الذريعة إلى أصول الشريعة ج ٢ – علي بن الحسين الشريف المرتضى

الذريعة (أصول فقه)

السيد المرتضى ج 2


[ 476 ]

انتشارات دانشگاه تهران شماره 2 / 1100 گنجينه عقايد وفقه اسلامي – شماره 2 – 26 تهران 1348 الذريعة إلى اصول الشريعة تصنيف سيد مرتضى علم الهدى قسمت دوم از اخبار تا پايان تصحيح ومقدمه وتعليقات وفهارس از أبو القاسم گرجي شماره مسلسل 1449 چاپ وصحافي اين كتاب در يكهزار ودويست نسخه در بهمن ماه 1348 در چاپخانه سازمان چاپ دانشگاه تهران خاتمه پذيرفت حق طبع اين كتاب تا سه سال در انحصار دانشگاه ومسئوليت صحت مطالب تصحيح شده آن با مصحح است


[ 477 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلوة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين (1). باب الكلام في الاخبار فصل في حد الخبر ومهم أحكامه الواجب أن يحد الخبر بأنه (2) ما صح فيه الصدق أو الكذب، لان حده بما يمضى في الكتب بأنه ما صح (3) فيه الصدق (4) والكذب ينتقض بالاخبار التي لا تكون (5) إلا صدقا، كقولنا: إنه – تعالى – محدث للعالم (6)، أو عالم لنفسه، و: إن الجهل والكذب قبيحان. وينتقض – أيضا – بما لا يكون إلا كذبا كنحو قولنا: إن صانع العالم محدث، والكذب حسن.


1 – التسمية والتحميد من المصحح لا من الاصل. 2 – ب: – بانه. 3 – الف: يصح. 4 – ج: – أو الكذب، تا اينجا. 5 – ب وج: يكون. 6 – ب وج: العالم. (*)

[ 478 ]

وقد حده قوم بأنه ما احتمل التصديق والتكذيب، فرارا من أن يقول في صادق (1) وكاذب: إنهما صدقا، أو كذبا. وحد الخبر بأنه ما احتمل التصديق والتكذيب صحيح في نفسه، وجار مجرى ما اخترناه من الحد. والصحيح أن الخبر عن صادق وكاذب بأنهما صدقا أو كذبا لا يكون إلا كذبا، لان مخبره ليس على (2) ما هو به. والخبر (3) إنما يصير خبرا بقصد (4) المخبر (5)، لان الكلام وإن تقدمت المواضعة فيه فإنما يتعلق بما يفيده (6) بالقصد، لان قول القائل: (محمد رسول الله (7)) لا يكون خبرا عنه – عليه السلام – (8) إلا بالقصد. وحكاية الخبر كلفظه (9)، ولا تكون (10) الحكاية خبرا لارتفاع القصد. وإظهار كلمة الكفر عند الاكراه لا يكون (11) خبرا، ولو كانت كذلك، لكانت كفرا، وإنما أبيح له إظهار كلمة (12) الكفر (13) تعريضا لا إخبارا.


1 – ج: صدق. * 2 – الف: + خلاف. 3 – ب: المخبر. * 4 – ج: بصدق. 5 – الف: الخبر. * 6 – الف: – بما يفيده، ب بما يفيد. 7 – ج: ص ع. * 8 – الف: – عليه السلام. 9 – ج: بلفظه. * 10 – ب وج: يكون. 11 – الف: تكون. * 12 – ب: – كلمة. 13 – ج: – الكفر. (*)

[ 479 ]

والخبر لا يخلو من صدق أو كذب، ولا واسطة بين الامرين، لان للخبر تعلقا بالمخبر عنه، فلا يخلو المخبر عنه من أن يكون على ما تناوله الخبر، فيكون صدقا، أو (1) ليس على ما تناوله الخبر، فيكون كذبا. وإذا لم يكن بين النفي والاثبات واسطة في مخبر الخبر، فلا واسطة في الخبر بين الصدق والكذب. وقول الجاحظ: (إنه لا يكون كاذبا إلا من (2) علم كونه كذلك) باطل، لان العقلاء يصفون (3) كل مخبر علموا أن مخبر خبره ليس على ما تناوله (4) خبره بأنه كاذب وإن لم يعلموا أنه عالم بذلك (5)، ولو كان العلم شرطا، لوجبت (6) مراعاته كما وجب مراعاة متناول الخبر. والمسلمون يصفون اليهود والنصارى بالكذب على الله، وإن كان أكثرهم لا يعلم أنه كاذب، بل يعتقد أنه صادق. ولو كان الامر (7) على ما ادعاه الجاحظ، لوجب أن يكون قول أحدنا لغيره (8): (إنه كاذب ولا يعلم بأنه عالم بكذبه (9)) مناقضة، ومما لا يمكن أن يكون حقا، ومعلوم خلاف


1 – ب: و. * 2 – ج: مع. 3 – ب: يضيفون. * 4 – ب: يتناوله. 5 – ج: كذالك. * 6 – ب: لوجب. 7 – ج: الامر، بالمد. * 8 – ج: بغير. 9 – ب: + لكان. (*)

[ 480 ]

ذلك. والجاحظ بنى (1) هذا على (2) مذهبه في المعارف، وأنها ضرورة، واعتقاده أن من لا يعرف فهو معذور، وكونه كاذبا يقتضي الذم، فلم يتصف به إلا مع العلم، وقد بينا في الذخيرة وغيرها بطلان هذا المذهب، ودللنا على أن المتمكن من المعرفة يقوم مقامها في لحوق الذم و (3) استحقاق العقاب. والصدق من جنس الكذب، لان السامع لا يفصل بينهما (4) بالادراك، ولو اختلفا في الجنس، لفصل بالادراك بينهما. ولم يكن الخبر خبرا لجنسه، ولا لصيغته، ولا لوجوده، بل لقصد (5) المخبر إلى كونه خبرا، وكل شئ دللنا به على أن الامر لم يكن أمرا لشئ (6) يرجع إلى أحوال الامر (7) مما قدمنا ذكره مبسوط هو دلالة في الخبر، فلا معنى لاعادته.


1 – الف: + على. * 2 – الف: – على. 3 – ج: – و. * 4 – ب: + الا. 5 – ب وج: بقصد. * 6 – ب: بشئ. 7 – ب: الاوامر. (*)

[ 481 ]

فصل في أن في الاخبار ما يحصل عنده العلم اعلم أن أصحاب المقالات حكوا (1) عن فرقة (2) تعرف (3) بالسمنية (4) إنكار وقوع العلم عند شئ من الاخبار، وأنهم يقصرون العلم على الادراك دون غيره. والذي يدل على بطلان هذا المذهب أنا نجد من سكون نفوسنا إلى إعتقاد وجود البلدان الكبار والحوادث العظام ما نجده (5) عند المشاهدات، فمن تشكك (6) في أن ذلك علم يقين (7) كمن تشكك (6) في الآخر، ومن ادعى أنه ظن قوى (8) كمن ادعاه في الامرين. و الاشبه – إن كانت هذه الحكاية حقا – أن يكون من خالف في ذلك إنما خالف في الاسم دون المعنى، واشتبه عليه العلم بالظن، كما نقوله (9) في (10) السوفسطائية. وهذا القدر كاف.


1 – ب وج: حكموا. * – 2 ج: فرق. 3 – الف: – تعرف. * 4 – السمنية كعرنية قوم بالهند دهريون قائلون بالتناسخ. (القاموس المحيط، ط مصر، ج 4، ص 238). 5 – ج: نجد. * 6 – ج: تشكل. 7 – الف: تعين. * 8 – ج: اقوى. 9 – ج: يقوله. * 10 – ج: – في. (*)

[ 482 ]

فصل في أقسام الاخبار (1) إعلم أن الاخبار تنقسم (2) إلى ثلثة أقسام: أولها يعلم أن مخبره على ما تناوله. وثانيها يعلم (3) أن مخبره ليس على ما تناوله. وثالثها يتوقف (4) فيه. وما يعلم أن مخبره على ما تناوله على ضربين: أحدهما يعلم ذلك من (5) حاله باضطرار، ومثاله بغير خلاف خبر (6) من أخبرنا (7) بأن السماء فوقنا والارض تحتنا، ومن أمثلتهم – على الخلاف الذي فيه، وسنذكره – الاخبار عن البلدان الكبار والحوادث العظام. والآخر أن يعلم أن (8) مخبره على ما تناوله (9) باكتساب (10)، كالخبر المتواتر وخبر الله – تعالى – (11) وخبر رسوله – صلى الله عليه وآله – وخبر الامة (12) بأجمعها. وقد ألحق قوم بهذا القسم لواحق سنتكلم (13) عليها، و


1 – ب: الخبر. * 2 – ج: ينقسم. 3 – الف: علم. * 4 – ب وج: متوقف. 5 – ج: بين، بجاى من. * 6 – ب: – خبر. 7 – ب: اخبر. * 8 – الف: – يعلم ان. 9 – ب وج: يتناوله. * 10 – ج: بالكتاب. 11 – الف: جل شأنه. * 12 – الف: الائمة. 13 – ب: سنكلم. (*)

[ 483 ]

نبين الصحيح منها من الفاسد إذا إنتهينا إليها بمشية الله تعالى. وأما (1) الخبر الذي يعلم أن مخبره (2) ليس على ما تناوله، فينقسم إلى قسمين: أحدهما (3) يعلم ذلك من حاله بإضطرار (4)، والثاني يعلم باكتساب (5). وينقسم إلى أقسام سنذكرها إذا إنتهينا (6) إلى (7) بابها بإذن الله (8). وأما الخبر الذى لا يعلم أن مخبره على ما تناوله، ولا أنه على خلافه (9)، فينقسم إلى قسمين: أحدهما يجب العمل (10) به، و الآخر لا يجب العمل به. والذي يجب العمل به (11) ينقسم إلى وجوب عقلي بغير خلاف، كالاخبار المتعلقة بالمنافع والمضار العقلية، وإلى وجوب سمعي، * ومثاله الشهادات بلا خلاف، و أخبار الآحاد الواردة بالاحكام الشرعية على الخلاف (12) الذي سنذكره. وأما الضرب الثاني من الضربين الاولين، وهو الذي


1 – ب: فاما. * 2 – الف: مخبر. 3 – الف: + ان. * 4 – ج: باضطراب. 5 – ج: بالكتاب. * 6 – الف وج: إذا انتهينا. 7 – الف: في. * 8 – ج + تعالى. 9 – ج: خلاف. * 10 – ج: العلم. 11 – ب: الاول، بجاى (الذى يجب العمل به)، ج: – والاخر، تا اينجا. 12 ب: + و. (*)

[ 484 ]

لا يجب العمل (1) به، فينقسم إلى (2) قسمين: أحدهما يقتضي الرد، والثاني يجب التوقف فيه من غير تكذيب ولا تصديق. وتفصيل ذلك يجئ في موضعه بمشية الله (3) تعالى. فصل في صفة العلم (4) الواقع عند الاخبار إعلم أن الاخبار على ضربين (5): ضرب لا (6) يحصل عنده علم، والضرب الآخر (7) يحصل (8) عنده العلم. فأما الضرب الاول، فخارج عن (9) هذا الفصل، لان العلم إذا لم يحصل فلا كلام لنا في أنه ضروري أو مكتسب. وأما الضرب الثاني، وهو ما يحصل عنده العلم، ينقسم قسمين: أحدهما يحصل العلم به (10) لكل عاقل (11) يسمع تلك الاخبار، ولا يقع منهم فيه شك، كأخبار البلدان والوقايع والحوادث الكبار


1 – ج: العلم. * 2 – ب: – إلى. 3 – ج: انشاء الله. * 4 – الف: – العلم. 5 – ب: ضرب. * 6 – ب: – لا. 7 – ج: + لا. * 8 – ب: يحتمل. 9 – الف: من. * 10 – ب: – به. 11 – ج: + و. (*)

[ 485 ]

والضرب الثاني لا يحصل (1) العلم عنده إلا لمن نظر، واستدل، و علم (2) أن المخبرين بصفة من لا (3) يكذب، ومثاله الاخبار عن معجزات النبي – صلى الله عليه وآله – الخارجة عن القرآن، وما ترويه الامامية من النص الصريح على أمير المؤمنين علي عليه السلام. فأما القسم الاول، فذهب قوم إلى أن العلم الواقع عنده ضروري من فعل الله – تعالى – بالعادة، وهو مذهب أبي (4) علي وأبي هاشم ومن تبعهما (5) من المتكلمين والفقهاء. وذهب قوم آخرون إلى أن العلم بذلك مكتسب ليس بضروري، وهو مذهب أبي القاسم (6) البلخي ومن وافقه. والذي (7) نصرته – وهو الاقوى في نفسي – في كتاب الذخيرة و الكتاب الشافي التوقف عن القطع على صفة هذا العلم بأنه ضروري أو مكتسب، وتجويز كونه على كل واحد من الوجهين. وإنما قوى ذلك في نفوسنا، لان العالم بهذه الاخبار يمكن


1 – ب وج: يجب حصول، بجاى يحصل. 2 – ب: اعلم. * 3 – ب: – لا. 4 – ج: أبو. * 5 – ج: + و. 6 – ب: القسم. * 7 – ب: فالذي. (*)

[ 486 ]

أن يكون قد تقدم له العلم على الجملة بصفة الجماعة التي قضت العادة بأنه لا يجوز أن يتفق منها الكذب، ولا أن تتواطأ عليه. وجائز أن يكون قد عرف ذلك وتصوره، فلما أخبره (1) عن البلدان والامصار من وجده على تلك الصفة الممهدة في (2) نفسه، فعل (3) اعتقادا (4) بصدق (5) هذه الاخبار، وكان ذلك الاعتقاد (6) علما، لمطابقته للجملة المتقدمة الممهدة في نفسه، ويكون هذا العلم كسبا له – لا محالة – غير ضروري. وليس لاحد أن يقول: أن إدخال التفصيل في الجملة إنما يكون فيما له أصل ضروري على سبيل الجملة، كمن علم أن من شأن الظلم أن يكون قبيحا على سبيل الجملة، فإذا علم في ضرر (7) بعينه أنه ظلم، فعل إعتقادا لقبحه (8)، وكان علما، لمطابقته الجملة المتقررة (9)، وأنتم جعلتم الجملة مكتسبة، والتفصيل كذلك.


1 – ب وج: خبره. * 2 – الف: – في. 3 – ب: فعلى. * 4 – ب وج: اعتقاد. 5 – ج: الصدق. * 6 – ب: – بصدق، تا اينجا. 7 – ب: ضرب. * 8 – الف بقبحه. 9 – ب: + معلومة ضرورة. (*)

[ 487 ]

وذلك (1) أنه لا فرق بين أن تكون (2) الجملة المتقررة معلومة ضرورة أو إكتسابا في جواز بناء التفصيل عليها، لان من علم منا بإكتساب (3) أن من (4) صح منه الفعل يجب أن يكون قادرا، و القادر يجب أن يكون حيا على سبيل الجملة، ثم علم في بعض الذوات صحة الفعل، فلا بد من أن يفعل اعتقادا لان (5) تلك الذات (6) قادرة، ويكون الاعتقاد علما. وكذلك إذا علم في ذات معينة أنها قادرة، وقد تقدمت الجملة التي ذكرناها، فلا بد من أن يفعل إعتقادا لكونها (7) حية، ويكون هذا الاعتقاد علما. فلا فرق إذن في دخول التفصيل في الجملة بين الضروري والمكتسب، و (8) كما أن ما ذكرناه ممكن جائز، فممكن – أيضا – أن يكون الله – تعالى – يفعل لنا العلم عند سماعنا الاخبار عن (9) البلدان وما جرى مجراها (10) بالعادة، وليس في العقل دليل على قطع بأحد الامرين، فالشك في


1 – ج: كذلك. * 2 – ب وج: يكون. 3 – ج: بالكتاب. * 4 – ب: – من 5 – الف: بان. * 6 الف: الذوات. 7 – الف: بكونها. * 8 – ب: – و. 9 – ح: من. * 10 – ب: مجراهما. (*)

[ 488 ]

ذلك غير مخل بشئ (1) من شروط التكليف. وقد تعلق من قطع على الضرورة بوجوه: أولها (2) أن العلم بمخبر (3) هذه (4) الاخبار لو كان مكتسبا لكان واقعا عن تأمل حال المخبرين، وبلوغهم إلى الحد الذي لا يجوز أن يكذبوا وهو على ما هم عليه، وهذا يوجب أن يكون من لم يستدل على ذلك ممن ليس هو من (5) أهل الاستدلال والنظر من العامة والمقلدين لا يعلمون (6) البلدان والحوادث الكبار، ومعلوم ضرورة الاشتراك في علم ذلك. ومنها (7) أن حدالعلم الضروري قائم في العلم بمخبر أخبار البلدان، لانا لا نتمكن من إزالة ذلك عن نفوسنا ولا الشك فيه، وهذا حد العلم الضروري. ومنها أن اعتقاد كون هذا العلم ضروريا صارف (8) قوي عن النظر فيه والاستدلال عليه، فكان يجب (9) أن يكون (10) كل من اعتقد


1 – الف: بشرط. * 2 – ب: – اولها، ومكانه بياض. 3 – ب: بخبر، ج: مخبر. * 4 – ج: هذا. 5 – ب: – من. * 6 – ج: يعلموا. 7 – ب: اولها، بجاى منها. * 8 – الف: صادق. 9 – ج: فيجب. * 10 – ب: – يكون. (*)

[ 489 ]

أن هذا (1) العلم ضروري غير عالم بالبلدان والامصار، لان إعتقاده يصرفه عن النظر، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك. فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا: إن طريق إكتساب (2) العلم بالفرق بين الجماعة التي لا يجوز أن تكذب (3) في خبرها وبين (4) من يجوز ذلك عليه قريب سهل لا يحتاج فيه إلى دقيق النظر ولطيف الاستدلال، وكل عاقل يعرف بالعادات الفرق بين الجماعة التي تقضي (6) العادات بامتناع الكذب عليها فيما ترويه وبين من ليس كذلك، والمنافع الدنيوية من التجارات ووجوه التصرفات مبنية على حصول هذا الفرق، لانه مستند إلى العادة، والتأمل اليسير كاف فيه، والدواعي إلى حصوله قوية، لاستناد المعاملات كلها * إليه (7) فلا يجب في العامة ومن ليس من أهل التدقيق أن لا يعلموا مخبر هذه الاخبار. ويقال لهم فيما تعلقوا به ثانيا: غير مسلم لكم ما حددتم به العلم الضروري، وما تنكرون أن يكون حده ما فعله فينا من هو أقدر منا


1 – ج: هذه: * 2 ج: الاكتساب. 3 – ج: يكذب. * 4 – الف: – بين. 5 – الف: – فيه. * 6 – ب: يقضى، ج: يقتضى. 7 – الف: – إليه. (*)

[ 490 ]

على وجه لا يتمكن من دفعه، فلا ينبغي أن تجعلوا ما تفردتم (1) به من الحد دليلا على موضع الخلاف. ويقال لهم فيما تعلقوا به ثالثا: إن العلم بالفرق بين صفة (2) الجماعة التي لا يجوز عليها الكذب ويمتنع التواطؤ (3) فيها للعقلاء (4) كالملجئين عند كمال عقولهم وشدة حاجتهم إلى التفتيش (5) والتصرف إلى العلم بذلك لقوة الدواعي إليه والبواعث عليه، وقد يحصل للعقلاء هذا العلم قبل أن يختص بعضهم بالاعتقاد الذي ذكرتم أنه صارف لهم، فإذن لا يجب خلو مخالفينا من هذه العلوم على ما ادعوه. ويلزم على هذا الوجه أن لا يكون أبو القاسم (6) البلخي عالما بأن المحدثات تفتقر (7) إلى محدث، لانه يعتقد أن العلم بذلك ضروري، واعتقاده هذا صارف له عن النظر، فيجب أن لا يكون عالما بذلك ولا عارفا بالله – تعالى – ولا بشئ من صفاته، فأي شئ قالوه في البلخي قلنا مثله فيما تعلقوا به.


1 -: ج فردتم. * 2 – ب: وصفه. 3 ج: التواتر، ب: التواطوا. * 4 – ج: العقلاء. 5 – ج: التعيش، ب: التعييش. * 6 – الف وب: القسم. 7 – ج: يفتقر. (*)

[ 491 ]

فإن قيل: إذا جوزتم أن يكون العلم بالبلدان وما جرى مجراها ضروريا، فهل يشترطون (1) في وقوع هذا العلم الشروط (2) التي شرطها أبو علي وأبو هاشم، أم تشترطون غيرها. قلنا: لا بد من شرط نختص (3) نحن به، وهو أن يكون من أخبر بالخبر الذي فعل الله – تعالى – عنده العلم الضروري لم يسبق بشبهة (4) أو تقليد إلى اعتقاد نفي موجب الخبر، لان هذا العلم (5) إذا كان مستندا إلى العادة وليس بموجب عن سبب، جاز في شروطه النقصان والزيادة بحسب ما يعلم الله – تعالى – من المصلحة. وإنما احتجنا إلى هذا (6) الشرط لئلا يقال لنا: أي فرق بين خبر البلدان والاخبار الواردة بمعجزات النبي صلى الله عليه وآله سوى القرآن، كحنين الجذع وانشقاق القمر (7) وتسبيح الحصى وما أشبه ذلك ؟ !. وأي فرق (8) – أيضا – بين أخبار البلدان وخبر النص الجلي على أمير المؤمنين علي – عليه السلام – (9) الذي تنفرد الامامية


1 – ظ: تشترطون، لكن النسخ كلها (يشترطون). * 2 – الف: بالشروط. 3 – ب وج: يختص. * 4 – ب: تشبيهه. 5 – الف: الفعل. * 6 – ج: هذه. 7 – ج: الخبر. * 8 – ج: * بين. 9 – ج: + و. (*)

[ 492 ]

بنقله ؟ ! وألا أجزتم أن يكون العلم بذلك كله ضروريا كما أجزتموه في أخبار البلدان ؟ ! وغير ممتنع أن يكن السبق إلى الاعتقاد مانعا من فعل العلم الضروري بالعادة، كما أن السبق إلى الاعتقاد بخلاف ما يولده النظر عند أكثر مخالفينا مانع من توليد (1) النظر للعلم، فإذا جاز ذلك فيما هو سبب موجب، فأولى أن يجوز فيما طريقه العادة. وليس لاحد أن يقول: فيجب على هذا أن لا يفعل العلم لمن سبق إلى اعتقاد نفي المعلوم (2)، ويفعل لمن لم يسبق. وكان يجب أن يكون العلم الضروري حاصلا لجماعة (3) المسلمين لما ذكرناه من المعجزات. وكان يجب (4) – أيضا – أن يكون الامامية عالمة بالنص ضرورة. وذلك أنه يمكن أن نقول (5): إن المعلوم في (6) نفسه إذا كان من باب ما يمكن السبق إلى إعتقاد نفيه إما لشبهة (7) أو تقليد، لم يجر (8)


1 – ج: توليده. * 2 – الف: العلوم. 3 – الف: + من. * 4 – الف: تجب. 5 – الف وج: يقول. * 6 – ب وج: – في. 7 الف: بشبهة. * 8 – ب: يجز. (*)

[ 493 ]

الله العادة العلم الضروري به، وإن كان مما لا يجوز أن يدعو العقلاء داع إلى اعتقاد نفيه، ولا (1) يعترض شبهة في مثله، كالخبر (2) عن البلدان (3)، جاز أن يكون العلم به ضروريا وواقعا عند الخبر بالعادة. وليس لهم أن يقولوا: فأجيزوا (4) أن يكون في العقلاء المخالطين لنا السامعين للاخبار من سبق إلى إعتقاد منع بالعادة من فعل العلم الضروري له، وهذا يوجب أن يجوزوا (5) صدق من أخبركم (6) بأنه لا يعرف بعض (7) البلدان الكبار والحوادث العظام مع سماعه (8) الاخبار وكمال عقله. وذلك أنا نعلم ضرورة (9) أنه لا داعي يدعو العقلاء إلى السبق إلى اعتقاد نفي بلد من البلدان، أو حادثة عظيمة من الحوادث، ولا (10) شبهة تدخل في مثل ذلك، ففارق هذا الباب أخبار المعجزات والنص.


1 – ج: – لا. * 2 – ج: كالمخبر. 3 – الف: البدان. * 4 – ب: فاخبروا، ج: واجيزوا. 5 – ظ: تجوزوا، لكن النسخ كلها (يجوزوا). 6 – ب وج: خبركم. * 7 – ج: بنص. 8 – ج: سماعة. * 9 – ج: بالضرورة. 10 – ج: والا. (*)

[ 494 ]

فأما القوم، فإنهم شرطوا شروطا ثلاثة: أولها أن يكون المخبرون أكثر من أربعة. وثانيها أن يكونوا (1) عالمين بما أخبروا (2) عنه ضرورة. وثالثها أن يكونوا ممن إذا وقع العلم بخبر عدد منهم وقع (3) بخبر كل عدد مثلهم. واعتلوا في اشتراطهم أن يكونوا أكثر من أربعة، بأن قالوا: لو وقع بخبر أربعة، لوجب وقوعه بخبر كل أربعة، فكان (4) شهود الزنا إذا شهدوا به (5) عند الحاكم، فلم يقع له العلم بما شهدوا به ضرورة، أن يعلم الحاكم أنهم (6) كذبوا أو بعضهم، أو أنهم شهدوا بما لم يشاهدوه (7)، وهذا يقتضي أن ترد (8) شهادتهم متى لم يكن مضطرا إلى صدقهم، والاجماع على خلاف ذلك. ويمكن الطعن على هذه الطريقة بأن (9) يقال: لفظ الشهادة وإن (10)


1 – الف: يكون. * 2 – ب وج: خبروا. 3 – ب: دفع. * 4 – ب: وكان، ج: فكاد. 5 – ب: – به. * 6 – الف: انه. 7 – ب: يشهدوه. * 8 – ج: يرد. 9 – ب: ان. * 10 – ب: فان. (*)

[ 495 ]

كان خبرا في المعنى، فهو (1) يخالف لفظ الخبر الذي ليس بشهادة، (2) فألا جاز أن يجري الله – تعالى – العادة بفعل العلم الضروري عند الخبر الذي ليس فيه لفظ الشهادة، ولا يفعله عند لفظ الشهادة (3)، وإن كان الكل إخبارا، كما أنه – تعالى – أجرى العادة عندهم بأن يفعله عند خبر من (4) خبر عن (5) مشاهدة، ولا يفعله عند خبر من خبر عن علم استدلالي، وإن كان الكل علوما (6) ويقينا ؟ ! و (7) أما الشرط الثاني من شروطهم، فدليله أن جماعة المسلمين يخبرون بأن الله – تعالى – واحد (8)، وأن محمدا – صلى الله عليه وآله (9) – رسول الله (10)، ولا يضطر مخالفوهم من (11) الملحدة والبراهمة واليهود إلى صدقهم، وإن اضطروا إلى العلم بما يخبرون * به من البلدان وما أشبهها. ودليلهم على الشرط الثالث أنه (12) لو لم يكن ذلك معتبرا،


1 – ب: وهو. * 2 – ب: شهادة. 3 – الف: – ولا يفعله عند لفظ الشهادة. 4 – ج: عن، بجاى من. * 5 – ج: – عن. 6 ج -: عموما. * 7 – ب: – و. 8 – ج: – واحد. * 9 – ج: – 6. 10 – ج: + ص ع. * 11 – ب: – من. 12 – ب وج: – انه. (*)

[ 496 ]

لجاز أن يكون في الناس من يخبره (1) الجماعة الكثيرة عن مشاهدة ولا يعلم مخبرهم، وتجويز ذلك يقتضي أن يصدق (2) من خبرنا عن نفسه بأنه لا يعلم أن في الدنيا بلدا (3) يعرف (4) بمصر وما جرى مجراها. وأما (5) البلخى، فإنه يتعلق (6) في نصرة مذهبه بأن يقول: لا يجوز أن يقع العلم الضروري بما ليس بمدرك، ومخبر الاخبار عن البلدان أمر غائب عن إدراك من لم يشاهد ذلك، فلا يجوز أن يكون ضروريا، لانه لو جاز أن يكون العلم بالغائب عن الحواس ضروريا، جاز أن يكون العلم بالمحسوس مستدلا عليه. وربما تعلق في ذلك بأن العلم بمخبر الاخبار إنما يحصل بعد تأمل أحوال المخبرين بها وصفاتهم، فدل ذلك على أنه مكتسب. فيقال له في شبهته (7) الاولى: لم زعمت أن العلم بالغائب عن الحس لا يكون ضروريا ؟ ! أ (8) وليس الله – تعالى – قادرا على فعل


1 – الف: يخبر. * 2 – ج: نصدق. 3 – الف: بلد. * 4 – ب: تعرف. 5 – ب: فاما. * 6 – ب: متعلق. 7 – ب: الشبهة. * 8 – ب: – أ. (*)

[ 497 ]

العلم بالغائب عن الحس (1) مع غيبته ؟ ! فما المنكر من أن يفعله بمجرى العادة عند إخبار جماعة مخصوصة ؟ ! وليس له أن يدعي أن ذلك ليس في مقدوره، كما يقول: إن العلم بذاته لا يوصف بالقدرة عليه، لانه يذهب إلى أن العلم بالمدركات قد يكون من فعل الله – تعالى – على بعض الوجوه، وليس يفعل العلم بذلك إلا وهو في مقدوره، وليس كذلك على مذهبه العلم بذاته – تعالى -، لانه لا يصح (2) وقوعه منه على وجه من الوجوه. و – على هذا – أي (3) فرق بين أن يفعل العلم بالمدرك عند إدراكه، وبين أن يفعل (4) هذا العلم بعينه عند بعض الاخبار عنه ؟ ! وإنما لم يجز أن يكون المشاهد مستدلا عليه، لانه معلوم ضرورة للكامل العقل، ولا يصح أن يستدل وينظر فيما يعلمه (5) ضرورة، لان من شرط صحة النظر ارتفاع العلم (6) بالمنظور فيه. (هامش) 1 – ج: لا يكون، تا اينجا. * 2 – الف: يصلح. 3 – ب: الذى، بجاى أي. * 4 – ب: – العلم بالمدرك، تا اينجا. 5 – ب: تعلمه. * 6 – ج: المعلم. (*)


[ 498 ]

وأما الشبهة الثانية، فبعيدة عن الصواب، لانها (1) مبنية على دعوى، ومن هذا الذي يسلم له من خصومه أن العلم بمخبر (2) الاخبار عن البلدان وما جرى مجراها (3) يقع عقيب التأمل لصفات المخبرين ؟ ! أو ليس خصومه من أصحاب الضرورة يقولون: إنه يقع من غير تصحيح شئ من (4) التأمل لاحوال المخبرين، وإنه إنما يعلم أحوال (5) المخبرين بعد حصول العلم الضرورى (6) بما خبروا عنه (7) ؟ ! وأما القسم الثاني وهو ما يحصل عنده العلم بتأمل (8) ونظر، فلا بد فيه من بيان صفة المخبرين الذين (9) يجب عند النظر في خبرهم العلم على جهة (10) الاستدلال، (11) وله شروط ثلثة: أولها أن يبلغ المخبرون إلى (12) حد في الكثرة لا يجوز في العادة أن يتفق منها (13) الكذب عن (14) المخبر.


1 – ب: – لانها * 2 – ب: لمخبر. 3 – الف: مجرها. * 4 – الف: ما بعد كلمة (تصحيح) غير مقروء. 5 – ب: اخبار. * 6 – ج: + له. 7 – ب: – بما خبروا عنه. * 8 – ج: بالتأمل 9 – ج: الذى. * 10 – الف: – جهة. 11 – الف: استدلال. * 12 – ج: على. 13 – ج: منه. * 14 – ج: من. (*)

[ 499 ]

وثانيها أن يعلم أنهم لم يجمعهم على الكذب جامع، كالتواطى (1) أو ما جرى ما مجراه. وثالثها أن يعلم أن اللبس والشبهة فيما أخبروا (2) عنه زائلان. هذا إذا كانت الجماعة تخبر (3) عن المخبر (4) بلا واسطة، وإن كانت هناك واسطة، وجب اعتبار هذه الشروط التي ذكرناها في جميع الوسائط التي بينهم وبين المخبر عنه. وتأثير هذه الشروط التي ذكرناها في العلم بصحة الخبر واضح: أما الشرط الاول فمن حيث كنا متى لم نعلم أن الجماعة قد بلغت (5) من الكثرة إلى الحد الذي لا يجوز معه اتفاق الكذب منها عن المخبر الواحد، لم نأمن (6) أن يكون كذبت (7) اتفاقا، كما يجوز ذلك في الواحد والاثنين. وأما الشرط الثاني فإنا متى لم نعلم (8) أن التواطؤ (9) و (10) ما


1 – ج: كالتواتر. * 2 – ب وج: خبروا: 3 – ج: يخبر. * 4 – الف: الخبر. 5 – ج: بغلت. * 6 – ب: تامر. 7 – الف: – كذبت. * 8 – الف: – نعلم. 9 – الف: التواطى. * 10 – ب: أو. (*)

[ 500 ]

حل (1) محله مرتفع، جوزنا أن يكون التواطؤ (2) وما جرى مجراه هو الجامع لها (3) على الكذب. وأما الشرط الثالث، فمن المعلوم أن الشبهة قد تدعوا إلى الكذب، وتجمع (4) الجماعات عليه، كإخبار الخلق الكثير من المبطلين عن مذاهبهم الباطلة لاجل الشبهة الداخلة عليهم، وقامت هيهنا (5) الشهبة مقام التواطؤ (2) في الجمع على الكذب، ولا فصل فيما اشترطنا فيه ارتفاع الشبهة واللبس بين (6) أن يكون المخبر عنه مشاهدا أو غير مشاهد (7) في صحة (8) دخول الشبهة فيه (9)، لان اليهود والنصارى مع كثرتهم نقلوا صلب المسيح عليه السلام لما التبس عليهم، فظنوا أن الشخص الذي رأوه مصلوبا هو المسيح عليه السلام. وقيل: إن سبب دخول الشبهة هو أن المصلوب قد تتغير (10) خلقته (11)، وتتنكر صورته. ولان بعد المصلوب (12) عن العين يقتضي اشتباهه بغيره.


1 – ج: حلى. * 2 الف: التواطى. 3 – الف: – لها. * 4 – ج: يجمع. 5 – ب وج: هنا. * 6 – الف: من. 7 – الف: – أو غير مشاهد. * 8 – ب: غير، بجاى صحة. 9 – ب: – فيه. * 10 – ج: يتغير. 11 – ب وج: حليته. * 12 – ب وج: + ايضا. (*)

[ 501 ]

والوجه في إشتراط ثبوت (1) هذه الشروط في جميع الطبقات المتوسطة بيننا وبين المخبر عنه أن ذلك متى (2) لم يكن معلوما، جوزنا أن الجماعة التي تلينا صادقة، ومن خبرت عنه (3) قد (4) يجوز أن يتفق منه (5) الكذب. وعند تكامل هذه الشروط نعلم (6) كون الخبر (7) صدقا، لانه إذا لم ينفك من كونه إما كذبا أو صدقا، فبطل كونه كذبا، لانه لو كان كذلك، لكان إنما وقع إتفاقا، أو لتواطؤ (8)، أو (9) عن شبهة، فإذا بطل (10) ذلك كله، فلا بد من كونه صدقا. وبقي علينا أن ندل (11) على الطريق الموصل إلى العلم (12) بثبوت (13) هذه الشرائط. أما اتفاق الكذب عن المخبر الواحد، فإنه لا يقع من الجماعات،


1 – الف: ثبوت. * 2 – ب: مبنى. 3 – الف: خبر عنهم. * 4 – ج: فلا، بجاى قد. 5 – الف وج: منهم. * 6 – ب وج: تعلم، ب: + ان. 7 – ب وج: المخبر. * 8 – الف: التواطى. 9 – ج: واما. * 10 – ج: + عن. 11 – ج: تدل. * 12 – ب: للعلم. 13 – ج: ثبوت. (*)

[ 502 ]

والعلم باستحالة ذلك وأن حال الجماعة يخالف (1) حال الواحد ضروري، ولهذا جاز أن يخبر أحد (2) من حضر (3) الجامع في يوم الجمعة كاذبا بأن الامام تنكس على أم رأسه من المنبر، ولا يجوز أن يخبر بذلك جميع من حضر (3) الجامع وهو (4) كاذبون، إلا لتواطؤ (5)، أو ما جرى مجراه *. وقد شبه (6) امتناع ذلك من الجماعة باستحالة اجتماع الجماعات على نظم بيت من الشعر (7) على صفة واحدة، وإجتماعهم على تصرف مخصوص، وأكل شئ معين من غير سبب جامع. وشبه – أيضا – بما نعلمه (8) من (9) استحالة أن يخبر أحدنا من غير علم عن أمور كثيرة، فيكون الخبر بالاتفاق صدقا، و (10) من المعلوم جواز أن يخبر الجماعة الكثيرة بالصدق من غير تواطؤ (11) وما جرى مجراه (12). ولا يجوز مثل ذلك في الكذب، لان الصدق


1 – ج: تخالف. * 2 – ج: احدا. 3 – الف: حظر. * 4 – الف: هو. 5 – الف: لتواطى، ب: التواطو. * 6 – ج: شبهة. 7 – ب: الشهر. * 8 – ب وج: فعله. 9 – ج: – من. * 10 – ج: – و. 11 – الف: تواطى. * 12 – ب وج: – وما جرى مجراه. (*)

[ 503 ]

يجري في العادة مجرى ما فيه سبب جامع من تواطؤ (1) أو (2) ما جرى مجراه، لان علم المخبر بكون الخبر صدقا داع إلى الاخبار، وليس كذلك الكذب، لان الكذب يحتاج إلى جامع عليه وداع إليه. فأما ما به يعلم فقد التواطؤ (3)، فإن الجماعات التي تروي الخبر ربما بلغت من الكثرة (4) إلى حد يستحيل عليها (5) معه التواطؤ (3) بالمراسلة أو المكاتبة وعلى كل وجه، لانا نعلم ضرورة أن جميع أهل بغداد لا يجوز أن يواطؤوا (6) مع (7) أهل الشام لا باجتماع ومشافهة ولا بمراسلة (8) ومكاتبة. على أن التواطؤ (3) فيمن يصح ذلك فيه (9) من الجماعات مشافهة أو بالتراسل والتكاتب لا بد على مجرى العادة من أن يظهر لمن خالطهم واختبر أحوالهم، و (10) العادة شاهدة (11) بثبوت هذا الحكم، فغير ممكن دفعه. وأما


1 – الف: تواطى. * 2 – الف: و. 3 – الف: التواطى. * 4 – ج: الكثيرة. 5 – الف: – عليها. * 6 – الف: يتواطؤا. 7 ب وج: جميع. * 8 – الف: مراسلة. 9 – ب: فيه ذلك. * 10 – ب: – و. 11 – الف شاهة. (*)

[ 504 ]

ما يقوم مقام التواطؤ (1) من الاسباب الجامعة كتخويف (2) السلطان وخوف (3) ضرره وما يجري (4) مجرى ذلك فظهوره وعلم الناس به على مجرى العادة واجبان، لان الجماعة لا يجوز أن تجتمع (5) لاجل خوف السلطان على الامر الواحد إلا بعد أن يظهر لهم هذا التخويف والترهيب المحوجان (6) إلى اتفاق (7) دواعيهم، وما هذه حاله لا بد من العلم به والقطع على فقده إذا لم يظهر عليه. وأما ما به يعرف ارتفاع اللبس والشبهة عما تخبر (8) به الجماعة، فهو أن تخبر (9) الجماعة عن أمر مدرك بمشاهدة أو سماع يعلم انتفاء أسباب اللبس والشبهة عن ذلك المخبر، فإن أسباب التباس المدركات معلومة، يعلم انتفاؤها حيث تنتفي (10) ضرورة. وأما ما به يعلم ثبوت الشرائط التي ذكرناها في جميع الطبقات


1 – الف: التواطى. * 2 – ب: كتحريف. 3 – ب: حرف. * 4 – الف: جرى. 5 – الف: تجمع، ج: يجتمع. 6 – ب: المخرجان، ج: المحوجان بتشديد الواو. 7 – ب: انفاق. * 8 – ج: يخبر. 9 – ب وج: ينتفى. (*)

[ 505 ]

التي تروي الخبر، فهو أن العادات جارية بأن (1) المذاهب والاقوال (2) التي (3) تقوى (4) بعد ضعف وتدرك بعد خفاء لا بد من أن يعرف ذلك من حالها، ويفرق العقلاء (5) المخالطون لاهلها بين زماني فقدها ووجودها، وضعفها وقوتها، كما علم الناس كلهم ابتداء (6) حال الخوارج، وظهور مقالة (7) الجهمية والنجارية (8) ومن (9) جرى مجراهم، وفرق العقلاء من سامعي الاخبار بين (10) زمان حدوث مقالتهم، وبين ما تقدم عليها. وقد ذهب مخالفونا في الامامة (11) إلى أن امتناع الكتمان واستحالته في الجماعات (12) الكثيرة يجريان مجرى استحالة الافتعال والكذب عليهم. والصحيح الذي تشهد (13) به أصولنا وأصولهم أن الجماعات


1 – الف: في، بجاى (بان). * 2 – ج: الاقوى. 3 – الف: – التى. * 4 – ج: يقوى. 5 – ج: + و. * 6 – الف: – ابتداء. 7 – الف: المقالة. 8 – هذا هو الصحيح، لكن في نسخة الف: الحاريه، وفي ب وج: النحارية بالحاء المهملة. 9 – الف: ما. * 10 – ج: الاخباريين. 11 – ج: الامة. * 12 – الف: الجماعة. 13 – ب: يشهد. (*)

[ 506 ]

لا يجوز أن تجتمع (1) على افتعال ولا كتمان إلا لجامع (2) يجمعها (3) وسبب يؤلف بين دواعيها (4)، وأنها مع فقد الدواعي الجامعة (5) لا تجتمع (1) على افتعال ولا كتمان، وقد بينا في الكتاب الشافي أن الجماعات الكثيرة يجوز أن تكتم عداوة وحسدا وبغضا وانحرافا فضيلة معينة (6) لمن حسدوه (7) وعادوه، فلا يروونها، ولا يذكرونها، وإن لم يتواطؤوا على ذلك ويتفقوا (8) عليه مشافهة ولا مكاتبة، ولا يجوز أن يفعلوا خبرا (9) مخصوصا بصيغة معينة من غير تواطؤ (10) واتفاق عليه، ولا يكفي في هذا الوجه داعي الحسد والعداوة كما كفى في الكتمان، وبينا من بسط هذه النكتة وتفريعها ما ليس هذا موضع ذكره، فإن الكتاب يطول باستقصائه، وهو هنا مشروح. فإن قيل: فما أنكرتم أن تكون (11) الجماعة إذا بلغت إلى


1 – ج: يجتمع. * 2 – الف: بجامع. 3 ج: يجمعهما. * 4 – ج: دواعيهما. 5 – الف: – الجامعة. * 6 – ج: بعينه. 7 – ب: صدوه. * 8 – ج: يتفقون. 9 – ب: خيرا. * 10 – الف: تواطى، ب: تواط. 11 – ج: يكون. (*)

[ 507 ]

الحد الذي ذكرتم وقع العلم الضروري عند خبرهم، وبطل الاستدلال على صدقهم بما رتبتموه (1). قلنا: قد بينا أنه لا طريق إلى القطع على أن العلم الضروري يقع عند شئ من مخبر الاخبار. ثم لو سلمنا ما يذهب إليه مخالفونا في العلم الضروري الواقع عند الاخبار، لم يمتنع أن يستدل (2) بالتواتر على بعض الوجوه، بأن يكون العدد الذي أجرى (3) الله تعالى العادة بأن يفعل عنده العلم الضروري لم يتكامل في بعض الجماعات. فإن علمنا (4) بالدليل أن خبرهم لا يكون إلا صدقا فيمكن على (5) هذا (6) التقدير أن يكون التواتر دليلا يفضي (7) إلى العلم. فالصحيح ما أشار إليه أبو هاشم من التوقف على (8) ذلك، وترك القطع على حصول العلم الضروري لا محالة. ومما يلحق من الاخبار بما (9) يعلم صدقه بدليل إخبار الله تعالى


1 – الف: زنيتموه. * 2 – الف: نستدل. 3 – ج: اجر. * 4 – ج: – علمنا. 5 – ج: – على. * 6 – الف: بهذا: بجاى على هذا. 7 – ب وج: يقضى. * 8 – ب: عن، ج: من. 9 – ب: ما. (*)

[ 508 ]

فإنا (1) نعلم كونه (2) صدقا، من حيث علمنا أنه (3) تعالى لا (4) يختار الكذب، لعلمه بقبحه، وبأنه غني عنه، كما لا (5) يفعل سائر القبائح. ويلحق بذلك – أيضا – خبر الرسول صلى الله عليه وآله (6)، لانا قد علمنا بالمعجز (7) صدقه في إخباره، وأن شيئا من القبائح لا يجوز عليه، وكل ذلك معلوم بالدليل. ومما يلحق – أيضا – بهذا الباب خبر الامة كلها إذا أخبرت عن شئ، فالواجب أن يعلم كونه صدقا، لان الدليل قد دل عندنا أن (8) في جملة (9) الامة في كل زمان من قوله حجة * لعصمته، وتفصيل هذه الجملة يجي في باب (10) الكلام في (11) الاجماع بمشية الله تعالى. وقد ألحق قوم بهذا الباب أن يخبر الواحد عن شئ شاهده ويدعي على جماعة لم تجر (12) العادة بالامساك عن تكذيب (13)


1 – ب: + لا. * 2 – ب: كونها، ج: لونا. 3 – ب: الله، بجاى انه. * 4 – ب: الا. 5 – ب: – لا. * 6 – ب وج: ع. 7 – ج: بالمخبر. * 8 – ج: – ان. 9 – ج: الجملة. * 10 – ج: – باب. 11 – ج: + باب. * 12 – ج: يخبر. 13 – ب وج: بالايكذب، بجاى (بالامساك عن تكذيب). (*)

[ 509 ]

من يدعي عليها مشاهدة ما لم تشاهده (1). وهذا غير صحيح، لانه غير ممتنع أن يكون لهذه الجماعة دواع وبواعث إلى (2) الامساك عن هذا المخبر، من وصول إلى نفع، أو دفع مضرة، فلا يجب أن يكذبوه، بل ربما صدقوه، أو صدقه بعضهم. فأما إلحاق قوم بهذا الباب خبر المخبر بحضرة (3) النبي صلى الله عليه وآله عن شئ فلم ينكره عليه، فإنه يجب أن يكون صدقا. فالواجب أن يقسم هذا الموضع قسمين: فنقول: إن كان هذا (4) المخبر ادعى عن النبي صلى الله عليه وآله المشاهدة لما خبر (5) عنه، فلم ينكر عليه، فهو دليل على صدقه، وإن كان أطلق الخبر إطلاقا، ولم يدع عليه شيئا، فإنه لا يكون إمساكه عن النكير (6) عليه دلالة على صدقه، وإنما قلنا ذلك لانه لا يجوز عليه صلى الله عليه وآله إنكار ما لا يعلمه منكرا. وإذا أخبر الواحد بحضرته عما لا (7) يعلمه، فهو مجوز في خبره الصدق والكذب.


1 – ب: يشاهده. * 2 – ج: – إلى. 3 – الف: بحظرة. * 4 – ج: كذا. 5 – ب: اخبر. * 6 – ب: التكبير. 7 – ج: لم. (*)

[ 510 ]

وقد ألحق قوم بهذا الباب أن يعلم أن الامة أجمعت (1) على العمل بمخبر بعض الاخبار لاجله، وادعوا أن ذلك يدل على كون الخبر حجة مقطوعا (2) بها، لانه لو لم يكن كذلك لرده بعض وقبله بعض آخر، وادعوا (3) أن عادتهم بذلك جارية. وهذا ليس بصحيح، لان بإجماعهم على الحكم يعلم صحته، فأما أن يعلم صحة الخبر الذي عملوا به، ولاجله، فلا يجب ذلك لانهم قد يجمعون على ما (4) طريقه (5) الظن، كالقياس والاجتهاد وأخبار الآحاد. و (6) العادة المدعاة غير صحيحة، ولا معلومة. وقد استقصينا في الكتاب الشافي الكلام على (7) هذه النكتة عند تعويل (8) مخالفينا في صحة (9) الخبر المروى عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله (10) (لا تجتمع أمتي على خطأ) (11) على مثل هذه الطريقة.


1 – ج: اجتمعت. * 2 – ج: لقطوعا. 3 – ج: فادعوا. * 4 – ج: – ما. 5 – ج: طريقة. * 6 – ج: – الاحادو. 7 – ب وج: في. * 8 – الف: تطويل. 9 – الف: – صحة. 10 – الف: – من قوله. 11 – الف: + و. (*)

[ 511 ]

فصل فيما يعلم كذبه من الاخبار باضطرار أو اكتساب إعلم أن الخبر إنما يعلم باضطرار أو اكتساب أن مخبره (1) ليس على ما تناوله بغيره لا بنفسه. ومثال ما يعلم بطلانه باضطرار (2) خبر (3) من أخبر بأن السماء تحتنا، والارض فوقنا، وأن جبلا (4) بحضرتنا، ونحن لا نراه مع السلامة وارتفاع الموانع. فأما الخبر الذي يعلم بطلانه باكتساب، فهو كل (5) خبر علمنا أن مخبره ليس على ما (6) تناوله بدليل عقلي أو بالكتاب (7) أو السنة أو الاجماع. وقد ألحق قوم بهذا الباب لواحق: منها أن يكون الخبر (8) لو كان صحيحا، لوجب قيام الحجة به (9) على المكلفين، فإذالم يقم (10) به، علم (11) أنه باطل. ومنها أن يكون الخبر مما لو كان صحيحا، لعلم أهل العلم


1 – الف: مخبر. * 2 – ج: + فيه. 3 – ج: – خبر. * 4 – ب وج: فيلا. 5 – ب: – كل. * 6 – ج: – ما. 7 – الف: باكتساب. * 8 – ج: + و. 9 – ب: – به. * 10 – ظ: تقم. 11 – ب: على، بجاى علم. (*)

[ 512 ]

إذا فتشوا عنه ذلك، فإذا (1) لم يعلم مع التفتيش، علم كونه كذبا ومنها أن يكون المخبر عنه مما تقوى (2) الدواعي (3) إلى نقله، وتمنع (4) من (5) كتمانه، فإذا لم ينقل والحال هذه، علم كونه كذبا. ومنها أن تكون (6) الحاجة ماسة في باب الدين إلى نقله، فإذا لم ينقل (7) كما نقلت نظائره، علم بطلانه. ومنها أن يكون في الاصل وقع شائعا ذائعا، ومثله في العادة لا يضعف (8) نقله، بل يكون حاله في الاستمرار كحاله في الاول. واعلم أن هذه الوجوه إن صحت كلها أو بعضها، فإنما هي تفصيل لما أجملناه في قولنا: بدليل عقلي، لان الادلة (9) العقلية المبتنية (10) على العادات واختيارها (11)، إليها (12) فزع (13) من ألحق


1 – ب: وإذا. * 2 – الف تدعو، ب: يقوى. 3 – ب: الداعي. * 4 – الف: يمتنع، ب: يمنع. 5 – الف وب: – من. * 6 – ب: يكون. 7 – ج: – والحال، تا اينجا. * 8 – ب: تضعف. 9 – ج: الدلالة. * 10 – ب وج: المبنية. 11 – الف: اختبارها. * 12 – ج: + و. 13 – الف: فرع. (*)

[ 513 ]

هذه الوجوه، فما صح منها من كل أو بعض فهو (1) داخل في الجملة التي ذكرناها. والكلام في تصحيح (2) كل واحد من (3) هذه الوجوه (4) الملحقة يطول جدا، ويخرج عن الغرض لكنا (5) نشير إلى جملة كافية: أما الوجه الاول، فلا يصح على (6) إطلاقه، لانه غير ممتنع أن تتفق (7) دواعي الامة إلى كتمان (8) حادث من الحوادث، أو حكم من الاحكام، حتى لا ينقله منهم إلا الآحاد، فلا يجب إذا أن يقطع على بطلان خبر الواحد عنه من حيث لم ينقله الجميع إلا بعد أن يعلم إنتفاء دواع عن طيه (9) وكتمانه، وأنه مع العادة لا يجوز ذلك فيه، فأما إذا لم يعلم ذلك (10)، جوزنا كون الخبر صادقا، وإن لم ينقله الجميع أو الاكثر. وقولهم: لا يجوز أن يكلف الله تعالى (11)


1 – الف: – فهو. * 2 – ب: – فما صح، تا اينجا. 3 – الف: – كل واحد من. * 4 – الف: الجملة. 5 – ج: لكننا. * 6 – ب: عن. 7 – ج: يتفق. * 8 – الف: – كتمان. 9 – ب: طيبه، ج: طبه. * 10 – الف: + فيه. 11 – الف: – تعالى. (*)

[ 514 ]

ما لم تقم (1) الحجة عليه صحيح، إلا أنه ليس كل حجة على هذا الحكم هو إخبار الجماعات، وغير ممتنع أن تكون الحجة به (2) قائمة وإن كتمه (3) الاكثر من جهة قول إمام الزمان إذا بينه و أوضح عنه. و (4) الوجه الثاني يجري مجرى الاول في فساد إطلاق القول فيه، ووجوب تقييده بما أشرنا إليه. وأما (5) الوجه الثالث، فلا شبهة في أنا إذا علمنا أن الدواعي إلى نقله ثابتة، والصوارف عن ذلك مرتفعة، ثم لم ينقل، علمنا بطلانه، وبقي أن يكون ذلك معلوما، وربما أدعيت هذه الحال فيما هو بخلافها، ولهذا يكذب (6) الواحد إذا أخبرنا بأن بين بغداد وواسط (7) مدينة هي أكبر من بغداد وأكثر أهلا. ويكذب (6) من ادعى أن القران عورض، وعول على رواية الواحد، لانا نعلم كثرة أعداء الدين وانتشارهم في الشرق والغرب، فكان


1 – ب وج: لا يقم. * 2 – الف: – به. 3 – الف: كتمان، بجاى ان كتمه. * 4 – ب: – واوضح عنه و. 5 – ج: فاما. * 6 – ب وج: نكذب. 7 – ج: واسطة. (*)

[ 515 ]

يجب ظهور نقل هذه المعارضة فيهم إن منع من انتشارها بين المسلمين خوف منهم (1) والوجه الآخر شرط فيه أن تكون (2) العادة تمنع من ضعف مثله، و (3) توجب (4) استمرار (5) الشياع والاذاعة (6) فيه، ومع هذا الشرط الامر على ما ذكر (7) *. فصل فيما (8) لا يعلم كونه صدقا ولا كذبا من الاخبار اعلم أن كل خبر روي ولا طريق من ضرورة ولا اكتساب إلى العلم بكونه صدقا ولا كذبا، فالتجويز للامرين (9) قائم فيه. وقد قطع قوم على أن في الاخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله كذبا، وتعلقوا بما روى عنه عليه السلام من قوله (10): (من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) وبما يروى (11) من قوله صلى الله عليه وآله (12) -:


1 – ب: مبهم. * 2 – ب وج: يكون. 3 – ج: – و. * 4 – الف: لوجب. 5 – ب: استمراره. * 6 – ج: الاذانية. 7 – الف: ذكره. * 8 – ج: + ذكر. 9 – ج: في الامرين. * 10 – الف: بقوله. 11 – الف: روى. * 12 – ج: ع. (*)

[ 516 ]

(ستكثر (1) الكذابة علي). وليس ذلك بمعتمد: أما الخبر الاول، فيتضمن الوعيد، ولا يعلم وقوع الفعل لا محالة، والخبر الثاني خبر واحد لا يوجب القطع على صحة مخبره. فالصحيح ما قلناه من التجويز من غير قطع، وإنما يعلم كذب بعض الاخبار المروية عنه صلى الله عليه وآله على سبيل الوصف دون التعيين (2). فنقول: كل خبر دل ظاهره على إجبار (3) أو تشبيه أو ما جرى مجرى ذلك (4)، مما علمنا استحالته، من غير قرينة، ولا على وجه الحكاية، وكان احتماله للصواب بعيدا متعسفا، وجب الحكم ببطلانه، لان الحكمة والدين يمنعان من الخطاب بما يحتاج إلى تعسف وتكلف شديد حتى يحتمل الصواب. وأما (5) كون الخبر صدقا، فمخالف لكونه كذبا (6)، لانه لا خبر روي إلا ويحتمل الصدق والكذب، وليس يجوز أن يجعل وجوب العمل به (7) دليلا على كونه صدقا لانا قد نعمل (8) بما يجوز كونه كذبا من شهادة الشاهدين بلا خلاف (9).


1 – ج: ستذكر. * 2 – الف: التعبير. 3 – ج: اخبار. * 4 – ج: ذلك مجرى. 5 – ب وج: فاما. * 6 – ب: كاذبا. 7 – الف: – به. * 8 – ج: نعلم. 9 – ب: – بلا خلاف. (*)

[ 517 ]

فصل في أن الخبر الواحد لا يوجب العلم اعلم أن الصحيح أن خبر الواحد لا يوجب علما، وإنما يقتضي غلبة (1) الظن بصدقه (2) إذا كان عدلا. وكان النظام يذهب (3) إلى أن العلم يجوز أن يحصل عنده وإن لم يجب، لانه يتبع قرائن (4) وأسبابا، ويجعل (5) العمل تابعا للعلم، فمهما لم يحصل علم فلا عمل. وقال بعضهم: إن خبر (6) الواحد يوجب العلم الظاهر، و يقسم العلم إلى قسمين. وفي الناس من يقول: إن كل خبر وجب العمل به فلا بد من إيجابه العلم، ويجعل العلم تابعا للعمل. وأقوى ما أبطل به قول (7) النظام أن الخبر مع الاسباب التي يذكرها (8) لو حصل عندها العلم كما ادعى، لما جاز (9) انكشافه عن باطل، وقد علمنا أن الخبر عن موت إنسان بعينه مع حصول


1 – ب وج: علية. * 2 – ج: لصدقه. 3 – الف: نذهب. * 4 – الف: قرائنا. 5 – ج يجب. * 6 – ج: الخبر. 7 – ب: – به قول. * 8 – ب: نذكرها. 9 – ج: لجاز، بجاى لما جاز. (*)

[ 518 ]

الاسباب التي يراعيها من البكاء عليه والصراخ وإحضار الجنازة والاكفان قد ينكشف عن باطل، فيقال: إنه أغمي (1) عليه، أو لحقته السكتة (2)، أو (3) ما أشبه ذلك، والعلم لا يجوز انكشافه عن باطل. ويلزم على هذه الطريقة الفاسدة أن (4) يجوز أن لا يقع العلم بالتواتر لفقد هذه الاسباب، فكنا نصدق (5) من خبرنا بأنه لا يعلم شيئا بالاخبار بأن (6) لا تكون (7) الاسباب حاصلة. وأما (8) إلزام النظام أنه لو أوجب خبر الواحد العلم في موضع، لاوجبه (9) في كل موضع، فكان النبي صلى الله عليه وآله (10) يستغنى عن علم معجز، والحاكم متى لم يعلم صدق المدعي ضرورة، أن يعلم أنه كاذب، فإن ذلك لا يلزمه، لان له أن يقول: من أين لكم أن كل خبر يجب عنده العلم ؟ بل لا بد (11) من وجوب ذلك عند أمثاله (12). ثم العلم عند النظام لا يجب عند (13) مجرد الخبر، بل عنده وعند أسباب يذكرها، وليس مثل ذلك


1 – ب: اعمى. * 2 – ب وج: سكتة. 3 – ب وج: و. * 4 – ج: انه. 5 – ج: تصدق. * 6 – ج: مما. 7 – ب وج: يكون. * 8 – الف وج: فاما. 9 – ب: لاوجب. * 10 – ب وج: – ص ع. 11 – ب وج: فلابد. * 12 – ب: امتثاله، ج: + لا يلزمه، تا اينجا. 13 – ب وج: عن. (*)

[ 519 ]

في خبر مدعي النبوة، ولا في الحاكم. فأما من يقول: إنه يقتضي العلم الظاهر، فخلافه في عبارة، لانه سمى غالب الظن علما. وأما من جعل العلم تابعا للعمل، فقوله باطل لانه عكس الشئ، والعمل يجب أن يتبع (1) العلم لا أن يتبع (1) العلم (2) العمل، وقد وجب العمل بأخبار كثيرة من غير حصول العلم كالمخوف (3) من سبع في طريق والشهادات وغيرها. فصل في ذكر (4) الدلالة على جواز التعبد بالعمل بخبر الوحد (5) إعلم أن (6) في المتكلمين من يذهب (7) إلى أن خبر الواحد (8) لا يجوز من جهة العقل ورود العبادة بالعمل به، والصحيح أن ذلك جائز عقلا، وإن كانت العبادة ما وردت به (9) على ما سنبينه


1 – ج: تتبع. * 2 – ب: – لا ان يتبع العلم. 3 – ب كالمحرف. * 4 – الف: ذكر. 5 – ب: واحد. * 6 – ب: – ان. 7 – ب: ذهب. * 8 – ج – اعلم، تا اينجا. 9 – ب: – به. (*)

[ 520 ]

في الباب الذي يلي هذا الباب (1) بمشية الله تعالى. والذي يدل على جواز ورود العبادة بالعمل به أن يبين (2) أن خبر الواحد يمكن أن يكون طريقا إلى (3) معرفة الاحكام، وأنه يجري في جواز كونه دلالة مجرى الادلة الشرعية كلها من كتاب وسنة وإجماع، وإن اختلف وجه دلالته كما اختلف وجوه هذه الادلة الشرعية ولم تخرج (4) بهذا (5) الاختلاف من كونها أدلة، وإنما جاز أن يكون خبر الواحد دلالة بأن يدل القرآن أو السنة على وجوب العمل (6) به إذا كان المخبر به على صفة مخصوصة، ألا ترى (7) أنه لا فرق في العلم بتحريم الشئ بأن يقول النبي صلى الله عليه وآله (8) -: (إنه حرام) وبين أن يقول: (إذا أخبركم عني (9) بتحريمه (10) فلان فحرموه)، ولا (11) فرق بين ذلك، وبين أن يقول: (إذا أخبركم عني بتحريمه (12) من صفته كيت وكيت فحرموه)، لانه (13) على الوجوه كلها يعلم التحريم


1 – ب وج: – الباب. * 2 – ب: نبين، ج: يتبين. 3 – ج: على. * 4 – ج: يخرج. 5 – ب: بعد، بجاى بهذا. * 6 – ج: العلم. 7 – الف: يرى. * 8 – ج: ع. 9 – ج: منى. * 10 – ب: + من كيت. 11 – ب: فلا. * 12 – ج: – فلان، تا اينجا. 13 – ب وج: لان. (*)

[ 521 ]

وإن اختلف. وليس لاحد أن يقول: فامنعوا الغلط من الواحد إذا كان الامر على ما ذكرتم، وذلك أنه غير ممتنع أن يجعل الرسول صلى الله عليه وآله (1) قول الواحد دلالة * مع جواز الغلط عليه. مثال ذلك أنه صلى الله عليه وآله (2) لو قال: (إذا أخبركم عني (3) أبو ذر بشئ، فهو حق)، لكانت الثقة حاصلة عند خبره، ولو قال صلى الله عليه وآله (1) (اعملوا بما يخبركم به فلان، فهو صلاح (4) لكم)، وجب العمل به (5)، وإن لم يحصل (6) الثقة، و (7) يجري مجرى تعبد الحاكم بأن يعمل (8) بعلمه، فتحصل له الثقة، وتعبده بأن (9) يعمل بالاقرار، فلا تحصل (10) الثقة (11)، وان كان (12) الحال إليها أقرب، وتعبده بأن (13) يعمل بالبينة، وهي عن الثقة أبعد من الاقرار.


