلاغه ما لم يصلح عليه وقد مضى النبي لسبيله ورأى أبو بكر وعمر ما رأياه وأنا أرى أن أصل رحمي وأقضي حق عمي وهو ليس شر أهل
(1) الاصابة لابن حجر (ج 1 – ص 345) والاستيعاب بهامشها ص 317. (*)
[ 98 ]
الارض وفي الناس من هو شر منه. فقال (ع) والله لئن بقيت يا عثمان ليقول الناس فيك ما هو شر من هذا ولما كان من عثمان من تفريق ما في بيت المال على أوليائه وأقربائه واخراج خمس مال افريقية إلى مروان بن الحكم وتسويغه إياه (1) وجائه زيد بن ثابت بماءه الف درهم من بيت المال واقطاعه من أقطع من أرض المسلمين واجازته الشعراء بكثير من مال المسلمين أعظم المسلمون ذلك وفزعوا إلى علي (ع) فدخل عليه ووعظه وذكر له ما عليه المسلمون من إنكاره بما عمله فسكت عثمان ولم يجبه بحرف فلما طال على أمير المؤمنين سكوته قال له بماذا أرجع إلى المسلمين عنك ؟ ألك عذر فيما فعلت ؟ قال انصرف يا ابن أبي طالب فسأخرج إلى المسجد وتسمع مني جواب ما سألت عنه. ثم خرج عثمان بعد وقت العصر حتى صعد المنبر واجتمع المسلمون لسماع كلامه فقال: معشر الناس قد بلغني خوضكم في بري أهل بيتي ووصلي لهم وحباى لمن حبوت من أهلي وأوليائي وأقربائي ان رسول الله من بني هاشم فحبا أهله ووصلهم وجعل لهم الخمس نصيبا ووفره عليهم ونحلهم صفو الاموال وأغناهم عن السؤال وان أبا بكر حبا أهله وخصهم بما شاء من المال وان عمر حبا بني عدى واصطفاهم وخصهم بالاكرام والاعظام وأعطاهم ما شاء من المال وان بني امية وعبد شمس اهلي وخاصتي وأنا أخصهم بما شئت من المال أما والله لو قدرت على مفاتيح الجنة لسلمتها إلى بني امية على رغم أنف من رغم. ققام عمار بن ياسر فأخذ بطرف أنفه وقال والله ان أنفي اول انف يرغم بذلك.
(1) في البداية لابن كثير (ج 7 – ص 158) ان عثمان اعطى آل مروان الفي دينار وعشرين الف دينارا. (*)
[ 99 ]
وتفرق المسلمون على سخط من مقالته وجاءه خزان بيت المال فالقوا المفاتيح بين يديه وقالوا لا حاجة لنا فيها وأنت تصنع في أموال الله ما تصنع. ولما كتب المسلمون كتابا يذكرون فيه ما ينكرون من احداثه التمسوا من يوصله إليه ليقف عليه فيرجع عن ذلك أو يعرفون رأيه فيه فوقع اختيارهم على عمار بن ياسر رحمه الله فضمن لهم عرض الكتاب عليه واخذه واستأذن عليه حاجبه في إيصاله إليه فأذن له فدخل عليه وقد لبس ثيابه وهو يلبس خفيه فقال له مرحبا بك يا عمار فيما جئت ؟ قال جئتك بهذا الكتاب فاخذه من يده فلما قرأه تغير واستشاط غضبا وقال له يا عاض بظرامه أنت تجترى علي وتلقاني بما أكره ووثب إليه فدفعه حتى انصرع على الارض وداس بطنه وعورته حتى اغمي عليه فلم يصل الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة وعرف المسلمون ذلك فأنكروه. وقال فيه أمير المؤمنين ما هو مشهور، وروى ذلك محمد بن اسحق عن الزهري وابو حذيفة القرشي عن رجاله وغيرهما من اصحاب السير وقد كان من أمير المؤمنين (ع) له وعظ مشهور في مقامات اخر وكان بينه وبينه هنات ومهاجرات ومباينات في أوقات متفرقات. فمن ذلك ما رواه ابو حذيفة القرشي قال حدثني اسحق بن محمد قال حدثني الحسن بن عبد الله عن عبيد الله بن عباس عن عكرمة قال كان بين عثمان بن عفان وبين علي (ع) كلام على عهد عمر بن الخطاب فقال له ما تقول في فما ذنبي والله ما تحبكم قريش أبدا بعد سبعين رجلا قتلتم منهم يوم بدر كأنهم شنوف الذهب.
[ 100 ]
علي ينصح عثمان: وروى المدائني عن علي بن صالح قال ذكر ابن داب قال لما عاب الناس على عثمان ما عابوا كلموا عليا فيه فدخل عليه وقال ان الناس ورائي قد كلموني فيك فوالله ما أدري ما أقول لك وما أعرف شيئا تجهله ولا أدلك على أمر لا تعرفه انك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شئ فنخبرك عنه ولا خلونا بشئ فنبلغكه وقد رأيت كما رأينا وسمعت كما سمعنا وصبحت رسول الله صلى الله عليه وآله كما صحبنا وما ابن أبي قحافة ولا ابن أبي الخطاب بأولى بشئ من عمل الخير منك وأنت أقرب إلى رسول الله وقد نلت من صهره ما لا ينالا ولا سبقاك إلى شئ فالله الله في نفسك فانك والله لا تبصر من عمى ولا تعلم من جهل وان الطريق لواضح بين وان أعلام الدين لقائمة تعلم يا عثمان ان أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدى وهدي فأقام سنة معلومة وأمات بدعة متروكة فوالله ان كلا لبين وان السنن لقائمة لها أعلام وان البدع لظاهرة لها أعلام وان شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضل به فأمات سنة معلومة وأحي بدعة متروكة وإنى سمعت رسول الله يقول: يؤتى يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم فيدور فيها كما تدور الرحى ثم يرتطم في غمرة جهنم وإنى أحذرك الله واحذرك سطوته ونقماته فان عذابه شديد أليم واحذرك أن تكون إمام هذه الامة المقتول فانه كان يقال يقتل في هذه الامة إمام فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة وتلبس امورها عليها وتنشب الفتن فلا يبصرون الحق لعلو الباطل يموجون فيها موجا ويمرجون فيها مرجا. فقال له عثمان كلم الناس في أن يؤجلوني حتى أخرج إليهم من مظالمهم فقال (ع) ما كان في المدينة فلا أجل فيه وما غاب فأجله
[ 101 ]
وصول امرك إليهم فقال عثمان والله قد علمت ما تقول أما والله لو كنت بمكانى ما أغضبتك ولا عتبت عليك ولا جئت منكرا ولا عملت سوأ إن وصلت رحما أو سددت خلة (1). ثم خرج عثمان فجلس على المنبر مغضبا وقال: اما بعد فان لكل شئ آفة ولكل امر عاهة، وان آفة هذه الامة وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون يقولون لكم ويقولون امثال النعام يتبعون اول ناعق احب مواردها إليها البعيد لا يشربون إلا نغصا ولا يردون إلا عكرا لا يقوم لهم رائد وقد اعيتهم الامور وتعذرت عليهم المكاسب ألا فقد والله عبتم علي بما اقررتم لابن الخطاب بمثله ولكنه وطأكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فدنتم له ما احببتم أو كرهتم واوطأت لكم كتفي وكففت يدى ولساني عنكم فاجترأتم على أما والله لانا عز نفرا واقرب ناصرا واكثر عددا واقمن ان قلت هلم اتى إلي ولقد اعددت لكم اقرانكم وكشرت لكم عن نابى واخرجتم مني خلقا لم اكن احسنه ومنطقا لم اكن به انطق فكفوا عني السنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم فانى قد كففت عنكم من لو كان هو الذى يكلمكم لرضيتم منه بدون منظقي هذا ألا فما تفقدون من حقكم والله ما قصرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي وما وجدتكم تختلفون عليه فما بالكم. فقال مروان بن الحكم ان شئتم حكمنا بيننا وبينكم السيف فنحن وانتم كما قال الشاعر: فرشنا لكم اعراضنا فنبت بكم * مغارسكم تبنون في دمن الثرى فقال عثمان لمروان اسكت أسكتك الله دعني واصحابي ثم نزل
(1) تاريخ الطبري (ج 5 – ص 96 وص 97). (*)
[ 102 ]
عثمان (1) فلما كان بعد ايام عاد إليه علي (ع) فوعظه فقال لست ابدء بك وانى لاعلم شأنك لي دعني واصحابي فقال (ع) لقد اديت اليك ما اوجب الله علي وخرج من عنده. خطبة عثمان: فلم يكن بأسرع من أن عثمان خرج إلى المسجد فرقى المنبر فحمد الله واثنى عليه وقال: أما بعد ايها الناس فوالله ما عاب من عاب منكم شيئا اجهله وما جئت شيئا الا وانا اعرفه ولكني منتني نفسي وكذبتني نصيحتي وضل عني رشدي ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من زل فليتب ومن اخطأ فليتب ولا تتمادى بالهلكة فان من تمادى في الجور كان ابعد عن الطريق فأنا اول من اتعظ أستغفر الله أستغفر الله مما فعلت واتوب إليه فمثلي نزع وتاب فإذا نزلت فليأتني إشرافكم فليرونى رأيهم فوالله ائن ردنى الحق عبدا لاكونن له كالمرقوق ان ملك صبر وان عتق شكر وما عن الله مذهب إلا إليه فلا يعجزن عنكم خياركم أن يدنوا إلي لئن أبت يميني لتتابعني شمالي. فقام إليه المقداد بن عمر فقال يا عثمان ليس بواصل لك ما ليس معك الله الله في نفسك فأتمم على ما قلت (2). ولما نزل عثمان وجد مروان ابن الحكم وسعيد بن العاص ونفرا من بنى امية فجلس فقال له مروان يا أمير المؤمنين أتكلم ام أصمت فقالت له نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان بل اصمت فأنتم والله قاتلوه ومؤثموه
(1) تاريخ الطبري (ج 5 – ص 96 وص 97) وابن الاثير (ج 3 – ص 58). (2) في الطبري (ج 5 – ص 111) نسب القول إلى سعيد بن زيد (*)
[ 103 ]
انه قال مقالة لا ينبغى ان ينزع عنها فاقبل عليها مروان قال لها وما انت في هذا فوالله لقد مات ابوك ولا يحسن ان يتوضأ فقالت مهلا عن ذكر الاباء فانك تخبر عنه وهو غائب تكذب عليه وان اباك لا يستطيع ان يدفع عنه اما والله لولا انه عمه وانه يناله غمه لاخبرتك عنه ولم اكذب عليه ثم اعرض مروان عنها وقال اتكلم ام اسكت فقال له عثمان تكلم قال بأبى انت وامي والله لوددت ان مقالتك هذه كانت وانت ممتنع منيع وكنت اول من رضى بها واعان عليها ولكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطبين وبلغ السيل الزبى وحين اعطى الخطة الذليلة الذليل والله لاقامة على خطيئة تستغفر منها اجمل من توبة تخوف عليها وانت ان شئت تقربت بالتوبة ولم نقرر بالخطيئة وقد اجتمع على الباب مثل الجبال من الناس فقال عثمان فاخرج إليهم وكلمهم فانى استحي منهم فخرج إليهم مروان وفتح الباب والناس يركب بعضهم بعضا قال: ما شأنكم قد اجتمعتم ايها الناس كأنكم جئتم لنهب شاهت الوجوه كل انسان آخذ باذن صاحبه إلا من اريد جئتم تريدون ان تنزعوا ملكنا من ايدينا اخرجوا عنا أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم ارجعوا إلى منازلكم فانا والله ما نحن بمغلوبين على ما في ايدينا فرجع الناس وخرج بعضهم إلى أمير المؤمنين فقال خرج علينا مروان وقال كذاو كذا وقصوا عليه الخبر فخرج مغضبا حتى دخل على عثمان فقال يا عثمان أما رضيت من مروان ولا رضى منك إلا بتحرفك عن دينك وبخدعك عن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به والله ما مروان بذي رأى في دينه ولا نفسه وأيم الله انى لاراه سيوردك ثم لا يصدرك وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك اذهبت والله شرفك وغلبت على امرك
[ 104 ]
ثم انصرف عنه (1). كتاب عثمان إلى معاوية: وبعث عثمان في الحال المسور بن مخرمة الزهري بكتاب إلى معوية ابن ابى سفيان: اما بعد: فانى كتبت كتابي هذا والله ما أحسبه يبلغك وانا حي وقد رأيتك ورضيت عنك بمكانك واطمأننت إلى نفسك ووثقت بامنية من مناك ولن تنتهي بك الامنية دون الذلة فاحداهما خير لك من الاخرى وإذا بلغك كتابي هذا فابعث إلى جيشا سريعا برجل معه من اهل ثقتك في نفسك واجعله حبيب بن مسلمة ثم أمره فليجعل اليومين يوما والليلتين ليلة والمنزلين منزلا وان استطعت ان تفاجئني مفاجأة فقد التقت العصا ولم يبق إلا خذوات واعط وامنع وهات وهلم ونعم ولا يبين ذلك عاجل وامر ناهض والدين مع اول صدمة والسلام (2) في امثال ما اثبتناه من كلام أمير المؤمنين (ع) وإنكاره عليه في مقام بعد مقام واعتزاله امره وامر القوم حتى كان منه ومنهم ما كان وكيف يكون علي (ع) معتوبا لعثمان مع ما وصفناه أو راضيا بشئ من افعاله على ما ذكرناه وكيف لا يكون ساخطا مع ما بيناه ومشاركا للقوم جميعا في تبديعه على ما قدمناه غير أنه لم يساعدهم على حصره ولا اعانهم على خلعه ولا شاركهم في قتله لما اسلفناه من القول في عائبة
(1) تاريخ الطبري (ج 5 – ص 111 وص 112) وابن الاثير (ج 3 – ص 65). (2) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 115) ان معاوية لما وصل إليه الكتاب تربص واظهر كراهية المخالفة لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وقد علم باجتماعهم عليه فأبطأ في الامر. (*)
[ 105 ]
ذلك وعلمه بها وأحاطته بجميع ما كان منها ولاقامة الحجة على قارفيه بذمه في بطلان تزويرهم له وأيضاحه عن بهتانهم فيه عليه وليس ذلك بمناف لرأيه الذى بينا عنه وشرحناه ولنا في أحكام قتل عثمان وخاذليه وحاصريه ما سننبه عنه شافعا لهذا الفصل ان شاء الله. الآراء في احداث عثمان: فصل: اعلم علمك الله الخير وجعلك من اهله ووفقك لما يرضيه انني لم أجد احدا حقق القول في آراء المنكرين على عثمان ما فعله من الاحداث ولا صوب مذهبهم في ذلك واكثر من قال منهم قولا فهو مسند له إلى ظن تضعيف إمارته أو إلى عقد يسبق في ذلك كانوا على مذاهب وآراء متباينة وأغراض متنافية طائفة منهم تعلقوا عليه باحداث لم ينكروا مثلها من غيره طمعا فيه واستقصاء مقاله وقصدوا إلى تقلد الامر من بعده ونيل الرياسة بخلعها منه وقتله فمن هذه الطائفة من قدمنا من ذكر طلحة والزبير في حصر عثمان وتولى ذلك بنفسه واعوانه وتغلب على بيت المال في حياته وجعل لاقفال أبوابه مفاتيح في يديه واجتهاده في سفك دمه بمنع الماء عنه وسعيه في إتلافه بذلك فلما تم الامر في قتل الرجل تطاول منهم من تطاول الامر وظن انه مختار متابع فبطل زعمه بانصراف الناس إلى غيره واختيارهم سواه فلما فاته ما كان أمله ورجاه بالسعي الذى سعاه وانقياده لبيعة الامام، أما طمعا أو خوفا فتعقب الرأى ونكث البيعة وخرج عن العهدة وفارق الاسلام ونصب الحرب له حتى آل أمره في ذلك إلى ما آل، ومنهم طائفة ارغمها عثمان بمنعه لها المراد منه وردها عن طلباتها وأبطل رسومها فحقدت عليه لذلك وسعت في خلعه وسفك دمه وظنت ان الامر يصير من بعده إلى من يتمكن من قياده ويجبها إلى ملتمسها فلما تم ما سعت فيه فات القوم الذى رجت
[ 106 ]
لهم ما رجت من الامر رجعت عن رأيها إلى نقضه وأظهرت الندم على ما فرط منها وتحيزت إلى الفرقة وصارت مع من ألب على الامام القائم مجتهدة في إزالة الامر عنه ومصيرة إلى من ترجوه معينا لها ومريدا ومطيعا لامرها فعمت الجميع الخيبة مما رجت وكان عاقبة أمرهم خسرا وطائفة انتقضت عادتها بعثمان والاكرام لها والاعظام ممن تقدمه فصارت بذلك كارهة لامره وساعية في خلعه وطائفة كان المتقدمون يقلدونهم الاعمال واستبدل بهم منها سواهم من الناس، وحرمهم ما كانوا يصلون إليه من بيت المال فسعت في ذلك في خلعه وعاونوا من أجله على قتله وطائفة استشنعت احداثا كانت منه، واعتقدت فيه الضلال بذلك وقصدت في خلعه الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وربما كان منهم غالطا فيما استشنعه وربما كان منهم مصيبا فيه غير ان الغرض كان منهم فيما صنعوه قصدا لنصرة الدين والاسلام وهذه الطائفة هي التي كانت الاصل في الانكار عليه وبفعلها تسبب الاسباب في خلعه وقتله وطائفة منهم كانت تعتقد الحق في أصل الامامة وطريقها وترى ان السالك سبيل عثمان في نيل المراد مشاركا فيما أنكروه منه ولم يكن الذين حملهم على معونة حاصريه وقاتليه ممن عددناه بشئ من اغراضهم على ما شرحناه وفصلناه بل كان غرضهم في ذلك بما لو تم لهم ما صنعوه فيمن تقدم لسارعوا إليه لكنه لم يتفق لهم في المتقدم واتفق لهم في المتأخر واما خاذلوه فجمهورهم تنقسم أغراضهم في ذلك إلى أغراض من سميناه من خذله أو الشك في حاله وأحوال حاصريه وقاتليه، فذلك لم يجوزوا المعونة لهم عليه ولا تفردوا بالنصرة له منهم. وأما أمير المؤمنين (ع) فلم يكن تفرده عن نصرته وترك النهوض بالدفاع عنه خذلانا له لرأى يستصوبه في خلعه وقتله بل كان رأيه عليه السلام تابعا في ذلك لعقيدته فيمن تقدم عليه من الامراء من
[ 107 ]
كافة القوم وكان عالما بعواقب الامور غير شاك في المصالح يرى الموادعة والمهادنة والرقود المسالمة إلى انقضاء المدة التي يعلم صواب التدبير فيها بذلك فامتنع (ع) من التحمل للدفاع عن حصره وقتله بمثل ما امتنع من دفاع المتقدمين عليه في الامر وذلك لشيئين معروفين احدهما عدم الانصار له على مراده في ذلك والثاني لوخيم العاقبة في المباينة للجمهور ولما تقتضي الحرب وتوقع الفتنة وقد دفع عليه السلام عنه بالقول في أحوال اقتضت المصلحة دفاعه عنه وأمسك عن الانكار لما كان القوم عليه والرأى في حصره وخلعه وقتله لما عرف من جميل العاقبة في ذلك ولو لم يكن (ع) مستودعا علم ذلك كما تذهب إليه الشيعة فيه لكانت مشاهدته للحال ودلائلها تكفيه وتقنعه فيما صنع وراده في الاحوال والاختلاف بين ذو العقول فان الشاهد يرى ما لا يراه الغائب فعمل عليه السلام في اختلاف الاقول منه والافعال على علمه بعواقب الامور وشاهد الحال فلذلك التبس الامر على الجمهور في رأيه (ع) في عثمان وقاتليه فنسبه بعض الناس إلى الرضا بما صنعه القوم بعثمان ونسبه آخرون إلى المواطاة عليه والتأليب ونسبه آخرون إلى الهوى في ذلك والتقصير فما كان يجب عليه لعثمان ونسبه آخرون إلى الكرهة لما أجرى القوم في حصر عثمان فادعوا أنه كان له مواليا وبأعماله راضيا ولكن العجز عن نصرته أقعده عنها ثم أكد الشبهة عليهم فيما ذكرناه من اختلاف الاعتقاد في ذلك ما قدمنا في ذكره من أفعاله (ع) المختلفة مع عثمان تارة ينكر عليه ما أنكره المسلمون وتارة يدفع عنه وينهي عن قتله القاصدين إلى ذلك من اهل الامصار، وتارة ينكر على من منعه الماء ويغلظ لذلك ويغضب من خلافه فيه وتارة يجلس في بيته وهو يرى الناس يهرعون إلى قتله وترك الاجتهاد في طلب دمه فلا يكون منه وعظ في ذلك ولا تخويف بالله عزوجل في ذلك وهو
[ 108 ]
في ظاهر الحال مطاع معظم مسموع الامر متبع في الرأي هذا مع هجره لعثمان أحيانا ومنازعته له حينا وصلحه أحيانا ومسالمته له حينا وتغليظ القول عليه احيانا وسعيه في الصلح بينه وبين الناس زمانا وترك ذلك إلى الكف عنه زمانا هذا مع ان المحفوظ من قوله فيه بعد قتله مما تختلف ظواهره وتشتبه معانيه. كقوله (ع): وقتا والله ما قتلت عثمان ولا مالئت في قتله. وقوله (ع) حينا: الله قتل عثمان. وقوله (ع) وقتا آخر: لو لم يدخل الجنة إلا قاتل عثمان لما دخلها ولو لم يدخل النار إلا قاتل عثمان لما دخلها. وقوله (ع) وقتا آخر: والله ما غاضني قتل عثمان ولا سرني ولا أحببت ذلك ولا كرهته. وقوله (ع): حينا آخر: اكبت الله قتلة عثمان. وقوله (ع) عند مطالبة القوم بقتلة عثمان: من قتل عثمان فليقم فقام أربعة آلاف من الناس المتحيزين إليه فقال هؤلاء قتلة عثمان وكون قتلة عثمان خاصة أنصاره وأعوانه واصحابه وإظهاره الولاية لهم والتعظيم والمودة والاكرام مع تقربهم إليه وائتمانه لهم. وقوله (ع): اللهم اقتل قتلة عثمان في بر الارض وبحرها في أمثال ما ذكرناه ولكن الافعال والاقول التي ذكرناها منه متلائمة غير مختلفة في معناها إذا دحض بعضها بعضا وحمل بعضها على بعض في الرأي الذى تقتضيه الاحوال ويوجبه النظر في العلم بالعواقب وتمام المصالح. رأي الجاحظ في علي: فصل: قد زعم الجاحظ ان أمير المؤمنين (ع) كان ممتحنا بعد
[ 109 ]
قتل عثمان بمحن عظيمة وذلك ان جميع من نصب له الحرب جعل الحجة عليه في دعواه عليه قتل عثمان، قال وظاهر الحال يوهم ذلك عليه لانه كان مباينا له في الاحوال والاوقات وهاجرا له في زمان وايام وكان المنكرون على عثمان من اهل مصر والعراق يلجأون إليه في السفارة بينه وبين عثمان وكان (ع) فيهم مسموع القول مطاعا معظما مأمونا ثم قعد عن نصرته وتقلد الامر من بعده واستنصر على محاربيه بقتله فلم يشك القوم انه قاتله قال وواحدة من هذه الخصال تريب فكيف بجميعها ثم قال: وقد علم الناس قد يكون في هذا المصر الذي يتولاه اميرا ووزيرا وعاملا من يوصل مثل عمله ويصلح لمثل رتبته ويمد عنقه إلى مثل ولايته ولا يتفق له من مراده من ذلك ويقصده الناظر بما يمنعه من صرفه والتدبر في عزله فيلزم بيته ويقصر مراعاته خوفا من بيعته في عزله وتولى مقامه فيموت حتف أنفه فلا يشك الناس انه دس إليه من قتله ولو قتل ذلك الانسان ذو غر لغرض لضره أو لطلب ماله لقطعوا ان أمير البلدة وضعه على ذلك ودبر الامر فيه عليه وقد يجلس السلطان بعض الرعية لشئ يجده في نفسه عليه فيموت في الحبس حتف انفه فيحلف خلق من الناس بالله انه تقدم فخنقه ولا يشك الجمهور انه واطأ على دمه ولو اقسم السلطان بالله اقساما أكدها على البرائة من دمه لجعلوا ذلك شبهة فيما ادعوه عليه من قتله، ثم قال هذا الرجل اعني الجاحظ ان اقوال علي في عثمان انما اختلفت وتناقضت – بزعمه – لانه كان محتاجا إلى التبرئ من دمه لكف اهل البصرة واهل الشام عنه بذلك وكان محتاجا إلى إضافة دم عثمان إليه لاستصلاح رعيته وارتباطهم لنصرته وليس الامر كما زعمه الجاحظ ولا القصد فيه كما توهمها وانما حمل الجاحظ حال أمير المؤمنين (ع) في ما زعمه على احوال أهل الدنيا ومن لا دين له ولا يقين ولا تقوى من يصنع ما يصنع
[ 110 ]
ويقول ما يقول لعمارة الدنيا ولا يبالي بعاقبة ذلك في الآخرة بل كانت افعال علي (ع) واقواله التي اثبتناها في ما تقدم على الاغراض التي أنبأنا عنها وأوضحنا عن اتفاقها ووفاقها للدين والنظر في مصالح المسلمين ومن تأمل ما ذكرناه وفكر فيه بقلب سليم وجده على ما وصفناه. رأي العثمانية: فصل: وقد زعمت العثمانية ان الذي يدل على مشاركة علي (ع) قتلة عثمان أشياء قد ثبتت بالاخبار وتظاهرت بها الآثار منها انه تولى الصلوة بالناس يوم النحر وعثمان محصور ولم يستأذنه في ذلك وتغلب عليه فيه وهذا مما جعل الشافعي حجة في جواز صحة صلوة المتغلب بالناس يوم الجمعة والعيدين ورد به على أهل العراق وإنكارهم ذلك وقولهم لا تصح الصلوة في الجمعة والعيدين خلف المتغلب فحكى الربيع والمزنى عن الشافعي انه قال في هذه المسألة لا بأس بصلوة الجمعة والعيدين خلف الآمر فان عليا (ع) صلى بالناس وعثمان محصور وقد روى ابو حذيفة القرشي عن محمد بن اسحاق وغيره ان قوما صاروا إلى عثمان وهو محصور وقالوا ما ترى إلى هؤلاء الذين يصلون بالقوم في يوم الجمعة بالناس وانت على هذا الحال لم تأمرهم بذلك وقد كان طلحة بن عبيد الله صلى بهم يوم الجمعة في حصار عثمان فحكوا عن عثمان انه قال إذا أحسنوا فاتبعوهم وان أساؤا فاجتنبوهم الصلوة حسنة فصلوا إذا صلوا، فزعمت العثمانية ان عليا كان متهما بدم عثمان لصلوته بالناس يوم النحر عن غير إذنه وادعى الشافعي انه كان متغلبا بذلك ولم يتعلق احد من قرف طلحة بدم عثمان لصلوته بالناس يوم الجمعة وعثمان محصور ولا نسبوه إلى التغلب بذلك وبرؤه من دمه وهو الذى تولى حصره حتى قتله وكانت شبهتهم في برائة طلحة خلاف لامير المؤمنين (ع) والتمويه في
[ 111 ]
حربه بالتظاهر لطلب دمه وعقول هؤلاء القوم عقول ضعيفة واحلامهم احلام سخيفة فلذلك ينقادون من الشبهة إلى ما ذكرناه. ومما تعلق القوم به أيضا في قرف علي (ع) بدم عثمان بعد الذي ذكرناه وعددنا مقامه بالمدينة منذ حصر وقول اسامة بن زيد مشيرا عليه بالخروج عنها على ما رواه حذيفة القرشي عن رجاله قال قال اسامة ابن زيد لعلي لانت والله يا أبا الحسن أعز علي من سمعي وبصري فأطعني واخرج إلى أرضك بينبع فان قتل عثمان وأنت شاهد طلبك الناس بدمه وان لم تشهد لم تعدك بك الناس أحدا، فقال ابن عباس لاسامة يا أبا محمد أتطلب أثرا بعد عين أبعد ثلاثة من قريش وروى يوسف بن دينار عن عبد الملك بن عمير اللخمي عن أبي ليلى قال سألني عبد الملك بن مروان حين قدم الكوفة عن قتل عثمان فأخبرته فقال أين كان علي يومئذ فقلت بالمقاعد يأمر فيطاع، وينهى فيطاع ولقد رأيته عند أحجار الزيت مختبيا بسيفه ومناد ينادي آمن الله هذا الناس كلهم إلا الشقي (نعثلا) فقال عبد الملك هل سمعت عليا يقول شيئا ؟ فقال لا، وروى النخعي عن علقمة بن قيس قال أرسلت ام حبيبة بنت أبي سفيان إلى علي وهو قاعد في المسجد: ان امن لي خاصتي ومن في الدار من أهلي، فقال الناس كلهم آمنون إلا الشقي ابن أبى العاص وروى خالد الحذا عن رجل من بني شيبان قال رأيت عليا يوم قتل عثمان يخطب الناس على المنبر وعليه السلاح فجعلت العثمانية هذه الاشياء شبها لها فيما قذفت به أمير المؤمنين (ع) من دم عثمان واحتجت ايضا في ذلك بما صنعه علي (ع) عند قتل عثمان من أخذ نجائبه وأدراعه وأورد في ذلك قول الوليد بن عقبة يخاطب بني هاشم ويعاتبهم عند قتل عثمان (1):
(1) ذكر ابو الفرج في الاغاني (ج 4 – ص 174) في – (*)
[ 112 ]
بنى هاشم ردوا سلاح ابن اختكم * ولا تنهبوه لا تحل مناهبه بنى هاشم كيف الهوادة بيننا * وعند علي درعه ونجائبه بنى هاشم كيف التودد بيننا * وتبر ابن اروى فيكم وجوائبه بنى هاشم انى وما كان منكم * كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه هم قتلوه كي يكونوا مكانه * كما غدرت يوما بكسرى مرازبه فان لم تكونو قاتليه فانه * سواء علينا مسلموه وسالبه واحتجوا أيضا بقول حسان بن ثابت الانصاري في قتل عثمان: ضحوا بأشمط عنوا السجود له * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا يا ليت شعرى وليت الطير تخبرني * ما كان بين علي وابن عفانا لتسمعن وشيكا في ديارهم * الله اكبر يا ثارات عثمانا وله ايضا: من عذيري من الزبير ومن * طلحة هاجا أمرا له اعسار حين قالا للناس دونكم العل * ج فشبت وسط المدينة نار واصطلاها محمد بن أبى بكر * جهارا وخلفه عمار وعلي في بيته يسأل النا * س رويدا وعنده الاخبار باسطا كفه يريد ذراعيه * وفيه سكينة ووقار خذلته الانصار إذ حضر المو * ت وكانت تعاند الانصار وكذلك اليهود ضلت عن الدي * – ن بما زينت لها الاحبار وامثال ما ذكرناه والجواب عن * جميعه سهل قريب والمنة لله الدفاع عن علي: فصل: فاما الجواب عما تعلقوا به من قذف علي (ع) بدم عثمان من حيث تولى الصلوة بالناس يوم النحر وعثمان محصور فهو مبنى على
– الرواية عن محمد بن حبيب ابياتا تسعة. (*)
[ 113 ]
مذهبين: أحدهما الشيعة القائلين بالنص على علي القاطعين على إمامته بلا فصل، وهو انه إذا كان الامام المفترض الطاعة فله ان يتولى كلما يتمكن من توليه مما اقتضته إمامته، والامامة تقتضي إمامة المسلمين في الصلاة والتقدم عليهم في الجهاد، وإقامة الحدود والاحكام وليس متى تولى الامام شيئا مما له توليته عند الامكان دل ذلك على انه ساع في دم انسان ومريد لقتله على كل حال والجواب على المذهب الآخر وهو القول بالاختيار ان الامام إذا غير وبدل وأحدث ما ينفسخ به عقده فلا فاضل الناس أن يتولى أمر الصلاة، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى أن يعقد الامام من بعده وعلى مذهب القوم الذين رأوا إقامة الامام بالاختيار ان في خلع عثمان باحداثه قد زال فرض طاعته بذلك وكان للافاضل منهم أن يقدموا في الصلاة بهم من يرون إلى أن يتم الامر في العقد لمن يستحق ذلك ; ولو كان هناك من يعتقد ان إمامة عثمان لم تزل بأحداثه، إلا أنه ممنوع من الصلاة بالناس لكان للافاضل أن يتولوا الصلاة نيابة عنه في تلك الحال فعلى كل المذهبين اللذين ذكرناهما لا تجب بصلاة علي يوم النحر بالناس وعثمان محصور أن يقضى عليه بانه كان مريدا لقتله، فضلا أن يكون مشاركا فيه وقد روى الخصم عن عثمان لما اوذن بصلاة طلحة بالناس، واستؤذن في الصلاة معه، قال لهم إذا أحسنوا فاتبعوهم وإذا أساؤا فاجتنبوهم فحكم لصلاتهم بالحسن وان كان محصورا لم يأذن فيها لهم ولم يولهم ذلك إلا انه اباحه ووصف المصلين بانهم في ذلك محسنون فان تعلق المخالف على علي عليه السلام في قتل عثمان بصلاته بالناس وهو محصور لولا انه تعنت بذلك عادل عن طريق الانصاف واما تعلقهم بقعود أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة حتى قتل عثمان، وتركه الخروج منها ومباعدة القوم فيما صنعوه وما أشار عليه اسامة من الخروج وتحذيره في قعوده بمطالبة
[ 114 ]
القوم له بدم عثمان فليس أيضا ما ثبتت به الحجة على ما ادعوه من قبل انه لا يمتنع أن يكون مقامه بالمدينة في تلك الحال لتدبير الدفاع عنه ولو كان خرج عنها لتعجل من قتل القوم له ما تأخر ولم يكن أيضا يؤمن ان يتعدى القتل منه إلا غيره وتحدث فتنة لا بتلافى صلاحها فجلس (ع) لذلك ولم يجلس لمعونة على قتل عثمان، بل لو خرج من المدينة في حال حصر القوم الرجل لكانت التهمة إليه في قتله اسرع مع ما ذكرناه من المحذور، واما نقلهم جواب ابن عباس لاسامة وقوله أبعد ثلاثة من قريش تطلب اثرا بعد عين، فليس فيه أيضا دليل على إيثار ابن عباس لامير المؤمنين (ع) قتل الرجل ولا فيه حجة على انهما شركا يفى ذلك من تولاه وانما يدل على إيثار ابن عباس ان يكون الامر فيهم بعد عثمان، ولسنا ننكر أن يكون عليا كان مؤثرا للتمكن من الامر بعد عثمان ليقيم بذلك حدود الله وينفذ به أحكامه، وينظر في مصالح المسلمين، ومن آثر ذلك من أهله فهو محمود وهذا يستمر على مذهب الشيعة الامامية والزيدية والجارودية والقائلين بالنص عليه وعلى مذهب اصحاب الاختيار معا. فاما اصحاب النص فيقولون انه الامام المفترض الطاعة على الانام وكان يجب أن يجتهد بالمتوصل بما للائمة إقامته وتولي ما لهم توليته وان لا يفرط في ذلك ولا يهمله وإذا كان مقامه لما ذكرناه كان به محمودا ولم يجز صرف الغرض فيه إلى ما ادعاه الخصوم من خلافه مع انه لم ينكر انما كان مقامه بالمدينة لدفاع ما كان يحذر من إمامة من لا يستحق الامر بعد قتل عثمان فأقام لدفاعهم عن ذلك لوجوده بينهم وعلمه برأى الناس في تقديمه على غيره ولو كان نائبا عن المدينة لغلب على الامر من يعسر على الامة صرفه عنه ممن لا يؤمن على الدين وهو مستمر على اصول أصحاب أهل الاختيار كما استمر على اصول
[ 115 ]
أصحاب النص وليس فيه دليل على ما يتعلق به القوم من قذفه بقتل عثمان حسبما بيناه وشرحناه. واما قبض أمير المؤمنين (ع) عند قتل عثمان النجائب والادراع (1) التى قبضها مما كان منسوبا إلى عثمان والتعلق بشعر الوليد بن عقبة على ما أثبتناه عنه فيما سلف وسطرناه فليس ايضا بحجة لقاذف علي (ع) بقتل عثمان وذلك انه لو لم يقبض ذلك علي (ع) لاسرع إلى قبضه ونهبه وتملكه من ليس له ذلك بحق من الرعية واحتاط بقبضه واحرازه لاربابه وقد كان هو الامام باتفاق الجمهور بعد عثمان وللامام ان يحتاط لاموال المسلمين وتركات من قضى بينهم ليصل إلى مستحقيه دون غيرهم وليس إذا التمس الوليد بن عقبة ما لا يستحق فمنع منه كان ذلك لغلول المانع له بما التمسه ولا لتغلبه عليه ولا قول الوليد ايضا مسموع ولا شهادته مقبولة مع نزول القرآن بتفسيقه، قال تبارك وتعالى اسمه (يا ايها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) وقد روى اهل التفسير ان هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة حين أنفذه النبي صلى الله عليه وآله إلى قوم يقبض منهم الصدقات فعاد مدعيا عليهم انهم منعوه من ذلك وخرجوا إلى حربه فأعد رسول الله جماعة لحربهم فورد وارد بتكذيب الوليد وانهم على الاسلام والطاعة فأنزل الله تعالى ما اثبتناه فيه (2). وجاء في الحديث المشهور ان الوليد قال لامير المؤمنين في محاورة
(1) روى في الاغاني (ج 4 – ص 185) ان أمير المؤمنين (ع) أخذ من دار عثمان ابل الصدقة والسلاح، أقول وليس لاحد رد عليه بعد ان تمت البيعة فكان الخليفة المطلق يتصرف بما يراه من الصلاح. (2) رواه البغوي في تفسيره بهامش تفسير الخازن (ج 6 – ص 185 والالوسي في روح المعاني (ج 26 – ص 144). (*)
[ 116 ]
جرت بينهما أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا قال عليه السلام اسكت يا فاسق فأنزل الله تعالى هذه الآية: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون (1) وبعد فلو كانت الادراع والنجائب التي قبضها أمير المؤمنين (ع) بعد قتل عثمان ملكا له، لكان اولاده وأزواجه أحق بها من الوليد وكان ارتباط علي (ع) ليوصلها إلى ورثته أولى من تسليمها للوليد وأمثاله من بني امية الذين ليس لهم من تركة عثمان نصيب على حال فكيف وقد ذكر الناس في هذه الادراع والنجائب انها من الفيئ الذى يستحقه المسلمو فغلب عليها عثمان واصطفاها لنفسه فلما بايع الناس عليا انتزعها (ع) من موضعها ليجعلها في مستحقيها فما في ذلك من تهمة بقتل عثمان لولا العمى والخذلان. واما شعر حسان ابن ثابت وما تضمنه من التعريض على أمير المؤمنين (ع): وليت شعرى فليت الطير تخبرني * ما كان بين علي وابن عفانا ليسمعن وشيكا في ديارهم * الله اكبر يا ثارات عثمانا فهو لعمري قذف بدم عثمان فلم يكن قوله حجة لنصغي إليه ولا كان عدلا فتقبل شهادته وقد نص التنزيل على رد شهادته فقال الله عزل وجل: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا منهم شهادة أبدا اولئك هعم الفاسقون) ولا خلاف ان حسان كان ممن قذف عائشة وجلده النبي صلى الله عليه وآله على قذفه وإذا كان القرآن حاصرا على المسلمين قبول شهادة الفاسقين فوجب رد شهادة حسان وان لا يقبل منه على حال مع انه لا خلاف بين أهل العراق من ان القاذف مردود الشهادة وان تاب فعلى قول