1 – ب وج: ع. * 2 – ج: عن. 3 – ج: عن. * 4 – ج: صالح. 5 – ج: – به. * 6 – ب: + له. 7 – ج: – و. * 8 – ج: يعلم. 9 – الف وج: ان. * 10 – ج: يحصل. 11 – ب: – وتعبده، تا اينجا. * 12 – ج: كانت. 13 – الف: ان. (*)

[ 522 ]

ومما يدل – أيضا – على جواز التعبد بخبر الواحد أن العمل في كثير من العقليات قد يتبع غلبة الظن فما الذي يمنع عن (1) مثل ذلك في الشرعيات. ويدل عليه – أيضا – (2) ورود التعبد بقبول الشهادات، والاجتهاد في جهة القبلة، وقبول قول المفتي، وكل هذا من باب واحد. وقد تعلق من منع من (3) جواز التعبد بخبر الواحد بأشياء: أولها (4) قولهم: إن الشرائع لا تكون (5) إلا مصالح (6) لنا، و بخبر الواحد لا نعلم أن ذلك مصلحة، ولا نأمن كونه مفسدة. وثانيها أن قالوا: إذا لم يجز أن نخبر (7) بما لا نأمن (8) كونه كذبا، كذلك لا يجوز أن نقدم (9) على ما لا نأمن (8) من (10) كونه مفسدة. وثالثها أن قول الواحد وصلة إلى قول الرسول صلى الله عليه وآله (11)،


1 – ب: من. * 2 – الف: ايضا عليه. 3 – ب: – من. * 4 – ج: اولهم. 5 – ج: يكون. * 6 – الف: لمصالح. 7 – ب وج يخبر. * 8 – ب وج: يا من. 9 – ب وج: يقدم. * 10 – الف: – من. 11 – ب وج: ع. (*)

[ 523 ]

وإذا لم يجز قبول قول الرسول (1) صلى الله عليه وآله إلا بمعجز (2) ودليل على القطع على (3) صدقه، فغيره أولى بذلك. ورابعها أن الرسول صلى الله عليه وآله إنما لم يجز العمل بقوله إلا بمعجزة (4) تدل على صدقه لجواز (5) الغلط عليه، وهذه العلة قائمة في خبر الواحد. وخامسها أن العمل من حقه أن يتبع العلم، وإذا لم يعلم صدق الواحد، لم يعمل (6) بخبره، ولو جاز العمل ولا علم، لجاز تبخيتا (7) وتخمينا (8). وسادسها أنه لو جاز العمل بخبر الواحد في بعض الاحكام، جاز في سائرها، حتى في الاصول، وإثبات القرآن، والنبوات. وفرقوا بين العمل بخبر الواحد وبين الشهادة بأن الشهادة تقتضي (9) ما يتعلق بمصالح (10) الدنيا، ودفع المضار فيها (11)، وإجلاب (12)


1 – ب وج: النبي. * 2 – ب: بمعجزة. 3 – ب وج: مع. 4 – ب وج: ولا معجزة. 5 – ج: بجواز. * 6 – ج: يعلم. 7 – الف: تحسينا ج: تخمينا. * 8 – ج: تبخيتا. 9 – ب وج: يقتضى. * 10 – ج: بما صالح. 11 – ج: مضارها. * 12 – ج: اجتلاب. (*)

[ 524 ]

المنافع (1)، وما يجوز فيه البدل والصلح (2)، ويتعلق بالاختيار، ويخالف المصالح التي لا يعلمها إلا الله تعالى، ويخالف ذلك – ايضا – المعاملات التى تجري (3) مجرى الاباحات، وترجع إلى الرضا والسخط، وتطيب النفس (4). وسابعها أنه لو جاز التعبد (5) بخبر العدل، لجاز (6) ذلك في خبر الفاسق، لانه لا فرق في العقول بينهما في أن الثقة لا تحصل عند خبره. فيقال (7) لهم فيما تعلقوا به أولا: الشرائع لا بد من كونها مصالح، على ما ذكرتم (8)، ولا بد من طريق للمكلف إلى العلم بذلك (9) إما على الجملة، أو التفصيل (10). فإذا (11) دل الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد إذا كان على صفة، وإذا (12) غلب في الظن صدقه، علمنا كون ما أخبر به صلاحا، وأمنا (13) من الاقدام على المفسدة، كما نعلم (14) كون قطع يد السارق عند البينة أو الاقرار


1 – ب: – واجلاب المنافع. * 2 – ب: الصالح. 3 – ب: يجرى. * 4 – الف: – وتطيب النفس. 5 – ب: + بالعمل. * 6 – ب وج: جاز. 7 – ب: ويقال * 8 – ج: ذكر. 9 – ب: – بذلك. * 10 – ب: التفضل. 11 – ب: وإذا. * 12 – ب: فإذا. 13 – ج: امتنا. * 14 – ب: يعلم. (*)

[ 525 ]

صلاحا، ولولا ذلك لكان (1) مفسدة. وتنتقض (2) – أيضا – هذه الطريقة بالشهادات إذا عمل بها في الحدود. ويقال لهم فيما تعلقوا به ثانيا: لو جاز في الخبر أن تثبت (3) أمارة للمكلف يأمن بها من كونه كذبا، جاز أن يكلف في الاخبار ما كلفه في الافعال. وينتقض ذلك عليهم بالاقرار والبينات في الحدود وغيرها. ويقال لهم فيما تعلقوا به ثالثا ورابعا – فإن الوجهين متقاربان (4) -: إن (5) الرسول لو كان لنا طريق غير المعجز (6) يعلم به كون ما تحمله (7) مصلحة، لجاز (8) فيه ما جاز (9) في خبر الواحد. وإنما لم يعمل (10) بخبر مدعي النبوة قبل ظهور المعجز، لانه لا طريق إلى العلم (11) بقوله إلا العلم (12) المعجز، وليس كذلك الخبر، لان لنا طريقا نأمن (13) به كون الفعل مفسدة، وهو ما بيناه من قيام الدلالة على وجوب العمل


1 – الف وب: كان. * 2 – ج: ينتقض. 3 – ب وج: يثبت. * 4 – ب وج: يتقاربان. 5 – ج: – ان. * 6 – ج: المعجزة. 7 – ب وج: يحمله. * 8 – ب: جاز. 9 – ب: – ما جاز. * 10 – ب: العمل. 11 – ب: – العلم. * 12 – الف: بالمعجز. 13 – ج: طريقة تأمن، ب: يامن. (*)

[ 526 ]

بخبره. وتنتقض (1) هذه الطريقة – أيضا – بالشهادات والاقرارات وكل شئ عمل به مع ارتفاع الثقة بالصدق. ويقال لهم فيما تعلقوا به خامسا: لا شبهة في أن العمل يتبع (2) العلم، لكن من أين قلتم: أنه يتبع العلم بصدق المخبر ؟ !، وما أنكرتم أنه (3) يتبع (2) العلم تارة بصدق المخبر، وأخرى يتبع (2) العلم بوجوب العمل بقوله مع تجويز الغلط عليه ؟ !. وتنتقض (4) هذه الطريقة – أيضا – بالشهادات، والاقرارات، والرجوع إلى قول المفتي، والحاكم. ويقال لهم فيما تعلقوا به سادسا: ليس بممتنع (5) فرضا وتقديرا أن يثبت (6) جميع أصول الشريعة بأخبار الآحاد بعد أن يعلم بالمعجز (7) صدق الرسول صلى الله عليه وآله (8)، ويعلم من جهة ذلك، وإن كان قد ثبت الشرع الآن بخلاف ذلك، والكلام الآن (9) إنما هو على الجواز، وقد بينا جوازه. ثم يعارضون بالشهادات،


1 – ج: ينتقض. * 2 – ج: تتبع. 3 – الف: ان. * 4 – ب وج: ينتقض. 5 – ب وج: يمتنع. * 6 – الف: تثبت، ب: ثبت. 7 – ب: بالمخبر. * 8 – ب وج: ع. 9 – ب وج: – الان. (*)

[ 527 ]

والاقرارات، ويلزمون جواز مثل ذلك في سائر الاصول. فأما القرآن، فإثباته وهو معجز دال على صدق الرسالة بخبر الواحد لا يجوز، لان (1) الثقة بنبوته وصدقه لا تحصل (2) إلا مع الثقة بمعجزته، ولو فرضنا أن نبوته (3) صلى الله عليه وآله (4) تثبت (5) بغير القرآن من المعجزات، لجاز إثبات القرآن بخبر الواحد. فأما إثبات النبوات بخبر الواحد، فإنه غير جائز، لان ذلك ينتقض بخبر (6) الواحد. ولانه لا طريق إلى وجوب العمل بقول النبي صلى الله عليه وآله إلا العلم المعجز (7) الدال على الصدق * وحصول الثقة. وأما (8) تفريقهم بين قبول الشهادة (9) وقبول خبر الواحد، فليس بصحيح، لانا نقبل الشهادة (10) في الحدود (11)، وهي مختصة بمصالح الدين، وخارجه عما يجوز فيه الصلح والتراضي (12). وكذلك يقبل قول المفتي فيما يختص بمصالح الدين (13).


1 – ب: – لان، + و. * 2 – الف وب: يحصل. 3 – الف: معجزته، ب: اثبوته. * 4 – ب وج: ع. 5 – ب -: ثبتت. * 6 – ب وج: ينقض خبر. 7 – الف وج: بالمعجز. * 8 – الف وب: فاما. 9 – ب وج: الشهادات. * 10 – ب: الشهادات. 11 – الف: – في الحدود. * 12 – ج: التراخي. 13 – ب: – وخارجة، تا اينجا. (*)

[ 528 ]

وبعد، فإن العقل يحظر انتزاع ملك (1) زيد ودفعه إلى عمرو، وبالشهادة يفعل ذلك. ويقال لهم فيما تعلقوا به سابعا: إنه جائز (2) من جهة العقل أن يتعبد (3) الله تعالى بالعمل بخبر الفاسق، ولا فرق في الجواز بين العدل والفاسق، وإذا جعلنا قول المخبر كالسبب أو الشرط في العبادة (4)، جازت العبادة عقلا بالعمل بقول من يغلب في الظن كذبه، كما يجعل زوال الشمس وطلوع الفجر سببا للاحكام (5). فإن قيل: إذا كان لا بد من تمييز (6) الحجة من الشبهة، فكيف يتميز ذلك في خبر الواحد ؟. قلنا: بأن يجعل لاحد الخبرين (7) أمارة يميز (8) بها من الآخر. فصل في إثبات التعبد بخبر الواحد أو نفي ذلك الصحيح أن العبادة ما وردت بذلك، وإن كان العقل يجوز


1 – ج: الملك. * 2 – الف: جاز. 3 – الف: يتبعه. * 4 – ج: العبادات. 5 – ب: – للاحكام. * 6 – ج: تميز. 7 – ب: الخبرو. * 8 – ج: يتميز. (*)

[ 529 ]

التعبد (1)، بذلك وغير محيل له، على ما مضى في الباب الاول، ووافق على ذلك كل من منع عقلا من العبادة به من النظام وغيره من المتكلمين. وذهب الفقهاء وأكثر المتكلمين (2) إلى أن العبادة قد وردت بالعمل بخبر الواحد في الشريعة. وكان أبو علي الجبائي لا يعمل بخبر الواحد في الشريعة، ويعمل بخبر الاثنين فصاعدا، ويجريه (3) مجرى الشهادة. والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه أنه لا خلاف بيننا وبين محصلي (4) مخالفينا في هذه المسألة أن العبادة بقبول خبر الواحد والعمل به طريقة الشرع (5) والمصالح، فجرى مجرى سائر (6) العبادات الشرعية في اتباع المصلحة، وأن العقل غير دال عليه، وإذا فقدنا في أدلة الشرع ما يدل على وجوب العمل به (7)، علمنا انتفاء العبادة به، كما نقول (8) في سائر الشرعيات والعبادات الزائدة على ما أثبتناه وعلمناه (9)، وعلى هذه الطريقة نعول (10) كلنا في (11) نفي


1 – ب وج: مجوزا للتعبد. * 2 – ج: المتكلمين واكثر الفقهاء. 3 – الف: يجرى. * 4 – الف: محققى (خ ل). 5 – الف: الشريعة. * 6 – الف: كسائر، بجاى (مجرى سائر). 7 – ب: بما، بجاى به. * 8 – ب: يقول. 9 – ج: علمنا. 10 – ب: يعول. 11 – ب: على. (*)

[ 530 ]

صلوة زائدة وصوم شهر زائد على ما عرفناه، وفي أن مدعي النبوة ولا معجز (1) على يده ليس بنبي. وليس لاحد أن يقول: إنما علمت أنه لاصلوة زائدة على الخمس مفروضة، ولا صيام مفروض زائد (2) على شهر رمضان، بالاجماع، لانا نعلم أنهم لو لم يجمعوا على ذلك، وخالف بعضهم فيه، لكان المفزع (3) فيه (4) إلى هذه الطريقة التي ذكرناها، وقد بينا صحة الاعتماد على هذه (5) الطريقة، وإبطال شبهة (6) من اشتبه عليه ذلك في مواضع من كلامنا، واستقصيناه. ويمكن أن يستدل بمعنى هذه الطريقة بعبارة أخرى، وهو أن نقول (7): العمل بالخبر لا بد من أن يكون تابعا للعلم، فإما أن يكون تابعا للعلم (8) بصدق الخبر، أو العلم (9) بوجوب العمل به مع تجويز الكذب، وقد علمنا أن خبر الواحد لا يحصل عنده علم بصدقه لا محالة، فلم يبق إلا أن يكون العمل به تابعا للعلم بالعبادة


1 – ب: معجزة. * 2 – الف: مفروضا زائدا. 3 – ب: المفرع، ج: مفزع. * 4 – ب وج: – فيه. 5 – ج: + المسألة. * 6 – ج: الشبهة. 7 – ج: يقول. * 8 – ب: – فاما، تا اينجا. 9 – الف: للعلم. * 10 – ج: – بالعبادة. (*)

[ 531 ]

بوجوب (1) العمل به، وإذا لم نجد (2) دليلا على وجوب العمل به، نفيناه (3). وقد تعلق مخالفونا بأشياء: أولها قوله تعالى -: (فلولا نفر من كل فرقة منهم (4) طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، لعلهم يحذرون.) وليس يكونون منذرين لهم إلا (5) و (6) يلزمهم القبول منهم. وربما قالوا: إن معنى الآية ولينذر كل واحد منهم قومه (7). وإذا صح لهم ذلك استغنوا عن التشاغل بأن اسم طائفة (8) يقع على الواحد، كما يقع على الجماعة، وتعلقهم في ذلك بقوله تعالى -: (وليشهد (9) عذابهما طائفة من المؤمنين) وقوله تعالى – (10): (وإن (11) طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) وثانيها (12) قوله تعالى -: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من


1 – الف: لوجوب. * 2 – ج: يجده. 3 – ج: نفينا. * 4 – الف: – منهم. 5 – الف: – لهم الا، ج: – الا. * 6 – ج: + الا. 7 – الف: قوم. * 8 – الف: باسم الطائفة، بجاى بان اسم طائفة. 9 – ج: ليشهدوا. * 10 – الف: – وقوله تعالى. 11 – ج: ان، بالتشديد. * 12 – الف: ثانيها. (*)

[ 532 ]

البينات) وحظر الكتمان يقتضي وجوب الاظهار، ولا يجب الاظهار إلا للقبول. وثالثها قوله تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة)، والظاهر يقتضي أن العدل في هذا الحكم بخلاف الفاسق. ورابعها أن الله تعالى قد أمر رسوله (1) صلى الله عليه وآله بالابلاغ في مواضع من الكتاب لا تحصى، والابلاغ يكون بالتواتر والآحاد معا، لانه لو اختص بالتواتر (2) وما يوجب العلم، لوجب أن يكون العلم بفروع العبادات كالعلم بأصولها، وكذلك فروع المعاملات كلها، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك. وخامسها وهو (3) الطريقة التي بها يصولون، وعليها كلهم يعولون، وإياها يرتضون، وترتيبها أن الصحابة مجمعة (4) على العمل بأخبار لا تبلغ التواتر، وذلك أظهر فيما بينهم من كل شئ كان ظاهرا، ويذكرون رجوعهم في وجوب الغسل بالتقاء الختانين إلى أزواج


1 – ج: رسول. * 2 – ج: – والاحاد، تا اينجا. 3 – ب وج: هي. * 4 – ج: مجتمعة. (*)

[ 533 ]

النبي صلى الله عليه وآله عند اختلافهم في ذلك، وعمل عمر بن الخطاب بعد التوقف والتردد في جزية المجوس على خبر عبدالرحمن، ثم أجمعوا على ذلك، ونحو عمله في دية الجنين (1) على خبر حمل (2) بن مالك، ونحو عمل أبي بكر في ميراث الجدة على قول الواحد والاثنين، ونحو ما روي عن (3) أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله حديثا نفعني الله ما شاء أن ينفعني به، وإذا حدثني عنه غيره (4) استحلفته، فإذا حلف (5) لي صدقته، وحدثني أبو بكر * وصدق أبو بكر (6)، ورجع في حكم المذي (7) إلى خبر المقداد، قالوا و (8) وجدناهم بين عامل بهذه الاخبار، وبين تارك للنكير عليه، ولو كان ذلك خطأ، لكان قد أجمعوا على الخطأ، وهذا غير جائز عليهم. وسادسها أن النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث عماله ورسله (9) إلى


1 – الف: الجزية. 2 – الف: جميل، وما في المتن موافق لما في العدة ايضا (راجع ج 1 ص 47 ط تهران) 3 – ج: – عن. * 4 – الف: غير. 5 – الف: حلفه. * 6 ج: – وصدق أبو بكر. 7 – ج: المدعى. * 8 – ب: – و. 9 – ج: رسوله. (*)

[ 534 ]

البلاد للدعاء إلى شريعته، وإنما كانوا (1) يعملون (2) على مجرد أقوالهم في كونهم رسلا، وفي العمل بما يروونه (3). وسابعها حمل قبول خبر الواحد مع تجويز الغلط عليه على قبول قول المفتي مع تجويز ذلك عليه. وربما حملوا ذلك على الشهادات وأخبار المعاملات. وثامنها أن الضرورة تقود (4) إلى قبول أخبار الآحاد إذا حدثت (5) الحادثة وليس فيها حكم منصوص (6). وتاسعها طريقة وجوب التحرز من المضار، كما يجب التحرز (7) من سلوك الطريق إذا أخبر (8) مخبر بأن فيه سبعا وما أشبهه. فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا: إذا سلمنا أن اسم الطائفة يقع على الواحد والاثنين، فلا دلالة لكم في الآية، لانه تعالى سماهم منذرين، والمنذر هو المخوف المحذر الذي ينبه على النظر


1 – ب: – وانما كانوا. * 2 – ب: فيعملون. 3 – ب: يودونه، ج: تودونه. * 4 – ب: توالى. 5 – ب: حدثه، ج: حدث. * 6 – الف: خبر مخصوص. 7 – الف: التحذير. * 8 – ج: خبر. (*)

[ 535 ]

والتأمل، ولا يجب (1) تقليده ولا القبول منه بغير حجة، ولهذا قال تعالى -: (لعلهم يحذرون) ومعنى ذلك ليحذروا، و (2) لو أراد ما ادعوا لقال – تعالى -: (لعلهم (3) يعملون (4) أو يقبلون (5)) والنبي – صلى الله عليه وآله وإن سميناه منذرا، وكان قبول قوله واجبا، فمن حيث كان في ابتداء دعوته يكون مخوفا، ثم إذا استقر دليل نبوته، وجب العمل بقوله. ويقال لهم فيما تعلقوا به ثانيا: أما الكتمان فلا يستعمل إلا فيما يجب إظهاره، أو تقوى (6) الدواعي إلى ذلك فيه، فمن أين لكم أن خبر الواحد له هذه الصفة، حتى يطلق فيه الكتمان ؟ ! والآية تدل على الاختصاص بنقل (7) القرآن، لانه قال: (ما أنزلنا من البينات والهدى)، وما أنزل الله تعالى هو القرآن. ويقال لهم فيما تعلقوا به ثالثا: هذه الطريقة مبنية على دليل الخطاب، وقد بينا فيما تقدم فساد ذلك. وبعد، فالتعليل في الآية


1 – ج: فلا يجب. * 2 – ج: أو. 3 – ج: لعلم. * 4 – الف وب: يعلمون. 5 – الف: يعقلون. * 6 – ب: يقوى. 7 – ب وج: لنقل. (*)

[ 536 ]

أولى أن يعول عليه من دليل الخطاب، وهو قوله تعالى -: (أن تصيبوا قوما بجهالة)، وهذه العلة قائمة في خبر العدل. وقد قيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة (1)، وقد ولاه النبي صلى الله عليه وآله (2) صدقات بعض العرب، فعاد إليه يذكر أنهم منعوا الصدقات، فهم (3) الرسول (4) عليه السلام بإرسال الجيوش إليهم (5)، فنزلت الآية بيانا له (6)، وليعلم الرسول عليه السلام أن الوليد بهذه الصفة، لانه إنما ولاه على ظاهر (7) أمره. ويقال لهم فيما تعلقوا به رابعا: ليس يجوز أن يؤمر (8) بأن يبلغ إلا بما هو حجة في نفسه يجب العمل به، وهذا يقتضى أن يدل على أن الخبر الواحد بهذه الصفة حتى يصح الابلاغ به، ومن مذهب من خالفكم في هذه المسألة أن الابلاغ لا يصح إلا بما هو حجة توجب (9) العلم، أو بتواتر، أو إجماع، أو قول إمام معصوم نائب عنه عليه السلام وخليفة (10) له بعد وفاته.


1 – الف: عتبة. * 2 – ج: ع. 3 – الف وب: وهم. * 4 – ب وج: – الرسول. 5 – الف: – إليهم. * 6 – الف: – له. 7 – ب: ظاهره. * 8 – ج: يامر. 9 – الف: يوجب. * 10 – ب: خليفته. (*)

[ 537 ]

ويقال لهم فيما تعلقوا به خامسا: أنتم تعلمون بأي شئ تدفع الامامية هذه الطريقة، وهو أنها تقول (1) إنما عمل بأخبار (2) الآحاد من الصحابة المتأمرون الذين (3) يحتشم (4) التصريح بخلافهم، والخروج عن (5) جملتهم، فالامساك عن النكير (6) عليهم (7) لا يدل على الرضا بما فعلوه، لاننا (8) كلنا نشترط (9) في دلالة الامساك على الرضا (10) أن لا يكون له وجه سوى الرضا من تقية وخوف وما أشبه ذلك، فبطل أن يكون ما ذكرتموه إجماعا. غير أنا نعدل عن استعمال هذه الطريقة في هذا الكتاب لانها (11) تحوج (12) إلى الكلام في الامامة، وينتقل من أصول الفقه (13) إلى أصول الدين (14)، ولانها تثقل (15) على الفقهاء، وتوحشهم، وما تؤثر (16) ما ينفرون


1 – ج: يقول. * 2 – ج: بالاخبار. 3 – الف: الذى. * 4 – الف: يجشم. 5 – الف: من. * 6 – ب: التكبير، ج: التكبر. 7 – ب: – عليهم. * 8 – ب: لانا. 9 – ج: لنشرط. * 10 – ج + الا. 11 – الف: – لانها، + و. * 12 – الف: تخرج. 13 – ج: الدين. * 14 – ج: الفقه. 15 – ج: ينتقل. * 16 الف: يوثر، ج: + و. (*)

[ 538 ]

منه، وإن تعمد (1) كثير من مخالفينا إيحاشنا (2)، وتسلقوا، وتوصلوا إلى كل ما يثقل علينا من غير حاجة بهم في الموضع إليه. فأما من خالف في كون الاجماع حجة من النظام وغيره، ممن أحال العلم بصحة إجماع الامة على شئ، أو (3) أجاز ذلك و (4) ذكر أنه لا دليل يدل على أن إجماع الامة حجة، فإنه يدفع (5) – أيضا – هذه (6) الطريقة بأن يقول (7) أكثر ما فيها الاجماع على العمل بقبول أخبار الآحاد، ولا حجة في الاجماع. و (8) هذه الطريقة لا نرتضيها، لاننا (9) نذهب إلى أن في (10) إجماع الامة الحجة، ولا يجوز أن يجمعوا على باطل. ولنا (11) بعد ذلك كله على هذه الطريقة وجهان من الكلام: أولهما أن جميع ما وضعوا أيديهم عليه إنما هي أخبار آحاد لا توجب علما، فإنهم دلوا على أن خبر الواحد حجة بأخبار آحاد،


1 – الف: تعمل. * 2 – الف: ايحاشا، بالنصب. 3 – ب: و. * 4 – ب: + و. 5 – الف: يندفع. * 6 الف: بهذه. 7 – الف: نقول. * 8 – الف: – و. 9 – ج: لانا. * 10 – الف: – في. 11 – ب: قولنا. (*)

[ 539 ]

وكيف يعولون (1) على ما أحسن أحواله أن يوجب الظن (2) فيما طريقه العلم والقطع، لانهم يدعون القطع والعلم بأن الله تعالى (3) تعبدهم بالعمل بأخبار الآحاد في الشريعة، فلا يجب أن يعولوا (4) على ما لا يوجب العلم. وقد حملهم سماع هذا الطعن منا على أن ادعوا أنهم يعلمون ضرورة عمل الصحابة على أخبار لا تبلغ حد التواتر، وأنهم لم يعولوا هيهنا على خبر الواحد حتى يدخل أبو علي الجبائي معهم، فإنه (5) لا يعمل بخبر الواحد إذا انفرد، ويذكرون أن العلم بذلك يجري مجرى العلم بأنهم كانوا * يرجعون في الاحكام إلى القرآن والسنة المتواترة بها (6)، وكما (7) يعلم (8) رجوع العوام منهم إلى فتوى المفتي، قالوا: نذكر الاخبار ليتطابق (9) الجملة و (10) التفصيل، وربما قالوا كما نعلم ضرورة سخاء حاتم وإن لم نعلم تفاصيل (11)


1 – ب: يعولوا، ج: يقولون. * 2 – ب: النظر. 3 – الف: – تعالى. * 4 – ج: يقولوا. 5 – ب: – فانه، ج: لانه. * 6 – ب: – بها. 7 – ب: كلما. * 8 – الف: نعلم. 9 – الف: لتطابق. * 10 – الف: – و. 11 – الف: تفصيل. (*)

[ 540 ]

ما (1) يروى من عطاياه وجوائزه، وكذلك شجاعة عمرو بن معد يكرب. والجواب عن هذا الذي حملوا نفوسهم عند ضيق الحيلة (2) عليه (3) أن الضرورة لا تختص (4) مع المشاركة في طريقها، والامامية وكل مخالف لهم في خبر الواحد من النظام وتابعيه وجماعة (5) من شيوخ متكلمي المعتزلة كالقاساني (6) بالاسر (7) يخالفونهم فيما ادعوا فيه الضرورة مع الاختلاط بأهل الاخبار، ويقسمون على أنهم لا يعلمون ذلك بل و (8) لا يظنونه، فإن كذبتموهم، فعلتم (9) ما لا يحسن، وكلموكم بمثله. والفرق بين الرجوع إلى القرآن والتواتر وبين خبر الواحد واضح، لان ذلك لما كان معلوما ضرورة لم يخالف فيه عاقل، والخلاف فيما ادعوه ثابت، وكذلك القول في رجوع العامي إلى الفتوى. وكذلك القول في سخاء حاتم


1 – ب: مما. * 2 – ج: جبلة. 3 – ج: عليهم. * 4 – ج: يختص. 5 – ج: + و. * 6 – ب: كالقسانى. 7 – هذا هو الظاهر، لكن النسخ كلها (بالامس). 8 – ج: – و. * 9 – ج: + و. (*)

[ 541 ]

وشجاعة عمرو، و (1) لان من خالف في ذلك كله لا يناظر ويقع (2) على بهته (3) ومكابرته، وليست هذه صفة من خالف في أخبار الآحاد. وبعد، فإذا (4) كنتم تعلمون على الجملة أن القوم عملوا على أخبار الآحاد، فلا فائدة في ذكر هذه الاخبار المعينة وتدوينها (5) في الكتب، لانها تقتضي (6) الظن على أجل أحوالها، وأي تأثير للظن مع العلم الضروري ؟ ! وقولهم: (ليطابق التفصيل الجملة) كلام (7) لا محصول له، لان التفصيل الذي جائت به هذه الاخبار غير معلوم، والجملة هي (8) التي يدعون (9) العلم بها، فلا تطابق (10) بين معلومين. ثم يقال لهم: كما احترزتم (11) لابي علي في عبارتكم عما يتعلق به في العلم الضروري، وقلتم (12): نعلم ضرورة أنهم عملوا على ما لا ينتهي إلى التواتر (13) من الاخبار، ألا احترزتم للنظام ومن


1 – الف: – و. * 2 – الف: يقطع. 3 – ج: هبة. * 4 – ب: إذا. 5 – ج: يدون. * 6 – ج: يقتضى. 7 – ج: – كلام. * 8 – ب: – هي. 9 – ج: تدعون. * 10 – ج: يطابق. 11 – ب: اخترتم. * 12 – ب: + ضروري. 13 – الف: المتواتر. (*)

[ 542 ]

وافقه ممن نفى العمل (1) بأخبار الآحاد كلها مما لا يحصل عنده علم (2) ويقين ؟ ! فليس النظام ومن وافقه بدون أبي (3) علي وأصحابه. ومن العجب قولهم: إنهم إنما عملوا على العمل بأخبار الآحاد لنص من الرسول صلى الله عليه وآله قاطع على ذلك، وإنما لا يوجد هذا النص المعين في النقل لان الاجماع قد أغنى عن نقله، وهذا فاسد، لان قيام حجة و (4) دلالة لا يغني (5) عن أخرى، ولو كان الرسول عليه السلام قد نص لهم على وجوب العمل بخبر الواحد نصا معينا مفصلا، لوجب كون (6) نقل (7) هذا النص والتواتر به مستمرا وأن ينعقد الاجماع على مضمونه، لان (8) الحجج قد تترادف، وتتضاعف. وبعد، فقد بينا أنه (9) لا إجماع على ما ذكروه، فيغني عن التواتر بالنص عليه. وأما الوجه الثاني في الكلام على هذه الطريقة – إذا سلمنا صحة كل شئ رووه من هذه الاخبار المعينة، ولم نقدح (10)


1 – ج: العلم. * 2 – الف: – علم. 3 – ج: أبو. * 4 – الف: أو. 5 – الف وب: تغنى. * 6 – ب: – كون. 7 – الف: – نقل. * 8 – ب: لانه. 9 – الف: ان. * 10 – ب وج: يقدح. (*)

[ 543 ]

فيها، ولا (1) طالبنا بدلالة على صحتها – فهو أن نقول: المعلوم أنهم عملوا عند هذه الاخبار، والعمل عندها يحتمل أن يكون عملوا بها ولاجلها، كما يحتمل أن يكونوا ذكروا (2) عند ورودها سماعهم من (3) النبي صلى الله عليه وآله لذلك (4)، ويحتمل – أيضا – أن يكون (5) الخبر نبههم (6) على طريقة من الاجتهاد تقتضي (7) إثبات ذلك الحكم، فكان العمل على الاجتهاد، لا بالخبر، وإنما كان للخبر حظ التذكير (8) والايقاظ. فإن قالوا: هذا يقتضي العدول عن المعلوم إلى المجهول، لان رواية الخبر معلومة، وعملهم (9) عنده معلوم أيضا، وما تدعونه من علم بذلك سبق أذكر (10) هذا الخبر مجهول، وكذلك تنبيهه على طريقة من الاجتهاد – أيضا – مجهول، ولا يعدل عن المعلوم إلى المجهول.


1 – ب: – لا. * 2 – ج: اذكروا. 3 – ج: عن. * 4 – ب وج: كذلك. 5 – ج: – يكون. 6 – هذا هو الصحيح، لكن في نسخة الف: ينبههم، وفي نسخة ب: بينهم، وفي ج: نبهتهم 7 – ب وج: يقتضى. * 8 – ب وج: التذكر. 9 – ب: علمهم. 10 – الف: – اذكر، ولعل الاصل (أذكره). (*)

[ 544 ]

قلنا: المعلوم (1) رواية الخبر وعملهم عنده، وتعليل هذا العمل بأنه من حيث قامت الحجة عليهم بوجوب العمل (2) بأخبار الآحاد مجهول غير معلوم، وإنما هو وجه (3) مجوز (4) كما أن صرف عملهم إلى الذكر والعلم (5) السابق أو (6) التنبيه على طريقة من الاجتهاد – أيضا مجهول، ومن باب الجائز، فما فينا إلا من أحال على أمر مجهول جائز كونه كما أنه جائز كون غيره، فكيف رجحتم قولكم على قولنا، والتساوي حاصل بين الوجوه، والشك فرض من فقد الدليل القاطع ؟ !. وليس لهم أن يقولوا: ما يذكرونه يقتضي أنه لا تأثير للخبر، على كل حال، فإما أن يكون حجة في وجوب العمل على ما تدعون، أو يكون مذكرا لسماع تقدم (7) وعلم (8) سبق، أو يكون منبها على طريقة من الاجتهاد، والتأثير (9) حاصل على كل حال.


1 – ب: – المعلوم. * 2 – ج: – العمل. 3 – ب وج: – وجه. * 4 – ب: محرز. 5 – ج: علم. * 6 – الف: و. 7 – ج: يقدم. * 8 – ب: + ما. 9 – ب: التأبير. (*)

[ 545 ]

ويقال لهم فيما تعلقوا به سادسا: أما الرسل والعمال الذي كان ينفذهم (1) رسول الله صلى الله عليه وآله إلى البلدان، فأول كل (2) شئ كانوا يدعون إليه بلا خلاف بيننا وبينهم المعرفة بالله تعالى ثم تصديق النبي صلى الله عليه وآله (3) في (4) نبوته ودعوته، ثم يدعون إلى الشرائع، ومعلوم أن قول الرسل ليس بحجة في توحيد الله وعدله، ولا في العلم بنبوة نبيه (5) صلى الله عليه وآله (6) – فكيف أمر الرسل بالدعاء إلى ما (7) ليس قولهم فيه حجة ؟ ! فإذا (8) قالوا لدعائهم حظ * الانذار والتنبيه على النظر في الحجج والادلة. قلنا: فأجروا الشرائع هذا المجرى، وقولوا: إن هؤلاء الرسل إنما دعوهم إلى الشرائع لا لان قولهم حجة فيها، بل للتنبيه على النظر في إثباتها، والرجوع إلى التواتر وما جرى مجراه في العمل بها، ولا فرق بين الامرين. ويقال لهم لا بد من أن يكون الذين في أطراف الارض قد قامت عليهم الحجة بالعمل بأخبار هؤلاء (9) الرسل (10) حتى يجب (11)


1 – ج: ينفذتهم. * 2 – ج: – كل. 3 – ب: ع. * 4 – ج: ثم، بجاى في. 5 – ب: بنبوته، بجاى بنبوة نبيه. * 6 – ب وج: ع. 7 – ج: – ما. * 8 – ب: فان. 9 – ج: هاولا. * 10 – ب: الرجل. 11 – ج: تجب. (*)

[ 546 ]

عليهم العمل بأخبارهم، وليس يجوز أن يعلموا ذلك من جهة هؤلاء الرسل (1)، لان أخبار (2) هؤلاء (3) الرسل أكثر ما يوجبه (4) الظن، وهي غير موجبة للعلم، ووجوب العمل بأقوالهم يجب أن يكون معلوما مقطوعا عليه. فإذا (5) قيل: يعلمون ذلك بالاخبار المتواترة التي ينقلها إليهم الصادر و (6) الوارد. قلنا فأجيزوا (7) أيضا أن يعلموا الشرائع التي (8) يطالبهم بالعمل بها هؤلاء الرسل (9) من جهة التواتر والنقل الشائع الذائع، و (10) يكون حكم ما تحملوه (11) من الشرع في طريق العمل حكم العلم (12) بأنهم متعبدون بالعمل بأقوالهم، ولن (13) يجدوا بين الامرين فرقا. ويقال لهم (14) فيما تعلقوا به سابعا: هذه الطريقة إنما تدل على جواز ورود التعبد بالعمل بأخبار الآحاد، ولا تدل على ثبوته،


1 – ب: الرجل. * 2 – الف: العمل باخبار. 3 – ج: هاولا. * 4 – ب: توجب. 5 – ج: فان. * 6 – ج: + ان. 7 – ب: فاجبروا، ج: فاخبروا. * 8 – ج: – التى. 9 – الف: – الرسل. * 10 الف: + قد. 11 – الف: يحملونه. * 12 – ج: العمل. 13 – ب لو. * 14 – ب: – لهم. (*)

[ 547 ]

والجواز لا خلاف بيننا فيه، وإنما الخلاف في الوقوع. فإن قستم (1) قبول خبر الواحد على المفتي بعلة فقهية جامعة بينهما، كان لنا – قبل النظر في صحة هذه العلة – أن نقول (2) لكم: التعبد بالعمل بخبر الواحد عندكم معلوم مقطوع عليه، ولا يجوز إثبات مثله بطريقة الاجتهاد التي لا (3) تقتضي (4) إلا (5) الظن. وقد فرق بين المفتي والمخبر الواحد بأن المفتي يجب أن يختص بشروط: مثل أن يكون من أهل الاجتهاد، ولا يجب مثل ذلك في الخبر الواحد. والمفتي يخبر عن نفسه، والمخبر الواحد يحكي عن غيره. والمستفتي يخبر في العلماء، وليس كذلك سامع خبر الواحد. والكلام على حمل ذلك على الشهادة يجري مجرى الكلام على من حمله على قول المفتي، من أنه قياس، والقياس (6) لا يسوغ في مثل هذا الموضع. وقد قال بعض المحصلين من العلماء: أن الشهادة أصل في بابها، فكل فرع منها أصل في بابه، فكما لا يقاس بعضها على بعض، فكذلك (7) لا تقاس (8) الاخبار على الشهادة،


1 – ج: قسهتم. * 2 – ج: يقول. 3 – ب وج: – لا. * 4 – ب وج: يقتضى. 5 – ب وج: – الا. * 6 – ب وج: – والقياس. 7 – ج: وكذلك. * 8 – ب: يقاس. (*)

[ 548 ]

وكما لم يقس (1) عليها الفتيا، فكذلك (2) لا يقاس خبر الواحد على ذلك، ولو قيس خبر الواحد على الشهادات، لوجب أن يكون العدد فيه مطلوبا، كما أنه مطلوب في الشهادات على (3) كل حال (4). وأما (5) أخبار المعاملات فلا تشبه ما نحن فيه، لانها منقسمة إلى أمرين: أحدهما يلحق بالعقليات (6)، وهو قبول الهدايا، والاذن في دخول الدار (7)، والشرع ورد بإقرار ذلك، لا (8) باستيناف حكم له، ولذلك (9) لم يميز العدل فيه من غيره، ولا البالغ من الصبي، لان المعول في ذلك على غلبة الظن وما يقع في القلب. والقسم الثاني ما يجري مجرى الشرع (10)، من قبول قول الواحد في (11) طهارة الماء ونجاسته وفي القبلة ودخول الوقت، وهذا فرع من فروع خبر الواحد، فلا الاول يجوز أن يجعل (12) أصلا، لانه عقلي، ولا الثاني، لانه (13) فرع وتابع.


1 – الف: – الاخبار، تا اينجا. * 2 – ج: وكذلك. 3 – ج: في. * 4 – ب: – على كل حال. 5 – الف وب: فاما. * 6 – ب: بالفعليات. 7 – ب: – الدار. * 8 – ج: الا. 9 – ب: – ولذلك، ج: كذلك. * 10 – ب: الشرح. 11 – الف: و. * 12 – ب: تجعله، ج: يجعله. 13 – الف: + خروج. (*)

[ 549 ]

ويقال لهم فيما تعلقوا به ثامنا (1): الضرورة إنما تقود (2) في الحوادث إلى ما هو حجة في نفسه، فدلوا على أن خبر الواحد حجة في الشريعة حتى يرجع (3) إليه في الحوادث، ومن يخالفكم (4) في هذه المسألة يذهب إلى (5) أنه لا ضرورة به (6) تدعوه إلى خبر الواحد، لانه ما من (7) حادثة الا وعلى حكمها دليل يوجب (8) العلم، وفيهم من يقول إذا فقدنا الدليل رجعنا إلى حكم العقل، فلا ضرورة هيهنا كما تدعون. ويقال لهم فيما تعلقوا به تاسعا: لا يجوز العمل على خبر الواحد في الاحكام الشرعية بالتحرز من (9) المضار، كما وجب مثل ذلك في المضار العقلية، لان المضار في الدين يجب على الله تعالى مع التكليف لنا أن ينبهنا (10) ويدلنا عليها بالادلة القاطعة، فإذا فقدنا ذلك، (11) علمنا أنه لا مضرة دينية، فنحن نأمن أن يكون (12)


1 – ج: ثانيا. 2 – هذا هو الصحيح، لكن في نسخة الف: تعود، وفي ب: نفوذ وفي ج: يقود. 3 – ب: رجع. * 4 – ب: يخالفيكم. 5 الف: – إلى. * 6 – الف وج: فيه. 7 – ج: لا، بجاى (مامن). 8 – ج: توجب. 9 – ج: عن. * 10 – ب: ينهنا، ج: يبينها. 11 – ب: + و. * 12 – الف: – ان يكون. (*)

[ 550 ]

فيما أخبر به الواحد مضرة دينية بهذا الوجه، وليس كذلك المخبر عن سبع (1) في الطريق، لانا لا (2) نأمن من (3) أن يكون صادقا، وإن لم يجب قيام دلالة على كون السبع فيه، فيجب علينا التحرز من المضرة بالعدول عن سلوك الطريق. وبعد، فهذه الطريقة توجب (4) عليهم أن يكون الفاسق كالعدل، والمؤمن كالكافر (5)، وأن يكون المعتبر حصول الظن، من غير اعتبار الشروط التي يوجبونها (6) في خبر الواحد، ولا أحد يقول بذلك. على أن العقول مانعة من الاقدام على ما يجوز المقدم (7) عليه أن يكون (8) مفسدة، فلم صاروا بأن يوجبوا (9) العمل بخبر الواحد تحرزا (10) بأولى ممن قال: إنه لا يحسن الاقدام على ما أخبر (11) به مع تجويز كونه مفسدة. وهذه الطريقة – أيضا – توجب العمل على قول (12) مدعي


1 – ب: مسبغ. * 2 – الف وب: – لا. 3 – الف وب: – من. * 4 – ج: يوجب. 5 – ج: والكافر. * 6 – ب وج: توجبونها. 7 – ب: القدوم. * 8 – ب وج: كونه، بجاى (ان يكون). 9 – ج: توجبوا. * 10 – ب: تحررا. 11 – ب وج: خبر. * 12 – ب وج: قبول. (*)

[ 551 ]

الرسالة (1) لهذا (2) الضرب من الاحتياط والتحرز. فأما الخبر الذي رووه عن أمير المؤمنين عليه السلام فمخالف لاصولهم لانه (3) تضمن أنه كان يستحلف من يخبره (4)، فإذا حلف، صدقه، وعندهم أن الاستحلاف غير واجب، والتصديق بعد الاستحلاف لا يجوز (5)، لان معنى التصديق هو القطع على صدقه، وخبر الواحد لا يقطع على صدقه، وإن حلف، ثم قال: وحدثني أبو بكر * وصدق أبو بكر، وعندهم أن من يعمل على قوله لعدالته (6) لا يقطع على صدقه، فليس يشبه هذا الخبر ما يذهبون إليه. وقد بينا في الكتاب الشافي – لما تعلق صاحب الكتاب المغني (7) به – تأويله، وقلنا: إنه (8) غير ممتنع أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام. سمع ما خبره (9) به أبو بكر من النبي صلى الله عليه وآله (10) كما سمعه أبو بكر، فلهذا صدقه. فأما الكلام على أبي علي الجبائي في العمل بقول الاثنين (11)


1 – ب: + و. * 2 – الف: بهذا. 3 – ج: + لا. * 4 – ب: تخبره. 5 – الف: – لا يجوز. * 6 – الف: بعدالته. 7 – ج: المعنى. * 8 – الف: – انه. 9 – ب وج: اخبر. * 10 – ج: ع. 11 – ب وج: اثنين. (*)

[ 552 ]

والامتناع من العمل بخبر الواحد، فهو جار مجرى الكلام على أصحاب خبر الواحد، لاننا نقول له: من أين علمت أن الصحابة عملت بخبر الاثنين ؟ ! وإنما يرجع في ذلك إلى روايات الآحاد، وما طريقه (1) العلم لا يرجع فيه إلى ما يقتضي غلبة (2) الظن. فإن ادعى ما تقدم ذكره من العلم الضروري على سبيل الجملة، فالكلام على ذلك قد تقدم. ثم إذا سلمنا له هذه الاخبار التي رواها، واعتمد عليها، من خبر الجدة، وأن المغيرة (3) بن شعبة خبر عن (4) النبي صلى الله عليه وآله بأن لها (5) السدس، فلم يعمل أبو بكر بقوله، حتى خبره محمد بن سلمة (6) مثله، فأعطاها السدس، وكما فعله عمر بن الخطاب في امتناعه من قبول قول (7) أبي موسى الاشعري في الاستيذان، حتى جاءه (8) أبو (9) سعيد الخدري، فقبل (10) ذلك، واستدلاله بأن النبي صلى الله عليه وآله


1 – ب وج: طريقة. * 2 – ب: عليه. 3 – ج: مغيرة. * 4 – ج: من. 5 – از اينجا از نسخه ج يك ورق افتاده. 6 – في العدة: مسلمة (ج 1 ص 48 ط تهران). 7 – الف – قول. * 8 – ب: جاه. 9 – ب: بابى. * 10 – ب: + له. (*)

[ 553 ]

لم يقبل خبر ذي اليدين في الصلوة (1) حتى سأل أبا بكر وعمر (2). وكان لنا أن نقول له ما قلناه لمن عمل بخبر الواحد: ما تنكر (3) أن يكون خبر الثاني أذكر، فوقع العمل على الذكر دون قوله، أو نبه على طريقة (4) من الاجتهاد كان التعويل عليها، حسب ما بيناه في كلامنا المتقدم، ولو لم يذكر الخبر الثاني، أو ينبه (6)، ما عمل به، كما أن ذلك لما لم يحصل عند خبر الواحد، لا يعمل به. وهذا الذي قلناه أشبه بالحال، لان كل من روى عنه أبو علي أنه رد خبر الواحد وعمل بخبر الاثنين قد عمل في مواضع أخر عند خبر الواحد مع عدالته وظهور (7) أمانته، فعلمنا أنه لم يتوقف لشكه فيه، وإنما توقف إما لمراعاة العدد على ما ادعى أبو علي، أو لانه (8) لم يذكر، أو ينبه على ما قلناه. ولا (9) يجوز أن يكون التوقف لاجل العدد، لانه (10) قد عمل عند خبر الواحد في مواضع شتى، فثبت ما ذكرناه.


1 – الف: – في الصلوة. * 2 – الف: + في الصلوة، بجاى وعمر. 3 – ب: ينكر. * 4 – ب: طريقه. 5 – ب: بنيناه. * 6 – ب: نسبة. 7 – الف: – ظهور. * 8 – ب: انه. 9 – الف: فلا. * 10 – ب: – لانه. (*)

[ 554 ]

وأما خبر ذي اليدين، فخبر باطل مقطوع على فساده، لانه يتضمن أن ذااليدين قال له – عليه السلام -: (أقصرت الصلاة يا رسول الله (1) أم نسيت) وأنه قال عليه السلام -: (كل ذلك لم يكن)، وهذا كذب لا محالة، لان أحدهما قد كان على قولهم، والكذب بالقول (2) لا يجوز عليه. وكذلك السهو في الصلوة. على أنه يلزم أبا علي – أيضا – أن (3) لا يعمل بخبر الاثنين، لان النبي عليه السلام لم يعمل بخبر ذي اليدين وخبر أبي بكر، حتى انضاف إليهما عمر. فصل اعلم أنا إذا كنا قد دللنا على أن خبر الواحد غير مقبول في الاحكام الشرعية، فلا وجه لكلامنا في فروع هذا الاصل الذي دللنا على بطلانه، لان الفرع تابع لاصله، فلا حاجة بنا إلى الكلام (4) على أن المراسيل مقبولة أو مردودة، ولا على وجه ترجيح بعض الاخبار على بعض، وفيما يرد له الخبر أو لا يرد (5)


1 – ب: – يا رسول الله. * 2 – ب: بالعقول. 3 – ب: أو. * 4 – ب: + على الكلام. 5 – الف: + و. (*)

[ 555 ]

في تعارض الاخبار، فذلك كله شغل قد سقط عنا بإبطالنا ما هو أصل لهذه الفروع، وإنما يتكلف الكلام على هذه الفروع من ذهب إلى (1) صحة أصلها، وهو العمل بخبر الواحد. ولا بد من ذكر جملة من أحكام تحمل الاخبار وكيفية القول في ذلك. باب صفة المتحمل للخبر (2) والمتحمل عنه (3) وكيفية ألفاظ الرواية عنه (4) اعلم أن من يذهب (5) إلى وجوب (6) العمل بخبر الواحد في الشريعة يكثر كلامه في هذا الباب ويتفرع، لانه يراعي في العمل بالخبر صفة المخبر في عدالته وأمانته. فأما من لا (7) يذهب إلى ذلك، ويقول: إن العمل في مخبر الاخبار تابع للعلم بصدق الراوي، فلا فرق عنده بين أن يكون الراوي (8) مؤمنا أو كافرا أو فاسقا، لان العلم بصحة خبره يستند إلى وقوعه على وجه لا يمكن


1 – ب: – لهذه الفروع، تا اينجا. * 2 – ب: – للخبر. 3 – الف: فيه. * 4 – ب: عليه. 5 – الف: ذهب. * 6 – ب: – وجوب. 7 – الف: – لا. * 8 – ب: – الراوى. (*)

[ 556 ]

أن يكون كذبا، وإذا لم يكن كذبا (1) فلابد (2) من كونه صدقا (3)، على ما بيناه (4) من الكلام على صفة التواتر وشروطه، فلا فرق على هذه الطريقة بين خبر العدل و (5) خبر من ليس كذلك، ولذلك (6) قبلنا أخبار الكفار كالروم ومن جرى مجراهم إذا خبرونا عن بلدانهم، والحوادث الحادثة فيهم، وهذا مما لا شبهة فيه. فأما الراوي للحديث، فلا يجوز أن يروي إلا ما سمعه عمن حدث عنه (7)، أو قرأه (8) عليه، فأقر له به، فإذا سمع الحديث من لفظه، فهو غاية * التحمل، فله أن يقول: (حدثني) و (أخبرني) و (سمعت)، فإذا كان معه غيره جاز أن يقول: (حدثنا) و (أخبرنا) (9). وفي الناس من منع الراوي من لفظ الجمع إذا (10) كان قاطعا على انه ما حدث غيره. وليس ذلك بصحيح، لانه (11) يجوز أن يأتي بلفظ


1 – الف: – وإذا لم يكن كذبا. * 2 – الف: بل لابد. 3 – ب: – صدقا. * 4 – ب: بينا. 5 – ب: أو. * 6 – ب: كذلك. 7 – ب: – عنه. * 8 – الف: قرائه. 9 – ب: فاخبرنا. * 10 – الف: ان. 11 – ب: + لا. (*)

[ 557 ]

الجمع على سبيل التعظيم والتفخيم، وإن أراد نفسه، كأن (1) يقول الملك: (فعلنا) و (صنعنا). وأجاز كل من صنف في (2) أصول الفقه أن يقول من قرأ الحديث على غيره، ثم قرره عليه، فأقربه على ما قرأه عليه، أن يقول: (حدثني) و (أخبرني)، وأجروه مجرى أن يسمعه من لفظه. و منهم من منع من أن يقول: (سمعت فلانا يحدث بكذا). والصحيح أنه إذا قرأه عليه، وأقر له به، أنه يجوز أن يعمل به إذا كان ممن يذهب إلى العمل بخبر الواحد و (3) يعلم أنه حديثه، وأنه سمعه لاقراره له بذلك، ولا يجوز أن يقول: (حدثني) ولا (أخبرني)، كما لا يجوز أن يقول: (سمعت)، لان معنى (حدثني) و (أخبرني) أنه نقل حديثا وخبرا عن ذلك، وهذا كذب محض. وكيف يمتنع (سمعت) ولا يمتنع (حدثني) و (أخبرني)، ومن خبر وحدث لابد أن يكون سامعا والمحدث مسمعا ؟ !. ومعولهم في ذلك على أن يقولوا: قراءته (4) عليه وإقراره له به


1 – ب: كما. * 2 – الف: – في. 3 – ب: – و. 4 – هذا هو الصحيح، لكن المكتوب في نسختي الف وب بهذا الشكل (قراته). (*)

[ 558 ]

يجري مجرى الحديث والاخبار، ويحل محل أن يسمعه من لفظه، لانه لا فرق بين أن يتلفظ البايع بالبيع وقبض الثمن وضمان الدرك المكتوب في الصحيفة، ويسمع ذلك من لفظه، وبين أن يقرأ عليه الصحيفة، و (1) يقرره عليها، ويشهد على نفسه بذلك. ولا فرق بين أن يقول الرجل لغيره: (هذا كتابي)، وبين أن يقول له غيره: (هذا كتابك) فيقول: (نعم)، لانه في الحالين (2) يجوز (3) أن يحكى ذلك عنه، وإنما كان كذلك، لان الجواب ينضم (4) إلى السؤال فيصير كأنهما من جهته على سبيل (5) الابتداء. والجواب عن ذلك أن قراءته (6) عليه وإقراره له به لا يقتضيان أن يكذب، فيقول: (حدثني) ولم يحدثه، أو (7) (أخبرني) ولم يخبره، كما لا يقتضيان أن يقول: (سمعت منه (8))، وإنما يقتضي ذلك الثقة بأنه حديثه وسماعه وروايته. وقد رضينا بالمثال الذي ذكروه (9) في التقرير على الصحيفة، لان الشاهد إذا قرره على ما فيها


1 – ب: أو. * 2 – ب: الحالتين. 3 – الف: – يجوز. * 4 – الف: ينظم. 5 – ب: – سبيل. * 6 – راجع ذيل الصحيفة الماضية رقم (4). 7 – الف: و. * 8 – ب: – منه. 9 – الف: ذكرتموه. (*)

[ 559 ]

فأقر (1) له يحسن أن يشهد على إقراره بما فيها، ويجري الاعتراف بها مجرى أن ينطق بها في وجوب الشهادة عليه بذلك والحكم به، إلا أنا قد علمنا كلنا أنه لا يحسن أن يقول: (حدثني بما فيها) أو (سمعت لفظه بها)، وإنما (2) يشهد على إقراره واعترافه، فعروض ذلك إذا قرئ على المحدث (3) الحديث واقر له به أن يقول الحاكي: (اعترف لي بأنه سمعه ورواه على ما قرأته)، ولا يتجاوز ذلك (4) إلى أن يقول: (حدثني) و (أخبرني)، كما لا يتجاوزه إلى أن يقول: (سمعت). ولو قال الشاهد الذى قد اعترف عنده بصحة ما في الكتاب وأشهده على نفسه به: (سمعت لفظه بالايجاب والقبول)، لكان كاذبا. فإن قيل أ (5) فتجوزون (6) إذا قرأ الحديث عليه واعترف له به أن يقول: (روى لي) أو (حكى). قلنا: (روى) أضعف من (حدثني) و (أخبرني)، و (حكى)


1 – ب: واقر. * 2 – ب: – وانما. 3 – الف: محدث. 4 – ب: – ذلك. 5 – ب وج: – أ. * 6 – ب: فتخيرون، ج: فتجيزون. (*)

[ 560 ]

جار مجرى (حدثني)، وهو إذا اعترف له بالحديث كأنه راو وحاك (1) ومخبر، واللفظ لا يطلق على سبيل التشبيه والمجاز. وقد علمنا أنه إذا أقر له به واعترف بصحته فكأنه (2) سمعه من لفظه، وأجمعنا على أنه لا يطلق (سمعت) فكذلك (حدثني) و (أخبرني). فأما قول بعضهم: يجب أن يقول: (حدثني (3) قراءة (4) عليه) حتى يزول الابهام، ويعلم أن لفظة (حدثني) ليست على ظاهرها، فمناقضة، لان قوله: (حدثني) يقتضي أنه سمعه من لفظه، وأدرك (5) نطقه به، وقوله: (قراءة عليه) (6) يقتضي نقض (7) ذلك، فكأنه نفي ما أثبت. فأما القول في المناولة والمكاتبة والاجازة، فهو على ما نبين (8). أما المناولة فهو أن يشافه المحدث غيره، ويقول له في كتاب


1 – الف: رواه حاكى، ج: حاكى. * 2 – ب وج: وكانه. 3 – الف: – حدثنى. * 4 – ب وج: قراة. 5 – ب: فادرك. * 6 – الف: + لا. 7 – الف: – نقض. * 8 – ب وج: تبين. (*)

[ 561 ]

أشار إليه: (هذا الكتاب سماعي من فلان)، فجرى ذلك مجرى أن يقرأه عليه ويعترف (1) له به (2) في علمه بأنه حديثه وسماعه، فإن كان ممن يذهب إلى العمل بأخبار الآحاد، عمل به، ولايجوز أن يقول: (حدثنى) ولا (أخبرني) ولا (سمعت) كمالا يقول فيما هو أقوى من المناولة، وهو أن يقرأ ذلك عليه، ويعترف له به. والمناولة أقوى من المكاتبة، لان المكاتبة هو أن يكتب إليه و (3) هو غائب عنه إن الذى صح من الكتاب الفلاني هو سماعي. فأما (4) الاجازة، فلا حكم لها، لان ما للمتحمل أن يرويه، له ذلك أجازه له أو لم يجزه، وما ليس له أن يرويه، محرم عليه مع الاجازة وفقدها. وليس لاحد أن يجرى الاجازة مجرى الشهادة على الشهادة، في أنها تفتقر (5) إلى أن يحملها * شاهد الاصل لشاهد الفرع، وذلك أن الرواية بلا خلاف لا يحتاج فيها إلى ذلك وأن الراوى يروى مما سمعه وإن لم يحمله، والرواية تجرى (6) مجرى شهود الاصل في أنهم يشهدون وإن لم يحملوا. وأما من يفصل في


1 – الف: يعتر. * 2 – ب: – به. 3 – الف: – و. * 4 – ب: واما. 5 – ج: يفتقر. * 6 – ج: يجرى. (*)

[ 562 ]

الاجازة بين (حدثني) و (أخبرني)، فغير مصيب، لان كل لفظ من ذلك كذب، لان المخبر ما خبر، كما أنه ما حدث، وأكثر ما يمكن أن يدعى أن تعارف اصحاب الحديث (1) أثر في أن الاجازة جارية مجرى أن يقول في كتاب بعينه: (هذا حديثي وسماعي) فيجوز العمل به عند من عمل بأخبار الآحاد أو الفتوى أو الحكم فأما أن يروي فيقول: (أخبرني) أو (حدثني) فذلك كذب. باب الكلام في الافعال فصل في ذكر حد الفعل والتنبيه على جملة من مهم أحكامه اعلم أن حد الفعل هو ما وجد بعد أن كان مقدورا، وينقسم إلى قسمين: أحدهما أن يكون لاصفة له زائدة على حدوثه، نحو كلام النائم، ولا (2) يوصف هذا القسم بحسن ولا قبح.


1 – الف: – اصحاب الحديث. * 2 – ب: + من. (*)

[ 563 ]

والقسم الآخر أن يكون له صفة تزيد على (1) حدوثه. وينقسم إلى فعل الملجأ (2) المخلى: فما يقع مع الالجاء لا (3) مدح يستحق به، ولا (3) ذم. وأفعال المخلى تنقسم إلي قسمين: قبيح وحسن: فالقبيح ما (4) من شأنه أن يستحق فاعله – مع العلم به والتخلية (5) – الذم. والحسن ما لا يستحق به فاعله الذم (6). والحسن خمسة اقسام: أولها أن لا يكون له صفة زائدة على حسنه، ولا يتعلق به مدح ولا ذم، وهذا هو المباح في المعنى، ولكنه لا يسمى بهذا الاسم إلا إذا أعلم (7) فاعله بذلك، أو دل عليه. وثانيها أن يحصل للفعل (8) صفة زائدة على الحسن، ويستحق


1 – ج: عما. * 2 – الف وب: الملجى. 3 – ب: الا. * 4 – الف: – ما. 5 – ب: – مع العلم به والتخلية. * 6 – ب: – والحسن، تا اينجا. 7 – النسخ كلها (علم) بلا همزة، لكن الصحيح – بقرينة قيد الاعلام في القسم الثاني – (اعلم) بصيغة الماضي المجهول من باب الافعال، ويشهد بذلك ما في العدة، فراجع (ج 2 ص 216 ط تهران). 8 – ب: الفعل. (*)

[ 564 ]

فاعله المدح بفعله، ولا يستحق الذم بأن لا يفعله، ويوصف هذا القسم بأنه ندب و (1) مستحب ومرغب فيه مع الدلالة والاعلام على ما تقدم. وثالثها أن يكون على الصفة التي ذكرناها، وهو – مع ذلك – نفع موصل إلى غير فاعله على وجه مخصوص، ويوصف بأنه (2) تفضل وإحسان وإنعام، ويستحق فاعله به الشكر مع المدح. ورابعها ما يستحق الذم من لم يفعله ولا ما يقوم مقامه، فيوصف بأنه واجب مخير فيه، نحو قضاء الدين، لانه مخير في قضائه من أي ماله شاء، ورد (3) الوديعة وإن تعين فهو مخير أيضا – في ردها بأي يد شاء، ونحو الكفارات الثلث في اليمين. وخامسها ما (4) يستحق الذم بأن لا يفعله بعينه، فيوصف بأنه واجب مضيق، نحو رد الوديعة (5) بعينها، وإعادة عين ما تناوله الغصب. وينقسم الواجب قسمة أخرى،


1 – الف: – و. * 2 – ب: – بانه. 3 – ج: رود. * 4 – الف وج: ما. 5 – ب وج: وديعة. (*)

[ 565 ]

فما يختص كل شخص من غير أن ينوب فعل غيره (1) فيه منابه فهو الموصوف بأنه من فروض الاعيان، كالصلوة والصيام (2) وأكثر العبادات. وما ينوب فيه فعل الغير، ويسقط معه الفرض هو الموصوف بأنه من فروض الكفايات، نحو الصلوة على الموتى والجهاد. وليس بواجب في كل فعل أن يكون إما قبيحا أو حسنا، لان ذلك لو وجب لكان المقتضي له مجرد الحدوث، وهذا (3) يقتضي قبح كل محدث (4) أو حسن كل محدث (5)، وليس التعري من الحسن والقبح (6) كتعري المعلوم من وجود وعدم، وتعري الموجود من حدوث وقدم، لان ذلك نفي وإثبات متقابل لا واسطة بينهما، والحسن والقبح إشارة إلى حكمين. ومثال ما ليس بحسن ولا قبيح (7) كلام النائم، وحركة أعضائه (8) التي لا تتعداه، لان الكلام لا حكم له مع ارتفاع القصود كلها،


1 – ب: – غيره. * 2 – الف: كالصيام والصلوة. 3 – الف: + لا. * 4 – ج: محدوث. 5 – الف وب: – أو حسن كل محدث. 6 – ب وج: القبح والحسن. 7 – ج: القبح. 8 – ج: – اعضائه. (*)

[ 566 ]

وكذلك حركته التى لا تتعداه (1) إنما يكون لها حكم مع ضرب من القصد. ولطمة النائم غيره قبيحة (2) وظلم، لان حقيقة الظلم ثابتة فيها (3)، ولو حرك يده على جرب غيره، فالتذ صاحب الجرب بذلك، لكان فعله حسنا، من حيث كان نفعا، وإن لم يكن به منعما، لافتقار النعمة إلى القصد، غير أن النائم ومن جرى مجراه لا يستحق على القبيح ذما، ولا على الحسن مدحا، لان استحقاق ذلك مشروط بالقصد والتمكن من التحرز. واستقصاء هذه الجملة لا يليق بهذا الموضع، و (4) قد بسطناه في كتاب الذخيرة وفيما خرج من كتاب (5) الملخص. فإن قيل: كيف جعلتم فعل الساهي لاحكم له، والفقهاء يوجبون جبر السهو في الصلوة بالسجود، ولو انقلب النائم على إناء غيره، فكسره، لوجب الضمان، ولو قتل المحرم صيدا سهوا (6)، لوجب الضمان، وإذا قتل خطأ، فقد تجب (7) الدية


1 – ج: – لان الكلام، تا اينجا. * 2 – الف: غير قبيحة، بجر قبيحة. 3 – ج: فيهما. * 4 – ج: – و. 5 – ب وج: الكتاب. * 6 – الف: – سهوا. 7 – ج: فهو يجب. (*)

[ 567 ]

مرة عليه، ومرة على العاقلة ؟ !. قلنا: أما السجود لجبر (1) السهو في الصلوة، فهو حكم يلزم عند السهو في الصلوة، لا أنه (2) يرجع عليه. وإنما نفينا عن كلام النائم وحركته التي لا تتعداه (3) القبح والحسن، فأما إذا أضر بغيره (4) في حال نومه، فلفعله حكم القبح، وإن كان لا ذم عليه (5)، كما لا يذم الصبي والبهيمة، لان إمكان التحرز مفقود، وليس يمتنع أن يتعلق بذلك وجوب الضمان شرعا، * لانه لا نسبة بين ذلك وبين ما نفيناه من الذم. وعلى هذا الوجه لزم العاقلة الدية بالشرع، وإن لم يكن من جهتهم فعل لا (6) قبيح ولا حسن، وإنما صار القتل (7) المخصوص سببا شرعيا لوجوب ذلك عليهم. فأما وصف الفعل القبيح بأنه محظور (8) ومكروه، فالمتكلمون يصفون بذلك كل قبيح وقع منا، ومن يقول بالاجتهاد منهم


1 – ب وج: لجبران. * 2 – ب: انه لا. 3 – ج: يتعداه. * 4 – ج: اختر يغير. 5 – ب: لادم عليه السلام. * 6 – ب: الا. 7 – الف: الفعل. * 8 – الف: محضور. (*)

[ 568 ]

ربما يشترط، فيقول: ممن يؤديه اجتهاده إلى تحريمه، فأما الفقهاء، فإنهم يصفون بالتحريم والحظر (1) ما دل على قبحه دلالة قاطعة، وما طريقه الاجتهاد قالوا: مكروه، ولم يطلقوا (2) الحظر والتحريم فيه، وما تزول الشبهة فيه يقولون: إنه حلال طلق، وما يعترض فيه شبهة (3) يقولون: لا بأس به. فصل في ذكر اختلاف الفاعلين في هذه الافعال اعلم أنه ليس المراد بقولنا في هذا الباب: (إن القبيح (4) أو (5) الحسن يصح من الفاعل) القدرة (6)، لانا إذا أردنا القدرة فلا اختصاص، وإنما نريد (7) التجويز والشك. ويمضي في الكتب أنه لا قادر إلا ويصح منه الحسن على مراتبه، وليس الامر على ذلك، لان الكفار الذين يستحقون العقاب الدائم لا يجوز أن يقع منهم طاعة يستحقون بها الثواب


1 – الف: الحضر. * 2 – ج: يطلق. 3 – ب: – شبهة. * 4 – ب وج: القبح. 5 – الف: و. * 6 – ب: لقدره. 7 – ج: يزيد. (*)

[ 569 ]

الدائم، مع قولنا بنفي (1) الاحباط، و (2) إنما يجيز ذلك من ذهب إلى الاحباط (3). فأما القبيح (4)، فتختلف (5) أحوال الفاعلين فيه، فالقديم (6) تعالى لا يجوز أن يفعل قبيحا، لعلمه بقبحه، واستغنائه عنه، وقد دللنا على ذلك في كتاب الملخص، والذخيرة. والانبياء عليهم السلام لا يجوز أن يقع منهم شئ من القبائح لا قبل (7) النبوة ولا بعدها، وقد دللنا على ذلك في الذخيره، وكتاب تنزيه الانبياء. والائمة عليهم السلام – لا يجوز (8) – أيضا – وقوع شئ من القبائح منهم، لما دللنا عليه في كتب (9) الامامة (10). وأما الملائكة، فالرسل منهم لا يجوز عليهم فعل القبيح، ولا دليل يدل على أن جميعهم بهذه الصفة، لان قوله تعالى -: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) (11) لا دليل يوجب القطع على عمومه (12)


1 – ب: بنحو. * 2 – ج: – و. 3 – ب: – وانما، تا اينجا. * 4 – الف: القبح. 5 – ب وج: فيختلف. * 6 – ب، والقديم. 7 – ج: قتل. * 8 – ب: + عليهم. 9 – الف: كتاب. * 10 – ج: الامامية. 11 – الف: + و. * 12 – ب وج: عمومهم. (*)

[ 570 ]

في جماعتهم، أو (1) في جميع أفعالهم. ومن عدا من ذكرناه يجوز أن يفعل القبائح لفقد الدلالة على عصمته. فصل في أن العقل لا يوجب اتباع النبي – عليه السلام – في أفعاله اعلم أن العبادة بالشرعيات تابعة للمصالح، ولا مكلفين إلا ويصح أن يختلفا في مصالحهما (2)، فتختلف (3) عبادتهما، كالطاهر والحائض، والمقيم والمسافر، والغني والفقير، وإذا ثبت ذلك، (4) جاز أن يختص النبي صلى الله عليه وآله بعبادات شرعية لا يكون لنا فيها مصلحة، ولا نتعبد (5) بها. وليس لاحد أن يلزمنا تجويز مخالفة تكليف (6) النبي صلى الله عليه وآله (7) لنا (8) في العقليات، كما جاز في الشرعيات، لان


1 – ب: و. * 2 – ب: – مصالحما. 3 – ب وج: فيختلف. * 4 – ج: + وجب. 5 – ب: يتعبد. * 6 – ب: – تكليف. 7 – ج: ع. * 8 – الف: – لنا. (*)

[ 571 ]

العقليات (1) على ضربين: أحدهما يرجع إلى صفة الافعال، فأحوال المكلفين لا يجوز أن تفترق (2) فيه، نحو قبح الظلم، ووجوب شكر (3) النعمة، والانصاف. والثاني يجب لكونه لطفا، ووجه كونه لطفا يرجع إليه ويعلم بالعقل متميزا، نحو وجوب النظر في معرفة الله تعالى (4)، فهذا (5) أيضا يجب التساوي فيه. وأما الشرعيات، فهي ألطاف ومصالح، ولا يعلم كونها كذلك إلا بالسمع، فجاز افتراق (7) أحوال المكلفين فيها بحسب دلالة السمع، ولهذا جاز النسخ في هذا الوجه دون الاول، وافتراق أحوالنا فيه، وإذا جاز افتراقهم في تكليف ذلك، جاز في (8) النبي صلى الله عليه وآله (9) وليس يمتنع (10) أن ترد العبادة بمخالفة النبي صلى الله عليه وآله في جميع أفعاله، و (11) لا يقتضي ذلك التنفير، كما اختص بعبادات كثيرة دوننا، ولم يوجب ذلك التنفير عن


1 – ب: – كما جاز، تا اينجا. * 2 – ب وج: يفترق. 3 – ج: الشكر. * 4 – الف: – تعالى. 5 – الف: فهو. * 6 – ب وج: فاما. 7 – ج: اختراق. * 8 – ج: – في. 9 – الف: ع. * 10 – ب وج: يمنع. 11 – ج: – و. (*)

[ 572 ]

قبول قوله. فإن قيل: إذا جاز في فعله أن يكون مقصورا عليه، فجوزوا (1) في قوله مثل ذلك. قلنا: هذا جائز في القول والفعل معا (2) لانه لا يمتنع فيما يؤديه من الامر والنهي والحظر والاباحة أن يختص بنا، وإنما يعلم (3) تعديه إليه بدليل. وليس يجري تجويز مخالفته في الفعل مجرى القول، لان النبي صلى الله عليه وآله إنما بعث لتعريفنا مصالحنا، وذلك لا يكون إلا بالاداء الذي هو القول، ونفي اتباع قوله ينقض (4) الغرض في بعثته. فصل في معنى التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله (5) الواجب أن نعتبر (6) في التأسي شرطين: أحدهما صورة الفعل، والآخر الوجه الذي يقع عليه. و (7) إنما اعتبرنا الصورة، لان


1 – ج: فيجوزوا. * 2 – الف: – معا. 3 – الف: تعلم. * 4 – ج: ينتقض. 5 – الف: عليه السلام. * 6 – ب: يعتبر. 7 – ب: – و. (*)

[ 573 ]

الصائم (1) لا يكون متأسيا بالمصلي، لاختلاف الصورة (2)، لان الصلوة تخالفه (3) في الصورة، ولو أنه – عليه السلام – أخذ من غيره دراهم عن زكوة، لم يكن الآخذ منه الدراهم على وجه القرض أو (4) الغصب متأسيا به، لاختلاف الوجه. و (5) لا يمتنع عقلا وفرضا أن يتعبدنا الله تعالى بأن (6) نفعل (7) وجوبا مثل كل شئ يفعله (8) عليه السلام غير أن ذلك لا يكون تأسيا به، لانه عليه السلام (9) إذا فعله (10) على وجه الندب أو الاباحة، ففعلناه على وجه (11) الوجوب، لم نكن (12) متأسين به. فإن قيل: ألا شرطتم في التأسي – مضافا إلى ما ذكرتموه – الوقت، والمكان وقدر الافعال، في كثرة (13)، وقلة، وطول، وقصر، وأسباب الافعال، وإن لم تكن وجوها، كإزالة النجاسة * لاجل الصلوة ؟ !.


1 – ج: الصيام. * 2 – ب: – لان الصائم، تا اينجا. 3 – الف: مخالفة، ج: يخالفه. * 4 – ب: و. 5 – الف: – و. * 6 – الف: – يتعبدنا، تا اينجا. 7 – الف: تفعل. * 8 – ج: نفعله. 9 – ب وج: – عليه السلام. * 10 – ب وج: + عليه السلام. 11 – ب وج: جهة. * 12 – ج: يكن. 13 – ج: كثيرة. (*)

[ 574 ]

قلنا: أما الوقت والمكان، فقد كان يجب اعتبارهما لولا الاجماع على ترك اعتبارهما. وهذا أولى من جواب من أجاب عن ذلك بأن اعتبارهما (1) ينقض التأسي، وأنه لا يجوز أن يعتبر في التأسي ما يبطله. وإنما فسد هذا الجواب، لان المكان يمكن أن يفعل فيه بعينه، والوقت وإن لم يمكن (2) أن يفعل فيه بعينه، ففي نظيره (3) ومثله، كما أنا ليس (4) نتأسي في صورة الفعل إلا بأن نفعل (5) مثلها، لا تلك بعينها. فأما مقادير الافعال، فإنها على ضربين: فما لا يمكن ضبطه وتمييزه (6) لا اعتبار به، وما أمكن ذلك فيه دخل تحت قولنا (صورة الفعل). وأما سبب الفعل، فإن قولنا (الوجه الذي وقع عليه) يقتضيه، لان ذلك يقتضي النية والقصد والغرض، والسبب – أيضا – داخل فيه، وكما أن من وجوه الافعال الوجوب والندب والحظر والاباحة، كذلك من وجوهها (7) المعاني التي


1 – ج: – لولا الاجماع، تا اينجا. 2 – الف وج: يكن. * 3 – الف: نضيره. 4 – ظ: لسنا. * 5 – ب: تفعل. 6 – الف وج: تميزه. * 7 – ب: وجوه. (*)

[ 575 ]

لها (1) تفعل، نحو أن يسجد للسهو، ويرجم (2) للزنا، ويتطهر (3) للصلوة. فأما موافقته عليه السلام في الفعل (4)، فالاشبه أن يراد بها (5) المساواة في الصورة والوجه الذي يقع عليه، ولهذا لا (6) يكون من أخذ من غيره خمسة دراهم على غير وجه الزكوة موافقا له عليه السلام إذا أخذ هذا المبلغ على وجه الزكوة. فأما المخالفة فقد تكون (7) في القول والفعل معا (8)، أما (9) في القول، فبأن يوجب على بالقول ما لا أفعله، والمخالفة (10) في الفعل أن يقوم الدليل على وجوب التأسي به فلا يتأسى لا (11) في صورة ولا في وجه، وقد (12) يكون (13) – أيضا – في الاخلال بالصورة أو الوجه على انفراد. فأما الاقتداء بإمام الصلوة، ففي الفقهاء من اعتبر فيه (14) ما ذكرناه من التأسي، فلم يجوز (1) اقتداء المفترض


1 – الف: بها. * 2 – ج: ترجم. 3 – ج: تطهر. * 4 – ب: بالفعل. 5 – ب: به. * 6 – ب: – لا. 7 – ج: يكون. * 8 – ب: – معا. 9 – ب وج: فاما. * 10 – ج: المخالف. 11 – ج: الا. * 12 – الف: فقد. 13 – ظ: تكون. * 14 – الف: – فيه. * 15 – ب: + فيه. (*)

[ 576 ]

بالمتنفل (1)، والصحيح جواز ذلك لقيام الدلالة عليه. فصل في أن السمع قد دل على وجوب التأسي به عليه السلام في جميع أفعاله إلا ما خص به اعلم أنه لا خلاف بين الامة في الرجوع إلى أفعاله عليه السلام في أحكام الحوادث، كالرجوع إلى أقواله، فيجب أن يكون كل واحد من الامرين حجة، والمعتمد إنما هو على هذا الاجماع الظاهر الذي لا شبهة فيه، دون الاخبار المروية في هذا الباب، فهي مع الكثرة أخبار (2) آحاد. وقد يجوز أن يستدل على ذلك بقوله (3) تعالى -: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وبقوله تعالى -: (فاتبعوه). واعلم أن التأسي به عليه السلام إنما يكون فيما يعلم حكمه بفعله، دون ما لم يكن له هذا الحكم. وإذا فعل عليه السلام فعلا على جهة الامتثال، فحكمنا (4) فيه كحكمه (5)، وماله فعله هو الذي


1 – الف: بالمفصل، ب: بالمنتفل. * 2 – الف: – اخبار. 3 – ج: بقول الله. * 4 – الف: وحكمنا. 5 – ج: محكنا فيه حكمة. (*)

[ 577 ]

له (1) نفعله (2)، فلا تأسي به عليه السلام في ذلك، كما أنا لا نتأسى به في العقليات لهذه العلة وما يفعله ابتداء شرع، ففعله (3) هو الحجة فيه، فالتأسي به عليه السلام في ذلك (4). فأما ما (5) يفعله عليه السلام بيانا لمجمل، فله شبهان، لانه من حيث كان إمتثالا (6) لدليل سابق، يشبه (7) ما يفعله إمتثالا (6)، ومن حيث تضمن بيان صفات وكيفيات لهذه العبادات، كالصلوة والطهارة وغيرهما، جرى (8) مجرى ابتداء الشرع، فالتأسي به إنما هو في الكيفية والصفة اللتين فعله عليه السلام – هو الحجة فيهما. هذا كله فيما يفعله عليه السلام على جهة العبادة، أو ما يجري مجراها. وأما المباحات التي تخصه (9) عليه السلام – كالاكل والنوم، فخارج من هذا الباب. فأما صغائر الذنوب، فإنا لا نجوزها على الانبياء عليهم السلام فلا نحتاج (11) إلى استثنائها، كما يحتاج إلى ذلك من جوز الصغائر عليهم (12).


1 – الف: – له. * 2 – الف: يفعله. 3 – ب وج: فعله. * 4 – الف: + صحيح. 5 – ج: – ما. * 6 – الف: امثالا. 7 – الف: بسنه. * 8 – ب: اجرى. 9 – ب وج: يخصه. * 10 – ب: عن. 11 – ج: يحتاج. 12 – ج: + السلام. (*)

[ 578 ]

فصل في هل أفعاله – عليه السلام – على الوجوب أم لا. اختلف الناس في ذلك: فقال مالك: إن أفعاله – عليه السلام – على الوجوب، وذهب إلى ذلك بعض (1) أصحاب الشافعي، وقال قوم: هي على (2) الاباحة، وآخرون: إنها على الندب، وآخرون قالوا: هي موقوفة على الدليل. والصحيح أن كل شئ انقسمت أحكامه، فلا يجوز أن نجيب (3) عنه بحكم (4) واحد، وأفعاله عليه السلام (5) كأقواله في الانقسام، فكما لا يجوز أن (6) نقول في أقواله: إنها (7) على وجوب أو ندب للانقسام، فكذلك أفعاله، وإذا انقسمت أفعاله عليه السلام إلى ما هو بيان وحكم البيان (8) حكم المبين في وجوب أو (9) ندب أو غيرهما، وإن كان امتثالا، فبحسب الدليل الممتثل (10)، وإن


1 – ب: – بعض. * 2 – ب: – على. 3 – الف: يبحث. * 4 – ب: عند تحكم. 5 – الف: – ع. * 6 – ب وج: – يجوزان. 7 – ب: انما. * 8 – ج: + و. 9 – ب: و. * 10 – الف: الممثل. (*)

[ 579 ]

كان ابتداء شرع، فهو – أيضا – ينقسم (1) إلى وجوب وندب وإباحة بحسب ما يمكن فيه من التأسي، فبان أن الامر على ما ذكرناه. دليل آخر: ومما يدل على أن أفعاله عليه السلام ليست على الوجوب، أنا قد بينا قبل هذا الفصل أن الفعل لا يقتضي ذلك، وسنبين (2) أن أدلة السمع أيضا (3) لا تقتضيه (4)، فيجب نفي كونها على الوجوب. دليل آخر: وأيضا فإنه لا خلاف في أنا قد (5) تعبدنا بالتأسي به عليه السلام فالقول بأن أفعاله (6) كلها على الوجوب ينقض ذلك لان في أفعاله الواجب والندب والمباح، فكيف يجب ذلك علينا مع لزوم طريقة التأسي. فإن قيل: إذا لم نعلم إلا مجرد الفعل، كان على الوجوب، وإذا علمنا وجهه، لزمت طريقة التأسي. قلنا: هذا القول ينقض وجوب التأسي والاتباع، لان مجرد


1 – ب: فينقسم. * 2 – الف: + ايضا. 3 – الف: – ايضا. * 4 – ب وج: يقتضيه. 5 – الف: – اناقد. * 6 – ج: افعالها. (*)

[ 580 ]

الفعل إذا (1) علمناه (2) فلزمنا (3) التأسي به، لم يجز أن يلزمنا الوجوب على كل حال، مع أن التأسي مشروط باعتبار الوجوه. دليل آخر: وأيضا فإن ظاهر فعله – عليه السلام إذا كنا لا نعلم به (4) وجوبه عليه، فبأن لا نعلم وجوبه علينا أولى. ويفارق القول الذي به نعلم وجوبه علينا دونه، لان القول أمر لنا ومختص بنا دونه، وليس كذلك الفعل، لانا نتبعه فيه. وإنما قلنا: إنه لو وجب علينا لوجب عليه، لانه لو دل (5) على وجوبه علينا، للزمه عليه السلام إظهار ذلك بالفعل، أو به وبالقول على جهة التخيير، فكان (6) لابد من وجوبه عليه، ليصح كونه دلالة على وجوبه علينا. فإن جعلوا فعله عليه السلام سببا أو أمارة للوجوب علينا فلا يلزم أن يكون واجبا عليه، فهذا يخالف طريقتهم، لانه لا فرق في ذلك بينه عليه السلام وبين غيره، ولا تأثير لكونه نبيا في ذلك، وهم يجعلون لكونه عليه السلام كذلك تأثيرا. دليل آخر: وأيضا فإن فعله عليه السلام الشئ ليس بمستمر،


1 – الف: إذ. * 2 – الف: عملناه، ج: علمنا. 3 – ب: يلزمنا. * 4 – ب: – به. 5 – ج: + عليه. * 6 – ب وج: وكان. (*)

[ 581 ]

لانه قد يتركه في حالة، كما يفعله في أخرى (1) ولم نعن بالترك هيهنا أن لا يفعله، بل عنينا به ضد الفعل الاول على وجه يظهر ويتميز، وإذا صحت هذه الجملة، لم يكن الحكم بوجوبه من حيث فعله بأولى من سقوطه ووجوب تركه، لانه قد (2) تركه. فإن قالوا: تركه عليه السلام الفعل يجري (3) مجرى تركه الامر، في أنه لا يؤثر في دلالة الوجوب. قلنا: الفرق بين الامرين أن الوجه الذي يدل عليه الامر لا يقدح فيه ترك الامر، والوجه الذي يدل عليه الفعل يقدح فيه الترك المخصوص، و (4) يجري مجرى أمره ونهيه عن الشئ الواحد على وجه واحد في أنه لا يستقر للامر (5) ولا للنهي (6) دلالة. وقد تعلق من ذهب إلى أن أفعاله عليه السلام على الوجوب بأشياء: أولها أن كونه نبيا ومتبعا يقتضي نفي (7) ما ينفر عنه ومخالفته في أفعاله تنفر (8) عن القبول عنه (9)


1 – ب وج: الاخرى. * 2 – ب وج: – قد. 3 – ب: بمجرى. * 4 – ج: – و. 5 – ب: الامر. * 6 – ج: النهى. 7 – ب وج: – نفى. * 8 – ج: ينفر. 9 – الف منه. (*)

[ 582 ]

وثانيها قوله تعالى -: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) فإن (1) هذه اللفظة تقع (2) على الفعل والقول جميعا فنحملها (3) عليهما. وثالثها قوله تعالى -: (فاتبعوه) وأن أمره يقتضي الوجوب. ورابعها قوله سبحانه -: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فإن (4) ذلك يقتضي وجوب التأسي ولزومه. وخامسها قول بعضهم: إن الفعل أوكد من القول، بدلالة أنه عليه السلام كان (5) إذا أراد تحقيق أمر (6)، فزع (7) فيه إلى الفعل، فبأن يكون (8) على الوجوب أولى. وسادسها أن الوجوب أعلى مراتب الفعل، فإذا عدمنا (9) الدليل على صفة فعله، وعلى أي وجه (10) وقع، فيجب أن نحمله على الوجه الذي هو أعلى مراتبه.


1 – ب وج: وان. * 2 – ج: يقع. 3 – ج: فتحملها، بتشديد الميم. * 4 – الف وج: وان. 5 – الف: – كان. * 6 – الف: امره. 7 – ب: يفرع، ج: فرع. * 8 – ب وج: + الفعل. 9 – ب: قدمنا. * 10 – ب: + كان. (*)

[ 583 ]

فيقال لهم فيما تعلقوا به اولا: قد بينا (1) أنه لا تنفير (2) في سقوط وجوب مثل ما يفعله علينا، فإن كونه نبيا لا يقتضي ذلك ولا يوجبه (3)، فلا معنى لاعادته. ويقال لهم فيما تعلقوا به ثانيا: هذه الآية بأن تكون (4) دلالة لنا عليهم أولى، لان التحذير من المخالفة يقتضي إيجاب الموافقة، والموافقة في الفعل قد بينا أنها تقتضي (5) أن نفعله (6) على الوجه الذي فعله عليه السلام عليه، وهذا يبطل الحكم بأن جميع أفعاله على الوجوب. ويقال لهم فيما تعلقوا به ثالثا: هذه الآية قد بينا أنها توجب التأسي به عليه السلام، وأن التأسي لا بد فيه من اعتبار وجه الفعل، وما يفعله عليه السلام ندبا لا نكون (7) متبعين (8) له فيه بأن نفعله واجبا، بل نكون مخالفين له، فالآية دليل لنا على هذا الترتيب. ويقال لهم فيما تعلقوا به رابعا: (9) هذه الآية أيضا تدل على


1 – الف: – قد بينا. * 2 – ج: يتغير. 3 – ج: توجد. * 4 – ج يكون. 5 – ب وج: يقتضى. * 6 – ب وج: يفعله. 7 – ب وج: يكون. * 8 – ب وج: متعين 9 – ج: + و. (*)

[ 584 ]

صحة ما ذهبنا إليه، والكلام على الآيتين واحد (1) في اعتبار شرط التأسي فيهما (2)، فبطل تعلق مخالفينا بها. ويقال لهم فيما تعلقوا به خامسا: إن الامر يقتضي كونه عليه السلام مريدا منا الفعل (3) المأمور به، والفعل لا يقتضي ذلك، فكيف يكون آكد منه فيما نحن بسبيله ؟ !، وإنما يتحقق الامر ويتأكد بالفعل إذا تعقبه، فأما إذا انفرد الفعل عن الامر، فالامر منفردا، أوكد منه. ثم نرجع (4) إلى القانون: فنقول: كيف نفعل (5) على جهة الوجوب ما يجوز أن يكون فعله عليه السلام على جهة الندب مع وجوب التأسي ؟ !. ويقال لهم فيما تعلقوا به سادسا: الوجوب وإن كان أعلى مراتب الفعل، فإنه لا يجوز – إذا عري * فعله عليه السلام من دلالة تدل على الوجه الذي وقع عليه – أن يفعله (6) على جهة الوجوب، لانا لا نأمن أن يكون عليه السلام فعله على جهة الندب، فيبطل (7) التأسي، وإن تعلقوا في وجوب فعله عليه السلام علينا بطريقة الاحتياط، فقد


1 – ج: واحدا. * 2 – ب: – فيهما. 3 – ب وج: للفعل. * 4 – ب: يرجع. 5 – الف: يفعل. * 6 – الانسب (نفعله) أو (يفعل) بصيغة المجهول. 7 – الف: فبطل. (*)

[ 585 ]

مضى الكلام عليها (1) في باب الاوامر (2). فصل في الوجوه التي يقع عليها أفعاله عليه السلام وكيف الطريق إلى معرفة ذلك ؟. اعلم (3) أن أفعاله عليه السلام تنقسم إلى بيان، وامتثال، وابتداء شرع. والذي تدل على صحة هذه القسمة أنه إذا كان لا بد للفعل من دليل، فإما أن يكون دليله ظاهرا مستقلا بنفسه، فيكون الفعل امتثالا، أو يكون دليله ظاهرا (4) لا يستقل بنفسه، فيكون بيانا، أو لا دليل له يظهر، فيكون ابتداء شرع. والبيان ينقسم ثلثة أقسام: بيان المجمل، وبيان التخصيص، وبيان النسخ. ويلحق بذلك ما لا بد من ذكره (5): بيان زيادة لاحقة لا بد منها، وقد يكون تارة ذلك نسخا، وأخرى غير


1 – الف: عليه. * 2 – الف: الامر. 3 – ب: – اعلم. * 4 – ج: مستقلا بنفسه، تا اينجا. 5 – الف: ذكر. (*)

[ 586 ]

نسخ. ويلحق بذلك – أيضا – بيان فعل محتمل، لان الفعل قد يتبين (1) بالفعل، ويدخل فيه – أيضا – (2) بيان قول محتمل (3) للامرين، كآية القرء. فأما مثال بيان المجمل، فكبيانه عليه السلام الصلوة والمناسك وغيرهما (4). والطريق إلى معرفة ذلك من وجهين: أحدهما حصول قول (5) منه عليه السلام أو ما يجري مجراه ينبه به (6) على أن فعله بيان للمجمل. والثاني فقد ما يمكن أن يبين (7) المجمل به من قول أو فعل وإمكان كون الفعل بيانا، وحضور الحاجة. وأما بيان تخصيص العموم فكنهيه عليه السلام عن الصلوة (8) في أوقات مخصوصة، وخص ذلك فعله صلوة مخصوصة في تلك الاوقات. وما به يعلم (9) أنه تخصيص كونه منافيا لبعض ما دخل تحت العموم في الكتاب أو (1) السنة. وأما مثال النسخ، فنحو ما روي من قوله عليه السلام وإذا


1 – ب: تبين. * 2 – ج: ايضا فيه. 3 – ج: متحمل. * 4 – ب: غيرها. 5 – الف: – قول. * 6 – ب: + عليه السلام. 7 – ج: يتبين. * 8 – الف: صلوة. 9 – الف يعلم به. * 10 – ب وج: و. (*)

[ 587 ]

رأيتموني أصلي جالسا، فصلوا جلوسا أجمعين، فنسخ بأن صلى جالسا ومن خلفه قيام في مرضه الذي مات فيه (1). وما به يعلم أنه نسخ أن يكون فعله مقتضيا لرفع (2) ما تقدم من الدلالة في الامتثال. ومثال الزيادة أن ترد زيادة عدد في الحد، أو في غيره، وتدخل (3) فيه زيادة السنن في الطهارة. وأما بيان القول المحتمل، فما يدل من فعله على أحد المرادين. وأما الامتثال فهو (4) أن يفعل عليه السلام ما هو مبين في دليل الكتاب، حتى لولا فعله لعرفناه على ذلك الحد. وأما أمثلة ابتداء الشرع، فهي كثيرة، فإذا فقدنا ما يقتضي الامتثال والبيان، فلا بد من كونه ابتداء شرع. وينقسم ذلك على (5) وجوه أخر (6) إلى أقسام: منها فعل، ومنها ترك، ومنها إقرار الفاعل على فعله: فأما أمثلة الفعل، فقد ذكرناها.


1 – ب وج: + عليه السلام. * 2 – ج: لدفع. 3 – ب وج: يدخل. * 4 – ب: – فهو. 5 – ب وج: إلى. * 6 – ج: اخرى. (*)

[ 588 ]

وأما الترك، فعلى ضروب: منها ترك فعل، ومنها ترك نكير، ومنها ترك بيان، وجواب. فأما ترك الفعل، فقد يكون نسخا، وتخصيصا، وبيانا. ومثال التخصيص أن يترك عليه السلام قطع يد السارق في أقل من عشرة (1) دراهم، أو ربع دينار، ولا وجه يقتضي إسقاط قطعه، فيعلم بذلك أن القدر الذي سرق لا يستحق به القطع. وتأخير الصلوة عن وقتها يدل على جواز التأخير. و (2) أما النسخ، فقد مضى بيانه. وأما البيان، فنحو تركه (3) العود إلى القعدة الاولى، فيكون (4) بيانا لكونها ندبا، ومفارقتها للقعدة (5) الثانية. وهذا المثال لا يصح إلا على مذهب من يرى أن القعود (6) للتشهد الاول والثاني معا غير واجبين، والصحيح عندنا أنهما واجبان، وهو مذهب الليث بن سعد، وأحمد بن حنبل، وإسحق بن راهويه. وأما ترك النكير (7): فقد اختلف العلماء فيه: فمنهم من قال: إنه يدل على حسن ذلك الفعل على كل وجه، ومنهم من قال:


1 – الف: عشر. * 2 – ب وج: – و. 3 – ج: ترك. * 4 – ب: فيكون. 5 – ب: للقاعدة. * 6 – الف: العقود. 7 – ب: التكبير. (*)

[ 589 ]

يدل عليه إذا كان من باب الشرع، ومنهم من قال: إنما يدل على الحسن إذا لم يكن (1) قد تقدم البيان، وتقرر، ولا شبهة في أن ما علم قبحه عقلا، أو علم بالشرع. كونه قبيحا، على الوجه المقرر الممهد (2)، فإنه يجوز له عليه السلام على بعض (3) الوجوه أن يدع إنكاره، ولا يدل تركه (4) النكير (5) على حسنه والحال هذه، كما لم يدل إقراره لاهل الذمة على ترك الاختلاف إلى الصلوة على حسن ذلك منهم، لما تقدم البيان، وعرف الوجه في الاقرار، وإنما يدل تركه (6) النكير على حسن الفعل متى علم أنه لولا حسنه لما حسن منه ترك النكير (5). وأما تركه البيان والجواب، فدلالته مختلفة لانه قد يدع (7) الجواب انتظارا (8) للوحي، من حيث لم يكن له في الشرع حكم مستقر، وقد يدعه إحالة للسائل على دليل متقدم، فيجب أن ينظر في كيفية ترك الجواب. وأما تركه عليه السلام (9) البيان فنحو


1 – الف: يك. * 2 – ب وج: المتقرر المتمهد. 3 – ب: – بعض. * 4 – ج: ترك. 5 – ب: التكبير. * 6 – الف: ترك. 7 – ج: يتبع. * 8 – الف: انتضارا. 9 – الف: – ع. * 10 – الف: فيجوز. (*)

[ 590 ]

أن تحدث حادثة، فلا يبين (1) حكمها، ولا تظهر (2) منه أمارة التوقف على الوحي، و (3) ما هذه حاله فتركه يدل على أنه لا حكم لله تعالى في تلك الحادثة إلا ما كان في العقل، * لانه لو كان، لاظهره في وقت الحاجة. وكذلك تركه (4) بيان تخصيص العموم. يدل على أن العموم شامل. وينقسم الفعل (5) أقساما أخر على وجه آخر: فمنها كونه مباحا، ومنها كونه ندبا (6)، ومنها كونه واجبا (7). وإنما يعلم الوجب بوجوه: منها كونه بيانا لواجب، ومنها كونه امتثالا لواجب، ومنها أن يكون مما لو (8) لم يكن واجبا لما جاز أن يفعله، نحو أن يركع في الصلوة ركوعين (9) على سبيل القصد، ومنها كل فعل لو لم يكن واجبا، لكان معصية كبيرة (10)، ومنها كونه شرطا على وجه مخصوص في واجب، ومنها كونه قضاء لفائت واجب، ومنها كونه جزاء (11) لشرط (12) يستحق به.


1 – ب: تبين، – ج: يتبين. * 2 – ب وج: يظهر. 3 – الف: – و. * 4 – الف: ترك. 5 – الف – الفعل. * 6 – الف: + واخبارا. 7 – الف: – ومنها كونه واجبا. * 8 – ج: – لو. 9 – الف: ركعتين. * 10 – ج: كثيرة. 11 – ب: جزا، ج: جزءا. * 12 – ب: الشرط. (*)

[ 591 ]

وأما ما به يعلم أن فعله مباح، فأن يكون بيانا لمباح، كالذبيحة، ومنها أن يكون مما لو لم يكن مباحا لكان معصية كبيرة (1)، ومنها أن يتقدم منه قول يقتضي كونه مباحا. وأما ما به يعلم كون فعله ندبا، فوجوه: منها أن يكون بيانا للندب، ومنها أن يكون شرعيا، ولا أمارة للوجوب، ومنها إيقاعه على وجه العبادة والاخلاص، ولا وجوب، ومنها أن يكون مما لو لم يكن ندبا لكان كبيرا، ومنها أن يفعله في وقت ويتركه (2) في آخر، ويحصل في فعله أمارة الشرع. وينقسم على وجه (3) آخر فمنه ما هو قضاء على الغير، ومنه ما هو متعلق بالغير، ومنه ما لا تعلق له بأحد: وقضاؤه (4) على الغير فيه أمارة الوجوب، لان النزاع يتقدمه، ويجب على الحاكم قطع ذلك. فأما الذم والمدح (5)، فلهما تعلق بالغير، والذم منه عليه السلام يدل على قبح الفعل، والعقوبة أقوى دلالة على القبح، وأما المدح، فإنه يدل على أن للفعل صفة زائدة على الحسن (6)،


1 – ج: كثيرة. * 2 – ج: فيتركه. 3 – ب: اوجه. * 4 – ب: قضا. 5 – ج: المدح والذم. * 6 – الف: الفعل. (*)

[ 592 ]

فربما كان واجبا، وأقل أحواله أن يكون ندبا. وقد اختلف في نسبته صلى الله عليه وآله زيدا إلى عمرو (1) هل يقتضي القطع، أو يكون على الظاهر (2) ؟ فقال قوم: يقتضي القطع، وآخرون يجوزون (3) أن يتبع (4) ذلك الظاهر والامارات، والوجه الاول أولى، لان ظاهر خبره بالاطلاق يقتضي القطع، وإنما يكون عن الظن والامارة (5) بما يخالف الاطلاق، فالاولى مع الاطلاق حمله على القطع. وعلى هذا الوجه (6) يجري وصفه صلى الله عليه وآله لغيره بالفضل (7)، لان ذلك خبر، ومع الاطلاق (8) يجب حمله على القطع، وحكمه – بالشهادة أو بالاقرار – (9) بالملك لا يدل على القطع بالباطن (10)، كما قلناه في الاول، لان هذا حكم، والاول (11) خبر. و (12) في هذا الباب فروع كثيرة يطول الكتاب باستيفائها.


1 – ب: + أو، ج: + و. * 2 – ج: ظاهر. 3 – ب: يجوز. * 4 – ج: تتبع. 5 – الف: امارة. * 6 – الف: الوصف. 7 – ب: بالفصل. * 8 – ج: + و. 9 – ب وج: والاقرار، ج: + و. * 10 – الف: بالباطل. 11 – ج: الاخر. * 12 – ج: – و. (*)

[ 593 ]

فصل (1) في هل يصح في أفعاله صلى الله عليه وآله التعارض أم لا. اعلم أن التعارض بين الدليلين إنما يكون بأن يتعذر إستعمالهما (2) معا، وأما (3) إذا أمكن العمل بهما (4)، فلا تعارض. وليس يمكن أن يقع (5) الفعل وتركه في حالة (6) واحدة، وكذلك لا يمكن في الحال الواحدة وقوعه ووقوع ضده، وإنما يكونان متعارضين (7) على أحد هذين الوجهين. وإنما يصح من الفاعل أن يفعل ضد ما فعله في حال أخرى، وذلك مما يمكن فيه التأسي، ولا تعارض. فأما نسخ فعله عليه السلام بفعله، فلا يصح على التحقيق، لان الفعل الاول لا ينظم (8) الاوقات المستقبلة، غير أنه إذا دل دليل على وجوب إستمرار حكمه، جاز أن يقال في الثاني: إنه ناسخ، وكذلك التخصيص، لان الدليل إذا دل على أن المراد كل مكلف،


1 – ج: – فصل. * 2 – ب: استعمالها. 3 – الف: فاما. * 4 – ج: بها. 5 – ج: تقع. * 6 – ج: حال. 7 – ب: متعارضتين. * 8 – الف وب: ينتظم. (*)

[ 594 ]

ووجدناه صلى الله عليه وآله قد أقر بعض المكلفين على ترك ذلك الفعل، أو رضي به، جاز أن يقال (1): إنه بذلك مخصص (2) له (3)، والمعنى (4) ما ذكرناه. فأما قوله عليه السلام (5) إذا عارض فعله فيجب النظر فيه، فإن تقدم القول، ومضى الوقت الذي يجب الفعل فيه، وفعل صلى الله عليه وآله ما يعارض ذلك، كان ناسخا (6) لا محالة، ومثاله تركه صلى الله عليه وآله قتل الشارب للخمر في المرة الرابعة، بعد قوله: (فإن شربها في الرابعة فاقتلوه (7)). فأما إن فعل صلى الله عليه وآله ما يعارض القول قبل مجئ الوقت الذي تعبدنا بالفعل فيه، فلا يجوز أن يكون نسخا، لان نسخ الفعل قبل وقته (8) لا يصح. فأما متى تقدم الفعل، ووجد القول الذي يقتضي رفع مقتضاه، فذلك نسخ بلا شبهة، لانه متأخر عن حكم استقرار الفرض. فأما إذا لم يعلم المتقدم من المتأخر، فمن (9) الناس من ذهب إلى أن الاخذ بالقول أولى (10)،


1 – ج: – في الثاني، تا اينجا. * 2 – ج: مخصوص. 3 – ب: – له. * 4 – ب: المعتاد. 5 – ب وج: – ع. * 6 – ب وج: نسخا. 7 – ج: فاقبلوه. * 8 – ج: فعله. 9 ب وج: ففى. * 10 – الف: – اولى. (*)

[ 595 ]

ورجح بأن فعله لا يتعداه إلا بدليل، ومن حق قوله أن يتعداه، و (1) لا يكون مقصورا عليه. والاولى أن يقال إنه لا بد إذا تعارضا من أن ينصب الله تعالى للمكلف دليلا يعلم به المتقدم من المتأخر، وفي هذا نظر. فصل (2) في هل كان النبي (3) صلى الله عليه وآله متعبدا بشرائع من تقدمه من الانبياء عليهم السلام * في هذا الباب مسألتان: إحديهما (4) قبل النبوة، والاخرى بعدها. و (5) في المسألة الاولى ثلاثة مذاهب: أحدها أنه ما كان عليه السلام متعبدا قطعا، والآخر أنه كان متعبدا قطعا (6)، والثالث التوقف عن (7) القطع على أحد الامرين، وهذا هو الصحيح. والذي يدل عليه أن العبادة بالشرائع تابعة لما يعلمه الله


1 – ب: – و. * 2 – ج: – فصل. 3 – ب: – النبي، ج: رسول الله. * 4 – ب وج: احدهما. 5 – ب: – و. * 6 – ب: والاخر، تا اينجا. 7 – ج: على. (*)

[ 596 ]

تعالى من المصلحة بها في التكليف العقلي، ولا يمتنع (1) أن يعلم الله تعالى أنه لا مصلحة للنبي صلى الله عليه وآله – قبل نبوته في العبادة بشئ من الشرائع، كما أنه غير ممتنع أن يعلم أن له عليه السلام – في ذلك مصلحة، وإذا كان كل واحد (2) من الامرين جائزا، ولا دلالة توجب القطع على أحدهما، وجب التوقف. وليس لمن قطع على أنه عليه السلام ما كان متعبدا أن يتعلق بأنه لو كان تعبده عليه السلام (3) بشئ من الشرائع، لكان فيه (4) متبعا (5) لصاحب تلك الشريعة، ومقتديا به، وذلك لا يجوز، لانه أفضل الخلق، واتباع الافضل للمفضول قبيح. وذلك أنه غير ممتنع أن يوجب الله – تعالى عليه صلى الله عليه وآله بعض ما قامت عليه الحجة (6) من بعض الشرائع المتقدمة، لا على وجه الاقتداء بغيره فيها، ولا الاتباع. وليس لمن قطع على أنه عليه السلام كان متعبدا أن يتعلق بأنه عليه السلام كان يطوف بالبيت، ويحج ويعتمر، ويذكي، ويأكل


1 – ب: يمنع. * 2 – ب: – واحد. 3 – الف: – عليه السلام. * 4 – الف: – فيه. 5 – الف: متعبا. * 6 – ب وج: + به. (*)

[ 597 ]

المذكى، ويركب البهائم، ويحمل عليها. وذلك (1) أنه لم يثبت عنه عليه السلام أنه (2) قبل النبوة حج أو (3) اعتمر، ولو ثبت ذلك، لقطع به على أنه كان متعبدا، وبالتظني (4) لا يثبت (5) مثل ذلك. ولم يثبت أيضا (6) أنه عليه السلام تولى التذكية بيده (7). وقد قيل – أيضا – (6): إنه (8) لو ثبت أنه ذكى بيده، لجاز أن يكون من شرع غيره في ذلك الوقت أن يستعين بغيره (9) في الذكاة، فذكى على سبيل المعونة لغيره (10). وأكل لحم المذكى (11) لا شبهة في أنه غير موقوف على الشرع، لانه بعد الذكاة قد صار مثل كل مباح من المآكل. وركوب البهائم والحمل


1 – ج: + عليه. * 2 – ب: + كان. 3 – ب: و. * 4 – الف: بالظن. 5 – ب: ثبتت، ج: تثبت. * 6 – الف: – ايضا. 7 – ب: بنفسه. * 8 – ج: – انه. 9 – الاحسن في التعبير – بقرينة الجملة الاتية – (يستعان بالغير) والا فلابد من ارجاع الضمير في (يستعين) و (بغيره) إلى مطلق المذكى، على سبيل نوع من الاستخدام، لا إلى خصوصه ع. 10 – الف: لغير. 11 – لا يخفى ما في اضافة الموصوف إلى الصفة، اللهم الا ان يقدر شئ يكون هو المضاف إليه، أي (لحم الحيوان المذكى). (*)

[ 598 ]

عليها (1) يحسن عقلا إذا وقع التكفل (2) بما يحتاج إليه من علف وغيره، ولم يثبت أنه عليه السلام فعل من ذلك ما لا يستباح بالعقل فعله. وليس علمه عليه السلام بأن غيره نبي (3) بالدليل يقتضي كونه متعبدا بشريعته (4)، بل لا بد من أمر زائد على هذا العلم. وأما (5) المسألة الثانية فالصحيح أنه عليه السلام ما كان متعبدا بشريعة نبي تقدم (6)، وسندل عليه بعون الله تعالى، وذهب كثير من الفقهاء إلى أنه كان متعبدا. ولا بد قبل الكلام في هذه المسألة من بيان جواز أن يتعبد الله تعالى نبيا بمثل شريعة النبي الاول، لان ذلك إذا لم يجز، سقط الكلام في هذا الوجه من المسألة. وقد قيل: إن ذلك يجوز على شرطين: إما بأن تندرس الاولى، فيجددها الثاني، أو بأن يزيد فيها ما لم يكن منها، ويمنعون (7) من جواز ذلك على غير أحد هذين الشرطين، ويدعون


1 – الف: – عليها. * 2 – الف: رفع التكليف. 3 – ج: غير ما بنى. * 4 – ج: بالشريعة. 5 – الف وج: فاما. * 6 – ج بالشريعة النبي متقدم. 7 – ب: أو يمتنعون.، ج: تمنعون. (*)

[ 599 ]

أن بعثته على خلاف ما شرطوه تكون (1) عبثا. ولا يجب النظر في معجزته، ولا بد من وجوب النظر في المعجزات. وليس الامر على ما قالوه، لان بعثة النبي الثاني لا (2) تكون (3) عبثا إذا علم الله تعالى أنه يؤمن عندها، وينتفع بها (4) من لم ينتفع بالاولى. ولو لم يكن الامر – أيضا – كذلك، كانت البعثة الثانية على سبيل ترادف الادلة الدالة على أمر واحد، ولا يقول أحد: أن نصب الادلة على هذا الوجه يكون عبثا. فأما الوجه الثاني، فإنا لا (5) نسلم لهم أن النظر في معجز كل نبي يبعث لا بد من أن يكون واجبا، لان ذلك يختلف (6)، فإن خالف المكلف من ضرر – إن هو لم ينظر – وجب النظر عليه، وإن لم يخف، لم يكن واجبا. وقد استقصينا هذا الكلام وفرعناه في كتاب الذخيرة. والذي يحقق (7) هذه المسألة أن تعبده عليه السلام (8) بشرع من


1 – الف: يكون، ب: – تكون. * 2 – ب: – لا. 3 – ب: يكون. * 4 – ب وج: بها. 5 – ب: فلا، بجاى فانالا. * 6 – الف: مختلف. 7 – ب: تحقق. * 8 – ب: – ان تعبده ع. (*)

[ 600 ]

تقدمه لا بد فيه من معرفة أمرين: أحدهما نفس الشرع (1)، والآخر كونه متعبدا به، وليس يخلو من أن يكون عليه السلام علم (2) كلا الامرين بالوحي النازل عليه والكتاب المسلم إليه، أو يكون علم الامرين من جهة النبي المتقدم، أو يكون علم أحدهما من هذا الوجه، والآخر من (3) ذلك الوجه. والوجه الاول يوجب أن لا يكون متعبدا بشرائعهم إذا فرضنا أنه بالوحي إليه علم الشرع والتعبد معا، وأكثر ما في ذلك أن يكون متعبدا (4) بمثل شرائعهم (5)، وإنما يضاف الشرع إلى الرسول (6) إذا حمله وألزم أداءه (7)، ويقال في غيره: أنه متعبد بشرعه متى دعاه إلى (8) اتباعه، وألزمه (9) الانقياد له، فيكون مبعوثا إليه، وإذا فرضنا أن الوحي والقرآن (10) وردا ببيان الشرع وإيجاب الاتباع، فذلك شرعه عليه السلام لا يجب إضافته إلى غيره.


1 – ج: + الاخر. * 2 – ب وج: علم عليه السلام. 3 – ب وج: + غير: * 4 – ب وج: تعبد. 5 – الف وب: شرائعه. * 6 – الف: المرسول: 7 – ب: اداه، ج: لزم اداه. * 8 – ج: – إلى. 9 – ب: الزم. 10 – الف: القران والوحى والقران (خ ل). (*)

[ 601 ]

وأما الوجه الثاني، فهو – وإن كان خارجا (1) من أقوال الفقهاء المخالفين لنا في هذه المسألة – فاسد من جهة أن * نقل اليهود ومن جرى مجراهم من الامم الماضية قد تبين (2) في مواضع أنه ليس بحجة، لانقراضهم، وعدم العلم بإستواء أولهم (3) وآخرهم. و – أيضا – فإنه عليه السلام مع فضله على الخلق لا يجوز أن يكون متبعا لغيره من الانبياء المتقدمين عليهم السلام. ثم هذا القول يقتضي أن لا يكون عليه السلام بأن يكون من أمة (4) ذلك النبي بأولى منا، ولا بأن نكون (5) متعبدين بشرعه عليه السلام بأولى من أن يكون متعبدا بشرعنا، لان حاله (6) كحالنا في أننا من أمة ذلك النبي. وبهذه الوجوه التي ذكرناها نبطل (7) القسمين اللذين فرعناهما (8). ومما يدل على صحة ما ذكرناه، وفساد قول مخالفينا، أنه قد ثبت عنه عليه السلام توقفه في أحكام معلوم أن بيانها في التورية (9)


1 – ب: جارحا. * 2 – ب: بين. 3 – ج: ادلتهم. * 4 – الف: انه. 5 – ج: يكون. * 6 – ب: حالنا. 7 – ب: يبطل. * 8 – ج: فرضناهما. 9 – ج: الفورية. (*)

[ 602 ]

وانتظاره (1) فيها نزول الوحي، ولو كان متعبدا بشريعة موسى، لما جرى ذلك. و – أيضا – فلو كان الامر على ما قالوه، لوجب (2) أن يجعل عليه السلام كتب من تقدمه في الاحكام بمنزلة الادلة الشرعية (3)، ومعلوم خلافه. وأيضا فقد نبه عليه السلام في خبر معاذ (4) على الادلة فلم يذكر في جملتها التورية والانجيل. وأيضا فإن كل شريعته (6) مضافة إليه بالاجماع، ولو كان متعبدا بشرع غيره، لما جاز ذلك. وأيضا فلا خلاف بين الامة في أنه عليه السلام لم يود إلينا من أصول الشرائع إلا ما أوحى إليه وحمله. وأيضا فإنه لا خلاف في (7) أن شريعته عليه السلام ناسخة لكل الشرائع المتقدمة من غير استثناء، فلو كان الامر كما قالوه، لما صح هذا الاطلاق.


1 – الف: انتضاره، ب: انظاره. * 2 – ب وج: لكان يجب. 3 – ب: الشريعة. * 4 – هذا هو الصحيح، لكن في ب وج: معاد، بالدال المهملة. 5 – الف: – فقد نبه، تا اينجا. * 6 الف وب: شريعة. 7 – ب وج: – في. (*)

[ 603 ]

و – أيضا – فإن شرائع من تقدمه (1) مختلفة متضادة، فلا يصح كونه متعبدا بكلها، وإن (2) كان متعبدا ببعضها، فلا بد من تخصيص ودليل يقتضيه، فإن ادعوا أنه متعبد بشريعة عيسى (3) عليه السلام لانها (4) ناسخة لشريعة من تقدم، فذلك منهم ينقض تعلقهم بتعرفه الرجم من اليهود في التورية. فأما رجوعه عليه السلام في رجم المحصن إليها، فلم يكن لانه كان متعبدا بذلك، لانه لو كان الرجوع لهذه العلة، لرجع عليه السلام في غير (5) هذا الحكم إليها، وإنما رجع لامر آخر (6)، وقد قيل: إن سبب الرجوع أنه عليه السلام كان (7) خبر بأن حكمه في الرجم يوافق ما (8) في التورية، فرجع إليها تصديقا لخبره وتحقيقا لقوله (9). باب الكلام في الاجماع اختلف الناس في هذه المسألة: فقال أكثر المتكلمين


1 – ب وج: تقدم. * 2 الف وج: فان. 3 – ج: موسى. * 4 – ج: بانها. 5 – ب: – غير. * 6 – الف: – وانما رجع لامر آخر. 7 – الف: – كان. * 8 – الف: موافق لما كان (خ ل). 9 – ب وج: + ع. (*)

[ 604 ]

وجميع الفقهاء: إن إجماع أمة النبي صلى الله عليه وآله حجة، وإنهم لا يجوز أن يجمعوا (1) على باطل، وخالف النظام ومن تابعه في ذلك، ونفى كون الاجماع حجة (2)، وحكي عن قوم من الخوارج مثل ذلك، وحكي أيضا (3) عن بعضهم أنه أحال كون الاجماع حجة، وذهب إلى أنه لا يجوز في جماعة يجوز الخطأ على كل واحد منها أن ينتفي عن جماعتها (4)، وآخرون نفوا كونه حجة، بأن قالوا: إن أجمعوا على الشئ تبخيتا (5)، فذلك لا يجوز اتباعه، وإن كان توقيفا عن نص، فيجب ظهور الحجة بذلك، و (6) يغني (7) عن الاجماع، وإن كان عن قياس، فلن يجوز مع اختلاف الهمم وتباين الآراء واختلاف وجوه القياس أن يتفقوا على ذلك. وفي الناس من نفى (8) الاجماع، لتعذر العلم باتفاق الامة، مع أنها غير معروفة على مذهب من المذاهب. والصحيح الذي نذهب (9) إليه أن قولنا (إجماع) إما أن


1 – ج: يجمعوا، بتشديد الميم. 2 – ب: – وانهم لا يجوز، تا اينجا. 3 – الف: – ايضا. * 4 – ج: جماعاتها. 5 – الف: تخمينا. * 6 – الف: – و. 7 – ب: يعنى. * 8 – ب: يفى. 9 – ب وج: يذهب. (*)

[ 605 ]

يكون واقعا على جميع الامة، أو على المؤمنين منهم، أو على العلماء فيما يراعي فيه إجماعهم (1)، وعلى كل الاقسام لابد من (2) أن يكون قول الامام المعصوم داخلا فيه، لانه من الامة، ومن أجل المؤمنين، وأفضل العلماء، فالاسم مشتمل عليه، وما يقول به (3) المعصوم لا يكون إلا حجة وحقا، فصار قولنا موافقا لقول من ذهب (4) إلى أن الاجماع حجة في الفتوى، وإنما الخلاف بيننا في موضعين، إما في التعليل، أو (5) الدلالة، لانا نعلل كون الاجماع حجة بأن العلة فيه اشتماله على قول معصوم قد علم الله – سبحانه أنه (6) لا يفعل القبيح منفردا ولا مجتمعا، وأنه لو انفرد، لكان قوله الحجة، وإنما نفتي (7) بأن قول الجماعة التي قوله فيها و (8) موافق (9) لها حجة لاجل قوله، لا لشئ يرجع إلى الاجتماع معهم، ولا يتعلق بهم. ومن خالفنا يعلل مذهبه بأن الله تعالى علم أن جميع هذه الامة لا تتفق (1) على خطأ، وإن جاز الخطأ


1 – الف: اجماعه. * 2 – ب وج: – من. 3 – ب: به. * 4 – ب وج: يذهب. 5 – ب: و. * 6 – ج: – انه. 7 – ب: تفتى، ج: يفتى. * 8 – ب وج: – فيها و. 9 – ب: وافقا. * 10 – ج: يتفق. (*)

[ 606 ]

على كل واحد منها بانفراده، فللاجماع تأثير بخلاف قولنا أنه لا تأثير (1) له. فأما نحن فنستدل على صحة الاجماع وكونه حجة في كل عصر بأن العقل قد دل على أنه لابد في كل زمان من إمام معصوم، لكون ذلك لطفا في التكليف العقلي (2)، وهذا مذكور مستقصى في كتب الامامة، فلا (3) معنى للتعرض له (4) هيهنا – وثبوت هذه الجملة يقتضي (5) أن الاجماع في كل عصر حجة، وهذه الطريقة من الاستدلال لا توافق مذاهب مخالفينا، لان الاصل الذي بنينا (6) عليه هم (7) يخالفون فيه، ولو تجاوزوا عنه، لكان * ثبوت الحجة بالاجماع على هذا الوجه ينافي مذاهبهم في أن لاجماع (8) الامة تأثيرا (9) في كونه (10) حجة، وأن بعضهم في هذا الحكم بخلاف كلهم. فأما ما يستدلون هم به على كون الاجماع حجة فإنما نطعن فيه نحن لانه لا يدل على ما ادعوه (11)، ولو دل على ذلك


1 – ب: بخلاف، تااينجا. * 2 – الف: الفضلى. 3 – ج: ولا. * 4 – ب: – له. 5 – الف: تقتضي. * 6 – ج: بينا. 7 – ب: – هم. * 8 – ج: الاجماع. 9 – الف وب: تأثير. * 10 – ب وج: كونهم. 11 – ج: ادعاه. (*)

[ 607 ]

لم يضرنا، ولا ينافي مذهبنا، لان شهادة القرائن (1) أو الآيات بأن الامة لا تجتمع (2) على ضلال (3)، نحن نقول بفحواه ومعناه وليس في الشهادة بذلك تعليل ينافي مذهبنا، كما كان ذلك في تعليل قولنا: إن الاجماع حجة واستدلالنا (4) عليه. فبان بهذا الشرح الذي أطلناه (5) هيهنا ما يحتاج (6) إليه في هذا الباب، وإذا كنا قد دللنا على كيفية كون (7) الاجماع حجة على مذهبنا، فينبغي أن نعطف إلى ما تعلق (8) به مخالفونا فنورده، ثم نتكلم (9) عليه، ونحن لذلك فاعلون. وقد تعلقوا في ذلك (10) بأشياء: أولها قوله تعالى، (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين، نوله (11) ما تولوا، و نصله جهنم، وساءت مصيرا.) فتوعد على اتباع غير سبيلهم،


1 – ب وج: القرآن. * 2 – ج: يجتمع. 3 – الف: خلاف. * 4 – ج: استدللنا. 5 – ب: اليناه. * 6 ج: – عليه فبان، تااينجا. 7 – الف: – كون. * 8 – الف: يتعلق. 9 – ج: يتكلم. * 10 – ج: بذلك. 11 – ج: لقوله. (*)

[ 608 ]

وفي ذلك إيجاب لاتباع سبيلهم، فلولا أن الاجماع (1) حجة، لم يوجب اتباعهم. وثانيها قوله تعالى -: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا، لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا). ومعنى (وسطا) أي عدلا، فكما يجب في شهادته صلى الله عليه وآله أن تكون (2) حجة، فكذلك القول في شهادتهم، لان الله (3) تعالى قد أجراهم مجراه. وثالثها قوله تعالى -: (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر.) وهذه صفات لا تليق (4) إلا بمن قوله حجة. ورابعها ما يروونه (5) عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: (لا تجتمع أمتي على خطأ). فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا: إن (6) ظاهر الاية يقتضي إيجاب اتباع من هو مؤمن على الحقيقة ظاهرا وباطنا، لان من يظهر (7)


1 – ب وج: اجماعهم. * 2 – ب وج: يكون. 3 – ب وج: لانه. * 4 – ب: يليق. 5 – ب: يرونه، ج: – لا تليق، تا اينجا. 6 – ب و، بجاى ان. * 7 – ب: تظهر. (*)

[ 609 ]

الايمان إنما يوصف بذلك مجازا، والمؤمن من فعل الايمان، وهذا يقتضي إيجاب اتباع من قطعنا على عصمته من المؤمنين، دون من جوزنا أن يكون باطنه خلاف ظاهره، فكيف يحمل ذلك على أنه إيجاب لاتباع من أظهر الايمان، وليس كل من أظهر الايمان كان مؤمنا ؟ !. فإن ادعوا أن (1) هذه اللفظة تجري على من أظهر الايمان حقيقة، واستدلوا عليه (2) بقوله تعالى -: (فتحرير رقبة مؤمنة)، وقوله – عزوجل (3) -: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات)، طولبوا بالدلالة على ما ادعوه، فإنه يتعذر عليهم. والآيتان اللتان ذكروهما إنما علمنا أن المراد بهما من أظهر الايمان بدلالة، والظاهر يقتضي خلاف ما حملناهما عليه. وأيضا فإن الآية تضمنت حظر اتباع غير سبيل المؤمنين، ولم يجر (4) لسبيل المؤمنين ذكر، و (5) دليل الخطاب غير صحيح عندنا وعند أكثرهم، فلا يجوز الرجوع إليه في هذه الآية.


1 – ب: – ان. * 2 – ب وج: – عليه. 3 – ب: تعالى. * 4 – ب وج: يجز. 5 – ج: ذكروا. (*)

[ 610 ]

وليس لاحد أن يقول: إن (1) المراد بلفظة (غير) هيهنا الاستثناء (2)، كأنه قال: (لا تتبع إلا سبيل المؤمنين)، كما يقول أحدنا لغيره: (لا تأكل غير هذا الطعام)، أي لا تأكل إلا هذا الطعام، و: لا تلق غير زيد، الذي يفهم منه (3) إيجاب لقائه (4). وذلك أن لفظة (غير) هي بالصفة أحق (5) منها بالاستثناء، و إنما استثني بها في بعض المواضع تشبيها لها (6) بلفظة (إلا)، كما وصفوا في بعض المواضع بلفظة (إلا) تشبيها لها (7) بغير. وبعد، فلو احتملت لفظة (غير) الصفة والاستثناء احتمالا واحدا، وليس الامر كذلك، لكانوا يحتاجون في حملها على الاستثناء دون الصفة إلى دلالة. والذي يبين (8) الفرق بين ما جمعوا بينه أنه يحسن أن يقول أحدنا لغيره: (لا تأكل غير هذا الطعام ولا هذا الطعام) ولا يجوز أن يقول: (لا تأكل إلا هذا الطعام ولا تأكل هذا الطعام).