(1) انظر الدر المنثور للسيوطي (ج 4 – ص 178) وتفسير الخازن (ج 3 – ص 270) والاغانى (ج 4 – ص 185) وابن أبي الحديد (ج 2 – ص 103). (*)
[ 117 ]
هذه الفرقة شهادة حسان مردودة عى كل حال وأما من ذهب إلى أن القاذف تقبل شهاته عنه التوبة فبينهم في ذلك اختلاف فمنهم من يقول انه يشترط في توبته أن يقف في الموضع الذى قذف فيه فيكذب نفسه ويظهر التوبة من جرمه ولم يدع أحد أن حسان كذب نفسه ظاهرا ورجع عن قذفه مختارا فلا توبة له على قول هذا الفريق واما الفريق الاخر فانهم قبلوا شهادة القاذف بعد توبته ولم يشترط في توبته ما ذكرناه فليس معهم دليل على أنه تاب والظاهر منه القذف الذى يستحق به التفسيق ورد الشهادة في دين الاسلام فلا تعلق في قول حسان في قذف أمير المؤمنين (ع) بدم عثمان على كل حال على أن حسان مذموم مردود القول باتفاق أهل الاسلام وعلى كل مذهب لاهل القبلة وذلك انه قال في يوم الغدير بمحضر من النبي صلى الله عليه وآله في أمير المؤمنين ما قال وشهد له بالامامة والنص فيها عليه من الله تعالى فردته المعتزلة بذلك وأنكرته الحشوية ودفعته الخوارج وكذبه جميع من سميناه ولم يحتج فيه إلا على مذهب الشيعة الامامية والجارودية دون من سواهما من فرق الامة على ما ذكرناه وقوله الذى قدمنا ذكره وأشرنا إليه على الاجمال هو هذا: يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالنبي مناديا يقول فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا آلهك مولانا وأنت ولينا * ومالك فينا في المقالة عاصيا فقال له قم يا علي فانني * رضيتك من بعدى إماما وهاديا فمن كنت مولاه فانت وليه * فكونوا له انصار صدق مواليا هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذى عادى عليا معاديا (1)
(1) كفاية الطالب للحافظ الكنجي ص 17 ط نجف وتذكرة الخواص ص 20 ومناقب الخوارزمي ص 80. (*)
[ 118 ]
وهذا القول مقبول عند الشيعة لانه قاله بمحضر من رسول الله ومشهده فلم ينكر عليه فصارت الحجة في صوابه شهادة رسول الله بحقه والناصبة بأجمعها ترد عليه وتكذبه فيه ثم تقبل قوله في القذف الباطل وحال الفتنة الظاهرة ولا شاهد لهم على ما ادعوه ثم هو في وصفه لعثمان بأنه ظلم فيما صنع به وانه كان بريئا عند الله ومن أهل التقى والايمان مردود الشهادة عند جميع حاصرى عثمان وقاتليه من المهاجرين والانصار والتابعين باحسان وعند كافة الشيعة والمعتزلة والخوارج حين قال: ضحوا بأشمط عنوان السجود له * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا إذ كان حسان مكذبا في قوله على مذهب ما ذكرناه من اهل القبلة ومردود الشهادة بما سلف له من قدف المحصنات لم يعتمد في الحجة بقوله المفترى به ومن برهان شمله الخذلان ثم هو في قول له آخر يكذب عند الشيعة بأجمعها وجمهور المعتزلة والمرجئة والحشوية القائلين بأن أمير المؤمنين (ع) كان أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وأبى على الجبائي وابنه ورهطهما ومن شركهما في الوقف وترك القطع في التفضيل لاحد من الخلفاء الاربعة على غيره وذلك في مرثيته لابي بكر: إذا تذكرت شجوا من اخى ثقة * فاذكر اخاك ابا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعدلها * بعد النبي وأوقاها بما جملا الثاني التالي المحمود مشهده * وأول الناس ممن صدق الرسلا وهذا يكشف لك عن سقوط من تعلق في شئ من الدين بقول حسان من ابطال من جعل قوله حجة على كل حال وتبيين انه كان في ما يقول نظما ونثرا على مذهب الشعراء الذين لا يتقون السيئات ولا يتورعون عن الخطيئات ولا يبالون بارتكاب الزلات ويقدمون على الاباطيل في ارتكاب الموبقات ممن وصفهم الله تعالى في كتابه فقال (والشعراء
[ 119 ]
يتبعهم الغاوون ألم تر انهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يفعلون) وقد كان حسان ممن يشكر نعمة عثمان عليه واحسانه إليه ولم يكن ممن يرجع إلى تقوى فيحجزه من الباطل فيما ادعاه وان امرأ يعتمد على قول حسان وأمثاله في القدح على أمير المؤمنين ويصوب استنفار الناس عليه واغراءهم به لخفيف الميزان عند الله بين الخسران وبالله المستعان فتنة الجمل: باب: الخبر عند ابتداء فتنة أصحاب البصرة في تدبيرها والاجتماع منهم على العمل عليها وما جاءت به الاخبار المتظافرة في ذلك قد اسلفنا القول في اسباب هذه الفتنة والدواعي إليها والاغراض التي كانت فيها وذكرنا من براهين الحق على ما اصلناه من المذهب الصحيح في ذلك وابطال شبهات الضالين فيه ونحن نبدأ بشرح القصة في ابتداء امر اصحاب الفتنة، وما عملوا عليه فيها وتجدد من رأيهم في تدبيرها حسبما جاءت به الاخبار المستفيضة بين العلماء بالسير والحوادث المشهورة. فصل: لما تم امر البيعة لامير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) واتفق على طاعته كافة بني هاشم ووجوه المهاجرين والانصار والتابعين باحسان وأيس طلحة والزبير مما كانا يرجوان به من قتل عثمان بن عفان من البيعة لاحدهما بالامامة وتحققت عائشة بنت ابى بكر تمام الامر لعلي بن ابي طالب أمير المؤمنين واجتماع الناس عليه وعدو لهم عن طلحة والزبير وعلمت انه لا مقام لهما بالمدينة بعد خيبتهما مما املاه من الامر وعرف عمال عثمان ان أمير المؤمنين لا يقرهم على ولاياتهم وانهم ان ثبتوا في أماكنهم أو صاروا إليه طالبهم الخروج مما في أيديهم من اموال الله عزوجل وحذروا من عقابه على تورطهم في خيانة المسلمين وتكبرهم على المؤمنين واستحقاقهم بحقوق المتقين واجتبائهم الفجرة
[ 120 ]
الفاسقين عمل كل فريق منهم على التحرز منه واحتال في الكيد له واجتهد في تفريق الناس عنه فسار القوم من كل مكان إلى مكة استعاذة بها وسكنوا إلى ذلك المكان وعائشة بها وطمعوا في تمام كيدهم لامير المؤمنين للحيز إليها والتمويه على الناس بها وكانت عائشة يقدرها كثير من الناس لمكانها من النبي صلى الله عليه وآله وانها من امهات المؤمنين وابنة أبى بكر المعظم عند الجمهور وان كل عدو لعلي بن ابى طالب (ع) يلتجؤ إليها متى اظهرت المباينة له ودعت إلى حربه وافساد أمره فلما تواترت الاخبار عليها وهي بمكة وتحيزها عن عثمان لقتل المسلمين له قبل أن تعرف ما كان من امر المسلمين بعده عمدت على التوجه إلى المدينة راجية بتمام الامر بعد عثمان لطلحة والزبير زوج اختها فلما صارت ببعض الطريق لقيت الناعي لعثمان فاستبشرت بنعيه له وما كان من امر الناس في اجتماعهم على قتله ثم استخبرت عن الحال بعده فأخبرت ان البيعة تمت لامير المؤمنين بعده وان المهاجرين والتابعين لهم باحسان وكافة اهل الايمان اجتمعوا على تقديمه والرضاء به فساءها ذلك وأحزنها وأظهرت الندم على ما كان منها في التأليب على عثمان والكراهة لتمام الامر لعلي بن ابي طالب فأسرعت راجعة إلى مكة فابتدأت بالحجر فتسترت فيه ونادى مناديها باجتماع الناس إليها فلما اجتمعوا تكلمت من وراء الستر تدعوا إلى نصرة عثمان وتنعاه إلى الناس وتبكيه وتشهد انه قتل مظلوما وجاءها عبد الله بن الحضرمي عامل عثمان على مكة فقال قرت عينك قتل عثمان وبلغت ما أردت من أمره فقالت سبحان الله أنا طلبت قتله انما كنت عاتبة عليه من شئ ارضاني فيه (1)
(1) في تاريخ اليعقوبي (ج 2 – ص 152) ط النجف كان بين عثمان وعائشة منافرة وذلك انه نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب وصيرها اسوة غيرها من نساء رسول الله وان عثمان ليخطب في – (*)
[ 121 ]
قتل عثمان والله من عثمان بن عفان خيرا منه وارضى عند الله وعند المسلمين والله ما زال قاتله – تعني أمير المؤمنين (ع) – مؤخرا منذ بعث محمد صلى الله عليه وآله وبعد أن توفى عدل عنه الناس إلى الخيرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ولا يرونه أهلا للامر ولكنه رجل يحب الامرة والله لا تجتمع عليه ولا على أحد من ولده إلى قيام الساعة. ثم قالت: معاشر المسلمين ان عثمان قتل مظلوما ولقد قتل عثمان من اصبع عثمان خير منه وجعلت تحرض الناس على خلاف أمير المؤمنين وتحثهم على نقض عهده ولحق إلى مكة جماعة من منافقي قريش وصار إليها عمال عثمان الذين هربوا من أمير المؤمنين ولحق بها عبد الله بن عمر بن الخطاب وأخوه عبيد الله ومروان بن الحكم بن ابي العاص وأولاد عثمان وعبيده وخاصته من بني امية وانحازوا إليها وجعلوها الملجأ لهم في ما دبروه من كيد أمير المؤمنين (ع) وجعل كل من ينحاز عن أمير المؤمنين حسدا له وبغضا أو شانئا له أو خوفا من استيفاء الحقوق عليه أو لاثارة فتنة أو ادغال في الملة ينضم إليها وهي على حالتها وسنتها تنعى إليهم عثمان وتبرء من قاتله وتشهد له بالعدم والاحسان وتخبر انه قتل مظلوما وتحث الناس على فراق أمير المؤمنين والاجتماع على خلعه ولما عرف طلحة والزبير حالها وحال القوم عمدا على اللحاق بها والتعاضد على شقاق أمير المؤمنين فاستأذناه في العمرة على ما قدمناه وذكرنا الخبر في معناه وشرحناه وسارا إلى مكة خالعين الطاعة ومفارقين للجماعة فلما ورد اليهما فيمن تبعهما من أولادهما وخاصتهما وخالصتهما طافا في البيت طواف العمرة وسعيا بين الصفا والمروة وبعثا إلى عائشة عبد
– بعض الايام إذ دلت عائشة قميص رسول الله صلى الله عليه وآله ونادت يا معشر المسلمين هذا جلباب رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان سنته فقال (رب اصرف عني كيدهن ان كيدهن عظيم). (*)
[ 122 ]
الله بن الزبير وقالا له امض إلى خالتك فاهد إليها السلام منا وقل لها ان طلحة والزبير يقرءاك السلام ويقولان لك ان أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما وان علي بن ابى طالب ابتز الناس أمرهم وغلبهم عليه بالسفهاء الذين تولوا قتل عثمان ونحن نخاف انتشار الامر به فان رأيت أن تسيرى معنا لعل الله يرتق بك فتق هذه الامة ويشعب بك صدعهم ويلم بك شعثهم ويصلح بك امورهم فأتاها عبد الله فبلغها ما ارسلاه به فاظهرت الامتناع من اجابتها إلى الخروج عن مكة. وقالت يا بني لم أمر بالخروج لكني رجعت إلى مكة لاعلم الناس ما فعل بعثمان امامهم وانه اعطاهم التوبة فقتلوه تقيا نقيا بريا فيرون في ذلك رأيهم ويثيرون على من ابقرهم امرهم وغصبهم امرهم من غير مشورة من المسلمين ولا مؤامرة بتكبر وتجبر ويظن ان الناس يرون له حقا كما كانوا يرونه لغيره هيهات هيهات يظن ابن أبى طالب يكون في هذا الامر كابن أبي قحافة لا والله ومن في الناس مثل ابن أبى قحافة تخضع إليه الرقاب ويلقى إليه المنقاد وليها والله ابن أبي قحافة وخرج منها كما دخل ثم وليها اخو بني عدى فسلك طريقه ثم مضيا فوليها ابن عفان فركبها رجل له سابقة ومصاهرة لرسول الله وأفعال مع النبي مذكورة لا يعمل أحد من الصحابة مثلما عمله في ذات الله وكان محبا لقومه فمال بعض الميل فاستتبناه فتاب ثم قتل فيحق للمسلمين ان يطلبوا بدمه فقال لها عبد الله فإذا كان هذا قولك في علي يا امه ورأيك في قاتلي عثمان فما الذى يقعدك عن المساعدة على جهاد ابن أبي طالب وقد حضرك من المسلمين من فيه غنى وكفاية فيما تريدين فقالت يا بني افكر فيما قلت وترجع إلي فرجع عبد الله إلى طلحة والزبير بالخبر. فقالا قد أجابت أمنا والحمد لله إلى ما نريد ثم قالا له باكرها في غد فذكرها امر المسلمين واعلمها إنا قاصدان إليها لنجدد بها عهدا ونحكم
[ 123 ]
معها عقدا فباكرها عبد الله وأعاد عليها بعض ما أسلفه من القول إليها فأجابته إلى الخروج ونادى مناديها ان ام المؤمنين تريد ان تخرج تطلب بدم عثمان فمن كان يريد ان يخرج فليتهيأ للخروج معها وصار إليها طلحة فلما أبصرت به قالت يا أبا محمد قتلت عثمان وبايعت عليا فقال يا امه ما مثلى إلا كما قال الاول: ندمت ندامة الكسعى لما * رأت عيناه ما صنعت يداه وجاءها الزبير فسلم عليها فقالت له يا أبا عبد الله اشتركت في دم عثمان ثم بايعت لعلى وأنت والله أحق بالامر منه فقال لها الزبير أما ما صنعت مع عثمان فقد ندمت منه وهربت إلى ربي من ذنبي من ذلك ولن أترك الطلب بدم عثمان والله ما بايعت عليا إلا مكرها التفت به السفهاء من أهل مصر والعراق واستلوا سيوفهم وأخافوا الناس حتى بايعوه وصار إلى مكة عبد الله ابن أبي ربيعة وكان عامل عثمان على صنعاء فدخلها وقد انكسر فخذه وكان سبب ذلك ما رواه الواقدي عن رجاله انه لما اتصل بابن ربيعة حصر الناس لعثمان أقبل سريعا لنصرته فلقيه صفوان بن أمية وهو على فرس يجرى و عبد الله بن أبى ربيعة على بغل فدنا منها الفرس فحادت فطرحت ابن أبى ربيعة وكسرت فخذه وعرف ان الناس قد قتلوا عثمان فصار إلى مكة بعد الظهر فوجد عائشة يومئذ بها تدعو إلى الخروج لطلب دم عثمان فأمر بسرير فوضع له سرير في المسجد ثم حمل ووضع عليه وقال للناس من خرج لطلب دم عثمان فعلى جهازه فجهز ناسا كثيرا ولم يستطع الخروج معهم لما كان برجله. وروى عبد الله بن السائب قال رأيت عبد الله بن أبى ربيعة على سرير في المسجد يحرض الناس على الخروج في طلب دم عثمان ويحمل من جاء وكان يعلى بن منبه التميمي حليف بني نوفل عاملا لعثمان على الجند فوافى الحج ذلك العام فلما بلغه قول ابن أبي ربيعة خرج من داره
[ 124 ]
وقال أيها الناس من خرج لطلب دم عثمان فعلى جهازه وكان قد صحب ابن أبي ربيعة مالا جزيلا فأنفقه في جهاز الناس إلى البصرة. وروى الواقدي قال حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده قال سمعت يعلى بن منبه يقول وهو مشتمل بصرة فيها عشرة آلاف دينار وهي عين مالي أقوى من طلب بدم عثمان فجعل يعطي الناس واشترى أربعمائة بعير وأناخها بالبطحاء وحمل عليها الرجال (1). ولما اتصل بأمير المؤمنين (ع) خبر ابن أبي ربيعة وابن منبه وما بذلاه من المال في شقاقه والافساد عليه قال والله ان ظفرت بابن منبه وابن أبي ربيعي لاجعلن أموالهما في سبيل الله، ثم قال بلغني ان ابن منبه بذل عشرة آلاف دينار في حربي من أين له عشرة آلاف دينار ؟ سرقها من اليمن ثم جاء بها لئن وجدته لاخذته بما اقربه فلما كان يوم الجمل وانكشف الناس هرب يعلى بن منبه ولما رات عائشة اجتماع من اجتمع بمكة إليها من مخالفة علي والمباينة له والطاعة لها في حربه تأهبت للخروج وكانت في كل يوم تقيم مناديها ينادي بالتأهب للخروج وكان المنادي ينادى فيقول من كان يريد المسير فليسر فان ام المؤمنين سائرة إلى البصرة تطلب بدم عثمان بن عفان المظلوم. وروى الواقدي عن أفلح بن سعيد عن يزيد بن زياد عن عبد الله ابن أبي رافع عن ام سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله قالت كنت مقيمة بمكة تلك السنة حتى دخل المحرم فلم أر إلا رسول طلحة والزبير جاءني عنهما يقول ان ام المؤمنين عائشة تريد أن تخرج للطلب بدم عثمان فلو خرجت معها رجونا ان يصلح بكما فتق هذه الامة فأرسلت اليهما والله ما بهذا امرت ولا عائشة لقد أمرنا الله أن نقر في بيوتنا لا نخرج للحرب أو للقتال مع ان أولياء عثمان غيرنا والله لا يجوز لنا عفو ولا صلح ولا
(1) الطبري (ج 5 – ص 166). (*)
[ 125 ]
قصاص وما ذاك إلا لولد عثمان واخرى نقاتل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ذو البلاء والعناء وأولى الناس بهذا الامر والله ما أنصفتما رسول الله في نسائه حيث تخرجوهن إلى العراق وتتركوا نساءكم في بيوتكم ثم أرسلت إلى عائشة فنهتها أشد النهي عن طلحة والزبير في الخروج لقتال علي (ع) وذكرتها امورا تعرفها وقالت لها أنشدك الله هل تعلمين ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لك اتق الله واحذري أن تنبحك كلاب الحوأب فقالت نعم وردعتها بعض الردع ثم رجعت إلى رأيها في المسير (1). مؤامرة الناكثين: فصل: فلما تحقق عزم القوم على المسير إلى البصرة وظهر تأهبهم لذلك اجتمع طلحة والزبير وعائشة وخواصهم من قومهم وبطانتهم وقالوا نحب أن نسرع النهضة إلى البصرة فان بها شيعة عثمان وانصاره وعامله عبد الله بن عامر وهو قريبة ونسيبه وقد عمل على استعداد
(1) في تذكرة الخواص ص 38 ذكر نهى ام سلمة لها فلما رأتها لا تقبل قالت: نصحت ولكن ليس للنصح قابل * ولو قبلت ما عنفتها العواذل كان بها قد ردت الحرب رحلها * وليس لها إلا الترحل راحل وفى المحاسن والمساوي للبيهقي (ج 1 – ص 231) ان ام سلمة حلفت ان لا تكلم عائشة من أجل مسيرها إلى حرب علي فدخلت عائشة عليها يومأ وكلمتها فقالت ام سلمة ألم أنهك ألم أقل لك قالت إني استغفر الله كلميني فقالت ام سلمة يا حائط ألم أنهك ألم أقل لك فلم تكلمها ام سلمة حتى ماتت. (*)
[ 126 ]
الجنود من فارس وبلاد المشرق لمعونته على الطلب بدم عثمان وقد كاتبنا معاوية بن أبي سفيان ان ينفذ لنا الجند من الشام فان أبطئنا عن الخروج خفنا أن يدهمنا علي (ع) بمكة أو في بعض الطريق فيمن يرى رأيه في عداوة عثمان خوفا من ان يفرق كلمتنا وإذا أسرعنا المسير إلى البصرة وأخرجنا عامله منها وقتلنا شيعته بها واستعنا بأمواله منها كنا على الثقة من الظفر بابن أبي طالب وان اقام بالمدينة سيرنا إليه جنودا حتى نحصره فيخلع نفسه أو نقتله كما قتل عثمان وان سار فهو كالئ ونحن جامون وهو على ظاهر البصرة ونحن بها متحصنون فلا يطول الزمان إلا بفل جموعه واهلاك نفسه أو إراحة المسلمين من فتنته. ام سلمة تحذر عائشة: وبلغ ام سلمة اجتماع القوم وما خاضوا فيه فبكت حتى اخضل خمارها ثم أدنت ثيابها فلبستها ومشت إلى عائشة لتعظها وتصدها عن رأيها في مظاهرة أمير المؤمنين (ع) بالخلافة وتقعدها عن الخروج مع القوم فلما صارت إليها قالت إنك عدة رسول الله بين امته وحجابك مضروب على حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبدنيه واملك خفرك فلا تضحيها الله الله من وراء هذه الآية قد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد اليك لفعل بل نهاك عن الفرط في البلاء وان عمود الدين لا يقام بالنساء ان انثلم ولا يشعب بهن ان انصدع فصدع النساء غض الاطراف وحف الاعطاف وقصر الوهادة وضم الذيول وما كنت قائلة لو ان رسول الله عارضك ببعض الفلاة ناصة قلوصا من منهل إلى آخر قد هتكت صداقته وتركت عهدته ان يغير الله بك لهواك على رسول الله أتدرين والله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحيت ان القى رسول
[ 127 ]
الله صلى الله عليه وآله هاتكة حجابا قد ستره علي اجعلي حصنك بيتك وقاعة البيت قبرك حتى تلقينه وانت على ذلك أطوع ما تكوني له ما لزمتيه وانظرى بنوع الدين ما حلت عنه. فقالت لها ما اعرفني بوعظك واقبلني لنصحك ولنعم المسير مسير فزعت إليه وأنا بين سائرة ومتأخرة فان اقعد فمن غير جزع وان اسير فالى ما لابد من الازدياد منه. فلما رأت ام سلمة ان عائشة لا تمتنع عن الخروج عادت إلى مكانها وبعثت إلى رهط من المهاجر بن والانصار قالت لهم لقد قتل عثمان بحضرتكم وكانا هذان الرجلان اعني طلحة والزبير يشيعان عليه كما رأيتم فلما قضى امره بايعا عليا وقد خرجا الآن عليه زعما انهما يطلبان بدم عثمان ويريدان ان يخرجا حبيسة رسول الله معهم وقد عهد إلى جميع نسائه عهدا واحدا ان يقرن في بيوتهن (1) فان كان مع عائشة عهد سوى ذلك تظهره وتخرجه الينا نعرفه فاتقوا الله عباد الله فانا نأمركم
(1) في تفسير روح المعاني للالوسي (ج 22 – ص 6) عند قوله تعالى (وقرن) روى البزار عن أنس ان النساء جئن إلى رسول الله بعد نزول الآية فقلن لقد ذهب الرجال بالفضل والجهاد فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين فقال: من قعدت منكن في بيتها فانها تدرك عمل المجاهدين. قال الالوسي وقد يحرم عليهن الخروج الزيارة والمسجد ويكون محرما كبيرة إذا تحققت الفتنة بخروجهن وفي الدر المنثور للسيوطي (ج 5 – ص 196) ان سودة بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وآله لم تحج بعد نزول الآية فقيل لها في ذلك قالت اني حججت واعتمرت وامرني ربى تعالى شأنه ان أقر في بيتي فلا أخرج حتى تخرج جنازتي قال وأخرج مسروق ان عائشة كلما قرأت (وقرن في بيوتكن) تبكي حتى تبل خمارها. (*)
[ 128 ]
بتفوى الله والاعتصام بحبله والله ولي لنا ولكم. فشق كثيرا على طلحة والزبير عند سماع هذا القول من ام سلمة ثم أنفذت ام سلمة إلى عائشة فقالت لها وقد وعظتك فلم تتعظي وقد كنت اعرف رأيك في عثمان وانه لو طلب منك شربة ماء لمنعتيه ثم أنت اليوم تقولين انه قتل مظلوما وتريدين ان تثيرى لقتال أولى الناس بهذا الامر قديما وحديثا فاتق الله حق تقاته ولا تعرضي لسخطه فارسلت إليها عائشة أما ما كنت تعرفيه من رأيى في عثمان فقد كان ولا أجد مخرجا منه إلا الطلب بدمه واما علي فانى آمره برد هذا الامر شورى بين الناس فان فعل وإلا ضربت وجهه بالسيف حتى يقضي الله ما هو قاض فأنفذت إليها ام سلمة أما أنا فغير واعظة لك من بعد ولا مكلمة لك جهدي وطاقتي والله انى لخائفة عليك البوار ثم النار والله ليخيبن ظنك ولينصرن الله ابن ابى طالب على من بغى وستعرفين عاقبة ما أقول والسلام علي يجاهد الثاكثين: فصل: ولما اجتمع القوم على ما ذكرناه من شقاق أمير المؤمنين والتأهب للمسير إلى البصرة واتصل الخبر إليه وجاءه كتاب يخبره بخبر القوم دعا ابن عباس ومحمد بن ابى بكر وعمار بن ياسر وسهل بن حنيف واخبرهم بذلك وبما عليه القوم من المسير فقال محمد بن ابى بكر ما يريدون يا أمير المؤمنين ؟ فتبسم عليه السلام وقال يطلبون بدم عثمان فقال محمد والله ما قتله غيرهم ثم قال علي أشيروا على بما أسمع منكم القول فيه فقال عمار الرأي ان نسير إلى الكوفة فان اهلها لنا شيعة وقد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة وقال ابن عباس الرأي عندي يا امير المؤمنين ان نقدم رجالا إلى الكوفة فيبايعوا لك وتكتب إلى الاشعري ان يبايع لك ثم بعده المسير حتى نلحق بالكوفة فنعاجل القوم قبل ان يدخلوا
[ 129 ]
البصرة وتكتب إلى ام سلمة فتخرج معك فانها لك قوة فقال أمير المؤمنين بل أنهض بنفسى ومن معي في اتباع الطريق وراء القوم فان ادركتهم بالطريق اخذتهم وان فاتوني كتبت إلى الكوفة واستمددت الجند من الامصار وسرت إليهم. واما ام سلمة فاني لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة فبينما هم في ذلك إذ دخل عليهم اسامة بن زيد وقال لامير المؤمنين فداك أبي وامى لا تسر وحدك وانطلق إلى ينبع وخلف على المدينة رجلا واقم بما لك فان العرب لهم جولة ثم يصيرون اليك (1). فقال له ابن عباس ان هذا القول منك يا اسامة على غير عل في صدرك فقد أخطأت وجه الرأى منه ليس هذا برأى (بعير يكون والله كهيئة الضبع في مغارتها) فقال اسامة فما الرأى قال ما أشرت به إليه وما رأى أمير المؤمنين لنفسه. ثم نادى أمير المؤمنين عليه السلام في الناس تجهزوا للسير فان طلحة والزبير قد نكثا البيعة ونقضا العهد وأخرجا عائشة من بيتها يريدان البصرة لاثارة الفتنة وسفك دماء أهل القبلة ثم رفع يديه إلى السماء فقال اللهم ان هذين الرجلين قد بغيا علي ونكثا عهدي ونقضا عقدى وشاقاني بغير حق سومهما ذلك اللهم خذهما بظلمهما واظفرني بهما وانصرني عليهما ثم خرج في سبعمائة رجل من المهاجرين والانصار واستخلف على المدينة تمام بن عباس وبعث قثم بن عباس إلى مكة (2)
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 160) ذكر هذا الرأى لابن عباس. (2) تاريخ الطبري (ج 5 – ص 169) وفي تذكرة الخواص ص 201 كان المأمون يقول لبني العباس لما ولى الامر من تولاه قبل علي (ع) لم يولوا أحدا من بني العباس ولا بني هاشم فلما صارت – (*)
[ 130 ]
ولما رأى أمير المؤمنين المسير طالبا للقوم ركب جملا أحمر وراجزه يقول (1): سيروا أبابيل وحثوا السيرا * كى تلحقوا طلحة والزبيرا إذ جلبا شرا وعافا خيرا * يا رب أدخلهم غدا سعيرا وسار مجدا في السير حتى بلغ (الربذة) فوجد القوم قد فاتوا فنزل بها قليلا ثم توجه نحو البصرة والمهاجرون والانصار عن يمينه وشماله محدقون به مع من سمع بمسيرهم فاتبعهم حتى نزل (بذى قار) فأقام بها. كتاب علي إلى أبي موسى الاشعري: ثم دعا هاشم بن عتبة المرقال وكتب معه كتابا إلى أبي موسى الاشعري وكان بالكوفة من قبل عثمان ان يوصل الكتاب إليه ليستنفر الناس منها إلى الجهاد معه وكان مضمون الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم: من علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس: أما بعد فاني أرسلت اليك هاشم بن عتبة المرقال لتشخص معه من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي وقتلوا شيعتي وأحدثوا في هذه الامة الحدث العظيم فأشخص الناس إلى معه حين يقدم بالكتاب عليك فلا تحبسه فاني لم أقرك في المصر الذى أنت فيه إلا أن تكون من أعواني وأنصاري على هذا الامر والسلام.
– إلى أمير المؤمنين ترك آل أبي طالب وأقبل على بني العباس فولى عبد الله البصرة وعبيد الله اليمن ومعبدا مكة وقثم البحرين وما ترك أحدا ممن ينتمى إلى العباس إلا ولاه فهلا نكافأه في ولده. (1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 186) ان راجز علي (ع) قال سيروا أبابيل وحثوا السيرا * إذ عزم السير وقولوا خيرا حتى يلاقوا وتلاقوا خيرا * نغزوا بها طلحة والزبيرا (*)
[ 131 ]
فقدم هاشم بالكتاب على أبى موسى الاشعري فاقرأه الكتاب وقال له ما ترى فقال له أبو السائب اتبع ما كتب به اليك فأبى أبو موسى ذلك وكسر الكتاب ومحاه وبعث إلى هاشم بن عتبة يخوفه ويتوعده بالسجن فقال السائب بن مالك فأتيت هاشما فأخبرته بأمر أبى موسى. فكتب هاشم إلى أمير المؤمنين. اما بعد: يا أمير المؤمنين فانى قدمت بكتابك على أمرء شاق عاق بعيد الرحم ظاهر الغل والشقاق وقد بعثت اليك بهذا الكتاب مع المحل ابن خليفة الطائى وهو من شيعتك وأنصارك وعنده علم ما قبلنا فاسأله عما بدا لك واكتب إلي برأيك أتبعه والسلام (1). فلما قدم الكتاب إلى علي (ع) وقرأه دعا الحسن ابنه وعمار بن ياسر وقيس بن سعد وبعثهم إلى أبى موسى وكتب معهم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس اما بعد: يا ابن الحايك والله إنى كنت لا أرى بعدك من هذا الامر الذى لم يجعلك الله له أهلا ولا جعل لك فيه نصيبا وقد بعثت لك الحسن وعمارا وقيسا فأخل لهم المصر وأهله واعتزل عملنا مذموما مدحورا فان فعلت وإلا أمرتهم أن ينابذوك على سواء ان الله لا يحب الخائنين فان اظهروا عليك قطعوك إربا إربا والسلام على من شكر النعم ورضى البيعة وعمل لله رجاء العاقبة كتاب علي إلى أهل الكوفة: فلما قدم الحسن وعمار وقيس الكوفة مستنفرين لاهلها وكان في كتابه معهم: بسم الله الرحمن الرحيم. من علي بن أبى طالب إلى أهل الكوفة
(1) رواه في شرح النهج الحديدي (ج 3 – ص 291) عن أبى مخنف. (*)
[ 132 ]
اما بعد (1) فانى أخبركم من أمر عثمان حتى يكون أمره كالعيان لكم ان الناس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه وأقل عتابه (2) وكان طلحة والزبير أهون سيرهما إليه الوجيف وقد كان من عائشة فيه فلتة غضب فلما قتله الناس وبايعانى غير مستنكرين طائعين مختارين وكان طلحة والزبير أول من بايعني على ما بايعا به من كان قبلي ثم استأذناني في العمرة ولم يكونا يريدان العمرة فنقضا العهد وأذنا في الحرب وأخرجا عائشة من بيتها يتخذانها فتنة فسارا إلى البصرة واخترت السير إليهم معكم ولعمري اياي تجيبون انما تجيبون الله ورسوله والله ما قاتلتهم وفي نفسي شك وقد بعثت اليكم ولدي الحسن وعمارا وقيسا مستنفرين لكم فكونوا عند ظني بكم والسلام (3). خطبة الحسن وعمار وقيس بالكوفة: ولما نزل الحسن (ع) وعمار وقيس الكوفة ومعهم كتاب أمير المؤمنين (ع) قام فيهم الحسن (ع) فقال: أيها الناس قد كان من أمير المؤمنين (ع) ما يكفيكم جملته وقد اتيناكم مستنفرين لكم لانكم جبهة الانصار وسنام العرب وقد نقضا طلحة والزبير بيعتهما وخرجا بعائشة وهي من النساء وضعف رأيهن كما قال الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) أما والله لئن لم تنصروه
(1) في شرح النهج لابن ابى الحديد (ج 3 – ص 291) مصر بعث الكتاب مع ابن عباس ومحمد بن ابى بكر. (2) الاستعتاب طلب العتبى وهي الرضا ومراده (ع) انه كان يكثر من طلب رضاه ويقل من عتابه وتعنيفه. (3) رواه الشيخ الطوسي في الامالي ص 78 والسيد الرضى في النهج (ج 2 – ص 3) باختصار. (*)
[ 133 ]
لينصرنه الله يتبعه من المهاجرين والانصار وسائر الناس فانصروا ربكم ينصركم. ثم قام عمار بن ياسر فقال: يا اهل الكوفة ان كانت هانت عندكم الدنيا فقد انتهت اليكم امورنا واخبارنا ان قاتلي عثمان لا يعتذرون إلى الناس من قتله وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجيهم فيه وقد كان طلحة والزبير اول من طعن عليه وأول من امر بقتله وسعى في دمه فلما قتل بايعا عليا طوعا واختيارا ثم نكثا على غير حدث كان منه وهذا ابن رسول الله وقد عرفتم انه انفذه اليكم يستنفركم وقد اصطفاكم على المهاجرين والانصار. ثم قام قيس بن سعد فقال: أيها الناس ان هذا الامر لو استقبلنا به اهل الشورى لكان علي أحق الناس به لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وآله وكان قتال من ابى ذلك حلالا فكيف بالحجة على طلحة والزبير وقد بايعاه طوعا ثم خلعا حسدا وبغيا وقد جاءكم علي في المهاجرين والانصار ثم انشأ يقول: رضينا بقسم الله إذ كان قسمنا * عليا وأبناء الرسول محمد وقلنا لهم اهلا وسهلا ومرحبا * نمد يدينا من هدى وتودد فما للزبير الناقض العهد حرمة * ولا لاخيه طلحة فيه من يد اتاكم سليل المصطفى ووصيه * وانتم بحمد الله عارضة الندي فمن قائم يرجى بخيل إلى الوغى * وضم العوالي والصفيح المهند يسود من ادناه غير مدافع * وان كان ما نقضيه غير مسود فان يك ما نهوى فذاك نريده * وان نخط ما نهوى فغير تعمد (1)
(1) روى الشيخ الطوسي في الامالي ص 94 وص 87 بعضها للنجاشي مع زيادة لم تذكر هنا وقال ان النجاشي اجاب بالتسليم والطاعة (*)
[ 134 ]
خطبة ابى موسى الاشعري: فلما فرغ القوم من كلامهم قام ابو موسى الاشعري فقال: أيها الناس ان تطيعوا الله باديا وتطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوى اليكم المضطر ويأمن فيكم الخائف ان عليا انما يستنفركم لجهاد امكم عائشة وطلحة والزبير حواري رسول الله ومن معهم من المسلمين وانا اعلم بهذه الفتن انها إذا اقبلت شبهت وان ادبرت اسفرت وان هذه الفتنة نافذة كداء البطن تجري بها الشمال والجنوب وتشتبك احيانا فلا ندرى ما تأتى اشيموا سيوفكم وقصروا رماحكم وقطعوا اوتاركم والزموا البيوت خلوا قريشا إذا أبوا إلا الخروج من دار الهجرة وفراق اهل العلم بالامرة وترتق فتقها وتشعب صدعها فان فعلت فلنفسها وان ابت فعليها ما جنت سمها في اديمها استنصحوني ولا تستشفونى يسلم لكم دينكم ودنياكم ويشقى بهذه الفتنة من جناها (1). نهضة زيد واصحابه: فقام زيد بن صوحان وكانت يده قطعت يوم جلولاء ثم قال: يا أبا موسى تريد ان ترد الفرات عن ادراجه انه لا يرجع من حيث بدا فان قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد ويلك (آلم احسب الناس ان يتركوا ان يقولو آمنا وهم لا يفتنون)، ثم قال: ايها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين واطيعوا ابن سيد المرسلين وانفروا إليه اجمعون تصيبوا الحق وتظفروا بالرشد قد والله نصحتكم فاتبعوا رأيى ترشدون.