1 – ب: – ان. * 2 – ب وج: الا. 3 – ب: – منه. * 4 – ج: نقائه. 5 – ج: اخص. * 6 – ج: تشبيها لها. 7 – ب وج -: – لها. * 8 – ج: بين. (*)

[ 611 ]

فإن قيل متى لم يتبع غير سبيل المؤمنين، فبالضرورة لا بد من كونه متبعا لسبيلهم فحظر أحد الامرين إيجاب للآخر (1). قلنا: ليس الامر كذلك، لانه قد يجوز أن يحظر عليه اتباع سبيل كل أحد (2)، ويلزم التعويل على الادلة، لان (3) المفهوم من هذه اللفظة أن يفعل المتبع الفعل لاجل فعل (4) المتبع (5)، وقد يمكن أن ينهى عن ذلك كله. وأيضا فليس يخلو قوله تعالى (المؤمنين) من أن يريد به المستحقين للثواب، والذين باطنهم في الايمان كظاهرهم، أو يريد به (6) من أظهر التصديق والايمان، وإن جاز في الباطن أن يكون (7) بخلافه، فإن كان الاول، فالظاهر يقتضي تناول اللفظة (8) لجميع المؤمنين إلى أن تقوم (9) الساعة، فكيف يحملونها على مؤمني (10) كل عصر، وإنماهم بعض المؤمنين (11) لا كلهم،


1 – ب: الاخر. * 2 – الف: واحد، ب: – احد. 3 – الف: على ادلة، بجاى لان. 4 – ب: – فعل. 5 – ج: – الفعل، تا اينجا. * 6 – الف: – به. 7 – ج: تكون. * 8 – ب وج: اللفظ. 9 – ج: يقوم. * 10 – الف: مؤمنين. 11 – ب: – إلى ان تقوم، تا اينجا. (*)

[ 612 ]

وإن جاز لهم (1) حمل اللفظة على خلاف عموم ظاهرها، جاز لنا حملها (2) على الائمة المعصومين، ففي كل واحد (3) من الامرين ترك للظاهر. وإن كان المراد * بالآية الوجه الثاني، فهو باطل من وجهين: أحدهما ما قلناه من أن ذلك (4) يقتضى الجميع إلى أن تقوم (5) الساعة، ولا يختص بأهل كل عصر. والثاني أن الكلام خارج مخرج المدح والتعظيم، من حيث الامر بالاتباع (6) و الاقتداء، وذلك لا يليق إلا بمن يستحق التعظيم على الحقيقة، دون من يجوز أن يكون باطنه بخلاف ظاهره، ممن يستحق (7) الاستخفاف (8) والاهانة. و – أيضا – فإنه تعالى علق وجوب الاتباع بكونهم مؤمنين، فمن أين لهم أنهم لا يخرجون من هذه الصفة ؟، فلا يلزم اتباعهم، وإنما يقولون (9) في أنهم لا يخرجون (10) عن الايمان على ما هو


1 – ب: – لهم. * 2 – ب وج: ان نحملها. 3 – الف: – واحد. * 4 – ب: – ذلك. 5 – ج: يقوم. * 6 – ب: بالامتناع. 7 – ب: – التعظيم، تا اينجا. * 8 – ج: الاستحقاق. 9 – الظاهر (يعولون) لكن في نسختي ب وج: (يقولون) ونسخة الالف – كما سيجئ – سقطت عنها هذه العبارة. * 10 – الف: – من هذه، تا اينجا. (*)

[ 613 ]

مبني على أن (1) الحق لا يخرج (2) عنهم، والكلام في ذلك. ثم من أين لهم (3) في الاصل أنه لا بد في كل زمان من وجود مؤمنين، حتى يلزم اتباعهم ؟ ! وليس يمكن التعلق في إثبات مؤمنين في كل حال بأنه إذا أمر باتباعهم، فلابد من حصولهم، ليمكن الاتباع، لان ذلك تكليف مشروط بغيره، يجب إذا وجد الشرط، وليس يقتضي أن الشرط لابد من حصوله في كل حال، ألا ترى أنه تعالى قد أمر بقطع (4) السارق، وجلد الزاني، ولا يقتضي ذلك القطع على أنه لا بد في كل حال (5) من وجود (6) سراق (7) وزناة، حتى يمكن إقامة الحدود عليهم ؟. وأيضا فإن الآية كالمجملة (8) لانه تعالى لم يوجب اتباع سبيلهم في كل الاحوال، ولا في حال (9) مخصوص (10) فمن أين لهم عموم الاحوال، وليس هيهنا لفظ عموم ؟ ! (11). وليس لهم


1 – الف: – ان. * 2 – ب: – عن الايمان، تا اينجا. 3 – ج: ان، بجاى لهم. 4 – ج: + مع. 5 – ب: – في كل حال. 6 – ج: وجدو. 7 – الف: سوارق. 8 – الف: كالمجمل. 9 – الف: حالة. * 10 – الف: مخصوص. 11 – ج: – وليس هيهنا لفظ عموم. (*)

[ 614 ]

أن يقولوا: لو أراد التخصيص، لبين (1)، لان ذلك يمكن عكسه عليهم. وهي أيضا مجملة من وجه آخر، لان لفظة (سبيل) منكرة، فمن أين لهم وجوب اتباعهم في كل شئ عموما ؟ !. ويقال لهم فيما تعلقوا به ثانيا: هذه الآية يقتضي ظاهرها وصف الامة بالعدالة والشهادة أيضا وهذا الوصف يقتضي (2) ظاهره أن يكون كل واحد منهم بهذه الصفة، ومعلوم بيننا خلاف ذلك. فإذا حملوا الآية على بعض الامة دون بعض الذين هم العدول، لم يكونوا بذلك أولى (3) منا إذا حملناها على المعصومين من الائمة فإن قالوا: لم نحملها (4) على الجميع، للوصف الذي لا يليق بالجميع (5) فحملناها على كل (6) من يليق به الوصف. قلنا: ليس هيهنا لفظ عموم، كما كان في الآية الاولى، واللفظ محتمل للامرين، فإذا جاز أن يحملوه على بعض دون بعض، جاز لنا مثل ذلك و (7) قمنا فيه مقامكم. على أنهم إذا حملوها على العموم في كل من كان ظاهره (8)


1 – الف: المراد التخصيص المبين. * 2 – ب: ظاهرها، تا اينجا. 3 – ج: اوالى. * 4 – ج: يحملوها. 5 – ج: الجميع. * 6 – ب: – كل. 7 – الف: – و. * 8 – ج: ب: بظاهره، ج: ظ. (*)

[ 615 ]

العدالة، لزمهم توجه الآية إلى جميع من هو (1) بهذه الصفة إلى يوم القيامة على سبيل الاجتماع، فيبطل قولهم: إن إجماع أهل كل عصر حجة. وأيضا فإن وصفهم بالعدالة ليكونوا شهداء إنما يقتضي أن يجتنبوا ما أخرج من العدالة، والصغائر عندهم لا تخرج (3) عن العدالة، فيجب أن تجوز (4) عليهم، وهم لا يجوزون أن يجمعوا على قبيح صغير ولا كبير. وأيضا فإن الآية كالمجملة، لانها غير متضمنة بأنهم جعلوا عدولا في كل شئ، و (5) في جميع أفعالهم وأقوالهم (6)، ومن ادعى عموم ذلك، فعليه الدلالة، والرسول عليه السلام لم تجب (7) عصمته من القبائح كلها، لكونه شهيدا بل لنبوته. ويقال لهم فيما تعلقوا به ثالثا: إن التأمل لما (8) تكلمنا به على (9) الآيتين المتقدمتين يبطل تعلقهم بهذه الآية، لان وصفهم بأنهم


1 – ب: هم. * 2 – الف: فبطل. 3 – ج: يخرج. * 4 – ب وج: يجوز. 5 – ج: أو. * 6 – ب وج: اقوالهم وافعالهم. 7 – ب وج: يجب. * 8 – الف: بما. 9 – الف: في. (*)

[ 616 ]

يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يليق بجميع الامة، فلابد من حمله على بعضهم، وإذا (1) فعلوا ذلك، لم يكونوا أولى منا (2) إذا حملناها على من ثبتت عصمته وطهارته. وبعد، فليس في الآية ما يقتضي أنهم لا (3) يأمرون (4) إلا بذلك وليس يمتنع خروج من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر في بعض الاحوال عن ذلك. ولان الآية لا تقتضي (5) أن (6) إجماع كل عصر حجة، فمن أين أن هذا الوصف واقع على أهل كل عصر على انفرادهم ؟ !. ويقال لهم فيما تعلقوا به رابعا: من الخبر هذا الخبر (7) يجب أن تدلوا (8) على صحته، فهي الاصل. ثم على اقتضائه عصمة الامة (9) وكون إجماعهم حجة على ما تدعون، فلا شبهة في أن (10) هذا الخبر إنما رواه الآحاد، وليس من الاخبار الموجبة للعلم.


1 – ب وج: فإذا. * 2 – ج: + و. 3 – ج: – لا. * 4 – ج: تأمرون. 5 – ب وج: يقتضى. * 6 – ب: – ان. 7 – ب: – هذا الخبر. * 8 – الف: يدلوا. 9 – ج: الائمة. * 10 – ب: – ان. (*)

[ 617 ]

وإنما يفزع مخالفونا في تصحيحه إلى أمور كلها عند التأمل مبنية على أن إجماعهم حجة، وقبولهم للشئ يقتضي صحته، وما أشبه ذلك، وهذا هو استدلال (1) على الشئ بنفسه، و تمحل (2) وتعلل، ونحن نبين ذلك. وربما ادعى مخالفونا أن معناه متواتر، وإن كانت ألفاظه من جهة الآحاد، وأجروه مجرى شجاعة عمرو وسخاء حاتم: أما (3) الطريقة الاولى، فأكثر ما فيها أن الامة أطبقت، و أجمعت (4) على تصحيحه، والرضا به، ودون صحة ذلك خرط القتاد (5)، لان ذلك غير معلوم، ولا مسلم، وكل من خالف في الاجماع من العلماء * قديما وحديثا ينكر ذلك غاية الانكار، فمن أين أنهم في ذلك مصيبون ؟ ! ونحن قبل هذا الخبر الذي هو الحجة في صحة الاجماع نجيز عليهم الخطأ (6)، فلعل قبولهم هذا الخبر من جملة ما هو جائز عليهم من الخطأ، وادعاؤهم أن لامتنا (7) عادة ألفت منهم في رد الباطل وقبول الحق، مما


1 – ج: الاستدلال. * 2 – ب. تمحلل. 3 – ب: فاما، ج: واما. * 4 – ج: اجتمعت. 5 – ج + و. * 6 – ب: الخطاب. 7 – الف لامتناع. (*)

[ 618 ]

لا نوافقهم (1) عليه، ولا يجابون (2) إليه. وإذا طولبوا (3) بتصحيح (4) هذه العادة، لم يحصلوا (5) إلا على مجرد الدعوى، وليس كل من عرف منه أنه رد باطلا وقبل حقا لا يجوز عليه بالشبهة أن يقبل باطلا ويرد حقا، وأكثر ما يقتضيه حسن الظن بهم أن يكونوا عندنا ممن لا يدفع إلا ما اعتقد بطلانه، وأداه اجتهاده إلى وجوب رده، ولا يقبل أيضا إلا ما اعتقد بحجة أو شبهة (6) صحته، فأما تجاوز ذلك إلى ما يقتضي عصمتهم، ونفي القبيح عنهم، من غير دلالة قاطعة، فلا سبيل إليه، وقد استقصينا هذه النكتة في الكتاب الشافي (7) غاية الاستقصاء، وتكلمنا على ما يلزمه مخالفونا في هذا الموضع (8)، مما هو عائد كله عند الكشف والفحص عنه إلى (9) استيلاف (10) عصمة القوم بغير دلالة. ثم إذا سلمنا صحة الخبر، لم يكن فيه دلالة على ما يدعون،


1 – ج: توافقهم. * 2 – ب: يحابون. 3 – ب: طلبوا. * 4 – ج: بصحيح. 5 – ج: يحصل. * 6 – ب: شبهه. 7 – ب: الثاني، ب وج: + في. * 8 – الف: هذه المواضع. 9 – ج: على. * 10 – ب وج: استسلاف. (*)

[ 619 ]

لانه كالمجمل، من حيث إنه (1) نفى خطأ منكرا (2)، فمن أين لهم عمومه في جنس الخطأ، ولابد في حمله (3) على ذلك من دليل ولن يجدوه ؟ !. وبعد، فإن حملوا لفظة (أمتي) على جميع الامة، أو على المؤمنين، لزمهم أن يدخل فيه كل من كان بهذه الصفة إلى أن تقوم (4) الساعة على سبيل الاجتماع، ويبطل أن يكون إجماع كل عصر حجة، على ما تقدم بيانه. وربما قيل لهم في الخبر: من أين لكم أنه خبر دون أن يكون نهيا، ولعل العين من لفظة (5) (تجتمع) ساكنة غير مرفوعة ؟ ومن الذي ضبط في إعرابه الرفع من التسكين ؟. وربما قيل لهم (6) ما أنكرتم أن يكون خبرا معناه معنى النهي، كما جرى في نظائره، من قوله – تعالى -: (ومن دخله كان آمنا) وقوله صلى الله عليه وآله -: (الزعيم غارم) و (العارية مردودة) وما لا يحصى كثرة. وهذا لا يلزمهم، ولهم أن ينفصلوا عنه بأن


1 – ب وج: – انه. * 2 – الف: منكر. 3 – ج: جملة. * 4 – ج: يقوم. 5 – ب: لفظ. * 6 – الف: – لهم. (*)

[ 620 ]

اللفظ الذي ظاهره موضوع للخبر لا يجوز حمله على الامر أو النهى إلا بدلالة، والظاهر في الخبر معنا، وعلى من ادعى ما نقلنا عن (1) ظاهره الدلالة. فأما الكلام على من أحال أن يجوز على كل واحد منهم من (2) الخطأ ما لا يجوز على جماعتهم، وضرب لذلك الامثال (3) بأن الجماعة إذا كان كل واحد منها (4) أسود، فلا يجوز أن تكون (5) الجماعة ليست سودا، وما أشبه ذلك، فهو اعتماد من لم يحصل، ولم يتأمل، لان مراد من نفى الخطأ عن الجماعة ليس هو نفى القدرة، بل هو نفى التجويز والشك، وليس يمتنع أن تقوم (6) دلالة ترفع (7) الشك في الجماعة لا يقوم مثلها في الآحاد، ولو فرضنا أن النبي صلى الله عليه وآله أشار إلى عشرة، فقال: (كل واحد منهم يجوز أن يخطئ منفردا، وإذا (8) اجتمعوا، فإن الخطأ لا يقع منهم)، لكان ذلك صحيحا غير مستحيل، ولم يجر (9) مجرى (10)


1 – ب: على. * 2 – ب: – من. 3 – ب: الامتثال. * 4 – ج: منهما. 5 – ب وج: يكون. * 6 – ج: يقوم. 7 – ب وج: يرفع. * 8 – الف: ان. 9 – ب: – يجر، ج: يجز. * 10 – ج: مجرد. (*)

[ 621 ]

السواد والطول (1) اللذين (2) الآحاد فيه (3) كالجماعة، وكيف يمتنع (4) من ذلك من يذهب إلى أن الانبياء والملائكة عليه السلام قد علم الله تعالى أنهم لا يفعلون القبائح، وإن كانوا قادرين عليها و (5) متمكنين منها ؟ ! فارتفع التجويز والشك مع القدرة والتمكن (6). ومما قيل في ذلك: أنه غير ممتنع أن يجوز على الآحاد (7) ما لا يجوز على الجماعات، كسهو الواحد عن شئ مخصوص، وإن كان الجماعات الكثيرة لا يجوز عليها مثل ذلك، وخروجه في وقت مخصوص بهيأة مخصوصة (8)، أو تشويهه بنفسه، وإن كان ذلك كله (9) لا يجوز على الجماعات مع القدرة عليها. وأما من نفي صحة الاجماع من جهة أنهم لا يجوز أن يجمعوا على الشئ الواحد قياسا مع اختلاف الهمم والاغراض، فباطل، لان الجماعات الكثيرة قد تجتمع (10) على الفعل الواحد. والمذهب


1 – ج: طول. * 2 – ب: الذرين 3 – هكذا في النسخ، لكن الصواب (فيهما). 4 – ج: يمنع. * 5 – الف: – عليها و. 6 – ب وج: التمكين. * 7 – ج: + و. 8 – ب: – بهيأة مخصوصة. * 9 – ب: – كله. 10 – ج: تجمع. (*)

[ 622 ]

الواحد، إما بحجة، أو بشبهة، كاجتماع (1) المسلمين على مذاهب كثيرة، مع الكثرة وتباين الهمم، لاجل الحجة، واجتماع اليهود والنصارى والمبطلين على المذاهب الكثيرة، بالشبهة، وكما أجمعوا (2) مع كثرتهم على القول بقتل المسيح عليه السلام وصلبه، وإن كان ذلك (3) باطلا. وأما قول من نفى الاجماع (4) لتعذر (5) الطريق إليه (6)، فجهالة، لانا قد نعلم اجتماع الخلق الكثير على المذهب الواحد، وترتفع (7) عنا الشبهة في ذلك، إما بالمشاهدة (8)، أو النقل. ونعلم من إجماعهم واتفاقهم على الشئ الواحد ما يجرى (9) في الجلاء والظهور مجرى العلم بالبلدان والامصار والوقائع الكبار. ونحن نعلم أن المسلمين (10)، كلهم متفقون * على تحريم الخمر ووطى الامهات وإن لم نلق كل مسلم في الشرق والغرب والسهل والجبل. ونعلم أيضا أن اليهود والنصارى متفقون على القول بقتل المسيح وصلبه وإن


1 – ج: كالاجتماع. * 2 – الف: اجتمعوا. 3 – ج: ذلك. * 4 – ج: الاجتماع. 5 – الف: بتعذر. * 6 – ب: – إليه. 7 – الف: ترفع، ج يرتفع. * 8 – ب: بالشهادة، ج: المشاهدة. 9 – ج: جرى. * 10 – ب: المسلمون. (*)

[ 623 ]

كنا لم نلق كل يهودي ونصراني في الشرق والغرب. ومن دفع (1) العلم بما ذكرناه، كان مكابرا مباهتا. وقد استقصينا الكلام على هذه الشبهة في الجواب عن المسائل التبانيات، وبلغنا فيه الغاية، وفيما أشرنا إليه كفاية. وأرى كثيرا من مخالفينا يعجبون من قولنا: (إن الاجماع حجة)، مع أن المرجع في كونه حجة إلى قول الامام، من غير أن يكون للاجماع تأثير، وينسبونا (2) في إطلاق هذه اللفظة إلى اللغو والعبث، وقد بينا (3) في الكتاب الشافي في هذه النكتة ما فيه كفاية، وفي الجملة فليس (4) نحن المبتدئين (5) بالقول بأن الاجماع حجة، لكنا إذا سئلنا (6) و (7) قيل (8) لنا: ما تقولون في إجماع المسلمين على أمر من الامور، فلابد من (9) أن نقول (10): إنه حق وحجة، لان قول الامام المعصوم الذي لا يخلو كل زمان منه لا بد من أن يكون داخلا في هذا الاجماع، فجوابنا بأنه (11) حق وحجة


1 – ج: وقع. * 2 – ب: يستونا. 3 – ب: بنينا * 4 – هكذا في النسخ، والصواب (فلسنا). 5 – ب: المبتدين. * 6 – ب وج: سألنا. 7 – الف وج: – و. * 8 – الف: فقيل. 9 – الف: – من. * 10 – ب: تقول. 11 – الف: انه (*)

[ 624 ]

صحيح، وإن كانت علتنا في أنه حجة غير علتهم، ولو أن سائلا سألنا (1) عن جماعة فيهم نبي: هل قول هذه الجماعة حق وحجة ؟ لما كان لنا (1) بد (2) من أن نقول (3): إنه حجة، لاجل قول النبي صلى الله عليه وآله ولا نمتنع (4) من القول بذلك لاجل أنه لا تأثير لقول باقي الجماعة. وقد (5) بينا في كتاب (6) الشافي أنه (7) غير ممتنع أن يلتبس في بعض الاحوال قول إمام الزمان إما (8) لغيبته (9)، أو لغيرها، فلا نعرف (10) قوله على التعيين، فنفزع (11) في هذا الموضع إلى إجماع الامة أو إجماع (12) علمائنا، لنعلم دخول الامام المعصوم فيه، وإن كنا لا نعرف شخصه وعينه، ففي مثل (13) هذا الموضع نفتقر (14) إلى معرفة الاجماع على القول. لنعلم دخول الحجة فيه، إذا كان قول الامام (15) هو الحجة ملتبسا أو مشتبها (16)، وهذا يجري مجرى قول المحصلين من مخالفينا:


1 – ب وج: + كلنا. * 2 – ب: بدا. 3 – ج: يقول. * 4 – ب: يمتنع، ج: يمنع. 5 – الف وج: فقد * 6 – الف: الكتاب. 7 – ب: ان. * 8 – ج: – اما. 9 – ب: للغيبة، ج: لغيبة. * 10 – الف: يعرف. 11 – الف: فيفزع * 12 – الف: – الامة أو اجماع. 13 – الف: مثل. * 14 – ج: يفتقر. 15 – لعل في الاصل (الذى هو الحجة). * 16 – ج: مثبتا. (*)

[ 625 ]

إن الاجماع الذي هو الحجة هو إجماع المؤمنين من الامة، دون غيرهم، لان (1) قول المؤمنين لما لم يكن متميزا، وجب (2) اعتبار إجماع الكل ليدخل ذلك فيه. فصل في الاجماع هل هو حجة في شئ مخصوص أو في كل شئ ؟ اعلم أن كل شئ أجمعت (3) عليه الامة لابد من كونه غير خطأ، وإن لم يكن خطأ، فلابد من كونه صوابا، وما هو صواب على ضربين (4): فمنه ما يصح أن يعلم بإجماعهم، وهذا القسم هو الذي يكون إجماعهم حجة فيه. فأما ما لا يمكن أن يعلم بإجماعهم (5)، فقولهم ليس بحجة فيه، وإن كان صوابا، وكون الشئ حجة كالمنفصل من كونه صوابا (6) لان كونه صوابا يرجع إليه، وكونه حجة يرجع إلى غيره.


1 – ب: الا ان. * 2 – الف: + علينا. 3 – ج: اجتمعت. * 4 – ب: امرين. 5 – ب وج: – وهذا القسم، تا اينجا. 6 – ج: – وكون، تا اينجا. (*)

[ 626 ]

فأما الذي يكون إجماعهم فيه حجة (1): فهو كل أمر صح أن يعلم بإجماعهم. والذي لا يصح أن يعلم بإجماعهم ما يجب أن تتقدم (2) معرفته على معرفة صحة الاجماع، كالتوحيد والعدل وما أشبههما (3) وإذا كنا إنما نرجع (4) في كون الاجماع حجة إلى قول الامام المعصوم الذي لا يخلو كل زمان منه، فيجب أن نقول (5): كل شئ تقدمت معرفة (6) وجوب وجود الامام المعصوم في كل زمان له (7)، فقول الامام حجة فيه، والاجماع الذي يدخل هذا القول فيه أيضا حجة في مثله (8). فأما ما لا (9) يمكن المعرفة بوجود (10) الامام المعصوم قبل المعرفة به، فقوله ليس بحجة فيه، كالعقليات كلها. والذي يمكن على أصولنا المعرفة به من طريق الاجماع أوسع وأكثر مما يمكن أن يعلم بالاجماع على مذهب مخالفينا، لانهم إنما يعلمون بالاجماع (11) الاحكام الشرعية خاصة، ونحن


1 – ب وج: حجة فيه. * 2 – ب وج: يتقدم. 3 – الف: – وما اشبههما. * 4 – ج: يرجع. 5 – ج: يقول. * 6 الف وب: معرفته، الف: + و. 7 – ب: – له * 8 – ج: مثل. 9 – ج: – لا. * 10 – ج: لوجود. 11 – ج: – على مذهب، تا اينجا. (*)

[ 627 ]

نتمكن من (1) أن نعلم بالاجماع زائدا على ذلك فرضا وتقديرا (2) النبوة والقرآن وما شاكل ذلك من الامور التي يصح أن يتقدمها (3) العلم بوجوب الامامة. ولو أجمعت (4) الامة في شخص بعينه أنه نبيهم، وفي كلام بعينه أنه كلام الله سبحانه، لعلمنا صحتهما (5)، لسلامة الاصل الذي أشرنا إليه، وصحة تقدمه على هذه المعرفة. وعلى هذا يصح على مذاهبنا أن يعلم صحة الاجماع وكونه حجة من يجهل صحة القرآن ونبوة نبينا صلى الله عليه وآله، لان أصل (6) كونه حجة لا يفتقر إلى العلم بالنبوة والقرآن، وعلى مذهب مخالفينا لا يصح ذلك، لان الكتاب والسنة عندهم هما أصل كون الاجماع حجة. واختلفوا في إجماعهم على ما يرجع إلى الآراء في الحروب وما جرى مجراها: فذهب قوم إلى أن خلافهم في ذلك لا يجوز أيضا -، واعتمدوا على أن الادلة حرمت مخالفتهم عموما، وجوز آخرون أن يخالفوا فيه، وقالوا ليس يزيد حالهم على حال الرسول


1 – ج: – من. * 2 – الف: تقريرا. 3 – الف: تقدمها. * 4 – الف وج: اجتمعت. 5 – ب: صحتها. * 6 – ب: الاصل. (*)

[ 628 ]

صلى الله عليه وآله. * والصحيح أن كل ما لا يجوز خلاف الرسول أو الامام فيه لا يجوز خلاف الاجماع أيضا فيه، لان المرجع في أن الاجماع حجة لا تجوز (1) مخالفته إلى أنه مشتمل على قول الحجة من الامام (2) أو من جرى مجراه (3)، وخلاف النبي صلى الله عليه وآله في آراء الحروب لا يجوز، لانها صادرة عن وحي، ولها تعلق قوي بالدين، ولو رجعت إلى آرائه في نفسه، لم يجز مخالفته فيها، لاجل التنفير (4)، وكذلك آراء الامام فيما يتعلق بالسياسات الدينية والدنيوية لا يجوز مخالفتها (5)، لانها تنفر عنه، وتضع منه. وينقسم الاجماع إلى أقسام: وهي (6) أن يجمعوا على الشئ قولا أو فعلا أو اعتقادا أو رضا به. وقد ينفرد كل واحد من هذه الاقسام، وقد يجتمع مع غيره. ولا يجوز أن يجمعوا على الذهاب عن علم ما يجب أن (7) يعلموه (8)، والوجه في ذلك أن إخلالهم بالواجب يجري في (9) استحقاق الذم والعقاب به (10) مجرى فعل القبيح، وإذا كان


1 – ب وج: يجوز. * 2 – ج: امام. 3 – ب وج: مجراهم. * 4 – ج، التفسير. 5 – ج: مخالفتهما. * 6 – الف: هو. 7 – ج: من. * 8 – الف: يعلمونه. 9 – ب: مجرى. * 10 – الف: – به. (*)

[ 629 ]

المعصوم لا يجوز عليه الامران، منعنا ذلك في كل جماعة يكون هذا المعصوم فيها. فأما من استدل من مخالفينا على صحة الاجماع بالخبر، وطعن في دلالة الآيات، فيلزمه تجويز الذهاب عما يجب علمه عليهم، لان الخبر إنما نفى أن يجمعوا على خطأ، ولم يتضمن نفي الاخلال بالواجب، ولفظه لا يقتضيه. فأما ما لا (1) يجب أن يعرفوه، ولم ينصب لهم دليل عليه، فيجوز ذهابهم عن علمه. ولا يجوز أن تجتمع (2) الامة على الخطأ في (3) مسألتين، كما لا يجوز أن تجتمع على الخطأ في (4) مسألة واحدة. ودليل هذه المسألة على مذهبنا واضح، لان تجويز ذلك يؤدي إلى خطاء المعصوم، لانه إذا كان لابد من أن يكون إما في هذه الطائفة أو في الاخرى، وكل واحد منهما مخطئة (5)، فهو مخطئ. وأما (6) مخالفونا في علة الاجماع، فإنما يعتمدون في نفى الخطأ عن الامة، وإن كان في مسألتين على أن يقولوا (7): إن النبي صلى الله عليه وآله نفى


1 – ج: – لا. * 2 – ب وج: يجتمع. 3 – ب: + كل. * 4 – ج: – مسألتين، تا اينجا. 5 – ج: مخطبة. * 6 – ب وج: فاما 7 – ج: انا نقول. (*)

[ 630 ]

الخطاء عن أمته نفيا عاما، ولم يفرق بين المسألة والمسألتين، فيجب نفي الكل (1). فصل في ذكر من يدخل في الاجماع (2) الذي هو حجة اعلم أن الكلام في هذه المسألة (3) – على أصولنا في علة كون الاجماع حجة – كالمستغنى عنه، لان الاجماع إذا كان علة كونه (4) حجة كون الامام فيه، فكل (5) جماعة – كثرت أو قلت – (6) كان قول الامام في جملة أقوالها، فإجماعها حجة، لان الحجة إذا كانت (7)، هو قوله، فبأي شئ اقترن (8)، لا بد (9) من كونه حجة، لاجله، لا (10) لاجل الاجماع. وقد اختلف قول من خالفنا في هذه المسألة:


1 – ب: – فيجب نفى الكل. * 2 – ب: + و. 3 – الف: هذا الباب. * 4 – ب: – كونه. 5 – ج: وكل. * 6 – الف: + و. 7 – الف وب: كان. 8 – ج: اقترنت. 9 – ج: فلابد. * 10 – ب: – لا. (*)

[ 631 ]

فمنهم من قال: إن الاجماع الذي هو حجة هو إجماع جميع الامة (1) المصدقة بالرسول عليه السلام (2)، ومنهم من قال: بل هو إجماع المؤمنين خاصة، وفيهم من ذهب إلى أن الاجماع الذي هو حجة (3) هو إجماع الفقهاء. ولا معنى لخوضنا (4) في هذا الخلاف، لان اصولنا تقتضي (5) سواه، وقد بينا ما يجب أن يعتمد. واختلفوا في الواحد والاثنين إذا خالفا ما عليه الجماعة: فمنهم من قال: لا (6) يعتد (7) بخلاف واحد واثنين، لانه شاذ خارج عن قول الجماعة، ومنهم من قال: إن خلاف الواحد والاثنين يخرج القول من أن يكون إجماعا. وهذا القول الثاني أشبه بالصواب على مذاهبهم، لان الاجماع الذي هو حجة إذا كان هو إجماع الامة أو (8) المؤمنين، فخروج بعضهم عنه يخرجه عن (9) تناول الاسم. والذي يجب أن نعول (10) عليه في هذه المسألة أن نقول: ليس


1 – ب: الاية. * 2 – ب: عليهم السلام. 3 – ب وج: الحجة. * 4 – ج: لخصوصنا. 5 – ب وج: يقتضى. * 6 – ب: + لا. 7 – الف: يعتبر. * 8 – الف: و. 9 – ج: من. * 10 – ب: يعول، ج: يقول. (*)

[ 632 ]

يخلو الواحد والاثنان المخالفان لما عليه الجماعة من أن يكون (1) إمام الزمان المعصوم أحدهما قطعا أو تجويزا، أو يعلم أنه ليس بأحدهما قطعا ويقينا: والقسم الاول يقتضي أن يكون قول الجماعة – وإن كثرت – هوا الخطأ، وقول الواحد والاثنين – لاجل اشتماله (2) على قول الامام – هوالحق والحجة (3). فأما القسم الثاني فإنا لا نعتد فيه بقول الواحد والاثنين، لعلمنا بخروج قول الامام عن قولهما، وأن قوله في أقوال تلك الجماعة، بل نقطع (4) على أن إجماع تلك الجماعة (5) – وإن لم تكن (6) جميع الامة – هوالحق والحجة (7)، لكون الامام فيه، وخروجه عن قول من شذ عنها، وخالفها. ومن تأمل كلامنا في هذا الفصل، وما حققناه وفصلناه (8) من (9) سبب كون (10) الاجماع حجة و (11) علته (12)، علم استغناءنا (13) عن الكلام


1 – ج: – يكون. * 2 – ج: احتماله. 3 – ب وج: – والحجة. * 4 – ب: يقطع. 5 – ج: – بل نقطع، تا اينجا. * 6 – الف وج: يكن. 7 – ب وج: فالحجة. * 8 – ب: فصلنا. 9 – ب: + كون. * 10 – ب: – كون. 11 – الف: – و. * 12 – الف: عليه. 13 – ب: استغنا. (*)

[ 633 ]

فيما (1) تكلم مخالفونا عليه في كتبهم من أقسام الاجماع، وما يراعى فيه، إجماع الامة كلها، أو العلماء، أو الفقهاء، وما بينهم في ذلك من الخلاف، فإن خلافهم في ذلك إنما ساغ (2) لان أصولهم في علة كون الاجماع حجة غير أصولنا، ففرعوا (3) الكلام بحسب أصولهم، ونحن مستغنون عن الكلام في تلك الفروع. لان أصولنا لا تقتضيها (4)، وقد بينا من (5) ذلك ما يرفع الشبهة. * فصل في أن إجماع أهل (6) كل الاعصار حجة اعلم أن القطع على أن إجماع كل عصر فيه الحجة لا يتم إلا على أصولنا، لان تعليل كون الاجماع حجة يقتضي عندنا استمرار حكمه في كل عصر. ومخالفونا في تعليل كون الاجماع حجة لايتم لهم ذلك، لانهم يرجعون فيه إلى أن الله تعالى علم من حال جماعتهم من نفي الخطأ ما لم يعلمه (7) من الآحاد،


1 – الف: عما. * 2 – ب: شاع. 3 – ب: تفزعوا. * 4 – ب وج: يقتضيها. 5 – الف: في. * 6 – ب وج: – اهل. 7 – الف: نعلمه. (*)

[ 634 ]

فمن أين لهم استمرار هذا الحكم في كل عصر ؟ ! وقد ألزمناهم – إذا كانوا مستدلين بالآية – أن يراد بلفظة (1) (المؤمنين) (2) – إذا حملت على العموم – كل مؤمن إلى أن تقوم (3) الساعة على الاجماع، ومتى خصوا بذلك (4) أهل كل عصر، كانوا تاركين للظاهر، و (5) غير منفصلين ممن حمل ذلك على بعض مؤمني كل عصر. وكذلك الكلام عليهم إذا استدلوا بالخبر. فوضح ما قلناه. فصل في أن (6) انقراض العصر غير معتبر (7) في الاجماع اعلم أن علة كون الاجماع فيه الحجة – على ما ذهبنا (8) – يبطل اعتبار انقراض العصر، ولمن ذهب من مخالفينا إلى أن للاجماع (9) تأثيرا (10) أن يقول: الدلالة قد دلت على أنه إنما كان حجة لكونه إجماعا، وهو قبل انقراض العصر بهذه الصفة، فلا معنى لاعتبار غيرها.


1 – الف: بلفظ. * 2 – الف: مومنين. 3 – ج: يقوم. * 4 – الف: – بذلك. 5 – ج: – و. * 6 – ب: – ان. 7 – ج: المعتبر. * 8 – ب وج: مذاهبنا. 9 – ب: للاجتماع. * 10 – الف وج: تأثير. (*)

[ 635 ]

فصل في أن الاجماع بعد الخلاف هل يزيل حكم الخلاف أم لا ؟ اختلف الناس في هذه المسألة: فذهب قوم إلى أن حكم الخلاف باق لا يزول بالاجماع الثاني، وقال آخرون: إن الاجماع على أحد القولين يمنع من القول بالآخر، ويجرونه مجرى الاجماع المبتدإ في المنع من خلافه، وفيهم من فصل بين أن يكون المجمعون ثانيا هو المختلفون أولا: فقال: إذا كان المجمعون هم (1) المختلفون، كان إجماعا يمنع من القول الآخر، وإن كانوا (2) غيرهم، لم يكن كذلك. وقد حكي عن بعضهم أنه منع من (3) وقوع إجماع بعد اختلاف أصلا. والصحيح أن الاجماع بعد الخلاف كالاجماع المبتدإ في أنه حجة يمنع من الخلاف على كل حال، لان علتنا في كون الاجماع حجة تقتضي (4) ذلك، ولا تفرق (5) بين


1 – الف: هو. * 2 – ب: إذا كان. 3 – ب: – من. * 4 – ب وج: يقتضى. 5 – الف وج: نفرق. (*)

[ 636 ]

إجماع (1) تقدمه خلاف أو كان مبتدأ. وإنما ضاق الكلام وقويت (2) الشبهة في هذه المسألة على مخالفينا، لقولهم بصحة الاجتهاد، لان عمدة من نفي أن يكون الاجماع بعد الخلاف قاطعا (4) للخلاف هي (5) أن الخلاف الاول متضمن (6) لاجماعهم على جواز القول بكل واحد من المذهبين (7) مطلقا، فإذا حرمنا ذلك بالاجماع الثاني، نقضنا (8) كون الاجماع الاول حجة، وإذا ادعي كون الاول (9) مشروطا، جاز أن يدعى في الثاني أيضا الشرط، فيقف الكلام هيهنا، أو يشتبه. وعلى مذهبنا لا يلزم (10) شئ من (11) ذلك، لانا لا (12) نعلم (13) أن المختلفين على قولين مجمعون على جواز القول بكل واحد منهما، لان عندنا أن الاجتهاد باطل، وأن الحق


1 – الف: الاجماع. * 2 – الف: قوت. 3 – الف + و. * 4 – ج: قاطلا. 5 – الف: – قاطعا للخلاف هي، + بين. 6 – الف: يتضمن. * 7 – الف: المؤمنين. 8 – ب وج: نقضا. * 9 – ج: – الاول. 10 – ج: + من. * 11 – ج: – من. 12 – الف: – لا. 13 – ج: نم، والظاهر انه اختصار (نسلم)، ولعله احسن. (*)

[ 637 ]

مدلول عليه، وأن من جهله غير معذور، فمن سوغ لمخالفه (1) أن يقول بخلاف مذهبه من المختلفين مخطئ عندنا. فبطل ما ادعاه من إجماع المختلفين على جواز القول بكل واحد من القولين، وبطلت الشبهة التي هي أم شبههم. وأما (2) من منع من وقوع إجماع بعد اختلاف، فإنه متى طولب بدلالة على ما ادعاه (3) لم يجدها، وإنما هو تحكم (4) محض. وقد أبطل هذا القول بأن ذكرت مسائل كثيرة في الشريعة وقع (5) فيها خلاف، ثم (6) اجتمعوا على قول واحد فيها. فصل في أن الامة إذا اختلفت على قولين أو أكثر فإنه لا يجوز إحداث قول آخر اعلم أن أكثر الناس على أنه لا يجوز إحداث قول (7) زائد،


1 – الف: المخالفة. * 2 – الف: فاما. 3 – ب: مدعاه. * 4 – ب: بحكم. 5 – الف: – وقع. * 6 – ب: – خلاف ثم. 7 – ج: + اخر. (*)

[ 638 ]

وذهب قوم (1) من المتكلمين وأصحاب الظاهر من الفقهاء إلى أن ذلك يجوز، ويعتلون (2) بأنه لو لم يجز، لكان الاختلاف في أنه حجة كالاجماع. ويقولون أيضا (3): إذا جاز في الوقت إحداث قول زائد، فكذلك فيما بعد. وعلى مذهبنا المنع من ذلك بين (4)، لان الامة إذا اختلفت على قولين، فالحق واحد منهما، والآخر باطل، وإذا كان الثاني بهذه الصفة، فأولى (5) أن يكون كذلك الثالث وما زاد عليه. ولانه لا يخلو من أن يكون الحق في جملة أقوال المختلفين (6)، أو فيما عداها، والاول يقتضي أن الزيادة باطلة لانها خلاف الحق، والقسم الثاني يقتضي أن يكونوا قد أجمعوا على الذهاب عن الحق، وذلك – ايضا باطل. ومن يقول بالاجتهاد يضيق (7) عليه هذا الموضع، لانه لا يسلم له أن الامة إذا اختلفت على قولين فإنها محرمة للقول (8) الثالث على كل حال، بل إنها


1 – ج: – قوم. * 2 – ج: تعتلوا. 3 – الف: – ايضا. * 4 – ج: يبين. 5 – ج: فالاولى. * 6 – ج: – المختلفين. 7 – ج: مضيق. * 8 – ب وج: القول. (*)

[ 639 ]

محرمة بشرط أن لايؤدي الاجتهاد إليه، ويجب أن يجوزه (1) إذا أدى الاجتهاد إليه. وهذه جملة كافية. فصل في أن الصحابة إذا اعتلت بعلتين أو (2) استدلت بدليلين هل يجوز لمن بعدهم أن يعتل أو يستدل بغير ذلك اعلم أن الدلالة بخلاف المذهب، والصحيح أنه يجوز أن يستدلوا في المسألة (3) بدليل أو اثنين (4). * فيزيد من بعدهم على ذلك طريقة أخرى، لان الدليل الثاني كالاول في أنه يدل على الحكم، ويوصل إليه، فلو أبطلناه لذهابهم عنه، لكان ذلك مبطلا لدليلهم أيضا، وقد يجوز أن يستغنوا عنه بدليل (5) غيره، لقيامه مقامه (6). ولا يجوز ذلك في المذهب، لان الحق واحد (7)


1 – الف: نجوزه. * 2 – ب: و. 3 – ب: – في المسالة. * 4 – ج: ايتين. 5 – ب: + عن، ج: + من. * 6 – ج: – مقامه. 7 – ب: واحدا. (*)

[ 640 ]

لا يختلف، ولا يقوم غيره مقامه (1). وكذلك القول في القدح و (2) إبطال الاستدلال: إنه يجوز أن يزيد المتأخرون (3) على ما سطره المتقدمون. فأما تأويل الآي، وتخريج معاني الاخبار، فكل (4) من صنف أصول الفقه يجعل حكم ذلك حكم المذاهب، لا حكم الادلة، ولا يجوز أن يزيد المتأخر على ما بلغ إليه المتقدم. والاقوى في نفسي أن ذلك جائز، كما جاز (5) في الادلة، فإن تأويل الآي لا يجري مجرى المذهب، بل هو بالادلة أشبه. والذي يوضح عما ذكرناه أنا إذا تأولنا قوله تعالى -: (وجوه يومئذ ناضرة (6) إلى ربها ناظرة (7)) على أن المراد بها (8) الانتظار، لا الرؤية، وفرضنا أنه لم ينقل عن المتقدمين إلا هذا الوجه، دون غيره (9)، جاز للمتأخر أن يزيد على هذا التأويل (10)، ويذهب إلى أن المراد أنهم ينظرون


1 – ب: – مقامه. * 2 – ب: – و. 3 – ب: المتأخر. * 4 – ج: وكل. 5 – ج: – كما جاز. * 6 – الف: ناظرة. 7 – الف: ناضرة. * 8 – الف: – بها. 9 – ب: + الا. * 10 – ج: – التأويل. (*)

[ 641 ]

إلى نعم الله، لان الغرض في التأويلين جميعا إنما هو (1) إبطال أن يكون الله تعالى في نفسه مرئيا، والتأويلان معا مشتركان في دفع ذلك، وقد (2) قام كل واحد مقام صاحبه في الغرض المقصود، وجرت (3) التأويلات مجرى الادلة في أنه يغني بعضها عن بعض، وخالفت (4) في هذا الحكم المذاهب. فصل في أن الاجماع على أنه (5) لا فصل بين المسألتين هل يمنع من (6) الفصل بينهما اعلم أن هذه المسألة تنقسم (7) إلى قسمين: أحدهما أن يجمعوا على أنه لا فصل بين مسألتين في حكم معين من تحليل أو تحريم، والقسم الآخر أن يجمعوا على أنه لا فصل بينهما في الحكم أي حكم كان: والقسم (8) الاول لا شبهة في تحريم المخالفة فيه، لان إجماعهم


1 – الف: – انما هو. * 2 – ب: + كان. 3 – ج: وجدت. * 4 – الف: خالف. 5 – ب وج: – على انه. * 6 – ب: – من. 7 – ج: ينقسم. * – الف: فالقسم. (*)

[ 642 ]

على أنه لا فصل بين مسألتين في تحريمه (1) هو إجماع على حكم من الاحكام، ويجري مجرى إجماعهم على تحريم أو تحليل، فمن فرق بين المسألتين، فقد خالف إجماهم لا محالة، ويجري (2) مجرى مخالفي كل إجماع. وأما المسألة (3) الثانية، وهي أن يجمعوا على أنه لا فصل بينهما في الحكم من غير تعيين، فهو أيضا جار مجرى الاول في تحريم المخالفة، وإن استند (4) ذلك إلى دليل سوى الاجماع، لانه إذا علم بدليل آخر أن ذلك الحكم هو التحريم، صار كنصهم على أن (5) لا فرق في التحريم بينهما. ومثال هذا الوجه الاخير (6) ما روي عن ابن سيرين من (7) أنه قال في زوج وأبوين: أن للام ثلث (8) ما بقي، وقال في امرأة وأبوين: أن (9) للام ثلث جميع المال، فخالف (10) كل من تقدم، لان الناس قبله كانوا بين مذهبين:


1 – الف: تحريم. * 2 – الف: تجرى. 3 – الف: – المسألة. 4 – ب: اسند، ج: استدل. 5 – ب: انه. * 6 – ب: – الاخير. 7 – الف: – من. * 8 – الف: الثلث. 9 – ج: – ان. * 10 – ب وج: يخالف. (*)

[ 643 ]

أحدهما أن للام ثلث المال في المسألتين، والمذهب الآخر أن لها ثلث ما بقي في المسألتين، ففرق ابن سيرين بين ما لم يفرقوا بينه. وحكي عن الثوري: أنه كان يقول: إن الجماع مع النسيان يفطر، وإن (1) الاكل مع النسيان لا يفطر، ففصل (2) بينهما، وجميع الفقهاء على خلافه (3)، لان من فطر بأحدهما (4)، فطر بالآخر، ومن لم يفطر بأحدهما (4) لم يفطر بالآخر. فصل في أن إجماع أهل المدينة ليس بحجة وتجوز (5) مخالفته حكي عن مالك أنه كان يجعل إجماع أهل المدينة حجة، وفي أصحابه من ينكر ذلك، ويقول: إن روايتهم مرجحة على رواية غيرهم. والذي نقوله (6) أنه (7) إن كان إمام الزمان الذي قد دلت


1 – ب: – ان. * 2 – ب: يفصل، ج: ويفصل. 3 – ج: خلاف ذلك. * 4 – ب: باحديهما. 5 – ب وج: يجوز. * 6 – ب: يقوله. 7 – ج: – انه. (*)

[ 644 ]

الادلة على عصمته مقيما في المدينة، فإجماع أهلها حجة لهذه العلة، لا لشئ يرجع إليها، لانه لو انتقل عنها إلى غيرها، زال هذا الحكم، فلا تأثير للمدينة. ومن خالفنا (1) في ذلك يقول (2): إن الله تعالى جعل الاجماع حجة، وليس أهل المدينة كل الامة، ولاهم أيضا كل المؤمنين ولا (3) كل العلماء، فيما يراعى فيه إجماع العلماء. وما يروى من تفضيل النبي لها، والثناء عليها لا يدل (4) على (5) أن إجماع أهلها هو الاجماع، وأن الخطأ لا يجوز عليهم، ولا تعلق له بذلك. فإن قيل: فلو فرضنا أن الرسول عليه السلام قال: (إجماع أهل المدينة (6) حجة) كيف كان يكون الحكم ؟ قلنا (7): لو وقع هذا القول، لدل على أن إجماعهم حجة، وإن انتقلوا إلى الكوفة. فإن قيل: فلو قال – عليه السلام -: الخطا لا يقع منهم ماداموا في المدينة. قلنا: ليس ينكر ذلك غير أنه ما جرى (8) هذا الذي قدرتموه (9).


1 – ب وج: + يقول. * 2 – ب وج: – يقول. 3 – ج: – لا. * 4 – ج: لابد. 5 – ج: – على. * 6 – ج: – المدينة. 7 – ج: قلت. * 8 – ب: + القول. 9 – الف: قررتموه. (*)

[ 645 ]

فصل في أن (1) موافقة إجماع الامة لمضمون خبر هل يدل على أنهم عملوا به ومن اجله اعلم أنه لا يجوز أن تجمع (2) الامة على حكم من الاحكام إلا بحجة (3) توجب العلم، لان من (4) جملة (5) المجمعين من لا يجوز عليه الخطأ، ولا ترك الواجب، فإذا (6) ظهر بينهم خبر واحد وعملوا بما يوافق مضمونه * فليس يجوز أن يقطع على أن جميعهم إنما عمل لاجله، للعلة التي ذكرناها، وإن كان متواترا يوجب العلم، ولم يظهر سواه بينهم: فالاولى أن يكون عملهم لاجله. و مخالفونا في علة كون الاجماع حجة يقولون: يمكن أن يكونوا ذهبوا إلى ذلك الحكم المخصوص (7) لاجل اجتهاد أداهم إليه، أو لاجل خبر آخر لم يظهر بينهم، للاستغناء بالاجماع عنه، فلا يجب القطع على أنهم عملوا لاجل هذا الخبر الظاهر. وهذا منهم قريب (8).


1 – ب: – ان. * 2 – الف: تجتمع، ج: يجمع. 3 – ب: لحجة. * 4 – ج: في. 5 – ب: – جملة. * 6 – ب وج: وإذا 7 – الف: – المخصوص. * 8 – هكذا في النسخ، ولعل الاصل (غريب). (*)

[ 646 ]

فصل في هل يجوز أن يجمعوا على الحكم من طريق الاجتهاد أو لا (1) يجوز ذلك (2) اعلم أن هذه المسألة فرع على القول بصحة الاجتهاد، وأنه طريق إلى العلم بالاحكام (3)، وأن الله تعالى قد تعبدنا به، ومن دفع العبادة بالاجتهاد، وأن يكون طريقا إلى العلم بالاحكام، لا كلام له في هذا الفرع. وسندل على أن الاجتهاد في الشريعة باطل، عند البلوغ إلى الكلام فيه، بإذن الله تعالى (4) ومشيته. و (5) إنما (6) يتكلم في هذه المسألة من ذهب إلى العبادة بالاجتهاد. وليس لاحد أن يقول: (7) لم لا تجوزون (8) وإن لم (9) نتعبد (10) بالاجتهاد (11) أن يجمعوا (12) مخطئين على حكم من الاحكام من جهة الاجتهاد.


1 – ج: اولى. * 2 – ب: – ذلك. 3 – ب وج: والاحكام 4 – الف وج: – تعالى. 5 – ج: – و. * 6 – ب: لهذا. 7 – ج: + و. * 8 – ب وج: يجوز. 9 – الف: – لم. * 10 – ب: يتعبد. 11 – ب: + و. * 12 – ج: يجمعون. (*)

[ 647 ]

قلنا: يمنع من ذلك أنه إجماع منهم على الخطأ، وقد بينا أنهم لا يجمعون على خطأ (1)، لان في جملتهم من لا يجوز عليه الخطأ، و (2) إذا كان بين الامة اختلاف في صحة الاجتهاد، وأنه طريق إلى العلم، بطل تقدير هذه المسألة، لان الاجماع إذا كان هو (3) إجماع جميع الامة، وفيهم من ينفي القياس والاجتهاد، فلا سبيل إلى أن يكونوا مجمعين (4)، وهذه حالتهم (5)، على حكم واحد من طريق الاجتهاد. واعتلال المخالفين في هذا الموضع بقولهم: (إن نفاة القياس قد تناقض، وتستعمل القياس وهي لا تشعر) تعلل منهم بالباطل، لان هذا إن جاز، فإنما يجوز على الواحد والاثنين، ولا يجوز على الجماعة التى تحصل، وتفطن (6)، وتشقق الشعر في التدقيق والتحقيق، وهذا رمى منهم للقوم بالغفلة، وقلة الفطنة. وتعللهم أيضا بأن الخلاف في خبر الواحد كالخلاف في القياس، وقد يجمعون لاجله، باطل أيضا، لانا لا (7) نجيز (8) على


1 – ج: الخطأ. * 2 – ج: – و. 3 – ج: – هو. * 4 – ج: مجتمعين. 5 – ب وج: حالهم. * 6 – ب: تفطر. 7 – الف: – لا. * 8 – ب: نخير. (*)

[ 648 ]

من يخالف في خبر الواحد أن يجمع على حكم من الاحكام لاجله في موضع من المواضع، فالمسألتان واحدة. فأما العموم، وإن (1) وقع خلاف في أن وضع اللغة يقتضي الاستغراق، فلا خلاف في أن العرف الشرعي يقتضيه، ومن ارتكب أنه لا عرف في العموم لغوي ولا شرعي لا يصح أن يستدل بظاهر العموم، بل بقرينة ودلالة. فأما تعلق من أبى الاجماع على الحكم من طريق الاجتهاد بأن الاجماع مقطوع به، وما طريقه الاجتهاد (2) لا (3) يقطع عليه، فليس بشئ، لانه غير ممتنع أن يصير (4) على بعض الوجوه ما ليس بمقطوع به مقطوعا عليه، ويتغير الحال فيه، لان الحاكم إذا حكم بما طريقه الاجتهاد، اقتضى حكمه القطع، وإن كان الاصل الذي هو الاجتهاد ليس بمقطوع به. فأما ادعاؤهم في أحكام كثيرة أنهم أجمعوا عليها من طريق الاجتهاد، كإجماعهم على قتال أهل الردة بعد الاختلاف، وأن


1 – الف: فان. * 2 – ب: – بان، تا اينجا. 3 – ج: دون، بجاى لا. * 4 – ج: يصر. (*)

[ 649 ]

الاتفاق لا وجه له إلا الاجتهاد (1)، وكذلك الاتفاق على (2) إمامة أبي بكر بعد الاختلاف، وطريقها الاجتهاد، فليس بمرضي، ومن أين لهم أن الاتفاق على قتال أهل الردة لم يكن إلا عن اجتهاد، وله وجه في نصوص القرآن قد تعلق بها (3) ؟ !. وأما (4) إمامة أبي بكر، فإذا سلم (5) الاجماع باطنا وظاهرا عليها، فغير مسلم أنه عن (6) اجتهاد والبكرية تزعم أنها كانت عن نص (7) من الرسول عليه السلام – على إمامته. وأجد كثيرا (8) من مصنفي أصول الفقه يمتنع (9) من القول بجواز أن تجمع (10) الامة على الشئ تبخيتا (11) أو تقليدا. وفي الفقهاء من يجيز (12) ذلك، ويصرح بأن (13) إجماعهم قد يكون (14) تارة عن توقيف، وأخرى عن توفيق، وعلى أصولهم يجب أن يكون


1 – ب: – كاجماعهم، تا اينجا. * 2 – ج: – على. 3 – الف: – قد تعلق بها. * 4 – ب وج: فاما. 5 – ج: اسلم. * 6 – ج: من. 7 – ج: نفس. * 8 – ج: واحدا كثير. 9 – الف: يمنع. * 10 – ج: يجتمع. 11 – الف: تخمينا. * 12 – ب: يختر. 13 – ب: ان. * 14 – ب: – قد يكون. (*)

[ 650 ]

ذلك جائزا لايمنع منه مانع، وإذا جاز (1) الخطأ على كل واحد منهم، وجاز أن يعلم الله تعالى في جماعتهم خلاف ذلك، وجاز (2) – أيضا أن يكون قول كل واحد يسوغ مخالفته، ولم يجز ذلك في الجماعة، فألا جاز أن يجمعوا على القول بالتبخيت (3) و التقليد إما من كلهم، أو من بعضهم، ويوجب الله سبحانه وتعالى اتباعه، وكونه حجة ؟ !، لان المعول هو ما يعلمه الله سبحانه من المصلحة، وهذا مما لا انفصال لهم عنه. فإن قيل كيف لا يلزمكم (4) أنتم مثل ذلك، وأنتم (5) تقولون: أن الاجماع حجة ؟ قلنا (6) يجوز أن يبخت (7) ويقلد (8) كل (9) من عدا الامام، فأما الامام نفسه، فذلك لا يجوز عليه، لانه قبيح، والقبيح (10) قد أمناه منه لعصمته (11)، فبان الفرق بيننا وبينكم في ذلك (12).


1 – ب: واجاز، بجاى وإذا جاز. * 2 – ج: – الخطأ، تا اينجا. 3 – الف: بالتخمين. * 4 – ج: يلزمهم. 5 – ب وج: – انتم. * 6 – ب: + لا. 7 – ب: تبخت. * 8 – ب وج: تقلد. 9 – ب: – كل. * 10 – ب: القبح. 11 – الف: – لعصمته. * 12 – ب: – في ذلك. (*)

[ 651 ]

فصل في القول إذا ظهر بين الصحابة ولم يعرف (1) له مخالف كيف حكمه ؟ اعلم أن القول إذا ظهر وانتشر، ولم يكن في الامة إلا قائل به (2) وعامل عليه، أو راض بكون ذلك القول * قولا له (3)، حتى لو استفتي، لم يفت إلا به، ولو حكم، لم يحكم إلا به، فهو الاجماع الذي لا شبهة في أنه حجة وحق. فأما إذا انتشر القول، ولم يكن فيه (4) إلا قائل به، أو ساكت عن النكير عليه، فقد اختلف الناس فيه: فذهب أكثر الفقهاء وأبو علي الجبائي إلى أنه إجماع وحجة، وذهب أبو هاشم وجماعة من الفقهاء: إلى أن ذلك حجة، وإن لم يكن إجماعا، وقال آخرون من الفقهاء: ليس ذلك بحجة (7) ولا إجماع، وإليه ذهب كثير من أهل الظاهر، وهو (8) مذهب أبي عبدالله (9) البصري، وهو الصحيح الذي لا شبهة فيه.


1 – الف: يعلم. * 2 – الف: من يلزمه، بجاى قائل به. 3 – ب: قوله. * 4 – ج: فيهم. 5 – الف: + أو ساكت به. * 6 – ب: + ا. 7 – ج: حجة. * 8 – الف: – هو. 9 – ب: + الحسن. (*)

[ 652 ]

وإنما قلنا: أنه الصحيح دون ما عداه، لان السكوت عن الانكار لا يدل على الرضا به، لانه قد يكون لامور مختلفة، ودواع (1) متبائنة، من (2) تقية، ورهبة، وهيبة، وغير ذلك من الاسباب المعتادة في مثله، وإنما يقتضي الرضا إذا علمنا أنه لا وجه له إلا الرضا، ولا سبب له (3) يقتضيه سواه، وإذا لم يدل الامساك عن (4) النكير على (5) الرضا، فلا دلالة فيه على وقوع الاجماع، ومن (6) رأى ممن يطعن على (7) هذه الطريقة أن كل مجتهد مصيب يقول زائدا (8) على ما ذكرناه: إن الامساك عن النكير إنما يدل على (9) أن ذلك الفعل أو القول ليس بمنكر، وقد يجوز أن لا ينكر القول على قائله، لاجل أنه صواب من القائل، وإن لم يكن عند من أمسك عن النكير صوابا في حقه، وقد يستصوب عند أهل الاجتهاد بعض الافعال من غيره، وإن لم يعتقد أنها صواب في حقه، وما يرجع إليه. ومن لا يرى صحة الاجتهاد لا يفصل بهذا (10) التفصيل، فإذا كان


1 – الف: دواعى. * 2 – الف: – من. 3 – ج: – له. * 4 – ج: على. 5 – ب: إلى. * 6 – ب: ممن. 7 – ب وج: في. * 8 – الف: بقول زائد. 9 – ب: – ما ذكرناه، تا اينجا. * 10 – ب وج: هذا. (*)

[ 653 ]

ترك النكير لا يدل على الرضا، فلا يجب أن نستفيده (1) منه، وإذا لم يقطع عليه، فلا إجماع في ذلك، ولا حجة. فأما تعويل (2) أبي هاشم وغيره في أنه حجة وإن لم يكن إجماعا على أن (3) الفقهاء يعتمدونه، ويعولون عليه، ويحتجون به، فليس بشئ، لانه غير مسلم لهم أن جميع الفقهاء يحتجون به. ثم لو سلم ذلك، لم يكن في فعلهم حجة، لان تقليدهم غير جائز. ومما طعن به على هذه الطريقة زائدا على ما ذكرناه أن قيل (4): الامساك عن النكير لا يدل على التصويب، لانه غير منكر أن يكون الممسك شاكا في كون ذلك منكرا، أو متوقفا، وإنما يجب أن ينكر المنكر إذا علمه منكرا. وما يقال على هذه الطريقة من أنه لا يجوز أن ينقرض العصر، ويمتد الزمان على هذا الشك والتوقف، ليس بمعتمد أيضا لان الشك قد يجوز أن يستمر لاستمرار أسبابه، ولضعف (5) الدواعي إلى تحقيق المسألة (6)، والقطع على الحق فيها. وكل هذه الامور التي


1 – ب وج: يستفيده. * 2 – ج: التعويل. 3 – ج: – ان. * 4 – الف: قبل. 5 – الف: تضعف. * 6 – الف: مسائله. (*)

[ 654 ]

يتعللون بها تقريبات لا تقتضي (1) قطعا، ولا توجب علما. فصل في حكم القول إذا وقع من الصحابي ولم يظهر ولم يعرف له مخالف اعلم أن في الفقهاء من يجري هذه المسألة مجرى الاجماع، وهذا بعيد جدا، لان القول إذا لم تقع (2) الثقة بسماع كل واحد (3) من العلماء له، وجوزنا أن يكون فيهم من لم يسمعه، فكيف يقطع على رضاهم به، أو وجوب إنكاره عليهم وهو لم يسمعوه ؟ ! ولم يبق إلا أن يقال: إذا نقل في الحادثة قول واحد، ولم ينقل سواه، وجب أن يكون هوالحق، لان الحق لو كان في غيره، لنقل، كما نقل هذا. وذلك أيضا لا يلزم، لانه لا يمتنع أن يكون المحق في هذه المسألة ما دعاه داع إلى أن يفتي بالحق فيها، فلا ينقل قوله، لانه لم يكن له قول يجب نقله. فإن (4) قدرنا أن الحاجة ماسة، والدواعي متوفرة إلى قول الحق فيها، و (5) مع هذا لم يظهر


1 – ب وج: يقتضى. * 2 – ب وج: يقع. 3 – ب وج: احد. * 4 – ج: قال. 5 – ب: أو. (*)

[ 655 ]

إلا قول واحد، فلا بد من شرط آخر زائدا على ما ذكروه، وهو أن لا يكون للمحق (1) مانع من إظهار الحق (2)، لانا إن جوزنا أن يكون هناك مانع، لم يقطع (3) على أن الحق فيما ظهر، دون ما لم يظهر. وهذه جملة كافية. فصل في هل يجوز مع اختلاف الصحابة اتباع بعضهم دون بعض اعلم أنه قد ذهب قوم من الفقهاء وغيرهم إلى أنه يجوز أن نأخذ (4) مع اختلاف الصحابة بقول بعضهم دون بعض، وجوزوا أيضا للعالم أن يقلد من هو أعلم منه، وامتنع آخرون من ذلك كله، وذهبوا إلى أنه لا يجوز لمن (6) يتمكن من العلم أن يقلد غيره، وأن يتبعه بغير دلالة، وهو الصحيح (7). ومعلوم أن هذه


1 – ج: للحق. * 2 – ب: – الحق. 3 – ب: – نقطع. 4 – هذا هو الظاهر، لكن في نسخة ب وج: يأخذ بصيغة الغائب، وفي نسخة الف بلا نقطة مميزة 5 – الف: بعضهم. * 6 – ب وج: – يجوز لمن. 7 – ج: صحيح. (*)

[ 656 ]

المسألة مبنية على القول بصحة الاجتهاد، وأن كل مجتهد مصيب، وأن الحق ليس في واحد من الاقوال، وإذا كنا لا نذهب إلى هذا الاصل، فلا معنى للكلام في التفريع عليه. وقد أجمع كل من نفى القياس والاجتهاد في الشريعة على أن ذلك لا يجوز. والذي نذهب (1) إليه أن على (2) السمعيات أدلة قاطعة توجب العلم كالعقليات، * وكما لا يجوز لاحد أن يقلد غيره في العقليات، كذلك لا يجوز في السمعيات، فالعلة الجامعة بين الامرين أنه متمكن من أن يكون (3) كالعالم بالنظر والفحص، وإذا تمكن من ذلك، لم يجز له التقليد، وإن جاز للمستفتي تقليد العالم، لانه لا يتمكن (4) من العلم، ولا مما يتمكن منه العالم. وفي هذا القدر كفاية (5). باب الكلام في القياس وما يتبعه ويلحق به. فصل يحتاج إلى تقديمه. اعلم أن الخلاف في القياس لما كان إنما يقع بين من جعله


1 – الف وب: يذهب. * 2 – الف وب: على ان. 3 – ج: تكون. * 4 – ب: يمكن. 5 – ب: – ولا مما، تا اينجا. (*)

[ 657 ]

دليلا شرعيا يدل على الاحكام (1) الشرعية كالنصوص، وبين من نفى كونه بهذه الصفة، وجب أن يقدم (2) أمام ذلك، الكلام في أن الاحكام الشرعية لا بد عليها من دليل، ثم نبين (3) هل يصح كون القياس دليلا على الاحكام الشرعية، أو لا يصح ذلك، وإذا صح، هل (4) ثبت كونه دليلا، أولم يثبت، لان أدلة الشرع على إجماع (5) واختلاف هي الكتاب والسنة المقطوع بها والاجماع وأخبار الآحاد والقياس، ولا خلاف في أن الكتاب والسنة المقطوع بها (6) دلالة على الاحكام. وقد دللنا على أن الاجماع أيضا كذلك. ودللنا في باب الكلام في الاخبار على أن خبر الواحد ليس بدليل شرعي، وإن جاز في العقل أن يكون كذلك. وسندل على ان القياس أيضا ليس بدليل على الاحكام، وإن جاز في العقل – لو تعبد الله به – أن يكون دليلا. ولا بد من الرد على من خالف في أنه لا بد في كل حكم شرعي من دليل عليه.


1 – ج: احكام. * 2 – ب: نتقدم. – ج: تبين. * 4 – ج: – صح هل. 5 – الف وب: اجتماع. * 6 – ب وج: عليها، الف: + عليه. (*)

[ 658 ]

فصل في أنه لا يجوز أن يفوض الله تعالى إلى (1) النبي عليه السلام (2) أو العالم أن يحكم في الشرعيات بما شاء إذا علم أنه لا يختار إلا الصواب اعلم أن الصحيح أن ذلك لا يجوز، ولا بد في كل حكم من دليل، و (3) لا يرجع إلى اختيار الفاعل (4)، والعلم بأنه لا يختار إلا الصواب غير كاف في هذا الباب. وخالف مويس (5) بن عمران في ذلك (6)، وقال: لا فرق بين أن ينص الله (7) على الحكم (8) وبين أن يعلم أنه لا يختار إلا ما هو (9) المصلحة، فيفوض ذلك إلى (10) اختياره. والذى استدل به في الكتب على هذه المسألة أنه لا بد في الشرع من دلالة مميزة للصلاح من الفساد، واختيار المكلف يجوز أن يتناول المفسدة، كما يتناول المصلحة، فلا تمييز (11) فيه.