(1) رواها ابن ابى الحديد في شرح النهج (ج 3 – ص 393) بزيادة. (*)
[ 135 ]
ثم قام عبد خير (1) وقال لابي موسى اخبرني يا ابا موسى هل كانا هذان الرجلان بايعا لعلي فيما بلغك وعرفت ؟ قال نعم، قال فهل جاء على (ع) بحدث يحل عقدة بيعته حتى ترد بيعته كما ردت بيعة عثمان ؟ قال ابو موسى لا أعلم قال له عبد خير لا دريت نحن غير تاركيك حتى تدرى حينئذ خبرني يا أبا موسى هل تعلم احدا خارجا من هذه الفتنة التي تزعم انها عمياء تحذر الناس منها ؟ أما تعلم انها اربع فرق: علي (ع) يظهر بالكوفة وطلحة والزبير بالبصرة ومعاوية بالشام وفرقة اخرى بالحجاز لا غناء بها ولا يقاتل بها عدو. فقال ابو موسى الفرقة القاعدة عن القتال خير الناس فقال عبد خير غلبك عليك غشك يا أبا موسى (2) فقام رجل من بجيلة فقال شعرا: وحاجك عبد خير يابن قيس * فأنت اليوم كالشاة الربيض فلا حقا اصبت ولا ضلالا * فانت اليوم تهوى بالحضيض ابا موسى نظرت برأى سوء * تؤول به إلى قلب مريض وتهت فليس تفرق بين خير * ولا شر ولا سود وبيض وتذكر فتنة شملت وفيها * سقطت وانت ترزح بالجريض (3) قال وبلغ أمير المؤمنين ما كان من امر ابى موسى وتخذيله الناس عن نصرته فقام إليه مالك الاشتر (ره) فقال يا امير المؤمنين انك قد بعثت إلى الكوفة رجلا قبل هذين فلم اره أحكم شيئا وهذان اخلق من بعثت ان ينشب بهم الامر على غير ما تحب ولست ادرى ما يكون فأن رأيت جعلت فداك ان تبعثني في أثرهم فان اهل الكوفة احسن لي طاعة وان
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 189) هو الخيواني. (2) ابن الاثير (ج 3 – ص 90) والطبري ج 5 – ص 190 (3) يقال رزح الرجل: ضعف وذهب ما بيده والجريض ابتلاع الريق غيضا وهما. (*)
[ 136 ]
قدمت عليهم رجوت ان لا يخالفني احد منهم فقال أمير المؤمنين (ع) الحق بهم على اسم الله فأقبل الاشتر حتى دخل الكوفة وقد اجتمع الناس بالمسجد الاعظم فأخذ لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم وقال لهم اتبعوني إلى القصر فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس فاقتحم القصر وابو موسى في المسجد الاعظم يخطب الناس ويثبطهم عن نصرة علي (ع) وهو يقول ايها الناس هذه فتنة عمياء تطؤ خطامها النائم فيها خير من القاعد والقاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي والساعي فيها خير من الراكب انها فتنة باقرة كداء البطن أتتكم من قبل مأمنكم تدع الحليم فيها حيران كابن امس انا معاشر اصحاب محمد صلى الله عليه وآله اعلم بالفتنة انها إذا اقبلت شبهت وإذا ادبرت اسفرت. وعمار والحسن وقيس يقولون له اعتزل عملنا لا ام لك وتنح عن منبرنا وابو موسى يقول لعمار هذه يدى بما سمعت من رسول الله يقول ستكون بعدي فتنة القاعد فيها خير من القائم. فقال له عمار انما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لك خاصة ستكون فتنة أنت فيها يا أبا موسى قاعدا خير منك قائما. الاشتر إلى القصر: فبينا هم في الكلام إذ دخل غلمان ابى موسى ينادون يا أبا موسى هذا الاشتر اخرج من المسجد ودخل عليه اصحاب الاشتر فقالوا له اخرج من السمجد يا ويلك أخرج الله روحك انك والله لمن المنافقين فخرج ابو موسى وأنفذ إلى الاشتر ان اجلني هذه العشية قال قد اجلتك ولا تبت في القصر هذه الليلة واعتزل ناحية عنه ودخل الناس ينتهبون
(1) تاريخ الطبري (ج 5 – ص 190). (*)
[ 137 ]
متاع أبى موسى فاتبعهم الاشتر بمن أخرجهم من القصر وقال لهم اني أجلته فكف الناس عنه (1) ثم صعد الحسن (ع) المنبر فحمد الله واثنى عليه وذكر جده النبي صلى الله عليه وآله فصلى عليه ثم ذكر فضل أمير المؤمنين وانه احق بالامر من غيره وان من خالفه على ضلال. ثم نزل فصعد عمار فحمد الله واثنى عليه وصلى على رسول الله ثم قال: أيها الناس انا لما خشينا على هذا الدين ان يهدم جوانبه وان يتعرى أديمه نظرنا لانفسنا ولديننا فاخترنا عليا (ع) خليفة ورضيناه إماما فنعم الخليفة ونعم المؤدب مؤدب لا يؤدب وفقيه لا يعلم وصاحب بأس لا ينكر وذو سابقة في الاسلام ليس لاحد من الناس غيره وقد خالفه قوم من أصحابه حاسدون له وباغون عليه وقد توجهوا إلى البصرة فاخرجوا إليهم رحمكم الله فانكم لو شاهدتموهم وحاججتموهم تبين لكم انهم ظالمون. خطبة الاشتر: ثم خرج الاشتر رحمه الله وصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أيها الناس اصغوا لي بأسماعكم وافهموا لي بقلوبكم ان الله عزوجل قد أنعم عليكم بالاسلام نعمة لا تقدرون قدرها ولا تؤدون شكرها كنتم اعداء يأكل قويكم ضعيفكم وينتهب كثيركم قليلكم وتنتهك حرمات الله بينكم والسبيل مخوف والشرك عندكم كثير والارحام عندكم مقطوعة وكل أهل دين لكم قاهرون فمن الله عليكم بمحمد صلى الله عليه وآله فجمع شمل هذه الفرقة وألف بينكم بعد العداوة وكثركم بعد ان كنتم قليلين ثم قبضه الله وحوله إليه فحوى بعده رجلان ثم ولي بعدهما رجل نبذ كتاب الله وراء ظهره وعمل في احكام الله بهوى نفسه فسألناه ان
(1) تاريخ الطبري (ج 5 – ص 190) (*)
[ 138 ]
يعتزل لنا نفسه فلم يفعل واقام على احداثه فاخترنا هلاكه على هلاك ديننا ودنيانا ولا يبعد الله إلا القوم الظالمين وقد جاءكم الله بأعظم الناس مكانا وأعظمهم في الاسلام سهما ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأفقه الناس في الدين وأقرأهم للكتاب واشجعهم عند اللقاء يوم البأس وقد استنفركم فما تنتظرون ؟ أسعيد أم الوليد ؟ الذى شرب الخمر وصلى بكم على سكر وهو سكران منها واستباح ما حرمه الله فيكم أي هذين تريدون قبح الله من له هذا الرأي ألا فانفروا مع الحسن ابن بنت نبيكم ولا يتخلف رجل له قوة فوالله ما يدرى رجل منكم ما يضره وما ينفعه وإني لكم ناصح شفيق عليكم ان كنتم تعقلون أو تبصرون اصبحوا انشاء الله غدا عادين مستعدين وهذا وجهي إلى ما هناك بالوفاء خطبة حجر بن عدي: ثم قام حجر بن عدى الكندى وقال: أيها الناس هذا الحسن بن أمير المؤمنين وهو من عرفتم احد ابويه النبي صلى الله عليه وآله والآخر الامام الرضي المأمون الوصي صلى الله عليهما الذين ليس لهم شبيه في الاسلام سيد شباب اهل الجنة وسيد سادات العرب أكملهم صلاحا وأفضلهم علما وعملا وهو رسول أبيه اليكم يدعوكم إلى الحق ويسألكم النصر السعيد من ودهم ونصرهم والشقي من تخلف عنهم بنفسه عن مواساتهم فانفروا معه رحمكم الله خفافا وثقالا واحتسبوا في ذلك الاجر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. فأجاب الناس بأجمعهم بالسمع والطاعة. وقد ذكر الواقدي ان عليا أنفذ إلى أهل الكوفة رسلا وكتب إليهم كتابا عند خروجه من المدينة وقبل نزوله بذى قار وقال في حديث آخر رواه انه أنفذ إلى القوم من الربذة حين فاته رد طلحة والزبير
[ 139 ]
من الطريق ثم اتفق الواقدي وأبو مخنف وغيرهما من أصحاب السيرة على ما ذكرناه من انفاذ الرسل وكتب الكتب من ذى قار إلى أهل الكوفة يستنفرهم للجهاد معه والاستعانة بهم على أعدائه الناكثين لعهده الخارجين لحربه فكان مما رواه الواقدي ان قال حذثني عبيد الله بن الحرث بن الفضل عن أبيه قال لما عزم علي (ع) على المسير من المدينة لرد طلحة والزبير بعث محمد بن الحنفية ومحمد بن ابي بكر إلى الكوفة وكان عليها ابو موسى الاشعري فلما قدما عليه أساء القول لهما واغلظ وقال: ان بيعة عثمان لفي رقبة صاحبكم وفي رقبتي ما خرجنا منها. ثم قام على المنبر وقال: أيها الناس إنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن أعلم منكم بهذه الفتنة فاحذروها ان عائشة كتبت إلي ان اكفني من قبلك وهذا علي بن ابي طالب قادم اليكم يريد ان يسفك بكم دماء المسلمين فكسروا نبلكم واقطعوا أوتاركم واضربوا الحجارة بسيوفكم. فقال محمد بن الحنفية (رض) لمحمد بن ابي بكر يا أخي ما عند هذا خير ارجع بنا إلى أمير المؤمنين نخبره الخبر فلما رجعا إليه وأخبراه الحال وقد كان كتب معهما كتابا إلى أبي موسى الاشعري ان يبايع من قبله على السمع والطاعة وقال له في كتابه أخرج الناس عن حجزتك وارفع عنهم سوطك واجلس بالعراق فان خففت فاقبل وان ثقلت فاقعد فلما قرأ الكتاب قال اثقل ثم اثقل. كتاب علي إلى أهل الكوفة: ولما بلغ علي ما قال وصنع غضب غضبا شديدا وبعث عمار بن ياسر والحسن (ع) وكتب معهم كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله علي بن ابي طالب أمير المؤمنين
[ 140 ]
إلى اهل الكوفة من المؤمنين والمسلمين. اما بعد: فان دار الهجرة تقلعت بأهلها فانقلعوا منها، وجاشت جيشان المرجل، وكانت فاعلة يوم ما فعلت، وقد ركبت المرأة الجمل، ونبحتها كلاب الحوأب، وقامت الفتنة الباغية يقودها، يطلبون بدم هم سفكوه، وعرض هم شتموه ; وحرمة انتهكوها، وأباحوا ما أباحوا، يعتذرون إلى الناس دون الله يحلفون لكم لترضون عنهم، فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ; اعملوا رحمكم الله ان الجهاد مفترض على العباد فقد جاءكم في داركم من يحثكم عليه، ويعرض عليكم رشدكم، والله يعلم اني لم أجد بدا من الدخول في هذا الامر، ولو علمت ان أحدا أولى به مني لما تقدمت إليه وقد بايعني طلحة والزبير طائعين غير مكرهين ثم خرجا يطلبان بدم عثمان وهما اللذان فعلا بعثمان ما فعلا وعجبت لهما كيف أطاعا أبا بكر وعمر في البيعة وأبيا ذلك علي وهما يعلمان اني لست بدون واحد منهما مع اني قد عرضت عليهما قبل ان يبايعاني إذا أحبا بايعت لاحدهما فقالا لا ننفس على ذلك بل نبايعك ونقدمك علينا بحق فبايعا ثم نكثا والسلام. علي (ع) في الطريق: ولما سار عليه السلام من المدينة انتهى إلى فيد وكان قد عدل إلى جبال طي حتى سار معه عدي بن حاتم في ستماءة رجل من قومه فقال عليه السلام لابن عباس ما الرأي عندك في أهل الكوفة فقال له ابن عباس أنفذ عمارا فانه رجل له سابقة في الاسلام وقد شهد بدرا فانه ان تكلم هناك صرف الناس اليك وانا أخرج معه وابعث معنا الحسن ابنك ففعل ذلك فخرجوا حتى قدموا على أبي موسى الاشعري فلما وصلوا الكوفة قال ابن عباس للحسن ولعمار ان أبا موسى عاق فإذا
[ 141 ]
رفقنا به أدركنا حاجتنا منه فقالا افعل ما شئت. فقال ابن عباس لابي موسى ان عليا ارسلنا اليك لما يطرقه سرعتك إلى طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ومصيرك إلى ما أحببنا اهل البيت وقد علمت فضله وسابقته في الاسلام ويقول لك ان تبايع له الناس ويقرك على عملك ويرضى عنك فانخدع ابو موسى وصعد المنبر فبايع لعلي ساعة من النهار ثم نزل. خطبة عمار بالكوفة: فقال عمار: الحمد لله حمدا كثيرا فانه اهل على نعمته التى لا يحصيها ولا يقدر قدرها ولا يؤدى شكرها اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى والنور الواضح والسلطان القاهر والامين الناصح والحكيم الراجح رسول رب العالمين وقائد المؤمنين وخاتم النبيين بالصدق وصدق المرسلين وجاهد في الله حتى اتاه اليقين. ثم ان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) حفظه الله ونصره نصرا عزيزا وابرم له امرا رشيدا بعثني اليكم وابنه يأمركم بالنفر إليه فانظروا إليه واتقوا واطيعوا الله والله لو علمت ان على وجه الارض بشرا اعلم بكتاب الله وسنة نبيه منه ما استنفرتكم إليه ولا بايعته على الموت يا معشر اهل الكوفة الله الله في الجهاد فوالله لئن صارت الامور إلى غير علي (ع) لتصيرن إلى البلاء العظيم والله يعلم اني قد نصحت لكم وامرتكم بما اخذت بيقيني وما اريد اخالفكم إلى ما انهاكم عنه ان اريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه انيب استغفر الله لي ولكم. ثم نزل فصبر هنيئة ثم عاد إلى المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال:
[ 142 ]
أيها الناس هذا ابن عم رسول نبيكم قد بعثني اليكم استنصركم إلا ان طلحة والزبير قد سارا نحو البصرة وأخرجا عائشة معهما للفتنة الا وان الله قد ابتلاكم بحق امكم وحق ابيكم وحق ربكم أولى وأعظم عليكم من حق امكم وابيكم ولكن الله قد ابتلاكم لينظر كيف تعملون فاتقوا الله واسمعوا واطيعوا وانفقوا في سبيل الله وانفروا إلى خليفتكم وصهر نبيكم فان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قد بايعوه بالمدينة وهي دار الهجرة ودار السلام أسأل الله ان يوفقكم. ثم نزل فصعد الحسن بن علي عليهما السلام على المنبر فحمد الله واثنى عليه وذكر جده فصلى عليه وذكر فضل ابيه وسابقته وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانه أولى بالامر من غيره ثم قال معاشر الناس ان طلحة والزبير بايعا عليا طايعين غير مكرهين ثم نفرا ونكثا بيعتهما له فطوبى لمن خف في مجاهدة من جاهده فان الجهاد معه كالجهاد مع النبي صلى الله عليه وآله. ثم نزل وكان أمير المؤمنين (ع) كتب مع ابن عباس كتابا إلى أبي موسى الاشعري وغلظ فيه فقال ابن عباس قلت في نفسي اقدم على رجل وهو أمير بمثل هذا الكتاب ان لا ينظر في كتابي ونظرت ان اشق كتاب أمير المؤمنين وكتبت من عندي كتابا عنه لابي موسى: اما بعد فقد عرفت مودتك إيانا أهل البيت وانقطاعك الينا وانما فرغب اليك لما نعرف من حسن رأيك فينا فإذا اتاك كتابي فبايع لنا الناس والسلام. فدفعه إليه فلما قرأه ابو موسى قال لي أنا الامير أو أنت ؟ قلت انت الامير فدعا الناس إلى بيعة علي فلما بايع قمت وصعدت المنبر فرام انزالي منه فقلت انت تنزلني عن المنبر ؟ وأخذت بقائم سيفي فقلت اثبت مكانك والله لئن نزلت اليك هذبتك به فلم يبرح فبايعت الناس لعلي
[ 143 ]
وخلعت ابا موسى في الحال واستعملت مكانه قرضة بن عبد الله الانصاري ولم ابرح من الكوفة حتى سيرت لعلى (ع) في البر والبحر من اهلها سبعة آلاف رجل ولحقته بذى قار قال وقد سار معه من جبال طي وغيرها الفا رجل ولما صار اهل الكوفة إلى ذي قار ولقوا عليا (ع) بها رحبوا به وقالوا الحمد لله الذي خصنا بمودتك واكرمنا بنصرتك فجزاهم خيرا. خطبة علي بذي قار: ثم قام وخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه وقكر النبي فصلى عليه ثم قال: يا أهل الكوفة إنكم من اكرم المسلمين واعدلهم سنة وافضلهم في الاسلام سهما وأجودهم في العرب مركبا ونصابا، حزبكم بيوتات العرب وفرسانهم ومواليهم، انتم أشد العرب ودا للنبي ; وإنما اخترتكم ثقة بعد الله لما بذلتم لي انفسكم عند نقض طلحة والزبير بيعتي وعهدي، وخلافهما طاعتي واقبالهما بعائشة لمخالفتي ومبارزتي وإخراجهما لها من بيتها، حتى أقدماها البصرة. وقد بلغني ان اهل البصرة فرقتان: فرقة الخير والفضل والدين قد اعتزلوا وكرهوا ما فعل طلحة والزبير ! ثم سكت عليه السلام، فأجابه أهل الكوفة: نحن أنصارك واعوانك على عدوك، ولو دعوتنا إلى اضعافهم من الناس احتسبنا في ذلك الخير ورجوناه فرد عليهم خيرا (1). خطبة أخرى بذي قار: ولما أراد (ع) المسير من ذي قار تكلم، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: ان الله عزوجل بعث محمدا للناس كافة ورحمة للعالمين، فصدع بما أمر به
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 190) روى خطبته (ع) بغير هذا اللفظ. (*)
[ 144 ]
ربلغ رسالات ربه، فلما ألم به الصدع ورتق به الفتق وأمن به السبيل وحقن به الدماء وألف به بين ذوى الاحقاد والعداوة الواغرة في الصدور، والضغائن الكامنة في القلوب، قبضه الله عزوجل إليه حميدا وقد ادى الرسالة ونصح للامة، فلما مضى صلى الله عليه وآله لسبيله دفعنا عن حقنا من دفعنا وولوا من ولوا سوانا ثم ولاها عثمان بن عفان فنال منكم ونلتم منه حتى إذا كان من أمره ما كان أتيتموني فقلتم بايعنا فقلت لكم لا أفعل ; فقلتم بلى لابد من ذلك، فقبضتم يدى فبسطتموها وتداككتم على تداك الابل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتى لقد خفت انكم قاتلي، أو بعضكم قاتل بعض ; فبايعتموني وانا غير مسرور بذلك ولا جذل، وقد علم الله سبحانه إني كنت كارها للحكومة بين امة محمد، ولقد سمعته يقول ! ما من وال يلي شيئا من أمر امتي إلا أتى الله يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رؤوس الخلائق، ثم ينشر كتابه فان كان عادلا نجا وان كان جائرا هوى. ثم اجتمع علي ملؤكم وبايعني طلحة والزبير وانا اعرف الغدر في وجهيهما والنكث في عينيهما ثم أستأذناني في العمرة فأعلمتهما ان ليس العمرة يريدان فسارا إلى مكة واستخفا عائشة وخدعاها وشخص معها ابناء الطلقاء فقدموا البصرة وهتكوا بها المسلمين وفعلوا المنكر، ويا عجبا لاستقامتهما لابي بكر وعمر وبغيهما علي وهما يعلمان إني لست دون احدهما ولو شئت ان أقول لقلت، ولقد كان معاوية كتب اليهما من الشام كتابا يخدعهما فيه فكتماه عني وخرجا يوهمان الطغام انهما يطلبان بدم عثمان والله ما انكرا علي منكرا ولا جعلا بينى وبينهما نصفا وان دم عثمان لمعصوب بهما ومطلوب فيهما يا خيبة الداعي إلى ما ادعا وبماذا اجيب، والله انهما لفي ظلالة صماء وجهالة عمياء وان الشيطان قد دبر لهما حزبه واستجلب منهما خيله ورجاله ليعيد الجور إلى اوطانه ويرد الباطل إلى نصابه. ثم رفع يديه وقال: اللهم ان طلحة والزبير
[ 145 ]
قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي فاحلل ما عقدا وانكث ما أبرما ولا تغفر لهما أبدا وأرهما المساءة فيما عملا واملا. فقام الاشتر رضي الله عنه فقال: خفض عليك يا أمير المؤمنين فوالله ما أمر طلحة والزبير علينا بمحيل لقد دخلا في هذا الامر اختيارا ثم فارقانا على غير جور عملناه ولا حدث في الاسلام احدثناه ; ثم اقبلا يثيران الفتنة علينا تائهين جائرين ليس معهما حجة ترى ولا أثر يعرف لقد لبسا العار وتوجها لمحو الديار، فان زعما ان عثمان قتل مظلوما فليستقد آل عثمان منهما فاشهد انهما قتلاه واشهد الله يا أمير المؤمنين لئن لم يدخلا فيما خرجا منه ولم يرجعا إلى طاعتك وما كانا عليه لنلحقهما بابن عفان. أبو التيهان: وقام أبو الهيثم بن التيهان رحمه الله وقال يا أمير المؤمنين صبحهم الله بما يكرهون فان اقبلوا قبلنا منهم وان ادبروا لنجاهدنهم فلعمري ما قوم قتلوا النفس التي حرم الله قتلها واخذوا الاموال واخافوا اهل الايمان باهل ان يكف عنهم، فأقبل أمير المؤمنين (ع) على عدي بن حاتم فقال له يا عدى انت شاهد لنا وحاضر معنا وما نحن فيه. عدي بن حاتم: فقال عدى شهدتك أو غبت عنك فأنا عندما أحببت هذه خيولنا معدة ورماحنا محددة وسيوفنا محمرة فان رأيت أن نتقدم تقدمنا وان رأيت أن نحجم أحجمنا نحن طوع لامرك فامر بما شئت نسارع إلى امتثال امرك.
[ 146 ]
أبو زينب الازدي: وقام أبو زينب الازدي فقال والله ان كنا على الحق إنك لاهدانا سبيلا وأعظمنا في الخير نصيبا وان كنا على الضلالة والعياذ بالله أن نكون عليه، لانك اعظمنا وزرا وأثقلنا ظهرا وقد أردنا المسير إلى هؤلاء القوم وقطعنا منهم الولاية وأظهرنا منهم البراءة وظاهرناهم بالعداوة ونريد بذلك ما يعلمه الله عزوجل واننا ننشدك الله الذي علمك ما لم نكن نعلم السنا على الحق وعدونا على الضلال فقال (ع) اشهد لئن خرجت لدينك ناصرا صحيح النية قد قطعت منهم الولاية واظهرت منهم البراءة كما قلت انك لفي رضوان الله فابشر يا أبا زينب فانك والله على الحق فلا تشك فانك انما تقاتل الاحزاب فأنشأ ابو زينب يقول: سيروا إلى الاحزاب أعداء النبي * فان خير الناس اتباع علي هذا أوان طاب سل المشرفى * وقودنا الخيل وهز السمهري ولما استقر أمر أهل الكوفة على النهوض لامير المؤمنين (ع) وخف بعضهم لذلك بادر ابن عباس ومن معه من الرسل فيمن اتبعهم من أهل الكوفة إلى ذى قار للالتحاق بأمير المؤمنين وأخباره بما عليه القوم من الجد والاجتهاد في طاعته وانهم لاحقون به غير متأخرين عنه وإنما تقدمهم ليستعد للسفر وللحرب وقد كان استخلف قرضة بن كعب على الكوفة على ما قدمناه ويحث الناس على اللحاق به. فورد على أمير المؤمنين كتابا قد كتب إليه من البصرة ما صنعه القوم بعامله عثمان بن حنيف رحمه الله وما استحلوه من الدماء ونهب الاموال وقتل من قتلوه من شيعته وأنصاره وما أثاروه من الفتنة فيها فوجوده ابن عباس وقد أحزنه ذلك وغمه وأزعجه وأقلقه فأخبره بطاعة أهل الكوفة ووعده منهم بالنصرة فسر عند ذلك وأقام ينتظر أهل
[ 147 ]
الكوفة والمدد الذي ينتصر بهم على عدوه. ابن حنيف مع الناكثين: فصل: وكان من حديث القوم فيما صنعوه بعثمان بن حنيف رضى الله عنه ومن ذكرناه معه على ما جاءت به الاخبار واتفق عليه نقلة السير والآثار. روى الواقدي وأبو مخنف عن أصحابهما والمدايني وابن دآب عن مشايخهما بالاسانيد التي اختصرنا القول باسقاطها واعتمدنا فيها على ثبوتها في مصنفات القوم وكتبهم فقالوا ان عائشة وطلحة والزبير لما ساروا من مكة إلى البصرة أعدوا السير مع من اتبعهم من بني امية وعمال عثمان وغيرهم من قريش حتى صاروا إلى البصرة فنزلوا حفر أبي موسى (1) فبلغ عثمان بن حنيف وهو عامل البصرة يومئذ وخليفة أمير المؤمنين وكان عنده حكيم بن جبلة فقال له حكيم ما الذي بلغك فقال خبرت ان القوم قد نزلوا حفر ابي موسى فقال له حكيم ائذن لي أن أسير إليهم فاني رجل في طاعة أمير المؤمنين (ع) فقال له عثمان توقف عن ذلك حتى اراسلهم فقال له حكيم إنا لله هلكت والله يا عثمان، فاعرض عنه وارسل إلى عمران بن حصين وابي الاسود الدؤلي فذكر لهما قدوم القوم البصرة وحلولهم حفر ابي موسى وسألهما المسير إليهم وخطابهم على ما قصدوا به وكفهم عن الفتنة فخرجا حتى دخلا على عائشة فقالا لها يا ام المؤمنين ما حملك على المسير ؟ فقالت غضبت لكما من سوط عثمان وعصاه ولا اغضبت ان يقتل فقالا لها وما انت من سوط عثمان وعصاه وانما انت
(1) سماه ابن جرير في التاريخ (ج 5 – ص 173) الحفير ولم يضفه إلى ابى موسى وفي معجم البلدان (ج 3 – ص 304) الحفير بالتصغير ماء لباهلة بينه وبين البصرة اربعة اميال. (*)
[ 148 ]
حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله وإنا نذكرك الله ان يهراق الدماء في سبيلك فقالت وهل من احد يقاتلني ! فقال لها ابو الاسود الدؤلي نعم والله قتالا أهونه شديد، ثم خرجا من عندها فدخلا على الزبير فقالا له يا أبا عبد الله ننشدك الله ان يهراق الدماء في سبيلك فقال لهما ارجعا من حيث جئتما ان لا تفسدا علينا فأيسا منه وخرجا حتى دخلا على طلحة فقالا له ننشدك الله ان يهراق الدماء في سبيلك فقال لهما طلحة أيحب علي بن ابي طالب (ع) انه إذا غلب على امر المدينة ان الامر له، وانه لا امر إلا امره والله ليعلمن فانصرفا من حيث جئتما فانصرفا من عنده إلى عثمان ابن حنيف فأخبزاه الخبر. وروى ابن ابى سبرة عن عيسى بن عيسى عن الشعبي ان أبا الأسود الدؤلي وعمران لما دخلا على عائشة قالا لها ما الذي أقدمك هذا البلد ؟ وانت حبيسة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد امرك ان تقري في بيتك فقالت غضبت لكم من السوط والعصا، ولا اغضب لعثمان من السيف فقالا لها ننشدك الله ان يهراق الدماء في سبيلك وان تحملي الناس بعضهم على بعض فقالت لهما انما جئت لاصلح بين الناس وقالت لعمران بن الحصين ها انت مبلغ عثمان بن حنيف رسالة فقال لا ابلغه عنك إلا خيرا فقال لها أبو الاسود أنا ابلغه عنك فهاتي، قالت له يا طليق ابن ابي عامر بلغني إنك تريد لقائي لتقاتلني، فقال لها ابو الاسود الدؤلي نعم والله لنقاتلنك فقالت وانت ايضا يبلغني عنك ما يبلغني قم فانصرف عنى فخرجا من عندها إلى طلحة فقالا له يا أبا محمد ألم تجمع الناس إلى حرب ابن عم رسول الله ؟ الذى فضله الله كذا وكذا وجعلا يعددان مناقب أمير المؤمنين (ع) وفضائله وحقوقه فوقع طلحة بعلي وسبه ونال منه وقال انه ليس احد مثله اما والله ليعلمن غير ذلك، فخرجا من عنده وهما يقولان غضب هذا المدنى، ثم دخلا على الزبير فكلماه مثل كلامهما لصاحبه فوقع ايضا في
[ 149 ]
علي (ع) وسبه، وقال لقوم كان بمحضرهم صبحوهم قبل ان يمسوكم فخرجا من عنده حتى صارا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر، فأذن عثمان للناس بالحرب (1). فرح حفصة: فصل: ولما بلغ عائشة نزول أمير المؤمنين (ع) بذى قار كتبت إلى حفصة بنت عمر: اما بعد فلما نزلنا البصرة ونزل علي بذى قار والله داق عنقه كدق البيضة على الصفا انه بمنزلة الاشقر، ان تقدم نحر وان تأخر عقر فلما وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك ودعت صبيان بني تيم وعدى واعطت جواريها دفوفا وامرتهن ان يضربن بالدفوف ويقلن ما الخبر ما الخبر علي كالاشقر بذى قار ان تقدم نحر وان تأخر عقر، فبلغ ام سلمة (رض) اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سب أمير المؤمنين والمسرة بالكتاب الوارد عليهن من عائشة فبكت وقالت اعطوني ثيابي حتى اخرج اليهن وأوقع بهم. ام كلثوم مع حفصة: فقالت ام كلثوم بنت أمير المؤمنين (ع) أنا أنوب عنك فانني اعرف منك فلبست ثيابها وتنكرت وتخفرت واستصحبت جواريها متخفرات وجاءت حتى دخلت عليهن كأنها من النضارة فلما رأت إلى ما هن فيه من العبث والسفه كشفت نقابها وأبرزت لهن وجهها ثم قالت لحفصة ان تظاهرت انت واختك على أمير المؤمنين (ع) فقد تظاهرتما على اخيه رسول الله صلى الله عليه وآله من قبل فأنزل الله عزوجل فيكما ما انزل
(1) ابن الاثير (ج 3 – ص 82). (*)
[ 150 ]
والله من وراء حربكما (1) وأظهرت حفصة خجلا وقالت انهن فعلن هذا بجهل وفرقتهن في الحال. خطبة عائشة بالمربد: ولما بلغ عائشة رأى ابن حنيف في القتال ركبت الجمل وأحاط بها القوم وسارت حتى وقفت (بالمربد) واجتمع إليها الناس حتى امتلا المربد بهم فقالت وهى على الجمل صه صه فسكت الناس واصغوا إليها فحمدت الله تعالى وقالت: اما بعد فان عثمان بن عفان قد كان غير وبدل فلم يزل يغسله بالتوبة حتى صار كالذهب المصفى فعدوا عليه وقتلوه في داره وقتل ناس معه في داره ظلما وعدوانا ثم آثروا عليا فبايعوه من غير ملائمة من الناس ولا شورى ولا اختيار فابتز والله امرهم وكان المبايعون له يقولون خذها اليك واحذرن أبا حسن إنا غضبنا لكم على عثمان من السوط فكيف لا نغضب لعثمان من الغضب ان الامر لا يصح حتى يرد الامر إلى ما صنع عمر من الشورى فلا يدخل فيه احد سفك دم عثمان. فقال بعض الناس صدقت وقال بعض الناس كذبت واضطربوا بالفعال وتركتهم وسارت حتى اتت (الدباغين) وقد تحيز الناس بعضهم مع طلحة والزبير وعائشة وبعضهم متمسك ببيعة أمير المؤمنين والرضا به فسارت من موضعها ومن معها واتبعها على رأيها طلحة والزبير
(1) اشارة إلى ما جاء في سورة التحريم من قوله تعالى: (واذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به) الآية. ففي تفسير الخازن (ج 7 – ص 97) وروح المعاني للالوسي (ج 28 – ص 152) عن ابن عباس ان حفصة أسرت حديثا لرسول الله صلى الله عليه وآله إلى عائشة وكانتا متصافيتين وهما اللتان تظاهرتا عليه ونزل القرآن فيهما. (*)
[ 151 ]
ومروان بن الحكم و عبد الله بن الزبير حتى اتوا دار الامارة فسألوا عثمان بن حنيف الخروج عنها فأبى عليهم ذلك واجتمع إليه انصاره وزمرة من اهل البصرة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى زالت الشمس واصيب يومئذ من عبد القيس خاصة خمسمائة شيخ مخضوب من اصحاب عثمان ابن حنيف وشيعة امير المؤمنين سوى من اصيب من ساير الناس وبلغ الحرب بينهم التزاحف إلى (مقبرة بني مازن) ثم خرجوا على مسناة البصرة حتى انتهوا إلى (الزابوقة) وهى ساحة دار (الرزق) (1) فاقتتلوا قتالا شديدا كثر فيه القتلى والجرحى من الفريقين ثم انهم تداعوا إلى الصلح ودخل بينهم الناس لما رأوا من عظيم ما ابتلوا به فتصالحوا على أن لعثمان بن حنيف دار الامارة والمسجد وبيت المال ولطلحة والزبير وعائشة ما شاؤا من البصرة ولا يحاجوا حتى يقدم امير المؤمنين (ع) فان احبوا عبد ذلك الدخول في طاعته وان احبوا ان يقاتلوا، وكتبوا بذلك كتابا بينهم وأوثقوا فيه العهود وأكدوها وأشهدوا الناس على ذلك (2) ووضع السلاح وآمن عثمان بن حنيف علي نفسه وتفرق الناس عنه. وطلب طلحة والزبير وأصحابهما عثمان حتى أتوا دار الامارة وعثمان ابن حنيف غافل عنهم وعلى باب الدار السبابجة يحرسون بيوت الاموال
(1) في معجم البلدان (ج 4 – ص 366) انها بالزاء المعجمة بعدها الف ثم باء موحدة وبعدها واو ثم القاف مدينة المسامعة قرب البصرة وهم بنو مسمع بن شهاب بن بلع بن عمرو الخ. وفيها كانت وقعة الجمل (2) نص عليه في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 177) وابن الاثير (ج 3 – ص 84) وذكرا ان اسامة بن زيد قال اشهد انهما بايعا مكرهين فثار عليه تمام بن العباس وسهل بن حنيف مع جماعة فانتصر له محمد بن مسلمة وصهيب بن سنان فأخرجوه إلى منزلهم. (*)
[ 152 ]