1 – الف: – إلى. * 2 – الف: – ع. 3 – الف: – و. * 4 – الف: العاقل. 5 – الف: يونس. * 6 – ج: + ولافرق. 7 – الف: – الله، ج: له. * 8 – ج: + ويبين. 9 – الف: – ما هو. * 10 – الف: – إلى. 11 – الف: يتميز، ج: تميز. (*)

[ 659 ]

وربما حملوا ذلك على الاخبار: وأنه كما لا يجوز أن يتفق منه الاخبار بغير دلالة متقدمة بالصدق دون الكذب، فكذلك الاحكام، لا يجوز أن تتفق (1) منه بغير دلالة تميز الصلاح من الفساد. وربما (2) ألزموا (3) اختيار النبي صلى الله عليه وآله بغير معجزة ولا دلالة، بأن يعلم أنا لا نختار إلا من هو نبي (4). وهذا القدر غير كاف، لان (5) لمن خالف أن يقول: إن هيهنا دلالة مميزة، وهي قوله تعالى له (6): (قل ما شئت، فقد علمت أنك لا تقول إلا الصواب) لانه قد أمن بهذه الطريقة من الخطاء كما أمن بالنص على الحكم بعينه، وإنما الفرق بينهما أن أحدهما مجمل والآخر مفصل. وربما ارتكبوا في الاخبار ما ارتكبوه في الاحكام، و (7) في تميز النبي من المتنبي. وليس إذا فرق مويس (8) بين الاخبار


1 – ب وج: يتفق. * 2 – ب: انما. 3 – الف: التزموا. * 4 – الف: النبي. 5 – ب وج: و، بجاى لان. 6 – الف: – له. 7 – الف: – و. * 8 – الف: يونس. (*)

[ 660 ]

عن الاحكام (1) وبين غيرها من الاخبار لم يجز لغيره أن يسوي بين الكل، ولا تناقض (2). وقد كنت نصرت هذه الطريقة في كتبي، بأن قلت: إذا جعلتم أمارة كون الحكم صلاحا وصوابا الاختيار (3) له، جعلنا الكلام في نفس الاختيار (4): فنقول (5): الاختيار فعله (6)، ويمكن (7) عنده أن يكون قبيحا، إذا تعلق بقبيح، كما يمكن أن يكون حسنا، فبأي شئ نأمن (8) في هذا الاختيار أن يكون قبيحا، و هو إذا أقدم (9) عليه مخاطر، لانه (10) يجوز كونه قبيحا، والاقدام على ما يجوز الفاعل كونه قبيحا (11) كالاقدام على ما يعلمه قبيحا في القبح ؟ فإن قالوا: يأمن (12) من (13) ذلك بخبر الله تعالى له (14)


1 – ج: – عن الاحكام. * 2 – الف: يناقص. 3 – الف: بالاختيار. * 4 – الف: الاخبار. 5 – ج: فيقول. * 6 – الف: فعل. 7 – ب وج: ممكن. * 8 – ظ: يامن. 9 – ب: قدم. * 10 – ب: + لا. 11 – ج: – وهو إذا، تا اينجا. * 12 – الف وب: نامن. 13 – الف وج: – من * 14 – الف: – له. (*)

[ 661 ]

على الجملة أنه لا يختار ولا يقدم (1) إلا على (2) الحسن. قلنا: هذا الخبر إنما يفيده (3) حسن ما يقدم (4) عليه بعد فعله له، واختياره إياه، وهو يحتاج إلى أمارة مميزة قبل الاختيار، وقبل الفعل (5)، ليتميز (6) له القبيح من (7) الحسن قبل الفعل (8)، فيأمن (9) من الاقدام على ما يجوز كونه قبيحا، وإذا لم تتقدم (10) أمارة مميزة، وجعلتم الامارة له على حسن الفعل اختياره له، فبأي شئ يأمن (11) في (12) هذا (13) الاختيار أن يكون قبيحا، ولا أمارة مميزة متقدمة ؟. فإن قلتم: بأن يقال له: قد علمنا أنك لا تفعل اختيارا إلا وهو حسن. قلنا: هذا يقتضي أنه إنما يعلم حسنه بعد فعله له 14، وهو


1 – الف: يقدم، بتشديد الدال. * 2 – الف: – على. 3 – ب: يفسده. * 4 – الف وج: تقدم. 5 – الف: القول. * 6 – الف: يتميز. 7 – ج: عن. * 8 – ج: – الفعل. 9 – الف: فنأمن. * 10 – ج: يتقدم. 11 – الف: نامن. 12 – ب: – في. 13 – ب: هذه. * 14 – ب: – له. (*)

[ 662 ]

إذا فعله زال التكليف عنه فيه، وهو قبل أن يفعل مكلف لان يفعل الحسن والصلاح، فبأي شئ تميز (1) له قبل الفعل ما هو صلاح من غيره ؟، أو ليس هذا يقتضي إقدامه على ما لا يأمن أن يكون قبيحا ؟. ولما تأملت هذا الكلام، وجدته غير كاف، لان للمخالف أن يقول: الغرض أن يأمن المكلف من أن يفعل قبيحا أو مفسدة فيستحق الذم، * فأي (2) فرق بين أن يجعل له على ذلك أمارة قبل أن يفعل (3)، وبين أن تكون (4) الامارة على ذلك هي نفس الفعل ؟، وعلى الوجهين جميعا هو آمن من (5) فعل القبيح، ويتخلص من الذم. وليس يجب ما قيل من أن (6) الامارة إذا لم تتقدم (7) الفعل، كان مقدما (8) على ما لا يأمن (9) أن يكون قبيحا، لانه قبل أن يفعل، متى قيل له: قد علم أنك لا تختار (10) إلا الحسن، فهو آمن من الاقدام على القبيح قبل (11) الفعل أو بعده، غير أن


1 – ب وج: يميز. * 2 – ب: فباى. 3 – ب: الفعل، بجاى ان يفعل. * 4 – ب وج: يكون. 5 – ب: – من. * 6 – ج: – ان. 7 – ج: يتقدم. * 8 – ب: متقدما. 9 – ب: نأمن. * 10 – ج: يختار. 11 – ج: فعل. (*)

[ 663 ]

ذلك وإن جاز في الفعل الواحد أو الاثنين، فلن يجوز أن يكون المعلوم من حاله في كل أفعاله أنه لا يختار منها (1) إلا ما هو حسن ومصلحة من غير أمارة مميزة متقدمة، كما لا يجوز أن يكون المعلوم من حاله أنه لا يقع منه أبدا إلا الفعل المحكم اتفاقا من غير علم (2) تقدم. ولهذا يجوز في الامي (3) أن يقع منه (4) الحرف (5) والاثنان (6) إتفاقا، ولا يجوز أن يكتب الكثير بلا علم متقدم (7). وكذلك لا يجوز من المفحم (8) أن يأتي بالشعر الكثير أبدا (9) على سبيل الاتفاق من غير علم له تقدم (10) ذلك، وإن جاز أن يقول البيت الواحد وما جرى مجراه. فصار الكثير محالا، واليسير مجوزا. فقد بطل مذهب مويس (11) بن عمران على كل حال، لانه كان يذهب إلى جواز ذلك أبدا سرمدا على سبيل الاتفاق. فإن قيل: إذا كنتم اعتمدتم في كتب الامامة في فساد الاختيار


1 – ج: منهما. * 2 – الف: فعل. 3 – الف: الامن. * 4 – ب وج: – منه. 5 – الف: الخوف. * 6 – الف: الامان. 7 – ج: مقدم. * 8 – الف: المعجم، ب: المقحم. 9 – الف: – ابدا. * 10 – ب: بقدم. 11 – الف وج: يونس. (*)

[ 664 ]

للامام على أن عصمته تحيل اختيار الامة (1) له، وأبطلتم أن يكون المعلوم أنهم لا (2) يختارون اتفاقا إلا المعصوم بهذه الطريقة التي طعنتم الآن فيها، فيجب جواز اختيار الامام مع عصمته. قلنا: يمكن أن نقول هناك: إنا إذا قدرنا أن يقول الله تعالى لمن كلفه اختيار الامام: (قد علمت أنك لا يقع منك إلا اختيار المعصوم) إن هذا هو نص على الامام، وإن كان بواسطة، و إنما نمنع (3) من اختيار المعصوم (4) من غير استناد إلى هذا النص. على أن هذا (5) إن اتفق في بعض الائمة لا يجوز أن يتفق في كل إمام، كما قلناه في الكتابة، ونظم الشعر، وما أشبه ذلك. و أما (6) إلزامهم (7) الاخبار (8) عن الغائبات (9) بالصدق إتفاقا، من غير علم، واختيار الانبياء من غير معجز (10)، فيمكن أن يلتزموا ذلك في القليل دون الكثير، والمرة (11) الواحدة دون المرات، كما قلناه في الكتابة وغيرها.


1 – ب: تخيل اختبار الايمة. * 2 – ج: – لا. * 3 – ج: يمنع. 4 – ب: – ان هذا، تا اينجا. 5 – الف: + الوجه. * 6 – ب وج: فاما. 7 – الف: التزامهم. * 8 – ب: + الغائبات. 9 – ب: المغيبات. 10 – ج: عجز. 11 – ب: المن. (*)

[ 665 ]

وقد كنا اعتمدنا في بعض كتبنا عند الكلام على هذه الطريقة على أن التكليف بلا أمارة مميزة متقدمة قبيح، وإن علم المكلف أن المكلف (1) تتفق (2) الاصابة منه، وضربنا لذلك المثل بمن كلف غيره أن يخبره بما في البيت من غير أمارة. ويمكن أن يعترض على هذه الطريقة بأن العلم بالعواقب فينا متعذر، وأكثر ما يحصل لنا غالب الظن، وليس يقوم هيهنا الظن مقام العلم، ولو علمنا العاقبة (3)، وأنه لا يختار إلا الصواب، حسن التكليف. فإن قيل: حكم ما يقع به التمييز للمكلف حكم القدرة والتمكن في وجوب تقديم ذلك (4) على وقوع الفعل. قلنا: يمكن أن يقال: إن الذي يقع به التمكن في الموضع الذي ذكرناه أيضا متقدم، وهو إعلام الله تعالى له أنه لا يختار إلا الحسن، وما فيه المصلحة، وهذا دليل متقدم يقع به التميز.


1 – ج: – ان المكلف. * 2 – ب وج: يتفق. 3 – ب: العافية. 4 – ب: – حكم القدرة، تا اينجا. (*)

[ 666 ]

ثم الفرق بين تقديم القدرة والتمكين وبين تقديم (1) دليل التمييز (2) واضح، لانه متى لم يتقدم الاقدار والتمكين، استحال وقوع الفعل، وليس كذلك دليل التمييز (2)، لان فقد تقدمه لا يخل بصحة وقوع الفعل. ثم يقال لمن سلك (3) هذه الطريقة: أليس المذهب الصحيح هو أن المكلف لا (4) يعلم أن الفعل واجب عليه قبل أن يفعل، كالصلوة، لانه (5) يجوز الاخترام (6) قبل تمامها، فلا تكون (7) واجبة عليه. وإنما يعلم بعد الفراغ منها (8) أنها كانت واجبة، فقد صارت أمارة وجوب الفعل عليه متأخرة غير متقدمة، ولم تجر مجرى (9) الاقدار (10) والتمكين، فألا (11) جرى (12) الموضع (13) الذي اختلفنا فيه هذا المجرى ؟ !


1 – ب: تقدم. * 2 – الف وج: التميز. 3 – ب: ملك. * 4 – ب: له، بجاى لا. 5 – الف وب: + لا. * 6 – ج: الاحترام. 7 – ج: يكون. * 8 – الف: – منها. 9 – ب وج: يجر مجراها. * 10 – ب: الاقتدار. 11 – ب: والا. * 12 – ج: فاجرى، بجاى فالاجرى. 13 – ب: – الموضع. (*)

[ 667 ]

وقد تعلق مويس (1) في نصرة قوله بأشياء: أولها قوله تعالى -: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) فأضاف (2) التحريم إليه. وثانيها ما روي من أنه عليه السلام لما نهى عن التعرض (3) لنبت (4) مكة، قال له (5) العباس ره – (6): (إلا الاذخر يا رسول الله)، فقال عليه السلام -: (إلا الاذخر)، وهذا يدل على إضافة الحكم إلى رأيه. وثالثها ما روي من قوله – عليه السلام – (7): (عفوت (8) لكم عن (9) الخيل (10) والرقيق) فأضاف عليه السلام العفو إلى نفسه دون الوحي. فيقال له فيما تعلق به أولا: ليس يمتنع أن يضاف التحريم إليه عليه السلام وإن كان عن وحي، من حيث كان مؤديا له إلينا. وقد يضاف التحريم أيضا إلى الكتاب، فيقال: إن الكتاب حرم


1 – الف وج: يونس. * 2 – ج: واضاف. 3 – ج: التعريض. * 4 – الف: لبيت. 5 – الف: – له. * 6 – الف: – ره. 7 – ب: عن النبي ص، بجاى من قوله ع. 8 – ج: عنوت. * 9 – ج: من. 10 – ب: الخليل. (*)

[ 668 ]

كذا وكذا، وإن (1) كان الله تعالى حرمه. ويمكن أيضا أن يكون حرمه بالنذر (2) أو باليمين. وقد قال * قوم: إنه غير ممتنع أن يكون الله تعالى كلفه الاجتهاد، وأداه (3) الاجتهاد إلى (4) تحريمه، فأضاف التحريم إليه: وكل واحد من هذه الوجوه يمنع مما يتعلق به مويس (5). ويقال له فيما تعلق به ثانيا: من أين لك أنه صلى الله عليه وآله ما كان عازما على استثناء الاذخر لو لم يذكره العباس به ؟، وإذا كان ذلك جائزا غير مقطوع على خلافه، سقط استدلالك. وقد (6) يجوز أيضا أن يكون (7) الله تعالى قد أعلمه بالوحي أن العباس ره (8) قد يقع منه الاعتراض بذكر الاذخر، وأن الصلاح أن (9) يستثنى الاذخر عند قوله، ولو لا قوله، لكان الصلاح أن يتعلق التحريم به مضموما إلى غيره. ويمكن أيضا أن يكون الله تعالى أمره بتحريم ما عدا الاذخر أمرا جزما (10)،


1 – ب وج: – ان. * 2 – الف: بالبذر. 3 – ب وج: اداة. * 4 – ب: في. 5 – الف: يونس. * 6 – الف: – قد. 7 – ج: تكون. * 8 – الف: – ره. 9 – ج: – ان. * 10 – ب: احزما. (*)

[ 669 ]

وخيره (1) في الاذخر، فلما ذكره العباس، اختار عليه السلام استثناءه الذي قد جعل إليه إيجابا لحقه. ويقال له فيما تعلق به ثالثا: ليس إضافة العفو إليه بدلالة على أنه قال برأيه، بل لا يمتنع أن يقول ذلك وهو (2) عن وحي، كما يقول: (حرمت) و (حللت) من حيث كان مؤديا للتحريم والتحليل. فصل في القياس والاجتهاد والرأي ما هو ؟ وما معاني هذا الالفاظ ؟. اعلم أن الواجب على من (3) نفى شيئا أو أثبته أن يبتدئ بذكر حقيقته. والقياس هو إثبات مثل حكم المقيس عليه للمقيس. وله شروط لا بد منها (4)، وإن كان الحد هو ما ذكرناه: وهو أن يكون الاصل الذي هو المقيس عليه وحكمه (5) معلومين، ويعلم أيضا


1 – ب: وجيزة، ج: ذخيرة. * 2 – الف: – وهو. 3 – ج: – من. * 4 – ب وج: – منها. 5 – الف: + و. (*)

[ 670 ]

الفرع الذي هو المقيس، والشبهة (1) الذي لاجله جعل حكم أحدهما حكم صاحبه (2). والذي يدل على صحة ما ذكرناه أنه قد يعلم المقيس عليه وحكمه (3)، ويعلم أيضا الفرع الذي هو المقيس، والشبة (4) الذي (5) بينهما، ولا يثبت للفرع مثل حكم الاصل، فلا يكون قائسا (6). وإذا ثبت مثل حكم الاصل للفرع، كان قائسا. فوضح أن القياس ما حددناه. فأما (7) قولنا (إثبات)، فإنه يجري على العلم والاعتقاد والظن والخبر، غير أنه بعرف الشرع مقصور على العلم وما يجري مجرى ذلك من الاعتقاد (8). والخبر تابع لذلك. ومما (9) يجب (10) علمه أن حقيقة القياس في العقل والشرع لا تختلف (11)، وإنما يختلفان في أحكام ترجع إلى العلة، لان


1 – ب: الشبيه، ظ: الشبه. * 2 – ج: حاجته. 3 – ج: + معلومين. * 4 – الف وج: الشبهة. 5 – ب: + هو. * 6 – ب: قاسيا. 7 – ج: فان. * 8 – ج: – غير انه، تا اينجا. 9 – ب: ما. * 10 – الف: يجرى. 11 – ب وج: يختلف. (*)

[ 671 ]

العلة العقلية موجبة ومؤثرة تأثير الايجاب، والسمعية ليست كذلك عند من أثبت قياسا شرعيا، بل هي تابعة للدواعي والمصالح المتعلقة بالاختيار. والعلة في القياس العقلي لا تكون (1) إلا معلومة، وفي السمعي تكون (2) مظنونة، ومتى علمت في العقل تعلق الحكم بها (3) لم يحتج في تعليقه (4) عليها إلى دليل مستأنف، وليس كذلك علة (5) السمعي، فإنها عند أكثرهم ومحققيهم لا يكفي (6) في تعليق الحكم بها في كل موضع وجدت فيه أن تعلم (7)، بل لا بد من تعبد بالقياس حتى يعلق الحكم بها في كل موضع. وأيضا فعلة السمعي قد تكون (8) مجموع أشياء، وقد تكون (9) مشروطة في كونها علة، وقد تكون علة في وقت دون وقت، وعين دون عين والوقت واحد، عند من أجاز تخصيص العلة منهم، وقد تكون (9) العلة الواحدة علة لاحكام كثيرة، وكل هذا يفارق فيه علة العقل لعلة الشرع. وإنما افترقا لما ذكرناه


1 – ج: يكون. * 2 – ب: – الا، تا اينجا. 3 – ج: + و. * 4 – ب وج: تعليقها. 5 – ب: علم. * 6 – الف وب: تكفى. 7 – الف وب: يعلم، ب: + به. * 8 – ب وج: يكون. 9 – الف وج: يكون. (*)

[ 672 ]

من أن العقلية موجبة، والسمعية راجعة إلى الدواعي والمصالح. فأما الاستدلال، فهو مشتق من الدليل، وكل من (1) توصل بدلالة إلى حكم من الاحكام كان مستدلا عليه، سواء كان ذلك (2) الدليل نصا، أو قياسا، عند من جعل القياس الشرعي دلالة في الشرع، فصار قولنا (استدلال) أعم من قولنا (قياس). فأما الاجتهاد، فموضوع في اللغة لبذل الوسع والطاقة في الفعل الذي يلحق في التوصل إليه بالمشقة، كحمل الثقيل وما جرى مجراه ثم استعمل فيما (3) يتوصل به إلى الاحكام من الادلة على وجه يشق (4). وفي الفقهاء من فصل بين القياس والاجتهاد، وجعل القياس ما تعين أصله الذى يقاس عليه، والاجتهاد ما لم (5) يتعين (6) فيه أصل يشار إليه، كالاجتهاد في طلب القبلة، وفي قيم المتلفات، وأروش (7) الجنايات. وفيهم من أدخل القياس في الاجتهاد، وجعل الاجتهاد أعم منه. وليس يمتنع أن يكون قولنا (أهل (8) الاجتهاد) – إذا أطلق – محمولا بالعرف على من عول


1 – الف: – من. * 2 – ب: – ذلك. 3 – ب: ما. * 4 – ج: يشتق. 5 – الف: – لم. * 6 – الف: تعين، ب: يعين. 7 – ب: ارش. * 8 – الف: اصل. (*)

[ 673 ]

على الظنون والامارات في إثبات الاحكام الشرعية، دون من لم يرجع إلا (1) إلى الادلة (2) والعلوم (3). فأما الرأي، فالصحيح عندنا أنه (4) عبارة عن المذهب والاعتقاد و (5) إن استند (6) إلى الادلة، دون الامارات والظنون. والذي يدل على ذلك أنهم يقولون: فلان يرى القدر، وفلان (7) يرى العدل، والبغداديون يرون أن (8) الاعراض كلها لا تبقى، والبصريون يذهبون إلى أن فيها ما يبقى، ولو كان الرأي مقصورا على الظنون والامارات على ما قاله (9) مخالفونا، لما جاز * ما ذكرناه. وسنستقصي (10) الكلام في هذا الموضع إذا انتهينا (11) إلى حيث يليق به من هذا الكتاب بعون الله (12). فصل في ذكر اختلاف الناس في القياس اختلف الناس في القياس الشرعي: فمنهم من أحال أن يتعبد الله –


1 – ب: – الا. * 2 – ج: الدلالة. 3 – ج: المعلوم. * 4 – ج: – انه. 5 – ب: – و. * 6 – ج: استدل. 7 – ج: – وفلان. * 8 – ب: – ان. 9 – ج: – قالوا. * 10 – الف: نستقصي. 11 – ب: انتهيت. * 12 – ب وج: – بعون الله. (*)

[ 674 ]

تعالى به من طريق العقل، وادعى أنه لا يمكن أن يكون (1) طريقا لمعرفة شئ من الاحكام. وربما اعتمدوا في إحالته على تعلقه بالظن الذي يخطئ (2) ويصيب، أو من حيث يؤدي إلى تضاد الاحكام، وتناقضها. وفيهم من أبطل القياس من (3) حيث لاسبيل إلى العلم بماله ثبت الحكم في الاصل، ولا إلى غلبة الظن في ذلك، لفقد دلالة و (4) أمارة تقتضيه (5). وفيهم من أجاز (6) التعبد به، ونفاه من حيث وقعت الشرعيات على وجوه (7) لا يسوغ معها القياس ومن هذا الوجه نفى النظام القياس، أو من حيث لا يجوز أن يقتصر الله تعالى بالمكلف على أخفض (8) البيانين (9) رتبة، مع قدرته على أعلاهما. وهذا طريقة بعض أصحاب داود (10) وغيره (11). ومنهم من جوز ورود العبادة به، غير أنه نفاه من حيث لم يثبت (12) دليل التعبد


1 – ج: – ان يكون. 2 – ج: يخطأ. 3 – ب: – من. 4 – ج: أو. 5 – ب وج: يقتضيه. * 6 – ب: جاز. 7 – ب: + حتى. 8 – الف: اخفظ. 9 – ج، التباينين. * 10 – الف دود. 11 – ب: – وغيره. * 12 – ج: ينسب. (*)

[ 675 ]

به، أو من حيث ورد بخلافه. فأما من أثبته، فإنهم يختلفون أيضا: فمنهم من أثبته من طريق (1) العقل، وإن كان هؤلاء شذاذا (2). ومنهم من أثبته سمعا، وذهب إلى أن (3) العقل لا يدل (4) على ثبوته. و هؤلاءهم المحصلون من مثبتي القياس. والذي نذهب (5) إليه أن القياس محظور في الشريعة استعماله، لان العبادة لم ترد (6) به، وإن كان العقل مجوزا ورود العبادة باستعماله. و (7) نحن نتكلم على كل (8) من خالف ما اخترناه من المذهب. فصل في جواز التعبد بالقياس اعلم أنا إذا بينا أن القياس الشرعي (9) يمكن أن يكون طريقا إلى معرفة الاحكام الشرعية، فقد جرى القياس مجرى الادلة


1 – ب وج: بطريق. * 2 – ب: شداد. 3 – ج: – ان. * 4 – ج: لابد. 5 – ب وج: يذهب. * 6 – ج: تزد. 7 – الف: – و. * 8 – ب: – كل. 9 – الف: الشرعي. (*)

[ 676 ]

الشرعية كلها من نص و (1) غيره، فمن منع – مع (2) ثبوت ذلك – من أن يدل الله تعالى به، كما يدل بالنص على الاحكام، فهو مقترح (3) لا يلتفت (4) إلى خلافه. والذي يدل على صحة معرفة الاحكام به أنه لا فرق في صحة معرفتنا بتحريم النبيذ المسكر بين أن ينص الله تعالى على تحريم كل مسكر، وبين أن ينص على تحريم الخمر بعينها، ثم ينص على أن العلة في تحريمها شدتها، ولا فرق بين أن ينص على العلة، وبين أن يدلنا بدليل غير النص على أنه حرم الخمر لشدتها، أو ينصب لنا أمارة يغلب عندها في ظنوننا أن تحريم الخمر لهذه العلة، مع إيجابه القياس علينا في هذه الوجوه كلها، لان كل طريق منها (5) يوصل إلى المعرفة بتحريم النبيذ المسكر، فدافع جواز العبادة بأحدها كدافع جواز ورودها بباقيها. وفي العقليات مثال لذلك، لانه لا فرق في العلم بوجوب تجنب سلوك بعض الطريق بين أن يعلم أن فيه سبعا مشاهدة، وبين أن يعلم


1 – الف: أو. * 2 – الف: من. 3 – ب: مفترح. * 4 – ج: – لا يلتفت. 5 – ج: – منها. (*)

[ 677 ]

بخبر يوجب العلم، أو بخبر (1) يقتضي غلبة الظن، ولا فصل بين جميع ذلك في الحكم الذي ذكرناه، وبين أن ينص لنا على صفة الطريق الذي فيه السبع، أو ينصب لنا أمارة على تلك الصفة. فأما من أحال القياس لتعلقه بالظن الذي يخطئ ويصيب، فالذي يبطل قوله أن كثيرا من الاحكام العقلية والشرعية (2) تابعة للظنون، ومثاله (3) في العقل علمنا بحسن التجارة عند ظن الربح، وقبحها عند ظن الخسران (4)، و (5) قبح سلوك الطريق عند ظننا أن فيه سبعا، أو (6) ما جرى مجراه من المضار، ووجوب النظر في معرفة الله تعالى عند دعاء الداعي، أو (6) خطور الخاطر الذي يحصل عنده الظن أو (7) الخوف (8). ووجوب معرفة الرسل عليه السلام والنظر في معجزاتهم يجري على هذا الوجه أيضا. فأما تعلق الاحكام الشرعية بالظن، فأكثر من أن يحصى (9)، نحو وجوب التوجه إلى القبلة عند الظن (10) أنها في جهة (11) مخصوصة، وتقدير النفقات،


1 – ج: تخير. * 2 – ج: الشريعة. 3 – ب: مثال. * 4 – ب وج: الخبران. 5 – الف: – و. * 6 – ب: و. 7 – ج: الظن أو. 8 – ب: – الظن أو الخوف. 9 – ب: تحصى. * 10 ب: + من، والا حسن تنكير الظن. 11 – ب: وجهة. (*)

[ 678 ]

وأروش (1) الجنايات، وقيم المتلفات، والعمل بقول الشاهدين. ومما يجب علمه أن الظن و (2) إن كان طريقا إلى العلم بوجوب أحكام، على نحو (3) ما ذكرناه، وتساوي من هذا الوجه الظن والعلم، لانه لا فصل بين أن يظن جهة القبلة، أو يعلمها في وجوب التوجه. وكذلك (4) لا فصل بين أن يظن الخسران في التجارة، أو يعلمه في قبحها، فإنه لا يساوي الظن العلم من وجوه أخر، ولا يقوم فيها مقامه، لان الفعل (5) الذي يلزم المكلف فعله لا بد أن يكون معلوما له أو في حكم المعلوم، بأن (6) يكون متمكنا من العلم به، أو يكون سببه معلوما، إذا تعذر العلم به بعينه. ولا بد أيضا من أن يعلم وجوبه ووجه وجوبه، إما على جملة، أو على تفصيل. والظن في كل هذه الوجوه لا يقوم مقام العلم: لانه متى لم يكن عالما بجميع ما ذكرناه، أو متمكنا من العلم به، لم تكن (7) علته مزاحة فيما * تعبد (8) به، وجرى مجرى أن


ب وج: ارش. * 2 – ج: – و. 3 – ج: نحن. * 4 – ج: لذلك. 5 – ج: العقل. * 6 – ب: ان. 7 – ج: تمكن. * 8 – الف: يعبد. (*)

[ 679 ]

لا يكون قادرا، لانه متى لم يعلم الفعل، ويميزه من غيره (1)، لم يتمكن من القصد إليه بعينه، وبالظن لا تتميز (2) الاشياء وإنما تتميز بالعلم (3)، ومتى لم يكن عالما بوجوب الفعل، كان مجوزا (4) كونه غير واجب، فيكون – متى أقدم عليه – مقدما على ما لا يأمن كونه قبيحا، والاقدام على ذلك يجري مجرى الاقدام على ما يعلمه قبيحا في القبح. ومتى علمه واجبا، فلا بد من أن يعلم وجه وجوبه على جملة أو تفصيل، لانه لو كان ظانا لوجه (5) وجوبه، لكان مجوزا انتفاء وجه الوجوب عنه، فيعود (6) الامر إلى تجويز كونه غير واجب. وفي تأمل هذه الجملة (7) بطلان قول من أنكر تعلق الاحكام بالظنون. ومن توهم على من سلك هذه الطريقة أنه قد أثبت الاحكام بالظنون، فهو متعد، (8) لان الاحكام لا تكون (9) إلا معلومة، ولا تثبت إلا من طريق العلم، إلا أن الطريق إليها قد يكون العلم تارة، والظن أخرى (10)، لاننا (11) إذا ظننا في طريق (12) سبعا، وجب علينا تجنب سلوكه


1 – ب وج: – من غيره. 2 – ج: يتميز. 3 – ب: يميزها العلم، ج: تميزها العلم * 4 – ب: محررا. 5 – ج: ظنا بوجه. * 6 – الف: فيقود. 7 – الف: الحجة. 8 – ب: + و. 9 – ج: يكون. * 10 – ج: اقوى. 11 – ج: لانا. * 12 – الف: الطريق. (*)

[ 680 ]

بالحكم الذي هو قبح السلوك، ووجوب التجنب معلوم لا مظنون، وإن كان الطريق إليه هو الظن، ومتعلق الظن (1) هيهنا غير متعلق العلم لان الظن (2) تعلق بكون السبع في الطريق، والعلم تعلق بقبح سلوك الطريق. فالقول في العلم بوجوب التوجه إلى جهة القبلة عند الظن بأنها في بعض الجهات يجري على (3) ما ذكرناه، فيكون فيه الحكم (4) معلوما، وإن كان الطريق إليه مظنونا. فأما من أحال القياس من حيث يؤدي إلى تضاد الاحكام، فشبهته أن يقول: إذا كان للفرع شبه (5) بأصل محرم وشبه (5) بأصل محلل، فلا بد على مذهب أهل القياس من (6) رده إليهما معا، وهذا يؤدي في العين (7) الواحدة إلى (8) أن تكون محرمة محللة. ولمن أثبت القياس أن يقول في جواب ذلك: إن كان الفرع مشبها لاصل محلل (9) وأصل محرم (10) عند اثنين، لزم كل واحد


1 – الف: الظاهر، ب: – وان كان، تا اينجا. 2 – الف: الظاهر. * 3 – ب: مجرى، بجاى على. 4 – ب: الحكم فيه. * 5 – الف: شبهة. 6 – ب: – من. * 7 – الف: – العين. 8 – ب: الا. * 9 – ب: محرم. 10 – ب محلل، ج: – ولمن اثبت، تا اينجا. الف: – واصل محرم، ودر حاشيه: ظ: واصل محرم. (*)

[ 681 ]

منهما ما أداه اجتهاده إليه، فيلزم التحريم من أشبه عنده الاصل المحرم، والتحليل عند من أشبه عنده الاصل المحلل، ولا تضاد في ذلك وإن أشبه الاصلين المختلفين عند (1) مكلف واحد، فهو عند كثير منهم مخير بين الامرين، فأيهما اختار، لزمه (2) كما نقول كلنا في الكفارات الثلث، فلا تضاد أيضا في ذلك. وعند قوم منهم أنه لا بد في هذا الموضع من ترجيح يقتضي حمل الفرع على أحد الاصلين دون الآخر. فأما من أبطل القياس من حيث لا طريق إلى غلبة الظن في الشريعة، فإنه يعتمد على أن يقول: قد علمنا أن القياس لا بد فيه من حمل (3) فرع على أصل بعلة وشبه، والعلة التي يتعلق الحكم بها في الاصل لا تخلو (4) من أن يكون الطريق إلى إثبات كونها علة العلم أو الظن، والعلم (5) لا مدخل له في هذا الباب، والمحصلون من مثبتي القياس في الشرع يجعلون العلة المستخرجة هيهنا تابعة


1 – ب: + كل. * 2 – ب وج: – لزمه. 3 – ب: جمل. * 4 – الف وج: يخلو. 5 – ب: الظن. (*)

[ 682 ]

للظن، وإنما يجعلها معلومة من اعتقد أن على العلل الشرعية أدلة (1) توصل إلى العلم كالعقليات، وقول هذه الفرقة واضح البطلان: فإن (2) كانت العلة تثبت علة (3) بالظن، فقد علمنا أن الظن (4) لا بد له من أمارة، وإلا كان مبتدأ لا حكم له، وليس في الشرع أمارة على أن التحريم في الاصل المحرم إنما كان لبعض صفاته، فكيف يصح أن يظن ذلك. وليس يشبه هذا ظن (5) الربح أو (6) الخسران، والنجاة أو الهلكة، وأن القبلة في جهة مخصوصة، و غلبة الظن في قيم المتلفات وأروش الجنايات، لان ذلك كله يستند إلى عادات وتجارب وأمارات معلومة (7) متقررة، ولهذا نجد من لم يتجر قط ولم يخبره مخبر عن أحوال التجارة لا يصح أن يظن فيها ربحا ولا خسرانا، وكذلك من لم يسافر ولم يخبر عن الطريق لا يظن (8) نجاة ولا عطبا، ومن لم يعرف العادة في القيم ولم (9) يمارسها لا يظن أيضا (10) فيها شيئا، وجميع ما يغلب في (11)


1 – ج: + إلى. 2 – ب: وان. 3 – ب: – علة. * 4 – الف: الظاهر. 5 – الف وج: الظن. * 6 – الف وب: و. 7 – الف: – معلومة. * 8 – الف: يظهر. 9 – ب وج: – لم. * 10 – الف: – ايضا. 11 – ب وج ونسخه بدل الف: فيه. (*)

[ 683 ]

الظنون متى تأملته، وجدته مستندا إلى ما ذكرناه، مما لا (1) يصح دخوله في الشرعيات. ولاجل قوة هذه الطريقة ذهب قوم من أهل القياس إلى أن العلل الشرعية لا تكون (2) إلا منصوصا عليها: إما صريحا، أو تنبيها. ونزل قوم منهم رتبة، فقالوا: إنها لا تثبت إلا بأدلة شرعية. ومن طعن على القياس من هذه الجهة (3) التي بسطناها، لا بد من أن يكون مجوزا للعبادة به، ومعرفة الاحكام من جهته، (4) لو حصل الظن الذي منع من حصوله. ولا بد أيضا من أن يقول (5): إن الله تعالى لو نص على العلة، أو أمر الرسول صلى الله عليه وآله بالنص عليها، ثم (6) تعبدنا بالقياس، لوجب حمل الفروع على الاصول. بل الذاهب إلى هذه الطريقة ربما يقول: لو نص الله تعالى على العلة في تحريم الخمر، وصرح بأنها الشدة المطربة، لوجب حمل ما (7) فيه هذه العلة عليها، وإن لم يتعبد (8) بالقياس، * ويجري


1 – ب: – لا. * 2 – ج: يكون. 3 – ج: الجملة. * 4 – ب وج: + و. 5 – ب وج: من ان يقول ايضا. * 6 – ب وج: – ثم. 7 – ب: – ما. * 8 – ب: تتعبد. (*)

[ 684 ]

عنده (1) مجرى أن ينص (2) على تحريم كل شديد. وهذا غير صحيح، لان العلل الشرعية إنما تنبئ عن الدواعي إلى الفعل، أو عن وجه المصلحة فيه، وقد يشترك (3) الشيئان في صفة واحدة، وتكون (4) في أحدهما داعية إلى فعله، دون الآخر، مع ثبوتها فيه، وقد يكون (5) مثل المصلحة مفسدة، وقد يدعوا الشئ إلى غيره في حال دون حال، و (6) على وجه دون وجه، وقدر منه دون قدر، وهذا باب في الدواعي معروف، ولهذا جاز أن يعطي لوجه الاحسان فقير (7) دون فقير (7)، ودرهم دون درهم، وفي حال دون أخرى، وإن كان فيما لم نفعله (8) الوجه الذي لاجله فعلنا بعينه، وإذا صحت هذه الجملة، لم يكن في النص على العلة ما يوجب التخطي والقياس، وجرى النص على العلة مجرى النص على الحكم في قصره على موضعه. وليس لاحد أن يقول: إذا لم يوجب النص على العلة التخطي، كان عبثا، وذلك أنه (9) يفيدنا ما لم نكن (10) نعلمه (11) لولاه، وهو ما


1 – ج: عند. * 2 – ج: ينصب. 3 – ج: تشترك. * 4 – الف وب: يكون. 5 – ج: تكون. * 6 – ب وج: – و. 7 – ج: قفيز. * 8 – ب: يعقله، ج: يفعله. 9 – الف: ان. * 10 – الف: – نكن. 11 – ج: يعلمه. (*)

[ 685 ]

له كان هذا الفعل المعين مصلحة. وفي الناس من فصل بين داعي (1) الفعل وداعي (1) الترك: فقال: إذا كان النص على علة الفعل لم يجب القياس إلا بدليل مستأنف، وإن كان واردا بعلة الترك، وجب التخطي من غير دليل مستأنف. وفصل بين الامرين بأن ماله يترك (2) أحدنا (3) الفعل (4) له يترك غيره إذا شاركه فيه، لانه لا يجوز أن يترك أكل السكر لحلاوته ويأكل شيئا حلوا، ولا يجب مثل هذا في (5) الفعل، لانه قد يفعل الفعل لامر يثبت (6) في غيره، وإن لم يكن فاعلا له (7). وهذا صحيح متى كان النص الوارد بالعلة كاشفا عن الداعي ووجه المصلحة أو عن الداعي فقط، فأما إن (8) كان مختصا بوجه المصلحة، لم يجب ذلك، لان الدواعي قد تتفق (9) وتختلف (10) وجوه المصالح، وتختلف (11) الدواعي مع اتفاق وجوه المصالح.


1 – الف: دواعى. * 2 – الف: ترك. 3 – ج: + بما. * 4 – ج: الفصل. 5 – الف: – في. * 6 – الف: ثبت. 7 – ب وج: – له. * 8 – ب: إذا. 9 – ج: يتفق. * 10 – ج: يختلف. 11 – ب وج: يختلف. (*)

[ 686 ]

ويقال لمن أفسد القياس بالطريقة التى حكيناها، من أنه لاسبيل إلى غلبة الظن: (1) قد بينتم (2) استناد (3) الظنون إلى العادات والتجارب (4)، وذكرتم أن الشرع لايتم ذلك (5) فيه، فلم أنكرتم أن تحصل (6) فيه طريقة يحصل عندها الظن وإن لم تكن (7) عادة ولا تجربة ؟ ! بل يجري في حصول الظن عندها مجرى ما ذكرتم، وهذا مثل أن نجد العين المسماة (8) خمرا تحصل على صفات كثيرة، فتكون مباحة (9) غير محرمة، فمتى وجدت فيها الشدة المطربة، حرمت (10)، ومتى خرجت من الشدة بأن تنقلب (11) خلا، حلت، فيغلب (12) على الظن عند ذلك بأن (13) العلة هي الشدة، لان الذي ذكرناها من حالها أمارة قوية على كونها علة، فمتى انضم (14) إلى هذا الظن التعبد بالقياس، وأن يحمل (15) ما حصل فيه علة التحريم


1 – الف: + و. 2 – هذا هو الصحيح، (راجع العدة ص 258) ولكن النسخ كلها (بنيتم). 3 – ب: اسناد. * 4 – ج: تجارت. 5 – ب: – ذلك. 6 – ج: يحصل. 7 – الف: يكن. * 8 – ج: المرة. 9 – ج: فيكون مباحا. * 10 – ب: – حرمت. 11 – ج: ينقلب. 12 – ب: فيقلب. 13 – ب ان. * 14 – الف: انظم، ج: ان ضم. 15 – ب: تحمل. (*)

[ 687 ]

من الفروع على الاصول، ساغ القياس، وصح، ولم يمنع منه مانع. وهكذا أيضا إذا رأينا بعض صفات الاصل هو المؤثر (1) في الحكم المعلل (2) دون غيره، كانت بأن تجعل (3) علة أولى (4) من غيرها، وقوى الظن بأنها العلة. ومثال ذلك أنا إذا أردنا أن نعلل ولاية المرأة على نفسها، وملكها (5) لامرها، ووجدنا بلوغها هو المؤثر في هذا الحكم، مع سلامة أحوالها في الحرية والعقل، دون كونها مزوجة، لان التزويج متى اعتبرت حاله لم يوجد له تأثير في باب الولاية، وما يرجع إليها، وللبلوغ التأثير القوي فيها، جعلناه العلة، دون التزويج. ويكفي أن يقال لسالكي هذه الطريقة: لم (6) زعمتم أن الظن إذا استند في بعض المواضع إلى عادة، فإنه لا يقع في كل موضع إلا على هذا الوجه، وأن العادة لا يقوم مقامها غيرها ؟ ! فلا يجدون معتمدا. ويمكن أن يقال لهم: خبرونا عمن ابتدأه (7) الله كاملا عاقلا


1 – الف وب: هي المؤثرة. * 2 – ج: العلل. 3 – ج: يجعل. * 4 – ج: اوالى. 5 – الف: تمكنها. 6 – الف: لو. 7 – ب: ابتدا. (*)

[ 688 ]

في بعض الدور، ومعه صاحب له جالس عنده، وهو لايعرف العادات، ولا سمع الاخبار عنها، إلا أنه وجد صاحبه الجالس معه متى دخل إليه واحد مخصوص من الناس انصرف، وخرج عن الدار، وهو مع دخول غيره من الناس كلهم لا يفارق مكانه، أليس هذا مع عقله وكماله يصح أن يقوى في ظنه أن علة خروج صاحبه إنما هي دخول ذلك الرجل ؟، فإن امتنعوا من أن يغلب في ظنه ما ذكرناه، طولبوا بما له يمنع منه، ولن يجدوه. وإن أجازوه، بطل عليهم ذكر العادات والتجارب في باب الظنون، وقيل ما تنكرون (1) من أن تكون هذه حالة (2) الظن في الشرع ؟ ! فأما طعن مثبتي القياس على هذه الطريقة، وتصحيحهم غلبة الظن في الشريعة بقولهم: إنا وجدنا (3) أهل القياس والاجتهاد * مع كثرتهم وتدينهم (4) يخبرون عن (5) أنفسهم بالظنون، ويعملون عليها، ومثل هؤلاء أو طائفة منهم لا يجوز أن يكذبوا على نفوسهم، فليس بمعتمد، لان لمن (6) نفى الظن أن يقول: لست أكذب


1 – الف وج: ينكرون. * 2 – ب: حال. 3 – ج: وجدناهم. * 4 – ب: تذيينهم. 5 – ج: من. * 6 – ب: من. (*)

[ 689 ]

هؤلاء (1) المجتهدين في أنهم يجدون (2) أنفسهم على اعتقاد ما (3)، وإنما أكذبهم في قولهم (4): إنه ظن، وواقع عن أمارة. والعلم بالفرق بين الاعتقاد (5) المبتدإ، و (6) بين العلم والظن، ليس بضرورة. فكأن (7) القوم سبقوا إلى اعتقادات ليست ظنونا (8) و (9) دخلت عليهم الشبهة، فاعتقدوا أن لها أحكام الظنون، وإن لم تكن (10) كذلك. على أن هذا يرجع عليهم ممن يدعي من أهل القياس أن على الاحكام أدلة توجب العلم، فيقال لهم: كيف يصح على هؤلاء مع كثرتهم وتدين أكثرهم أن يدعوا أنهم عالمون، ويخبرون عن نفوسهم بسكونها إلى ما علموه ؟ ! وهم – مع ذلك – كاذبون. وهكذا السؤال عليهم في أصول الديانات إذا ادعى المخالفون فيها العلم بمذاهبهم، وسكون نفوسهم، فلا بد لهم في الجواب مما ذكرناه من أن القوم لم يكذبوا في أنهم معتقدون، وإنما غلطوا في نسبة اعتقاداتهم إلى أنها علوم.


1 – ج: اكذبها ولا. * 2 – ب: – انهم يجدون. 3 – الف وج: اعتقادنا. * 4 – الف: – قولهم. 5 – الف: + و. * 6 – ج: – و. 7 – الف: وكان. * 8 – ج: طبونا. 9 – الف: – و. * 10 – الف: يكن. (*)

[ 690 ]

وأما طريقة النظام ومن تابعه في إبطال القياس، فاعتمادهم على أن الشرعيات وقعت على وجوه لا يمكن معها دخول القياس، لانه ورد باختلاف المتفقين، واتفاق المختلفين، كإيجاب (1) القضاء على الحائض في الصوم، وإسقاطه (2) عنها (3) في الصلوة، وهي آكد من الصوم، وإيجابه على المسافر القضاء في الصوم، وإسقاطه عنه فيما قصر من الصلوة، وإيجاب الغسل بخروج الولد والمني، وهما أنظف (4) من البول والغائط اللذين يوجبان الطهارة الصغرى، وإباحة النظر إلى محاسن الامة الحسناء، وحظر ذلك من الحرة، وإن كانت شوهاء. والذي ذكروه غير صحيح، لان لمثبت (5) القياس أن يقول: إن (6) إطلاق القول بأن المتفقين لا يختلفان، والمختلفين لا يتفقان (7) غير صحيح. والصواب أن نقول (8): إن المتفقين لا يختلفان في الحكم الذي يقتضيه اتفاقهما، وكذلك المختلفان لا يتفقان في الحكم الذي


1 – ب وج: – كايجاب. * 2 – ج: اسقاط. 3 – ب وج: – عنها. 4 – الف: انضف. 5 – ج: المثبت. * 6 – ب: بان. 7 – ج: المتفقين لا يختلفان (مكرر شده). 8 – ب وج: يقول. (*)

[ 691 ]

يقتضيه اختلافهما، لان المعتبر في ذلك هو الاسباب (1) والعلل، والاحكام التي يجب اتفاق (2) المتفقات فيها واختلاف المختلفات هي الراجعة إلى صفات الذات، وإنما وجب ذلك فيها، لان المتفقين قد اشتركا في سبب الحكم وعلته والمختلفين قد افترقا في ذلك. فأما إذا لم يكن الحكم راجعا إلى الذات، فهو موقوف على الدلالة، فإن اتفق المختلفان في علته وسببه، اتفقا فيه، وإن اختلف المتفقان فيهما (3) اختلفا فيه. وعلى هذا ليس بمنكر أن يكون الحيض وإن كان سببا لسقوط الصلوة والصوم معا، و (4) اتفقا في ذلك، أن يختلفا في حكم آخر يوجب في أحدهما الاعادة، ولا يوجبها في الآخر، فيكون الاختلاف من وجه، والاتفاق (5) من آخر، وقد زال التناقض، لان القضاء (6) إذا اختص بعلة غير علة السقوط، لم يكن باتفاقهما (7) في علة السقوط معتبر. وفي العقل لذلك مثال، لانا (8) نعلم أن النفع المحض إذا حصل


1 – ب: بالاسباب. * 2 – ب: تجب الاتفاق. 3 – ب: منهما. * 4 – ج: – و. 5 – ج: الاختلاف. * 6 – الف: الاقتضاء. 7 – ب: اتفاقهما. * 8 – ب: لا، بجاى لانا. (*)

[ 692 ]

في الفعل (1)، اقتضى حسنه، وقد يحصل في الكذب النفع، فلا يكون إلا قبيحا، لان وجه قبحه هو كونه كذبا، فصار اتفاق الكذب مع غيره من الافعال في النفع لا يمنع من اختلافهما في القبح، لان ما اختلفا فيه غير ما اتفقا من أجله. فإن كان ما أورده النظام مانعا من قياس الشرع، وجب أن يكون مانعا من قياس العقل (2). على أنه قد اعترف بورود النصوص باتفاق المختلفين، واختلاف المتفقين، ولم يلزمه التناقض فيهما، فألا سوغ القياس، واعتذر له بعذره للنصوص (3) ؟ ! وليس له أن يقول: إنني لم أوجب التناقض في الاحكام، فيلزمني ذلك في النصوص، وإنما منعت وحالها هذه من التطرق إليها بالقياس. وذلك أنه غير ممتنع ذلك إذا نصب الله – تعالى أمارة لقضاء الصوم توجبه، وأخلى قضاء الصلوة من تلك (4) الامارة. على أن للقوم أن يقولوا: إنا لانثبت القياس في كل حكم،


1 – الف: العقل، ب: النعل. * 2 – ج: الفعل. 3 – ب: النصوص. * 4 – ب: – تلك. (*)

[ 693 ]

وعلى كل أصل، وإنما نثبته بحيث يسوغ، ويصح، وأكثر ما يقتضيه ما أوردته مما (1) هو بخلاف القياس أن يمنع فيه من دخول القياس فيه، وليس إذا امتنع القياس في (2) موضع، يجب امتناعه في كل مكان. فأما (3) من نفى القياس من جهة أن الحكيم تعالى لا يجوز أن يقتصر بالمكلف على أدون البيانين رتبة، وأن النصوص أبلغ في البيان. فالرد عليه أن يقال له (4): في كلامك هذا اعتراف بأن القياس يوصل به (5) إلى معرفة الاحكام، لانه لا يجوز * أن يقول هذا (6) أخفض (7) رتبة إلا والتبيين يقع به، وإذا ثبت ذلك، فما الذي يمنع من العبادة به، وإن كان دون غيره رتبة في البيان، لما يعلم الله (8) تعالى من المصلحة به، وأنه إذا توصل إلى الحكم به، ولحقته مشقة في طريقه، كان أقرب إلى فعل الواجب عليه. وبعد، فإنه يلزم على ذلك أن يكون العلم في جميع التكليف


1 – ج: فما. * 2 – ب وج: من. 3 – ب: واما. * 4 – ب: انه. 5 – ب: – به. * 6 – ب وج: هو. 7 – الف: اخفظ. * 8 – ب وج: – الله. (*)

[ 694 ]

ضروريا، لانه أقوى في البيان من المكتسب. ومن يعتمد على هذه الطريقة لا بد له من المناقضة، لانه (1) تعلق كثيرا (2) من الاحكام الشرعية بالظنون، نحو الاجتهاد في القبلة، وتقدير النفقات، وأروش الجنايات، وما لا يحصى كثرة. وربما تعلق نافي (3) القياس بأن يقول: لو جازت العبادة (4) بالقياس في الفروع، لجازت في الاصول. والجواب عن ذلك أنه غير ممتنع أن يتعبد في الاصول بالقياس، إذا كانت هناك أصول يقاس عليها، ويرد (5) إليها (6)، فلا فرق بين الامرين. ثم يلزمون (7) أنه إذا جاز أن يتعبدنا (8) بالاجتهاد في القبلة، و هناك قبلة مشاهدة معلومة، فألا جازت العبادة ولا قبلة ؟ !. وكذلك القول في العبادة (9) بتقدير النفقات، وقيم المتلفات، إذا جازت مع المعرفة بالعادات (10)، فألا (11) جاز مع فقدها ؟ !.


1 – الف: لان * 2 – الف: كثير. 3 – الف: في، بجاى نا في، ب: باقى. 4 – ب: العبادات. * 5 – ب وج: ترد. 6 – الف: عليها. * 7 – الف: يلزمونا. 8 – ب: يتعبد. * 9 – ب: العبادات. 10 – ج: بالعبادات. * 11 – ب وج: والا. (*)

[ 695 ]

وتحصيل هذا السؤال أنه إذا أجزتم التعبد بالقياس وهو ممكن لوجود (1) الامارة، فجوزوه مع فقد الامكان. وربما ألزمونا قياسا على العبادة بالقياس، وهي تابعة للمصالح، الاخبار بما يكون في المستقبل بالقياس، ويقولون (2): كما أن الخبر لا يحسن إلا مع الثقة بأنه صدق، فكذلك تكليف الفعل لا يحسن إلا مع الثقة بأنه مصلحة. والجواب عن ذلك أن (3) الله تعالى لو نصب للخبر الصدق أمارة، لجاز أن يكلف ذلك. ولهذا جاز من القائس (4) – عند من أثبت القياس – أن يخبر عن وجوب الفعل ولا طريق له إلا القياس. وأيضا فإن للظن مدخلا في وجوب الفعل وقبحه، فجاز القول بأن الاجتهاد يؤدي إليه، وليس للظن مدخل في حسن الخبر في موضع من المواضع. وربما قالوا: إذا كان بعض المصالح لا يعلم إلا بالنص، فكذلك الجميع، لان ما يعلم جليه من طريق به (5) يعلم (6) خفيه (7) كالمدركات.


1 – ج: لوجوه. * 2 – ج: – ويقولون. 3 – الف: بان. * 4 – ب: القياس. 5 – الف: – به. * 6 – الف: العلم. 7 – ب: خفية. (*)

[ 696 ]

والجواب عن ذلك أن (1) بالنص يعرف جميع الاحكام، لكن على وجهين مختلفين: أحدهما (2) الظاهر والصريح، والآخر الاستدلال كما أن العقليات تنقسم (3) إلى علم ضروري ومكتسب (4) ومستدل عليه، والجميع معلوم بالعقل، والامر في المدركات بالضد مما قالوه، فإن بعضها قد يعلم بالادراك، و (5) بعضها بالاخبار: إما بقول الرسول، أو بالتواتر (6). وقد يعلم جلى المدركات بالادراك، وخفيها لا يعلم به، إذا لم يقو (7) البصر على تمييزه (8). وربما قالوا: لو تعلق بعض الاحكام بعلة، لجرت مجرى علل العقل، فكانت لا توجد (9) إلا موجبة قبل الشرع وبعده. والجواب أن علل الشرع مفارقة لعلل العقل، لان علة الشرع تتبع (10) الدواعي والمصالح، وقد تختلف (11) الاحوال فيها، وليس كذلك ما هو موجب من علل العقل (12) وإنما سميت علة لان


1 – ب: – ان. * 2 – ب: احديهما. 3 – ج: ينقسم. 4 – ب: تكسب. 5 – الف: + قد. 6 – ب وج: التواتر. 7 – ب: يقوى. * 8 – الف وج: تميزه. 9 – ج: يوجد. * 10 – ج: يتبع. 11 – ب وج: يختلف. * 12 – ج: الفعل. (*)

[ 697 ]

الله تعالى علق الحكم بها، كما فعل مثل ذلك في الاسم، فكما أن (1) الاسم لا يتبعه الحكم قبل الشرع وإن كان موجودا، ولا يخرج من تعلق الحكم به، فكذلك العلة الشرعية. فصل في نفي ورود العبادة بالقياس اعلم أن العبادة بذلك لو وقعت، لكان عليها دليل شرعي كسائر العبادات الشرعية، وإذا كنا قد تأملنا أدلة الشرع، فلم نعثر على ما هو دلالة على هذا الموضع، وجب نفي العبادة به. وسنتكلم على (2) شبه (3) المخالفين، وما ادعوه (4) من الطرق في ذلك، ليصح ما نفيناه من ثبوت دلالة عليه. وقد اعتمدنا على مثل هذه الطريقة في نفي العبادة بأخبار الآحاد، فيما مضى من هذا الكتاب. ويمكن أن يستدل (5) على نفي العبادة بالقياس أيضا – بإجماع الامامية على نفيه وإبطاله في الشريعة، وقد بينا أن في إجماعهم الحجة.


1 – ج: فكان. * 2 – ب: + ما. 3 – ج: شبهه. 4 – ج: ادعوا. 5 – ب وج: نستدل. (*)

[ 698 ]

وليس يجوز أن يعتمد في إبطال القياس على ظواهر من الكتاب تقتضي (1) إبطال القول بغير علم: مثل قوله تعالى -: (ولا تقف ما ليس لك به علم)، و (أن تقولوا على الله ما لا تعلمون)، لان من ذهب إلى القياس يسند قوله إلى علم، وهو دليل العبادة بالقياس. وإنما يجعل الطريق إلى هذا العلم الظن، وقد مضى (2) الكلام في ذلك. وكذلك لا يجوز الاستدلال بقوله تعالى -: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) لان للقوم أن يقولوا: إن القياس إذا قيل به بالدليل، بطل أن يكون تقدما (3) بين يدي الله ورسوله، وصار كالنص. وكذلك إن (4) تعلقوا بقوله تعالى -: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * وما أشبه ذلك من الآيات، فالكلام (5) عليه أن القياس إذا دل الله تعالى عليه، فقد دخل في جملة ما بين في الكتاب، ولم يقع فيه تفريط. فأما من أثبت القياس من طريق العقل، فالكلام عليه أن الفعل


1 – ب وج: يقتضى. * 2 – ج: وقع. 3 – الف: مقدما. * 4 – ج: – ان. 5 – الف: والكلام. (*)

[ 699 ]

الواجب لا بد من كونه على صفة لها (1) وجب، لانه لو لم يكن كذلك لم يكن بالوجوب أولى من غيره. وينقسم ماله يجب إلى قسمين: أحدهما (2) صفة تخصه ولا تتعداه، كنحو رد الوديعة، والانصاف، وشكر النعمة. والآخر أن (3) يكون وجوبه لتعلقه بغيره على جهة اللطف، نحو أن يختار المكلف عنده واجبا، أو ينتهي عن (4) قبيح، وليس يكون كذلك إلا بأن يختص في نفسه بصفة تدعواإلى اختيار ما يختاره عنده. وهذا القسم على ضربين: أحدهما يعلم (6) بالعقل كوجوب معرفة الله، لان جهة وجوبها متقررة (7) في العقل، وهو إنما (8) يكون عندها أقرب من فعل الواجب، والانتهاء عن القبيح. و (9) كعلمنا أيضا – بأن الرسول – صلى الله عليه وآله لا يجوز أن يكون (10) على أحوال تنفر عن القبول منه (11) نحو الفسق والافعال الدنية (12)


1 – الف وج: بها. * 2 – الف: + له. 3 – الف: – ان. * 4 – ج: من. 5 – ج: اختاره. * 6 – ب: يفعل. 7 – الف: متفردة. * 8 – ب: انا. 9 – ج: – و. * 10 – الف: يكلف. 11 – الف: منه العقول، بجاى عن القبول منه. 12 – هذا هو الصحيح، لكن في نسختي الف وب: الدينية، ونسخة ج سقطت عنها هذه الكلمة. (*)

[ 700 ]

المستخفة (1) ومثل ما يلحقه بالمعرفة من وجوب الرياسة لكونها لطفا، لانه (2) مستقر في العقول أن الناس في الجملة لا يجوز أن يكونوا مع فقد الروساء في باب الصلاح والفساد على ما (3) يكونون (4) عليه مع وجودهم. والضرب الثاني لا يعلم إلا بالسمع، لفقد الطريق إليه من جهة العقل، وهو جميع الشرعيات. والسمع الذي به يعلم وجوب ذلك قد يرد تارة بوجه الوجوب، فيعلم عنده الوجوب، وتارة يرد بالوجوب، فيعلم عنده وجه الوجوب، وأحد الامرين (5) يقوم مقام الآخر في العلم بالوجوب، إلا أنه إذا ورد (6) بوجوبه لم يعلم وجه الوجوب إلا على جهة الجملة، وإن ورد بوجه وجوبه (7) مفصلا، أو مجملا، عرفنا وجوبه مفصلا (8) لان العلم بوجوبه لا بد فيه من التفصيل لتزاح (9) علة المكلف في الاقدام على الفعل، والعلم بوجه الوجوب قد يكون مجملا ومفصلا، ويقوم أحد الامرين مقام الآخر. فإذا قال الله (10) تعالى -: (إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر) ولم


1 – ب وج: المستحقة. * 2 – ج: لانها. 3 – ب: – يكونوا، تا اينجا. * 4 – ج: يكونوا. 5 – ب: الامر. * 6 – ج: قداورد، بجاى إذا ورد. 7 – الف: الوجوب. * 8 – ب: – أو مجملا، تا اينجا. 9 – ب: ليتراج، ولعله تصحيف لينزاح. * 10 – ب وج: – الله. (*)

[ 701 ]

يوجبها بغير ذلك، علمنا (1) وجوبها، ولو نص على وجوبها بلفظ الايجاب (2)، لعلمنا في الجملة أنها تنهى عن قبيح، أو تدعوا إلى واجب. فأما ماله قلنا: إنا (3) إذا علمنا وجوب الفعل علمنا وجه وجوبه، وإذا (4) علمنا وجه الوجوب علمناه واجبا، فهو أن من علم الفعل ردا للوديعة (5) مع المطالبة، علم وجوبه، ومتى لم يعلم ذلك، لم يعلم وجوبه. و كذلك متى علم الفعل ظلما، علم (6) قبحه، فإن شك في كونه ظلما، لم () يعلم القبح، وكما وجب ذلك (8)، فهكذا أيضا متى علم كون الفعل الذي هو رد الوديعة (9) واجبا، علمه ردا للوديعة (5) فتعلق كل واحد من العلمين بصاحبه كتعلق صاحبه به. فإن قيل: من أين قلتم: إن الواجبات في الشرع لا تجب إلا لكونها ألطافا ؟، ثم من أين قلتم: إن ذلك لا يعلم من حالها إلا بالسمع ؟.


1 – ب: + ان. * 2 – الف: – بلفظ الايجاب. 3 – ب: – انا. * 4 – ب: + كنا. 5 – الف: رد الوديعة. * 6 – ج: على. 7 – ج: لا. * 8 – ب: – ذلك. 9 – ب: ردا للوديعة. (*)

[ 702 ]

قلنا: لان وجوبها إذا ثبت، وكان لا بد من وجه، لم يخل من القسمين اللذين قدمناهما، وهما إما صفة تخص (1) الفعل (2)، ولا تتعداه، أو لتعلقه بغيره على وجه اللطف: و (3) ليس يجوز في الشرعيات الوجه الاول، لانها لو وجبت لصفة تخصها (4)، لجرت مجرى رد الوديعة في أنه وجه الوجوب، ولوجب (5) أن يعلم على تلك الصفة ويعلم وجوبها متى علمناها، لانه لا يصح أن يجب (6) لصفة تختص (7) بها، ولا يصح أن يعلم عليها، ولا يصح (8) أيضا أن (9) يعلم عليها ولا يعلم وجوبها. وقد علمنا أن الصلوة وسائر الشرعيات تعلم (10) بالعقل صفاتها، وإن لم يعلم وجوبها، فدل ذلك على بطلان القسم الاول، ولم (11) يبق إلا الثاني فإذا ثبت أنها تجب (12) للالطاف، ولم يكن في العقل دليل على أن وقوع بعض الافعال منا يختار (13) عنده فعلا آخر، لان العقل لا يدل على ما يختاره الانسان أو لا يختاره، ولان دلالة العقل أيضا


1 – ب: تختص، ج: يختص. * 2 – ب: بالفعل. 3 – ب: – و. * 4 – ج: يخصها. 5 – الف: لو وجب. * 6 – ب: – لصفة تخصها، تا اينجا. 7 – الف وج: يختص. * 8 – الف: – يصح. 9 – الف: انه. * 10 – ب وج: يعلم. 11 – الف: فلم. * 12 – ج: يجب. 13 – الصحيح (نختار) لكن النسخ كلها (يختار) (*)

[ 703 ]

طريقتها (1) واحدة، ولن يصح أن تدل (2) على الشئ ونفيه، والحكم وضده، كما نراه (3) في الشرائع من اختلاف المكلفين، والناسخ والمنسوخ، فلم يبق إلا أن الطريق إليها السمع. ولولا ما ذكرناه لما احتيج في معرفة المصالح الشرعية إلى بعثة الانبياء عليهم السلام. فإن قالوا: العقل يقتضي في كل مشتبهين أن حكمهما واحد من حيث اشتبها، فوجب أن يحكم في الارز بحكم البر عقلا، وإن لم يات السمع. قيل لهم: الاشتباه (4) الذي يقتضي المشاركة في الحكم هو فيما يعلم أن الحكم فيه (5) يجب عن ذلك الشبه (6) أو يكون في حكم الموجب عنه، وقد علمنا أن ما يشارك (7) العالم في وجود العلم في قلبه يجب كونه عالما، و (8) ما (9) يشارك (10) رد الوديعة في هذه الصفة كان واجبا، وأما (11) العلل التي هي أمارات، * فلا يجب بالمشاركة فيها المشاركة (12)


1 – الف: طريقها. * 2 – الف: يدل. 3 – ب وج: تراه. * 4 – ب وج: للاشتباه. 5 – ب: – هو، تا اينجا. * 6 – الف وج: الشبهة. 7 – ب: شارك. * 8 – ب: أو. 9 – ب: – ما. * 10 – ب وج: شارك. 11 – ب: انما. * 12 – ب: – فيها المشاركة. (*)

[ 704 ]

في الحكم، لان (1) العقل لا يعلم به كونها علة جملة، ولو علم كونها علة، لم يجب فيما يشاركه (2) فيها مثل حكمها، لان المصالح الشرعية تختلف (3) من حيث تعلقت بالاختيار، ولا مدخل للايجاب فيها، ولهذا جاز (4) أن يكون الشئ في (5) الشرع مصلحة، وما هو مثله مفسدة، و (6) جاز اختلاف الاعيان والاوقات في ذلك. فإن قال: إذا حرم الله تعالى الخمر، ورأيت التحريم تابعا للشدة المطربة (7)، يثبت بثبوتها، ويزول بزوالها، علمت أن علة التحريم الشدة المطربة (8) ولا احتياج (9) إلى السمع. قيل له: ليس يكون ما ذكرته من الاعتبار بأقوى من أن ينص (10) لنا في الخمر على أن علة تحريمها هي الشدة (11)، وقد بينا أن ذلك لا يوجب تحريم كل شديد إلا (12) بعد التعبد بالقياس، لانه غير ممتنع أن يخالفه في المصلحة، وإن وافقه في الشدة.