وكانوا قوما من الزط ووضعوا فيهم السيف من أربع جوانبهم فقتلوا أربعين رجلا منهم صبرا، يتولى منهم ذلك الزبير خاصة، ثم هجموا على عثمان فأوثقوه رباطا وعمدوا إلى لحيته وكان شيخا كث اللحية فنتفوها حتى لم يبق منها شئ ولا شعرة واحدة وقال طلحة عذبوا الفاسق وانتفوا شعر حاجبيه واشفار عينيه وأوثقوه بالحديد. فلما اصبحوا اجتمع الناس إليهم وأذن مؤذن المسجد لصلاة الغداة فرام طلحة ان يتقدم للصلاة بهم فدفعه الزبير وأراد أن يصلي بهم فمنعه طلحة فما زالا يتدافعان حتى كادت الشمس ان تطلع فنادى اهل البصرة الله الله يا أصحاب رسول الله في الصلاة نخاف فوتها (1). فقالت عائشة: مروا أن يصلى بالناس غيرهما فقال لهم يعلى بن منبه يصلى عبد الله بن الزبير يوما ومحمد بن طلحة يوما حتى يتفق الناس على أمير يرضونه فتقدم ابن الزبير وصلى بهم ذلك اليوم. وبلغ حكيم بن جبلة العبدى ما صنع القوم بعثمان بن حنيف وقتلهم السبابجة الصالحين خزان بيت مال المسلمين فنادى في قومه يا قوم انفروا إلى هؤلاء الضالين الضالمين الذين سفكوا الدم الحرام وفعلوا بالعبد الصالح واستحلوا ما حرم الله عزوجل فأجابه سبعماءة رجل من عبد قيس وأتوا المسجد واجتمع الناس إلى حكيم بن جبلة فقال للقوم أما ترون ما صنعوا بأخي عثمان بن حنيف ما صنعوا ؟ لست بأخيه ان لم أنصره ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم ان طلحة والزبير لم يريدا بما عملا القربة منك وما أرادا إلا الدنيا اللهم اقتلهما بمن قتلا ولا تعطهما ما أملا ثم ركب فرسه وأخذ بيده الرمح واتبعه أصحابه واقبل طلحة والزبير
(1) ابن الاثير (ج 3 – ص 81) والتفت ايها النابه إلى الغاية المقصودة لهما وإلا فما هذا النزاع ان كانا يطلبان الحقيقة وما عشت اراك الدهر عجبا. (*)
[ 153 ]
ومن معهما وهم في كثرة من الناس قد انضم إليهم الجمهور واقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت بينهم الجرحى والقتلى وبرز إلى حكيم بن جبلة رجل من القوم فضربه بالسيف فقطع رجله فتناولها حكيم بيده ورماه بها فصرعه (1). ثم صار إلى حكيم أخوه المعروف بالاشرف فقال من اصابك ؟ فأشار إلى الذى ضربه فأدركه الاشرف (2) فخبطه بالسيف حتى قتله وتكاثر الناس عليه وعلى اخيه حتى قتلوهما وتفرق الناس. ورجع طلحة والزبير ونزلا دار الامارة وغلبا على بيت المال فتقدمت عائشة وحملت مالا منه لتفرقه على انصارها فدخل عليها طلحة والزبير في طائفة معهما واحتملا منه شيئا كثيرا فلما خرجا نصبا على ابوابه الاقفال ووكلا به من قبلهما قوما فأمرت عائشة بختمه فبرز لذلك طلحة ليختمه فمنعه الزبير وأراد ان يختمه الزبير دونه فتدافعا فبلغ عائشة ذلك فقالت يختمها عنى ابن اختى عبد الله بن الزبير فختم يومئذ بثلاثة ختوم. ثم قال طلحة والزبير ما تأمرين في عثمان ؟ فانه لما به فقالت اقتلوه قتله الله وكانت عندها امرأة من اهل البصرة فقالت لها يا اماه اين يذهب بك أتأمرين بقتل عثمان بن حنيف واخوه سهل على المدينة وله مكانة من الاوس والخزرج ما قد علمت والله لئن فعلت ذلك ليكونن له صولة بالمدينة يقتل فيها ذرارى قريش فآب إلى عائشة رأيها وقالث
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 180) وابن الاثير (ج 3 – ص 85) لما ضربه برجله وصرعه حبا إليه وقتله ثم اتكأ عليه وقال: يا فخذ لن تراعى * ان معى ذراعي * احمي بها كراعي (2) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 133) قتل مع حكيم بن جبلة ابنه الاشرف واخوه الرعل بن جبلة. (*)
[ 154 ]
لا تقتلوه ولكن احبسوه وضيقوا عليه حتى أرى رأيي فحبس اياما ثم بدا لهم في حبسه وخافوا من اخيه ان يحبس مشايخهم بالمدينة ويوقع بهم فتركوا حبسه. مجئ ابن حنيف إلى علي: فخرج ابن حنيف حتى جاء إلى أمير المؤمنين وهو بذى قار فلما نظر إليه أمير المؤمنين وقد نكل به القوم بكى وقال يا عثمان بعثتك شيخا ملتحى فرددت امردا لي اللهم انك تعلم انهم اجترأوا عليك واستحلوا حرماتك اللهم اقتلهم بمن قتلوا من شيعتي وعجل لهم النقمة بما صنعوا بخليفتي ولما خرج عثمان بن حنيف من البصرة وعاد طلحة والزبير إلى بيت المال فتأملا إلى ما فيه من الذهب والفضة قالوا هذه الغنائم التي وعدنا الله بها واخبرنا انه يعجلها لنا. علي في بيت المال: قال ابو الاسود الدؤلي وقد سمعت هذا منهما ورأيت عليا بعد ذلك وقد دخل بيت مال البصرة فلما رأى ما فيه قال يا صفراء بيضاء غري غيرى، المال يعسوب الظلمة وانا يعسوب المؤمنين فلا والله ما التفت إلى ما فيه ولا فكر فيما رآه منه وما وجدته عنده إلا كالتراب هو انا فتعجبت من القوم ومنه عليه السلام فقلت اولئك ممن يريد الدنيا وهذا ممن يريد الآخرة وقويت بصيرتي فيه، ولما استقر الامر عند القوم بعد خروج عثمان بن حنيف وعلم طلحة والزبير وعائشة ان أمير المؤمنين بذى قار ينتظر الجموع وانه لا يصبر على ما فعلوه بصاحبه والمسلمين امرت عائشة الزبير ان يستنفر الناس إليه فخطبهم الزبير وامرهم بالجد والاجتهاد وقال لهم ان عدوكم قد اظلكم والله لئن ظفر بكم لا ترك بكم
[ 155 ]
عينا تطرف فانهضوا إليه حتى نكب عليه قبل ان تلحقه انصاره وقال لهم امضوا فخذوا أعطيتكم فلما رجع إلى منزله قال له ابنه عبد الله امرت الناس أن يأخذوا أعطيتهم ليتفرقوا بالمال قبل ان يأتي على بن ابى طالب فتضعف بئس الرأي الذري رأيت فقال له الزبير اسكت ويلك ما كان غير الذى قلت فقال طلحة صدق عبد الله وما ينبغي ان يسلم هذا المال حتى يقرب منا علي فنضعه في موضعه فيمن يدفعه عنا فغضب الزبير وقال والله لو لم يبق إلا درهم واحد لاعطيته فلامته عائشة على ذلك ووافق رأيها برأى الرجلين فقال الزبير والله لتدعوني أو ألحق بمعاوية فقد بايع في الشام الناس فأمسكوا عنه. الزبير شاك متردد: وروى داود بن ابي هند عن ابن عمرة مولى الزبير ان الزبير قال يومئذ لو كان لي الف فارس إلى خمسماءة فارس ينهضون معي الساعة لاسير بهم إلى على فاما ان آتي به بياتا أو أصحبه صباحا لعلي اقتله قبل ان يأتيه مدده فلم يخف معه احد فاغتاظ لذلك وقال هذه والله الفتنة التي كنا نتحدث بها فقال له مولاه ابو عمرة رحمك الله يا أبا عبد الله تسميها فتنة ثم ترى القتال فيها فقال له ويحك انا نبصره ولكن لا نصبر ثم قال بعد ذلك بيوم أو يومين والله ما كان امر قط إلا علمت اين اضع قدمي فيه إلا هذا الامر فاني لم أدر أنا فيه مقبل ام مدبر فقال له ابنه عبد الله والله ما بك هذا وانا لنتعامى فلما يحملك على هذا القول إلا انك أحسست برايات ابن ابي طالب قد اظلت وعلمت ان الموت الناقع تحتها فقال له اعزب ويحك فانك لا علم لك بالامور. وروى الحرث بن الفضل عن أبي عبد الله الاغر ان الزبير بن العوام قال لابنه يومئذ ويلك لا تدعنا على حال انت والله قطعت بيننا
[ 156 ]
وقرقت الفتنة بما بليت به من هذا المسير وما كنت متوليا من ولي هذا الامر واقام به والله لا يقوم احد من الناس مقام عمر بن الخطاب فيهم فمن ذا يقوم مقام عمر بن الخطاب وان سرنا بسيرة عثمان قتلنا فما اصنع بهذا المسير وضرب الناس بعضهم ببعض فقال له عبد الله ابنه افتدع عليا يستولي على الامر ؟ وأنت تعلم انه كان احسن اهل الشورى عند عمر بن الخطاب ولقد أشار عمر وهو مطعون يقول لاصحابه اهل الشورى ويلكم اطعموا ابن ابي طالب فيها لا يفتق في الاسلام فتقا عظيما ومنوه حتى تجمعوا على رجل سواه. ولما صار عثمان بن حنيف إلى ذى قار وأقام بها مع أمير المؤمنين وهو مريض يعالج حتى ورد على أمير المؤمنين (ع) اهل الكوفة. فصل: وروى الواقدي عن شيبان بن عبد الرحمن عن عامر بن كليب عن ابيه قال لما قتل عثمان ما لبثنا إلا قليلا حتى قدم طلحة والزبير البصرة ثم ما لبثنا بعد ذلك إلا يسيرا حتى أقبل علي بن ابى طالب بذي قار فقال شيخان من الحي اذهب بنا إلى هذا الرجل فلننظر ما يدعو إليه فلما اتينا (ذا قار) قدمنا على أذكى العرب فوالله لدخل على نسب قومي فجعلت اقول هو اعلم به مني واطوع فيهم فقال من سيد بني راسب فقلت فلان قال فمن سيد بني قدامة قلت فلان لرجل آخر فقال انت مبلغهما كتابين مني ؟ قلت نعم قال أفلا تبايعاني ؟ فبايعه الشيخان اللذان كانا معي وتوقفت عن بيعته فجعل رجال عنده قد أكل السجود وجوههم يقولون بايع بايع فقال عليه السلام دعوا الرجل فقلت انما بعثني قومي رائدا وسأنهي إليهم ما رأيت فان بايعوا بايعت وان اعتزلوا اعتزلت فقال لي أرأيت لو ان قومك بعثوك رائدا فرأيت روضة وغديرا فقلت يا قومي النجعة النجعة فأبوا ما كنت بمستنجع بنفسك فأخذت باصبع من اصابعه فقلت ابايع على ان اطيعك ما اطعت الله فإذا عصيته فلا طاعة لك علينا
[ 157 ]
فقال نعم وطول صوته فضربت على يده ثم التفت إلى محمد بن حاطب وكان من ناحية القوم فقال إذا انطلقت إلى قومك فأبلغهم كتبي وقولي فتحول إليه محمد حتى جلس بين يديه فقال ان قومي إذا اتيتهم يقولون ما يقول صاحبك في عثمان فسب عثمان الذين حوله فرأيت عليا قد كره ذلك حتى رشح جبينه وقال ايها القوم كفوا ما إياكم يسأل ولا عنكم سائل قال فلم أبرح عن العسكر حتى قدم على علي أهل الكوفة فجعلوا يقولون نرى اخواننا من اهل البصرة يقاتلوننا وجعلوا يضحكون ويعجبون ويقولون والله لو التقينا لتعاطينا الحق كأنهم يرون انهم لا يقتلون وخرجت بكتاب علي (ع) فأتيت أحد الرجلين فقبل الكتاب وأجابه ودللت على الآخر وكان متواريا فلو انهم قالوا له كليب ما اذن لي فدخلت عليه ودفعت الكتاب إليه وقلت هذا كتاب علي واخبرته الخبر وقلت اني اخبرت عليا إنك سيد قومك فأبى أن يقبل الكتاب ولم يجبه إلى ما سأله وقال لا حاجة لي اليوم في السؤدد فوالله اني لبالبصرة ما رجعت إلى علي حتى نزل العسكر ورأيت الغر الذين مع على عليه السلام وطلع القوم. اخبار علي بعدد من يأتيه من الكوفة: وروى نصر بن عمرو بن سعد عن الاحلج عن زيد بن علي قال لما أبطأ على علي (ع) خبر اهل البصرة وكانوا في فلاة قال عبد الله بن عباس فأخبرت عليا بذلك فقال لي اسكت يا ابن عباس فوالله ليأتينا في هذين اليومين من الكوفة ستة آلاف وستمائة رجل وليغلبن أهل البصرة وليقتلن طلحة والزبير فوالله انني استشرف الاخبار واستقبلها حتى إذا اتى راكب فاستقبلته واستخبرته فأخبرني بالعدة التي سمعتها من
[ 158 ]
علي (ع) لم تنقص برجل واحد (1). وروى اسماعيل بن عبد الملك بن يحيى بن شبل عن ابي جعفر محمد ابن علي (ع) قال لما سار علي من ذى قار قاصدا البصرة حتى نزل الخريبة في اثنى عشر الف وعلى الميمنة عمار بن ياسر في الف رجل وعلى الميسرة مالك الاشتر في الف رجل ومعه في نفسه عشرة آلاف رجل وخرج إليه من البصرة الفا رجل خرجت إليه ربيعة كلها إلا مالك بن مسمع منها وجاءته عبد القيس بأجمعها سوى رجل واحد تخلف عنها وجاءته بنو بكر يرأسهم شقيق بن ثور السدوسي ورأس عبد القيس عمر ابن جرموس العبدى وأتاه المهلب بن أبى صفرة فيمن تبعه من الازد موقف الاحنف: وبعث إليه الاحنف بن قيس يقول له انى مقيم على طاعتك في قومي فان شئت حبست عنك اربعة آلاف سيف من بني سعد فبعث إليه امير المؤمنين (ع) بل احبس وكف فجمع الاحنف قومه فقال يا بني سعد كفوا عن هذه الفتنة واقعدوا في بيوتكم فان ظهر اهل البصرة فهم اخوانكم لم يهيجوكم وان ظهر علي (ع) سلمتم فكفوا وتركوا القتال (2) واقبل هلال بن وكيع الحنظلي إلى الاحنف بن قيس حين بلغه ذلك فقال ما يقول سيدنا في هذا الامر ؟ فقال الاحنف انما اكون سيدكم غدا إذا قلتم إنا وبقيت فقال هلال (3) بل انت سيدنا اليوم
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 199) قال ابو الطفيل اخبرنا علي عليه السلام بمن يأتيه من اهل الكوفه اثنا عشر الف رجل ورجل فأحصيتهم فما زادوا رجلا ولا نقصوا رجلا. (2) المصدر. (3) تاريخ الطبري (ج 5 – ص 201) انه هلال بن وكيع – (*)
[ 159 ]
وشيخنا فقال الاحنف أنا شيخكم المعصى وأنت الشاب المطاع أقعد في بيتك ولا تخرج مع طلحة والزبير فأبى أن يرضى ثم دعا تميما كلهم فبايعوه إلا نفر منهم فبلغ طلحة والزبير ما فعله الاحنف فبعثا إليه يستميلانه ويرومان أن يدخل في طاعتهما فقال اختاروا مني احدى ثلاث خصال اما ان أقيم في بيتي واكف نفسي ولا اكون معكما ولا عليكما واما ان الحق بعلي بن ابى طالب واما ان أأتى إلى الاهواز فاقيم بها فقالا ننظر في ذلك ثم استشارا من حضرهما فقالوا لهما اما علي فعدوكم ولاحظ في أن يكون معه الاحنف واما الاهواز أن أتاها يلحق به كلمن لا يريد القتال معكما منهم ولكن يكون قريبا منكما فان تحرك وطأتماه على صماخه فأمراه بالقعود فأتى (وادي السباع) واقام به (1). ولما قدم رسول الاحنف على علي (ع) بما بذله من كف قومه عنه قال رجل يا أمير المؤمنين من هذا ؟ قال ادهى العرب وخيرهم لقومه فقال كذلك هو وانى لامثل بينه وبين المغيرة بن شعبة لزم الطائف فأقام بها ينتظر على من تستقيم الامة فقال الرجل انى لاحسب ان الاحنف لاسرع إلى ما تحب من المغيرة فقال علي (ع) اجل ما يبالي المغيرة اي لواء رفع لواء ضلالة أو هدى، وروى الواقدي قال حدثني معمر بن راشد عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري قال اقبل ابو بكرة يريد أن يدخل مع طلحة والزبير في امرهما فلما رأى عائشة تدبرهما رجع عنهما فقيل له مالك لم تدخل معهما فقال رأيت أمرأة تلي امرهم وقد سمعت رسول الله يقول وقد ذكر ملكة سبأ فقال لا أفلح قوم تدبرهم أمرأة فكرهت الدخول معهم.
– أبن مالك بن عمرو. (1) تاريخ الطبري (ج 5 – ص 197 وص 201). (*)
[ 160 ]
وروى عبد الله بن عطا عن عبد الرحمن بن أبى بكرة قال أعتزل أبى أن يدخل مع عائشة قال أنى سمعت رسول الله يقول لا يفلح قوم تلي أمرهم أمرأة (1). كتاب عائشة إلى المدينة واليمامة: فصل: وروى الواقدي عن رجاله قال لما أفرج القوم عن عثمان أبن حنيف (ره) لما خلفوه من أخيه سهل بن حنيف كتبت عائشة إلى أهل المدينة. بسم الله الرحمن الرحيم من أم المؤمنين عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وأبنة الصديق إلى أهل المدينة أما بعد فان الله أظهر الحق ونصر طالبيه وقد قال الله تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) الآية. ولكم الويل مما تصفون فاتقوا الله عباد الله وأسمعوا وأطيعوا وأعتصموا بحبل الله جميعا وعروة الحق ولا تجعلوا على انفسكم سبيلا فان الله قد جمع كلمة أهل البصرة وأمروا عليهم الزبير بن العوام فهو أمير الجنود والكافة يجتمعون على السمع والطاعة له فان أجتمعت كلمة المؤمنين على أمرائهم عن ملا منهم وتشاور فانا ندخل في صالح ما دخلوا فيه فإذا جاءكم كتابي هذا فاسمعوا واطيعوا واعينوا على ما سمعتم عليه من أمر الله. وكتب عبيد بن كعب لخمس ليال من شهر ربيع الاول سنة ست وثلاثين (2).
(1) الفيض القدسي شرح الجامع الصغير (ج 1 – ص 303) عن الحاكم والبخاري في المغازي والفتن والترمذي في الفتن والنسائي في القضاء قال وفيه دلالة على انها لا تصلح لشي من امور الزعامة. (2) عند ابن الاثير (ج 3 – ص 86) انه كتب في جمادى. (*)
[ 161 ]
وكتبت إلى أهل اليمامة وأهل تلك النواحى: اما بعد فاني اذكركم الله الذي انعم عليكم وألزمكم بالاسلام فان الله تعالى يقول: (ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها أن ذلك على الله يسير) فاعتصموا بحبل الله وكونوا مع كتابه فان امكم ناصحة لكم فيما تدعون إليه من الغضب له والجهاد لمن قتل خليفة له حرمة وابتز المسلمين أمرهم وقد اظهر الله عليه وان ابن حنيف الضال المضل كان بالبصرة يدعوا المسلمين إلى سبيل النار وانا أقبلنا إليها ندعو المسلمين إلى كتاب الله وان يضعوا بينهم القرآن فيكون ذلك رضى لهم واجمع لامرهم وكان ذلك لله على المسلمين فيه الطاعة فاما أن ندرك به حاجتنا أو نبلغ عذرا. فلما دنونا البصرة وسمع بنا أبن حنيف جمع لنا الجموع وأمرهم أن يتلقونا بالسلاح فيقاتلونا ويطردونا وشهدوا علينا بالكفر وقالوا فينا المنكر فأكذبهم المسلمون وأنكروا عليهم وقالوا لعثمان بن حنيف ويحك انما تابعنا زوج النبي وام المؤمنين واصحاب رسول الله وائمة المسلمين فتمادى في غيه وأقام على أمره فلما رأى المسلمون انه قد عصاهم ورد عليهم أمرهم غضبوا الله عزوجل ولام المؤمنين ولم نشعر به حتى أطلبا في ثلاثة آلاف من جهلة العرب وسفائهم وضعهم دون المسجد بالسلاح فالتمسنا أن يبايعوا على الحق ولا يحولوا بيننا وبين المسجد فرد علينا ذلك كله. حتى إذا كان يوم الجمعة وتفرق الناس بعد الصلاة عنه دخل طلحة والزبير ومعهما المسلمون وفتحوه عنوة وقدموا عبد الله بن الزبير للصلاة بالناس ودنا نخاف من عثمان وأصحابه أن يأتونا بغتة ليصيبوا مناغرة فلما رأى المسلمون أنهم لم يبرحوا تحرزوا لانفسهم ولم يخرج ومن معه حتى هجموا علينا وأباحوا سدة بيتي ومعهم صناديد لهم
[ 162 ]
ليسفكوا دمي فوجدوا نفرا على باب بيتي فردوهم عني وكان حولي نفر من القرشيين والازديين فدفعوهم عني وقتل منهم من قتل وانهزموا فلم نتعرض لبقيتهم وخلينا أبن حنيف منا منا عليه وقد توجه إلى صاحبه وعرفناكم ذلك عباد الله لتكونوا على ما كنتم عليه من النية في نصرة دين الله والغضب لخليفته المظلوم. وروى الواقدي عن عبد بن السلام بن حفص قال حدثني المنهال أبن سلم البصري قال لما بدى لطلحة والزبير في حبس عثمان بن حنيف واشفقا من أخيه سهل بن حنيف على مخلفيهم في المدينة أطلقوه فتوجه إلى أمير المؤمنين (ع) وهو بذى قار. خطبة طلحة: فلما عرفا خروجه إليه قام طلحة في الناس خطيبا فنعى إليهم عثمان إبن عفان وذكر قاتليه وأكثر الذم لهم والشتم وعزا قتله إلى علي بن أبي طالب (ع) وأنصاره وذكر أن عليا اكره الناس على البيعة له فقال فيما قال: يا معشر المسلمين أن الله قد منحكم بام المؤمنين وقد عرفتم حقها ومكانتها من رسول الله صلى الله عليه وآله ومكان أبيها من الاسلام فهذه هي تشهد لنا إنا لم نكذبكم فيما خبرناكم به ولا غررناكم فيما دعوناكم إليه من قتال أبن أبي طالب وأصحابه الصادين عن الحق ولسنا نطلب خلافة ولا ملكا وإنا نحذركم أن تغلبوا على أمركم وتقصروا دون الحق وقد رجونا أن يكون عندكم عونا لنا على طاعة الله وصلاح الامة فانا احق من عناه أمر المسلمين ومصلحتهم. وأن عليا لو عمل الجد في نصرة أمكم لاعتزل هذا الامر حتى تختار الامة لانفسها من ترضاه. فقال أهل البصرة مرحبا وأهلا وسهلا بام المؤمنين والحمد الله الذي
[ 163 ]
أكرمنا بها وانتم عندنا رضى وثقة وأنفسنا مبذولة لكم ونحن نموت على طاعتكم ورضاكم. ثم أنصرفوا وساروا إلى عائشة فسلموا عليها وقالوا قد علمنا أن أمنا لم تخرج الينا إلا لثقتها بنا وأنها تريد الاصلاح وحقن الدماء وأطفاء الفتن والالفة بين المسلمين وانا ننتظر أمرها في ذلك فان أبى عليها احد فيه قاتلناه حتى يفئ إلى الحق. وبلغ كلام طلحة مع أهل البصرة إلى عبد بن حكيم التميمي فصار إليه وقال له يا طلحة هذه كتبك وصلت الينا بعيب عثمان بن عفان وخبرك عندنا بالتأليب عليه حتى قتل وبيعتك عليا في جماعة الناس ونكثك بيعته من غير حدث كان منه فيما بلغني عنك وفيما جئت بعد الذي عرفناه من رأيك في عثمان فقال له طلحة اما عيبي لعثمان وتأليبي عليه فقد كان فلم نجد لنا من الخلاص منه سبيلا إلا التوبة فيما إقترفناه من الجرم له والاخذ بدمه فاما بيعتي له فاني اكرهت على ذلك وخشيت منه أن يؤلب علي أن أمتنعت من بيعته ويغري بي فيمن أغراه بعثمان حتى قتله فقال له عبد الله بن حكيم هذه معاذير يعلم الله باطن الامر فيها وهو المستعان على ما نخاف من عاقبة أمرها. خطبة أخرى له: وروى عبد الله بن عبيدة قال لما كان من كلام عبد الله بن حكيم ما كان قام طلحة فحمد الله واثنى عليه وقال أن رسول الله صلى الله عليه وآله توفي وهو عنا راض وكنا مع أبي بكر حتى توفاه الله فمات وهو عنا راض ثم كان عمر بن الخطاب فسمعناه وأطعناه حتى قبض وهو عنا راض فأمرنا بالتشاور في أمر الخلافة من بعده واختار ستة نفر ورضيهم للامر فاستقام أمرنا على رجل من الستة ولينا واجتمع رأينا عليه وهو
[ 164 ]
عثمان وكان أهلا لذلك فبايعناه وسمعنا له وأطعناه فأحدث بعد ذلك إحداثا لم تكن على عهد أبي بكر وعمر فكرهها الناس منه ولم يكن لنا بد مما صنعناه. وأخذ هذا الرجل الامر دوننا من غير مشورتنا وتغلب عليه ونحن فيه وهو شرع سواء فأتى بنا إليه ونحن أكره الناس إليه واللح على اعناقنا فبايعناه كرها والذي نطلب منه أيها الناس الآن أن يدفع إلى ورثة عثمان قاتليه فانه قتل مظلوما ويخلع هذا الامر ويعتزله ليتشاور المسلمون فيمن يكون إماما كسنة عمر بن الخطاب فإذا استقام رأينا ورأى أهل الاسلام على رجل بايعناه. فلما فرغ من كلامه قام عظيم من عظماء عبد القيس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس أنه قد كان وال هذا الامر وقوامه المهاجرون والانصار بالمدينة ولم يكن لاحد من أهل الامصار أن ينقضوا ما أبرموا ولا يبرموا ما نقضوا فكانوا إذا رأوا رأيا كتبوا به إلى الامصار فسمعوا لهم وأطاعوا وأن عائشة وطلحة والزبير كانوا أشد الناس على عثمان حتى قتل وبايع الناس عليا وبايعه في جملتهم طلحة والزبير فجاءنا نبأهما بيعتهما له فبايعناه فوالله لا نخلع خليفتنا ولا ننقض بيعتنا. فصاح عليه طلحة والزبير وأمرا بقرض لحيته فنتفوها حتى لم يبق منها شئ. وقام رجل من بنى جشم فقال: أيها الناس أنا فلان بن فلان فاعرفوني وإنما أنتسب لهم ليعلموا ان له عشيرة تمنعه فلا يعجل عليه من لا يوافقه كلامه قال أيها الناس أن هؤلاء القوم ان كانوا جاؤكم يطلبون بدم عثمان فوالله ما نحن قتلنا عثمان وان كانوا جاؤكم خائفين فوالله ما جاؤا إلا من حيث يأمن الطير
[ 165 ]
فلا تغتروا بهم واسمعوا قولي وأطيعوا أمرى وردوا هؤلاء القوم إلى مكانهم الذى منه أقبلوا وأقيموا على بيعتكم لامامكم وأطيعوا لاميركم. فصاح عليه الناس من جوانب المسجد وقذفوه بالحصى. ثم قام رجل آخر من متقدمي عبد القيس فقال: أيها الناس انصتوا حتى أتكلم فقال له عبد الله بن الزبير ويلك ما لك وللكلام فقال مالي وله انا والله للكلام به وفيه ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه وقال: يا معاشر المهاجرين كنتم أول الناس إسلاما بعث الله محمدا نبيه بينكم فدعاكم فأسلمتم وأسلمنا لاسلامكم فكنتم فيه القادة ونحن لكم تبع ثم توفي رسول الله فبايعتم رجلا منكم لم تستأذنونا في ذلك فسلمنا لكم ثم أن ذلك الرجل توفي واستخلف عمر إبن الخطاب فوالله ما استشارنا في ذلك فما رضيتم به رضينا وسلمنا ثم أن عمر جعلها شورى في ستة نفر فاخترتم منهم واحدا فسلمنا لكم واتبعناكم ثم أن الرجل أحدث أحداثا أنكرتموها فحصرتموه وخلعتموه وقتلتموه وما استشرتمونا في ذلك ثم بايعتم علي بن أبى طالب وما استشرتمونا في بيعته فرضينا وسلمنا وكنا لكم تبعا فوالله ما ندرى بماذا نقضتم عليه ؟ هل أستأثر بمال ؟ أو حكم بغير ما أنزل الله ؟ أو أحدث منكرا ؟ فحدثونا به نكن معكم فوالله ما نراكم إلا قد ظللتم بخلافكم له فقال له إبن الزبير ما أنت وذاك وأراد أهل البصرة أن يثبوا عليه فمنعتهم عشيرته. خطبة عائشة: فصل: وروى محمد بن عمر الواقدي عن موسى بن طلحة قال لقد شهدت عائشة يوم الجمل وقد سألها الناس عن عثمان فما رأيت أفصح منها لسانا ولا أربط منها جنانا فاستجلبت الناس بيديها ثم حمدت الله
[ 166 ]
وأثنت عليه وقالت: أيها الناس إنا نقمنا على عثمان لخصال ثلاثة: إمارة بالغنى وضربه بالسوط ورفعه موضع الامامة حتى إذا عتبنا منهن مصوه مص الماء بالصابون ثم عدوا عليه فاستحلت منه حرمات ثلاث حرمة الشهر الحرام وحرمة البلد الحرام وحرمة الخلافة والله لعثمان كان أتقاهم للرب واوصلهم للرحم وأعفهم للفرج أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وروى اسرافيل بن يونس عن ابي اسحق الهمداني قال جاء جليد ابن زهير الجشمي و عبد الله بن عامر التميمي فدخلا على عائشة فسلما عليها فقالت من هذان الرجلان ؟ فقيل لها هذان زهير بن جليد صاحب خراسان وهذا عبد الله بن عامر التميمي فقالت هما معنا ام علينا ؟ فقالا لا معك ولا عليك حتى يتبين لنا الامر فقالت كفى بالاعتزال نصرة. وروى عمر بن صباح قال اجتمع نفر من وجوه البصرة إلى طلحة والزبير فقالوا لهما فان ولاة عثمان غيركما فدعوا ولاته يطالبون بدمه والله ما نراكما انصفتما رسول الله صلى الله عليه وآله في حبيسته عرضتماها للرياح والشموس والقتال وقد أمرها الله ان تقر في بيتها وتركتما نساءكما في الاكنان والبيوت هلا جئتم بنسائكما معكما فقال لهم طلحة اغربوا عنا قبحكم الله (1). وجاء عمرو بن حصين إلى عائشة فقال لها قد كان لك يا عائشة في اخواتك عبرة وفى امثالك من امهات المؤمنين اسوة اما سمعت الله تعالى يقول: وقرن في بيوتكن. فلو اتبعت امر الله كان خيرا لك فقالت
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 176) ان جارية بن قدامة السعدى قال للزبير وطلحة جئتما بام المؤمنين فهل جئتما بنسائكما ؟ قالا لا فقال فما انا منكما في شئ واعتزل القتال ثم قال من ابيات ذكرها صنتم حلائلكم وقدتم امكم * هذا لعمرك قلة الانصاف (*)
[ 167 ]
له يا عمر قد كان ما كان فهل عندك عونا لنا وإلا فاحبس عنا لسانك قال اعتزل عليا قالت رضيت بذلك منك. النصيحة لاصحاب الجمل: فصل: ولما سار أمير المؤمنين (ع) من ذى قار قدم صعصعة بن صوحان بكتاب علي (ع) إلى طلحة والزبير وعائشة يعظم عليهم عليهم حرمة الاسلام ويخوفهم فيما صنعوه وقبيح ما ارتكبوه من قتل من قتلوا من المسلمين وما صنعوا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله عثمان بن حنيف رحمه الله وقتلهم المسلمين صبرا ووعظهم ودعاهم إلى الطاعة قال صعصعة رحمه الله فقدمت عليهم فبدأت بطلحة واعطيته الكتاب واديت الرسالة فقال الآن حين عضت ابن ابى طالب الحرب ترفق لنا ثم جئت إلى الزبير فوجدته ألين من طلحة ثم جئت إلى عائشة فوجدتها اسرع الناس إلى الشر فقالت نعم قد خرجت للطلب بدم عثمان والله لافعلن وافعلن فعدت إلى امير المؤمنين عليه السلام فلقيه قبل ان يدخل البصرة فقال ما وراءك يا صعصعة ؟ قلت يا امير المؤمنين رايت قوما ما يريدون إلا قتالك فقال الله المستعان. ثم دعا عبد الله بن عباس فقال انطلق إليهم فناشدهم وذكرهم العهد الذى لى في رقابهم قال ابن عباس جئتهم فبدات بطلحة فذكرته العهد فقال لي يا ابن عباس والله لقد بايعت عليا واللح على رقبتي فقلت له أنا رأيتك بايعت طايعا أو لم يقل لك على بيعتك له ان احببت ابايعك فقلت لا بل نحن نبايعك ؟ فقال طلحة إنما قال لى ذلك وقد بايعه قوم فلم استطع خلافهم والله يا ابن عباس ان القوم الذين معه يغرونه وقد لقيناه فسيسلمونه اما عملت يا ابن عباس انى جئت إليه والزبير ولنا من الصحبة ما لنا مع رسول الله
[ 168 ]
والقدم في الاسلام وقد احاط به الناس قياما على رأسه بالسيف فقال لنا يهزل ان احببتما بايعت لكما فلو قلنا نعم افتراه يفعل ؟ وقد بايع الناس له فليخلع نفسه ويبايعنا لا والله ما كان يفعل وحتى ان يغري بنا من لا يرى لنا حرمة فبايعناه كارهين وقد جئنا نطلب بدم عثمان فقل لابن عمك ان كان يريد حقن الدماء واصلاح امر الامة فليمكننا من قتلة عثمان فهم معه ويخلع نفسه ويرد الامر ليكون شورى بين المسلمين فيولوا من شاؤا فانما علي (ع) رجل كأحدنا وان ابى اعطيناه السيف فماله عندنا غير هذا. قال ابن عباس يا ابا محمد لست تنصف ألم تعلم انك حصرت عثمان حتى مكث عشرة ايام يشرب ماء بئره وتمنعه من شرب الماء حتى كلمك علي في ان تخلى الماء له وانت تأبى ذلك ولما رأى اهل مصر فعلك وانت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله دخلوا عليه بسلاحهم فقتلوه ثم بايع الناس رجلا له من السابقة والفضل والقرابة برسول الله صلى الله عليه وآله والبلاء العظيم ما لا يدفع وجئت انت وصاحبك طائعين غير مكرهين حتى بايعتما ثم نكثتما فعجب والله اقرارك لابي بكر وعمر وعثمان بالبيعة ووثوبك على ابن ابى طالب فوالله ما علي (ع) دون احد منكم واما قولك يمكنني من قتلة عثمان فما يخفي عليك من قتل عثمان واما قولك ان أبى علي (ع) فالسيف فوالله انك تعلم ان عليا لا يتخوف. فقال طلحة إيها الآن دعنا من جدالك. قال فخرجت إلى علي وقد دخل البيوت بالبصرة فقال ما ورائك فأخبرته الخبر فقال اللهم افتح بيننا بالحق وانت خير الفاتحين ثم قال ارجع إلى عائشة واذكر لها خروجها من بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وخوفها من الخلاف على الله عزوجل ونبذها عهد النبي صلى الله عليه وآله وقل لها ان هذه الامور لا تصلحها النساء وإنك لم تؤمرى بذلك فلم ترضى
[ 169 ]
بالخروج عن امر الله في تبرجك وبيتك الذي امرك النبي بالمقام فيه حتى سرت إلى البصرة فقتلت المسلمين وعمدت إلى عمالى فأخرجتهم وفتحت بيت المال وامرت بالتنكيل بالمسلمين وأبحت دماء الصالحين فارعي وراقبي الله عزوجل فقد تعلمين انك كنت اشد الناس على عثمان فما عدا مما بدا. قال ابن عباس فلما جئتها وأديت الرسالة إليها وقرأت كتاب علي عليه السلام عليها. قالت يا ابن عباس ابن عمك يرى انه قد تملك البلاد لا والله ما بيده منها شئ إلا وبيدنا اكثر منه. فقلت يا اماه ان امير المؤمنين (ع) له فضل وسابقة في الاسلام وعظم عناء. قالت ألا تذكر طلحة وعناءه يوم أحد قال فقلت لها والله ما نعلم احدا اعظم عناء من علي (ع). قالت انت تقول هذا ومع علي اشياء كثيرة قلت الله الله في دماء المسلمين قالت واي دم يكون المسلمين إلا ان يكون علي يقتل نفسه ومن معه قال ابن عباس فتبسمت فقالت مما تضحك يا ابن عباس ؟. فقلت والله معه قوم على بصيرة من امرهم يبذلون مهجهم دونه قالت حسبنا الله ونعم الوكيل. قال وقد كان امير المؤمنين اوصاني ان القى الزبير وان قدرت ان اكلمه وابنه ليس بحاضر فجئت مرة أو مرتين كل ذلك اجده عنده ثم جئت مرة اخرى فلم اجده عنده فدخلت عليه وامر الزبير مولاه شرحسا ان يجلس على الباب ويحبس عنا الناس فجعلت اكلمه فقال عصيتم ان خولفتم والله لتعلمن عاقبة ابن عمك فعلمت ان الرجل مغضب فجعلت الاينه فيلين مرة ويشتد اخرى.
[ 170 ]
فلما سمع شرحسا ذلك أنفذ إلى عبد الله بن الزبير وكان عند طلحة فدعاه فأقبل سريعا حتى دخل علينا. فقال يا ابن عباس دع بنيات الطريق بيننا وبينكم عهد خليفة ودم خليفة وانفراد واحد واجتماع ثلاثة وام مبرورة ومشاورة العامة. فأمسكت ساعة لا اكلمه ثم قلت لو اردت ان اقول لقلت فقال ابن الزبير ولم تؤخر ذلك ؟ وقد لحم الامر وبلغ السيل الزبى قال ابن عباس فقلت ما قولك عهد خليفة فان عمر جعل الشورى إلى ستة نفر فجعل النفر امرهم إلى رجل منهم يختار لهم منهم ويخرج نفسه منها فعرض الامر على علي فحلف عثمان وأبى علي ان يحلف فبويع عثمان فهذا عهد خليفة واما دم خليفة فدمه عند ابيك لا يخرج ابوك من خصلتين اما قتل واما خذل واما الانفراد واجتماع ثلاثة فان الناس لما قتلوا عثمان فزعوا إلى علي فبايعوه طوعا وتركوا اباك وصاحبه ولم يرضوا بواحد منهما واما قولك ان معكم اما مبرورة فان هذه الام انتما اخرجتماها من بيهتا وقد امرها الله تعالى ان تقر فيه فأبيت ان تدعها وقد علمت انت وابوك ان النبي صلى الله عليه وآله حذرها من الخروج وقال لها يا حميرا إياك ان تنبحك كلاب الحوأب (1) وكان منها ما قد رأيت وأما دعواك مشاورة العامة فكيف يشاور فيمن قد اجتمع عليه وانت تعلم ان اباك وطلحة بايعا طائعين غير كارهين فقال ابن الزبير الباطل والله ما تقول يا ابن عباس وقد سئل عبد الرحمن بن عوف عن اصحاب الشورى فكان صاحبكم اخيبهم عنده وما ادخله عمر في الشورى إلا وهو يقرفه ولكنه خاف فتقه في الاسلام واما قتل خليفة فصاحبك كتب إلى الآفاق حتى قدموا عليه ثم قتلوه وهو في داره بلسانه ويده وانا معه في الدار اقاتل دونه حتى جرحت بضعة عشر جرحا واما قولك ان عليا بايعه الناس
(1) ابن حجر في تطهير الجنان بها مس الصواعق المحرقة ص 108 (*)
[ 171 ]
طايعين فوالله ما بايعوه إلا كارهين والسيف على رقابهم غصبهم امره فقال الزبير دع عنك ما ترى يا ابن عباس جئتنا لتوفينا فقال له ابن عباس انتم طلبتم هذا والله ما عددناك قط إلا منا بنو هاشم لانهم اخوالك ومحبتك لهم حتى ادراك ابنك هذا فقطع ارحامهم فقال الزبير دع عنك هذا علي ينظم الجيش: ولما عاد رسل أمير المؤمنين من طلحة والزبير وعائشة باصرارهم على خلافه وإقامتهم على نكث بيعته والمباينة له والعمل على حربه واستحلال دماء شيعته وانهم لا يتعظون بوعظ ولا ينتهون عن الفساد بوعيد كتب الكتائب ورتب العساكر واستعمل على مقدمته عبد الله بن عباس رحمه الله وعلى ساقته هند المرادي ثم الجملي وهو الذي قال فيه عمر بن الخطاب سيد اهل الكوفة اسمه اسم امرأة واستعمل على كافة الخيل عمار بن ياسر وعلى جميع الرجالة محمد بن ابي بكر وفرق الريات من بعده فجعل على خيل مذحج خاصة هند الجملي وعلى رجالتها شريح ابن هاني الحارثي وعلى خيل همدان سعيد بن قيس وعلى رجالتها زياد ابن كعب بن مرة وعلى خيل كندة حجر بن عدي وعلى خيل بجيلة ورجالتها رفاعة بن شداد وعلى خيل قضاعة ورجالتها عدي بن حاتم وعلى خيل خزاعة وأفناء اليمن عبد الله بن زيد وعلى رجالتها عمرو بن الحمق الخزاعي وعلى خيل الازد جندب بن زهير وعلى رجالتها أبا زينب الذى شهد على الوليد بن عقبة بشرب الخمر وكان سبب صرفه وأقام الحد عليه وعلى خيل بكر بن وائل عبد الله بن هاشم السدوسي وعلى رجالتها حسان بن مخدوع الذهلي وعلى خيل عبد القيس من اهل الكوفة زيد بن صوحان العبدي وعلى رجالتها الحرث بن مرة العبدي وعلى خيل بكر بن وائل من اهل البصرة سفيان بن ثور الدوسي
[ 172 ]
وعلى رجالتها الحصين بن المنذر وهو الذي قال فيه امير المؤمنين (ع) يوم صفين: لمن راية سوداء يخفق ظلها * إذا قيل قدمها حصين تقدما وعلى المهازم خاصة جوهر بن جابر الخفر وعلى الذهلين خالد بن المعمر السدوسي وعلى خيل عبد القيس من اهل البصرة المنذر بن الجارود العبدي وعلى خيل اسد قبيصة بن جابر الاسدي وعلى رجالتها العكبر بن وائل الاسدي وهو الذي قتل محمد بن طلحة في ذلك اليوم وعلى خيول اهل الكوفة من بنى تميم عمير بن عطارد وعلى رجالتها معقل بن قيس وهو الذى سبا بني ناجية وعلى خيل قيس غيلان من اهل الكوفة عبد الله بن الطفيل البكالي وعلى رجالتها قرة بن نوفل الاشجعي صاحب النخيلة وعلى خيل قريش وكنانة هاشم بن عتبة ابن ابي وقاص المرقال وعلى رجالتها هاشم بن هاشم وعلى من صار إليه من تميم البصرة جارية بن قدامة السعدي وعلى رجالتها اعين بن ضبيعة فأحاط العسكر يومئذ من الفرسان المعروفين والرجالة المشهورين على ستة عشر الف رجل. ولما بلغ طلحة والزبير ان امير المؤمنين عليه السلام كتب الكتائب ورتب العاسكر وتيقنوا منه الجد وايقنوا منه القصد والحرب عمدا على الاستعداد لها وكان اهل البصرة قد اختلفوا عليهما وقعد الاحنف في بني سعد وكانا يظنان انه معهم فأخلف ظنهم وتأخر عنهما الازد لقعود كعب بن شور القاضي (1) عنهما وكان سيد الازد واهل اليمن بالبصرة فأنفذا إليه رسوليهما يسألانه النصرة لهما والقتال معهما فأبى عليهما وقال انا اعتزل الفريقين فقالا لئن قعد عنا كعب خذلنا الازد باسرها ولا غنى لنا عنه فصارا إليه وأستأذنا عليه فلم يأذن لهما وحجبهما فصارا
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 213) ذكره بالسين المهملة. (*)
[ 173 ]
إلى عائشة فخبراها خبره وسألاها ان تسير إليه فأبت وراسلته تدعوه إلى الحضور عندها فاستعفاها من ذلك. فقال طلحة والزبير يا ام ان قعد عنا كعب قعدت عنا الازد كلها وهي حي البصرة فاركبي إليه فانك ان فعلت لم يخالفك وانقاد لرأيك فركبت بغلا وأحاط بها نفر من اهل البصرة وصارت إلى كعب بن شور فاستأذنت عليه فأذن لها ورحب بها فقالت يا بني ارسلت اليك لتنصر الله عزوجل فما الذي اخرك عني ؟ فقال يا اماه لا حاجة لي في خوض هذه الفتنة فقالت يا بني اخرج معي وخذ بخطام جملي فاني ارجو أن يقربك بي إلى الجنة واستعبرت باكية فرق لها كعب بن شور واجابها وعلق المصحف في عنقه وخرج معها فلما خرج والمصحف في عنقه قال غلام من بني وهب وقد كان عرف امتناعه وتأنيه عن خوض هذه الفتنة يقول: أيا كعب رأيك ذاك الجزيل * امثل من رأيك الخاطل أتاك الزبير يدير الامور * وطلحة بالنقل الثاكل ليستدرجاك بما زخرفا * وامك تهوى إلى نازل وقد كانت الام معصومة * فأضحت فرائس للآكل تخط بها الارض مرحولها * ترد الجواب على السائل فالفيتها بين حي السباع * وعرضتها للشجى الثاكل بحرب علي وأصحابه * فقد ازم الدهر بالكاهل فأبديت للقوم ما في الضمير * وقلت لهم قولة الخاذل فأحطأهما منك ما املاه * وقد اخلفا امل الآمل وما لك في مصر من نسبة * وما لك في الحى من وائل فلا تجزعن على هالك * من القوم حاف ومن ناعل ولما نهض كعب بن شور مع عائشة في الازد اجتمع رأي طلحة
[ 174 ]
والزبير على تكتب الكتائب واستقر الامر معهما على ان الزبير أمير العسكر خاصة ومديره وطلحة في القلب واللواء مع عبد الله بن حزام ابن خويلد وكعب بن شور مع الازد وعلى خيل الميمنة مروان بن الحكم وعلى رجالة الميمنة عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد وعلى خيل الميسرة وهم بنو تميم وسائر قبائل قضاعة وهوازن هلال بن وكيع الدارمي وعلى رجالة الميسرة عبد الرحمن بن الحرث بن هشام وقد ضم إليه الحباب يزيد وعلى خيل قيس غيلان مجاشع بن مسعود وعلى رجالتهم جابر بن النعمان الباهلي وعلى خيل الرباب عمرو بن ثيري وعلى رجالتهم خرشنة ابن عمرو العتبي وعلى من انحاز إليهم من ثقيف عبد الله بن عامر بن كريز وعلى افناء اهل المدينة عبد الله بن خلف الخزاعي وعلى رجالة مذحج الربيع بن زياد الحارثي وعلى رجالة قضاعة عبد الله بن جابر الراسبي وعلى من انحاز إليهم من ربيعة مالك بن مسمع (1) ولما تقرر امر الكتائب في الفريقين فخرج كل فريق بقومه وقام خطباؤهم بالتحريض على القتال. خطبة ابن الزبير: فقام عبد الله بن الزبير في معسكرهم فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس ان هذا الرعث والوعث قتل عثمان بالمدينة ثم جاءكم ينشر اموركم بالبصرة وقد غضب الناس انفسهم ألا تنصرون خليفتكم
(1) هو مالك بن مسمع بن سيار بن حجدر من آل بكر بن وائل وفد أبوه مسمع على النبي صلى الله عليه وآله وأسلم ثم ارتد وقتل بالبحرين قصاصا عن كلب قتله لقوم من عبد القيس كما في الحيوان للجاحظ (ج 1 – ص 130) وفي معارف ابن قتيبة ص 184 إذا غضب مالك غضب معه مائة الف سيف وفي الطبري (ج 7 – ص 168) كان – (*)
[ 175 ]
المظلوم ألا تمنعون حريمكم المباح ألا تتقون الله في عطيتكم من انفسكم أترضون ان يتوردكم اهل الكوفة في بلادكم اغضبوا فقد غوضبتم وقاتلوا فقد قوتلتم ان عليا لا يرى ان معه في هذا الامر احد سواه والله لئن ظفر بكم ليهلكن دينكم ودنياكم. وأكثز من نحو هذا القول وشبهه. خطبة الحسن: فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام وقال لولده الحسن (ع) قم يا بنى فاخطب فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس قد بلغتنا مقالة ابن الزبير وقد كان والله يتجنى على عثمان الذنوب وقد ضيق عليه البلاد حتى قتل وان طلحة راكز رايته على بيت ماله وهو حي واما قوله ان عليا ابتز الناس امرهم فان اعظم حجة لابيه زعم انه بايعه بيده ولم يبايعه بقلبه فقد أقر بالبيعة وادعى الوليجة فليأتي على ما ادعاه ببرهان وأنى له ذلك وأما تعجبه من تورد أهل الكوفة على اهل البصرة فما عجبه من اهل حق توردوا على اهل باطل ولعمري والله ليعلمن اهل البصرة وميعاد ما بيننا وبينهم اليوم نحاكمهم إلى الله تعالى فيقضي الله الحق وهو خير الفاصلين. فلما فرغ الحسن (ع) من كلامه قام رجل يقال له عمر بن محمود
– عثماني العقيدة خرج إلى معاوية بعد قتل عثمان وفي ابن الاثير (ج 4 ص 112) كان معه يوم صفين وفي الاغاني (ج 9 – ص 35) لما لجأ إليه مروان بعد وقعة الجمل وطلبه أمير المؤمنين (ع) لم يدفعه إليه إلا بعد أن أخذ منه رهينة دفعها إلى أبي حفصة عتيق مروان وقال له ان حدث بصاحبك حدث فعليك بالرهينة. (*)
[ 176 ]
وانشد شعرا يمدح الحسن (1). خطبة طلحة: قال فلما بلغ طلحة والزبير خطبة الحسن (ع) ومدح المادح له قام طلحة خطيبا في أصحابه وقال: يا أهل البصرة قد ساق الله اليكم خير ما ساقه إلى قوم قط: امكم وحرمة نبيكم وحواري رسول الله وابن عمته ومن وقاه بيده، ان عليا غصب الناس انفسهم بالحجاز وتهيأ للشام يريد سفك دماء المسلمين والتغلب على بلادهم فلما بلغه مسيرنا اليكم وقصدنا قصدكم وقد اجتمع معه منافقوا مضر وأنصار ربيعة ورجالة اليمن فإذا رأيتم القوم فاقصدوا قصدهم ولا ترعووا عنهم وتقولوا ابن عم رسول الله وهذه معكم زوجة الرسول وأحب الناس إليه وابنة الصديق الذي كان أحب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله. فقام إلى طلحة رجل يقال له خيران بن عبد الله من أهل الحجاز كان قدم البصرة وهو غلام فقال: يا طلحة والله ما تركت جنبا صحيحا عليه بشتمك ربيعة ومضر واليمن وان كان القول كما تقول فانا لمثلهم وهم منا ونحن منهم وما يفرق بيننا وبينهم غيرك وغير صاحبك ولقد سبقت الينا من على (ع) بيعة ما ينبغي لنا ان ننقضها وانا لنعلم حالكم اليوم وحالكم أمس. فهم القوم به فمنعهم بنو أسد فخرج منهم ولحق بمنزل ابن صهبان مستخفيا إشفاقا على دمه منهم. وقام الاسود بن عوف لما سمع طلحة يشتم الاحياء من ربيعة ومضر واليمن فقال يا هذا ان الله لا يفرق بيننا وبين مضر وان اهل الكوفة من
(1) ذكر الشعر ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج 1 ص 49) (*)
[ 177 ]
كمن شهد الاخ إلى الاخ وانما خلفنا القوم في هو ان فاعفنا مما ترى. ثم خرج فلحق بعمان ولم يشهد الجمل ولا صفين. خطبة أمير المؤمنين: وبلغ أمير المؤمنين عليه السلام لغط القوم واجتماعهم على حربه. فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال: أيها الناس ان طلحة والزبير قدما البصرة وقد اجتمع أهلها على طاعة الله وبيعتي فدعواهم إلى معصية الله تعالى وخلافي فمن أطاعهما منهم فتنوه ومن عصاهما قتلوه وقد كان من قتلهما حكيم بن جبلة ما بلغكم وقتلهم السبابجة وفعلهما بعثمان بن حنيف ما لم يخف عليكم وقد كشفوا الآن القناع واذنوا بالحرب وقام طلحة بالشتم والقدح في أديانكم وقد أرعد وصاحبه وأبرقا وهذان أمرءان معهما الفشل ولسنا نريد منكم ان تلقوهم ليظنوا ما في نفوسكم عليهم ولا ترون ما في انفسكم لنا ولسنا نرعد حتى نوقع ولا نسيل حتى نمطر وقد خرجوا من هدى إلى ضلال ودعوناكم إلى الرضا ودعونا إلى السخط فحل لنا ولكم ردهم إلى الحق والقتال وحل لهم بقصاصهم القتل وقد والله مشوا اليكم ضرارا وأذاقوكم أمس من الجمر فإذا لقيتم القوم غذا فاعذروني الدعاء وأحسنوا في التقية واستعينوا بالله واصبروا ان الله مع الصابرين. فقام إليه حكيم بن مناف حتى وقف بين يديه وقال: أبا حسن أيقضت من كان نائما * وما كل من يدعى إلى الحق يسمع وما كل من يعطى الرضا يقبل الرضا * وما كان من أعطيته الحق يقنع وأنت امرء أعطيت من كل وجهة * محاسنها والله يعطي ويمنع وما منك بالامر المؤلم غلطة * وما فيك للمرء المخالف مطمع وان رجالا بايعوك وخالفوا * هداك واجروا في الضلال فضيعوا
[ 178 ]
لاهل لتجريد الصوارم فيهم * وسمر العوالي والقنا تتزعزع فاني لارجو ان تدور عليهم * رحى الموت حتى يسكنوا ويصرعوا وطلحة فيها والزبير قرينه * وليس لما لا يدفع الله مدفع فان يمضيا فالحرب أضيق حلقة * وان يرجعا عن تلك فالسلم اوسع وما بايعوه كارهين لبيعة * وما بسطت منهم إلى الكره اصبع ولا بطيا عنها فراقا ولا بدا * لهم احد بعد الذين تجمعوا على نقضها ممن له شد عقدها * فقصراهما منه أصابع أربع خروج بام المؤمنين وغدرهم * وعيب على من كان في القلب اشجع وذكرهم قتل ابن عفان خدعة * وهم قتلوه والمخادع يخدع فعود علي نبعة هاشمية * وعودهما فيما هما فيه (خروع) الحرب: ثم ان أمير المؤمنين عليه السلام أنظرهم وأنذرهم ثلاثة أيام ليكفوا ويرعوا فلما علم اصرارهم على الخلاف قام في أصحابه وقال: عباد الله انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم فانهم نكثوا بيعتى وقتلوا شيعتي ونكلوا بعاملي وأخرجوه من البصرة بعد ان ألموه بالضرب المبرح والعقوبة الشديدة وهو شيخ من وجوه الانصار والفضلاء ولم يرعوا له حرمة وقتلوا السبابجة رجالا صالحين وقتلوا حكيم بن جبلة ظلما وعدوانا لغضبه لله تعالى ثم تتبعوا شيعتي بعد ان ضربوهم وأخذوهم في كل عايبة وتحت كل رابية يضربون أعناقهم صبرا ما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون فانهدوا إليهم عباد الله وكونوا اسودا عليهم فانهم شرار ومساعدوهم على الباطل شرار فالقوهم صابرين محتسبين موطنين انفسكم انكم منازلون ومقاتلون قد وطنتم انفسكم على الضرب والطعن ومنازلة الاقران فأي امرئ احس من نفسه
[ 179 ]
رباطة جأش عند الفزع وشجاعة عند اللقاء ورأى من أخيه فشلا أو وهنا فليذب عنه أي عن اخيه الذى فضله الله عليه كما يذب عن نفسه فلو شاء الله لجعله مثله. فقام إليه شداد بن شمر العبدي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فانه لما كثر الخطأون وتمرد الجاحدون فزعنا إلى آل نبينا الذين بهم ابتدانا بالكرامة وهدانا من الضلالة الزموهم رحمكم الله ودعوا من اخذ يمينا وشمالا فان اولئك في غمرتهم يعمهون وفي ضلالهم يترددون. قال ثم ان أمير المؤمنين عليه السلام رحل بالناس إلى القوم غداة الخميس لعشر مضين من جمادي الاولى وعلى ميمنته الاشتر وعلى ميسرته عمار بن ياسر وأعطى الراية محمد بن الحنفية ابنه (1) وسار حتى وقف موقفا ثم نادى في الناس لا تعجلوا حتى اعذر إلى القوم ودعا عبد الله ابن العباس فأعطاه المصحف وقال امض بهذا المصحف إلى طلحة والزبير وعائشة وادعهم إلى ما فيه وقل لطلحة والزبير ألم تبايعاني مختارين فما الذي دعاكما إلى نكث بيعتى وهذا كتاب الله بيني وبينكما
(1) كان لمحمد يوم البصرة عشرون سنة لان ولادته سنة (16) للهجرة نعرف ذلك من قول المسعودي في التنبيه والاشراف ص 283 وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص 169 وابن كثير في البداية (ج 9 – ص 38) انه توفى سنة احدى وثمانين عن خمس وستين سنة. ولا بدع في ابن (حيدرة) إذا كانت له مواقف محمودة في الجمل وصفين والنهروان وكانت الراية معه فأبلى بلاء حسنا سجله له التاريخ وشكره الاسلام بعد ما يحدث النبي صلى الله عليه وآله عن اغرز الصفات الحميدة في الطالبين وهي الشجاعة فيقول صلى الله عليه وآله: (لو ولد الناس ابو طالب – (*)
[ 180 ]
قال عبد الله بن العباس فبدأت بالزبير وكان عندي أبقاهما علينا وكلمته في الرجوع وقلت له ان أمير المؤمنين (ع) يقول لك ألم تبايعني طائعا فبم تستحل قتالي ؟ وهذا المصحف وما فيه بيني وبينك فان شئت تحاكمنا إليه قال ارجع إلى صاحبك فانا بايعنا كارهين ومالي حاجة في محاكمته فانصرفت عنه إلى طلحة والناس يشتدون والمصحف في يدي فوجدته قد لبس الدرع وهو محتبي بحمائل سيفه ودابته واقفة فقلت له ان أمير المؤمنين يقول لك ما حملك على الخروج وبما استحللت نقض بيعتي والعهد عليك قال خرجت اطلب بدم عثمان أيظن ابن عمك انه قد حوى على الكوفة وقد والله كتبت إلى المدينة يؤخذ لي بمكة فقلت له اتق الله يا طلحة فانه ليس لك ان تطلب بدم عثمان وولده أولى بدمه منك هذا ابان بن عثمان ما ينهض في طلب دم ابيه قال طلحة نحن اقوى على ذلك منه قتله ابن عمك وابتز امرنا فقلت له اذكرك الله في المسلمين وفي دمائهم وهذا المصحف بيننا وبينكم والله ما انصفتم رسول الله إذ حبستم نساءكم في بيوتكم وأخرجتم حبيسة رسول الله فأعرض عني ونادى بأصحابه ناجزوا القوم فانكم لا تقومون لحجاج ابن ابي طالب فقلت
– كلهم لكانوا شجعانا) كما نص عليه الوطواط في غرر الخصائص ص 17 في باب حفظ الجوار وخطبته التي ارتجلها يوم صفين في مدح ابيه (ع) وهو واقف بين الصفين تشهد له بالفصاحة والبلاغة على أتم معانيها فهو جليل القدر عظيم المنزلة وعدم حضوره في مشهد الطف اما لان الحسين أذن له بالبقاء ليكون عينا له كما في مقتل محمد بن ابي طالب الحائري أو للمرض كما يراه العلامة الحلي واعترافه بامامة السجاد يدل على حسن رأيه ومعذوريته في التأخر على كل حال وان لم نعرف السبب على التفصيل ولعل الحسين (ع) لاحظ مهمة دقيقة وهي كف الاذى عن آل ابي طالب وحرمهم من الامويين بوجود ابن الحنفية.
[ 181 ]
يا أبا محمد أبا لسيف تخوف ابن ابي طالب اما والله ليعاجلنك السيف فقال ذلك بيننا وبينكم. قال فانصرفت عنهما إلى عائشة وهي في هودج وقد دفف بالدروع على جملها (عسكر) وكعب بن شور القاضي اخذ بخطامه وحولها الازد وضبة فلما رأتني قالت ما الذي جاء بك يا ابن عباس ؟ والله لا سمعت منك شيئا ارجع إلى صاحبك وقل له ما بيننا وبينك إلا السيف وصاح من حولها ارجع يا ابن عباس لئلا يسفك دمك. فرجعت إلى أمير المؤمنين (ع) فأخبرته الخبر وقلت ما تنتظر والله لا يعطيك القوم إلا السيف فاحمل عليهم قبل ان يحملوا عليك. فقال (ع) نستظهر بالله عليهم قال ابن عباس فوالله ما رمت من مكاني حتى طلع علي نشابهم كأنه جراد منتشر فقلت ما ترى يا امير المؤمنين إلى ما يصنع القوم مرنا ندفعهم فقال حتى اعذر إليهم ثانية ثم قال من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وانا ضامن له على الله الجنة فلم يقم احد إلا غلام عليه قباء ابيض حدث السن من عبد القيس يقال له مسلم كاني اراه فقال انا اعرضه يا امير المؤمنين عليهم وقد احتسبت نفسي عند الله فأعرض عنه إشفاقا ونادى ثانية: من يأخذ هذا المصحف ويعرضه على القوم وليعلم انه مقتول وله الجنة فقال مسلم بعينه وقال انا اعرضه ونادى ثالثة ولم يقم غير الفتى فدفع المصحف إليه وقال إمض إليهم واعرضه عليهم وادعهم إلى ما فيه فأقبل الغلام حتى وقف بازاء الصفوف ونشر المصحف وقال هذا كتاب الله وامير المؤمنين يدعوكم إلى ما فيه. فقالت عائشة اشجروه بالرماح فقبحه الله فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من كل جانب وكانت امه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرته من موضعه ولحقها جماعة من عسكر امير المؤمنين (ع)
[ 182 ]
اعانوها على حمله حتى طرحته بين يدى امير المؤمنين وهى تبكي وتقول (1) يا رب ان (مسلما) دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم فخضبوا من دمه قناهم * وامهم قائمة تراهم تأمرهم بالقتل لا تناهم فلما رأى امير المؤمنين ما قدم عليه القوم من العناد واستحلوه من سفك الدم لحرام رفع يديه إلى السماء وقال اللهم اليك شخصت الابصار وبسطت الايدي وافضت القلوب وتقربت اليك بالاعمال ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين ثم دعا ابنه محمد بن الحنفية فأعطاه الراية وهي راية رسول الله (ص) وقال يا بني هذه راية لا ترد قط ولا ترد أبدا قال محمد فأخذتها والريح تهب عليها فلما تمكنت من حملها صارت الريح على طلحة والزبير واصحاب الجمل فأردت ان امشي بها فقال امير المؤمنين قف يا بني حتى آمرك. ثم نادى ايها الناس لا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تهيجوا امرأة ولا تمثلوا بقتيل فبينا هو يوصي قومه إذ اظلنا نبل القوم فقتل رجل من اصحاب امير المؤمنين فلما رآه قتيلا قال اللهم اشهد ثم رمي ابن عبد الله بن بديل فقتل فحمله ابوه عبد الله ومعه عبد الله بن العباس حتى وضعناه بين يدي امير المؤمنين فقال عبد الله بن بديل حتى متى يا امير المؤمنين ندلي نحورنا للقوم يقتلوننا رجلا رجلا قد والله اعذرت ان كنت تريد الاعتذار ثم قال محمد بن الحنفية فقال امير المؤمنين رايتك يا بني قدمها وبعث في الميمنة والميسرة ودعا بدرع رسول الله فلبسه وحزم بطنه بعصابة اسفل من سرته ودعا ببغلته الشهباء وهي بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله فاستوى على ظهرها
تاريخ الطبري (ج 5 – ص 205) وفي روايته للرابع والخامس خلاف ما هنا. (*)
[ 183 ]
ووقف امام صفوف اصحابه فوقفت بين يديه باللواء وهو للحرب مستعد فجاء قيس بن عبادة وانشأ يقول: هذا اللواء الذي كنا نحف به * مع النبي وجبريل لنا مددا ما ضر من كانت الانصار عيبته * ان لا يكون له من غيرها أحدا قوم إذا حاربوا طالت اكفهم * بالمشرفية حتى يفتحوا البلدا وصف أصحاب عائشة صفوفهم وجاؤا بالجمل وعليه الهودج وفيه عائشة وخطامه في يد كعب بن شور وقد تقلد بالمصحف والازد وبنو ضبة قد احاطوا بالجمل و عبد الله بن الزبير بين يدي عائشة ومروان بن الحكم عن يمينها والزبير يدير العسكر وطلحة على الفرسان ومحمد بن طلحة على الرجالة فقال محمد بن الحنفية قال لي ابي حين رأى القوم قد زحفوا نحونا قدم اللواء فقدمته وزحف المهاجرون والانصار فلما رأى القوم قد زحفت باللواء بارزا عن اصحابي رشقوني رشقة رجل واحد فوقفت مكاني وايقنت منهم وقلت ينقضي رشقهم في مرة أو مرتين ثم اتقدم فلم اشعر إلا وأمير المؤمنين (ع) قد ضرب بين كتفي بيده ثم اخذ اللواء مني بيده ونادى (يا منصور أمت) فوالله ما سمعت القوم حتى رأيتهم قد زلزلت أقدامهم وارتعدت فرائصهم والتقى بعضهم ببعض وتزايلوا لترى عائشة موضع كل فريق منهم وتقدم عمار ومالك الاشتر مصلتين سيفهما نحو القوم ونادى أمير المؤمنين يا محمد بن ابي بكر ان صرعت عائشة فوارها وتول امرها فتضعضع القوم حين سمعوا ذلك واضطربوا وامير المؤمنين واقف في موضعه ثم تراجعوا بعد تضعضعهم ورجعت إليهم نفوسهم ونادوا البراز فتقدم رجل من بني عدي امام الجمل وبيده السيف وهو يقول: اضربكم ولا ارى عليا * عممته ابيض مشرفيا * اريح منه قومنا عديا فشد عليه رجل من اصحاب امير المؤمنين (ع) يقال له امية
[ 184 ]
العبدي وهو يقول: هذا علي والهدى سبيله * والرشد فيه والتقى دليله من يتبع الحق يكن خليله ثم اختلفت بينهما ضربتان فأخطاه العدوي وضربه العبدي فقتله فقام مقامه رجل يقال له ابو الحرباء عاصم بن مرة من اصحاب الجمل وهو يقول: انا ابو الحرباء واسمي عاصم * وامنا ام لها محارم فشد عليه رجل من اصحاب امير المؤمنين وهو يقول: اليك اني تابع عليا * وتارك امكم مليا إذ عصت الكتاب والنبيا * وارتكبت من امرها فريا وضربه فقتله فقام مقامه رجل من اصحاب الجمل يقال له الهيثم بن كليب الازدي وهو يقول: نحن نوالي امنا الرضية * وننصر الصحابة المرضية فشد عليه رجل من اصحاب امير المؤمنين وهو يقول: دليلكم عجل بني امية * وامكم خاسرة شقية * هاوية في فتنة عمية وضربه ففلق هامته وخر صريعا إلى الارض وبرز من بعده عمرو ابن يثربي (1) وكان من شياطين اصحاب الجمل فنادى هل من مبارز فبرز إليه علباء بن الهيثم فاختلفت بينهما ضربتان فقتل علباء رحمه الله فقام مقامه هند بن المرادي فبادره بالسيف فاتقاه وضربه عبد الله بن الزبير وشغله بنفسه وثناه هند بن يثري فقتلاه جميعا فبرز مقامه زيد بن صوحان العبدي فتضاربا وجاء فارس من اصحاب الجمل ووقف بجنب
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 317) هو اخو عميرة القاضى وفي ابن الاثير (ج 3 – ص 98) ان عميرة لم يقتل وبقى حتى تولى قضاء البصرة لمعاوية. (*)
[ 185 ]
عمرو يحميه فطعنه زيد في خاصرته طعنة أثخنه بها وبدر إليه عمرو فضربه فقضى منها وبدأ عمرو يفتخر ويقول: انا لمن ينكرني ابن يثربي * قاتل علباء وهند الجملي وابن لصوحان على دين علي فبرز إليه مالك الاشتر فضربه على وجهه ضربة وقع بها على الارض وحماه اصحابه فنهض وقد تراجعت نفسه وهو يقول لابد من الموت فدلوني على علي بن أبي طالب فلئن بصرت به لاملان سيفي من هامته فبرز إليه عمار بن ياسر (1) وهو يقول: لا تبرح العرصة يابن يثربي * حتى اقاتلك على دين علي نحن وبيت الله أولى بالنبي وضربه ضربة هلك منها وخر صريعا فأكب قومه عليه فاحتملوه إلى معسكرهم. ولما راى أمير المؤمنين عليه السلام جرأة القوم على القتال وصبرهم على الهلاك نادى اصحاب ميمنته ان يميلوا على ميسرة القوم ونادى اصحاب ميسرته ان يميلوا على ميمنتهم ووقف عليه السلام في القلب فما كان بأسرع من ان تضعضع القوم واخذت السيوف من هاماتهم مأخذها فانكشفوا وقد قتل منهم ما لا يحصى كثرة واصيب من اصحاب أمير المؤمنين نفر كثير واحاطت الازد بالجمل يقدمهم كعب بن شور
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 217) كان عمار بن ياسر ضعيفا قصيفا حمش الساقين فاسترجع الناس حين رأوه بارزا فضربه ابن يثربي فنشب في جحفته ثم ضربه عمار فصرعه ورموه أصحاب علي بالحجارة حتى أثخنوه وفيه ص 210 وابن الاثير (ج 3 – ص 98) كان لعمار يومئذ تسعون سنة فضرب ابن يثربي على رجليه فقطعهما وجيئ به إلى علي (ع) أسيرا فأمر به فقتل. (*)
[ 186 ]
وخطام الجمل بيده واجتمع إليهم من كان انفتل بالهزيمة ونادت عائشة يا بني الكرة الكرة اصبروا فاني ضامنة لكم الجنة فحفوا بها من كل جانب واستقدموا حتى دنوا من عسكر أمير المؤمنين ولفت عائشة نفسها ببردة كانت معها وقلبت يمينها على منكبها الايسر والايسر إلى الايمن كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل عند الاستسقاء ثم قالت ناولوني كفا من تراب فناولوها فحثت به وجوه اصحاب أمير المؤمنين وقالت شاهت الوجوه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله بأهل بدر قال وجر كعب بن شور بالخطام وقال اللهم ان اردت ان تحقن الدماء وتطفى هذه الفتنة فاقتل عليا ولما فعلت عائشة من السب المبرح وحصب اصحاب امير المؤمنين قال عليه السلام وما رميت إذ رميت ولكن الشيطان رمى وليعودن وبالك عليك انشاء الله وأنشدت ام ذريح العبدية من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام عائش ان جئت لتهزمينا * وتنشري البر لتغلبينا وتقذفى بالحصبات فينا * تصادفي ضربا وتنكرينا بالمشرفيات إذا غزينا * نسفك من دمائكم ماشينا فقال محمد بن الحنفية رحمه الله قال لي أمير المؤمنين (ع) يا بني تقدم باللواء وصف اصحابه فجعل الحسن في الميمنة والحسين في الميسرة وكان في ميمنة اهل الجمل هلال بن وكيع وفي ميسرتهم صبرة بن عثمان وتزاحف الفريقان بعضهم إلى بعض قال فوالله لقد رأيت أول قتيل من القوم كعب بن شور بعد ان قطعت يمينه التي كان فيها الخطام فأخذه بشماله وقتل بعد ذلك وقتل معه اخوه وابناه ثم اخذ بخطام الجمل بعده رجل وهو يقول شعرا: يا امنا عائش لا تراعي * كل بنيك بطل شجاع فما برح حتى قطعت يداه وطعن فهلك فقام مقامه آخر منهم فقطعت يمينه وضرب على رأسه فهلك فما زال كل من اخذ بخطام الجمل رجل
[ 187 ]
قطعت يده وجذ ساقه حتى هلك منهم ثمانمائة رجل وقيل ذلك اليوم قتل سبعون رجل من قريش وكان آخر من اخذ بزمام الجمل رجل من بني ضبة فجعل يقول (1): نحن بني ضبة اصحاب الجمل * ننعي ابن عفان بأطراف الاسل ردوا الينا شيخنا ثم نحل فبرز إليه الاشتر وهو يقول: كيف نرد نعثلا وقد نحل وضربه على هامته ففلقها فخر صريعا فلاذ بالجمل عبد الله بن الزبير وتناول خطامه بيده فقالت عائشة من هذا الذي اخذ بخطام جملي ؟ قال انا عبد الله ابن اختك فقالت واثكل اسماء ثم برز الاشتر إليه فخلى الخطام من يده واقبل نحوه فقام مقامه في الخطام عبد اسود واصطرع عبد الله والاشتر فسقطا إلى الارض فجعل ابن الزبير يقول وقد اخذ الاشتر بعنقه ينادى اقتلوني ومالكا واقتلوا مالكا معي. قال الاشتر فما سرني إلا قوله مالكا ولو قال الاشتر لقتلوني فوالله لقد تعجبت من حمق عبد الله إذ ينادي بقتله وقتلي وما كان ينفعه المشوم ان قتلت وقتل هو معي ولم تلد امرأة من النخع غيري فأفرجت عنه فانهزم وبه ضربة مثخنة في جانب وجهه. فلما تفرق الناس عن الجمل اشفق امير المؤمنين عليه السلام ان يعود إليه فتعود الحرب فقال عرقبوا الجمل فتبادر إليه اصحاب علي (ع) فعرقبوه ووقع لجنبه وصاحت عائشة صيحة أسمعت من في العسكرين وقد جاءت الروايات من مبارزة القوم وارتجازهم بما يطول شرحه وانما اقتصرنا على بعضه للايجاز والاختصار فيما كان من امر الجمل وقطع
(1) في ابن الاثير (ج 3 – ص 98) والطبري (ج 5 ص 210) الابيات لوسيم بن عمرو بن ضرار الضبي. (*)
[ 188 ]
ايدي الآخذين بخطامه وجذ اقدامهم. ما رواه مسلم بن عمارة وقال بشر العامري اقبلت من نحو المدينة اريد الكوفة في زمن عثمان فلقيت علجا قد جعل على وجه حماره ورقة فيها قرآن فأعظمت ذلك واخذت العلج وشتمته فقال لي ما تريد مني ؟ قلت ما هذا الذي صنعت ؟ ويلك تحمل على وجه حمارك ورقة من القرآن فقال ويحك ان هذا ومثله مطروح على الكناسات والحشوش عندنا كتب صاحبك تمزق وتلقى في الحشوش قال فلقيت حذيفة فأخبرته قال قد فعلوا ذلك كأنى بهم وقد ساروا بها والذي بعث محمدا بالحق نبيا والازد وضبة قد حضروهما جذ الله اقدامهم قال فأتيت الوقعة في البصرة فنظرت إلى تميم وضبة حول الجمل ونظرت إلى الازد وقد قطعت اقدامهم من العراقيب واسفل قال ولما قتل كعب بن شور تقدم غلام من الحذان يقال له وائل بن عمر وهو يبكي ويقول: يا رب فارحم سيد القبائل * كعب بن شور غرة القبائل وخير حاف منهم وناعل * وخير مقتول وخير قاتل ابشر بخير يا كعيب كامل * بنصرك الحق وترك الباطل فخرج إليه رجل يقال له عبد الرحمن بن هاشم وهو يقول: لا رحم الله بن شور إذ مضى * ولا تولاه بعفو ورضى فقد قضى بالجور فيما قد قضى * ودان بالكفر ولم يعص الهوى واتبع الضلال من اهل العمى * فصار بالفتنة مع من قد هوى ثم ضرب وائل بن عمر فقتله وبرز رجل من بنى قشير يقال له حنتمة ابن الاسود وهو يقول: نحن صحاب الجمل المكرم * ومانعوا هودجه المعظم وناصروا زوج النبي الاكرم * ذلك دين الله فينا الاقدم فخرج إليه رجل من شيعة امير المؤمنين يقال له عبيد الله بن سالم
[ 189 ]
وهو يقول: نحن مطيعون جميعا لعلي إذ أنت ساع في الفساد يا شقي ان الغوي تابع امر الغوي * قد خالفت زوج النبي للنبي وخرجت من بيتها مع من هوي ثم ضرب يده بالسيف فقطعها ووقع لجنبه فرام اصحابه تخليصه وازدحموا عليه فوطؤه. وروى الواقدي قال حدثني عبد الله بن الفضيل عن ابيه عن محمد ابن الحنفية قال لما نزلنا البصرة وعسكرنا بها وصففنا صفوفنا دفع ابى علي (ع) إلي باللواء وقال لا تحدثن شيئا حتى يحدث فيكم ثم نام فنالنا نبل القوم فأفزعته ففزع وهو يمسح عينيه من النوم واصحاب الجمل يصيحون يا لثارات عثمان فبرز (ع) وليس عليه إلا قميص واحد ثم قال تقدم باللواء فتقدمت وقلت يا ابه في مثل هذا اليوم بقميص واحد قال (احرز امرء اجله) والله قاتلت مع النبي صلى الله عليه وآله وانا حاسر اكثر مما قاتلت وانا دارع ثم دنا كل من طلحة والزبير فكلمهما ورجع وهو يقول: يأبى القوم إلا القتال فقاتلوهم فقد بغوا ودعا بدرعه البتراء ولم يلبسها بعد النبي إلا يومئذ فكان بين كتفيه منها متوهيا قال وجاء امير المؤمنين وفي يده شسع نعل فقال له ابن عباس ما تريد بهذا الشسع يا امير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام اربط بها ما قد توهى من هذا الدرع من خلفي فقال له ابن عباس أفي مثل هذا اليوم تلبس مثل هذا ؟ فقال (ع) لم ؟ قال اخاف عليك قال (ع) لا تخف ان اوتى من ورائي والله يا ابن عباس ما وليت في زحف قط ثم قال له البس يا ابن عباس فلبس درعا سعديا ثم تقدم إلى الميمنة وقال احملوا ثم إلى الميسرة وقال احملوا وجعل يدفع في ظهري ويقول تقدم يا بني فجعلت اتقدم وكانت اياها حتى انهزموا من كل وجه.