1 – ب: لا، بجاى لان. * 2 – الف: شاركه. 3 – ج: يختلف. * 4 – الف: امتنع. 5 – ب: – الشى في. * 6 – ج: – جاز، تا اينجا. 7 – ب وج: – المطربة. * 8 – ب: المطرية. 9 – ب: احتاج. * 10 – ج: الابيض، بجاى ان ينص. 11 – ب: – هي الشدة. * 12 – ب: لا. (*)

[ 705 ]

وأما (1) من زعم أن السمع قد ورد بالتعبد (2) بالقياس، فنحن (3) نذكر أقوى (4) ما اعتمدوه، ونتكلم عليه: أول ما اعتمدوه أن قالوا قد ظهر عن الصحابة القول بالقياس، واتفق جميعهم عليه، نحو اختلافهم في مسألة الحرام و (6) المشتركة والايلاء وغير ذلك، ورجوع كل منهم في قوله (7) إلى طريقة القياس، لانهم اختلفوا في الحرام: فقالوا فيها أربعة أقاويل: احدها أنه في حكم التطليقات الثلث، وذلك يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام وزيد بن ثابت (8) وابن عمر، والقول الآخر قول من جعله يمينا، يلزم فيها كفارة، ويروى عن أبي بكر وعمر وبن مسعود وعائشة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. والقول الثالث قول من جعله ظهارا، ويروى عن إبن عباس (9) وغيره. والرابع قول من جعله تطليقة واحدة، وهو المروي عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما. ثم اختلفوا: فمنهم من


1 – ب: فاما. * 2 – ب: – بالتعبد. 3 – ب: فيحسن. * 4 – ب وج: قوى. 5 – ب: + و. * 6 – الف: – و. 7 – ب: – في قوله. * 8 – الف: + واحد منهم. 9 – ب: ابن مسعود. * 10 – ب: – تطليقة. (*)

[ 706 ]

نفاه (1)، ومنهم من (2) جعلها واحدة رجعية، وبعضهم جعلها بائنة، و كل ذلك تفريع للقول الرابع. وفي الناس من ألحق بذلك قولا خامسا، وهو قول مسروق: إن ذلك ليس بشئ، لانه تحريم لما أحله الله تعالى (3)، ووجوده كعدمه. واختلافهم في الجد أيضا ظاهر، وكذلك في جميع ما عددناه من المسائل، وإنما شرحنا مسالة الحرام، لان الخلاف فيها أكثر منه في غيرها. قالوا: وقد علمنا أنه لا وجه لاقاويلهم إلا طريقة القياس والاجتهاد (4)، لان من جعل الحرام طلاقا ثلاثا معلوم أنه لم يرد أنه طلاق ثلاث (5) على الحقيقة، بل أرد أنه كالطلاق الثلاث، وجار مجراه، وكذلك من جعله يمينا وظهارا، ومحال أن يريدوا (6) إلا التشبيه والتمثيل، دون أن يكون عنده ظهارا، أو يمينا على الحقيقة، ولانه (7) قد نقل عنهم النص الصريح بأنهم قالوا ذلك قياسا، لان من ذهب إلى أن الجد بمنزلة الاب نص على أنه مع فقد الاب بمنزلة ابن الابن مع


1 – ب وج: نواه، ولعل الصحيح كما في العدة ص 268 (لغاه). 2 – الف: – من. * 3 – الف: – تعالى. 4 – الف: – والاجتهاد. * 5 – ج: ثالث. 6 – ج: يريد. * 7 – الف: لانهم. (*)

[ 707 ]

فقد الابن (1)، حتى صرح ابن عباس بأن قال: (ألا يتقي (2) الله زيد بن ثابت، يجعل (3) ابن الابن ابنا، ولا يجعل أب (4) الاب أبا)، وقد علمنا أنه لم يرجع في ذلك إلى نص، لان الجد لا نص عليه في الكتاب، فلم يبق إلا سلوكهم طريق (5) التمثيل والمقايسة. وروي أيضا عمن قال بالمقايسة بين الاخ والجد أنه شبههما بغصني (6) شجرة وجدولي (7) نهر. وهذا يبطل قول (8) من ادعى أنهم قالوا ذلك على طريق البور (9) والصلح، أو لانه أقل ما قيل فيه، أو حكموا بحكم (10) العقل، أو لنص (11) خفي. ويبطل ذلك زائدا على ما تقدم أنهم اختلفوا فيما لا يسوغ فيه الصلح (12) لتعلقه بتحريم الفروج وتحليلها، كمسألة الحرام


1 – الف: الابوين. * 2 – ج: تتقى. 3 – ج: لجعل. * 4 – الف: ابا. 5 – ج: طريقة. * 6 – الف: بغصن، ب: بعصبتي. 7 – الف: جدول، ب: خذولى. 8 – ب: – قول. 9 – ب: التوريث، وسائر النسخ (البور) وهو موافق لما في العدة ايضا فراجع ص 268. * 10 – الف: لحكم. 11 – الف: بنص. * 12 – ب: الصلح فيه. (*)

[ 708 ]

والايلاء وغيرهما. ولان ما يقال من طريق الصلح لا يفرع عليه، ولا يبنى (1) بحسبه المذاهب. ولانهم (2) اختلفوا في مواضع لا يصح أن يقال فيها بأقل ما قيل. ولانهم (3) اختلفوا (4) فيما زاد على أقل ما قيل، فقالوا أيضا – بأقاويل كلها خارج عما في أصل العقل. ولو قالوه أيضا لنص، لوجب أن يظهر، لان الدواعي (5) إلى إظهاره قوي. فإذا ثبت ذلك من حالهم، فهم بين قائل بالقياس، ومصوب له غير منكر عليه، فصاروا مجمعين (6) على القول به، و إجماعهم حجة. الثاني (7) مما تعلقوا به أنهم قالوا: قد ظهر عن (8) الصحابة القول (9) بالرأي، وإضافة مذاهبهم إلى الرأي. ولفظ الرأي (10) إذا أطلق لم يفد القول بالحكم من طريق النص، لان ما طريقه العلم لا يضاف إلى الرأي، جليا كان الدليل أو خفيا (11)، ولا يستفاد من ذلك إلا


1 – الف: يبتنى. * 2 – ب: لا، بجاى لانهم. 3 – ج: + قد. * 4 – ب: – في مواضع، تا اينجا. 5 – ب وج: الداعي. * 6 – ج: المجمعين. 7 – الف: و، بجاى الثاني. * 8 – ب: – عن. 9 – ج: – به واجماعهم، تا اينجا. * 10 – ج: – والفظ الرأى. 11 – ج: خفيها. (*)

[ 709 ]

القول من طريق القياس والاجتهاد. والاخبار الواردة بذلك كثيرة نحو ما روي عن أبي بكر في الكلالة: (أقول فيها برأيى)، و قول عمر: (أقضي فيها برأيى) * وقوله: (هذا ما (1) رأى (2) عمر) ونحو قول أمير المؤمنين عليه السلام في أمهات الاولاد: ((3) كان رأيى و (4) رأي عمر ألا يبعن ثم رأيت بيعهن)، وهذه الجملة تدل (5) على قولهم بالقياس والاجتهاد من الوجه الذي ذكرناه، ولو كان اعتمادهم في ذلك على طريق من طرق العلم، لم يصح منهم الرجوع من رأي إلى آخر، ولا التوقف فيه، وتجويز كونه صوابا، ولا أن يمسكوا (6) عن تخطئة المخالف والنكير عليه، و (7) لان الادلة لا تتناقض، ولا تختلف (8)، فكيف يجوز أن يرجع كل واحد إلى دليل مع اختلاف أقوالهم. والثالث مما (9) تعلقوا به ما روي من أن النبي صلى الله عليه وآله لما


1 – الف: – ما. * 2 – ج: روى. 3 – ب: + و. * 4 – ب: – رأيى و. 5 – ب: يدل. 6 – الف: لما امسكوا، بجاى (لا أن يمسكوا). 7 – ب: – و. * 8 – ج: يختلف. 9 – ج: ما. (*)

[ 710 ]

أنفذ معاذا إلى اليمن، قال له: (بماذا تقضي (1))، قال: (بكتاب الله)، قال: (فإن لم تجد في كتاب الله)، قال: (بسنة رسول الله)، قال: (فإن لم تجد في سنة رسول الله)، قال: (أجتهد برأيى (2))، فقال عليه السلام -: (الحمد (3) لله الذي وفق رسول (4) رسول لله لما يرضاه رسول الله). وبأنه قد (5) روي عن ابن مسعود مثل ذلك، وهو أنه قال له: (اقض بالكتاب والسنة إذا وجدتها، فإن لم تجد الحكم فيهما، فاجتهد رأيك). وبما روي عن عمر في رسالته المشهورة إلى أبي موسى الاشعري إنه (6) قال: (قس الامور برأيك). والرابع مما تعلقوا به قوله تعالى -: (فاعتبروا يا أولي الابصار)، قالوا: والاعتبار هو المقايسة، لان الميزان يسمى معبارا (7) من حيث يتبين (8) به مساواة الشئ لغيره. وبما روي عن ابن عباس من قوله في الاسنان: (اعتبروا حالها بالاصابع التي ديتها متساوية).


1 – ج: يقضى. * 2 – ب: راى. 3 – الف: الحد. * 4 – ب وج: – رسول. 5 – ب: قال، بجاى قد. * 6 – ج: – انه. 7 – ج: معيار، وفي نسخة الالف لم ترسم نقطة للكلمة. 8 – الف: بين، ج: يبين. (*)

[ 711 ]

وربما استدلوا بالآية على وجه آخر فقالوا: قد دل تعالى بهذه الآية على أن المشاركة في العلة تقتضي (1) المشاركة في الحكم، وذلك أنه قال تعالى (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم (2) لاول الحشر، ما ظننتم أن يخرجوا، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله، فأتيهم الله (3) من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب، تخربون بيوتهم بأيديهم و أيدي المؤمنين، فاعتبروا يا أولي الابصار.) فذكر تعالى ما حل بهم، ونبه (4)، على (5) علته وسببه، ثم أمر بالاعتبار، وذلك تحذير (6) من مشاركتهم في السبب، فلولم تكن (7) المشاركة في السبب تقتضي (1) المشاركة في الحكم، ما كان للقول معنى. والخامس مما تعلقوا به (8) أن قالوا: إذا ثبت أنه لا بد في الفروع الشرعية من حكم، ولم نجد نصا (9) ولا دليلا على


1 – ب وج: يقتضى. * 2 – الف: – من ديارهم. 3 – الف: – الله. * 4 – ب: منه. 5 – الف: – على. * 6 – ج: تجويز. 7 – ب وج: يكن. * 8 – ج: + انه. 9 – ب: نصلا. (*)

[ 712 ]

حكمها، فيجب أن نكون (1) متعبدين فيها بالقياس. وربما استدلوا بهذه الطريقة من وجه آخر: فقالوا: قد ثبت عن الصحابة أنهم رجعوا في طلب أحكام الحوادث إلى الشرع، فإذا (2) علم ذلك من حالهم في جميع الحوادث على كثرتها و صح أنه لا نص يدل على هذه الاحكام بظاهره، ولا دليله (3)، فليس بعد ذلك إلا القياس والاجتهاد. ولان التبخيت (4) يمنع منه العقل (5). وهذا الاستدلال يخالف الطريقة الاولى التي حكيناها عنهم، لانهم لم يرجعوا في هذا إلى إجماعهم (6) على نفس القياس والاجتهاد، بل رجعوا إلى إجماعهم في طلبهم الاحكام من جهة الشرع، وفي الطريقة الاولى اعتبروا إجماعهم على نفس القول بالقياس. والسادس مما تعلقوا به ما استدل به الشافعي وجماعة معه من أن القبلة لما وجب طلبها بما (7) يمكن الطلب به (8) عند عدم العين،


1 – ب وج: يكون. * 2 – ب: + كان. 3 – الف: دليل. * 4 – الف: التبحيث. 5 – الف: من الفعل. * 6 – ب: اجتماعهم. 7 – ب: لم، بجاى بما. * 8 – ب: – به. (*)

[ 713 ]

فكذلك (1) يجب طلب الحكم في الفرع (2) عند عدم النص بما يمكن طلبه به. والذي حكيناه من استدلالهم هو أقوى (3) ما اعتمدوه، وما فيه بعض الشبهة، وإلا، فقد اعتمدوا طرقا كثيرة ضعيفة (4) قد طعن بعضهم على بعض في اعتمادهم عليها، وبينوا (5) فيها أنها لا تدل (6) على القياس، ولا (7) على ثبوت العبادة به، وإن دلت على جوازه، مثل قوله – تعالى -: (فجزاء مثل ما قتل من النعم). وقوله – تعالى -: (وعلى الموسع (8) قدره وعلى المقتر قدره). وقوله – عزوجل -: (فإن خفتم ألا تعدلوا، فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم) وما روي عنه عليه السلام من قوله للخثعمية: (أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت تقضيه ؟)، قالت (9): (نعم)، قال عليه السلام -: (فدين الله أحق أن يقضى). وقوله لعمر حين سأله عن القبلة للصائم: (أرأيت لو تمضمضت بماء أكنت شاربه ؟). وقوله في حديث


1 – ب: وكذلك. * 2 – ب: الفروع. 3 – ب وج: قوى. * 4 – ج: + و. 5 – الف: تبينوا. * 6 – ب: يدل. 7 – ب وج: + تدل. * 8 – الف: موسع. 9 – ب: قال. (*)

[ 714 ]

أبي هريرة حيث سأله السائل عن رجل ولد له غلام أسود فقال عليه السلام له: (ألك إبل ؟) قال: (نعم)، قال: (ما ألوانها ؟)، قال: (حمر)، قال: (أفيها أورق (1) ؟)، قال: (نعم)، قال (2): (فأنى ذلك ؟)، قال: (لعل عرقا نزعه (3))، قال عليه السلام -: (وهذا لعل عرقا نزعه). وغير هذا مما لم نذكره لضعفه وبيان أمره. فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا: لنا في الكلام على هذا الوجه ثلثة وجوه: أولها أن جميع ما رويتموه من اختلافهم (4) في الحرام والجد (5) أخبار آحاد لا توجب العلم، وأكثر ما تقتضيه (6) * غلبة (7) الظن، فكيف تستدلون (8) بذلك على مسألة علمية ؟ !. واختلافهم على (9) الجملة في مسائل من الشريعة هو الظاهر لمن قرأ أخبارهم، ودونه في الرتبة أنهم اختلفوا في الجملة في (10) مسألة (11) الحرام والجد،


1 – الف: اروق، ب: ارزق. * 2 – ب: – قال. 3 – الف: نزغه. * 4 – ب: خلافهم. 5 – الف: الحد. * 6 – ب وج: يقتضيه. 7 – ب: عليه. * 8 – ج: يستدلون. 9 – ب: في. * 10 – الف: – الجملة في. 11 – الف: مسائل. (*)

[ 715 ]

ودون الامرين في الرتبة تفصيل المذاهب، وأن بعضهم جعل الحرام طلاقا، وبعض جعله يمينا (1)، فإن هم (2) حملوا نفوسهم على ادعاء العلم الضروري أو العلم المساوي للعلم بالبلدان والحوادث العظام في القسم الاول، لم (3) يمكنهم ذلك في الثاني، وإن تم لهم في الاول والثاني، لم يتم في الثالث، وليس يجوز في موضع (4) من المواضع أن يكون العلم بجمل (5) الاشياء يجرى مجرى العلم بتفاصيلها، ألا ترى أن العلم ببدر وحنين على الجملة لا يجري مجرى العلم (6) بتفصيل ما جرى فيهما (7)، وعدد القتلى (8)، وما أشبهها، والعلم بالهجرة على الجملة لا يساوي العلم بتفصيلها، والعلم بسخاء حاتم و شجاعة عمرو على الجملة لا يساوي العمل بتفصيل أفعالهما ؟ !. وأي عاقل يقدم على القول (9) بأنني أعلم أن الصحابي ذهب في الحرام إلى أنه طلاق أو يمين أو ظهار على حد علمي بمكة والهجرة ودعاء النبي إلى نفسه ؟ ! وغاية ما يمكن ذكره في أقسام الخلاف في


1 – ج: عينا. * 2 – ج: فانهم. 3 – ج: لا. * 4 – ج: الموضع. 5 – ب: بحمل، ج: محمل. * 6 – ج: – بتفاصيلها، تا اينجا. 7 – ب: فمنهما. * 8 – ج: القبلى. 9 – ج: – القول. (*)

[ 716 ]

الحرام أنه مثبت (1) بغالب الظن القوي، لان العلم الذي هو نظير العلم بالبلدان وما أشبهها (2) يجب اشتراك العقلاء فيه، وليس هم (3) بمشتركين فيما ذكرناه. وإذا كان استدلالهم مبنيا على أن هذه الوجوه من المذاهب المروية عنهم لا يجوز أن تستدرك (4) إلا بالقياس، وكان (5) ذلك مظنونا غير معلوم، بطل اعتمادهم من أصله. وكيف يمكن زائدا على ما ذكرناه أن (6) يدعى العلم الضروري في تفصيل هذه المذاهب مع اختلاف الروايات فيها ؟ ! لان ابن مسعود تختلف (7) الرواية عنه فيروى أنه كان يجعله يمينا، وتارة يروى أيضا أنه يجعله تطليقة واحدة، ويروى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يجعل الحرام تطليقات ثلثا، ونحن نروي عنه عليه السلام (8) أنه كان لا يعتد (9) بذلك، ولا يجعل له حكما ألبتة، كما رووا (10) عن مسروق، فمع هذا الاختلاف كيف يدعى العلم


1 – الف: يثبت. * 2 – ب: – وما اشبهها. 3 – الف وج: – هم. * 4 – الف: يستدل. 5 – الف: – كان. * 6 – الف: بان. 7 – ج: يختلف. * 8 – الف: – عليه السلام. 9 – ج: تعتد. * 10 – الف: روى. (*)

[ 717 ]

الضروري ؟ ! وجرى استدلالهم على صحة القياس هيهنا (1) مجرى استدلالهم على (2) العمل بخبر الواحد، لانهم بنوه على أخبار آحاد غير معلومة (3)، فاستدلوا بمظنون في موضع معلوم، وقد بينا ذلك فيما تقدم. وأما الوجه الثاني في الكلام (4) على هذه الطريقة، أن نبين (5) بطلان ما ادعوه، وقطعوا عليه، من أن القول في المسائل التي ذكروها لم يكن (6) إلا للقياس، ونبين (7) أنه يمكن أن يكون للنص، إما بظاهره، أو بدليله (8)، فالاحتمال في هذا الموضع كاف. ثم نقول لمعتمدي هذه الطريقة: لم زعمتم أن القول في هذه المسائل إنما كان بالقياس ؟ ! فلم نجدكم عولتم إلا على دعوى، ولم (9) إذا اختلفوا، وتباينت أقوالهم، وجب أن يسندوا تلك المذاهب إلى القياس ؟ ! فإنهم يعلمون أن الاختلاف في المذاهب


1 – ب: – استدلالهم، تا اينجا. * 2 – الف: + صحة. 3 – ب: – غير معلومة. * 4 – الف: – في الكلام. 5 – الف: يبين. * 6 – ب: تكن. 7 – الف: بينا. * 8 – ب: بدليل. 9 – الف: هم. (*)

[ 718 ]

المستندة إلى النصوص ممكن (1) بالشبهات، كإمكانه في المستندة (2) إلى القياس، ولم أنكرتم أن يكون كل واحد منهم إنما ذهب إلى ما حكي عنه لتمسكه بدليل نص اعتقد أنه دال على مذهبه (3) ؟ !. فإن قالوا: لو كانوا قالوا بذلك للنصوص، لوجب أن تنقل تلك النصوص، وتشتهر، لان الدواعي تقوى (4) إلى نقلها و الاحتجاج بها. قلنا: أول ما نقوله (5): أنا لم نلزمكم أن يكونوا اعتمدوا في هذه المذاهب نصوصا تدل صريحا (6) على المذاهب التي اعتقدوها (7)، بل ألزمناكم أن يكونوا اعتمدوا فيها أدلة النصوص التى يحتاج فيها إلى ضرب من الاستدلال والتأمل، وسواء كانت هذه النصوص ظاهرة للكل (8) معلومة للجميع، أو كانت (9) مختصة فلا يجب أن يفرضوا كلامنا في غير ما فرضناه فيه.


1 – الف: يمكن. * 2 – الف: بالمستندة. 3 – ب وج: مذهبهم. * 4 – ب وج: يقوى. 5 – الف: نقول. * 6 – ب: بصريحها، ج: على صريحها. 7 – ج: اعتقدوه. * 8 – الف: عند الكل. 9 – ب وج: – كانت. (*)

[ 719 ]

على أنا نقول لهم: و (1) لو كانوا اعتمدوا في ذلك على علل قياسية، لوجب نقلها وظهورها، لان الدواعي إلى نقل مذاهبهم تدعوا إلى نقل طرائقهم (2)، وما به احتجوا عليه، وما يجدون (3) في ذلك (4) رواية فإن كان فقد ما اعتمدوه (5) من دليل النص وارتفاع روايته دليلا على أنهم قالوا بالقياس، فكذلك يجب أن يكون فقدنا لرواية (6) عنهم يتضمن (7) أنهم قالوا بذلك (8) قياسا دليلا على القول به (9) من طريق النصوص. فإن قالوا: الفرق بين الامرين أن القياس مما لا يجب اتباع العالم (10) فيه، والنص يجب اتباعه، فوجب نقل النص، ولم يجب مثله في القياس. قلنا: إطلاقكم أن القياس لا يجب فيه الاتباع لا يصح على مذهبكم (11)، بل يجب فيه ذلك إذا ظهر وجه القول به، وأمارات


1 – ج: – و. * 2 – ب: طريقهم. 3 – ج: يحذون. * 4 – الف: هذه: 5 – الف: مقدما اعتقدوه، ج: اعتمدوا. 6 – الف: للرواية، ب: الرواية. * 7 – ب: – يتضمن. 8 – ب: ذلك. * 9 – ج: + و. 10 – الف: العلم، ج: العام. * 11 – ب: مذاهبكم. (*)

[ 720 ]

غلبة الظن فيه، وإنما لا يجب * القول به بارتفاع هذا (1) الشرط (2)، وعلى العالم أن يظهر وجه قوله لمن خالفه ليظهر له منه ما يكون فرضه معه الانتقال عما كان عليه، ولولا هذا (3) ما حسنت (4) مناظرة أصحاب القياس والاجتهاد بعضهم لبعض، ولم ينقل عن الصحابة وجه قولهم في مسألة الحرام التي وقع النص من مخالفينا عليها لقوتها عندهم، وما رأيناهم رووا عنهم العلة التي جعلوا هذا القول لها طلاقا ثلاثا، أو ظهارا، أو يمينا. على أنه إنما يجب على المعتقد المذهب أن يظهر وجه قوله عند المناظرة أو الحاجة الداعية، فأما أن يكون ظهور وجه القول (5) كظهور القول والمذهب، فغير (6) واجب، وكيف يقال ذلك ونحن نعلم أن كثيرا من الصحابة ومن كان بعدهم قد ظهرت عنه (7) مذاهب كثيرة فيما طريقه العلم والدليل القاطع من غير أن يظهر عنه أو ينقل ما كان دليله بعينه، ولاي طريق قال بذلك المذهب، واعتقده ؟.


1 – الف وج: هذه. * 2 – الف: الشروط. 3 – ج: – هذا. * 4 – ب: حسن. 5 – ج: – ان يظهر، تا اينجا. 6 – ج: فيميز. 7 – الف: عنهم، ج: منه. (*)

[ 721 ]

فإن قالوا: فقد تناظروا و (1) رد (2) بعضهم على بعض، ولم يذكر عنهم احتجاج بنص (3). قلنا: ليس يمكن أن يحكى في مسألة (4) الحرام التي اعتمدت، ولا في غيرها من المسائل التي لم يذكر فيها وجه احتجاج أنهم اجتمعوا فيها لمناظرة ومنازعة، وحاج بعضهم بعضا، ورد عليه، ثم لم يذكروا أدلة النص، ولا وردت رواية بشئ من ذلك، وأكثر ما روي إضافة هذه المذاهب إلى القائلين بها. على أنهم إن كانوا تناظروا وتنازعوا فلا بد أن يظهر كل واحد منهم (5) وجه قوله (6)، سواء كان نصا أو قياسا، وفي مثل هذه (7) الحال لا يسوغ الاعراض (8) عن (9) ذكر وجه القول، وإن جاز في (10) غيرها (11)، ولهذا لا نجد أحدا من الفقهاء ينازع خصمه، ويرد مذاهبه (12) عليه على سبيل المناظرة، ولا يظهر وجه قياسه، والعلة


1 – ج: أو. * 2 – ب: ورود، بجاى ورد. 3 – ج: بعض. * 4 – ج: المسألة. 5 – ب: + من. * 6 – ج: قولهم. 7 – ب: هذا. * 8 – الف: الاعتراض. 9 – الف: بمن. * 10 – ب: – في. 11 – الف: غيرهم. * 12 – الف: مذهبه. (*)

[ 722 ]

التي من أجلها ذهب إلى ما ذهب (1) إليه، بل لا بد له (2) من تحرير علله وتهذيبها، والاحتراز فيها من النقص (3)، وإذا كنالم نجد رواية عن أحد منهم بوجه قياسه، والعلة التي من أجلها جمع بين الامرين اللذين شبه أحدهما بالآخر، فيجب أن ينفى (4) عنهم القول بالقياس. فإن قالوا: من شأن العلماء أن يذكروا النصوص الشاهدة (5) لاقوالهم لترتفع عنهم التهمة في الخطاء، أو القول بغير دليل. قلنا: ومن شأنهم أن يذكروا الوجوه القياسية المصححة لمذاهبهم، لترتفع عنهم التهمة التي ذكرتموها. وبعد، فلعل القوم كانوا آمنين من أن يتهموا بالتبخيت (6) والاعتقادات المبتدأة، فلم يحتاجوا إلى ذلك. فإن قالوا: ليس نجد في نصوص الكتاب والسنة ظاهرا ولا دليلا يدل على هذه المذاهب التي حكينا اختلافهم فيها، اللهم إلا أن يدعوا (7) نصوصا غير ظاهرة، بل (8) اختص كل واحد منهم بها،


1 – ج: مذهب. * 2 – ب: – له. 3 – الف: النقض. * 4 – الف: تنفى. 5 – ب: المشاهدة * 6 – ب: بالتنخيت. 7 – ب: تدعوا. * 8 – هكذا في النسخ، ولعل الاصل – كما في العدة ص 270 – (بان). (*)

[ 723 ]

فيظهر بطلان قولكم لكل أحد (1). ويلزم حينئذ أن تكون (2) تلك النصوص قد أشيعت وأظهرت لتعلم وتعرف، وإلا طرق ذلك إبطال الشريعة أو أكثرها. قلنا: إنا ما ضمنا لكم أن يكون كل واحد من القوم ذهب إلى مذهبه لدليل عليه (3) من جهة النص، وإنما ألزمناكم أن تجوزوا (4) تشبث كل واحد منهم (5) بوجه اعتقده دليلا، وقد يجوز أن يكون فيه (6) مخطئا أو مصيبا، ولو أخطأت الجماعة في استدلالها على أقوالها إلا واحدا منها لم يضرنا (7) فيما قصدناه، لان الذي آمن من اجتماعهم على الخطاء لا يؤمن من (8) اجتماع (9) أكثرهم عليه، ففقدكم (10) من نصوص الكتاب والسنة أدلة على تلك المذاهب لا يدخل على (11) ما قلناه، اللهم إلا أن يريدوا (12) أنا فقدنا ما يمكن التعلق به أو الاعتقاد فيه أنه دليل، فهذا إذا ادعيتموه علمتم


1 – الف: واحد. * 2 – ج: يكون. 3 – ب: – عليه. * 4 – الف: – ان تجوزوا. 5 – الف: – منهم. * 6 – الف: – فيه. 7 – ب: – يضرنا. * 8 – الف وج: – من. 9 – ج: اجماع. * 10 – ج: فقدهم. 11 – ب: – على. * 12 – ج: يرد. (*)

[ 724 ]

ما فيه، وقيل لكم: من أين قلتم ذلك ؟ ! وكيف يحاط (1) بمثله، و يقطع عليه ؟ ! وهذا تحجر في الشبه طريف (2)، وليس يجب (3) في الشبه ما يجب في الادلة، لان الادلة منحصرة، والشبه لا تنحصر. على أنا نقول لهم: وما نجد لقول كل واحد من الجماعة علة تقتضي (4) القول بمذهبه، فيجب أن ينفى اعتمادهم في هذه المذاهب على العلل القياسية. فإن قالوا: إنكم لم تجدوا علة يجب عندها الحكم بكل ما حكي من المذاهب، فألا (5) أنتم تجدون ما يمكن أن يجعل علة ويعتقد عنده بالتقصير المذهب ؟. قلنا: وهكذا (6) نقول لكم فيما تقدم. على أنا نقول لكم (7): لم أنكرتم أن يكون (8) من ذهب (9) في الحرام إلى الطلاق الثلث إنما قال بذلك من حيث جعله ككنايات الطلاق التي هي طلاق على الحقيقة، ولها أحكام الطلاق عند كثير


1 – الف: يحاج. * 2 – ج: بطريف. 3 – الف وب: – يجب. * 4 – ب: يقتضى. 5 – الف: ولا، ب: والا. * 6 – ب وج: – وهكذا. 7 – ب وج: لهم. * 8 – ب: – ان يكون. 9 – الف: يذهب. (*)

[ 725 ]

منكم من غير اعتبار النية، ورجع (1) * في ذلك إلى النص في الطلاق فأدخله في جملة ما يتناوله الاسم. ومن قال: أنها يمين، رجع أيضا إلى نص الكتاب الذي يرجع إليه القائلون في زماننا هذا بأن الحرام يمين، وهو قوله – تعالى -: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك)، ثم (2) قوله عزوجل (3) من بعد: (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم)، فإن النبي صلى الله عليه وآله حرم على نفسه مارية القبطية، أو شرب العسل على اختلاف الرواية في ذلك، فأنزل الله تعالى ما تلوناه، وسميه يمينا، بقوله تعالى – (4): (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم)، فدخل فيما يتناوله اللفظ ؟ !. ومن عجيب الامر أنهم يجدون كثيرا من الفقهاء يتعلقون (5) في زماننا هذا في هذه المسألة بالظاهر والنص، ويعجبون من (6) أن يكون بعض الصحابة رجع في شئ من المذاهب التي حكوها إلى النص، ويقطعون على أنه لا مخرج لها في النص، وهذا يدل


1 – الف: يرجع. * 2 – ب: – ثم، ج: و. 3 – ج: جل وعزه. * 4 – الف وج: – تعالى. 5 – ج: يتعلقوا. * 6 – الف: – من. (*)

[ 726 ]

على قلة التأمل. ويمكن أيضا مثل ذلك فيمن ذهب إلى أنه ظهار بأن يكون أجراه مجرى الظهار (1) في تناول الاسم له، وإن كان لفظه مخالفا للفظ الظهار كما كانت كنايات الطلاق مخالفة للفظ الطلاق، وأجريت مجراه، وكذلك لفظ الحرام مخالف للفظ اليمين (2)، و أجري (3) في تناول الاسم مجريه. ومن ذهب إلى أنه تطليقة واحدة (4) كأنه ذهب إلى الطلاق، وإلى أقل ما يقع به، والذاهب إلى الثلث ذهب إلى الاكثر والاعم، وكل هذا مما يمكن أن يتعلق فيه بالظواهر والنصوص، ويكفي (5) الاشارة إلى ما يمكن أن يكون متعلقا، وليس يلزم أن يكون حجة قاطعة ودليلا صحيحا. فأما قول مسروق، فواضح أنه لم يقله قياسا، وأنه لما لم يجعل لهذا القول تأثيرا تمسك بالاصل في الحكم، أو ببعض الظواهر التي تحظر (6) تحريم المحلل.


1 – ب: الظاهر. * 2 – ب وج: لليمين، بجاى للفظ اليمين. 3 – ب: فاجرى. * 4 – ج: واحدا. 5 – الف: تكفى. * 6 – ب: تخطو، ج: يخطر. (*)

[ 727 ]

فإن قالو: لو كانوا رجعوا في هذه الاقوال إلى ظواهر النصوص أو (1) أدلتها، لوجب (2) أن يخطئ بعضهم بعضا، لان الحق لا يكون إلا في أحد الاقوال. قلنا: لا شئ أبلغ في التخطئة من المجاهرة بالخلاف والفتوى بخلاف المذهب، وهذا قد كان منهم، وزاد بعضهم عليه حتى انتهى إلى ذكر المباهلة (3) والتخويف بالله تعالى – فأما السباب واللعان والرجوع عن الولاية، فليس يجب عندنا بكل خطاء، وسنحكم القول في ذلك إذا انتهينا (4) إلى الكلام على الطريقة الثانية التي حكيناها عنهم بعون الله ومشيئته. فأما قولهم: إنهم جعلوه طلاقا (5) تشبيها وتمثيلا، فقد بينا أنه غير ممتنع أن يكونوا ألحقوه بما يتناوله الاسم. على أنهم لا يقدرون على أن يحكوا (6) في الرواية عنهم أنهم قالوا: قلنا بكذا تشبيها بكذا، وإنما روي أنهم جعلوا الحرام طلاقا، وحكموا فيه بحكم الطلاق، فأما من أي وجه فعلوا


1 – الف: و. * 2 – ج: يوجب. 3 – ب: المساهلة. * 4 – الف وج: انتقلنا. 5 – ب: – طلاقا. * 6 – ج: يحكموا. (*)

[ 728 ]

ذلك ؟ وهل ألحقوه به تمثيلا و (1) تشبيها، أو في تناول الاسم ؟، فليس بمنقول. على أنه ليس يمتنع (2) أن يشبه (3) الشئ بالشئ لا على سبيل المقايسة (4)، بل على سبيل الافهام والتقريب، فيقول (5) من ينفي (6) القياس مثلا: المصافحة والمعانقة يجريان مجرى المجامعة في نقض الطهر (7)، وإن لم يكن حاملا لهما عليها بالقياس (8)، بل يذهب إلى تناول اللفظ للكل، فلو نقل عنه التصريح بالتمثيل والشتبيه، لم يكن فيه دلالة على القياس، لان القياس ليس (9) هو أن يقول القائل (10): الحكم في هذا الشئ التحريم كما كان في غيره مما يتناول النص تحريمه، بل القياس هو أن يثبت للمسكوت (11) عن حكمه مثل حكم المنطوق بحكمه، لعلة جمعت بينهما، وتكون (12) العلة معلومة مميزة مستدلا على كونها علة من دون سائر صفات الاصل


1 – الف: أو. * 2 – الف: بممتنع. 3 – ب: يشتبه. * 4 – المقابسة. 5 – ب وج: فنقول. * 6 – الف: نفى. 7 – ب: نقص الظهر. * 8 – ب: – بالقياس. 9 – ج: – ليس. * 10 – الف: – القائل. 11 – ج: للسكوت. * 12 – الف: يكون. (*)

[ 729 ]

بالدليل، وهذا مما لا يروى عن أحد من الصحابة أنه (1) استعمله على وجه من الوجوه، فكيف (2) يدعى مع ذلك التصريح منهم بالقياس ؟ !. فأما ادعاؤهم أنهم صرحوا بالقياس، وتعلقهم بما روي عن ابن عباس من قوله: ألا (3) يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أب الاب أبا ؟ ! وما روي من التشبيه بغصني (4) شجرة وجدولي (5) نهر، فلا تعلق لهم بمثله. وأول ما فيه أنه لا يجب أن يعتمدوا في تثبيت (6) العبادة بالقياس على أخبار آحاد غير مقطوع بها، لان إثبات القياس عندهم من الامور المعلومة التي توصل (7) إليها بالادلة القاطعة، ولا تغني (8) في مثله (9) الظنون، والذي رووه عن ابن عباس وغيره من أخبار الآحاد التي لا يقطع (10) بها، فكيف (11) يستدل بها (12) لو كان فيها (13) دلالة على


1 – ج: إذا، بجاى انه. * 2 – ج: – فكيف. 3 – ج: + لا. * 4 – الف: بغصن، ج: يفضى. 5 – الف: جدول، ب: حذول. 6 – الف: تشبت. * 7 – ج: يوصل. 8 – الف: تفنى. * 9 – ب وج: مثل. 10 – ج: يقع. * 11 – الف: كيف. 12 – ب: – بها، ج: + و. 13 – ب: – فيها. (*)

[ 730 ]

ما (1) ثبت بالادلة الموجبة للعلم. وليس لهم أن يدعوا الاجماع على صحة هذه (2) الاخبار و (3) تلقي الامة لها بالقبول، أو يدعوا تواترها وانتشارها، وذلك أنها وإن ظهرت بين الفقهاء وذكرت في كتب أصحاب الفرائض، فلا شبهة في أن موردها * مورد الآحاد، وابتداء النقل فيها كان خاصا، ولا فرق بين مدعي تواترها وبين (4) مدعي تواتر جميع أخبار الآحاد التي ظهرت بين الفقهاء، وكثر إحتجاجهم بما في كتبهم ومناظراتهم، وإن كان (5) أصولها آحادا. فأما الاجماع والتلقي بالقبول، فإنه غير مسلم، لانه لم يكن منهم في هذه الاخبار من القبول إلا ما كان منهم في خبر الوضوء من مس الذكر، وكقوله: إن الاعمال بالنيات، وما شاكل ذلك من أخبار الآحاد، فقد علمنا أن هذه الاخبار التي ذكرناها وما جرى مجراها ليس مما تجب به الحجة (6) ولا (7) تثبت (8) بمثلها (9) الاصول التي (10) طريقها العلم.


1 – ج: – ما. * 2 – ج: – هذه. 3 – الف: – و. * 4 – الف: – بين. 5 – ج: كانوا. * 6 – الف: – الحجة. 7 – ج: الا. * 8 – ب: يثبت. 9 – ب وج: بمثله. * 10 – ب: + في. (*)

[ 731 ]

فإن قالوا: خبر (مس (1) الذكر) و (الاعمال بالنيات) ما قبلوه من حيث قطعوا على صحته، وإنما عملوا به لانهم يعملون على أخبار الآحاد. قلنا: وهكذا خبر غصني (2) الشجرة، والخبر الآخر، ولن يجدوا (3) بين الامرين فرقا. وبعد، فلو سلمنا قيام الحجة لما رووه وإن لم يكن كذلك لم يكن فيه دلالة على قولهم (4)، لان أكثر (5) ما في الرواية عن ابن عباس أنه أنكر على زيد أنه لم يحكم للجد بحكم الاب الادنى، كما حكم في ابن الابن، وليس في الرواية أنه أنكر ذلك عليه، وجمع بين الامرين بعلة قياسية أوجبت الجمع بينهما، وظاهر نكيره يحتمل أن يكون لان ظاهرا من القول أوجب عنده إجراء (6) الاب مجرى الجد (7)، كما أن ظاهر آخر أوجب إجراء ابن الابن مجرى ابن الصلب، ألا ترى أنه يحسن من نافي القياس


1 – ب: اخبرين. * 2 – الف: غصن. 3 – ج: تجدوا. * 4 – الف: قولكم. 5 – ب: اكثره. * 6 – ج: اجرى. 7 – ب: + الا. (*)

[ 732 ]

العامل في مذاهبه كلها على النصوص أن يقول (1) لمن خالفه في حكم الملامسة: أما تتقي (2) الله توجب انتقاض الطهر بالتقاء الختانين، ولا توجب انتقاضه بالقبلة، وهو يذهب إلى أن الجامع بينهما ظاهر قوله – تعالى -: (أو لامستم النساء)، فلا يمتنع أن يكون ابن عباس إنما دعا زيدا إلى القول بالظاهر، وقال: إذا أجريت ابن الابن مجرى الابن للصلب (3) لوقوع اسم الولد عليه، وانتظام قوله تعالى -: (يوصيكم الله في أولادكم) لهما، فأجر – أيضا الجد مجرى الاب الادنى لوقوع اسم الاب عليهما. و قد روي عن ابن عباس تصريحه في التعلق في ذلك بالقرآن. على أن (4) ظاهر قول ابن عباس يشهد بمذاهبنا (5) لانه نسب زيدا إلى مفارقة التقوى، وخوفه بالله تعالى فلولا أن (6) زيدا عنده كان في حكم العادل عن النص، لم يصح منه إطلاق ذلك القول، لان من يعدل عن موجب (7) القياس على اختلاف (8) مذاهب مثبتيه (9)


1 – ب: تقول. * 2 – ج: تنفى. 3 – الف: ابن الصلب. * 4 – ج: – ان. 5 – ب: بمذهبنا. * 6 – ب: – ان. 7 – ج: وجوب. * 8 – ب: + القياس. 9 – ج: + و. (*)

[ 733 ]

لا ينسبونه إلى (1) مفارقة التقوى، لان أكثرهم (2) يقول: إنه مصيب، ومن خطأه يقول: إنه معذور، و (3) لا يبلغ (4) به هذه الحال. فأما ذكرهم غصني (5) الشجرة وجدولي (6) النهر، فلا (7) يوجب (8) القول بالقياس، وإنما سلكوا ذلك تقريبا للقول من الفهم، و تنبيها عليه من غير أن يجعلوه علة موجبة للحكم، كما يفعل المعلم مع المتعلم (9) من ضرب الامثال (10) وتقريب (11) البعيد وإزالة اللبس (12) عن الامر المشتبه. وكيف يصح أن يدعى في ذلك أنه على طريق (13) المقايسة، وقد علمنا أن القدر (14) الذي اعتمدوه من ذكر الغصن والجدول لا يصح أن يكون عند أحد أصولا في الشريعة يقاس عليها، وتثبت (15) الاحكام بها. (16)


1 – ج: الا. * 2 – ج: اكثر. 3 – ج: – و. * 4 – ج: تبلغ. 5 – الف: غصن، ب: عصبي. * 6 – الف: جدول، ب: خذولى. 7 – ب: – فلا. * 8 – ب: توجب. 9 – ج: – مع المتعلم. * 10 – ج: الامتثال. 11 – ج: + العهد. * 12 – ج: البس. 13 – ج: طريقة * 14 – الف: العذر. 15 – ب وج: يثبت. * 16 – ج: لها. (*)

[ 734 ]

على أن الوجه في ذكر (1) ذلك التوصل إلى معرفة أقرب الرجلين من المتوفي وألصقهم به نسبا، ثم رجعوا في توريثه إلى الدليل الموجب للاقرب الميراث، وهذا كما يتنازع رجلان في ميراث ميت، ويدعي كل واحد منهما أنه أقرب إليه من الآخر، فيصح لمن أراد اعتبار أمرهما أن يعد الآباء بين الميت وبين كل واحد منهما، ويحصيهم (2)، ليعلم (3) أن الاقرب هو من قل عدد الآباء بينه وبين الميت. وله أيضا أن يوضح (4) ذلك لمن التبس عليه بذكر الامثال والنظائر وإن كان كل (5) ذلك مما لا يثبت به التوريث، و إنما يعرف به الاقرب، وبالنصوص تثبت المواريث. وأما الوجه الثالث من الكلام على هذه الطريقة، فهو أنا نقول لهم: لم زعمتم أن النكير مرتفع، وقد روي عن كل واحد من الصحابة الذين أضفتم إليهم القول بالقياس ذم القياس (6)، وتوبيخ فاعله، والازراء عليه، فروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (لو كان الدين (7) يؤخذ (8) قياسا لكان باطن الخف أولى بالمسح


1 – الف: – ذكر. * 2 – الف: يخصهم. 3 – الف: ويعلم. * 4 – ج: يرجح. 5 – ب: – كل. * 6 – ب: – ذم القياس. 7 – ب: الذى. * 8 – الف: يوحد. (*)

[ 735 ]

من ظاهره)، وهذا تصريح منه عليه السلام بأنه لا (1) قياس في الدين، وروي عنه (صلوات الله عليه) أيضا قوله: (من أراد أن يتقحم (2) جراثيم جهنم، فليقل في الجد (3) برأيه). وهذا اللفظ أيضا يروى (4) عن عمر، والنقل عنه عليه السلام – مستفيض بإنكار القياس في الشريعة أكثر من استفاضته (5) عن غيره هذا ما يرويه مخالفونا من أصحاب الحديث في هذا الباب. وأما ما يرويه شيعة أمير المؤمنين عليه السلام عنه وعن أبنائه عليهم السلام من إنكار القياس في الشريعة، وتقريع (6) مستعمليه (7) وتضليل متبعيه، فإن الشرح لا يأتي عليه، لكثرته، وظهوره، وانتشاره. ومما رواه مخالفونا من أصحاب الحديث في هذا الباب * عن أبي بكر (8) قوله: (أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله برأيى). وعن عمر (9) أنه قال: (إياكم و (10) أصحاب الرأي فإنهم أعداء (11) السنن (12)، أعيتهم (13)


1 – ب: – لا. * 2 – ب: ينقحم. 3 – ج: الحد. * 4 – ب وج: – يروى. 5 – ب وج: استفاضة. * 6 – ب وج: تفريع. 7 – ب وج: مستعمله. * 8 – ب: + في. 9 – ب: + ايضا. * 10 – ج: – و. 11 – ب وج: اعدا. * 12 – ب: السنين. 13 – ج: وعيتهم. (*)

[ 736 ]

الاحاديث أن (1) يحفظوها، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا). وروي عنه أنه قال: (إياكم والمكايلة)، قيل: (وما المكايلة)، قال: (المقايسة). وروى شريح قال: (كتب إلى (2) عمر بن الخطاب و هو يومئذ من قبله اقض بما في كتاب الله، فإن جاءك (3) ما ليس في كتاب الله، فاقض بما في (4) سنة (5) رسول الله، فإن جاءك (3) ما ليس في سنة رسول الله، فاقض بما أجمع (6) أهل العلم عليه (7)، فإن لم تجد، فلا عليك أن لا تقضي.) وروي عن (8) عمر أيضا أنه قال: (أجرأكم على الجد (9) أجرأكم على النار)، وعن عبدالله بن مسعود أنه قال: (يذهب قراؤكم وصلحاؤكم ويتخذ (10) الناس رؤساء جهالا يقيسون الامور (11) برأيهم.)، وعنه أنه قال: (إذا قلتم في دينكم بالقياس، أحللتم كثيرا مما حرم الله وحرمتم كثيرا مما حلل (12) الله.)، وروي عن عبدالله بن عباس أن الله تعالى قال (13) لنبيه صلى الله عليه وآله -: (احكم


1 – ب: – ان. * 2 – ب: كتبت إلى. 3 – ج: جاك. * 4 – ب: – في. 5 – ب: سنه. * 6 – ب: + عليه. 7 – ب: – عليه. * 8 – ب: – عن. 9 – هكذا في نسخة ج، وتوافقها العدة (راجع ص 274) وفي نسختي الف وب: الحد. 10 – الف: يتجذ. * 11 – ب: لامر. 12 – الف: حرم. * 13 – الف: انه قال الله (خ ل). (*)

[ 737 ]

بينهم بما أنزل الله) ولم يقل (1): (بما رأيت)، وروي عنه أيضا أنه قال: (لو جعل لاحد أن يحكم بما يراه، لجعل (2) ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله لقوله (3) تعالى -: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله)، وروي عنه أنه قال: (إياكم والمقاييس، فإنما (4) عبدت الشمس والقمر بالمقاييس)، وعن عبدالله بن عمر أنه قال: (السنة ما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله لا تجعلوا (5) الرأي سنة للمسلمين.) وقال مسروق (6): (لا أقيس شيئا بشئ، أخاف أن تزل قدمي بعد ثبوتها)، وكان ابن سيرين (7) يذم القياس، ويقول: (أول من قاس إبليس). وروي عنه أيضا أنه كان لا يكاد يقول برأيه شيئا (8)، و (9) قال الشعبي (10) لرجل: (لعلك من القائسين)، وقال: (إن أخذتم بالقياس، أحللتم الحرام، وحرمتم الحلال)، وكان أبو سلمة بن عبدالرحمن لا يفتي برأيه (11).


1 – ج: + برأيك. * 2 – ج: كجعل. 3 – ب وج: لقول الله، ولعل الاصل يقول الله. 4 – ج: وانما. * 5 – ج: تجعل. 6 – ب: – مسروق. * 7 – ب: شيرين. 8 – ب: سبيا. * 9 – الف: – و. 10 – ج: + و. * 11 – ب: – برأيه. (*)

[ 738 ]

وإذا كان القوم قد صرحوا بذم القياس، وإنكاره وتوبيخ فاعله، فأي نكير يتجاوز ما ذكرناه ورويناه (1) عنهم ؟ !. وليس لهم أن يتأولوا (2) الالفاظ التي رويناها عنهم، ويستكرهوا التأويل فيها، فيتعسفوا (3)، مثل أن يحملوها على إنكار بعض القياس دون بعض، و (4) على وجه دون وجه، ليسلم لهم ما حكوه من قولهم بالرأي والقياس، لان ذلك إنما كان يسوغ لو كان ما استدلوا به على قولهم بالقياس غير محتمل للتأويل، وكان صريحا في دلالته على ذلك، فأما و (5) قد بينا أن جميع ما تعلقوا به في مسألة الحرام وغيرها من المسائل (6) لا يدل (7) على القياس، ولا له (8) أيضا ظاهر (9) في الدلالة عليه، وسنبين بمشية الله تعالى مثل ذلك في تعلقهم بالرأي، وإضافة الاحكام إليه، وأنه لا ظاهر له في الدلالة على القياس، فضلا عن أن يحتمل التأويل. ولا وجه لتأويلهم ما رويناه من الاخبار، لا سيما وجميعها (10) له


1 – ج: روينا. * 2 – الف: يتناولوا، ج: يتناول. 3 – الف: ويتعسفوا. * 4 – ب: أو. 5 – هكذا في النسخ، لكن في العدة: فانا، مكان فاما و (ص 275) 6 – الف: + التى. * 7 – الف: تدل. 8 – الف وج: دلالة. * 9 – ج: ظاهرا. 10 – ب: جمعها. (*)

[ 739 ]

ظاهر في نفي القياس، لابد لهم من العدول عنه إذا صح تأويلهم (1)، فكيف يعدل عما له ظاهر في الدلالة على أمر لاجل ما لا ظاهر له. ولو تساوى الامران في الظاهر – أيضا -، وليسا (2) كذلك لم يكن لهم أن يحملوا أخبارنا على التأويلات التي ذكروها، لتسلم (3) دلالة (4) ما تعلقوا به على القياس، ولا (5) كانوا بذلك أولى منا إذا تأولنا ما رووه، و (6) حملناه على أن القول فيه إنما كان بالنصوص وأدلتها، لتسلم (7) دلالة ما رويناه على نفي القياس. وما لا يزالون يتعلقون به في ذلك، من قولهم: إن المنكرين لذلك هم المستعملون له، فلا بد من حمل النكير على ما يوافق ما ظهر عنهم من استعمال القياس تعللا (8) منهم بالباطل (9)، وذلك أنا لا نعلم أنهم يستعملون القياس ضرورة، أو من وجه (10) لا يسوغ فيه التأويل، ولا يدخله الاحتمال، وإنما ادعي ذلك عليهم، وتعلق


1 – ج: – ما رويناه، تا اينجا. * 2 – الف: لسنا، ج: فليسا. 3 – ب وج: ليسلم، ب: + لهم. 4 – ب: – دلالة. * 5 – ج: لو. 6 – ج: – و. * 7 – ج: ليسلم. 8 – هكذا في النسخ، الصحيح (تعلل) بالرفع. 9 – الف: بالظاهر. * 10 – الف: جهة. (*)

[ 740 ]

مدعيه بما لا ظاهر له، ولا شهادة فيه على القول بالقياس، وأحسن أحواله أن يكون محتملا، فكيف يصح ما ذكروه ؟ !. وهذه الجملة التي ذكرناها تسقط قولهم: إن الذي ذموه (1) هو الذي يصدر عن الهوى، أو (2) الذي يستعمل في غير موضعه، وأن أمير المؤمنين عليه السلام إنما نفى أن يكون جميع الدين يؤخذ بالقياس، وكذلك أبو بكر إنما استكبر (3) استعمال الرأي في كتاب الله تعالى على وجه لا يسوغ فيه، إلى غير هذا مما يقولونه، ويفزعون إليه، لان كل ذلك منهم عدول عن الظاهر، وتخصيص لاطلاقه، وتأويل (4) لا يجب المصير إليه إلا بعد القطع على صحة القياس، وأن القوم قالوا به على وجه لا يحتمل التأويل. فأما قول بعضهم: إنهم فعلوا ذلك تشددا واحتياطا للدين، حتى لا (5) يعول (6) الفقهاء على القياس، ويعدلوا عن تتبع الكتاب والسنة. فظاهر البطلان، وذلك أن التشدد لا يجوز أن يبلغ إلى


1 – الف: رموه. * 2 – الف: و. 3 – الف: استنكر. * 4 – ب وج: تأول. 5 – ج: – لا. * 6 – ج: يقول. (*)

[ 741 ]

إنكار ما أوجبه الله تعالى أو (1) قبح (2) فيه، ولا يقتضي أن يخرجوا إنكارهم المخرج الموهم لانكار الحق، ولو كان ذلك غرضهم، لوجب أن يصرحوا بذم (3) العدول عن الكتاب والسنة، * والاعراض عن تأملهما (4) والتشاغل بغيرهما، من غير أن يطلقوا إنكار القياس (5) والرأي اللذين هما عندكم أصلان من أصول الدين، تاليان (6) للكتاب والسنة والاجماع. على أنه يمكن أن يقال لهم مع تسليم ارتفاع (7) النكير: لم أنكرتم أن يكون بعض الصحابة الذين حكيتم عنهم الاختلاف في مسألة الحرام وغيرها – وهو من كان قوله منهم (8) أبعد من (9) أن يتناوله شئ (10) من ظواهر الكتاب والسنة – استعمل القياس وأن يكون الباقون رجعوا في مذاهبهم إلى النصوص وأدلتها، غير أن من ذهب إلى القياس منهم لم يظهر وجه قوله، ولا علمت الجماعة (11)


1 – ب: – أو. * 2 – ب: قبيح، ج: فسخ. 3 – ب وج: – بذم. 4 – ب: تأملها. 5 – ج: القياد. * 6 – الف: تابعان. 7 – ب: – ارتفاع. * 8 – ب: – منهم. 9 – ج: – من. * 10 – ج: لشئ. 11 – ج: الحاجة. (*)

[ 742 ]

أنه قاله (1) قياسا، ولو علموا (2) بذلك، لانكروه (3)، غير أنهم لم يعلموا، فأحسنوا الظن بالقائل، وظنوا أنه لم يقل إلا عن نص أو طريق مخالف للقياس. وليس يجب أن يكون وجه قول كل واحد منهم على التفصيل (4) معلوما للجماعة، ومتى ادعوا ذلك، طالبناهم بالدليل على صحته، فإنهم لا يجدونه. وأنهم متى قالوا في هذه الاخبار التى رويناها في إنكارهم القياس: إنها أخبار آحاد (5) لا توجب علما (6). قلنا: ولا أخباركم في إثبات القياس توجب علما على ما تقدم بيانه، ومعارضة ما (7) ليس بمعلوم (8) بما ليس بمعلوم صحيحة (9). ولهذه الاخبار التي رويناها ظواهر في نفي القياس، وتصريح بذمه، وليس للاخبار التي رووها ظاهر (10) في إثبات القياس، ولا تصريح بأنهم استعملوه. ويمكن في الطعن على طريقتهم هذه التى تكلمنا عليها وجه


1 – ب: قال. * 2 – الف: عملوا. 3 – الف: انكروه. * 4 – ب: التفضيل. 5 – ج: الاحاد. * 6 – الف: + ولاعملا. 7 – ب: معارضته بما. * 8 – ج: معلوم. 9 – ب: صحته. * 10 – ج: – في نفى، تا اينجا. (*)

[ 743 ]

آخر صعب (1)، نسلم (2) لهم فيه أن الصحابة قالت بالقياس أو أكثرهم، وأن النكير على من قال ذلك ارتفع: وهو أن نقول لهم: إن ارتفاع النكير عندنا وعند المحصلين منكم والمحققين لا يدل في كل موضع على الرضا والتسليم، وإنه إنما يدل على الرضا بشرط أن يعلم أنه لا وجه له إلا الرضا، و (3) لا داعي (4) إليه سواه، فأما مع تجويز كونه للرضا وغيره، فلا دلالة فيه. وإنما عدلنا عن هذا الوجه وذكره في جملة الوجوه التي طعنا (5) بها على طريقتهم (6) لان الفقهاء يستوحشون من مثل هذا الجنس من الكلام، لكونه طاعنا في أصول هي أهم من القياس، ولانه يحوج (7) إلى الكلام في الامامة، فاقتصرنا على ما هو أوفق وأليق. ويقال لهم فيما تعلقوا به ثانيا: قد ادعيتم في معنى الرأي ما لا يصح، لان الرأي إذا أطلق، أفاد كل ما (8) كان متوصلا (9) إليه (10)


1 – ب: + ان. * 2 – ج: يسلم. 3 – الف: أو. * 4 – ب وج: داع. 5 – الف: طعنوا، ج: طعناها. * 6 – ج: طريقهم. 7 – الف: يخرج. 8 – رسم في جميع النسخ (كلما) موصولا، والصحيح (كل ما) مفصولا. 9 – ب: موصلا. * 10 – ب: – إليه. (*)

[ 744 ]

بضرب من الاستدلال الذي يصح فيه اعتراض الشبهات، واختلاف أهل الاسلام، ولا يختص ما قيل قياسا دون ما قيل من جهة اعتبار الظواهر والاستدلال بها، ألا ترى أنهم يقولون: فلان يرى العدل، وفلان يرى القدر (1)، وفلان يرى الارجاء، وفلان يرى القطع على عذاب فساق أهل الصلوة، وإن كان كل ذلك متوصلا إليه بالادلة الموجبة للعلم. وكذلك يقولون: إن أبا حنيفة يرى الوضوء بالنبيذ (2)، وإن ذلك رأيه، (3) كما يقال: إنه مذهبه، وإن كان لا يرجع في ذلك إلى قياس واجتهاد. ويقال أيضا: إن القضاء بالشاهد واليمين رأي مالك والشافعي، وإن كان مرجعهما فيه إلى الخبر. وإن الاقراء (4) التى تعتبر في العدة على رأي أبي حنيفة الحيض (5)، وعلى رأي الشافعي وغيره الاطهار: وإن كان رجوع كل واحد منهما في ذلك إلى ضرب من الاستدلال (6) يخالف القياس. فإذا كان معنى الرأي والمستفاد به المذهب والاعتقاد على ما ذكرناه، لم يكن (7)


1 – الف: – وفلان يرى القدر. * 2 – ب: بالتبييد. 3 – ج: رواية، ب: راية. * 4 – ج: الاقرار. 5 – ب وج: المحيض. * 6 – ج: + و. 7 – الف: + فيه. (*)

[ 745 ]

في إضافة الصحابة أقوالها إلى الرأي دلالة على ما توهمه خصومنا من القول (1) بالقياس، لانهم لم ينصوا على أن الرأي (2) الذي رأوه (3) هو الصادر عن القياس دون غيره، فإذا (4) لم ينصوا، والقول محتمل لما نقوله، لم يكن للخصم فيه دلالة. فإن قالوا: إن كان القول في الرأي على ما ذكرتم، فلم (5) لا يقال: إن المسلمين يرون التمسك بالصلوة والصوم وما أشبه ذلك من الامور المعلومة بالنصوص. قلنا: إنما لا (6) يقال ذلك، لما بيناه من أن لفظ الرأي يفيد في التعارف الامور المعلومة (7) من الطرق التي يصح أن تعترضها (8) الشبهات، ويختلف فيها أهل القبلة، ولهذا لا يضيفون الامور المعلومة ضرورة (9) من واجبات العقول إلى الرأي، كقبح الظلم، ووجوب الانصاف، ولا يضيفون أيضا – إليه العلم بدعاء الرسول عليه السلام لامته إلى صلوات خمس وصوم شهر معين، وكذلك أيضا لا يضيفون


1 – الف: بالقول، بجاى من القول. 2 – ج: دلالة، تا اينجا. * 3 – ج: رواه. 4 – ب وج: وإذا. * 5 – ب: فلما. 6 – ب: – لا. * 7 – ب: – المعلومة. 8 – ب: يعترضها. * 9 ب: – ضرورة. (*)

[ 746 ]

إليه سائر الامور المعلومة بالادلة التي لا يختلف المسلمون فيها، كوجوب التمسك بالصلوة والصوم، والعلم بنبوة النبي صلى الله عليه وآله وصدق دعواه، وقد بينا أنهم يطلقون الرأي في القول بالعدل والقدر وغير ذلك مما فارق ما ذكرناه. فإن قالوا: إنما صح أن يقول العدلي: فلان يرى القدر، ويقول القدري: فلان يرى العدل، لان كل واحد منهما ينسب صاحبه إلى القول بغير علم وإن اجتهد، فينسبه (1) إلى القول الذي هو بالرأي الذي (2) هو القياس (3). قيل لهم (4): هذا (5) الاطلاق الذي حكيناه * ليس يختص بواحد دون آخر، بل (6) العدلي يقول في نفسه وفيمن يقول بقوله: إنه يرى (7) العدل، وكذلك قائل القدر والارجاء (8). على أن العدلي لا (9) يرى أن القدري قائل (10) بالقدر إلا عن تقليد أو شبهة، وليس يرى


1 – الف: فنسبه. * 2 – الف: – الذى. 3 – في العدة مكان هذه العبارة: فشبه بالقول بالرأى الذى هو القياس. 4 – ب: له. 5 – ج: – المعلومة من الطرق التى يصح، تا اينجا (سقطت سطور). 6 – ب: – دون اخر بل، + وان. * 7 – ج: يروى. 8 – ج: الاجا. * 9 – الف: – لا. 10 – هذا هو الصحيح، لكن النسخ كلها (قائلا) بالنصب. (*)

[ 747 ]

أنه قائل عن اجتهاد يقتضي غلبة الظن، حتى يطلق عليه لفظ الرأي المختص عندهم بالمذاهب الحاصلة من طريق القياس. فان (1) قالوا: كيف (2) يصح أن ينازعوا في اختصاص الرأي بما ذكرناه، ومعلوم أن القائل إذا قال: هذا مذهب أهل الرأي وقال أهل الرأي كذا وكذا لم يفهم منه إلا أهل القياس دون غيرهم ؟. قيل لهم: هذا تعارف حادث في أهل القياس (3)، لانه لما حدث (4) الاختلاف بين الامة في القياس، فنفاه قوم، وأثبته قوم غلب على مثبتيه (5) الاضافة إلى الرأي، ومعلوم أن هذا التعارف لم يكن في زمن (6) الصحابة، فكيف يحمل خطابهم عليه ؟ !. على أنه ليس معنا (7) عن (8) أحد من الصحابة أنه (9) قال: نحن من أهل الرأي، والمروي عنهم (10) قولهم (11): رأينا كذا (12)، وكان


1 – ب: وان. * 2 – ج: فكيف. 3 – ب: دون غيرهم، تا اينجا. * 4 – ج: جرت. 5 – ج: مثبتة. * 6 – الف: زمان. 7 – هكذا في نسخة الالف ونسخة خطية من العدة، واما سائر النسخ، ففى ب: معناه، وفى ج: معنى، وفي النسخة المطبوعة من العدة معينا (راجع ص 278). 8 – ب وج: – عن. * 9 – ب وج: – انه. 10 – الف وج: عنه. * 11 – الف: – قولهم. 12 – الف: + وكذا. (*)

[ 748 ]

رأيي ورأي فلان كذا، وليس يمتنع أن يكون في بعض تصرف اللفظة من التعارف ما ليس هو في جميع تصرفها (1)، وتكون (2) الاضافة إلى الرأي هي التي غلب فيها ما ذكروه، وإن لم يغلب في قولهم: رأيت، وكان كذا من رأيي. وهذا مما لا يمكن دفعه، فإنه لا شبهة على أحد في أن قولهم: فلان من أهل الرأي لا يجري في الاختصاص بالاضافة إلى الاجتهاد والقياس مجرى قولهم: رأي فلان كذا، وكان رأي فلان أن يقول بكذا، وأن الثاني لا تعارف فيه يخصصه، وإن كان في الاول. وإذا صح ما ذكرناه، (3) لم يمتنع أن يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (كان رأيي ورأي عمر أن لا يبعن، ورأيي الآن أن يبعن)، أي مذهبي وما أفتي به. وكذلك قول أبي بكر: (أقول فيها برأيي)، أي ما أعتقد وأداني (4) الاستدلال إليه. وكذلك قول عمر: (أقضي فيها برأيي). فإن قالوا: إذا (5) كان الامر على ما قلتم، فلم قالوا: إن كان صوابا فمن الله، و (6) إن كان خطاء فمني ومن (7) الشيطان ؟ والنصوص


1 – ج: تصرفهما. * 2 – ب: يكون. 3 – الف وج: + و. * 4 – ب: ادنى. 5 – ج: ان. * 6 – ج: – و. 7 – ج: ان، بجاى من. (*)

[ 749 ]

لا يكون فيها خطاء. قيل لهم: قد يخطئ المحتج بالكتاب والسنة والمستدل بأدلتهما، بأن يضع الاستدلال في غير موضعه، مثل أن يؤخر مقدما (1)، أو يقدم مؤخرا، أو يخص عاما، أو يعم خاصا، أو يتمسك بمنسوخ، أو يعمل على ما هناك أولى منه، فيكون الخطأ منه أو من الشيطان، فالكتاب والسنة وإن لم يكن فيهما خطاء، فالمستدل بهما قد يخطئ وقد يصيب. على أنا إذا تأملنا المسائل التي قالوا فيها بما (2) قالوا، أو أضافوه إلى رأيهم، وجدنا جميعها له مخرج في أدلة النصوص (3)، والذاهب إليها (4) متعلق بغير القياس. أما (5) بيع أم الولد فيمكن أن يعول من منع منه على (6) ما روي عنه عليه السلام من قوله: (أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة) وبما روي عنه عليه السلام في مارية القبطية لما ولدت إبراهيم (أعتقها ولدها).