[ 190 ]
وروى الواقدي عن هشام بن سعد عن شيخ من مشايخ اهل البصرة قال لما صف علي بن ابى طالب صفوفه أطال الوقوف والناس ينتظرون أمره فاشتد عليهم ذلك فصاحوا حتى متى فصفق باحدى يديه على الاخرى ثم قال عباد الله لا تعجلوا فانى كنت ارى رسول الله صلى الله عليه وآله يستحب ان يحمل إذا هبت الرياح قال فامهل حتى زالت الشمس وصلى ركعتين ثم قال ادعوا ابني محمدا فدعي له محمد بن الحنفية فجاء وهو يومئذ ابن تسع عشرة سنة فوقف بين يديه ودعى بالراية فنصبت فحمد الله واثنى عليه وقال: اما هذه الراية لم ترد قط ولا ترد أبدا وانى واضعها اليوم في أهلها ودفعها إلى ولده محمدا وقال تقدم يا بنى فلما رآه القوم قد أقبل والراية بين يديه فتضعضعوا فما هو إلا أن الناس التقوا ونظروا إلى غرة أمير المؤمنين ووجدوا مس السلاح حتى انهزموا. وروى الواقدي قال حدثنى عبد الله بن عمر عن علي بن ابى طالب قال لما سمع أبى أصواب الناس يوم الجمل وقد ارتفعت فقال لابنه محمد ما يقولون ؟ قال يقولون يا لثارات عثمان قال فشد عليهم وأصحابه يهشون في وجهه يقولون ارتفعت الشمس وهو يقول الصبر أبلغ حجة. خطبة علي عليه السلام يوم الجمل: ثم قام خطيبا يتوكأ على قوس عربية فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه وقال: اما بعد فان الموت طالب حثيث لا يفوته الهارب ولا يعجزه فاقدموا ولا تتكلوا وهذه الاصوات التي تسمعوها من عدوكم فشل واختلاف انا كنا نؤمر في الحرب بالصمت فعضوا على الناجذ واصبروا لوقع السيوف فوالذي نفسي بيده لالف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على فراشي فقاتلوهم صابرين محتسبين فان الكتاب معكم والسنة معكم ومن
[ 191 ]
كنا معه فهو القوي اصدقوهم بالضرب فأي امرء احس من نفسه شجاعة واقداما وصبرا عند اللقاء فلا يبطرنه ولا يرى ان له فضلا على من هو دونه وان رأى من أخيه فشلا وضعفا فليذب عنه كما يذب عن نفسه فان الله لو شاء لجعله مثله. ثم دعا بدرعه فلبسه حتى إذا وقع موقعه من بطنه فأمر ابنه محمد يحزمهما بعمامته ثم انتضى سيفه فهزه حتى رضى به وغمده وتقلده والناس على صفوفهم وأصحاب الجمل قد دنوا فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بتسوية الصفوف حتى إذا اعتدلت دفع الراية إلى محمد بن الحنفية وقال تقدم بالراية واعلم ان الراية امام أصحابك فكن متقدما يلحقك من خلفك فان كان لمن يتقدم من اصحابك جولة رجع اليك. وجعل عليه السلام الناس أثلاثا مضر في القلب واليمن في الميمنة وعليهم مالك الاشتر وفي الميسرة عمار بن ياسر. وصف أصحاب الجمل صفوفهم فجعلوا على حنظلة هلال بن وكيع وعلى بني عمرو وبني تميم عمير بن عبد الله بن مرقد وعلى بني سعد زيد ابن جبلة بن مردان وعلى بني ضبة والرباب عمرو بن يثربى وراية الازد مع عمرو بن الاشرف العتكي. قال محمد بن علي (ع) فالتقينا وقد عجل أصحاب الجمل وزحفوا علينا فصاح أبى امضض فمضيت بين يديه أخطوا بالراية خطوا سرعان ان يلحقوا أصحابنا فلاذ أصحاب الجمل ونشب القتال واختلفت السيوف وأبي خلفي يقول تقدم فقلت ما أجد متقدما إلا على الاسنة فغضب (ع) وقال أقول لك تقدم تقول على الاسنة ثق بالله يا بني وتقدم بين يدى على الاسنة. وتناول الراية مني وتقدم يهرول بها فأخذتني حدة فلحقته وقلت اعطني الراية فقال لي خذها وقد عرفت ما وصف لي.
[ 192 ]
ثم تقدم بين يدى وجرد سيفه وجعل يضرب به ورأيته قد ضرب رجلا فأبان زنده وقال الزم رايتك يا بني فان هذا ستكفاه فرمقت لضرب أبي ولحظته وإذا هو يورد السيف ويصدره ولا أرى فيه دما وإذا هو يسرع اصداره فيسبق الدم وأحدقنا بالجمل وصار القتل حوله واضطربنا أشد اضطراب رآه راء حتى ظننت انه القتل وصاح أبي يا ابن أبى بكر اقطع البطان فقطعه وتلقوا الهودج فكأن والله الحرب جمرة عليها صب الماء. وروى الواقدي قال ابن جريح كان محمد بن الحنفية يحمل راية أمير المؤمنين أبيه يوم الجمل ورأى منه بعض النكوص فأخذ الراية منه قال محمد فأدركته وعالجته على ان يردها فأبى علي طويلا ثم ردها وقال خذها احسن حملها وتوسط اصحابك ولا تخفض عاليها واجعلها مستشرفة يراها اصحابك ففعلت ما قال لي فقال عمار يا أبا القاسم ما احسن ما حملت الراية اليوم فقال له امير المؤمنين عليه السلام بعد ماذا ؟ فقال عمار ما العلم إلا بالتعلم. وروى ابراهيم بن نافع عن سعيد بن أبى هند قال اخبرنا اصحابنا ممن حضر القتال يوم البصرة ان عليا قاتل يومئذ اشد القتال وسمعوه وهو يقول تبارك الله الذى اذن لهذه السيوف تصنع ما تصنع ونظر يومئذ إلى سفيان بن حويطب بن عبد العزي وهو يسترجع من الخوف وما التحم من الشر فقال له امير المؤمنين (ع) انحز إلى أصحابي ولا تقتل فانحاز إليهم إلى أن حمل أصحاب الجمل على امير المؤمنين (ع) حملة فإذا هو قد صار في حيزهم فحمل عليه رجل من همدان وعلي يصيح كف عنه والهمداني لا يفهم حتى قطعه إربا إربا فقال عليه السلام يا ويحه ان لفته السيوف وقد كان مقتله بيغضا. وروى أبو الزياد عن هشام بن عروة عن أبيه عبد الله بن الزبير
[ 193 ]
قال لم يأخذ بزمام جمل عائشة يوم الجمل إلا قتل وكان كلما جاء انسان يأخذ بخطام جملها قالت من أنت ؟ حتى اتيتها وكنت آخر من اخذه حين لم أجد أحدا يأخذه فقالت من أنت ؟ فقلت ابن اختك فقالت واثكل اسماء فأقبل الاشتر إلى فتصارعنا فجعلت اقول اقتلوني ومالكا معي وجعل يقول اقتلوني و عبد الله ولو قال ابن الزبير لقتلت ولو قلت الاشتر لقتلنا جميعا فاثقلني الجراح حتى سقطت وانا مجروح مطروح في القتلى. فأتاني الاسود بن ابي البختري فوجدني صريعا فأخذني بالعرض على فرسه وسار بي فجعل إذا أبصر انسانا من أصحاب علي القاني وإذا لم ير احدا حملني حتى مر به رجل يعرفني فحمل عليه فأخطاه واصاب رجل فرسه ثم حملني فانطلق بي حتى انزلني على رجل من بني ضبة له امرأتان تميمية وبكرية من شيعة عثمان فغسلت جراحتي وحشتها كافورا فوالله ما فاح منها شئ. وجعلت عائشة تسأل عني فلا تخبر عنى بشئ حتى إذا برأت جراحتى قلت لصاحب منزلي انطلق إلى عائشة وأخبرها بي واياك ان يراك محمد ابن أبي بكر وقلت له انه قصير ووصفته له فانطلق فأخبرها وقال لها انه قد امرني ان لا يراني محمد بن أبي بكر قالت كلا فانطلق إلى محمد بن ابى بكر وادعه إلى وذلك بعد هزيمتنا ووضع الحرب اوزارها فانطلقت إليه فدعوته وجاءها فقالت له يا أخي ما تراك فاعلا في أمر آمرك به ؟ قال ما هو ؟ قالت انطلق إلى عبد الله بن الزبير فجيئ به فجاء محمد إلى موضعي فدخل على عبد الله فلما رآه خافه وقال مالك فعل الله بك وفعل قال له محمد لا تعجل ثم اخبره الخبر. قال ابن الزبير فخرجت معه فتأخر لي عن الفرس فركبت بين يديه وجعل يكف ثيابه لا يصيبني وانا اوخر ثيابي عنه لا تصيبه ولم يزل
[ 194 ]
يسير بى حتى اتينا عائشة فسمعت سب عثمان علانية فبكيت وقلت لا اقيم ببلد يسب فيه عثمان علانية فامتنعت منهم واخذت راحلة منهم فإذا رجل يحيد مني وانا احيد منه فإذا هو عبد الرحمن بن الحرث وأبصرت رجلا مغلولا لفرسه فقلت هذا والله فرس الزبير فأردت قتله فقال عبد الرحمن لا تعجل عليه فانه لن يفلتنا فإذا هو غلام الزبير قد اقبل فقلت له أين الزبير ؟ فقال لا أدري فعلمت ان الزبير قد قتل. وروى محمد بن عبد الله بن عبيد الله عن عمر بن دينار عن صفوان قال لما تصاف الناس يوم الجمل صاح صايح من اصحاب امير المؤمنين علي بن ابى طالب يا معاشر شباب قريش اراكم قد لححتم وغلبتم على امركم هذا وانى انشدكم الله ان تحقنوا دماءكم ولا تقتلوا انفسكم اتقوا الاشتر النخعي وجندب بن زهير العامري فان الاشتر يشمر درعه حتى تتبعوا اثره وان جندبا يخرم درعه حتى يشمر عنه وفى رايته علامة حمراء فلما التقى الناس اقبل الاشتر وجندب قبال الجمل يرفلان في السلاح حتى قتلا عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد ومعبد بن زهير بن خلف بن امية وعمد جندب لابن الزبير فلما عرفه قال أتركك لعائشة. وروى محمد بن عبد الله بن عبيد بن وهب قال قطعت يوم الجمل يد عبد الرحمن وفيها الخاتم فأخذه بشر فطرحه باليمامة فأخذه اهل اليمامة واقتلعوا حجره وكان ياقوتا فابتاعه رجل منهم بخمسمائة دينار فقدم به مكة فباعه بربح عظيم. وروى محمد بن موسى عن محمد بن ابراهيم عن ابيه قال سمعت معاذ ابن عبد الله التميمي وكان قد حضر الجمل يقول لما التقينا واصطففنا نادى منادي علي بن ابي طالب يا معاشر قريش اتقوا الله على انفسكم فانى اعلم انكم قد خرجتم وظننتم ان الامر لا يبلغ إلى هذا فالله الله في انفسكم فان السيف ليس له بقيا فان احببتم فانصرفوا حتى نحاكم هؤلاء
[ 195 ]
القوم وان احببتم فالي انكم آمنون بأمان الله قال فاستحيينا اشد الحياء وابصرنا ما نحن فيه ولكن الحفاظ حملنا على الصبر مع عائشة حتى قتل من قتل منا فوالله لقد رأيت اصحاب علي وقد وصلوا إلى الجمل وصاح منهم صايح اعقروه فعقروه ونادى علي (ع) من طرح السلاح فهو آمن ومن دخل بيته فهو آمن فوالله ما رأيت اكرم عفوا منه. وروى سليمان بن عبد الله بن عويمر الاسلمي قال قال ابن الزبير انى لواقف في يمين رجل من قريش إذ صاح صايح يا معاشر قريش احذركم الرجلين جندب العامري والاشتر النخعي قال وسمعت عمارا يقول لاصحابنا ما تريدون وما تطلبون ؟ فناديناه نطلب بدم عثمان فان خليتم بيننا وبين قتلته رجعنا عنكم فقال عمار لو سألتمونا ان ترجعوا عنا بئس الفخار فانه الام الغنم فحلا وشرها لحما ما اعطيناكموهم ثم التحم القتال وناديناهم مكنونا من قتلة عثمان ونرجع عنكم فنادانا عمار قد فعلنا هذه عائشة وطلحة والزبير قتلوه عطشا فأبدوا بهم فإذا فرغتم منهم تعالوا الينا نبذل لكم الحق فأمسك والله اصحاب الجمل كلهم. وروى عبد الله بن رياح مولى الانصاري عن عبد الله بن زياد مولى عثمان قال خرج عمار بن ياسر يوم الجمل الينا فقال يا هؤلاء على أي شئ تقاتلونا ؟ فقلنا على ان عثمان قتل مؤمنا فقال عمار نحن نقاتلكم على انه قتل كافرا قال وسمعت عمارا يقول والله لو ضربتمونا حتى نبلغ سعفات هجر لعلمنا انا على الحق وانكم على الباطل وسمعته والله يقول ما نزل في تأويل هذه الآية إلا اليوم: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه). قال ولما جال الناس تلك الجولة قتل بينهم خلق كثير وسمع اصوات السيوف في الرؤوس كأنها مخاريق قال الراوي والله مررت بعد الوقعة بالبصرة فدنوت من دير النصارى فسمعت الشبات على الحجارة فشبهتها
[ 196 ]
بالاصوات التي كانت من السيوف على الرؤوس يومئذ وفي تلك الجولة قتل طريف بن عدي بن حاتم وفقأت عين عدي. وروى محمد بن عبد الله بن عمر بن دينار قال قال امير المؤمنين لابنه محمد خذ الراية وامض وعلي (ع) خلفه فناداه يا أبا القاسم فقال لبيك يا أبة فقال يا بني لا يستفزنك ما ترى قد حملت الراية وانا اصغر منك فما استفزني عدوى وذلك انى لم ابارز احدا إلا حدثتني نفسي بقتله فحدث نفسك بعون الله تعافى بظهورك عليهم ولا يخذلك ضعف النفس من اليقين فان ذلك أشد الخذلان قال قلت يا أبة أرجو أن أكون كما تحب ان شاء الله قال فالزم رايتك فان اختلفت الصفوف قف في مكانك وبين أصحابك فان لم تبين من أصحابك فاعلم انهم سيرونك قال والله انى لفي وسط أصحابي فصاروا كلهم خلفي وما بيني وبين القوم احد يردهم عني وأنا أريد أن أتقدم في وجوه القوم فما شعرت إلا بأبى خلفي قد جرد سيفه وهو يقول لا تقدم حتى اكون امامك فتقدم بين يدي يهرول ومعه طائفة من اصحابه فضرب الذين في وجهه حتى نهضوهم ولحقتهم بالراية فوقفوا وقفة واختلط الناس وكدت السيوف ساعة فنظرت إلى ابى يفرج الناس يمينا وشمالا ويسوقهم امامه فأردت ان اجول فكرهت خلافه ووصيته لي لا تفارق الراية حتى انتهى إلى الجمل وحوله اربعة آلاف مقاتل من بني ضبة والازد وتميم وغيرهم وصاح اقطعوا البطان فأسرع محمد بن أبى بكر فقطعه واطلع الهودج فقالت عائشة من انت ؟ قال ابغض اهلك اليك قالت ابن الخثعمية ؟ قال نعم ولم تكن دون امهاتك قالت لعمري بل هي شريفة دع عنك هذا الحمد لله الذي سلمك قال قد كان ذلك ما تكرهين قالت يا أخي لو كرهته ما قلت ما قلت قال كنت تحبين الظفر وانى قتلت قالت قد كنت احب ذلك لكنه ما صرنا إلى ما صرنا أحببت سلامتك لقرابتي منك فاكفف ولا تعقب
[ 197 ]
الامور وخذ الظاهر ولا تكن لومة ولا عذلة فان أباك لم يكن لومة ولا عذلة قال وجاء علي (ع) فقرع الهودج برمحه وقال يا شقيراء بهذا وصاك رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قالت يا ابن ابى طالب قد ملكت فاسجح. وجاءها عمار فقال لها يا اماه كيف رأيت ضرب بنيك اليوم دون دينهم بالسيف ؟ فصمتت ولم تجبه. وجاءها مالك الاشتر رحمه الله وقال لها الحمد لله الذي نصر وليه وكبت عدوه جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا كيف رأيت صنع الله بك يا عائشة ؟ فقالت من أنت ثكلتك امك ؟ فقال أنا ابنك الاشتر قالت كذبت لست بامك قال بلى وان كرهت فقالت انت الذي اردت ان تثكل اختي اسماء بابنها، فقال المعذرة إلى الله واليك والله لولا انني كنت طاويا ثلاثا لارحتك منه وأنشأ يقول بعد الصلاة على الرسول. أعائش لولا اننى كنت طاويا * ثلاثا لالفيت ابن اختك هالكا غدات ينادى والرماح تنوشه * بأضعف صوت (اقتلوني ومالكا) فركبت وقالت فخرتم وغلبتم وكان امر الله قدرا مقدورا. ونادى امير المؤمنين عليه السلام محمد بن ابى بكر فقال سلها هل وصل إليها شيئ من الرماح والسهام فسألها قالت نعم وصل إلى سهم خدش رأسي وسلمت من غيره الله بينى وبينكم فقال محمد والله ليحكمن عليك يوم القيامة ما كان بينك وبين امير المؤمنين (ع) حتى تخرجين عليه وتؤلبين الناس على قتاله وتنبذي كتاب الله وراء ظهرك فقالت دعنا يا محمد وقل لصاحبك يحرسنى وكان الهودج كالقنفذ من النبل فرجعت إلى امير المؤمنين عليه السلام وأخبرته بما جرى بيني وبينها وما قلت وما قالت. فقال عليه السلام هي امرأة والنساء ضعاف العقول فتول امرها
[ 198 ]
واحملها إلى دار عبد الله بن خلف حتى ننظر في امرها فحملتها إلى الموضع وان لسانها لا يفتر من السب لي ولعلي والترحم على اصحاب الجمل. وروى الواقدي قال حدثنا هشام بن سعد عن عباس بن عبد الله ابن معبد عن معاذ بن عبد الله التميمي قال لما قدمنا البصرة مع عائشة وأقمنا ما اقمنا ندعوا الناس إلى نصرتنا والقيام معنا فالقابل لما ندعوا إليه والآبي له ونحن على ما نحن عليه نقول إلا نقاتل علي بن ابى طالب ابدا إلى ان قيل قد نزل علي (ع) فما ادرى حتى نشبت الحرب نشبها الصبيان واوقدها العبيد وإذا الجمل رحل والناس يهوون إلى القتال وإذا عسكر علي قد تحرك فبادر اصحابنا فرموا وجبلوا وصيحوا واكثروا فسمعت عائشة تقول هذا اول الفشل وعلي (ع) وعسكره لا يثنون ثم صف علي اصحابه وولى الرايات موضعها واعطى ابنه محمدا الراية العظمى راية بيضاء تملا الرمح ثم وقف علي (ع) في القلب وحمل سرعان الميمنة والميسرة وحمل سرعان القلب فاسمع عليا ينادي محمدا تقدم بالراية وتوسط القلب فينكر من تقدمك وان جالوا أو دفعوا يلحقك من خلفك ثم سمعته يقول اصحابك امامك تقدم تقدم وتقدم علي والراية بين كتفيه وجرد سيفه وضرب رجلا فابان زنده ثم انتهى إلى الجمل وقد اجتمع الناس حوله واختلطوا واحدقوا به من كل جانب واستجن الناس تحت بطان الجمل فانظروا لله إلى علي يصيح بمحمد بن ابى بكر اقطع البطان وارى عليا قد قتل ممن اخد بخطام الجمل عشرة بيده وكلما قتل رجلا مسح سيفه في ثيابه ثم جاوزت حتى صرنا في ايديهم كأننا اغنام نساق فانصرفنا حينئذ وتلاومنا وندمنا. وروى الواقدي قال حدثنى محمد بن عبد الله بن عبيد بن عكرمة ابن خالد قال قال عبد الرحمن بن الحرث بن هشام كنت انا والاسود ابن ابى البختري و عبد الله بن الزبير قد تواعدنا وتعاهدنا بالبصرة لئن
[ 199 ]
لقينا القوم لنموتن أو لنقتلن عليا واصحاب علي لم يكونوا عدلوا صفوفهم ثم نظرنا إليهم وقد عدلوا صفوفهم ميمنة وميسرة قال عبد الرحمن كنت واقفا عند عبد الله بن الزبير والاسود بن البختري فقلت ما وراءكما ؟ قالا نحن على ما كنا عليه إلى ان مالت ميسرته على ميمنتنا فهزمهم ومالت ميمنته على ميسرتنا ففعلوا مثل ذلك ورأيت عليا وراء ابنه محمد وقد تقدم يحمل علما اسودا عظيما وعلي شاهر سيفه فلقى رجلا من ضبه فقتله ثم ضرب آخر فقتله ثم خلص الينا ووقف عند رجلين فلاذ كل بصاحبه وجعل الاسود يقول هل من مهرب وتقدم ابن الزبير فأخذ الجمل فكان آخر من اخذه فانظر إلى علي وقد انتهى إلى الجمل والسيف يرعف دما وهو واضعه على عاتقه وهو يصيح لمحمد بن ابى بكر اقطع البطان فكانت الهزيمة فلم نر مثل لزوم السواد الاكبر فلما انهزمنا خرجنا خائفين من مسالح علي (ع) فما زلنا نخاف الطلب حتى سرنا مراحل. وروى عن ابن الزبير قال خرجت عائشة يوم البصرة وهي على جملها (عسكر) قد اتخذت عليه خدرا ودقته بالدروع خشية ان يخلص إليها النبل وسار إليهم علي بن ابى طالب حتى التقوا فاقتتلوا قتالا شديدا واخذ بخطام الجمل يومئذ سبعون رجلا من قريش كلهم قتل وخرج مروان بن الحكم و عبد الله بن الزبير ورأيتهما جريحين فلما قتلت تلك العصابة من قريش اخذ رجال كثير من بني ضبة بخطام الجمل فقتلوا عن آخرهم ولم يأخذ بخطامه احد إلا قتل حتى غرق الجمل بدماء القتلى وتقدم محمد بن ابى بكر فقطع بطان الجمل واحتمل الخدر ومعه اصحاب له وفيه عائشة حتى انزلوها بعض دور البصرة وولى الزبير منهزما فأدركه ابن جرموز فقتله. ولما رأى مروان توجه الامر على أصحاب الجمل نظر إلى طلحة
[ 200 ]
وهو يريد الهرب فقال والله لا يفوتني ثاري من عثمان فرماه بسهم فقطع اكحله فسقط بدمه وحمل من موضعه وهو يقول: إنا لله هذا والله سهم لم يأتني من بعد ما اراه إلا من معسكرنا لله ما رأيت مصرع شيخ اضيع من مضرعي ثم لم يلبث أن هلك (1). وروى الواقدي أيضا عن موسى بن عبد الله عن الحسين بن عطية عن ابيه قال شهدت الجمل مع علي (ع) فلقد رأيت جمل عائشة وعليه هودجها وعليه دروع الحديد ثم لقد رأيت فيه من النبل والنشاب أمرا عظيما ثم عقر فما سمعت كصوته شيئ قط ونادى أصحاب علي عليكم الجمل فاعقروه فشدت عليه رجال فعقروه فوقع لحينه. وروى يزيد عن أبى زياد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال نظرت الهودج يوم الجمل كأنه قنفذ من النشاب والنبل. وروى ابن أبى ميرة عن علقمة بن أبى علقمة عن ابيه قال جعلنا الهودج من خشب فيه مفاتيح الحديد وفوقه دروع من حديد وفوقها طيالسة من خز أخضر وفوق ذلك ادم أحمر وجعلنا لعائشة منه منظر العين فما أغنى ذلك عنها من القوم. وروى الواقدي عن رجاله العثمانية عن عائشة ذكر الحال وهزيمة القوم في الحرب وشرح الصورة ورأيها فكان ما كان من ذلك فقال حدثنا محمد بن حميد عن حميدة بنت ابن رفاعة عن امها كبشة بنت كعب قالت كان أبى لقي على عثمان حربا عظيما وبكاه ولم يمنعه من الخروج إلا أن بصره ذهب ولم يبايع عليا ولم يقر به بغضا له ومقتا. وخرج علي (ع) من المدينة فلما قدمت عائشة منصرفة من البصرة جاءها أبى فسلم على الباب ثم دخل وبينها وبينه حجاب فذكرت له بعض
(1) ابن الاثير (ج 3 – ص 96) وفي الطبري (ج 5 ص 215) مات في خربة من دور البصرة لبني سعد ودفن فيها. (*)
[ 201 ]
امر ولم تشرحه له فلما امسينا بعثنا إلى عائشة نستأذن عليها فأذنت لنا قالت كبشة فدخلت في نسوة من الانصار فحدثتنا بخروجها وانها لم تظن الامر يبلغ إلى ما بلغ ثم قالت لقد عمل لي على هودج حملني ثم البس الحديد ودخلت فيه وقمت في وسط الناس أدعو إلى الصلح وإلى الكتاب والسنة فليس أحد يسمع من كلامي حرفا وعجل من لقينا القتال فرموا النبل وصرعهم القوم حتى قتل من اصحاب علي رجل ورجلان ثم تقارب الناس ولحم الشر وصار القوم ليس لهم همة إلا جملي ولقد دخلت علي سهام فجرحتني فأخرجت ذراعها وارتنا جرحا على عضدها فبكت وأبكتنا. قالت وجعل كلما اخذ بخطام جملي رجل قتل حتى أخذه ابن اختي عبد الله فصحت به وناشدته بالرحم انه يتجافاني فقال يا ام هو الموت يقتل الرجل وهو عظيم الغنى عن أصحابه على نيته خير ان يدرك وقد فارقته نيته فصحت واثكل اسماء فقال يا ام الزمي الصمت وقد لحم ما ترين فأمسكت وكان من معنا فتيان احداث من قريش لا علم لهم بالقتال ولم يشهدوا الحرب فكانوا جزرا للقوم فاني لعلى ما نحن فيه وقد كان الناس كلهم حول جملي فسكتوا ساعة فقلت خيرا أم شرا ذا سكوتكم ضرس القتال وإذا ابن أبي طالب أنظر إليه يباشر القتال بنفسه واسمعه يصيح الجمل الجمل فقلت أرادوا والله قتلي فإذا هو علي بن أبى طالب ومعه محمد بن أبى بكر أخي ومعاذ بن عبد الله التميمي وعمار ابن ياسر وقطعوا البطان واحتملوا الهودج فهوى على أيدي الرجال يرفلون به وهرب من كان معنا فلم أحس لهم خبرا. ونادى منادي علي بن أبى طالب لا يتبع مدبرا ولا يجهز على جريح ومن طرح السلاح فهو آمن فرجعت إلى الناس أرواحهم فمشوا على الناس واستحيوا من السعي فادخلت منزل عبد الله بن خلف
[ 202 ]
الخزاعي (1) وانه منزل رجل قد قتل وأهله مستعبرون عليه ودخل معي كل من خاف عليا ممن نصب له واحتمل ابن اختي عبد الله جريحا فوالله انى لعلى ما أنا عليه وأنا أسأل ما فعل ابو محمد طلحة إذ قال قائل قتل فقلت ما فعل أبو سليمان فقيل قد قتل فلقد رأيتني تلك الساعة جمدت عيناى فانقطعت من الحزن وأكثرت من الاسترجاع والندامة وذكر من قتل فبكيت لقتلهم فنحن على ما نحن عليه وأنا أسأل عن عبد الله فقيل قتل فازددت غما وهما حتى كاد ينصدع قلبي فوالله لقد بقيت ثلاثة أيام بلياليهن ما دخل في فمي طعام ولا شراب وانى عند قوم ما يقصروا في ضيافتي وان الخبز في منازلهم لكثير لكنى أذهب اعالج الشبع من الطعام فما اقدر فنعوذ بالله من الفتنة ولقد كنت ألبت على عثمان حتى نيل منه ما نيل فلما قتل ندمت وعلمت ان المسلمين لا يستخلفون مثله أبدا كان والله أجلهم حلما وأعبدهم عبادة وأبذلهم عند النائبة وأوصلهم للرحم قالت كبشة بنت كعب فرجعت إلى أبى فقال ما حدثتكم به عائشة فأخبرته بما قالت فقال يرحم الله عائشة ويرحم الله أمير المؤمنين عثمان هي كانت أشد الناس عليه ولقد نزعت وتابت وأرادت ان تأخذ بثاره فجاء خلاف ما أرادت فرحمهم الله جميعا. ثم قال رحم الله عمر بن الخطاب كان والله يرى هذا كله قال يوما ان كان يصير اختلاف فانما يكون بينكم وان كان بينكم دخل عليكم ما تكرهون. وروى الواقدي قال حدثنا محمد بن نجار عن عائشة بنت سعد قالت اشتكى أبى فدخل عليه مروان بن الحكم يعوده فذكر عائشة فقال مروان يا أبا اسحق لقد حضرت امورا فاعتزلت عنها يوم الدار وحضرتها
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 219) زوجته صفية بنت الحارث ابن طلحة بن أبى طلحة وهي ام طلحة الطلحات بن عبد الله بن خلف. (*)
[ 203 ]
فقاتلت أمامي حتى وقعت جريحا ثم حضرت الجمل واني لانظر إلى خروج عائشة وهودجها وعليه درع الحديد وقد انهزم الناس وما اخذ بخطام الجمل أحد إلا مات فقال له أبي وهو يبكي وعمار وسطها فقال مروان أي والله فبكى أبى قال ثم خرجت يومئذ فحملت جريحا فلم أر يوما كان أسرع انكشافا من يوم الجمل فقال له أبى ما أحب ان حضرت الدار آمرا ولا ناهيا ولا احب ان حضرت الجمل آمرا ولا ناهيا ثم خرج مروان وجعل ابى يبكى ويقول ليت شعرى ما لقى عمار وأصحابه وأمثاله من أصحابنا الله حملهم وغرسهم في جنته. وروى ابن ابى سبرة علقمة عن امه قال سمعت عائشة تقول: لقد رأيتني يوم الجمل وان على هودجي الدروع الحديدية والنبل يخلص إلي منها وأنا في الهودج فهون ذلك علي ما صنعنا بعثمان ألبنا عليه حتى قتلناه وجرينا عليه الغواة فنعوذ بالله من الفرقة بين المسلمين. وروى منصور بن أبى الاسود عن مسلم الاعور عن حبة العرنى قال والله انى لانظرن إلى الرجل الذى ضرب الجمل ضربة على عجزه فسقط لجنبه فكأني أسمع عجيج الجمل ما سمعت قط عجيجا أشد منه. قال لما عقر الجمل وانقطع بطان الهودج فزال عن ظهر الجمل وانفض اهل البصرة منهزمين وجعل عمار بن ياسر ومحمد بن أبى بكر يقطعان الحقب والانساع واحتملاه – أي الهودج – ووضعاه على الارض فأقبل علي بن أبى طالب حتى وقف عليها وهي في هودجها فقرع الهودج بالرمح وقال يا حميراء أرسول الله امرك بهذا المسير ونادى عمار بن ياسر يومئذ لا تجهزوا على جريح ولا تتبعوا مدبرا موليا ورأيت يومئذ سعيد وابان ابنا عثمان فجيئ بهما إلى علي بن أبى طالب عليه السلام فلما وقفا بين يديه قال بعض من حضر اقتلهما يا أمير المؤمنين فقال بئس ما قلتم آمنت الناس كلهم واقتل هذين ثم أقبل عليهما وقال لهما ارجعا عن غيكما وانزعا
[ 204 ]
وانطلقا حيث شئتما وان أحببتما فأقيما عندي حتى أصل أرحامكما فقالا يا أمير المؤمنين نحن نبايع فبايعا وانصرفا. قتل طلحة بن عبد الله: وروى اسماعيل بن عبد الملك عن يحيى بن شبل عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال حدثني أبى علي زين العابدين عليه السلام قال قال لي مروان بن الحكم لما رأيت الناس يوم الجمل قد كشفوا قلت والله لادركن ثاري ولافوزن منه الآن فرميت طلحة فأصبت نساه فجعل الدم ينزف فرميته ثانية فجاءت به فأخذوه حتى وضعوه تحت شجرة فبقي تحتها ينزف منه الدم حتى مات. وروى ابن سليمان عن ابن خيثمة قال قال عبد الملك بن مروان يوما وقد ذكر عثمان وقتل طلحة ولولا ان أبى قتله لم يزل في قلبى جرحه إلى اليوم وقال عبد الملك سمعت أبى يقول نظرت إلى طلحة يوم الجمل وعليه درع ومغفر لم أر منه إلا عينيه فقلت كيف لي به فنظرت إلى فتق في درعه فرميته فأصبت نساه فقطعته فانى انظر إلى مولى له يحمله على ظهره موليا فلم يلبث ان مات. وروى عبد الحميد بن عمران عن ابن كعب القرظي عن رواح بن الحرث عن عمير قالت لقيت طلحة بن عبد الله فقلت يا أبا محمد ما أخرجك إلى ههنا ؟ أفلم تبايع عليا بالمدينة طايعا غير مكره ؟ قال دعني والله ما بايعته إلا والسيف على عنقي فلما التقى الناس يوم الجمل جاءه سهم غرب (1)
(1) ذكر ابن جرير في التاريخ (ج 5 – 215) انه اصابه سهم غرب وفي كتاب (مبادى اللغة) تأليف محمد بن عبد الله الخطيب الاسكافي المتوفى سنة 421 ص 108 يقال اصابه سهم غرب إذا لم يعرف الرامي. (*)
[ 205 ]
قطع نساه فنزف الدم حتى مات. وروى ابو سهل عن الحسن قال لما رمي طلحة ركب بغلا وقال لغلامه التمس لي مكانا أدخل فيه فقال الغلام ما ادرى اين ادخلك فقال طلحة ما رأيت كاليوم اضيع من دم شيخ مثلي وقال الحسن وكان امر الله فدرا مقدورا. وفي رواية علي بن زيد بن جذعان قال لما بلغ طلحة ان الزبير قد اندفع ذهب في طلبه وقد التقى وهم لا يعلمون برجوع الزبير فمر مروان ابن الحكم فرآه فقال لا اطلب ثارى بدم عثمان بعد اليوم والله وقاتل عثمان بين اعجاز الابل وصدورها ثم رماه بسهم فقتله. وفي رواية سفيان بن عنبسة عن ابى موسى عن الحسن بن ابى الحسن قال خرج طلحة بن عبد الله من رساتيق أقطعه إياها عثمان إذ كان يقبضها ينيخ بها الف راكب ثم يروحون فلم يعرف له ذلك حتى سعى في دمه فلما كان يوم البصرة خرج للقتال وقد لبس درعا استجن به من السهام إذ اتاه سهم فأصابه وكان امر الله قدرا مقدورا ورأيته يقول حين اصابه السهم ما رأيت كاليوم مصرع شيخ اضيع من مصرعي قال الحسن وقد كان قبل ذلك جاهد جهادا مع رسول الله ووقاه بيده فضيع امر نفسه ولقد رأيت قبره مأوى الشقاء فيضع عنده قريبه ثم يقضى عنده حاجته فما رأيت اعجب من هؤلاء القوم. واما الزبير فانه اتى حيا من احياء العرب فقال اجيروني وقد كان قبل ذلك يجير ولا يجار عليه ثم قال الحسن وما الذى اخافك والله ما اخافك إلا ابنك قال فاتبعه ابن جرموز في تلول من اتاليل العرب والله ما رأيت مثله قط ضاع دمه وهذا قبره (بوادي السباع) (1) مخراة
(1) ذكر ابن كثير في البداية (ج 11 – ص 319) ان اهل البصرة في المحرم كشفوا عن قبر فرأوا رجلا طري عليه ثيابه وسيفه – (*)
[ 206 ]
للثعالب فخرجا ولم يدركا ما طلبا ولم يرجعا إلى ما تركا فعز على هذه الشقوة التى كتبت عليهما. وروى قيس بن ابى حازم قال رمى طلحة بسهم في ركبتيه فجعل يعدو والدم يفور فإذا امسكوا رأس الجرح انتفخت ركبته فصاح دعوه فانه سهم ارسله الله فلم يزل الدم ينزف حتى مات فدفنوه على شاطئ الفرات فرأى بعض الناس في النوم طلحة يقول اريحوني من هذا الماء فانى في اذى شديد ورأى الرجل تلك الرؤيا ثلاث مرات فنبشوه فإذا قبره قد اخضر كأنه السلق فاستخرجوه فأخذ ما يلى الارض من لحيته ووجهه قد أكلته الارض فاشتروا له دارا من دور آل بكر بعشرة آلاف درهم فدفنوه فيها. فهذه الاخبار جملة مختصرة صحيحة في مقتل طلحة بن عبد الله طريقها من العامة من اوضح طريق وسندها اصح اسانيد وليس بين الامة فيها اختلاف وكل يدل على ان طلحة قتل وهو مصر على الحرب غير نادم ولا مرعوى عن ذلك وفاقا لمذهب الحشوية وخلافا لمذهب
– فظنوه الزبير بن العوام فأخرجوه وكفنوه ودفنوه واتخذوا عند قبره مسجدا ووقف عليه أوقاف كثيرة وجعل عنده خدام وقوام وفرش وتنوير، انتهى. أقول وإذا اوقفنا تاريخ الطبري (ج 5 – ص 219) ان ابن جرموز طعن الزبير من خلفه واخذ فرسه وخاتمه وسلاحه وجاء بالسيف إلى علي (ع) وخلى عن غلامه فدفنه بوادي السباع اه. نعرف من هذا الرجل الطري الذى عليه ثيابه وسيفه لم يكن هو الزبير قطعا وانى لا أراه إلا شهيدا على الحق والشهيد يدفن بثيابه لا يغسل ولا يكفن ويتضح من ذلك ان القبر المنسوب للزبير منشأه ذلك الظن وهو لا يغنى عن الحق شيئا. (*)
[ 207 ]
المعتزلة وشاهدا ببطلان ما ادعوه من توبته. قتل الزبير بن العوام: روى المفضل بن فضالة عن سويد بن الهادي عن محمد بن ابراهيم قال هرب الزبير على فرس له يدعى (ذا الجمار) حتى وقع بسفوان فمر بعبد الله بن سعيد المجاشعي وابن مطرح السعدي فقالا له يا حوارى رسول الله انت في ذمتنا لا يصل اليك احد فأقبل معهما فهو ليسير مع الرجلين إذ اتى الاحنف بن قيس رجل فقال اريد ان اسر اليك سرا ادن منى فدنا منه فقال يا ابا الحسن هذا الزبير قد هرب وانى رأيته بين رجلين من بنى مجاشع ومنقر اظنه يريد التوجه إلى المدينة فرفع الاحنف صوته وقال ما اصنع ان كان الزبير قد القى الفتنة بين المسلمين حتى ضرب بعضهم بعضا ثم هو يريد ان يرجع إلى أهله إلى المدينة سالما فسمعه ابن جرموز فنهض ومعه رجل يقال له فضالة ابن محابس وعلما ان الاحنف انما رفع صوته يذكر الزبير لكراهته ان يسلم وايثاره ان يقتل فاتبعاه جميعا فلما رآهما من كان مع الزبير قالوا له هذا ابن جرموز وانا نخافه عليك فقال لهم الزبير انا أكفيكم ابن جرموز وانتم اكفوني ابن محابس فحمل عمير على الزبير وعطف عليه وقال يا فضالة اعني فان الرجل قاتلي فأعانه وحمل ابن جرموز فقتله واحتز رأسه واتى به الاحنف بن قيس ثم إلى أمير المؤمنين (ع) فلما رآه العسكر انكروه وقالوا له من أنت ؟ قال انا رسول الاحنف بن قيس فمن قائل يقول مرحبا بك وبمن جئت من عنده ومن قائل يقول لا مرحبا بك ولا بمن جئت من عنده حتى انتهى إلى فسطاط امير المؤمنين (ع) فخرج إليه رجل ضخم طوال عليه درع يتجسس فإذا هو الاشتر فقال من أنت ؟ قال انا رسول الاحنف فقال مكانك حتى استأذن لك فاستأذن له فدخل وامير المؤمنين
[ 208 ]
متكئ وبين يديه ترس عليه اقراص من طعام الشعير فسلم عليه وهناه بالفتح عن الاحنف وقال انا رسوله وقد قتلت الزبير وهذا رأسه وسيفه فألقاهما بين يديه فقال عليه السلام كيف قتلته وما كان من امره فحدثنا كيف صنعك به ثم قال ناولني سيفه فناوله فاستله وقال سيف اعرفه أما والله لقد قاتل بين يدى رسول الله صلى الله عليه وآله غير مرة ولكنه الحين ومصارع السوء. وفي رواية منصور بن ابى الاسود عن عطاء بن السائب عن ابى البحترى قال لما بعث الاحنف بن قيس إلى امير المؤمنين (ع) برأس الزبير وسيفه وجاءه الرسول يهنئه بالفتح تلا: (الذين يتربصون بكم فان كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم (1). وفي رواية اخرى عن زيد بن فراس عن غزال بن مالك قال لما قتل الزبير وجئ برأسه إلى امير المؤمنين عليه السلام قال أما والله لولا ما كان من امر حاطب بن أبى بلتعة ما اجترأ طلحة والزبير على قتالي وان الزبير كان أقرب إلى من طلحة وما زال منا اهل البيت حتى بلغ ابنه فقطع بيننا. وفي رواية عبد الله بن جبير عن ابن أبي عون قال سمعت مروان ابن الحكم يقول لما كان يوم الجمل قلت والله لادركن ثار عثمان فرميت طلحة بسهم فقطعت نساه وكان كلما شد الموضع غلب الدم عليه وألمه فقال لغلامه دعه فهو سهم ارسله الله إلى ثم قال له ويلك اطلب لي موضعا احترز به فلم يجد له مكانا فاحتمله عبد الله بن معمر فأدخله بيت أعرابية ثم ذهب فصبر هنيئة ورجع فوجده قد مات وهرب الزبير فاراد المدينة حتى أتى وادى السباع فرفع الاحنف صوته وقال ما اصنع بالزبير قد لف بين عارين من الناس حتى قتل بعضهم بعضا وهو يريد
(1) سورة النساء: 140. (*)
[ 209 ]
اللحاق بأهله فسمع ذلك ابن جرموز فخرج في طلبه وتبعه رجل من مجاشع حتى لحقاه فلما رآهما الزبير حذرهما فقالا يا حواري رسول الله انت في ذمتنا لا يصل اليك أحد وسايره ابن جرموز فبينا هو يسير ويستأخر والزبير يفارقه ثم قال يا أبا عبد الله انزع درعك واجعلها على فرسك فانها تثقلك وتعييك فنزعها الزبير وجعل عمرو بن مجاشع ينكص ويستأخر والزبير يناديه فيلحقه وهو يجري بفرسه ثم انحاز إليه حتى اطمأن إليه ولم ينكر تأخره عنه فحمل عليه وطعنه بين كتفبه فأخرج السنان من بين ثدييه ونزل فاحتز رأسه وجاء به إلى الاحنف فأنفذه إلى أمير المؤمنين (ع) فلما رأى رأس الزبير وسيفه قال ناولني السيف فناوله فهزه وقال سيف طالما قاتل به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن الحين ومصارع السوء ثم تفرس في وجه الزبير وقال لقد كان لك برسول الله صلى الله عليه وآله صحبة ومنه قرابة ولكن دخل الشيطان منخرك فأوردك هذا المورد. الوصي يكلم القتلي: فصل: لما انجلت الحرب بالبصرة وقتل طلحة والزبير وحملت عايشة إلى قصر بني خلف ركب امير المؤمنين (ع) وتبعه أصحابه وعمار بن ياسر رحمه الله يمشي مع ركابه حتى خرج إلى القتلي يطوف عليهم فمر بعبد الله بن خلف الخزاعي وعليه ثياب حسان مشهرة فقال الناس هذا والله رأس الناس فقال عليه السلام ليس برأس الناس ولكنه شريف منيع النفس ثم مر بعبد الرحمن بن عتاب بن اسيد فقال هذا يعسوب القوم ورأسهم كما ترونه ثم جعل يستعرض القتلى رجلا رجلا فلما رأى أشراف قريش صرعى في جملة القتلى قال جدعت انفي اما والله ان كان مصرعكم لبغيضا إلي ولقد تقدمت اليكم وحذرتكم عض السيوف
[ 210 ]
وكنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون ولكن الحين ومصارع السوء نعوذ بالله من سوء المصرع ثم سار حتى وقف على كعب بن شور وهو مجدل بين القتلى وفي عنقه المصحف فقال نحو المصحف وضعوه في مواضع الطهارة ثم قال اجلسوا لي كعبا فاجلس ورأيته ينخفض إلى الارض فقال يا كعب بن شور قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ثم قال اضجعوا كعبا فتجاوزه فمر فرأى طلحة صريعا فقال اجلسوا طلحة فاجلس وقال يا طلحة بن عبد الله قد وجدت ما وعدني ربى حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ثم قال اضجعوه فوقف رجل من القراء أمامه وقال يا أمير المؤمنين ما كلامك هذه الهام قد صديت لا تسمع لك كلاما ولا ترد جوابا فقال عليه السلام انهما ليسمعان كلامي كما سمع اصحاب القليب كلام رسول الله صلى الله عليه وآله ولو أذن لهم في الجواب لرأيت عجبا ومر بعبد الله بن المقداد بن عمر (1) وهو في الصراعى فقال رحم الله أباك انما كان رأيه فينا احسن من رأيك فقال عمار الحمد لله الذي اوقعه وجعل خده الاسفل انا والله يا أمير المؤمنين لا نبالي عمن عند من الحق من ولد ووالد فقال عليه السلام رحمك الله يا عمار وجزاك عن الحق خيرا ومر بعبد الله بن ربيعة بن رواح وهو في القتلى فقال هذا البائس ما كان اخرجه نصر عثمان والله ما كان رأي عثمان فيه ولا في ابيه بحسن ومر بمعبد بن زهير بن امية فقال لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام والله ما كان فيها بذي مخبره ولقد اخبرني من ادركه انه يلوذ خوفا من السيف حتى قتل البائس ضياعا ومر بمسلم بن
(1) امه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب شقيق ابى طالب والد على (ع) و عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله ومن غرائب الاسرار الآلهية ان ابن المقداد يخرج على امير المؤمنين (ع) ومحمد بن ابى بكر يكون مع امير المؤمنين (ع). (*)
[ 211 ]
قرضة فقال البر اخرج هذا ولقد سألني ان اكلم عثمان في شيئ يدعيه عليه بمكة فلم أزل به حتى اعطاه وقال لي لولا انت ما اعطيته ان هذا ما علمت بئس العشيرة ثم جاء لحينه ينصر عثمان ثم مر بعبدالله بن عمير ابن زهير قال هذا ايضا ممن وضع في قتلانا يطلب بزعمه دم عثمان ولقد كتب إلى كتبا آذى عثمان فيها فأعطاه شيئا فرضى عنه ومر بعبد الله ابن حكيم بن حزام فقال هذا خالف أباه في الخروج علي وان أباه حيث لم ينصرنا بايع وجلس في بيته ما الوم أحدا إذا كف عنا وعن غيرنا ولكن الملوم الذي يقاتلنا ومر بعبد الله بن المغيرة بن الاخنس فقال اما هذا فقتل ابوه يوم قتل عثمان في الدار فخرج غضبا لمقتل أبيه وهو غلام لا علم له بعواقب الامور ومر بعبد الله بن الاخنس بن شريق فقال اما هذا فاني أنظر إليه وقد أخذ القوم السيوف وانه لهارب يعدو من السيف فنهيت عنه فلم يسمع نهيي حتى قتل وكان هذا ممن مقت علي وانه من فتيان قريش الاغمار لا علم لهم بالحرب خدعوا واستنزلوا فلما وقعوا الحجوا فقتلوا. الشهيد يحاج بدمه: ثم امر عليه السلام مناديه فنادى: من أحب ان يواري قتيله فليواره وقال عليه السلام واروا قتلانا في ثيابهم التى قتلوا فيها فانهم يحشرون على الشهادة واني لشاهد لهم بالوفاء. كتب علي إلى المدينة والكوفة: ثم رجع إلى خيمته واستدعى عبد الله بن رافع وقال اكتب إلى اهل المدينة: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي بن ابي طالب. سلام عليكم فانى احمد الله اليكم الذي لا إله إلا هو فان الله بمنه وفضله وحسن بلائه
[ 212 ]
عندي وعندكم حكم عدل وقد قال سبحانه في كتابه وقوله الحق: ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال. واني مخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع اهل البصرة ومن سار إليهم من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير ونكثهما علي ما قد علمتم من بيعتي وهما طايعان غير مكرهين فخرجت من عندكم بمن خرجت ممن سارع إلى بيعتى وإلى الحق حتى نزلت (ذاقار) فنفر معي من نفر من اهل الكوفة وقدم طلحة والزبير البصرة وصنعا بعاملي عثمان بن حنيف ما صنعا فقدمت إليهم الرسل واعذرت كل الاعذار ثم نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء وقدمت الحجة وأقلت العثرة والزلة واستعتبتهما ومن معهما ممن نكث بيعتي ونقض عهدي فأبوا إلا قتالي وقتال من معى والتمادى في الغى فلم أجد بدا في مناصفتهم بالجهاد فقتل الله من قتل منهم ناكثا وولى من ولى منهم واغمدت السيوف عنهم واخذت بالعفو فيهم وأجريت الحق والسنة في حكمهم واخترت لهم عاملا واستعملته عليهم وهو عبد الله بن عباس وإنى سائر إلى الكوفة انشاء الله تعالى. وكتب عبد الله بن ابي رافع في جمادي الاولى سنة ست وثلاثين من الهجرة وكتب امير المؤمنين عليه السلام إلى ام هاني بنت ابي طالب (1): سلام عليك احمد اليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فانا التقينا مع البغاة والظلمة في البصرة فأعطانا الله تعالى النصر عليهم بحوله وقوته
(1) يتم هذا إذا صح ما في تقريب التهذيب لابن حجر ص 620 لكنهؤ من انها ماتت في ايام معاوية واما على ما في مناقب ابن شهراشوب (ج 1 – ص 110) ايران من انها ماتت ايام النبي (ص) فلا يتم. (*)
[ 213 ]
واعطاهم سنة الظالمين فقتل كل من طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عتاب وجمع لا يحصى وقتل منا بنو مخدوع وابنا صوحان وعليا وهندا وثمامة فيمن يعد من المسلمين رحمهم الله والسلام. وكتب إلى أهل الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم من علي امير المؤمنين إلى أهل الكوفة. سلام عليكم فاني احمد الله اليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فان الله حكم عدل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (وإذا اراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) واني اخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع اهل البصرة ومن سار إليه من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير بعد نكثهما صفقة ايمانهما فنهضت من المدينة حين انتهى إلى خبرهم وما صنعوه بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت ذا قار فبعثت اليكم ابني الحسن وعمارا وقيسا فاستنفروكم لحق الله وحق رسوله وحقنا فأجابني اخوانكم سراعا حتى قدموا علي بهم وبالمسارعة إلى طاعة الله حتى نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء وأقمت الحجة وأقلت العثرة والزلة من اهل الردة من قريش وغيرهم واستعتبتهم عن نكثهم بيعتي وعهد الله لي عليهم فأبوا إلا قتالي وقتال من معى والتمادى في البغي فناهضتهم بالجهاد وقتل من قتل منهم وولى إلى مصرهم من ولى فسألوني ما دعوتهم إليه من كف القتال فقبلت منهم وغمدت السيوف عنهم واخذت بالعفو فيهم واجريت الحق والسنة بينهم واستعملت عبد الله بن عباس على البصرة وانا سائر إلى الكوفة ان شاء الله تعالى وقد بعثت اليكم زجر بن قيس الجعفي لتسألونه يخبركم عنا وعنهم وردهم الحق علينا وردهم الله وهم كارهون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكتب عبد الله بن ابى رافع في جمادى الاولى سنة ست وثلاثين.
[ 214 ]
خطبة علي (ع): ولما كتب امير المؤمنين عليه السلام بالفتح قام في الناس خطيبا فحمد الله واثنى عليه وصلى على محمد وآله ثم قال: اما بعد فان الله غفور رحيم عزيز ذو انتقام جعل عفوه ومغفرته لاهل طاعته وجعل عذابه وعقابه لمن عصاه وخالف امره وابتدع في دينه ما ليس منه وبرحمته نال الصالحون وقد امكنني الله منكم يا أهل البصرة واسلمكم بأعمالكم فاياكم ان تعودوا إلى مثلها فانكم اول من شرع القتال والشقاق وترك الحق والانصاف. زهد علي (ع): ثم نزل عليه السلام واستدعى جماعة من اصحابه فمشوا معه حتى دخلوا بيت المال وارسل إلى القراء فدعاهم ودعا الخزان وامرهم بفتح الابواب التي داخلها المال فلما رأى كثرة ما فيها فقال هذا جناي ثم قسم المال بين اصحابه فأصاب كل منهم ستة آلاف درهم وكان اصحابه اثنى عشر الف واخذ كأحدهم فبينا هي بحالها إذ أتاه آت فقال يا امير المؤمنين ان اسمي سقط من كتابك وقد رأيت من البلاء ما رأيت فدفع سهمه إلى ذلك الرجل. وروى الثوري عن داوود بن ابى هند عن ابى حرز الاسود قال لقد رأيت بالبصرة طلحة والزبير قد ارسلا إلى اناس من اهل البصرة انا فيهم فدخلنا بيت المال معهما فلما رأيا ما فيه من اموال قالا هذا ما وعدنا الله ورسوله ثم تليا هذه الآية: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذا) إلى آخر الآية وقالا نحن احق بهذا المال من كل احد ولما كان من القوم ما كان دعانا علي بن ابي طالب (ع)
[ 215 ]
فدخلنا معه بيت المال فلما رأى ما فيه ضرب احدى يديه على الاخرى وقال غرى غيري وقسمه بين اصحابه بالسوية حتى لم يبق إلا خمسماءه درهم عزلها لنفسه فجاءه رجل فقال ان اسمى سقط من كتابك فقال عليه السلام ردوها ردوها عليه ثم قال الحمد الذى لم يصل إلى من هذا المال شيئا ووفره على المسلمين. خطبة بعد القسمة: روى الواقدي ان امير المؤمنين عليه السلام لما فرغ من قسمة المال قام خطيبا فحمد الله واثنى عليه وقال: ايها الناس انى احمد الله على نعمة قتل طلحة والزبير وهربت عائشة وايم الله لو كانت عايشة طلبت حقا وهانت باطلا لكان لها في بيتها مأوى وما فرض الله عليها الجهاد وان اول خطأها في نفسها وما كانت والله على القوم أشأم من ناقة الصخرة وما ازداد عدوكم بما صنع الله إلا حقدا وما زادهم الشيطان إلا طغيانا ولقد جاؤوا مبطلين وادبروا ظالمين ان اخوانكم المؤمنين جاهدوا في سبيل الله وآمنوا يرجون مغفرة الله واننا لعلى الحق وانهم لعلى الباطل ويجمعنا الله واياهم يوم الفصل واستغفر الله لي ولكم. كتاب إلى اهل الكوفة: وفي رواية عمر بن سعد عن يزيد بن الصلت عن عامر الاسدي قال ان عليا كتب بعد فتح البصرة مع عمر بن سلمة الارحبي إلى اهل الكوفة من عبد الله علي بن ابى طالب إلى قرضة بن كعب ومن قبله من المسلمين سلام عليكم فانى احمد الله اليكم الذي لا إله إلا هو اما بعد فانا لقينا القوم الناكثين لبيعتنا المفرقين لجماعتنا الباغين علينا من امتنا
[ 216 ]
فحاججناهم إلى الله فنصرنا الله عليهم وقتل طلحة والزبير وقد تقدمت اليهما بالنذر واشهدت عليهما صلحاء الامة ومكنتهما في البيعة فما أطاعا المرشدين ولا أجابا الناصحين ولاذ اهل البغي بعائشة فقتل حولها جم لا يحصى عددهم إلا الله ثم ضرب الله وجه بقيتهم فأدبروا فما كانت ناقة الحجر بأشأم منها على اهل ذلك المصر مع ما جاءت به من الحوب الكبير في معصيتها لربها ونبيها من الحرب واغترار من اغتر بها وما صنعته من التفرقة بين المؤمنين وسفك دماء المسلمين لا بينة ولا معذرة ولا حجة لها فلما هزمهم الله امرت ان لا يقتل مدبرا ولا يجهز على جريح ولا يهتك ستر ولا يدخل دار إلا باذن اهلها وقد آمنت الناس واستشهد منا رجال صالحون ضاعف الله لهم الحسنات ورفع درجاتهم وأثابهم ثواب الصابرين وجزاهم من اهل مصر عن اهل بيت نبيهم احسن ما يجزى العاملين بطاعته والشاكرين لنعمته فقد سمعتم واطعتم ودعيتم فأجبتم فنعم الاخوان والاعوان على الحق انتم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتب عبد الله بن ابى رافع في رجب سنة ست وثلاثين. سيرته في أهل البصرة: روى مطر بن خليفة عن منذر الثوري قال لما انهزم الناس يوم الجمل امر امير المؤمنين عليه السلام مناديا ينادي ان لا تجهزوا على جريح ولا تتبعوا مدبرا وقسم ما حواه العسكر من السلاح والكراع. وروى سفيان بن سعد قال قال عمار لامير المؤمنين (ع) ما ترى في سبي الذرية قال ما أرى عليهم من سبيل انما قاتلنا من قاتلنا ولما قسم ما حواه العسكر قال له بعض القراء من اصحاب اقسم من ذراريهم لنا واموالهم وإلا فما الذى أحل دماءهم ولم يحل اموالهم فقال عليه السلام
[ 217 ]
هذه الذرية لا سبيل عليها وهم في دار هجرة وانما قتلنا من حاربنا وبغى علينا وأما أموالهم فهي ميراث لمستحقيها من أرحامهم فقال عمار رحمه الله لا نتبع مدبرهم ولا نجهز على جريحهم فقال (ع) لا لاني آمنتهم. وروى سعد بن جشم عن خارجة عن مصعب عن أبيه قال شهدنا مع أمير المؤمنين (ع) الجمل فلما ظفرنا بهم خرجنا في طلب الطعام فجعلنا نمر بالذهب والفضة فلا نتعرض له وإذا وجدنا الطعام أصبنا منه قال وقسم علي (ع) ما وجده في العسكر من طيب بين نسائنا وقال (ع) مروا نساء هؤلاء المقتولين من أهل البصرة أن يعتدن منهم ولنقسم أموالهم في أهليهم فهي ميراث لهم على فريضة من الله قال وكان إذا أتى بأسير منهم فان كان قاتل قتله وان لم تقم عليه بينة بالقتل أطلقه ولما قسم ما حواه العسكر أمر بفرس فيه كادت أن تباع فقام إليه رجل قال يا أمير المؤمنين هذه الفرس لي كانت وإنما أعرتها لفلان ولم أعلم انه يخرج عليها فسأله البينة على ذلك فأقام البينة انها عارية فردها وقسم ما سوى ذلك. ذمه أهل البصرة: وروى نصر بن عمر بن سعد عن أبي خالد عن عبد الله بن عاصم عن محمد بن بشير الهمداني عن الحرث بن سريع قال لما ظهر امير المؤمنين (ع) على أهل البصرة وقسم ما حواه العسكر قام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله وقال: أيها الناس ان الله عزوجل ذو رحمة واسعة ومغفرة دائمة لاهل طاعته وقضى ان نقمته وعقابه على أهل معصيته يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة ؟ ويا جند المرأة ؟ وأتباع البهيمة رغا فرجفتم، وعقر فانهزمتم أحلامكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وأنتم فسقة مراق
[ 218 ]
أرضكم قريبه من الماء ; بعيدة من السماء، خفت عقولكم، وسفهت أحلامكم، شهرتم سيوفكم علينا، وسفكتم دماءكم، وخالفتم إمامكم، فأنتم أكلة الآكل، وفريسة الظافر، والنار لكم مدخر، والعار لكم مفخر، يا أهل البصرة: نكثتم بيعتى، وظاهرتم علي ذوي عداوتي، فما ظنكم يا أهل البصرة الآن ؟. فقام إليه رجل منهم فقال نظن خيرا يا أمير المؤمنين ونرى انك ظفرت وقدرت فان عاقبت فقد أجرمنا وان عفوت فالعفو أحب إلى رب العالمين. فقال (ع) قد عفوت عنكم فاياكم والفتنة فانكم أول من نكث البيعة وشق عصا الامة فارجعوا عن الحوبة واخلصوا فيما بينكم وبين الله بالتوبة ولما فرغ (ع) من الخطبة وكلامه لاهل البصرة ركب بغلته واجتمع إليه جماعة من شرطة الخميس وطوايف. أسباب بغض عائشة: عن عمر بن أبان قال لما ظهر أمير المؤمنين على أهل البصرة جاءه رجال منهم فقالوا يا أمير المؤمنين ما السبب الذي دعا عائشة إلى المظاهرة عليك حتى بلغت من خلافك وشقاقك ما بلغت ؟ وهي امرأة من النساء لم يكتب عليها القتال ولا فرض عليها الجهاد ولا ارخص لها في الخروج من بيتها ولا التبرج بين الرجال وليست مما تولته في شيئ على حال فقال (ع) سأذكر أشياء حقدتها علي ليس في واحد منها ذنب إليها ولكنها تجرمت بها علي. أحدها: تفضيل رسول الله لي على أبيها وتقديمه إياي في مواطن الخير عليه فكانت تضطغن ذلك ويصعب عليها وتعرفه منه فتتبع رأيه فيه وثانيها: لما آخى بين أصحابه آخى بين أبيها وبين عمر بن
[ 219 ]
الخطاب واختصني باخوته فغلظ ذلك عليها وحدتني لسعدى منه. وثالثها: أوصى صلوات الله عليه بسد أبواب كانت في المسجد لجميع أصحابه إلا بابي فلما سد باب أبيها وصاحبه وترك بابى مفتوحا في المسجد تكلم في ذلك بعض أهله فقال صلوات الله عليه ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي بل الله عزوجل سد أبوابكم وفتح بابه فغضب لذلك أبو بكر وعظم عليه وتكلم في أهله بشئ سمعته منه ابنته فاضطغنته علي. وكان رسول الله أعطى أباها الراية يوم خيبر وأمره أن لا يرجع حتى يفتح أو يقتل فلم يلبث لذلك وانهزم فأعطاها في الغد عمر بن الخطاب وأمره بمثل ما أمر صاحبه فانهزم ولم يلبث فساء رسول الله ذلك وقال لهم ظاهرا معلنا: لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتع الله على يده فأعطاني الراية فصبرت حتى فتح الله على يدي فغم ذلك أباها وأحزنه فاضطغنه علي ومالي إليه ذنب في ذلك فحقدت لحقد أبيها. وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله أباها ليؤدي سورة براءة وأمره أن ينبذ العهد للمشركين فمضى حتى انحرف فأوحى الله إلى نبيه أن يرده ويأخذ الآيات فيسلمها إلي فعرف أباها باذن الله عزوجل وكان فيما أوحى الله عزوجل إليه لا يؤدي عنك إلا رجل منك وكنت من رسول الله وكان مني فاضطغن لذلك علي أيضا واتبعته عائشة في رأيه. وكانت عائشة تمقت خديجة بنت خويلد وتشنئها شنآن الضرائر وكانت تعرف مكانها من رسول الله صلى الله عليه وآله فيثقل ذلك عليها وتعدى مقتها إلى ابنتها فاطمة فتمقتني وتمقت فاطمة وخديجة وهذا معروف في الضرائر. ولقد دخلت على رسول الله ذات يوم قبل أن يضرب الحجاب على
[ 220 ]
أزواجه وكانت عائشة بقرب رسول الله فلما رآني رحب وقال ادن مني يا علي ولم يزل يدنيني حتى أجلسني بينه وبينها فغلظ ذلك عليها فأقبلت إلي وقالت بسوء رأي النساء وتسرعهن إلى الخطاب ما وجدت لاستك يا علي موضعا غير موضع فخذي فزبرها النبي صلى الله عليه وآله وقال لها العلي تقولين هذا انه والله أول من آمن بي وصدقني وأول الخلق وردا علي الحوض وهو أحق الناس عهدا إلي لا يبغضه أحد إلا أكبه الله على منخره في النار فازدادت بذلك غيضا علي. ولما رميت بما رميت اشتد ذلك على النبي فاستشارني في أمرها فقلت له يا رسول الله سل جاريتها بريرة واستبرء الحال منها فان وجدت عليها شيئا فخل سبيلها فالنساء كثيرة فأمرني ان اتولى مسألة بريرة واستبرء الحال منها ففعلت ذلك فحقدت علي والله ما اردت بها سوء لكنى نصحت لله ولرسوله وامثال ما ذكرت فان شئتم فاسألوها ما الذي نقمت علي حتى خرجت مع الناكثين لبيعتي وسفك دماء شيعتي والتظاهر بين المسلمين بعداوتي إلا البغي والشقاق والمقت لي بغير سبب يوجب ذلك في الدين والله المستعان. فقال القوم القول والله ما قلت يا امير المؤمنين ولقد كشفت الغمة ولقد نشهد إنك اولى بالله ورسوله ممن عاداك فقال الحجاج بن عزمة الانصاري في ابيات يتصل بما ذكرناه ويغني ما اثبتناه من هذه الجملة منها عن ايرادها. قال الواقدي ولما فرغ امير المؤمنين (ع) من اهل الجمل جاءه قوم من فتيان قريش يسألونه الامان وان يقبل منهم البيعة فاستشفعوا إليه بعبد الله بن العباس فشفعه وامر لهم في الدخول عليه فلما مثلوا بين يديه قال لهم ويلكم يا معشر قريش علام تقاتلونني على ان حكمت فيكم بغير عدل أو قسمت بينكم بغير سوية أو استأثرت عليكم أو لبعدي عن
[ 221 ]
رسول الله أو لقلة بلاء مني في الاسلام فقالوا يا امير المؤمنين نحن اخوة يوسف فاعف عنا واستغفر لنا فنظر إلى احدهم فقال له من انت ؟ قال انا مساحق بن مخرمة معترف بالزلة مقر بالخطيئة تائب من ذنبي فقال عليه السلام قد صفحت عنكم وايم الله ان فيكم من لا ابالي بايعني بكفه أو باسته ولئن بايعني لينكثن. وتقدم إليه مروان بن الحكم وهو متكئ على رجل فقال له ما بك ؟ هل بك جراحة ؟ قال نعم يا امير المؤمنين وما ارانى إلا لما بى فتبسم أمير المؤمنين (ع) وقال لا والله ما انت لما بك وستلقى هذه الامة منك ومن ولدك يوما احمرا وبايعه وانصرف وتقدم إليه عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فلما نظر إليه امير المؤمنين (ع) قال والله لئن كنت انت واهل بيتك لاهل دعة وان كان فيكم غنى ولكن اعف عنكم ولقد ثقل علي حيث رأيتكم في القوم واحببت ان تكون الواقعة بغيركم فقال له عبد الرحمن فقد صار ذلك إلى ما لا يجب ثم بايعه وانصرف. مسير عائشة إلى المدينة: ولما عزم أمير المؤمنين (ع) على المسير إلى الكوفة انفذ إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة فتهيأت لذلك وانفذ معها اربعين امرأة البسهن العمائم والقلانس وقلدهن السيوف وامرهن ان يحفظنها ويكن عن يمينها وشمالها ومن ورائها فجعلت عائشة تقول في الطريق اللهم افعل بعلي بن ابى طالب وافعل بعث معي الرجال ولم يحفظ بى حرمة رسول الله فلما قدمن المدينة معها القين العمائم والسيوف ودخلن معها فلما رأتهن ندمت على ما فرطت بذم امير المؤمنين (ع) وسبه وقالت جزى الله ابن ابى طالب خيرا فلقد حفظ في حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله.