1 – ب: متقدما. * 2 – ب: انما. 3 – ج: المنصوص. * 4 – الف: – إليها. 5 – ب وج: فاما. * 6 – ب: – على. (*)

[ 750 ]

ومن ذهب إلى جواز (1) بيعها أمكنه التعلق بأشياء: منها أن أصل الملك جواز التصرف، والولادة غير مزيلة للملك، بدلالة أن لسيدها (2) وطئها بعد الولادة من غير ملك ثان ولا عقد نكاح، وذلك يقتضي بقاء (3) السبب المبيح للوطي، وهو الملك. ومنها أنه لا (4) خلاف في أن عتقها بعد الولادة جائز، ولو كان الملك زائلا، لما (5) جاز العتق. ومنها قوله تعالى: (وأحل الله البيع) ويتعلق بعمومه في كل بيع إلا ما أخرجه الدليل. فلعل من أجاز البيع في الصدر الاول تعلق (6) ببعض ما ذكرناه. ومن تأمل احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام في بيع أمهات الاولاد، وجده مخالفا لطريقة القياس، لان المروي عنه عليه السلام أنه قال سبق كتاب الله بجواز (7) بيعها، فأضاف جواز البيع إلى الكتاب دون غيره (8).


1 – ج: القول لجواز. * 2 – الف: سيدها. 3 – الف: ابقاء. * 4 – ب وج: – لا. 5 – ب وج: ما. * 6 – ب: يتعلق. 7 – ج: لجواز. * 8 – ب: – دون غيره. (*)

[ 751 ]

فأما قول أبى بكر وقد سئل عن الكلالة: (أقول فيها برأيى) فإن (1) كان حقا، فمن الله، وإن كان خطأ، فمني، هي ما عدا الوالد والولد)، فليس يجوز أن يكون الرأي الذي ذكره هو القياس، لان السؤال وقع على معنى اسم، والاسماء لامدخل للقياس فيها، وإنما يرجع إلى المواضعة وتوقيف أهل اللسان، وكتاب الله يدل على معنى الكلالة، لانه تعالى قال: (يستفتونك، قل: الله يفتيكم في الكلالة) وما تولى الله تفسيره لم يدخله الرأي الذي هو الاجتهاد والقياس. ويبين (2) ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وآله لعمر وقد كرر السؤال عليه عن الكلالة: (تكفيك (3) آية الصيف (4)) وهذا يدل على أن الآية نفسها تفيد الحكم. وكذلك إن تعلقوا بما روى عن عبدالله بن مسعود، و (5) أنه سئل عن امرأة مات عنها زوجها، ولم يسم لها صداقا، ولم يدخل بها، فردد السائل شهرا، ثم قال: (أقول فيها برأيى (6)، فإن كان


1 – ب: وان. * 2 – الف: بين، ج: مبين. 3 – ب وج: يكفيك: 4 – هذا هو الصحيح، لكن في نسختي ب وج: الضيف، وفي العدة: الصف (ص 279). 5 – الف: – و. * 6 – الف: رأيى (*)

[ 752 ]

حقا، فمن الله، وإن كان خطأ، فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريان (1)،: عليها العدة، ولها الميراث، * ولها مهر نسائها، (2) لا وكس ولا شطط) فقال معقل بن يسار: (أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى في بروع بنت واشق بما قضيت) فسر (3) عبدالله. وذلك أن لقول (4) عبدالله ظاهرا (5) في كتاب الله تعالى يمكن أن يرجع إليه، وهو عموم قوله تعالى -: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لان عموم الآية يقتضي العدة على كل (6) زوجة توفي عنها زوجها، ولم يخص من الجملة من لم يسم لها زوجها صداقا (7). ويمكن أن يكون أوجب الميراث لكل زوجة بقوله تعالى -: (ولهن الربع مما تركتم) ولم يخص من لم يطأها زوجها ولم يسم لها صداقا، فأوجب المهر للمنكوحة بقوله تعالى فأنكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف) وذلك موجب لمهر


1 – الف وج: بريئان. * 2 – الف وج: + و. 3 – ب: فيه، بجاى فسر. * 4 – ب: القول، ج: يقول. 5 – ج: ظاهر. * 6 – ج: + حال. 7 – ج: صدقا. (*)

[ 753 ]

المثل، لان المسمى لا يتجاوز، ولاتغير (1) فيه، وإذا (2) كان لكل حكم (3) أفتى به وجه في الظاهر، فما السبب في القطع على إضافة قوله إلى القياس. فإن قيل: فلم رددهم (4) شهرا ؟ ولم قال: (وإن (5) كان (6) خطأ فمني) ؟ وكيف يكون في الحكم المأخوذ من ظاهر الكتاب خطأ ؟ !. قلنا: يجوز أن يكون توقفه وترداده للسائل لطلبه (7) لما عساه يقتضي تخصيص الآيات التي ذكرناها، والتماسا لما لعله يعثر (8) عليه مما يجب له ترك الظاهر. ويمكن أيضا أن يكون لم يتعين عليه فرض الفتيا لوجود غيره من علماء الصحابة، فآثر طلب السلامة والاعراض (9) عن الجواب والفتيا (10)، ثم لما ألحوا (11) عليه أجاب. فأما قوله: (فإن (12) كان خطأ فمني)، فقد تقدم الكلام على نظيره.


1 – ب: تعبر، ج: تغيير. * 2 – ب: فإذا. 3 – ب: حكيم. * 4 – ب: ردهم. 5 – الف وج: فان. * 6 – الف: – كان. 7 – ب: + لا. * 8 – ج: بعثر. 9 – الف: الاغراض. * 10 – الف: بالفتيا. 11 – ج: الحق. * 12 – هكذا في النسخ، والصحيح (وان). (*)

[ 754 ]

ويمكن أن يكون (1) لانه جوز أن يكون هناك ما هو أولى من الظاهر من دليل يخص، أو رواية تقتضيه (2) من الرسول عليه السلام في مثل ما سئل عنه، تخالف (3) قضيته، أو غير ذلك مما يكون العدول إليه أولى. على أنهم يقولون: (كل مجتهد مصيب) فيلزمهم السؤال عن قوله: (إن كان خطأ فمني)، وكيف نسب نفسه إلى الخطاء وهو مجتهد، فلا بد لهم (4) من الرجوع إلى تجويزه على نفسه التقصير في طلب خبر لو استقصى لظفر به، وما جرى مجرى ذلك. ومتى تأملت جميع المسائل التي حكي عنهم إضافة القول فيها إلى الرأي (5)، وجدت لها مخرجا في الظواهر، وطرقا تخالف (6) القياس. وأما (7) قولهم: فلو كان رجوعهم في ذلك إلى طرق العلم (8)، لما صح منهم الرجوع من رأي إلى آخر، ولا التوقف فيه وتجويز كونه خطاء وصوابا.


1 – الف: – ان يكون. * 2 – ب وج: يقتضيه. 3 – ب وج: يخالف و. * 4 – ب وج: له. 5 – ب وج: راى. * 6 – ب وج: يخالف. 7 – الف وج: فاما * 8 – ب: طريق لعلم. (*)

[ 755 ]

فمن بعيد ما يقال، وذلك أن الرجوع إلى المذاهب والعدول عنها لا يدل على القول بالقياس والظن، لان ذلك قد يصح فيما طريقه العلم (1) والادلة، ألا ترى أن القائل بالاجبار (2) قد يعدل عنه إلى القول بالعدل، وكذلك قد يعدل (3) عن القطع على عقاب الفساق من أهل القبلة إلى القول بالارجاء، وسائر مسائل الاصول (4) ذلك ممكن فيها. فليس التنقل دلالة على ما ظنوه. وأما التوقف، فقد يجوز أن يكون طلبا للاستدلال والتأمل، كما يتوقف الناظرون (5) في كثير من مسائل الاصول التي يتوصل إليها بالادلة المفضية إلى العلم، و (6) يتثبتون (7) تحرزا من الغلط، واحتياطا في إصابة الحق. فأما تجويز كونه خطاء و (8) صوابا، فالوجه فيه (9) ما ذكرناه في خبر ابن مسعود، وأن ذلك يحسن أن يقال بحيث يكون التجويز


1 – الف: – العلم. * 2 – ج: بالاخبار. 3 – ج: – يعدل. * 4 – ج: + و. 5 – الف: الناضرون. * 6 – ب: + قد. 7 – الف وج: يثبتون. * 8 – ب: أو. 9 – الف: – فيه. (*)

[ 756 ]

لورود ما هو أولى من الظواهر (1) ثابتا، لان الناظر ربما كان متهما (2) نفسه في التقصير، ومجوزا أن يكون في السنة مخصص أو معنى يقتضي العدول إليه لم ينعم (3) النظر في طلبه. فأما قوله: ولا أن يمسكوا (4) عن تخطئة (5) المخالف و (6) النكير عليه، لان الادلة لا تتناقض (7) ولا تختلف (8)، فكيف يجوز أن يرجع (9) كل واحد منهم في قوله إلى دليل ؟ !، فقد بينا أنا لا نقول: إن مع كل واحد دليلا على الحقيقة، وإنما قلنا: يجوز أن يكون كل واحد تعلق بطريقة (10) من الظاهر وأدلة النصوص اعتقدها دليلا، ولا شبهة في أن الادلة لا تتناقض (11)، إلا أن ما يعتقد (12) بالشبهة دليلا لا يجب ذلك فيه. فأما الامساك (13) عن النكير والتخطئة، فلم يمسكوا عنهما (14)،


1 – ج: ظواهر. * 2 – ج: منهما. 3 – الف: ينعم، بتشديد العين، وفي العدة يمعن (ص 280). 4 – ج: تمسكوا. * 5 – الف: تخطئته. 6 – ب: – و. * 7 – ج: يتناقض. 8 – ب وج: يختلف. * 9 – ب: + في. 10 – الف: بطريق. * 11 – الف وج: يتناقض. 12 – ج: نعتقد. 13 – ج: فالامساك، بجاى (فاما الامساك). 14 – الف وب: عنها. (*)

[ 757 ]

والعلم بأن بعضهم خطأ بعضا يجري مجرى العلم بأنهم اختلفوا، وما دافع أحد الامرين إلا كدافع الآخر. ويدل (1) على ما قلناه (2) ما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام – وقد استفتاه عمر في امرأة وجه إليها، فألقت (3) ما في بطنها (4)، وقد أفتاه كافة من حضره من الصحابة بأنه لا شئ عليه، لانه مؤدب، فقال عليه السلام -: إن كان هذه جهد رأيهم فقد أخطأوا (5)، وإن كانوا قاربوك فقد غشوك (6)) وهذا تصريح بالتخطئة. والخبر الذي رويناه متقدما (7) عنه عليه السلام – يشهد أيضا بذلك، وهو قوله: (من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه) وروي عن ابن عباس أنه قال: (من شاء (8) باهلته إن الذي أحصى * رمل عالج عددا ما جعل للمال (9) نصفين وثلثا) وروي عنه أنه قال: (من شاء باهلته إن الجد أب). وقد رويت المباهلة أيضا عن ابن مسعود في قصة أخرى (10)، وروي


1 – ج: تدل. * 2 – الف: قلنا. 3 – ج: فالفت. * 4 – ج: بطونها. 5 – ج: أخطأ. * 6 – ب: عشكوك. 7 – ب وج: مقدما. * 8 – الف: يشاء. 9 – الف: في مال. * 10 – ب: – وروى عنه، تا اينجا. (*)

[ 758 ]

عن ابن عباس الخبر الذي تقدم من قوله: (ألا يتقي الله زيد بن ثابت) وهذا أيضا صريح (1) في التخطئة، وتخويف بالله تعالى (2) في المقام على المذهب، والخبر الذي رويناه أيضا عن عمر أنه قال (أجرأكم على الجد أجرأكم على النار) واضح في هذا الباب، وروي عن عائشة أنها بعثت (3) إلى زيد بن أرقم، وقد اشترى ما باعه (4) بأقل مما باعه به قبل أن يقبض (5) الثمن، (إنك إن لم تتب، فقد بطل جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وآله)، وقيل لابن المسيب (6): (إن شريحا قضى في مكاتب عليه دين أن الدين والكتابة بالحصص)، فقال: (أخطأ شريح). وقد ورد بهذا المعنى من الاخبار ما لا يحصى. فأما مالا يزالون يستكرهونه، ويتعسفونه، من تأويل هذه الاخبار مثل قولهم في قصة (7) المجهضة بولدها: إن الخطأ والغش إنما أراد (8) به ترك (9) ما هو أولى في النصح والمذهب، وأن ابن عباس


1 – ج: + ايضا. * 2 – الف: – تعالى. 3 – ج: بعث. * 4 – الف: + قبل. 5 – ج: يقتضى. * 6 – ج: مسيب. 7 – ب: قضية. * 8 – ب: ان المراد. 9 – ب وج: – ترك. (*)

[ 759 ]

دعا (1) إلى المباهلة لانه خطئ (2) في اجتهاده، فدعا (3) من خطأه ذلك لا في نفس المذهب إلى المباهلة، وأن ذكر جهنم والنار على سبيل التشدد والتحرز (4)، وأن ذلك تخويف لمن أقدم عليه من غير فكر ولا تحفظ، وفي حديث إحباط الجهاد أنه مشروط بأن يكون ذاكرا للخبر (5) المقتضي بخلاف (6) قوله، فكله عدول عن ظواهر الاخبار، وحملها (7) على ما لا يحتمله، وذلك إنما يسوغ متى ثبت لنا تصويب القوم بعضهم لبعض في مذاهبهم من وجه لا يحتمل التأويل، فأما ولا شئ يذكر في ذلك إلا وهو محتمل للتصويب ولغيره على ما ذكرناه وسنذكره، فلا وجه للالتفات إلى التأويلات البعيدة المستكرهة. فإن قالوا: نحن و (8) إن صوبنا المجتهدين، فليس نمنع (9) من (10) أن يكون في جملة المسائل (11) ما الحق فيه في واحد، ولا يسوغ


1 – الف: دعى. * 2 – الف: خطأ. 3 – الف: فدعى. * 4 – ب وج: التجويز. 5 – الف: ذكر الخبر. * 6 – ب: لخلاف. 7 – ج: حمله. * 8 – الف: – و. 9 – ج: يمنع. * 10 – الف: – من. 11 – الف: المجتهدين، بجاى المسائل. (*)

[ 760 ]

في مثله الاجتهاد، فأكثر ما تقتضيه (1) الاخبار التي رويتموها أن يكون الاجتهاد غير سائغ في هذه المسائل بعينها، وهذا لا يدل على أن سائر المسائل كذلك. قلنا: لا فرق بين هذه المسائل (2) التي روينا فيها الاخبار وبين غيرها، وليس (3) لها صفة تباين بها ما عداها من مسائل الاجتهاد، ألا ترون أنه لا نص في شئ منها يقطع العذر كما أن ذلك ليس في غيرها من مسائل الاجتهاد ؟ وإذا لم تتميز (4) من غيرها، لم يسغ (5) ما ادعيتموه، واشترك (6) الكل في جواز الاجتهاد فيه، والمنع منه. فإن قالوا: ليس تخلو (7) أقوالهم في هذه المسائل (8) التي أضافوها إلى الرأي (9) وأمثالها من أن يكونوا ذهبوا إليها (10) من طرق الادلة الموجبة للعلم أو من جهة الاجتهاد والقياس: ولو كان الاول لوجب أن يكون الحق في أحد الاقوال دون جميعها، ولوجب (11)


1 – ج: يقتضيه. * 2 – ب: – بعينها، تا اينجا. 3 – الف: فليس. * 4 – ب وج: يتميز. 5 – ب: يسمع. * 6 – ج: اشتراك. 7 – ج: ان يخلو. * 8 – ب: المسألة. 9 – الف: الراوى. * 10 – ب وج: – إليها. 11 – ب: لو وجب. (*)

[ 761 ]

أن يكون (1) ما عدا المذهب الواحد الذي هو الحق فيها باطلا، ولو كان كذلك، لوجب أن يقطعوا ولاية قائله، وتبرأوا (2) منه، ولا يعظموه، ألا ترى أنهم في أمور كثيرة خرجوا إلى المقاتلة وحمل السلاح، ورجعوا عن التعظيم والولاية لما لم يكن من باب الاجتهاد ؟ ! فلو كان الكل واحدا، لفعلوا في جميعه فعلا واحدا، ولو كان الامر أيضا على خلاف قولنا، لم يحسن أن يولي بعضهم بعضا مع علمهم بخلافهم عليه، (3) في مذهبه، كما ولى أمير المؤمنين شريحا مع علمه بخلافه له في كثير من الاحكام، وكما ولى أبو بكر زيدا وهو يخالفه في الجد، ولولا (4) اعتقاد المولي أن المولى محق، وأن الذي يذهب إليه وإن كان مخالفا لمذهبه صواب، لم يجز ذلك، ولا جاز أيضا أن يسوغ له الفتيا، ويحيل عليه بها، وقد كانوا يفعلون ذلك. وكان يجب أيضا أن ينقض (5) بعضهم على بعض الاحكام التي (6) يخالفهم فيها (7) لما تمكن من ذلك، وأن ينقض (5) الواحد على


1 – الف: – الحق في، تا اينجا. * 2 – الف: يراوا. 3 – الف وج: + كما. * 4 – الف: فلو. 5 – ب: ينقص. * 6 – الف: – التى 7 – الف: – فيها. (*)

[ 762 ]

نفسه ما حكم به في حال ثم رجع إلى ما يخالفه في أخرى، لان كثيرا منهم قد قضى بقضايا مختلفة ولم (1) ينقض (2) على نفسه ما تقدم، فلولا أن الكل عندهم صواب لم يسغ ذلك. وأيضا فقد اختلفوا فيما لو كان خطاء لكان كبيرا، نحو اختلافهم في الدماء والفروج والاموال، وقضى بعضهم بإراقة الدم وإباحة المال والفرج، فلو كان فيهم من قد (3) أخطأ، لم يجز أن يكون خطأءه إلا كبيرا، ويكون سبيله سبيل من ابتدأ إراقة دم محرم، أو أخذ (4) مالا بغير حق، فأعطاه من لا (5) يستحقه، وفى ذلك تفسيقه ووجوب البراءة منه، وفي علمنا بفقد كل ذلك دلالة على أنهم قالوا اجتهادا، و (6) أن الجماعة مصيبون. وهذه الطريقة * هي عمدتهم (7) في أن كل مجتهد في أحكام الشرع مصيب. قيل لهم: ما تنكرون (8) أن يكون (9) الخطاء الواقع ينقسم إلى ما


1 – ب: فلم. * 2 – ب: ينقص. 3 – الف: – قد. * 4 – ب: واحد، بجاى أو اخذ. 5 – الف: – لا. * 6 – ج: أو. 7 – ج: في عدتهم، بجاى هي عمدتهم. 8 – ب وج: ينكرون. * 9 – الف: – ان يكون. (*)

[ 763 ]

يوجب البراءة وحمل السلاح واللعن وقطع الولاية، وإلى (1) مالا (2) يوجب شيئا من ذلك، وأن يكون اشتراك الفعلين في كونهما خطاء لا يقتضي اشتراكهما فيما يستحق عليهما، ويعامل (3) به فاعلهما، ألا ترون أن الصغيرة (4) تشارك الكبيرة في القبح ولا يدل ذلك على تساويهما فيما يعامل به فاعلهما، والزنا والكفر مشتركان في القبح ولا يجب (5) تساويهما في سائر الاحكام ؟ !، وإذا جاز اشتراك الشيئين في القبح مع اختلافهما فيما يستحق عليهما، لم يمتنع أن يكون الحق في أحد ما قاله القوم وما عداه خطاء، ولا يجب مساواة ذلك الخطاء لما يوجب من الخطاء التبري (6) واللعن وحمل السلاح والحرب (7). ثم يقال لهم: أليس الصحابة قد اختلفت قبل العقد لابي بكر، حتى قالت (8) الانصار: (منا أمير ومنكم أمير) (9) فإذا اعترفوا بذلك – ولا بد من الاعتراف به – قيل لهم: أو ليس الذين دعوا إلى ذلك


1 – ج: الا. * 2 – ج: – لا. 3 – ج: يعامله * 4 – ب: الصغير. 5 – ب: تجب. * 6 – الف: التبرء، ج: البرو. 7 – ب: فاعرب، بجاى والحرب. * 8 – الف: قال. 9 – ج: اميرا. (*)

[ 764 ]

مخطئين لمخالفتهم (1) الخبر المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله، (الائمة من قريش) ؟ ! فلا بد من الاعتراف (2) بخطائهم. فيقال لهم: أفتقولون: إنهم كانوا فساقا ضلالا يستحقون اللعن والبراءة والحرب. فإن قالوا: (نعم)، لزمهم (3) تفسيق الانصار ولعنهم والبراءة منهم، وهذا أقبح (4) مما (5) يعيبونه على من يرمونه بالرفض. وإن قالوا: إنهم لم يصروا على ذلك، بل رجعوا إلى الحق، فلم يستحقوا تفسيقا ولا براءة. قيل لهم: كلامنا عليهم قبل التسليم وسماع الخبر، وعلى ما قضيتم به يجب أن يكونوا في (6) تلك الحال فساقا يستحقون البراءة واللعن والعدول عن الولاية والتعظيم، وهذا مما لم يقله أحد فيهم. على أن فيهم من لم يرجع بعد سماع الخبر، وأقام على (7) أمره (8) فيجب أن يحكموا فيه بكل الذي ذكرناه.


1 – ب وج: بمخالفتهم. * 2 – الف: اعتراف. 3 – ب: لزمتهم. * 4 – ج: قبح. 5 – الف: ما. * 6 – ج: – في. 7 – ب: – على. * 8 – ب: + وهذا. (*)

[ 765 ]

فإن قالوا: إن الانصار لم تفسق (1) بما دعت إليه، وإن كان الحق في خلاف قولها، ولا استحقت اللعن والبراءة. قيل لهم (2): فما تنكرون أن يكون الحق في أحد ما قالته الصحابة من المسائل التي ذكرتموها دون ما عداه، وأن يكون من خالفه لا يستحق شيئا مما ذكرتم. ويسألون (3) أيضا على هذا الوجه في جميع ما اختلفت فيه الصحابة مما الحق فيه في واحد، كاختلافهم في مانع الزكاة هل يستحق القتال، وغبر ذلك من المسائل. ويقال: يجب إذا كان من فارق الحق في هذه المسائل (4) من الصحابة قد أخطأ أن يكون في تلك الحال فاسقا منقطع الولاية ملعونا (5) مستحقا للمحاربة. ويسألون (6) أيضا عن قضاء عمر في الحامل المعترفة بالزنا بالرجم (7)، حتى قال له (8) أمير المؤمنين عليه السلام: (إن كان لك عليها سبيل (9)


1 – ب: يفسق 4 * 2 – الف: – لهم. 3 – الظاهر ان هذا هو الصحيح، لكن في نسخة الف: تسألون، وفي ب: يشتكون، وفي ج: يشكون. * 4 – ج: + له. 5 – الف: – ملعونا. * 6 – ج: يشكوا. 7 – الف وج: الرجم. * 8 – الف: – له. 9 – ج: سبيل عليها. (*)

[ 766 ]

فلا سبيل لك على (1) ما في بطنها). فيقال لهم: أتقولون: إن قضاءه (2) بذلك حق (3): فإن قالوا: (نعم) غلطوا وخالفوا ما عليه الامة، لان الكل يقولون لا يجوز رجمها وهي حامل، وفي رجوع عمر إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام وقوله: (لولا علي لهلك عمر) دلالة على تبينه (4) الخطاء في قضيته، ثم حينئذ يقال لهم: أتقولون: إذا كان قد أخطأ أنه مستحق للعن (5) والبراءة والتفسيق، فلابد لهم من أن ينفوا ذلك (6) ويجعلوا الخطاء الواقع منه مما لا يقتضي تفسيقا ولا براءة، فيقال لهم في المجتهدين مثله. فإن قالوا: إن الخطاء الذي لم تقم الدلالة على أنه فسق يجوز أن يكون فسقا، وأن يكون صاحبه مستحقا لقطع الولاية واللعن والبراءة، أفتقولون في الصحابة مثل ذلك. قلنا: هكذا يجب أن يقال، وإنما منعنا من إيجابكم تفسيقهم والرجوع عن ولايتهم باختلافهم في مسائل الاجتهاد، وأعلمناكم


1 – ج: – على. * 2 – ب وج: قضاه. 3 – الف: حقا. * 4 – ج: تنبيه. 5 – الف: اللعن. * 6 – الف: + عنه. (*)

[ 767 ]

أن ذلك لا يجب في كل خطاء و (1) معصية، وليس هذا مما يوحش، فإن تجويز كون خطأهم (2) في حوادث الشرع كثيرا (3) من حيث لا يعلم، لتجويز (4) كل أحد عليهم (5) أن يكونوا مستسرين بكبيرة (6) يجب لها قطع الولاية، ويستحق بها (7) البراءة واللعن، غير أن تجويز (8) ذلك عليهم في حوادث الشرع لا يوجب الاقدام على قطع ولايتهم، وإسقاط تعظيمهم، كما أن تجويز الكبائر عليهم لا (9) يوجب ذلك، وإنما يوجبه تيقن وقوع الكبائر منهم. وفيمن يوافقنا في كون الحق في هذه المسائل (10) واحدا (11) من يقول: إنني آمن من كون خطائهم في حوادث الشرع كبيرا (12) من حيث الاجماع، والطريقة الاولى أمر (13) على النظر. واعلم أننا إنما أسقطنا (14) بهذا الكلام الذي بيناه إلزام المخالفين


1 – الف: أو. * 2 – ج: خطائهم. 3 – الف: كثير، وفي العدة كبيرا (ص 283) والظاهر انه الصحيح. 4 – هكذا في النسخ، والصحيح كما في العدة (ص 284) كتجويز. 5 – الف: – عليهم. * 6 – الف وج: بكثرة، الف: + الحق. 7 – ب وج: به. * 8 – ج: يجوز. 9 – ب: لا. * 10 – ج: المسألة. 11 – الف: واحد. * 12 – الف: كثير. 13 – ب: امن. * 14 – ب: سقطنا. (*)

[ 768 ]

لنا (1) في خطاء الصحابة أن يكون موجبا * للبراءة (2) بذكر الكبير والصغير الذي هو مذهبهم دون مذهبنا، فكأننا (3) قلنا لهم: ما الزمتمونا إياه لا يلزمنا على مذاهبكم (4) في أن الصغائر تقع محبطة (5) من غير أن يستحق بها الذم وقطع الولاية، وإذا أردنا أن نجيب (6) بما يستمر على أصولنا ومذاهبنا، فلا يجوز أن نستعير (7) ما ليس هو من أصولنا (8). والجواب الصحيح عن هذه المسألة أن الحق في واحد من هذه المسائل المذكورة ومن كان عليه ومهتديا إليه من جملة الصحابة كانوا أقل عددا وأضعف قوة وبطشا ممن كان على خلافه مما هو خطاء، وإنما لم يظهروا النكير (9) عليهم والبراءة منهم تقية وخوفا ونكولا وضعفا. فاما تعلقهم بولاية بعضهم بعضا مع المخالفة (10) في المذهب،


1 – ج: – لنا. * 2 – الف: البراءة. 3 – الف: وكاننا. * 4 – الف: مذهبكم. 5 – ب: محيطة. * 6 – ج: يجب. 7 – الف: يستعير. * 8 – ج: اصلنا. 9 – هذا هو الصحيح، لكن في نسخة الف: النكر، وفي ب: التكبير، وفي ج: التنكير. 10 – ب: – فاما، تا اينجا. (*)

[ 769 ]

و (1) أن ذلك يدل على التصويب، فليس على ما ظنوه، وذلك أنه لم يول أحد منهم واليا لا شريحا ولا زيدا ولا غيرهما إلا على أن يحكموا (2) بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وما أجمع عليه المسلمون، ولا يتجاوز الحق في الحوادث، ولا يتعداه، وإذا قلده بهذا الشرط، لم يمكن أن يقال: إنه سوغ له (3) الحكم بخلاف مذهبه، لانهم لا يتمكنون من أن يقولوا (4): إنه نص له على شئ مما يخالفه فيه، وأباحه (5) الحكم فيه بخلاف رأيه. وجملة ما يقال: إنه ليس لاحد أن يقلد حاكما على أن يحكم بمذهب مخصوص، بل يقلده على أن يحكم بالكتاب والسنة والاجماع، ولم يول (6) القوم أحدا (7) إلا هذا الشرط. والصحيح أن أمير المؤمنين عليه السلام ما ولى شريحا إلا تقية واستصلاحا وسياسة، ولو ملك اختياره، ما ولاه (8).


1 – ب: + اما. 2 – ج: يحملوا، والصحيح بقرينة ما بعده يحكم. 3 – ب: – وإذا قلده، تا اينجا + إلى. 4 – ج: يقولون. * 5 – ب وج: اباحة. 6 – الف: – يول. * 7 – الف: واحدا. 8 – ب: فاولى، بجاى ما ولاه. (*)

[ 770 ]

فأما تعلقهم بتسويغ الفتيا وإحالة بعضهم على بعض بها، فغير صحيح، وذلك أنهم يدعون (1) في تسويغ الفتيا ما لا يعلمونه، وكيف يسوغون الفتيا (2) على جهة التصويب لها (3)، ونحن نعلم أن بعضهم قد رد (4) على بعض وخطأه وخوفه بالله تعالى من المقام على أمره، وهذا غاية النكير ؟ ! وإن أرادوا أنهم سوغوها (5) من حيث لم ينقضوها، ولم يبطلوا (6) الاحكام المخالفة لهم، فليس (7) ذلك بتسويغ، وسنتكلم عليه بمشيئة الله. وما نعرف أيضا أحدا منهم أرشد في الفتيا إلى من يخالفه فيما يخالفه فيه، ولا يقدرون على أن يعينوا واحدا فعل ذلك، وإنما كانوا يحيلون (8) بالفتيا في الجملة على أهل العلم والقائلين بالحق، والتفصيل غير معلوم من الجملة. فأما إلزامهم لنا أن ينقض (9) بعضهم على بعض حكمه، و (10) واحد (11)


1 – ج: يدعوا. * 2 – ج: – الفتيا. 3 – ب: بها. * 4 – ب: ورد. 5 – الف: سوغوا. * 6 – الف: يبطلوها، ج: يبطل. 7 – الف: وليس. * 8 – ج: يختلفون. 9 – ج: تنقض. * 10 – ج: – و. 11 – ب: الواحد. (*)

[ 771 ]

على نفسه فيما حكم به ورجع عنه، فغير واجب، لان إقرار الحكم و (1) ورود العبادة بالامساك عن نقضه لا يوجب كونه صوابا، ألا ترى أنا (2) نقرا أهل الذمة على بيوعهم الفاسدة ومناكحتهم (3) الباطلة إذا أدوا الجزية، ونقتصر في إنكاره على إظهار الخلاف، مع أنا لا نرى شيئا من ذلك صوابا، فليس مجئ العبادة بإقرار حكم من الاحكام مع النهي عنه مما يفسد أو (4) يستحيل، وسبيل ذلك (5) سبيل (6) ابتداء العبادة به، فكما (7) يجوز ورودها، بهذا الحكم ابتداء، جاز ورودها بإقراره بعد وقوعه وإن كان خطاء. على أنه قد روي أن شريحا قضى في ابني عم أحدهما أخ لام بمذهب ابن مسعود، فنقض أمير المؤمنين عليه السلام حكمه، وقال: في أي كتاب وجدت ذلك، أو في أي سنة، وهذا يبطل (8) دعوى من ادعى أن أحدا منهم لم ينقض على من خالفه على العموم. والقول في نقض الواحد منهم على نفسه يجري على الوجه


1 – ج: – و. * 2 – ج: ان. 3 – الف: مناكحهم. * 4 – الف وب: و. 5 – ج: ذم. * 6 – ب: – وسبيل ذلك سبيل. 7 – ب: وكما. * 8 – ج: – يبطل. (*)

[ 772 ]

الذي ذكرناه. فأما تعلقهم بأن الخطاء في الدماء والفروج والاموال لا يكون إلا كبيرا (1)، فواضح البطلان، لانا نقول لهم: لم (2) زعمتم أن ذلك لا يكون إلا كبيرا (1) ؟ ! ولم إذا كان كبيرا (3) في بعض المواضع ومن بعض الفاعلين، وجب أن يكون كذلك في كل حال، ومن كل (4) أحد ؟ ! أولا ترون أنه قد يشترك فاعلان في إراقة دم غير مستحق ويكون فعل أحدهما كفرا والآخر غير كفر، وإذا جاز ذلك، لم (5) يمتنع أن يشترك فاعلان أيضا (6) في إراقة دم يكون من (7) أحدهما كبيرا (8) ولا يكون من أحدهما كذلك. ثم يسألون عما اختلفت فيه الصحابة، وكان الحق فيه في أحد الاقوال، مثل اختلافهم في مانع الزكوة وهل يستحق (9) القتال ؟، واختلافهم في الامام (10) يوم السقيفة، ويقال لهم: يجب أن يكون خطأهم كبيرا، لانهم مخالفون للنصوص، وما الحق فيه في واحد،


1 – الف وج: كثيرا. * 2 – ج: بل، بجاى لم. 3 – الف: كثيرا. * 4 – ج: – كل. 5 – ب: فلا. * 6 – ب: – ايضا. 7 – ب: – من. * 8 – ج: كثيرا. 9 – الف وج: يستحقون. * 10 – ب وج: الامامة. (*)

[ 773 ]

ويجب أن يكونوا (1) بمنزلة من ابتدأ خلاف النصوص في غير (2) ذلك (3)، وكل شئ يعتذرون به وينفصلون عنه قوبلوا بمثله. على أنهم يقولون: إن قتلا وقع من موسى عليه السلام * صغيرة، ولا يلزمهم أن يكون (4) كل قتل (5) صغيرة. ولا إذا حكموا بكبر (6) القتل منا أن يحكموا بكبره من موسى عليه السلام. فاما ما تعلقوا به ثالثا من خبر معاذ، فلا دلالة لهم فيه، و (7) ذلك أنه خبر واحد، وبمثله لا تثبت (8) الاصول المعلومة. و (9) لو ثبتت بأخبار الآحاد، لم يجز ثبوتها بمثل خبر معاذ، لان رواته مجهولون. وقيل رواه جماعة من أصحاب معاذ ولم يذكروا. على أن روايته وردت مختلفة، فجاء في بعضها أنه لما قال: (أجتهد رأيى ؟)، قال – عليه السلام – له (10): (لا، اكتب إلي، أكتب


1 – ب: يكون، ج: – خطأهم، تا اينجا. 2 – الف: – غير. * 3 – ج: – في غير ذلك. 4 – ج: + فعل. * 5 – ج: – قتل. 6 – ب: بكبيرة، ج: بكسر. * 7 – ج: في، بجاى فيه و. 8 – ج: يثبت. 9 – الف: + المقطوع على صحتها على ان الاصول المعلومة، – و. 10 – ب: – له. (*)

[ 774 ]

إليك) وهذا يوجب أن يكون الامر فيما لا يجده (1) في الكتاب والسنة موقوفا على ما يكتب إليه لا على (2) اجتهاده. فإن قالوا: الدليل على صحة (3) روايته تلقي الامة له عصرا بعد عصر بالقبول. ولان الصحابة إذا ثبت أنهم عملوا بالقياس والاجتهاد ولا بد في ذلك من نص، ولا نص يدل ظاهره على ذلك إلا خبر معاذ وما خبر معاذ أقوى منه، فيجب من ذلك صحة الخبر. قلنا: أما (4) تلقي الامة له بالقبول، فغير معلوم، وقد بينا أن قبول الامة لامثال هذه الاخبار كقبولهم (5) لمس الذكر و (6) ما جرى مجراه مما لا يقطع به (7) ولا يعلم صحته. فأما ادعاؤهم (8) ثبوت عملهم (9) بالقياس، وأنه يجب أن يكون لهذا (10) الخبر، لانه (11) لانص غيره، فبناء على ما لم يثبت ولا (12) يثبت (13). وقد بينا بطلان ما ظنوه


1 – ب وج: يجدوه. * 2 – الف: إلى. 3 – الف: حجية. * 4 – ب: – اما، ج: + ان. 5 – ج: كقولهم. * 6 – الف: – و. 7 – ج: فيه. * 8 – الف: ادعاء 9 – ج: علمهم. * 10 – ب وج: بهذا. 11 – الف: – لانه. * 12 – ب: – لا. 13 – الف: – ولا يثبت. (*)

[ 775 ]

دليلا على إجماعهم على ذلك. ولو سلم لهم على ما فيه، لجاز أن يكونوا أجمعوا لبعض ما في الكتاب أو لخبر آخر. على أنهم قد اعتمدوا في تصحيح الخبر على ما إذا صح لم يحتج إلى الخبر، ولم يكن دلالة على المسألة، لانا إذا علمنا إجماعهم على القول بالقياس والاجتهاد، فأي فقر بنا إلى تأمل خبر معاذ ؟ ! وكيف يستدل (1) به على ما قد علمناه (2) بغيره ؟ !. فإن قالوا: نعلم بإجماعهم صحة الخبر، ثم يصير (3) الخبر دليلا، كما أن إجماعهم دليل، ويكون المستدل مخيرا في الاستدلال. قلنا: ليس (4) يعلم بإجماعهم صحة الخبر إلا بعد أن يعلم أنهم أجمعوا على القياس والاجتهاد، وعلمنا بذلك يخرج الخبر (5) من أن يكون دلالة، وإنما كان يمكن ما ذكروه لو (6) جاز أن يعلم إجماعهم على صحة الخبر من غير أن يعلم (7) إجماعهم على القول بالقياس، وذلك لا يصح.


1 – ب: نستدل. * 2 – ب: علمنا. 3 – ب: نصير. * 4 – ب: لا. 5 – الف: – الخير. * 6 – الف: و. 7 – ج: نعلم. (*)

[ 776 ]

ثم إذا تجاوزنا عن ذلك، ولم نتعرض (1) للكلام (2) في أصل الخبر، لم يكن فيه دلالة لهم، لانه قال: (أجتهد رأيى) ولم يقل في ماذا، ولا ينكر أن يكون معناه أي أجتهد رأيى (3) حتى أجد (4) حكم الله تعالى في الحادثة من الكتاب والسنة، إذ (5) كان في أحكام الله فيهما (6) مالا يتوصل إليه إلا (7) بالاجتهاد، ولا يوجد في ظواهر النصوص، فادعاؤهم أن إلحاق الفروع بالاصول في الحكم لعلة يستخرجها القياس هو الاجتهاد الذي عناه (8) في الخبر مما لا دليل عليه، ولا سبيل إلى تصحيحه. فإن (9) قالوا: ما وجد (10) في دليل النص من كتاب أو سنه هو موجود فيهما، وقوله صلى الله عليه وآله -: (فإن لم تجد) يجب أن يحمل على عمومه، وعلى أنه لم يجده على كل وجه، وإذا حمل على ذلك، فليس بعده إلا الرجوع إلى القياس الذي نقوله (11).


1 – ب وج: يتعرض. * 2 – ج: الكلام. 3 – ب: – ولم يقل، تا اينجا. * 4 – ج: أحد. 5 – ب وج: إذا. * 6 – ج: – الله فيهما. 7 – ج: – الا. * 8 – ب: – عناه. 9 – ب: وان. * 10 – ب: وجدنا. 11 – الف: – نقوله، ج: يقوله. (*)

[ 777 ]

قلنا: (1) ليس (2) يجب حمل الكلام على عمومه عندنا، وقد بينا في الكلام في الوعيد (3) وفي غيره أنه ليس في سائر ألفاظ اللغة ماله ظاهر يقتضي العموم ومتى حمل على الخصوص كان مجازا. وبعد، فإنهم (4) لا يقولون بذلك، لان القياس والاجتهاد عندهم من المفهوم بالكتاب والسنة، ومما (5) يدلان عليه، فكيف يصح حمل قوله: (فإن لم تجد) على العموم، وهذا يقتضي أنهم قائلون هذا النفي بالخصوص ؟ !. فكيف عابوه علينا ؟ !. وبعد، فإن جاز إثبات القياس بمثل خبر معاذ، فإن من نفاه روى (6) ما هو أقوى منه وأوضح لفظا، وذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: (ستفترق (7) أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمهم فتنة على أمتى قوم يقيسون الامور برأيهم فيحرمون الحلال ويحللون الحرام). والروايات (8) التي يرويها (9)، مخالفونا في هذا كثيرة (10)، ومن


1 – الف: + و. * 2 – ب: – ليس. 3 – ج: الوعد. * 4 – الف: فلانهم. 5 – الف: ما. * 6 – ب: يروى. 7 – ب: سيفترق. * 8 – ب: فالروايات. 9 – الف: يروونها. * 10 – ب: كبيرة. (*)

[ 778 ]

تتبعها وجدها. فأما ما يرويه (1) الامامية فمما لا يحصى كثرة. فأما خبر ابن مسعود الذي ذكروه، فالكلام عليه كالكلام على خبر معاذ بعينه. فأما كتاب عمر (2) إلى أبي موسى الاشعري، وقوله: (اعرف الاشباه و (3) النظائر (4) وقس الامور برأيك)، فأضعف في باب الرواية من خبر معاذ، وأبعد من أن يتعلق به في هذا الباب. على أنه إذا سلم لم يكن فيه دلالة، وذلك أن القياس الذي دعاه إليه هو إلحاق الشئ بشبهه، ولهذا قال: (اعرف الاشباه والنظائر (5)) والمشابهة الموجبة (6) للقياس وحمل الشئ على نظيره (7) إنما هي (8) المشاركة في أمر (9) مخصوص به تعلق الحكم، ومن عرف ذلك وحصله وجب عليه (10) الجمع به (11) * بين الاصل والفرع إذا


1 – الف: يروونه. * 2 – الف: – عمر. 3 – الف: – الاشباه و. * 4 – الف: النضائر. 5 – الف: الاشياء والنضائر. * 6 – الف: – الموجبة. 7 – الف: نضيره. * 8 – ب: هو. 9 – ب: أمور * 10 – الف: – عليه. 11 – الف وب: – به. (*)

[ 779 ]

تعبد بالقياس (1) وحمل الفروع على (2) الاصول، وهذا المقدار لا ينازعون فيه، ولكن لا سبيل إلى معرفته. ولو أمكن فيه ما يدعونه من الظن (3)، لم يكن في الخبر أيضا دلالة لهم، لانه ليس فيه (4) الامر بقياس الفرع على الاصل إذا شاركه (5) في معنى يغلب على (6) الظن (7) أنه علة الحكم، وللمخالف أن يقول لهم: إن الارز ليس بمشابه (8) للبر، ولا (9) النبيذ التمري (10) بمشابه (11) للخمر، ولا بينهما شبه (12) يوجب التساوي في الحكم، فالخبر (13) إنما يتناول المساواة بين الشيئين، ولا اشتباه هيهنا. فإن قالوا: هيهنا اشتباه مظنون. قلنا: ليس في (14) الخبر (اعمل على ما تظنه مشتبها) بل


1 – الف: القياس. * 2 – الف: – على. 3 – الف: الطعن. * 4 – ب: في. 5 – ب: شارك. * 6 – الف: – على. 7 – الف: + على. * 8 – ج: بمشابهة. 9 – ب: – لا. * 10 – الف: نبيذ التمر. 11 – ب: مشابه، ج: بمشابهة. * 12 – ب: مشتبه. 13 – الف: فان الخبر. * 14 – الف: – في. (*)

[ 780 ]

قال: (اعرف الاشباه (1) والنظائر (2)) وذلك يقتضي حصول العلم بالاشباه (1)، لان المعرفة هي العلم، غير أن الامر الذي يقع فيه التشابه في الحكم غير مذكور في الخبر. فإن جاز لهم أن يقولوا: إنه عنى (3) المشابهة (4) في المعاني التي يدعيها القائسون، كالكيل في البر والشدة (5) في الخمر، جاز لخصومهم أن يدعوا أنه (6) أراد المشابهة (4) في إطلاق الاسم واشتمال اللفظ، ويكون ذلك دعاء منه (7) إلى القول بحمل اللفظ على كل ما تحته من المسميات، لتساويها في تناول اللفظ، كأنه تعالى إذا قال: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وعلم أن كل سارق يقع هذا الاسم عليه ويشارك سائر السراق في تناول اللفظ، وجب التسوية بين الجميع في الحكم، إلا أن تقوم (8) دلالة. فأما ما (9) تعلقوا به رابعا (10) من الآية، فالكلام (11) عليه أن نقول لهم:


1 – الف: الاشياء، ج: الاشتباه. * 2 – الف: النضائر. 3 – ب وج: عنا. * 4 – الف: المشابه. 5 – الف: + والسكر. * 6 – ب: + إذا. 7 – ب: دعامه. * 8 – ج: يقوم. 9 – الف: – ما. * 10 – الف وج: – رابعا. 11 – ب: والكلام. (*)

[ 781 ]

ما تنكرون (1) أن يكون لفظ الاعتبار لا (2) يستفاد منه الحكم بالقياس، وإنما يستفاد به الاتعاظ والتدبر (3) والتفكر (4)، وذلك هو المفهوم من ظاهره وإطلاقه، لانه لا يقال لمن يستعمل القياس العقلي: إنه معتبر، كما يقال فيمن يتفكر في معاده ويتدبر أمر (5) منقلبه ويتعظ بذلك: إنه معتبر وكثير (6) الاعتبار، وقد يتقدم بعض الناس في العلوم وإثبات الاحكام من طرق القياس، ويقل تفكره (7) في معاده وتدبره (8)، فيقال (9): إنه غير معتبر أو (10) هو قليل الاعتبار. وقد يستوي في المعرفة بحال الشئ وإثبات حكمه نفسان، فيوصف أحدهما (11) بالاعتبار دون الآخر (12) على المعنى الذي ذكرناه. ولهذا يقولون عند الامر (13) العظيم: (إن في هذا لعبرة) وقال الله تعالى -: (وإن لكم في الانعام لعبرة) وما روي عن ابن عباس خبر واحد


1 – ج: ينكرون. * 2 – ب وج: ما. 3 – ب: التدبير. * 4 – ج: التكفر. 5 – الف: في، بجاى امر. * 6 – ج: كثر. 7 – ب: بفكره، ج: فكره. * 8 – ج: تدبر. 9 – الف: ويقال. * 10 – الف: و. 11 – ب: احديهما. * 12 – ج: اخر. 13 – ب: امر. (*)

[ 782 ]

لا يثبت بمثله اللغة. ثم لو صح، لكان محمولا على المجاز بشهادة الاستعمال الذي ذكرناه. على أنا لو سلمنا (1) جواز استعمال (2) الاعتبار، لم يكن في الآية دلالة إلا على ما ذكر فيها من أمر الكفار، وظنهم أن حصونهم تمنعهم (3) من الله تعالى و (4) وقوع ما وقع (5) بهم. وكأنه قال تعالى -: (فاعتبروا يا أولي الابصار) وليس يليق هذا الموضع بالقياس في الاحكام الشرعية، لانه تعالى لو صرح عقيب ما ذكره (6) من حال الكفار بأن قال: قيسوا (7) في الاحكام الشرعية واجتهدوا، لكان الكلام لغوا لا فائدة فيه، ولا يليق بعضه ببعض، فثبت أنه أراد الاتعاظ (8) والتفكر. على أنه يمكن أن يقال لهم: على تسليم تناول اللفظ للقياس بإطلاقها، ما تنكرون أنا (9) نستعمل (10) موجب الآية بأن


1 – ج: سلمناه. * 2 – ج: الاستعمال. 3 – ج: يمنعهم: * 4 – الف: – و. 5 – الف: فاوقع. * 6 – ب: ذكروه، ج: ذكر. 7 – الف: اقيسوا. * 8 – الف: الاتعاض. 9 – الف: ان. * 10 – ب: تستعمل. (*)

[ 783 ]

نقيس (1) الفروع على الاصول في أننا (2) لا نثبت (3) لها (4) الاحكام إلا بالنصوص، لان هذا أيضا قياس (5)، فقد ساويناكم في التعلق بالآية، فمن أين لكم أن القياس الذي تناولته (6) الآية هو ما يذكرونه دون ما ذكرناه، وكلاهما قياس على الحقيقة ؟ !. وليس يمكنهم أن يقولوا: نجمع (7) بين الامرين، لانهما (8) يتنافيان، والجمع بينهما لا يصح. ولا لهم (9) أيضا أن يقولوا: قولنا أرجح من حيث كان فيه إثبات (10) الاحكام، وقولكم فيه نفي لها، وذلك لان الترجيح بما ذكروه إنما يصح متى ثبت (11) كلا وجهي القياس، فيصح (12) الترجيح والتقوية، فأما (13) الخلاف فيهما هل يثبتان أو يثبت أحدهما ؟، فلا طريق للترجيح.


1 – ب وج: يقيس. * 2 – الف: أن. 3 – ج: يثبت. * 4 – الف: بها. 5 – ج: قياسا. * 6 – الف وج: تناوله. 7 – الف وج: الجمع. * 8 – ج: + لا. 9 – الف: لانهم. * 10 – ج: + حكم. 11 – ج: يثبت. * 12 – الف: فتصح. 13 – ج: + و. (*)

[ 784 ]

ويقال لهم في تعلقهم (1) بهذه الآية على الوجه الثاني: إذا كان تعالى قد نبه على (2) ما زعمتم بالآية على أن المشاركة في السبب والعلة تقتضي (3) المشاركة في الحكم، فيجب أن يكون كل من فعل مثل فعل الذين أخبر الله (4) تعالى عنهم في الآية (5) أن يحل به (6) مثل ما حل بهم. فإن قالوا: كذلك هو، أريناهم بطلان قولهم ضرورة، لوجودنا (7) من يشارك المذكورين في المخالفة والمعصية وإن لم يصبه ما أصابهم. فأما ما تعلقوا به خامسا، فالجواب عنه أن يقال لهم: في الحوادث الشرعية حكم لكنه ما كان في العقل، أو فيها حكم ولم (8) يكلف معرفته، أو لا حكم فيها (9) جملة، فكل ذلك جائز (10) لا مانع منه.


1 – ب وج: – في تعلقهم. * 2 – الف: – على. 3 – ب وج: يقتضى. * 4 – الف وج: – الله. 5 – الف وج: + و. * 6 – ب: بهم. 7 – الف: لوجود. * 8 – الف وج: لا. 9 – الف: – فيها. * 10 – الف: + و. (*)

[ 785 ]

فأما تعلقهم (1) * بهذه الطريقة على الوجه الثاني (2) الذي ذكروه، واعتقدوا أنهم قد (3) تحرزوا (4) به من (5) المطاعن التي تدخل (6) عليهم في الوجه الاول، فيجري في الضعف مجرى الاول، وذلك أنه مبني على أنه (7) لا نص يدل بظاهره ولا دليله (8) على أحكام الحوادث، فيجب لذلك (9) الرجوع إلى القياس فيها، ودون ما ظنوه خرط القتاد، لانا قد بينا أن جميع ما اختلفت فيه الصحابة من الاحكام له وجه في النصوص، وأن ما لا نقف (10) على وجهه (11) بعينه (12) يمكن أن يكون له وجه، وأن القطع على انتفاء مثل ذلك لا يمكن بما يستغنى عن إعادته. على أن أكثر ما في هذا أن يكون (13) جميع الحوادث التي علمنا طلبهم فيها الاحكام من جهة الشرع لا يدخل حكم العقل


1 – الف: ما تعلقوا. * 2 – الف: – الثاني. 3 – الف: – قد. * 4 – ج: تحروا. 5 – ب: عن. * 6 – ب: يدخل. 7 – ب: ان. * 8 – الف وج: دليل. 9 – الف: كذلك. * 10 – ب وج: تقف. 11 – الف: وجه. * 12 – الف: – بعينه. 13 – ب: تكون. (*)

[ 786 ]

فيها، و (1) أنه لا بد فيها من حكم شرعي. ثم نقول: إنهم ما رجعوا فيما طلبوه من جهة الشرع إلا إلى النصوص، وعلى من ادعى خلاف ذلك الحجة. فمن أين لهم أن (2) جميع ما يتجدد إلى يوم القيامة هذا حكمه، وأنه لا بد من أن يكون المرجع فيه إلى الشرع، ولا يجوز أن يحكم فيه بحكم العقل ؟ !. فلم (3) إذا كانت الحوادث التي بليت بها (4) الصحابة لها مخرج في الشريعة وجب ذلك في كل حادثة ؟ !. وهل هذا إلا تمن (5) وتحكم ؟ !. على أنه قد روي (6) عن بعضهم ما يقتضي (7) أنه رجع (8) إلى حكم العقل في مسألة الحرام وهو مسروق، لانه جعل مسألة الحرام بمنزلة تحريم قصعة من ثريد مما (9) يعلم بالعقل إباحته. ويقال لهم فيما تعلقوا به سادسا من الاجتهاد في القبلة: إن ذلك إن دل فإنما يدل على جواز التعبد بالاجتهاد في الشرعيات،


1 – الف: – و. * 2 – الف: – ان. 3 – ج: فلو. * 4 – ب: به. 5 – الف: تمنى. * 6 – ج: اولى. 7 – ب: يقضى. * 8 – ب: انه رجع. 9 – الف: – مما. (*)

[ 787 ]

فأما أن يعتمد (1) في إثبات العبادة به، فواضح البطلان، لان معتمد ذلك لا بد له من (2) أن يقيس سائر حوادث (3) الفروع في جواز استعمال الاجتهاد فيها على القبلة، وذلك منه (4) قياس، والكلام إنما هو في إثبات القياس و (5) هل وردت العبادة به أم لا ؟ فكيف يستسلف صحته ؟ !. ولمن نفى القياس أن يقول: الذي يجب، أن أثبت الحكم (6) في القبلة بالاجتهاد، لورود النص، وأقف عنده ولا أتجاوزه (7). وهذا بمنزلة أن ترد العبادة بإيجاب صلوة، فيقيس قائس (8) عليها وجوب أخرى، فكما أنه ممنوع من ذلك إلا أن يتعبد بالقياس، فكذلك من قاس على القبلة غيرها ممنوع من قياسه، ولما (9) يثبت (10) ورود العبادة بالقياس. على أن الحكم عند الغيبة ثابت بالنص في الجملة، لان المكلف


1 – الف: يعتمدوا. * 2 – ج: – من. 3 – الف: الحوادث. * 4 – ب: – منه. 5 – ج: – و. * 6 – ج: حكم. 7 – الف: اتجاوز. * 8 – الف: – قائس، ج: قاسا. 9 – الف: لا. * 10 – ب: + من. (*)

[ 788 ]

قد ألزم أن يصلي إلى جهة ما، وإذا كان الحكم الشرعي ثابتا في الجملة ولم يكتف (1) المكلف في إمكان الفعل بالجملة، وجب أن يجتهد حتى يمكنه الفعل الواجب عليه في الجملة، فالاجتهاد (2) منه ليس يتوصل به إلى إثبات الحكم الشرعي، وإنما يصل به (3) إلى تمييز (4) الحكم المجمل الذي ورد به النص وتفصيله. وعروض ذلك أنه يرد النص في الارز أن (5) فيه ضربا من ضروب الربا، ويكون هناك طريق (6) إلى الاجتهاد في إثباته، فيتوصل المكلف إلى تمييز (4) ذلك الربا وتفصيله لاجل النص المجمل، وهذا مما لم يثبت لهم. على أنه يقال للمتعلق بهذه الطريقة: أليس إنما (7) اجتهدت عند الغيبة في القبلة لما ثبت بالنص حكم (8) لا سبيل لك (9) إلى معرفته إلا بالاجتهاد ؟ فإذا اعترف بذلك، قيل له: فثبت في الفرع أنه لا بد فيه من حكم لا يمكن معرفته إلا بالاجتهاد (10) حتى يتساوى


1 – الف: يكتفى، ج: يلتفت. * 2 – ب: والاجتهاد. 3 – ج: – به. * 4 – الف وج: تميز. 5 – ب: الادان، بجاى الارزان. * 6 – ج: طريقا. 7 – الف: ما. * 8 – الف: حكمه. 9 – ب: – لك. * 10 – ج: + و. (*)

[ 789 ]

الامران، ولا سبيل لك إلى ذلك، وقد علمت أن في نفاة القياس من يقول: إن حكم الفرع (1) معلوم عقلا، وفيهم من يقول: إنه معلوم بالنصوص إما بظواهرها أو بأدلتها. وبعد، فليس مثبت القياس بأن (2) يتعلق بالقبلة في إثبات الحكم للفرع قياسا على الاصل بأولى من نافى (3) القياس إذا تعلق بها في حمل الفرع على الاصل في أنه لا يثبت له حكم إلا بالنص. ومتى قيل له: فاجمع (4) بين الامرين، امتنع، لتنافيهما. ومتى قيل له: (5) الاثبات (6) أرجح وأدخل في الفائدة، قال: هذا إنما يصح فيما قد ثبت وصح، لا فيما الكلام فيه واقع. وهذه الجملة التي ذكرناها في الكلام على من تعلق بالقبلة يبطل أيضا ما حكينا أنهم ربما تعلقوا به من جزاء الصيد والنفقات وأروش الجنايات إلى سائر ما يجري هذا المجرى، لان كل ذلك إنما يدل على جواز التعبد بالاجتهاد والقياس، ولا يصح اعتماده في إثباته (7).


1 – ب: الفروع. * 2 – ب: أن. 3 – الف: منافى. * 4 – الف: قيل اجمع، ج: واجمع. 5 – الف: + و. * 6 – ج: الاثنان. 7 – ج: اثبات. (*)

[ 790 ]

على أنه لا شئ من ذلك إلا والمرجع في تمييزه (1) إلى عادة (2) معروفة وطريقة معلومة، إما على الجملة أو على التفصيل، وليس هو من القياس الذي ينكر في الشريعة بسبيل (3)، فالجمع بين الامرين باطل. فأما تعلقهم بخبر الخثعمية، وخبر قبلة (4) الصائم، والذي ولد له غلام أسود، فكل ذلك وأمثاله لا (5) نتعلق به، لانه * أولا وارد (6) من طريق الآحاد، وممن يجوز أن يكون كاذبا، وكل أصل قطع عليه، وتعبد فيه بالعلم اليقين، دون الظن، فإن (7) الرجوع في إثباته إلى أخبار الآحاد غير صحيح، والقياس (8) عندهم أصل معلوم و (9) مقطوع على صحته، فكيف يثبت بمثل هذه الاخبار ؟ !. على أن تنبيهه (10) صلى الله عليه وآله على علة الحكم لا يزيد في القوة على أن ينص تصريحا عليها ولو نص عليها (11)، لم يجب القياس


1 – الف وج: تميزه. * 2 – ج: عادته. 3 – ب: سبيل، ج: لسبيل. * 4 – ب: – قبلة. 5 – الف: – لا. * 6 – ب: اولى واراد. 7 – ب: وان. * 8 – ب: فالقياس. 9 – الف: – و. * 10 – ج: تنبيه. 11 – ب: – نص عليها. (*)

[ 791 ]

بهذا القدر، دون أن يدل على العبادة به بغير ذلك. على أنه – صلى الله عليه وآله – بتنبيهه (1) قد أغنى (2) عن القياس، فكيف يجعل ذلك دليلا على القياس ؟ !. ولانه أيضا مع التنبيه على العلة قد أثبت الحكم في الاصل والفرع معا، وما هذه حاله لا مدخل للقياس (3) فيه. على أنه صلى الله عليه وآله – أخبر أن الحج يجري مجرى الدين في وجوب القضاء، وكذلك ما نبه عليه في باب القبلة والمولود الاسود، ولم يذكر لاي سبب جرى مجراه ؟ وما العلة فيه (4) ؟، وهل ظاهر نص أوجب ذلك، أو (5) طريقة قياسية ؟ وإذا كان الامر مجملا، لم يجز القطع على أحد الوجهين (6) بغير دليل. على أن اسم الدين يقع على الحج كوقوعه (7) على المال، وإذا كان كذلك، دخل في (8) قوله تعالى -: (من بعد وصية يوصي بها أو دين).