[ 222 ]
اعتراف مروان بالظلم: وروى ابو مخنف عن العدي عن ابى هشام عن البريد عن عبد الله ابن المخارق عن هاشم بن مساحق القرشي قال حدثنا ابى انه لما انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحكم فقال بعضهم لبعض والله لقد ظلمنا هذا الرجل يعنون أمير المؤمنين (ع) ونكثنا بيعته من غير حدث والله لقد ظهر علينا فما رأينا قط اكرم سيرة منه ولا احسن عفوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله تعالوا حتى ندخل عليه ونعتذر إليه فيما صنعناه قال فصرنا إلى بابه فاستأذناه فأذن لنا فلما مثلنا بين يديه جعل متكلمنا يتكلم فقال (ع) انصتوا اكفكم انما انا بشر مثلكم فان قلت حقا فصدقوني وان قلت باطلا فردوا علي انشدكم الله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وانا اولى الناس به وبالناس من بعده ؟ قلنا اللهم نعم قال فعدلتم عني وبايعتم ابا بكر فأمسكت ولم احب ان اشق عصا المسلمين وافرق بين جماعاتهم ثم ان ابا بكر جعلها لعمر من بعده فكففت ولم اهج الناس وقد علمت انى كنت اولى الناس بالله وبرسوله وبمقامه فصبرت حتى قتل وجعلني سادس ستة فكففت ولم احب ان افرق بين المسلمين ثم بايعتم عثمان فطغيتم عليه وقتلتموه وانا جالس في بيتي واتيتموني وبايعتموني كما بايعتم ابا بكر وعمر وفيتم لهما ولم تفوا لي وما الذي منعكم من نكث بيعتهما ودعاكم إلى نكث بيعتى فقلنا له كن يا امير المؤمنين كالعبد الصالح يوسف إذ قال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين: فقال (ع) لا تثريب عليكم اليوم وان فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث باسته ; يعنى مروان بن الحكم. وروى المسعودي عن هاشم بن الوليد عن ابن سعيد التميمي عن
[ 223 ]
ابى ثابت مولى ابى ذر قال شهدت مع أمير المؤمنين (ع) الجمل فلما رأيت عائشة واقفة بين الصفين ومعها طلحة والزبير قلت ام المؤمنين وزوجة الرسول وحواري الرسول وصاحبيه بأحد فدخلني ما يدخل الناس من الشك حتى كان عند صلوة الظهر كشف الله ذلك عن قلبي وقلت علي امير المؤمنين واخو سيد المرسلين واولهم اسلاما لم يكن بالذي يقدم على شبهة فقالت معه قتالا شديدا فلما انقضى الحرب اتيت المدينة فسرت إلى بيت ام سلمة فاستأذنت عليها فقيل من هذا فقلت سائل فقالت اطعموا السائل فقلت انى والله لم أسأل طعاما ولكني مولى ابى ذر رجعت اسأل عن ديني فقالت مرحبا بك فقصصت عليها فقالت اين كنت حين طارت القلوب مطايرها فقلت انى بينما احس ذلك إذ كشف الله عن قلبي فقاتلت مع أمير المؤمنين (ع) حتى فرغ فقالت احسنت انى سمعت رسول الله يقول ان عليا مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقا حتى يردا الحوض. فصل: وقد اختلفت الروايات في عدد القتلى بالبصرة فقد جاء في بعضها انهم خمسة وعشرون الفا. وروى عن عبد الله بن الزبير رواية شاذة انهم خمسة عشر الف قتيل ويوشك ان يكون ابن الزبير اثبت ولكن القول في ذلك باطل لبعده عن جميع ما قاله اهل العلم فاما الاخبار عن عدد من قطعت يده يومئذ ورجله ثم قتل بعد ذلك فهي مشهورة انهم كانوا نحو من اربعة عشر الف رجل. ابن عباس والي البصرة: فصل: ومما رواه الواقدي عن رجاله قال لما اراد امير المؤمنين الخروج من البصرة استخلف عليها عبد الله بن العباس ووصاه وكان
[ 224 ]
في وصيته له ان قال: يا ابن عباس عليك بتقوى الله والعدل بمن وليت عليه وان تبسط للناس وجهك وتوسع عليهم مجلسك وتسعهم بحلمك وإياك والغضب فانه طيرة الشيطان واياك والهوى فانه يصدك عن سبيل الله واعلم ان ما قربك من الله فهو مباعدك من النار وما باعدك من الله فمقربك من النار واذكر الله كثيرا ولا تكن من الغافلين وروى ابو مخنف لوط بن يحيى قال لما استعمل امير المؤمنين عبد الله بن العباس على البصرة خطب الناس فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي ثم قال: معاشر الناس قد استخلفت عليكم عبد الله بن العباس فاسمعوا له واطيعوا امره ما اطاع الله ورسوله فان احدث فيكم أو زاغ عن الحق فاعلموا انى اعزله عنكم فانى ارجو ان اجده عفيفا تقيا ورعا وانى لم اوله عليكم إلا وانا اظن ذلك به غفر الله لنا ولكم. فأقام عبد الله بالبصرة حتى عمد امير المؤمنين (ع) إلى التوجه إلى الشام فاستخلف عليها زياد بن ابيه وضم إليه ابا الاسود الدؤلي ولحق بأمير المؤمنين حتى سار إلى صفين. وروى ابو مخنف لوط بن يحيي عن رجاله لما اراد امير المؤمنين (ع) التوجه إلى الكوفة قام في اهل البصرة فقال ما تنقمون علي يا اهل البصرة ؟ واشار إلى قميصه وردائه فقال والله انهما لمن غزل اهلي ما تنقمون مني يا اهل البصرة واشار إلى صرة في يده فيها نفقته فقال والله ما هي إلا من غلتي بالمدينة فان انا خرجت من عندكم بأكثر مما ترون فانا عند الله من الخائنين ثم خرج وشيعه الناس إلى خارج البصرة وتبعه الاحنف بن قيس إلى الكوفة. ولما خرج وصار على غلوة استقبل الكوفة بوجهه وهو راكب بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وقال الحمد لله الذي اخرجني من اخبث البلاد
[ 225 ]
واخشنها ترابا واسرعها خرابا واقربها من الماء وابعدها من السماء بها مغيض الماء وبها تسعة اعشار الشر وهي مسكن الجن الخارج منها برحمة والداخل إليها بذنب اما انها لا تذهب الدنيا حتى يجيئ إليها كل فاجر ويخرج منها كل مؤمن وحتى يكون مسجدها كأنه جؤجؤ سفينة. فهذه جملة من اخبار البصرة وسبب فتنتها ومقالات اصحاب الآراء في حكم الفتنة بها قد اوردناها على سبيل الاختصار واثبتنا ما اثبتنا من الاخبار عن رجال العامة دون الخاصة ولم نثبت في ذلك ما روته الشيعة في إنكاره وكان الغرض فيما اوردناه في هذا الكتاب من تفصيل ذكر فتنة البصرة وما جرى فيها من القتال والفعال والابانة عن عناد القوم لأمير المؤمنين (ع) والقصد لحربه وسفك دمه من غير شبهة في امره ولا عذر فيما صاروا إليه من خلافه ولنوضح فيما تضمنته الاخبار في بطلان مقال من ادعى للقوم التوبة من فرطهم الضلال لحرب امير المؤمنين (ع) وفساد مذهب من ذهب إلى ذلك من المعتزلة والمرجئة والحشوية. ويدل على ما اثبتناه منه ان القوم مضوا مصرين على اعمالهم غير نادمين عليها ولا تائبين منها وانهم كانوا يتظاهرون إلى الله بالقربة والتدين بعداوتهم لامير المؤمنين (ع) والبغض والتضليل والتبديع له ولاولاده ولشيعته وانصاره والبراءة إلى الله من جميعهم وان امير المؤمنين (ع) يرى عليهم بمثل ذلك ويرى القربة إلى الله بجهادهم وقتالهم حتى مضى لسبيله وانا مثبت بعد الذي قدمت اخبارا قد سلم لصحتها اهل العقل والنقل على خلافهم في الآراء والمذاهب تؤكد ما ذكرت في هذا الكتاب ويشهد بصحة ما ذكرت وان كنت قد جمعتها في موضوع آخر من كتبي وانما أوردتها في هذا الكتاب لملائمتها لمعناه وتأييده لما تضمنته من فوائده وفحواه وبالله استعين.
[ 226 ]
فمن ذلك ما حدثنا به ابو بكر محمد بن عمر الجعابي قال حدثنا أبو العباس احمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن ابي الحسن علي بن الحسين ابن فضال باسناده في كتابه المعروف (بالمبنى) وهو اشهر ان يدل عليه العلماء عن ابان بن عثمان عن الاجلح عن ابي صالح عن عبد الله بن عباس قال لما رمى اهل الافك عائشة استشار رسول الله صلى الله عليه وآله عليا فيها فقال يا رسول الله النساء كثيرة سل الخادمة فسألوا بريرة فقالت ما علمت إلا خيرا فبلغ ذلك عائشة فقالت لا احب عليا بعد هذا ابدا وكانت تقول لا احب عليا ابدا أليس هو الذي خلا وصاحبه بجاريتي يسألانه عني وهذا حديث صحيح الاسناد واضح الطريق وهو يتضمن التصرح منها ببغض امير المؤمنين (ع) بنصيحته لرسول الله صلى الله عليه وآله واجتهاده في طاعته ومشورته من غير ان يكون ظلمها بذلك واعتدى عليها فيه إذ لو كان ذلك كذلك وحاشاه (ع) لما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله مقالته ولا قبل مشورته ولا انتهى فيه إلى رأيه ولما صار بعد ذلك إلى الاصغاء إليه والاعتماد في ذلك عليه فدل على صوابه وضلال من مقته لاجله وعاداه فيه (1). ومن ذلك ما رواه محمد بن مهران قال حدثنا محمد بن علي بن خلف قال حدثنا محمد بن كثير عن اسماعيل بن زياد البزاز عن ابي ادريس عن رافع مولى عائشة قال كنت غلاما اخدمها وكنت إذا كان رسول الله عندها اكون قريبا منها فبينما رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم عندها إذ جاء جاء فدق الباب فخرجت إليه فإذا جارية معها اناء مغطى فرجعت إلى
(1) تقدم في بعض الحواشى بيان كذب الحديث فانه مروى عنها فقط لانه لم ينقله احد من المسلمين غيرها وذكرنا ان المصنف (ره) انما ذكر القصة مماشاة مع القوم الذين طربوا لتنزيه عائشة بالقرآن وإلا فالشيخ المفيد لم تخف عليه هذه الظاهرة التي استوضحناها. (*)
[ 227 ]
عائشة واخبرتها فقالت ادخلها فدخلت فوضعته بين يدى عائشة ووضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فأكل منه فقال ياليت امير المؤمنين وسيد المرسلين وإمام المتقين يأكل معي فقالت عائشة ومن ذلك ؟ فجاء جاء فدق الباب فخرجت إليه فإذا هو علي بن ابى طالب (ع) فرجعت إليه فقلت هذا علي بالباب فقال ادخله فلما دخل قال له اهلا لقد تمنيتك حتى لو ابطيت لسألت الله ان يأتيني بك اجلس فكل معي فجلس معه ورأيت النبي صلى الله عليه وآله ينظر إليه ويقول قاتل الله من يقاتلك وعادى الله من عاداك فقالت عائشة من يقاتله ويعاديه فقال لها انت ومن معك. وهذا الحديث يدل على عداوتها له من حيث استفهمته عما تعلمه على وجه الانكار ودعائه في آخر القول على من يقاتله ويعاديه لعلمه بما يكون منها من القتال ايضا ودعائه على من عاداه ليبين فضيلته وما هي عليه من البغض والشنآن له ويزيل الشبهة عن الامة في حقه وصوابه وباطل عدوه في خلافه له وعناده. ومن ذلك ما رواه غير واحد عن الارقم بن شرحبيل عن عبد الله بن العباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفى فيه ابعثوا إلى علي وادعوه فقالت عائشة لو بعثت إلى ابي بكر وقالت حفصة لو بعثت إلى عمر فبعثنا إلى ابي بكر وعمر فلما حضرا فتح النبي عينيه فرأهما فقال انصرفا فان تكن لي حاجة بعثت اليكما. وروى اسحق عن عكرمة عن عبد الله بن العباس قال اغمي على النبي صلى الله عليه وآله ثم افاق فقال ادعوا لي اخي فأمرت عائشة ان يدعوا ابا بكر فدخل فلما رآه رسول الله اعرض عنه فقالت ام سلمة ادعوا له عليا فانه اخوه وحبيبه فدعوه فجاء حتى جلس بين يديه فلما رآه ادناه وناجاه طويلا وهذا الحديث مع استقامته وكثرة رواته وظهوره في الخاصة والعامة يدل على عداوتها له وحسدها عليه.
[ 228 ]
ومن ذلك ما احتج عليه اهل النقل من شهادتها لابي بكر في صواب منعه فاطمة فدكا ومقابلتها في تلك الشهادة امير المؤمنين (ع) فيما ذهب إليه من استحقاقها ومظاهرة ابي بكر على منع فاطمة من ميراث ابيها ولم يشركها في ذلك احدى الازواج. ومن ذلك ما رواه اسحق عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن عائشة قالت استشعر رسول الله من المرض في بيت ميمونة فدعى نساءه فاستأذنهن ان يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين من اهل بيته احدهما الفضل بن العباس ورجل آخر يخطان قدماه الارض عاصبا رأسه حتى دخل بيتى قال عبد الله فحدثت عنها عبد الله بن العباس فقال هل تدري من الرجل ؟ قال ذلك علي بن ابى طالب وما كانت امنا تذكره بخير وهي تستطيع ومن ذلك ان عائشة كانت تذم عثمان وولاته وكانت تقول كل قول بغضا منه وترفع قميص رسول الله فتقول هذا قميص رسول الله لم يبل وقد ابلى عثمان احكامه ولما جاء الناعي إلى مكة فنعاه بكى لقتله قوم من اهل ظنه فأمرت مناديا ينادي: ما بكاؤكم على نعثل اراد ان يطفئ نور الله فأطفأه الله تعالى وان يضيع سنة رسوله فقتله ثم ارجف بمكة ان طلحة قد بويع له فركبت مبادرة بغلتها وتوجهت نحو المدينة وهي مسرورة حتى انتهت إلى (سرف) فاستقبلها عبد بن ابي سلمة (1)
(1) في تاريخ الطبري (ج 5 – ص 172) يعرف بابن ام كلاب نسبة إلى امه ثم ذكر الحديث وذكر ابياته: منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر وانت امرت بقتل الامام * وقلت لنا: انه كفر فهبنا اطعناك في قتله * وقاتله عندنا من امر ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر – (*)
[ 229 ]
فقالت له ما عندك من الخبر قال قتل عثمان قالت فمن ذا ولوه قال بايعوا عليا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت والله لوددت ان هذه تطبق على هذه ان تمت لصاحبك فقال لها عبد بن ابى سلمة ولم ؟ فوالله ما على هذه الغبراء نسمة اكرم منه على الله فلماذا تكرهين قوله فقالت إنا عبنا على عثمان في امور سميناها له ولمناه عليها فتاب منها واستغفر الله فقبل منه المسلمون ولم يجدوا من ذلك بدا فوثب عليه صاحبك فقتله والله لاصبع من اصابع عثمان خير منه وقد مضى كما يمضي الرخيص ثم رجعت إلى مكة تنعى عثمان وتقول هذه المقالة للناس: فهل يصح رحمكم الله عند احد من العقلاء دخول الشبهة من بغضها أو يرتاب مكلف في اعنادها لامير المؤمنين عليه السلام على ما ذكرناه. ومن ذلك ما رواه نوح بن رواح عن ابى اسحق قال حدثني المنهال عن جماعة من اصحابنا ان طلحة لما قدم مكة جاء إلى عائشة فلما رأته قالت يا ابا محمد قتلت عثمان وبايعت عليا فقال لها يا اماه مثلى كما قال الشاعر ندمت ندامة الكسعي لما * رأت عيناي ما صنعت يداه أو لا ترى انها تبدي له العداوة في كل حال وتظهر العناد له بكل مقال ومن ذلك كتبها إلى الآفاق تؤلب عليه وتخذل الناس عنه من غير شبهة تعرض في الديانة لفعل كان منه كتبت إلى زيد بن صوحان على ما اجتمعت عليه نقلة الاخبار: بسم الله الرحمن الرحيم من عائشة ابنة ابى بكر ام المؤمنين زوجة النبي إلى ابنها المخلص زيد بن صوحان اما بعد إذا جاءك كتابي هذا فأقم في بيتك وخذل الناس عن علي حتى يأتيك امري وليبلغني عنك ما اقر به فانك من اوثق اهلي عندي والسلام.
– وقد بايع الناس ذا تدرء * يزيل الشبا ويزيل الصعر ويلبس للحرب اثوابها * وما من وفي مثل من قد غدر (*)
[ 230 ]
فكتب إليها زيد بن صوحان: بسم الله الرحمن الرحيم من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر اما بعد فان الله امرك بأمر وامرنا بأمر أمرك أن تقري في بيتك وأمرنا بالجهاد فأتاني كتابك بضد ما أمر الله به وذلك خلاف الحق والسلام (1). ومن ذلك ما تظاهرت به الاخبار وثبتت به الآثار في الكتب المصنفة في حرب البصرة وغيرها من كتاب عايشة إلى حفصة ما رواه عن الاصم عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال لما نزل علي (ع) ذا قار كتبت إلى حفصة الذي قدمنا ذكره. وروى بشر بن الربيع عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال ذكر النبي خروج بعض نسائه وعنده عائشة وعلي حاضر فضحكت عائشة والتفت إلى علي وقال إذا رأيت من امرها شيئا فارفق بها (2) وروى عصام بن قدامة البجلي عن ابن عباس قال قال رسول الله لعائشة وعنده نساءه ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وشمالها خلق كثير كلهم في النار وينجو بعد ما كادت. وروى أبو بكر بن عياش عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال المسعودي في حديثه قال رسول الله يا علي إذا أدركتها فاضربها واضرب أصحابها.
(1) تاريخ الطبري (ج 5 – ص 183). (2) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (ج 3 – ص 119) ولم يعقب عليه الذهبي وفي تطهير الجنان لابن حجر بهامش الصواعق المحرقة ص 108 قال رسول الله لعلي سيكون بينك وبين عائشة أمر قال علي (ع) أنا أشقاها ؟ قال لا فإذا كان ذلك فأرددها إلى مأمنها (*)
[ 231 ]
وروى علي بن مسهر هشام عن ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عائشة إني رأيتك في المنام مرتين أرى جملا يحملك في سدفة من حرير فاكشفتها فإذا هي أنت. أفلا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهاها وقد بين ما يكون منها على علم منه في مصيرها وعاقبة أمرها ثم نهاها عن ذلك وزجرها ودعا عليها لاجله وتوعدها صلى الله عليه وآله فاقدمت على خلافه مستبصرة بعداوته وارتكبت نهيه معاندة له في أمره وصارت إلى ما زجرها عنه مع الذكر له والعلم به من غير شبهة في معاندته على أن كتاب الله المقدم في الحجة على ما تعمده من اثر وخبر وسنة وقد اوضح ببرهانه على اقدام المرأة على الخلاف له من غير شبهة وقتاله وقتال أوليائه لغير حجة بقوله تعالى لها ولجميع نساء النبي: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى فخرجت من بيتها مخالفة لامر الله وتبرجت بين الملا والعساكر في الحروب تبرج الجاهلية الاولى وأباحت دماء المؤمنين وأفسدت الشرع على المسلمين وأوقعت في الدين الشبهات على المستضعفين. ومن ذلك ما رواه أبو داود الطبري عن عبد الله بن شريك عن عامر عن عبد الله بن عامر قال سمعت عبد الله بن بديل الخزاعى يقول لعائشة أنشدك الله ألم نسمعك تقولين سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (1) قالت بلى فقال لها إذا كان ذلك مم هذا قالت دعوني والله لوددت انهم تفانوا جميعا فدل ذلك على انه لم يعترضها شبهة في قتاله وانها في خلاف الله ورسوله والاخبار في هذا المعنى كثيرة ان أخذنا في ايرادها طال بها الكتاب فاما ما جاء في عناد طلحة والزبير لامير المؤمنين (ع) وإقدامهما على حرب عثمان
(1) رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (ج 3 ص 124) ولم يتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك. (*)
[ 232 ]
طمعا في نيل الامر من بعده بغير شبهة في ذلك وانهما كانا متوليين لقتل عثمان فلما بايع الناس لامير المؤمنين (ع) وفاتها ما كانا يأملانه من التأمر على الناس عمدا إلى حربه ورمياه بما صنعاه بعثمان وعاندا في ذلك وكابرا ودفعا به المعلوم. وروى موسى بن مطير عن الاعمش عن مسروق قال دخلنا المدينة فبدأنا بطلحة فخرج مشتملا بقطيفة حمراء فذكرنا له امر عثمان وهم القوم به فقال لقد كاد سفهاؤكم ان يغلبوا عقلاءكم ثم قال أجئتم معكم بحطب ألا فخذوا هاتين الحزمتين فاذهبوا بها إلى بابه فأحرقوه بالنار فخرجنا من عنده وأتينا الزبير فقال مثل قوله فخرجنا حتى أتينا عليا عند أحجار الزيت فذكرنا امره فقال استتيبوا الرجل ولا تعجلوا فان رجع عما هو عليه وإلا فانظروا. وروى محمد بن اسحاق عن أبي جعفر الاسدي عن أبيه عن عبد الله ابن جعفر قال كنت مع عثمان وهو محصور فلما عرف انه مقتول بعثنى و عبد الرحمان بن أزهر إلى علي (ع) وقد استولى طلحة على الامر وقال انطلقا وقولا له انك أولى بالامر من ابن الحضرمية فلا يغلبنك على امر ابن عمك. وروى الفضل بن دكين عن عمران الخزاعي عن ميسرة بن جرير قال كنت عند الزبير بأحجار الزيت وهو آخذ بيدي فأتاه رجل وقال يا أبا عبد الله ان أهل الدار قد حيل بينهم وبين الماء فقال ادبروا: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل انهم في شك مريب) فهذه الاخبار وأمثالها قد جاءت بما فعل طلحة والزبير بعثمان وما أباحاه من دمه وان أمير المؤمنين كان معتزلا لذلك عن عثمان دافعا عنه بحسب الامكان ثم جاءا بعد ذلك يطلبان بدم عثمان ويدعيان عليه انه تولى قتله ويقر فانه بما ادعياه ويعملان في قتل أهل الايمان
[ 233 ]
وإثارة الفتنة في الاسلام وهلاك العباد والبلاد. وروى ابراهيم بن عمر عن أبيه عن بشير عن نوح بن دراج ان عليا قال لهما والله ما للعمرة تريدان وقد بلغني أمركما وأمر صاحبتكما فحلفا بالله ما يريدان إلا العمرة. وروى الحسن بن المبارك عن بكر بن عيسى ان عليا (ع) أخذ عليهما العهد والميثاق أعظم ما أخذه على أحد من خلقه أن لا يخالفا ولا ينكثا ولا يتوجها وجها غير العمرة حتى يرجعا إليه فأعطياه ذلك من أنفسهما ثم أذن لهما فخرجا. وروت ام راشد مولاة ام هاني ان طلحة والزبير دخلا على علي فاستأذناه في العمرة فلما وليا من عنده سمعتهما يقولان ما بايعا بقلوبنا وانما بايعنا يأيدينا فأخبرت عليا بمقالتهما فقال: (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) ثم قام عليه السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اما بعد فان الله لما قبض نبيه قلنا نحن أهل بيته وعصبته وورثته وأولياؤه وأحق خلق الله به لا ينازعنا في سلطانه أحد فبينما نقول ذلك إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبينا منا وولوه غيرنا وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين أن يعودوا إلى الكفر لغيرنا ذلك ما استطعنا وقد وليتمونا أيها الناس أمركم وبايعني طلحة والزبير فيمن بايعني منكم ثم نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم ويلقيا ما بينكم الفتنة اللهم فخدهما بغشهما لهذه الامة وسوء بطرهما. وفي رواية اخرى في غير هذا الكتاب خطبته هكذا: اما بعد فانه لما قبض الله رسوله قلنا نحن أهله وورثته وعترته
[ 234 ]
وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا في سلطانه أحد ولا يطمع في حقنا طامع إذا انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا فصارت الامرة لغيرنا وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ويتعزز علينا الذليل فبكت الاعين منا لذلك وخشنت الصدور وجزعت النفوس وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وان يعودوا إلى الكفر ويبور الدين لكنا على غير ما كنا لهم عليه فولى الامر ولاة لم يألوا الناس خيرا ثم استخرجتموني أيها الناس من بيتى فبايعتموني على شنئان مني لامركم وفراسة تصدقني عما في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايعني تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم إلى آخر ما في المتن قال وقد كان في منع الحسن (ع) أن يدفن مع جده فيما لا خلاف فيه بين العلماء فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم ولى تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب وكانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها ومن الله نسأل التوفيق لما يرضيه والعمل بما يقرب منه ونستهديه إلى سبيل الرشاد انه ولي الاجابة قريب مجيب والحمد لله حمد العارفين بفضل العوارف وصلوته وسلامه على سيدنا محمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق هلال الدين ونور المتقين وسيد الاولين والآخرين وآله الطاهرين. الارشاد للشيخ المفيد – صدر إلى الاسواق: – سر السلسلة العلوية – لابي نصر البخاري غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار – علل الشرايع للشيخ الصدوق نبذة من منشورات المطبعة الحيدرية – نجف – تلفون (368) – العنوان: نجف المكتبة الحيدرية (محمد كاظم الكتبى) – مناقب آل ابى طالب 3 ج حق اليقين ج 2 – معالم العلماء – الافصاح في الامامة للمفيد – الامالى الرجال والفهرست للشيخ الطوسى – الكنى والالقاب ج – ابو هريرة – الخصائص الحسينية – تظلم الزهراء المنتخب للطريحي – الفوادح الحسينية – شجرة طوبى ج 2 الكوكب الدرى – توحيد المفضل – قصص القرآن – القبائل العراقية الامام الصادق ج 2 بشارة الاسلام – اليقين في الامرة) – سعد السعود) – الشهيد مسلم بن عقيل مثير الاحزان – غزوات الامير للنقدى – تاريخ الكوفة – قضاء امير المؤمنين سليم بن قيس – الالفين للعلامة – الفصول المهمة للحر العاملي قصص الانبياء للجزائري في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايعني تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم إلى آخر ما في المتن قال وقد كان في منع الحسن (ع) أن يدفن مع جده فيما لا خلاف فيه بين العلماء فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم ولى تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب وكانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها ومن الله نسأل التوفيق لما يرضيه والعمل بما يقرب منه ونستهديه إلى سبيل الرشاد انه ولي الاجابة قريب مجيب والحمد لله حمد العارفين بفضل العوارف وصلوته وسلامه على سيدنا محمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق هلال الدين ونور المتقين وسيد الاولين والآخرين وآله الطاهرين. الارشاد للشيخ المفيد – صدر إلى الاسواق: – سر السلسلة العلوية – لابي نصر البخاري غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار – علل الشرايع للشيخ الصدوق نبذة من منشورات المطبعة الحيدرية – نجف – تلفون (368) – العنوان: نجف المكتبة الحيدرية (محمد كاظم الكتبى) – مناقب آل ابى طالب 3 ج حق اليقين ج 2 – معالم العلماء – الافصاح في الامامة للمفيد – الامالى الرجال والفهرست للشيخ الطوسى – الكنى والالقاب ج – ابو هريرة – الخصائص الحسينية – تظلم الزهراء المنتخب للطريحي – الفوادح الحسينية – شجرة طوبى ج 2 الكوكب الدرى – توحيد المفضل – قصص القرآن – القبائل العراقية الامام الصادق ج 2 بشارة الاسلام – اليقين في الامرة) – سعد السعود) – الشهيد مسلم بن عقيل مثير الاحزان – غزوات الامير للنقدى – تاريخ الكوفة – قضاء امير المؤمنين سليم بن قيس – الالفين للعلامة – الفصول المهمة للحر العاملي قصص الانبياء للجزائري تنزيه الانبياء للمرتضى – اثبات الوصية – عمدة الطالب – الدرجات الرفيعة للسيد على خان. تمت في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايعني تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم إلى آخر ما في المتن قال وقد كان في منع الحسن (ع) أن يدفن مع جده فيما لا خلاف فيه بين العلماء فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم ولى تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب وكانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها ومن الله نسأل التوفيق لما يرضيه والعمل بما يقرب منه ونستهديه إلى سبيل الرشاد انه ولي الاجابة قريب مجيب والحمد لله حمد العارفين بفضل العوارف وصلوته وسلامه على سيدنا محمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق هلال الدين ونور المتقين وسيد الاولين والآخرين وآله الطاهرين. الارشاد للشيخ المفيد – صدر إلى الاسواق: – سر السلسلة العلوية – لابي نصر البخاري غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار – علل الشرايع للشيخ الصدوق نبذة من منشورات المطبعة الحيدرية – نجف – تلفون (368) – العنوان: نجف المكتبة الحيدرية (محمد كاظم الكتبى) – مناقب آل ابى طالب 3 ج حق اليقين ج 2 – معالم العلماء – الافصاح في الامامة للمفيد – الامالى الرجال والفهرست للشيخ الطوسى – الكنى والالقاب ج – ابو هريرة – الخصائص الحسينية – تظلم الزهراء المنتخب للطريحي – الفوادح الحسينية – شجرة طوبى ج 2 الكوكب الدرى – توحيد المفضل – قصص القرآن – القبائل العراقية الامام الصادق ج 2 بشارة الاسلام – اليقين في الامرة) – سعد السعود) – الشهيد مسلم بن عقيل مثير الاحزان – غزوات الامير للنقدى – تاريخ الكوفة – قضاء امير المؤمنين سليم بن قيس – الالفين للعلامة – الفصول المهمة للحر العاملي قصص الانبياء للجزائري تنزيه الانبياء للمرتضى – اثبات الوصية – عمدة الطالب – الدرجات الرفيعة للسيد على خان. تمت في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايعني تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم إلى آخر ما في المتن قال وقد كان في منع الحسن (ع) أن يدفن مع جده فيما لا خلاف فيه بين العلماء فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم ولى تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب وكانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها ومن الله نسأل التوفيق لما يرضيه والعمل بما يقرب منه ونستهديه إلى سبيل الرشاد انه ولي الاجابة قريب مجيب والحمد لله حمد العارفين بفضل العوارف وصلوته وسلامه على سيدنا محمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق هلال الدين ونور المتقين وسيد الاولين والآخرين وآله الطاهرين. الارشاد للشيخ المفيد – صدر إلى الاسواق: – سر السلسلة العلوية – لابي نصر البخاري غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار – علل الشرايع للشيخ الصدوق نبذة من منشورات المطبعة الحيدرية – نجف – تلفون (368) – العنوان: نجف المكتبة الحيدرية (محمد كاظم الكتبى) – مناقب آل ابى طالب 3 ج حق اليقين ج 2 – معالم العلماء – الافصاح في الامامة للمفيد – الامالى الرجال والفهرست للشيخ الطوسى – الكنى والالقاب ج – ابو هريرة – الخصائص الحسينية – تظلم الزهراء المنتخب للطريحي – الفوادح الحسينية – شجرة طوبى ج 2 الكوكب الدرى – توحيد المفضل – قصص القرآن – القبائل العراقية الامام الصادق ج 2 بشارة الاسلام – اليقين في الامرة) – سعد السعود) – الشهيد مسلم بن عقيل مثير الاحزان – غزوات الامير للنقدى – تاريخ الكوفة – قضاء امير المؤمنين سليم بن قيس – الالفين للعلامة – الفصول المهمة للحر العاملي قصص الانبياء للجزائري تنزيه الانبياء للمرتضى – اثبات الوصية – عمدة الطالب – الدرجات الرفيعة للسيد على خان. تمت في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايعني تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم إلى آخر ما في المتن قال وقد كان في منع الحسن (ع) أن يدفن مع جده فيما لا خلاف فيه بين العلماء فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم ولى تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب وكانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها ومن الله نسأل التوفيق لما يرضيه والعمل بما يقرب منه ونستهديه إلى سبيل الرشاد انه ولي الاجابة قريب مجيب والحمد لله حمد العارفين بفضل العوارف وصلوته وسلامه على سيدنا محمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق هلال الدين ونور المتقين وسيد الاولين والآخرين وآله الطاهرين. الارشاد للشيخ المفيد – صدر إلى الاسواق: – سر السلسلة العلوية – لابي نصر البخاري غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار – علل الشرايع للشيخ الصدوق نبذة من منشورات المطبعة الحيدرية – نجف – تلفون (368) – العنوان: نجف المكتبة الحيدرية (محمد كاظم الكتبى) – مناقب آل ابى طالب 3 ج حق اليقين ج 2 – معالم العلماء – الافصاح في الامامة للمفيد – الامالى الرجال والفهرست للشيخ الطوسى – الكنى والالقاب ج – ابو هريرة – الخصائص الحسينية – تظلم الزهراء المنتخب للطريحي – الفوادح الحسينية – شجرة طوبى ج 2 الكوكب الدرى – توحيد المفضل – قصص القرآن – القبائل العراقية الامام الصادق ج 2 بشارة الاسلام – اليقين في الامرة) – سعد السعود) – الشهيد مسلم بن عقيل مثير الاحزان – غزوات الامير للنقدى – تاريخ الكوفة – قضاء امير المؤمنين سليم بن قيس – الالفين للعلامة – الفصول المهمة للحر العاملي قصص الانبياء للجزائري تنزيه الانبياء للمرتضى – اثبات الوصية – عمدة الطالب – الدرجات الرفيعة للسيد على خان. تمت في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايعني تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم إلى آخر ما في المتن قال وقد كان في منع الحسن (ع) أن يدفن مع جده فيما لا خلاف فيه بين العلماء فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم ولى تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب وكانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها ومن الله نسأل التوفيق لما يرضيه والعمل بما يقرب منه ونستهديه إلى سبيل الرشاد انه ولي الاجابة قريب مجيب والحمد لله حمد العارفين بفضل العوارف وصلوته وسلامه على سيدنا محمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق هلال الدين ونور المتقين وسيد الاولين والآخرين وآله الطاهرين. الارشاد للشيخ المفيد – صدر إلى الاسواق: – سر السلسلة العلوية – لابي نصر البخاري غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار – علل الشرايع للشيخ الصدوق نبذة من منشورات المطبعة الحيدرية – نجف – تلفون (368) – العنوان: نجف المكتبة الحيدرية (محمد كاظم الكتبى) – مناقب آل ابى طالب 3 ج حق اليقين ج 2 – معالم العلماء – الافصاح في الامامة للمفيد – الامالى الرجال والفهرست للشيخ الطوسى – الكنى والالقاب ج – ابو هريرة – الخصائص الحسينية – تظلم الزهراء المنتخب للطريحي – الفوادح الحسينية – شجرة طوبى ج 2 الكوكب الدرى – توحيد المفضل – قصص القرآن – القبائل العراقية الامام الصادق ج 2 بشارة الاسلام – اليقين في الامرة) – سعد السعود) – الشهيد مسلم بن عقيل مثير الاحزان – غزوات الامير للنقدى – تاريخ الكوفة – قضاء امير المؤمنين سليم بن قيس – الالفين للعلامة – الفصول المهمة للحر العاملي قصص الانبياء للجزائري تنزيه الانبياء للمرتضى – اثبات الوصية – عمدة الطالب – الدرجات الرفيعة للسيد على خان. تمت في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايعني تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم إلى آخر ما في المتن قال وقد كان في منع الحسن (ع) أن يدفن مع جده فيما لا خلاف فيه بين العلماء فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم ولى تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب وكانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها ومن الله نسأل التوفيق لما يرضيه والعمل بما يقرب منه ونستهديه إلى سبيل الرشاد انه ولي الاجابة قريب مجيب والحمد لله حمد العارفين بفضل العوارف وصلوته وسلامه على سيدنا محمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق هلال الدين ونور المتقين وسيد الاولين والآخرين وآله الطاهرين. الارشاد للشيخ المفيد – صدر إلى الاسواق: – سر السلسلة العلوية – لابي نصر البخاري غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار – علل الشرايع للشيخ الصدوق نبذة من منشورات المطبعة الحيدرية – نجف – تلفون (368) – العنوان: نجف المكتبة الحيدرية (محمد كاظم الكتبى) – مناقب آل ابى طالب 3 ج حق اليقين ج 2 – معالم العلماء – الافصاح في الامامة للمفيد – الامالى الرجال والفهرست للشيخ الطوسى – الكنى والالقاب ج – ابو هريرة – الخصائص الحسينية – تظلم الزهراء المنتخب للطريحي – الفوادح الحسينية – شجرة طوبى ج 2 الكوكب الدرى – توحيد المفضل – قصص القرآن – القبائل العراقية الامام الصادق ج 2 بشارة الاسلام – اليقين في الامرة) – سعد السعود) – الشهيد مسلم بن عقيل مثير الاحزان – غزوات الامير للنقدى – تاريخ الكوفة – قضاء امير المؤمنين سليم بن قيس – الالفين للعلامة – الفصول المهمة للحر العاملي قصص الانبياء للجزائري تنزيه الانبياء للمرتضى – اثبات الوصية – عمدة الطالب – الدرجات الرفيعة للسيد على خان. تمت في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايعني تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم إلى آخر ما في المتن قال وقد كان في منع الحسن (ع) أن يدفن مع جده فيما لا خلاف فيه بين العلماء فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم ولى تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب وكانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها ومن الله نسأل التوفيق لما يرضيه والعمل بما يقرب منه ونستهديه إلى سبيل الرشاد انه ولي الاجابة قريب مجيب والحمد لله حمد العارفين بفضل العوارف وصلوته وسلامه على سيدنا محمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق هلال الدين ونور المتقين وسيد الاولين والآخرين وآله الطاهرين. الارشاد للشيخ المفيد – صدر إلى الاسواق: – سر السلسلة العلوية – لابي نصر البخاري غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار – علل الشرايع للشيخ الصدوق نبذة من منشورات المطبعة الحيدرية – نجف – تلفون (368) – العنوان: نجف المكتبة الحيدرية (محمد كاظم الكتبى) – مناقب آل ابى طالب 3 ج حق اليقين ج 2 – معالم العلماء – الافصاح في الامامة للمفيد – الامالى الرجال والفهرست للشيخ الطوسى – الكنى والالقاب ج – ابو هريرة – الخصائص الحسينية – تظلم الزهراء المنتخب للطريحي – الفوادح الحسينية – شجرة طوبى ج 2 الكوكب الدرى – توحيد المفضل – قصص القرآن – القبائل العراقية الامام الصادق ج 2 بشارة الاسلام – اليقين في الامرة) – سعد السعود) – الشهيد مسلم بن عقيل مثير الاحزان – غزوات الامير للنقدى – تاريخ الكوفة – قضاء امير المؤمنين سليم بن قيس – الالفين للعلامة – الفصول المهمة للحر العاملي قصص الانبياء للجزائري تنزيه الانبياء للمرتضى – اثبات الوصية – عمدة الطالب – الدرجات الرفيعة للسيد على خان. تمت في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايعني تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم إلى آخر ما في المتن قال وقد كان في منع الحسن (ع) أن يدفن مع جده فيما لا خلاف فيه بين العلماء فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم ولى تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب وكانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها ومن الله نسأل التوفيق لما يرضيه والعمل بما يقرب منه ونستهديه إلى سبيل الرشاد انه ولي الاجابة قريب مجيب والحمد لله حمد العارفين بفضل العوارف وصلوته وسلامه على سيدنا محمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق هلال الدين ونور المتقين وسيد الاولين والآخرين وآله الطاهرين. الارشاد للشيخ المفيد – صدر إلى الاسواق: – سر السلسلة العلوية – لابي نصر البخاري غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار – علل الشرايع للشيخ الصدوق نبذة من منشورات المطبعة الحيدرية – نجف – تلفون (368) – العنوان: نجف المكتبة الحيدرية (محمد كاظم الكتبى) – مناقب آل ابى طالب 3 ج حق اليقين ج 2 – معالم العلماء – الافصاح في الامامة للمفيد – الامالى الرجال والفهرست للشيخ الطوسى – الكنى والالقاب ج – ابو هريرة – الخصائص الحسينية – تظلم الزهراء المنتخب للطريحي – الفوادح الحسينية – شجرة طوبى ج 2 الكوكب الدرى – توحيد المفضل – قصص القرآن – القبائل العراقية الامام الصادق ج 2 بشارة الاسلام – اليقين في الامرة) – سعد السعود) – الشهيد مسلم بن عقيل مثير الاحزان – غزوات الامير للنقدى – تاريخ الكوفة – قضاء امير المؤمنين سليم بن قيس – الالفين للعلامة – الفصول المهمة للحر العاملي قصص الانبياء للجزائري تنزيه الانبياء للمرتضى – اثبات الوصية – عمدة الطالب – الدرجات الرفيعة للسيد على خان. تمت