1 – ج: بتنبيه. * 2 – ج: اعجبني. 3 – ب وج: في القياس. * 4 – ب: – فيه. 5 – الف: و. * 6 – الف: وجهين. 7 – الف وج: لوقوعه، الف: + مجملا. 8 – ب: تحت، بجاى في. (*)

[ 792 ]

باب الكلام في الاجتهاد وما يتعلق به اعلم أن الاجتهاد وإن (1) كان عبارة عن إثبات الاحكام الشرعية بغير (2) النصوص وأدلتها، بل بما طريقه الامارات والظنون، وأدخل في جملة ذلك القياس الذي هو حمل الفروع على الاصول بعلة (3) متميزة، كما أدخل في جملته (4) ما لا أمارة (5) له متعينة، كالاجتهاد في القبلة، وقيم المتلفات. فقد بينا أن القياس الذي هو حمل الفروع على الاصول بعلة متميزة قد كان من الجائز في العقل أن يتعبد الله تعالى به لكنه ما تعبد، ودللنا على ذلك وبسطنا الكلام فيه. فأما الاجتهاد الذي لا تتميز (6) الامارات (7) فيه، وطريقه غلبة الظن كالقبلة وماشا كلها، فعندنا أن الله تعالى قد تعبد بذلك زائدا على جوازه في العقل، لانه تعالى قد تعبد بالاجتهاد في القبلة، وعمل كل مكلف بما يؤديه اجتهاده إليه. وتعبد أيضا في أروش


1 – الف: إذا. * 2 – ج: بغيرها. 3 – الف: لعلة، ب: يعلمه. * 4 – الف: جملة ذلك. 5 – الف: امارات، ب: اختار. * 6 – ب وج: يتميز. 7 – ب: الامارة. (*)

[ 793 ]

الجنايات وقيم المتلفات وجزاء الصيد بمثل ذلك. وكل مجتهد فيما جرى هذا المجرى مصيب، ألا ترى أن من أداه اجتهاده إلى أمارة ظهرت له أن القبلة في جهة من الجهات، لزمته الصلوة إلى تلك الجهة بعينها، فإذا أدى غيره (1) اجتهاده إلى أن القبلة في غيرها، لزمته الصلوة (2) إلى ما غلب في ظنه أنه جهة القبلة، وكل منهما مصيب وإن اختلف التكليف (3)، وقد بينا بطلان قول من ادعى أن الصحابة صوب بعضهم بعضا في مسائل القياس. ولا شبهة في أن العبادة بالمذاهب (4) المختلفة (5) إنما يجوز فيما طريقة العمل دون العلم، وأن الاصول المبنية على العلم نحو التوحيد والعدل والنبوة (6) لا يجوز أن يكون الحق فيها إلا واحدا، لان الله تعالى لا يجوز أن يكون جسما وغير جسم، ويرى ولا يرى (7) على وجهين مختلفين، وبإضافة (8) إلى (9) مكلفين متغايرين، وقد يجوز أن يكون الشئ الواحد حراما على زيد وحلالا على عمرو، كما يجوز أن


1 – الف: غير. * 2 – ب: – إلى تلك الجهة، تا اينجا. 3 – الف: بالتكليف. * 4 – الف: في المذاهب. 5 – الف: مختلفة، + و. * 6 – ب: النبوات. 7 – الف: + و. * 8 – ج: باضافته. 9 – الف: + كل. (*)

[ 794 ]

يكون حلالا لشخص في وقت وحراما عليه في آخر، وحلالا على وجه وحراما على آخر، فمن جمع بين أصول الدين وفروع الشرع في هذا الباب فقد ضل وأبعد (1) عن الصواب. فإن قيل: أفتجوزون (2) من طريق العقل أن يتعبد النبي صلى الله عليه وآله بالاجتهاد في بعض مسائل الشرع. قلنا: العقل (3) لا يمنع من ذلك إذا تعلقت به مصلحة. فإن (4) قيل: فجوزوا أن يكون في أحكامه صلى الله عليه وآله ما طريقة الاجتهاد. قلنا: الصحيح في (5) المنع من ذلك هو أنا قد دللنا على أن القياس و (6) حمل الفروع على الاصول في (7) الشريعة مما لم يتعبد به، وكل من قال بأن الامة لم تتعبد (8) بذلك يقطع على (9) أن النبي صلى الله عليه وآله ما تعبد (10) بمثله، فالقول بأنه صلى الله عليه وآله تعبد به دوننا خروج عن الاجماع. وقد ادعى أبو علي الجبائي إجماع الامة على أنه صلى الله عليه وآله ما تعبد بذلك.


1 – ب وج: ابعد وضل. * 2 – ب: افيجوزون. 3 – ب: – العقل، ج: الفعل. * 4 – الف: فإذا. 5 – ب: – في. * 6 – ج: – و. 7 – ج: – في. * 8 – ج: يتعبد. 9 – الف: – على. * 10 – الف: يتعبد. (*)

[ 795 ]

فأما من يمنع من (1) عبادته (2) صلى الله عليه وآله بذلك من جهة تحريم مخالفته على كل حال، وأنه لو كان فيما يحكم به ما (3) هو مقول من جهة الاجتهاد، (4) ما حرمت المخالفة على كل وجه، فليس بشئ معتمد، وذلك أن لمن أجاز الاجتهاد عليه أن ينفصل (5) من ذلك بأن يقول: ليس يمتنع (6) أن تحرم (7) مخالفته على كل حال، وإن كان في أقواله ما هو عن اجتهاد، كما أن الامة إذا اجتمعت على قول من الاقوال من طريق الاجتهاد حرم خلافها من حيث اجتمعت (8) * وإن كان أصل قولها اجتهادا. و (9) إذا (10) كان اجتهاده كالمنفصل من (11) اتباعنا له، جاز أن يلزمنا اتباعه وإن كان قوله عن طريق غالب الظن.


1 – ب: – من. * 2 – ج: عادته. 3 – ج: – ما. * 4 – الف: + و. 5 – الف: يتوصل. * 6 – ب: يمنع. 7 – ج: يحرم. * 8 – ب: اجمعت. 9 – ج: أو. * 10 – الف: ان. 11 – ب: عن. (*)

[ 796 ]

فصل في صفة المفتي والمستفتي اعلم أن في الناس من منع من الاستفتاء، وزعم أن العامي يجب عليه أن يكون عالما بأحكام فروع الحوادث، وإنما يرجع (1) المستفتي إلى المفتي لتنبهه (2) على طريقة الاستدلال، ويعتمد على أن تجويز المستفتي على المفتي الخطأ يمنع من قبول قوله، لانه لا يأمن أن يكون مقدما على قبيح. وربما قالوا: لو جاز أن يقلده في الفروع جاز مثل ذلك في الاصول. وأقوى من ذلك أن يقولوا: قد علمنا أن العامي لا يجوز أن يقلد في أصول الدين كالتوحيد والعدل والنبوة، بل لا بد من (3) أن يكون بذلك عالما. ومن يتمكن من العلم بهذه الاصول على كثرة الشبهات فيها لا بد من (3) أن يكون متمكنا من العلم بأحكام الحوادث، وإذا تمكن من العلم بذلك لم يجز له التقليد. والذي يدل على حسن تقليد العامي للمفتي (4) أنه لا خلاف بين


1 – ب وج: يفزع. * 2 – ج: لتنبيه. 3 – ج: – من. * 4 – ب: – للمفتي. (*)

[ 797 ]

الامة قديما وحديثا في وجوب رجوع العامي إلى المفتي، وأنه يلزمه قبول قوله، لانه غير متمكن من العلم بأحكام الحوادث، ومن خالف في ذلك كان خارقا للاجماع. وليس يمكن المخالف في ذلك دفع (1) الاجماع على الرجوع إلى الفتوى والارشاد (2) إليها والاقرار عليها، وإنما يتأول هذا الرجوع بما هو بعيد، فيقول: هو رجوع للتنبيه على النظر والاستدلال. وهذا التأويل معلوم (3) ضرورة خلافه، لان العامي لا يستفتي على وجه طلب التنبيه على النظر، بل ليلتزم. ولا فرق بين من ادعى ذلك في المفتي، وبين من ادعى (4) مثله في الحاكم، وذهب إلى أن الحاكم لا يلزم (5) الحكم حتى يبين للمحكوم (6) عليه صحته وطريقة (7) العلم به. وأما (8) تجويزه (9) على المفتي الخطأ، فغير مانع من جواز قبول


1 – الف: رفع. * 2 – ب: الارساد. 3 – ب: معلومة. * 4 – ج: – ذلك، تا اينجا. 5 – الف: يلزمه. * 6 – ب: المحكوم. 7 – الف وب: طريقه. * 8 – ب: فاما. 9 – الف: يجوزه، ج: تجويز. (*)

[ 798 ]

قوله، كما نقوله (1) كلنا في الشاهدين ومن جرى مجراهما، وقيام الحجة بالاستفتاء يؤمنه من أن يقدم على قبيح. وأما حمل الاصول على الفروع في جواز التقليد، فغير صحيح، لان تقليد المستفتي للمفتي إنما جاز لان له طريقا إلى العلم بحسن ذلك ووجوبه، وإنما يكون له إليه طريق لعلمه بالاصول، ولو لم يكن بها (2) عالما (3) لما جاز أن يعلم حسن هذا التقليد. والتقليد في الاصول غير مستند إلى طريقة علم تقدمت يؤمن بها من الاقدام على القبيح، كما استند التقليد في الفروع إلى ذلك. فأما قولهم: إذا أمكن أن يعلم (4) الاصول وهي أغمض، فلا بد من أن يكون متمكنا من العلم بأحكام (5) الفروع، فغلط، لان العلم بالاصول من التوحيد والعدل وما ألحق (6) بهما يمكن أن يعلم على جهة الجملة من أخصر (7) الوجوه وأقربها، وإنما طول المتكلمون في ذلك طلبا للتفريع والتدقيق، وإلا فالعلم على سبيل


1 – الف: يقول. * 2 – الف: – بها. 3 – الف: + به. * 4 – ب: تعلم. 5 – الف: بالاحكام. * 6 – ج: لحق. 7 – الف: احضر. (*)

[ 799 ]

الجملة قريب جدا، وإنما (1) يحتاج إلى الفكر الطويل عند دخول الشبهة (2) القادحة والعامي إذا اعترضت (3) له شبهة، لا يعلم قدحها فيما هو معتقد له وعالم به (4) إلا وهو يتمكن (5) من حلها ومعرفة ما يبطلها. وإن كان غير متمكن من ذلك لقصور فطنته (6)، فهو أيضا لا يعلم قدح الشبهة فيما اعتقده، فلا يؤثر في حاله. وحوادث الشرع التي لا تنحصر (7) ولا تنضبط لا يكفي (8) فيها العلم بالجملة، ولا بد في كل مسألة منها من علم يخصها، فالعامي لا يجوز أن يتمكن من العلم بتفصيل أحكام (9) كل الحوادث التي حدثت وستحدث (10) من حيث يتمكن (11) من (12) العلم بالاصول على طريق الجملة. وقد فرقنا بين هاتين المسألتين في مواضع من كتبنا، وهذا قدر كاف هيهنا. وإذا تقرر حسن الفتيا والاستفتاء، (13) فالذي يجب أن يكون


1 – الف: – انما. * 2 – ب: الشبه. 3 – الف: عرضت. * 4 – ب: + و. 5 – ب: فهو متمكن. * 6 – ج: فتنته. 7 – ج: ينحصر. * 8 – الف: تكفى. 9 – ب: الادلة في، بجاى احكام. 10 – الف وج: + و. 11 – الف وج: يمكن. * 12 – الف: – من. 13 – ب: فالاستفتاء. (*)

[ 800 ]

عليه المفتي هو أن يعلم الاصول كلها على سبيل التفصيل، ويهتدي إلى حل كل شبهة تعترض (1) في شئ منها، ويكون أيضا عالما بطريقة (2) استخراج الاحكام من الكتاب والسنة، وعارفا من (3) اللغة والعربية (4) بما (5) يحتاج إليه في (6) ذلك، حتى يكون متمكنا من أن يفتي في كل مسألة أو حادثة تعترض أو أكثر ذلك، ويكون مع هذه العلوم ورعا دينا صينا (7) عدلا متنزها حتى يحسن تقليده والسكون (8) إلى نصيحته وأمانته. وليس القياس عندنا في الشريعة مما تعبدنا (9) به، فيشترط أن يكون عالما بذلك وبوجوه الاجتهادات، كما يشترط أصحاب القياس في المفتي مثل ذلك. فإذا سئل عن مسألة أجاب عنها إن كان عالما بالجواب، وإن لم يكن عنده علم لا يحل له أن يفتي (10) المستفتي، بل


1 – الف وب: يعترض. * 2 – ب: بطريق. 3 – الف: في. * 4 – ج: القريبة. 5 – الف: مما. * 6 – ب: + مثل. 7 – هذه الكلمة في نسخة الف غير منقوطة فوقا وتحتا، وفي نسخة ب: صيتا. 8 – الف: يسكن، ج: السكوت. * 9 – ب: يعيدنا. 10 – ب: يغش. (*)

[ 801 ]

يصدقه عن حاله وأنه لا يعلم (1) بها، حتى يرجع إلى غيره فيها. وللعامي * طريق إلى معرفة صفة من يجب عليه أن يستفتيه، لانه يعلم بالمخالطة والاخبار المتواترة حال العلماء في البلد الذي يسكنه، ورتبتهم في العلم والصيانة أيضا والديانة. وليس يطعن على هذه الجملة قول من يبطل الفتوى بأن يقول: كيف يعلمه عالما وهو لا يعلم شيئا من علومه، لانا نعلم أعلم الناس بالتجارة والصياغة في البلد وإن لم نعلم شيئا من التجارة والصياغة، وكذلك العلم بالنحو واللغة وفنون الآداب. ولا شبهة في أن هذه الصفات إذا كانت ليست عند المستفتي إلا لعالم واحد في البلد لزمه استفتاؤه (2) تعينا (3)، وإن كانت لجماعة هم متساوون كان مخيرا. وإن كان بعضهم عنده أعلم من بعض أو أورع و (4) أدين، فقد اختلفوا: فمنهم من جعله مخيرا، ومنهم من أوجب أن يستفتي المقدم في العلم والدين، وهو أولى، لان الثقة هيهنا أقرب وأوكد، والاصول كلها (5) بذلك شاهدة.


1 – ب: لاعلم له، ج: – ان يفتى، تا اينجا. 2 – ب وج: + و. * 3 – ب: تعين. 4 – الف وج: أو. * 5 – الف: + الا. (*)

[ 802 ]

وكما يجب على المفتي أن يفتي بما يقطع عليه بعينه وأن يتوقف عما لا يعلمه، كذلك يجب عليه إن تساوى عنده أمران أن يفتي بالتخيير بينهما. وقد منع قوم عن (1) غير بصيرة من اعتدال الاحكام عند العالم، وقالوا. لابد من مزية وترجيح. وليس الامر على ما ظنوه، لانه لا مانع من تساوي (2) حكمين عند العالم (3) حتى لا يكون لاحدهما على الآخر مزية، وفي العقول شواهد لذلك لا تحصى: لان من طولب برد وديعة عنده (4) هو (5) مخير في دفعها بأي يد شاء، والفعلان واجبان عليه على التخيير، ولا مزية لاحدهما على صاحبه. وقد خير الله تعالى في كفارة اليمين بين ثلاث كل واحدة منهن واجبة على التخيير، من غير مزية لاحدها على الاخرى ولا ترجيح. ولا مانع من أن تنزل (6) حادثة (7) لا يوجد (8) في أدلة الكتاب والسنة المقطوع بها وإجماع


1 – ب: من. * 2 – الف: تساويين. 3 – الف: – حكمين عند العالم. * 4 – الف: – عنده. 5 – ب: فهو. * 6 – ج: تتنزل. 7 – ج: + و. * 8 – الف وب: توجد. (*)

[ 803 ]

أهل الحق فيها (1) حكم، فيكون العقل مسويا (2) فيها بين أمرين (3) لا مزية لاحدهما على الآخر، فيجبا (4) على جهة التخيير. وهذا كما أنه جائز متصور في مسائل الاجتهاد، فهو أيضا جائز متصور فيما ثبت (5) من الاحكام بالادلة القاطعة (6) على نحو المثال الذي ذكرناه، ومن أمثلته أن يختلف أهل الحق في حكم حادثة تنزل (7) على وجهين، وعند التأمل والبحث (8) لا يوجد في الادلة ما يرجح أحد الوجهين على صاحبه (9)، فيكون العالم مخيرا بينهما في نفسه وفيما يفتي به غيره. فإن قيل (10): فكيف قولكم (11) في العامي إذا أفتاه بعض علمائكم بأن الطلاق (12) الثلاث يقع منه واحدة وأفتاه عالم آخر بأنه لا يقع منه شئ، أو (13) أفتاه أحدهما بالعمل في المشهور على رؤية


1 – الف: فيما. * 2 – الف وج: مساويا. 3 – الف: الامرين. * 4 – الف: فيجبان، ج: فيجب. 5 – ب وج: يثبت. * 6 – ب: بادلة قاطعة. 7 – ب: ينزل، ج: تتنزل. * 8 – ب: – وعند التأمل والبحث. 9 – ب: – على صاحبه. * 10 – الف وب: قال. 11 – ب: قولك. * 12 – الف: – الطلاق. 13 – الف: و. (*)

[ 804 ]

الاهلة وأفتاه الآخر بالعدد ؟ قلنا: الاولى أن يكون هذا المستفتي مخيرا بين الامرين، لانه لا طريق له إلى العلم بالحق منهما، وليس تجويزه أن يكون أحد المذهبين خطاء والآخر صوابا يقتضي قبح القبول من المفتي، لانه غير ممتنع (1) أن يكون ذلك خطاء من المفتي وصوابا من المستفتي، لان (2) المفتي له طريق إلى (3) العلم بصفة الفعل في حسن أو قبح، والمستفتي لا يتمكن من ذلك، وليس تجويز المستفتي أن يكون المفتي مخطئا فيما أفتاه به لدخول (4) شبهة (5) علية بأكثر من تجويزه (6) أن يفتيه بالخطأ متعمدا، وإذا (7) كان تجويزه (8) لذلك (9) لا يمتنع من وجوب قبوله منه فكذلك الاول.


1 – الف: + غير. * 2 – الف: لانه. 3 – الف: – إلى. * 4 – الف: بدخول، ب: لدخوله. 5 – ب: بشبهة. * 6 – ب: + و. 7 – ب: فإذا. * 8 – ج: – ان يفتيه، تا اينجا. 9 – الف وج: كذلك. (*)

[ 805 ]

باب الكلام في الحظر والاباحة اعلم أن حد المباح يتضمن إثباتا ونفيا وتعلقا بالغير: فالاثبات (1) هو حسنه، والنفي هو أن (2) لامدح فيه ولاذم ولا ضرر، والتعليق هو أن (2) يعلم المكلف أو (3) يدل على ذلك من حاله (4). و (5) بمجموع (6) ما ذكرناه ينفصل من وجوه الافعال الباقية، لانه بكونه (7) حسنا ينفصل من (8) القبيح، ومما ليس بحسن ولا قبيح، وبكونه لا ضرر فيه ولا مدح ولاذم ينفصل من الندب والواجب، وبالتعلق (9) ينفصل من الحسن الذي يقع من الله تعالى (10) ولا صفة له زائدة على حسنه، كاستيفاء العقاب، لانه تعالى لا يجوز أن يعلم ولا يدل، ومن أفعال البهائم ومن جرى مجراها.


1 – ب: + و. * 2 – الف: – ان. 3 – ب: و. * 4 – ب: حالة. 5 – ب وج: و. * 6 – ب: لمجموع. 7 – الف: يكون. * 8 – الف: عن. 9 – ج: بالتعقل. * 10 – ب وج: – تعالى. (*)

[ 806 ]

وإن (1) أسقطت في هذا الحد عند ذكر النفي الضرر والذم، واقتصرت على نفي المدح، كفى، فإنه بنفي المدح يبين (2) من الندب والواجب، ولا يحتاج إلى أن يبين (2) منهما (3) أيضا بنفي الضرر والذم. وهو وإن بان (4) بنفي الضرر عنه والذم من القبيح (5)، فيكفيه (6) في إبانته منه (7) كونه حسنا. ووجدت بعض من يشار (8) إليه في أصول الفقه ينفي (9) الضرر والمدح والذم في فعل المباح وألا يفعل، ويعتبر ذلك في الامرين. وهذا غير صحيح، لانه يقتضي أن استيفاء العقاب في (10) الآخرة ليس له صفة المباح وإن (11) لم يطلق عليه الاسم، ويقتضي أيضا أن يكون استيفاء أحدنا للدين (12) * غير مباح، لان العقاب والدين من ما يستحق المدح بأن لا يستوفيا.


1 – ب: فان. * 2 – ج: يبين بتشديد عين الفعل. 3 – الف: منها. * 4 – الف: ان ياتي، بجاى وان بان. 5 – الف: القبح. * 6 – ب: في كيفية، بجاى فيكفيه. 7 – الف: – منه. * 8 – الف: اشار. 9 – الف وج: بنفى. * 10 – ب: و، بجاى في. 11 – ب: فان. * 12 – ب: الدين. (*)

[ 807 ]

فإن قال من راعى ما ذكرناه في الفعل وأن (1) لا يفعل: ليس (2) في أن لا يستوفى العقاب والدين مدح على كل حال، وإنما المدح في إسقاط ذلك، وقد لا يستوفى ولا يسقط، فلا يمدح. قلنا: يجب إذا نفيت المدح نفيا مطلقا في (3) أن لا يفعل (4) أن يعم (5) أحوال ألا يفعل كلها (6)، كما عم هذا النفي أحوال الفعل كلها، وإذا (7) كان في بعض الاحوال المدح ثابتا بطل الحد، ومن لم (8) يستوف (9) العقاب أو (10) الدين إنظارا (11) و (12) إمهالا وإن لم يسقط ذلك يستحق المدح لا محالة، وإن كان ذلك دون المدح على الاسقاط، ولهذا مدح تعالى بأنه حليم من حيث (13) لا يعاجل بالعقاب وإن لم يسقطه. فإذا قيل: قد لا (14) يعاجل بالعقاب ولا يستو في الدين من


1 – ب: – ان. * 2 – الف: – ليس. 3 – الف: – في. * 4 – الف: يقول. 5 – ب: يعلم. * 6 – الف: – كلها. 7 – ب: فإذا. * 8 – الف: – لم. 9 – الف: يستوفى. * 10 – الف: و. 11 – الف: الضار. * 12 – الف وج: أو. 13 – ب: + ان. * 14 – الف: – لا. (*)

[ 808 ]

لا يستحق المدح إذا لم يقصد بذلك الاحسان ووجه النعمة به. قلنا: وقد (1) يسقط العقاب والدين أيضا من لا يستحق المدح إذا لم يقصد الاحسان، ويكفي في انتقاض الحد أن نجد (2) المدح حاصلا في حال من أحوال (3) أن لا يفعل. وأما حد المحظور (4)، فهو القبيح الذي قد أعلم (5) المكلف أو دل على ذلك من حاله، لانه بما ذكرناه يبين (6) من كل ما يخالفه. وقد اختلف الناس فيما يصح الانتفاع به ولا ضرر على أحد فيه: فمنهم من ذهب إلى أن (7) ذلك على الحظر (8)، ومنهم من ذهب إلى أنه مباح، ومنهم من وقف بين الامرين. واختلف من ذهب (9) إلى الحظر (8) فبعضهم (10) ذهب (11) إلى أن ما لا يقوم البدن إلا به (12) ولا يتم العيش إلا معه على الاباحة.


1 – الف: – قد. * 2 – ب: يحد. 3 – ب: الاحوال. * 4 – الف: المحضور. 5 – ب: علم. * 6 – ج: يبين، بتشديد عين الفعل. 7 – الف وب: – ان. * 8 – الف: الحضر. 9 – ج: – ذهب. * 10 – الف: – قبعضهم. 11 – الف: فذهب. * 12 – ج: – الا به. (*)

[ 809 ]

وما عداه على الحظر (1)، وفيهم (2) من سوى بين الكل في الحظر (1)، وقال آخرون بالوقف (3)، وجوزوا كل واحد من الامرين: يعني الحظر (1) والاباحة. ولا خلاف بين هذه الفرقة وبين من (4) قطع على الحظر (1) في وجوب الكف عن (5) الاقدام، إلا أنهم اختلفوا في التعليل: فمن قال بالحظر (1) كف لانه اعتقد أنه مقدم على قبيح (7) مقطوع عليه، ومن يقول بالوقف إنما كف لانه لا يأمن من كونه مقدما على محظور (8) قبيح. والصحيح (9) قول من ذهب فيما ذكرنا صفته من الفعل إلى أنه في العقل (10) على الاباحة. والذي يدل على صحته أن العلم بأن ما فيه نفع خالص من


1 – الف: الحضر. * 2 – ب: – وفيهم. 3 – ج: بالتوقف. * 4 – الف: – من. 5 – الف: على. * 6 – الف: – لانه 7 – الف: القبيح. * 8 – الف: محضور. 9 – الف: – والصحيح. * 10 – الف: – في العقل. (*)

[ 810 ]

مضرة عاجلة أو آجلة له صفة المباح وأنه (1) يحسن الاقدام عليه كالعلم بأن ما فيه ضرر خالص عن كل منفعة قبيح محظور (2) الاقدام عليه، والعلم بما ذكرناه (3) ضروري كالعلم بقبح ما له صفة الظلم وحسن ماله صفة الاحسان والانعام. فإذا قيل: كيف تدعون علم (4) الضرورة فيما يخالف فيه من ذهب إلى الحظر (5) ؟ !. قلنا: لم يخالفوا في الموضع الذي ذكرناه (6). وإنما اعتقدوا أن في الاقدام على ما ذكرناه مضرة، فلم يخلص لهم العلم بالصفة التي يتبعها (7) العلم بالاباحة، وكذلك من توقف لم يخلص له هذا العلم، لانه يعتقد أنه لا يأمن المضرة في الفعل. ويبين ما ذكرناه أنه لا بد في كل نوع من (8) أحكام (9) الافعال من أصل ضروري في العقل، ألا ترى أن ماله صفة الظلم لا بد من قبحه في العقل (10)، وما (11) له صفة الانصاف وشكر


1 – الف: فانه. * 2 – الف: محضور. 3 – الف: ذكرنا. * 4 – الف: – علم. 5 – الف: الحضر. * 6 – ج: ذكرنا. 7 – ج: تتبعها. * 8 – ج: – من. 9 – ب: – احكام. * 10 – ب: – الا ترى، تا اينجا. 11 – ج: – ما. (*)

[ 811 ]

النعمة لا بد من وجوبه، وكذلك لا بد من أن يكون في العقل أصل (1) لاباحة (2) ماله صفة مخصوصة من الافعال، ولا شئ يمكن ذكره في ذلك إلا ما أشرنا إليه من المنفعة الخالصة (3). ولم يبق إلا أن يقولوا: دلوا على أنه لا مضرة فيما ذكرتم من الفعل، ففيه الخلاف. قلنا: المضرة على ضربين: عاجلة وآجلة، فالعاجلة يعلم فقدها لفقد طرق العلم بها أو الظن لها، وللعلم أدلة وطرق، وللظن أيضا (4) أمارات وطرق، فإذا فقد كل وجوه العلم و (5) الظن، قطع على انتفاء المضرة العاجلة. ولولا (6) صحة هذه الطريقة لم يعلم انتفاء المضرة عن تصرفنا وتجاراتنا وكثير من أفعالنا. وتجويز المضرة في الفعل من غير أمارة عليه يلحق بظن أصحاب السوداء. وأما المضرة الآجلة، فهي العقاب، وإنما يعلم انتفاء ذلك لفقد السمع الذي يجب أن يرد به لو كان ثابتا، لان الله تعالى لا بد أن يعلمنا ما علينا من المضار الآجلة التي هي العقاب


1 – ج: اصلا. * 2 – ب: الاباحة. 3 – ج: الخالية. * 4 – ب: – ايضا. 5 – ب وج: أو. * 6 – ج: – لا. (*)

[ 812 ]

الذي يقتضيه قبح الفعل، وإذا فقدنا هذا الاعلام (1)، قطعنا على انتفاء المضرة الآجلة أيضا. فإن قيل: أنتم ممن يعتبر في كون الفعل حسنا انتفاء وجوه (2) القبح عنه (3)، فمن أين لكم انتفاء وجوه القبح عن تصرفكم ؟ ! قلنا: وجوه (2) القبح معلومة، فإذا لم يكن الفعل كذبا، ولا ظلما، ولا إرادة لقبيح، ولا تكليفا لما لا يطاق، إلى غير ذلك من وجوه القبح، وعلم أنه ليس بمفسدة، لفقد إعلام الله تعالى له بذلك ودلالته عليه، علم انتفاء جميع وجوه القبح. على أن هذا الضرب من التشكيك قائم في الاحسان وشكر النعم (4)، و (5) إذا كان لنا طريق إلى العلم بانتفاء وجوه القبح عن (6) ذلك فهو الطريق (7) إلى غيره (8). دليل آخر: ومما يدل على أصل المسألة أن قد علمنا حسن التنفس (9) في الهواء، ولابد * لحسن ذلك من علة.


1 – الف: العلم. * 2 – ج: وجود. 3 – ج: منه. * 4 – الف: المنعم. 5 – ج: – و. * 6 – ج: من. 7 – الف: طريق. * 8 – ج: غير ذلك. 9 – ب: التنفيس. (*)

[ 813 ]

ولا يجوز أن يكون علته الحاجة (1) إليه، لان ذلك يقتضي (2) حسن كل شئ يحتاج إليه، وليس (3) هذا قولا لاحد. فإن قيل: يحسن للحاجة وانتفاء وجوه القبح، فذلك (4) يعود إلى ما قلناه. ولا يجوز أن يحسن ذلك لدفع مضرة. من حيث كان الحي منا يستضر متى لم يتنفس، لان هذه المضرة لا تخلو (5) من أمرين: أحدهما أن يصح استمرار كون الحي منا حيا مع هذه المضرة، والآخر أن يكون استمرارها لا يصح (6) مع هذه المضرة: فإن كان الاول (7)، فما فعل لدفع مضرة (8) قد يفعل للنفع، وكل فعل حسن لاحدهما فإنه يحسن للآخر. على أنه قد يحسن التنفس في الهواء الزائد على ما (9) تندفع به المضرة وما دافع حسن ذلك إلا كدافع (10) حسن أصل التنفس. وإن كان الامر على الوجه الثاني، فقد كان يجب أن لا يتنفس إلا عند الضرورة، ومعلوم خلافه. على أن من اعتل بذلك أفسد على نفسه الاعتلال


1 – ج: حاجته. * 2 – ج: + كل. 3 – ج: – ليس. * 4 – الف: كذلك. 5 – ج: يخلو. * 6 – ب: تصح. 7 – الف: – الاول. * 8 – ب: + و. 9 – الف: – ما. * 10 – ج: الدافع. (*)

[ 814 ]

بقبح التصرف في الملك، لانه بالتنفس (1) قد تصرف في ملك غيره من الهواء وآلات نفسه بغير إذن المالك. وبعد، فإذا جاز التصرف في التنفس لتبقى الحيوة ولا تتلف (2) وهي ملك الله تعالى، جاز أن يكف (3) عن التنفس (1) ليبقى سكون الهواء وسكون آلات التنفس (4) ولا يتلف ذلك وهو ملك له تعالى، فما أحد الامرين إلا كالآخر. طريقة أخرى: ومما (5) استدل به (6) على ذلك أن الله تعالى خلق الاجسام مختصة بالطعوم (7) والاراييح، ولا بد من أن يكون له في ذلك غرض، لان العبث لا يقع منه لقبحه، ولا وجه لحسن (8) ذلك له إلا خلقها لينتفع بها العباد. ولا يجوز أن يخلقها على وجه النفع (9) إلا مع (10) أنها على الاباحة، والحظر ناقض (11) لهذا الغرض، وقد علم أن النفع لا يجوز عليه تعالى، فلا يمكن


1 – ب: بالتنفيس. * 2 – الف وج: يتلف. 3 – ج: يكون. * 4 – ب وج: النفس. 5 – ب: ومما. * 6 – ب: بها. 7 – ج: بالطعام. * 8 – ب: يحسن، ج: بحسن. 9 – الف: – النفع. * 10 – ج: من. 11 – ب: ناقص. (*)

[ 815 ]

القول بأنه خلقها لنفعه، ولا يجوز أن يكون خلقها لمضرة الغير، لان الضرر إذا كان غير مستحق ولا نفع (1) ولا دفع ضرر فيه فهو (2) ظلم، والظلم قبيح لا يقع منه (3) تعالى، وإن كان مستحقا فالكلام (4) في أول ما خلق ولا عاصي (5) هناك يستحق العقاب، ولا يجوز أن يكون ذلك (6) للنفع (7) الذي يجري مجرى العوض (8) لان ذلك يقتضي تقدم التكليف (9)، ولا يجوز أن يكون (10) للنفع (7) الذي هو دفع الضرر، لانه تعالى قادر على دفع المضار من دونه. ولان (11) الكلام على أول ما يخلق. ولا يجوز أن يكون النفع فيه هو التكليف، لانه قد يحسن ذلك بلا تكليف. ولان ما يتعلق بالتكليف قد يتم من دون خلق الطعوم والاراييح. فلم يبق بعد ذلك إلا أنه (12) مخلوق لانتفاع الخلق، ولا يكون كذلك إلا ولهم أن ينتفعوا


1 – الف: – ولا نفع. * 2 – ج: وهو. 3 – ج: + إلى. * 4 – ب: والكلام. 5 – ب: عاص. * 6 – ب: – ذلك. 7 – ج: لنفع. * 8 – ج: الغرض. 9 – الف: – لان ذلك يقتضى تقدم التكليف. 10 – الف: يكون. * 11 – ج: ان. 12 – الف: – انه. (*)

[ 816 ]

به، لان من أعد طعاما ليؤكل متى قيل فيه: إنه قد حرم أكله كان ذلك نقضا (1). وخلقه ذلك لانتفاع الخلق لا يقتضي أنه تعالى أراد منهم (2) الانتفاع (3)، فيكون مريدا للمباحات، بل المعنى أنه تعالى (4) أراد إحداثه لوجه الانتفاع، فالارادة متعلقة بما خلقه من الاجسام والاعراض، دون فعل العبد، لانه (5) يجوز أن يخلقه لهذا الوجه، ويخرج العبد من أن ينتفع بسوء (6) اختياره، ولا يخرج هو تعالى من أن يكون خلق لهذا الغرض. ويمكن أن يعترض (7) هذه (8) الطريقة بأن يقال: إنه (9) خلق هذه الطعوم وما أشبهها للنفع الذي هو وجوب تجنب الانتفاع بها عاجلا، ليستحق (10) الثواب بذلك، والمنافع الآجلة الدائمة. فإذا قيل: هذا تكليف، و (11) قد يحسن خلق هذه المعاني


1 – الف وب: نقصا. * 2 – الف: فيهم. 3 – الف: + والارادة. * 4 – ب: – انه تعالى. 5 – ب: + لا. * 6 – ج: نسبوا. 7 – الف: تعرض. * 8 – ب: من، بجاى هذه. 9 – ب: ان. * 10 – ب وج: يستحق. 11 – ج: – و. (*)

[ 817 ]

في الاجسام من غير تكليف. قلنا: لا نسلم لكم أن خلق ذلك يحسن (1) من دون تكليف مكلف بالعرض (2) بإيجاب تجنب ذلك للمنافع العظيمة الدائمة، فمن ادعى حسنه من دون تكليف، فعليه الدلالة، ولن (3) يجدها (4). وإذا قيل: إن المنفعة التي أشرتم إليها آجلة غير عاجلة (5)، وهي منفعة على سبيل المجاز. قلنا: هذا غلط فاحش، لان المنفعة الدائمة العظيمة وإن تأخرت فهي أعظم وأنفع من العاجلة المنقطعة. ومن هذا الذي يجترى على أن يقول: إن الطاعات والعبادات الشاقة ليست بمنافع لنا على الحقيقة ؟ !. ومتى قيل: لو كان الامر على ما ذكرتم وقدرتم، لوجب أن يدل تعالى على حظر ذلك، وإذا فقدت دلالة الحظر، بطل هذا الوجه. وذلك أن لهم (6) أن يقولوا: في العقل حظر ذلك، لانه محظور


1 – ب: – يحسن. * 2 – ب: المكلف ما يعرض. 3 – ب: لم، ج: ان. 4 – ج: تجدها. 5 – ب: موجلة. * 6 – ب: – ان لهم. (*)

[ 818 ]

أن يتصرف أحد في غير ملكه بلا إذن المالك. وما (1) لا يزال (2) يقولون: إنه لو خلق الالوان (3) والطعوم والاراييح ليستدل بها على حدوث الجسم والتوصل إلى معرفته تعالى لكان خلق الالوان (3) يغني عن ذلك ولا يحوج إلى سواه، باطل، (4) لان الادلة قد تترادف وتتوالى، و (5) إن أغنى (6) بعضها عن بعض، ولا يكون نصب الدليل (7) الثاني عبثا، لان الاول أغنى عنه. ومتى قيل: لا يمكن أن يعلم (8) الاراييح والطعوم في الاجسام فيستدل بها على خالقها تعالى إلا بأن يدركها * وينتفع (9) بها، وهذا يرد الامر (10) إلى (11) أنها خلقت للانتفاع. وذلك أنه غير ممتنع (12) أن يدركها فلا ينتفع بها، إما لخلونا (13) من شهوة (14) لها ونفار عنها (15)، أو لارتفاع الشهوة


1 – ج: – ما. * 2 – ب وج: يزالون. 3 – ج: الاكوان. * 4 – ب: + و. 5 – الف: – و. * 6 – ج: غنى. 7 – النصب لدليل. * 8 – ب: تعلم. 9 – ج: ينفع. * 10 – الف: – الامر. 11 – الف: + الاول. * 12 – ب: + في. 13 – ب: بخلقنا، ج: بخلونا. * 14 – ج: شهو. * 15 – ب: تفارعها. (*)

[ 819 ]

ووجود النفار. طريقة أخرى: وقد استدل أيضا على ذلك بأن كل شئ يمكن الانتفاع به من وجهين فخلقه تعالى لينتفع به من أحد الوجهين يقتضي كونه عبثا من حيث خلقه على الوجه الآخر، وجرى خلقه له على الوجهين وهو (1) لا يريد أن ينتفع به منهما مجرى خلقه لشيئين يصح الانتفاع بهما وغرضه الانتفاع (2) بأحدهما في أن خلقه للآخر عبث. وليس يجري ذلك مجرى ما لم يخلقه، مما كان يصح أن يخلقه فينتفع (3) به، لان ما لم يخلق معدوم، والعبث من صفات الموجود. وليس القديم تعالى ممن يصل بفعل (4) إلى آخر، أو بوجه (5) إلى وجه، كأحدنا الذي يصح أن يفعل فعلين، والغرض في أحدهما، لانه (6) عزوجل يتعالى عن (7) ذلك. وقد علمنا أن كون الجسم ذاطعم وذا رائحة وذا الوان في كونه دلالة على إثبات الصانع يجري مجرى أفعال متغايرة (8)،


1 – ج: – هو. * 2 – ج: الايقاع. 3 – ب: فيستنفع. * 4 – ب: يفعل الفعل. 5 – ب: يوجه. * 6 – ب: احديهما انه. 7 – ج: من. * 8 – ج: متغيرة. (*)

[ 820 ]

فلا يجوز منه تعالى أن يجعله كذلك إلا وهو يريد الانتفاع بالكل (1) على سائر الوجوه. وهذه الطريقة يمكن أيضا إعتراضها بالمعنى المتقدم (2): فيقال لهم: خلق الطعوم والاراييح يمكن الاستدلال بها على الصانع تعالى – كما ذكرتم، وقد أراد تعالى ذلك من المكلفين ويمكن أيضا أن ينتفع بها على وجه الادراك لها والالتذاذ بها، و (3) على وجه آخر، وهو وجوب تجنب هذا الانتفاع، ليستحق بذلك الثواب العظيم، وإرادة هذين الوجهين متعذرة (4)، لتنافيهما، فلم يبق إلا أنه يجب أن يكون مريدا لاحدهما، فمن أين قلتم: إنه أراد الانتفاع والالتذاذ دون أن يكون أراد أن يتجنب (5) لاستحقاق (6) الثواب ؟ !. فإذا قلتم (7) لو أراد التجنب، لدل عليه. أمكن أن يقال لكم (8): قد دل عليه بما في العقل من حظر


1 – ب: به لكل، ج، في الكل. * 2 – ج: متقدم. 3 – الف: – و. * 4 – ج: متعذر. 5 – ب وج: التجنب، بجاى ان يتجنب. 6 – ج: لاجل استحقاق. * 7 – ب: فان قالوا، ج: – قلتم. 8 – ب: لهم. (*)

[ 821 ]

التصرف في الملك إلا بإذن المالك. على أن ذلك ينعكس عليكم، فيقال لكم: و (1) لو أراد إباحة الانتفاع، لدل على ذلك. وقد استدل من قال بالحظر على صحة مذهبه بأن المخلوقات كلها ملك الله تعالى ولا يجوز في العقول أن يتصرف في ملك المالك إلا بإذنه وإباحته، فإذا فقدنا الاذن والاباحة، قطعنا على الحظر (2). وهذه الطريقة عليها يعولون (3)، وبها يصولون. ولنا عنها جوابان: أحدهما (4) أن الدليل العقلي الذي ذكرناه (5) أقوى في الدلالة على الاذن والاباحة من السمع، فإذا حسن التصرف بالاذن السمعى، فهو بأن يحسن بالدليل العقلي أولى. يوضح ما ذكرناه (6) أن أحدنا لو وضع الماء على الطريق على وجه مخصوص قد جرت العادة بأنه للاباحة، لكان ذلك أقوى في الاباحة من الاذن بالقول. وكذلك لو أحضر الطعام وأقعد (7) الضيف على


1 – ب: – و. * 2 – الف: الحضر. 3 – ج: يقولون. * 4 – ب: احديهما. 5 – ب: ذكرنا. * 6 – الف: ذكرنا. 7 – ج: انعقد. (*)

[ 822 ]

المائدة، لكان ذلك أقوى من إذنه بالقول. ولو أشار إلى تناول الشئ، لكان كالاذن بالقول. ومما يمكن أن يذكر هيهنا أن ما يملكه أحدنا لا بد من كونه رزقا له ونفعا، ولو ملكنا (1) ما ليس هذه حاله، لحسن من غيرنا (2) تناوله من دون (3) إذننا، وما يملكه تعالى هذه حاله، فمن أين أن التصرف فيه (4) لا يجوز إلا بإذنه ؟ !. وبعد، فإن معنى قولنا فيما خلقه الله تعالى -: (إنه ملكه) أنه يقدر على التصرف فيه بالافناء وغيره، وليس هذا هو المراد فينا، بل المراد أنه يتصرف (5) فيه بوجوه المنافع، ولذلك (6) قيل فيما فات الانتفاع به كالميتة وغيرها: إنه (7) ليس بملك، وقد علمنا أن في تصرفنا في منافع الغير تفويتا لنفعه، فيجب كونه ظلما إلا أن يعلم بإذنه أن هناك نفعا هو أجدى علينا، ولا يتأتى (8) ذلك فيما يملكه تعالى.


1 – ج: مكنا. * 2 – ج: غير. 3 – الف: غير. * 4 – ب: – فيه. 5 – ب: نتصرف. * 6 – ج: كذلك. 7 – الف: – انه. * 8 – ج: تتنافى. (*)

[ 823 ]

فإن قيل: قد يحسن (1) منا منع (2) البهيمة من النفع لما (3) لم تكن مالكة (4)، ويقبح ذلك في الملك، وليست العلة إلا الملك (5) وفقد الاذن. قلنا: النفع إذا حصل له مع البهيمة اختصاص يجري (6) مجرى حيازة الملك لم يكن لنا منعها منه، لما فيه من الاضرار بها. فأما الجواب الثاني، فإن العلة في قبح التصرف في ملك غيرنا ليست ما ذكروه، بل هي أنه تصرف فيما يضره من ملكه بغير إذنه، وهذا غير موجود في ملكه تعالى. والذي يدل على أن العلة ما ذكرناه أنه قد يحسن من أحدنا أن يستظل بظل حائط غيره بغير إذنه، وأن ينظر في مرآته المنصوبة بغير أمره، وكل ذلك تصرف في ملك الغير (7) بلا إذنه، وإنما حسن من حيث إنتفاء الضرر عنه (8) ويوضح ما ذكرناه أن من أباح طعامه لغيره فالمتناول (9) منه ملك لصاحبه، والاذن لم يؤثر


1 – ب: تحسن. * 2 – الف وب: منافع. 3 – ب وج: ما. * 4 – الف وب: يكن مالكه. 5 – ب: بالملك. * 6 – الف: تجرى. 7 – الف: غيره. * 8 – الف: – عنه. 9 – الف: فالتناول،: ب: بالتناول. (*)

[ 824 ]

في انتقاله عنه، وإنما حسن التصرف لزوال المضرة، ألا ترى أن (1) المأذون له لو علم أن الضرر مع الاذن ثابت لم يحل (2) له التناول ؟ !. واعلم أن الاملاك (3) لها أصل في العقل، وليست بموقوفة على السمع، لان من حاز (4) شيئا وثبتت (5) يده عليه فقد ملكه، ولم تجز لغيره أن يتصرف فيه إلا بإذنه، وقد يحسن – مع هذا * الاختصاص وثبوت اليد – التصرف من غير إذن، وذلك (6) مثل أن يتوجه للمتصرف على صاحب اليد حق مخصوص، مثل أن يغصبه درهما وفي ملكه مان يسد مسده من كل وجه، فإن له أن يتناول بغير إذنه من ملكه ذلك المثل، ويجري المثل في هذا الباب مجرى العين في (7) جواز التناول (8)، ألا ترى أنه يلزمه دفع المثل عند تعذر العين ؟ !، فكذلك يحل له تناول المثل من حيث صار حقا من حقوقه. فإن قيل: ما كيفية الاستحقاق العقلي ؟.


1 – ب: المضرة، تا اينجا پاك شده. * 2 – ج: يخل. 3 – الف: – لم يؤثر، تا اينجا. 4 – هذا هو الصحيح، لكن في النسخ كلها (جاز) بالجيم. 5 – ج: تثبت. * 6 – الف: + ان يتوجه. 7 – الف: و، بجاى في. * 8 – ج: التأول. (*)

[ 825 ]

قلنا: هو على ضربين: أحدهما (1) استحقاق عين، والآخر استحقاق بدل فأما استحقاق العين، فكالغصب للشئ المعين. وأما استحقاق البدل، فمثاله أن يفوت رد المغصوب بعينه، فيلزم بدله. فإن كان له بدل (2) يسد (3) مسده في الاغراض المقصودة، تعلق وجوب الرد بالبدل، وجرى (4) مجرى العين. فإن (5) لم (6) يوجد له بدل هذه صفته (7)، فلا بد فيه من مراضاة ومصالحة وما يجري (8) مجراهما. واعلم أن وجوه الاستحقاق (9) العقلية لا تخرج (10) على طريقة الجملة عن (11) وجهين: أحدهما (1) الاتلاف و (12) الافتيات، والآخر العقود والمعاوضات (13). ويدخل في العقود الوديعة، كما يدخل في الاتلاف ضروب التعدي، وفي الافتيات الغصب (14) الذي يبقى


1 – ب: احديهما. * 2 – الف: – له بدل. 3 – الف: سد. * 4 – ج: مجرى. 5 – ب: بان. * 6 – ب: – لم. 7 – الف: صفة. * 8 – الف: جرى. 9 – ج: + و. * 10 – ج: يخرج. 11 – الف: على. * 12 – الف: – و. * 13 – الف وج: المعاوضة. * 14 – الف: – الغصب. (*)

[ 826 ]

معه العين ويفتات (1) على مالكها بتناولها ومنعه منها. وقد يستحق على ما تقدم العين مرة (2) والبدل أخرى. فأما المواريث والغنائم، فلا شبهة في أنها أسباب شرعية خارجة عن العقل. وكذلك النفقات والهبات العقلية (3) وإن كانت شروطها شرعية. والاستحقاق في العقل (4) له (5) وجهان: أحدهما في العين، والآخر في الذمة. والثابت في الاعيان ينقسم إلى قسمين: أحدهما أن يثبت معينا كالمغصوب (6) والاعيان باقية، والآخر بالصفة، وهو وجود المثل الذي تقدم (7) ذكره. وأما ما يثبت في الذمة، فهو وجوب الحق مع انتفاء تعلقه بالعين، لان من عليه دين إذا كان واجدا للمال في غير بلده يعلم أن الحق ثابت عليه. وكذلك المفلس الذي يرجى (8) أن يجد المال،


1 – ج: يفات. * 2 – الف: – مرة. 3 – ب: عقلية. * 4 – ج: – وكذلك، تا اينجا. 5 – ب: – له. * 6 – ج: كالغصوب. 7 – الف: – تقدم. * 8 – الف: غير مقروء. (*)

[ 827 ]

فالاستحقاق ثابت هيهنا (1) وإن لم يكن في عين مخصوصة. باب في النافي والمستصحب للحال هل عليهما دليل أم لا اعلم أن قوما غفلوا فذهبوا إلى أن النافي لا دليل عليه، كما أنه لا بينة على المنكر، ولا دليل على من نفى نبوة (2) مدعي (3) النبوة، وكما لا دليل على من نفى كونه عالما بشئ. وفيهم من ذهب إلى أن نافي الاحكام العقلية عليه الدليل (4)، وليس ذلك على نافي الاحكام الشرعية. والصحيح أن على (5) كل ناف (6) لحكم (7) عقلي أو شرعي (8) الدليل. والذي يدل على ذلك أن النافي مخبر عن اعتقاده ومذهبه بانتفاء (9) الحكم، فلا بد إذا لم يكن ذلك (10) ضروريا من أن يبين (11)


1 – ج: هنا، الف: غير مقروء. * 2 – ب: – نبوة. 3 – ج: مدع. * 4 – الف: دليل. 5 – ب: – على. * 6 – الف: نافى. 7 – ج: بحكم. * 8 – ب: + عليه. 9 – ب وج: في انتفاء. * 10 – ب: – ذلك. 11 – الف: يتبين. (*)

[ 828 ]

وجهه وطريقه، ومن أي وجه وجب اعتقاده ؟ وجرى النفي في المذهب والاعتقاد مجرى الاثبات في وجوب إقامة الدليل على كل واحد منهما. وإنما لزم في (1) الاثبات (2) الدليل لانه مذهب واعتقاد يجب بيان وجهه (3)، لا لانه إثبات، فالنفي مشارك له في هذا الحكم. واعلم أن الطرق التي (4) تثبت (5) منها العلوم سواء كانت ضرورية أو استدلالية يدخل فيها طريقة النفي، كالادراك لما كان طريقا للعلم الضروري صار بعينه طريقا لنفي الدرك، وكذلك الاخبار لما كانت طريقا (6) إلى العلم بالبلدان (7) وما أشبهها، صار نفيها (8) طريقا إلى نفي بلدة زائدة وحادثة زائدة على ما عرفناه، ولهذا انتفى (9) الصفات عن الذوات بانتفاء أحكامها، وتنفى (10) النبوة عن مدعيها لانتفاء العلم المعجز (11)، وينفي وجوب صوم شهر زائد


1 – ب: – الاثبات، تا اينجا. * 2 – ب: اثبات. 3 – ب: – وجهه. * 4 – الف: – التى. 5 – الف: يثبت. * 6 – ب: – لنفى، تا اينجا. 7 – ج: ببلدان. * 8 – ب: بعينها. 9 – ب: ينفى. 10 – هذا هو الظاهر من الاصل، لكن المركز الاول من الكلمة في نسخة الالف بلا نقطة، والمرسوم مكانها في نسخة ب: تبقى، وفي ج: ينفى. * 11 – بالمعجز. (*)

[ 829 ]

على شهر الصيام، وصلوة زائدة على الخمس، لانتفاء دلالة التعبد بذلك. ولعل ذلك إنما أشكل من حيث عولنا في الاستدلال على النفي، فظن أن ذلك ليس بدلالة، وقد يكون الدلالة نفيا وإثباتا. وليس نفي العلم بالحكم يجري مجرى نفي الحكم، لان نفي العلم يقتضي الشك والتوقف، ولا دليل على الشاك، لانه خال من الاعتقادات والمذاهب، والنافي ذاهب إلى شئ بعينه اعتقده، فعليه إقامة الدليل. فأما ما تعلقوا به من أنه لا بينة على المنكر، فذلك طريقة الشرع دون العقل، وكلامنا فيما يقتضيه العقل (1). ولو كان لا بينة عليه، لما احتاج إلى اليمين، لانها تجري في براءة ساحته وقطع خصومته مجرى البينة. على أن كون الشئ في يد المنكر يجري مجرى البينة. لانه لو لم يكن في يده لجرى مجرى المدعي الآخر في الحاجة إلى بينة، وأما (2) استصحاب الحال، فعند التحقيق * لا يرجع المتعلق


1 – الف: – العقل. * 2 – الف: فاما. (*)

[ 830 ]

بها إلا إلى أنه أثبت حكما بغير دليل، لانهم يقولون: إن الرائي (1) للماء في الصلوه قد ثبت قبل رؤيته له بالاجماع وجوب مضيه في الصلوة، فيجب أن يكون على هذه الحال مع رؤية الماء، وهذا جمع بين الحالين (2) في حكم من غير دلالة جامعة، لان الحالين مختلفان (3)، من حيث كان غير واجد للماء في إحديهما وواجدا له في الاخرى، فكيف يسوى بين الحالتين من غير دلالة ؟ !. وإذا كنا أثبتنا الحكم في الحال الاول (4) بدليل، فالواجب أن ينظر، فإن كان ذلك الدليل في تناول الحالين، سوينا بينهما فيه، وليس هيهنا استصحاب حال. وإن كان تناول الدليل إنما هو للحال الاولى فقط، فالحال الثانية عارية من دليل، ولا يجوز إثبات مثل الحكم لها من غير دليل، وجرت هذه الحال مع الخلو من دلالة مجرى الاولى لو خلت من دلالة، فإذا لم يجز إثبات الحكم الاول (4) إلا بدليل، فكذلك الثانية، وجرت الحالان مجرى


1 – هذا هو الصحيح، لكن في نسختي الالف وج: الراى، ونسخة ب سقطت عنها هيهنا من قلم الكاتب صفحات. 2 – الف: حالين. * 3 – ج: الحالتين مختلفتان. 4 – ج: الاولى. (*)

[ 831 ]

مسألتين في أنه لا بد من دليل يجمعهما، أو (1) اختصاص كل مسألة بدلالة. فإن قالوا: ثبوت الحكم في الحال الاول (2) يقتضي استمراره إلا بمنع (3)، لان ذلك لو لم يجب لم يعلم استمرار الاحكام في موضع من المواضع. وحدوث الحوادث لا يمنع من ذلك، كما لا تمنع (4) حركة الفلك وما جرى مجراها (5) من الحوادث، فيجب استصحاب الحال ما لم يمنع مانع. قلنا: لا بد من اعتبار الدليل الدال (6) على ثبوت الحكم في الحالة الاولى، وكيفية إثباته، وهل أثبت ذلك في حالة واحدة أو على سبيل الاستمرار ؟، وهل تعلق بشرط مراعى أو لم يتعلق ؟، وقد علمنا أن الحكم الثابت في الحال الاول (2) إنما يثبت بشرط فقد الماء، والماء في الحال الثانية موجود، واتفقت الامة على ثبوته (7) في الاول (8)، واختلفت في الثانية، فالحالتان (9) مختلفتان،


1 – الف: و. * 2 – ج: الاولى. 3 – ج: المنع. * 4 – الف: يمنع. 5 – ج: مجراه. * 6 – الف: – الدال. 7 – هذا هو الظاهر، لكن قد ذكرنا ان نسخة ب سقطت منها هذه الصفحات، ونسخة ج سقطت منها هذه العبارة خاصة، وفي نسخة الالف: نبوته، مكان على ثبوته. 8 – ج: – انما يثبت، تا اينجا. * 9 – الف: فالحالان. (*)

[ 832 ]

ولا بد من دلالة على كل واحدة منها. وقد ثبت في العقول أن من شاهد زيدا في الدار ثم غاب عنه أنه لا يحسن أن يعتقد استمرار كونه (1) في الدار إلا بدليل متجدد، ولا يجوز استصحاب الحال الاول (2). وصار كونه في الدار في الثاني وقد زالت الرؤية بمنزلة كون عمرو فيها مع فقد الرؤية. فأما القضاء بأن حركة الفلك وما جرى (3) مجراها لا يمنع من استمرار الاحكام، فذلك معلوم بالادلة. وعلى من ادعى أن رؤية الماء لم تغير (4) الحكم الدلالة. وبمثل ذلك نجيب (5) من قال: فيجب أن لا يقطع بخبر من أخبرنا عن مكة وما جرى مجراها (6) من البلدان على استمرار وجودها، وذلك أنه لا بد في القطع على الاستمرار من دليل إما عادة أو ما يقوم مقامها، وكذلك كان من يجوز (7) انتقاض العادات في كل الاحوال يجوز (7) من ذلك ما لا يجوزه (8) غيره ممن يمنع ذلك.


1 – الف: استمراره، بجاى استمرار كونه. 2 – ج: الاولى. * 3 – ج: يجرى. 4 – ج: يتغير. 5 – هذا هو الصحيح، لكن نسخة الف: يجيب، ونسخة ج: تجنب. 6 – الف: جراها، بجاى جرى مجراها. 7 – ج: تجوز. * 8 – ج: يجوز. (*)

[ 833 ]

ولو كان البلد الذي خبرنا عنه على ساحل البحر، لجوزنا زواله لغلبة البحر عليه، إلا أن يمنع من ذلك (1) خبر متواتر، فالدليل على ذلك كله لا بد منه. فأما القول بأقل ما قيل في المسألة، من حيث كان الاجماع ثابتا فيه، والزيادة لا دليل عليها، فبقي وجوبها، فهو صحيح إذا (2) بني على ما قدمناه من الاستدلال على نفي الحكم بنفي الدلالة عليه إذا كان من الباب الذي متى كان حقا وجب أن يكون عليه دلالة منصوبة. وليس يختص ذلك بأقل ما قيل فيه، بل (3) في كل حق اختلف في ثبوته وهو مما يجب إذا كان ثابتا و (4) وجود دلالة عليه. فإن قيل: لم وجب النفي لعدم دليل الاثبات، ولم (5) يجب الاثبات لعدم دليل النفي ؟. قلنا: لابد لكل مثبت أو ناف (6) من دليل على ما نفاه أو أثبته، غير أن النافي لامر قد علم بالدليل أنه لو كان ثابتا لوجب


1 – ج: – ولو كان، تا اينجا. * 2 – ج: – إذا. 3 – الف: – فيه بل * 4 – الظاهر زيادة الواو. 5 – ج: فلم. * 6 – الف: نافى. (*)

[ 834 ]

أن يكون (1) عليه دلالة قائمة يمكن أن ينفيه من حيث انتفت الدلالة عليه، وصار انتفاء الدلالة هيهنا دليلا كافيا على النفي، وليس كذلك الاثبات، لانه لابد فيه من دلالة هي إثبات لا يرجع (2) إلى طريقة النفي، حتى يقال: لو كان منتفيا لكان على انتفائه دليل، فإذا فقد، قطعنا على ثبوته، لان الفرق بين الامرين يتبين (3) بمسائل كثيرة: منها أنا كلنا نقطع في شخص بعينه على أنه ليس بنبي، لفقد العلم المعجز (4) الدال على نبوته، ولا يحتاج إلى غير ذلك في نفي نبوته، ولايجوز قياسا على ذلك أن نثبت (5) نبوة شخص آخر، من حيث فقدنا الدليل على (6) أنه ليس بنبي، بل لا بد في إثبات نبوته من دليل لا (7) يرجع فيه إلى النفي. ومن ذلك أنا ننفي وجوب (8) صلوة سادسة، ووجوب صيام شهر زائد على شهر الصيام (9)، من حيث فقدنا دلالة وجوب ذلك،


1 – الف: – يكون. * 2 – الف: ترجع. 3 – ج: تبين. * 4 – الف: بالمعجز. 5 – الف: تثبت. * 6 – ج: – على. 7 – الف: – لا. * 8 – ج: – وجوب. 9 – ب: – وصلوة زائدة على الخمس (قبل از چندين سطر به استصحاب حال مانده) تا اينجا. (*)

[ 835 ]

وهو من الباب الذي متى كان واجبا فلا بد من دلالة على وجوبه. ومن (1) ذلك أننا ننفي بلدا (2) زائدا على ما عرفناه من البلدان، من حيث لو كان موجودا لخبرنا عنه، فنجعل (3) الطريق إلى نفيه نفي الخبر عنه، ولا يجوز إثبات بلد * بأن نقول (4): لو لم يكن ثابتا لخبرنا عن فقده، وكذلك ننفي (5) وقوع فتنة عظيمة في الجامع يوم الجمعة لفقد الخبر عنها، ولا تثبت هذه الفتنة من حيث ارتفع الخبر عن انتفائها، لان نقل الاخبار أحد الادلة، فاعتبر في نفي الامور نفي ورودها بإثباتها، ولم يعتبر (6) في إثباتها نفي ورودها (7) بنفيها. وقد كنا قديما أملينا (8) مسألة استقصينا فيها الكلام على هذه النكتة، وبينا أن هذه الطريقة تقتضي (9) إثبات ما لا يتناهى من الادلة، لاننا (10) ننفي ما لا نهاية له، فلو احتجنا في كل منفي إلى دليل (11)


1 – الف: – من. * 2 – ج: ينفى بلد. 3 – ج: لنجعل. * 4 – ج: يقول. 5 – ب: تبقى. * 6 – ج: نعتبر. 7 – ب: – باثباتها، تا اينجا. * 8 – الف: اثبتنا. 9 – ج: يقتضى. * 10 – الف: لانالا. 11 – ب وج: + و. (*)

[ 836 ]

هو إثبات، لوجب (1) ما ذكرناه من أدلة لا تتناهى (2)، وليس كذلك الاثبات، لان الاشياء المثبتة متناهية، فيجوز إثباتها لا من طريقة النفي، بل بأدلة إثبات متناهية. فإن قيل: فيجب أن لا يستدل (3) على نفي الحكم الشرعي بنفي الدلالة عليه إلا (4) العلماء الذين فتشوا الادلة، وغاصوا على أعماقها، حتى يصح أن ينفوها متى لم تكن (5) لهم (6) ظاهرة. قلنا: كذلك هو و (7) من لم يكن عالما (8) ممن يجب ظهور الادلة له لا يجوز أن يعتمد هذه الطريقة. وأما (9) الاستدلال ببراءة الذمة، فمما (10) يمكن الاعتماد (11) عليه، لان تعلق الحق بالذمة عقلا أو شرعا يحتاج إلى سبب استحقاق، فإذا أدى النظر إلى فقد سبب الاستحقاق (12)، علم براءة الذمة.


1 – الف: لوجوب. * 2 – ج: يتناهى. 3 – الف: الاستدلال، بجاى ان لا يستدل. 4 – الف: لا. * 5 – ب: يكن. 6 – ج: لها. * 7 – الف: – و. 8 – الف وج: + و. * 9 – ب: فاما. 10 – الف: + لم. * 11 – ج: الاعتقاد. 12 – ج: استحقاق. (*)

[ 837 ]

ولولا صحة هذه الطريقة لما علم العقلاء براءة ذممهم (1) من الحقوق. ونحن الآن قاطعون كتابنا هذا، فقد (2) انتهينا فيه (3) إلى (4) الامد (5) المقصود، والمغزى (6) المطلوب، وإلى الله تعالى الرغبة (7) في أن يغفر لنا زللا، إن كان جرى فيه ما اعتمدناه (8) ولا أردناه، وأن يوفر ثوابها على ما وافق الحق ونصره وكشف عن قناعه وأظهره، لان تعلق الحق بالذمة عقلا أو شرعا يحتاج إلى سبب استحقاق، فإذا أدى النظر إلى فقد سبب الاستحقاق (12)، علم براءة الذمة.


1 – الف: لوجوب. * 2 – ج: يتناهى. 3 – الف: الاستدلال، بجاى ان لا يستدل. 4 – الف: لا. * 5 – ب: يكن. 6 – ج: لها. * 7 – الف: – و. 8 – الف وج: + و. * 9 – ب: فاما. 10 – الف: + لم. * 11 – ج: الاعتقاد. 12 – ج: استحقاق. (*)

[ 837 ]

ولولا صحة هذه الطريقة لما علم العقلاء براءة ذممهم (1) من الحقوق. ونحن الآن قاطعون كتابنا هذا، فقد (2) انتهينا فيه (3) إلى (4) الامد (5) المقصود، والمغزى (6) المطلوب، وإلى الله تعالى الرغبة (7) في أن يغفر لنا زللا، إن كان جرى فيه ما اعتمدناه (8) ولا أردناه، وأن يوفر ثوابها على ما وافق الحق ونصره وكشف عن قناعه وأظهره، ولا يخجلنا (9) بشئ (10) مما سطرناه وذكرناه عند (11) الموافقة يوم الحساب ونشر الكتاب إنه سميع مجيب.


1 – ج: ذمهم. * 2 – ج: – فقد. 3 – ب: – فيه. * 4 – الف: – إلى. 5 – ج: امداد. * 6 – الف وب: المعزى. 7 – الف: – الرغبة. * 8 – ب: اعتمدنا. 9 – الف: – يخجلنا. * 10 – ب: شئ. (*)

اترك تعليقاً